المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
بقلم: علي الكوراني العاملي
الطبعة الثانية ١٤٢٧
فهرس الكتاب
مقدمة..................٣.
الفصل الأول: الخطر الأكبر على الأمة.. الأئمة المضلون..................٥.
١ - الأئمة المضلون هم الخطر على الأمة وليس الدجال..................٥.
٢ - الأئمة المضلون يسفكون دماء العترة..................٧.
٣ - محاولات تبرئة الصحابة وتأخير الوعد النبوي بالمضلين..................٩.
٤ - إن أطعتموهم أضلوكم وإن عصيتموهم قتلوكم..................١٠.
٥ - تطبيق أمير المؤمنين (عليه السلام) للأئمة المضلين..................١١.
٦ - تطبيق عُبَادَة بن الصامت (رحمه الله) للأئمة المضلين..................١٢.
٧ - نصَّ النبي (صلى الله عليه وآله) على أن الأئمة المضلين من
صحابته..................١٣.
٨ - وقال عمر إن النبي (صلى الله عليه وآله) أسرَّ اليه التحذير من الأئمة
المضلين..................١٤.
٩ - وجاء النبي (صلى الله عليه وآله) إلى بيت عمر ولعلها المرة
الوحيدة..................١٦.
١٠ - سبب ابتلاء الأمة بهؤلاء الأئمة المضلين..................١٧.
١١ - أحاديث الشجرة الملعونة في القرآن تفسر المضلين..................١٨.
١٢ - حديث: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ينفعنا ولا يصح عندنا..................٢٠.
١٣ - استمرار حكم الأئمة المضلين وأتباعهم حتى ظهور المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه
الشريف)..................٢٢.
الفصل الثاني: ضخموا خطر الدجال للتغطية على الأئمة المضلين..................٢٣.
١ - الدجال من وجهة نظر أهل البيت (عليهم السلام)..................٢٣.
٢ - أحاديث الدجال في مصادر السنيين غابة متناقضة..................٣٢.
سماه اليهود المسيح الدجال بغضاً بالمسيح..................٣٢.
خالفوا النبي (صلى الله عليه وآله) وجعلوا الدجال أخطر من الأئمة
المضلين..................٣٣.
وجعلوا للدجال قدرات أسطورية..................٣٧.
الدجال عند بخاري، وأفضل ما رواه في الدجال..................٣٩.
٣ - عقيدة اليهود في الدجال..................٤١.
الدجالون اليهود نشروا الأسطورة والخوف من الدجال..................٤٣.
زعموا أن جميع الأنبياء (عليهم السلام) حذروا من الدجال..................٤٤.
زاد تضخيمهم للدجال في حجة الوداع وبعدها..................٤٨.
استمر خوف الناس من الدجال حتى طبقوه على المغول..................٤٩.
٤ - كعب الأحبار أكبر أبطال التحريف في عقيدة الدجال..................٤٩.
جعل كعب حركة الدجال حركة عربية..................٥٠.
جريمة كعب ورواة الخلافة في تشويه مستقبل الأمة..................٥٢.
زعم كعب أن اليهود يفتحون القسطنطينية..................٥٣.
كعب يخوِّف المسلمين بالدجال إن فتحوا القسطنطينية..................٥٤.
كعب يرد على النبي (صلى الله عليه وآله) وأتباع الخلافة
يطيعونه..................٥٧.
رد أهل البيت (عليهم السلام) على مكذوبات كعب في الدجال..................٥٨.
كعب يربط فتح القسطنطينية بقيام الساعة..................٦٠.
٥ - عقيدة الدجال التي نشرها تميم الداري..................٦٥.
٦ - عقيدة الدجال التي نشرها عمر بن الخطاب..................٧٣.
عبد الله بن عمر وحفصة يؤكدان عقيدة أبيهما..................٧٣.
خمس ملاحظات على عقيدة الدجال عند عمر..................٧٤.
٦ - روى علماؤنا حديث ابن صياد غير منقوص وردوا عليه..................٧٦.
٧ - تحير علمائهم وجهالهم بين دجال تميم ودجال عمر..................٨١.
٨ - محنة المسكين عبد الله بن صياد وحفيده عمارة الإمام عندهم..................٨٣.
٩ - أحاديث في الدجال يمكن أن تكون صحيحة..................٨٨.
أنه من يهود المشرق أو يهود أصفهان..................٨٨.
أتباعه اليهود وأولاد الحرام..................٨٩.
المدينة ومكة محرمتان عليه..................٨٩.
الكذابون قبل الدجال..................٩١.
من لم يؤمن بدجال كعب فقد كفر..................٩٤.
ختام في دابة الأرض ويأجوج ومأجوج..................٩٤.
آية دابة الأرض التي تكلم الناس..................٩٥.
دابة الأرض في مصادر السنيين..................٩٦.
أنواع المبالغات والإسرائيليات..................٩٧.
رواية أن علياً دابة الأرض ورواية نفي ذلك..................١٠١.
آيات يأجوج ومأجوج..................١٠٤.
نموذج من مبالغاتهم في يأجوج ومأجوج..................١٠٧.
الفصل الثالث: الطائفة الثابتة حتى يظهر إمامها المهدي (عليه
السلام)..................١١١.
الغرباء والطائفة الثابتة حتى يظهر إمامها المهدي (عليه
السلام)..................١١١.
من أحاديثهم في الطائفة الظاهرة أو المنصورة..................١١٣.
أحاديث مكذوبة ومحرفة لمدح معاوية وأهل الشام..................١١٥.
ومثلها في مدح سكان بيت المقدس وحوله..................١١٦.
ومثلها في مدح أهل الطالقان..................١١٧.
ومن مكذوبات اليهود في تفضيل بلاد الشام..................١١٨.
أحاديث الغرباء وغربة الإسلام في مصادر الطرفين..................١٢٣.
مجددو الإسلام..................١٢٥.
من هم الغرباء والطائفة المنصورة..................١٢٨.
حديث بعثت بين جاهليتين..................١٢٩.
الفصل الرابع: الفتن الموعودة في هذه الأمة..................١٣١.
١ - تحذير النبي (صلى الله عليه وآله) لأمته من الفتن بعده
مباشرة..................١٣١.
٢ - الفتنة العالمية وامتلاء الأرض بالظلم والجور من
الجبارين..................١٣٤.
٣ - استغلال رواة الخلافة أحاديث الفتن..................١٣٥.
ثلاث ملاحظات في توظيفهم أحاديث الفتن لمقتل عثمان وحرب
الجمل..................١٣٦.
٤ - أهل البيت (عليهم السلام) أمان الأمة وسفينة النجاة من
الفتن..................١٤٠.
٥ - اختلاف الروايات في عدد الفتن في هذه الأمة..................١٤٢.
٦ - الفتن المتصلة بظهور المهدي (عليه السلام)..................١٥٣.
حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم..................١٥٣.
يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل..................١٥٣.
يكون على تظاهر العمر وانقطاع من الزمان..................١٥٥.
إذا كثرت الشرط وملكت الإماء..................١٥٥.
فتنة كلما قيل انقطعت تمادت..................١٥٦.
شر الفتن كلها تكون قبل ظهوره (عليه السلام)..................١٥٧.
٧ - فتنة كنز الكعبة وجبل الذهب..................١٥٧.
أربع ملاحظات حول كنز الكعبة وظهور المهدي من المشرق..................١٥٨.
٨ - الفتنة التي تكون بعد موت الخامس من أهل بيت النبي (صلى الله عليه
وآله)..................١٦١.
٩ - الفتنة في العقيدة بعد فقدان الخامس من ولد السابع..................١٦٢.
ملاحظتان حول الأوصياء واليماني..................١٦٤.
١٠ - تربية الشيعة على مواجهة الفتن وانتظار الإمام المهدي (عليه
السلام)..................١٦٤.
١١ - فتنة بلاد الشام قبل ظهور المهدي (عليه السلام)..................١٦٧.
١٢ - شدة الفتنة قبل ظهور المهدي (عليه السلام) وحدث يكون في
الحجاز..................١٦٧.
١٣ - نصوص كثيرة تشبه الأحاديث وليست بها..................١٦٧.
الفصل الخامس: ذم حكام السوء وعلماء آخر الزمان..................١٦٩.
١ - علماء السوء أتباع الأئمة المضلين..................١٦٩.
الفصل السادس: النبي (صلى الله عليه وآله) يبشر الأمة بالمهدي (عليه السلام) من
عترته..................١٧٥.
المهدي من عترتي اسمه اسمي وكنيته كنيتي..................١٧٥.
المهدي (عليه السلام) حتمي ودولته العالمية حتمية..................١٧٦.
المهدي حق وهو من ولد فاطمة (عليها السلام)..................١٧٨.
النبي (صلى الله عليه وآله) يبشر فاطمة الزهراء بالمهدي (عليهما
السلام)..................١٧٩.
النبي (صلى الله عليه وآله) يبشر علياً بالمهدي (عليهما السلام)..................١٨٦.
النبي (صلى الله عليه وآله) يبشر الحسين بالمهدي (عليهما السلام)..................١٨٦.
وكذلك بشَّر عليٌّ ولده الحسين (عليهما السلام)..................١٨٨.
ابتكار النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) أساليب جديدة في
التحديد..................١٨٩.
الإمام الكاظم (عليه السلام) يشرح حديث جده (صلى الله عليه وآله)..................١٩٠.
أمير المؤمنين (عليه السلام): يبشر بالمهدي الحادي عشر من ولده..................١٩٠.
الإمام الحسين (عليه السلام) يبشر بالمهدي التاسع من ولده..................١٩١.
الإمام زين العابدين (عليه السلام): كأني بصاحبكم قد علا فوق
نجفكم..................١٩٣.
الإمام الباقر (عليه السلام): قائمنا السابع من ولدي..................١٩٣.
الإمام الصادق (عليه السلام) يبشر بالمهدي السادس من ولده..................١٩٥.
الإمام الكاظم (عليه السلام): القائم هو الخامس من ولدي..................١٩٦.
الإمام الرضا (عليه السلام) يبشر بالمهدي الرابع من ولده..................١٩٦.
الفصل السابع: الإمام المهدي (عليه السلام) خاتم الأوصياء..................١٩٩.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): بنا فتح الله وبنا يختم..................١٩٩.
وما من سِرٍّ إلا والمهدي (عليه السلام) يختمه..................٢٠١.
أمير المؤمنين (عليه السلام): بنا فتح وبنا يختم لا بكم..................٢٠٣.
خاتم الأوصياء من ذرية خاتم الأسباط..................٢٠٧.
وبمهدينا تنقطع الحجج..................٢٠٨.
الإمام العسكري (عليه السلام): هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه..................٢١٠.
الإمام العسكري (عليه السلام) لولده: وأنت خاتم الأئمة الطاهرين..................٢١٠.
الإمام المهدي (عليه السلام): أنا خاتم الأوصياء وبي يرفع الله
البلاء..................٢١١.
الفصل الثامن: تحريف البشارة النبوية وادعاء المهدية..................٢١٣.
١ - قال النبي (صلى الله عليه وآله) (من عترتي) فجعلوها (من
أمتي)..................٢١٣.
٢ - غيروا (اسمه اسمي) إلى (يواطي اسمه اسمي)..................٢١٤.
٣ - أضافوا إلى النص النبوي: (واسم أبيه اسم أبي)..................٢١٥.
٤ - (من وُلْد الحسين) جعلوها (من وُلْد الحسن)..................٢١٩.
٥ - معاوية أول من ادعى أنه المهدي الموعود..................٢٢٤.
٦ - موسى بن طلحة ثاني من ادعى أنه المهدي الموعود..................٢٢٧.
٧ - ادعى الحسنيون مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى..................٢٢٩.
٨ - كذب العباسيون على النبي (صلى الله عليه وآله) وزعموا أن المهدي (عليه السلام)
منهم..................٢٣٣.
تحريفهم حديثاً صحيحاً..................٢٣٦.
كذب المنصور فادعى أن ابنه المهدي..................٢٣٨.
واعترف هارون الرشيد بكذبة أبيه وجده..................٢٤٠.
٩ - اثنا عشر كذاباً سيدعون المهدية قبيل ظهور الإمام (عليه
السلام)..................٢٤١.
الفصل التاسع: من صفات الإمام المهدي (عليه السلام) البدنية
والمعنوية..................٢٤٣.
أجلى الجبهة أقنى الأنف أفلج الثنايا..................٢٤٣.
شيخ السن شاب المنظر لا يهرم بمرور الأيام..................٢٤٤.
أبيض اللون، مشرب بحمرة، مبدَّح البطن..................٢٤٥.
غائر العينين مشرف الحاجبين عريض ما بين المنكبين..................٢٤٥.
اسمه اسمي وشمائله شمائلي..................٢٤٦.
سيرة المهدي (عليه السلام) في ملبسه..................٢٤٦.
رد صفة أزْيَلُ الفخذين..................٢٤٧.
من صفاته المعنوية (عليه السلام): يعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على
الرأي..................٢٤٩.
قد لبس للحكمة جنتها وأخذها بجميع أدبها..................٢٤٩.
يطبق القرآن ويعلمه للناس كما أنزل..................٢٥٠.
الشريد الطريد الفريد الوحيد المفرد من أهله..................٢٥٢.
معه راية النبي (صلى الله عليه وآله) ومواريثه ومواريث الأنبياء (عليهم
السلام)..................٢٥٢.
يُظهر القرآن بخط علي (عليه السلام)..................٢٥٦.
معه عهدٌ معهود من النبي (صلى الله عليه وآله)..................٢٥٦.
وهو ساقي الأمة في المحشر..................٢٥٦.
وهو الصراط السوي..................٢٥٧.
وهو صاحب ليلة القدر..................٢٥٧.
وهو بقية الله في أرضه..................٢٥٨.
وهو الكوكب الدري والنور الإلهي في الآية..................٢٥٨.
وهو المهدي من ربه، والأئمة (عليهم السلام) هم السبع المثاني..................٢٦٠.
له سيف مذخور من جده عبد المطلب (رحمه الله)..................٢٦٠.
يجتمع أبناء الزهراء (عليها السلام) في العالم على تأييده..................٢٦١.
يقاتل على السنة ويكمل مهمة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله)..................٢٦١.
حرفوا كتاب الفتوحات وحذفوا نسب الإمام المهدي (عليه السلام)..................٢٦٢.
تنتهي التقية بظهوره (عليه السلام)..................٢٦٥.
الفصل العاشر: مقام الإمام المهدي (عليه السلام) عند الله تعالى..................٢٦٧.
المهدي (عليه السلام) أحد سبعة سادة أهل الجنة..................٢٦٧.
الإمام المهدي (عليه السلام) مختارٌ مصطفى من ربه..................٢٦٩.
المهدي (عليه السلام) محدثٌ تحدثه الملائكة..................٢٧٣.
أخذ الله الميثاق للمهدي (عليه السلام)..................٢٧٣.
المهدي (عليه السلام) أحد أربعة أمر الله نبيه (صلى الله عليه وآله) بحبهم..................٢٧٤.
تُرافقهُ غمامةٌ تُظِلُّه وفيها ملَك..................٢٧٤.
تظهر على يده معجزات الأنبياء (عليهم السلام)..................٢٧٥.
حتى المتعصبين لأبي بكر وعمر فضلوه عليهما..................٢٧٥.
الفصل الحادي عشر: مدة ملك الإمام المهدي (عليه السلام) وما يكون بعده..................٢٧٧.
تفاوت الروايات في مدة حكم المهدي (عليه السلام)..................٢٧٧.
ست ملاحظات حول مدة حكمه (عليه السلام)..................٢٨٣.
عظمة الملك الذي يعطيه الله لوليه المهدي (عليه السلام)..................٢٩٠.
هل يقتل الإمام (عليه السلام) أم يموت طبيعياً..................٢٩٤.
جريمة كعب ورواة الخلافة في تشويه صورة المستقبل..................٢٩٦.
وزعم كعب وتلاميذه أن شخصاً مخزومياً ويمانياً يملكان بعد المهدي (عليه السلام)..................٢٩٧.
يماني كعب يكون بعد المهدي (عليه السلام) ويُبيد قريشاً..................٢٩٨.
يحكم بعد المهدي (عليه السلام) اثنا عشر من ولده..................٢٩٩.
ملاحظتان حول ما يكون بعه (عليه السلام)..................٣٠٥.
الفصل الثاني عشر: أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام)..................٣٠٧.
١ - أصحابه الخاصون في غيبته: عمل الإمام المهدي (عليه السلام) في غيبته..................٣٠٧.
أصحاب المهمات الخاصة مع الإمام المهدي (عليه السلام)..................٣٠٨.
هل لجبل رضوى علاقة بالإمام (عليه السلام) وأصحابه..................٣١٠.
الخضر من أصحاب المهدي (عليهما السلام)..................٣١٣.
وربما كان نبي الله إلياس من أصحابه (عليهما السلام)..................٣١٥.
أصحاب الكهف أعوان المهدي (عليه السلام)..................٣٢١.
ملاحظتان حول أصحاب الكهف..................٣٢٤.
من أصحاب المهدي (عليه السلام) سبعة علماء من بلاد شتى..................٣٢٧.
النفس الزكية الشهيد في ظهر الكوفة من علامات المهدي (عليه السلام)..................٣٢٩.
النفس الزكية الشهيد في المدينة من علاماته (عليه السلام)..................٣٣٠.
النفس الزكية في مكة من أصحابه (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)..................٣٣٢.
٢ - أصحاب المهدي (عليه السلام) الخاصون الثلاث مئة وثلاثة عشر: مقام أصحاب الإمام
المهدي (عليه السلام)..................٣٣٤.
لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون..................٣٣٦.
يجمعهم الله من أنحاء الأرض في ليلة واحدة..................٣٣٧.
وهم الأمة المعدودة في القرآن..................٣٤٠.
وهم الموعودون بالاستخلاف والتمكين في الأرض..................٣٤١.
وهم الموعودون بوراثة الأرض..................٣٤٢.
وهم القوم الموعودون في الآية: فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ....................٣٤٣.
وهم الركن الشديد للإمام المهدي (عليه السلام)..................٣٤٤.
وهم المظلومون المأذون لهم بالقتال..................٣٤٤.
وهم وإمامهم (عليه السلام) وعد الآخرة لليهود..................٣٤٤.
وهم المنتصرون في الآية..................٣٤٥.
وهم من المتوسمين في الآية..................٣٤٥.
يجمعهم الله من المشرق والمغرب وأقاصي الأرض..................٣٤٦.
منهم أبدال الشام ونجباء مصر وعصائب العراق..................٣٤٦.
أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) فيهم خمسون امرأة..................٣٤٧.
يتجمَّعون في المسجد الحرام..................٣٥١.
يبايعون المهدي (عليه السلام) بين الركن والمقام..................٣٥٢.
الأذان الأكبر دعوة المهدي (عليه السلام) العالم إلى إمامته..................٣٥٦.
يبعثهم المهدي (عليه السلام) حكاماً على العالم..................٣٥٦.
٣ - أصحابه الذين يتحرك بهم من مكة..................٣٥٧.
حركة الإمام (عليه السلام) إلى العراق..................٣٥٨.
تجري في أصحاب المهدي (عليه السلام) سنة أصحاب طالوت (عليه السلام)..................٣٥٩.
امتحان الإمام المهدي (عليه السلام) لأصحابه..................٣٥٩.
٤ - أصحاب الإمام (عليه السلام) الذين يُحْيَوْنَ من قبورهم..................٣٦٠.
رجعة ٢٧ رجلاً إلى الدنيا لنصرة الإمام (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)..................٣٦١.
سلمان الفارسي من أنصار المهدي (عليه السلام)..................٣٦٢.
رجعة المؤمنين الذين هم أهلٌ لنصرة الإمام المهدي (عليه السلام)..................٣٦٣.
عجباً كل العجب بين جمادى ورجب..................٣٦٥.
٥ - للإمام المهدي أنصار من الكواكب الأخرى..................٣٧٠.
نقد مقولة أن الإمام (عليه السلام) ينتظر وجود أصحابه..................٣٧١.
شبهة أن ظهوره متوقف على امتلاء الدنيا جوراً..................٣٧٦.
هل صحيح أن أصحاب المهدي (عليه السلام) أكثرهم من غير العرب..................٣٧٦.
أحاديث لم يثبت سندها تُسَمِّي أصحابه (عليه السلام)..................٣٧٨.
الفصل الثالث عشر: أحاديث الأبدال في مصادر أتباع الخلافة..................٣٩١.
تحريف رواة الخلافة لمفهوم الأبدال..................٣٩١.
ثم زادوا عددهم إلى أربعين وستين وثمانين..................٣٩٢.
ثم جعلوهم خمس مئة..................٣٩٣.
في كل تحريف ابحث عن كعب..................٣٩٤.
وقالوا إن الأبدال خلفاء الأنبياء (عليهم السلام) وإنهم عجمٌ لا عربَ فيهم..................٣٩٥.
وقالوا علامة أحدهم أن يكون عقيماً..................٣٩٧.
في عقيدة الأبدال وقعوا في عقيدة الإمامة الربانية..................٣٩٨.
الفصل الرابع عشر: ينصر الله الإمام المهدي بالملائكة (عليهم السلام)..................٤٠١.
ينادي جبرئيل باسم المهدي واسم أبيه (عليهما السلام)..................٤٠١.
ينصره الله بملائكة بدر..................٤٠١.
أول من يبايعه جبرئيل (عليهما السلام) ثم تأتيه أجناد الملائكة..................٤٠٣.
ينصره الله بالملائكة الذين نزلوا لنصرة الحسين (عليهما السلام)..................٤٠٦.
ينصره الله بثلاثة عشر ألف من الملائكة..................٤٠٧.
مع المهدي (عليه السلام) راية النبي (صلى الله عليه وآله) وملائكتها..................٤٠٨.
في مقدمته جبرئيل وفي ساقته إسرافيل (عليهم السلام)..................٤٠٩.
الفصل الخامس عشر: فضل المؤمنين الثابتين في غيبته (عليه السلام)..................٤١١.
أيها المستعجلون: إن الله لا يعجل لعجلة العباد..................٤١١.
النبي (صلى الله عليه وآله): بعدي يجيء زمن الصبر..................٤١٢.
روح الانتظار والأمل من الفرج..................٤١٥.
الخطأ في الأمل لا يضر، واليأس كله خطأ..................٤١٦.
فضل المؤمنين المنتظرين لظهوره (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)..................٤١٦.
الأئمة يهدئون اندفاع شيعتهم ويعلمونهم انتظار الفرج..................٤١٧.
أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تيأسوا من رَوْح الله..................٤١٧.
الإمام الباقر (عليه السلام): المنتظر المحتسب كالمجاهد مع الإمام (عليه السلام)..................٤١٩.
المنتظر المخلص في ولائه من أهل الجنة..................٤٢١.
الإمام الصادق (عليه السلام): طوبى لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا..................٤٢٢.
الإيمان في دولة الباطل أفضل منه في دولة الحق..................٤٢٢.
الأرض لا تخلو من مؤمنين كاملين كأصحاب الإمام (عليه السلام)..................٤٢٤.
لا فرق على المؤمن إن مات قبل ظهور الإمام (عليه السلام) أو بعده..................٤٢٥.
المؤمن شهيد وإن مات على فراشه..................٤٢٦.
المنتظرون له هم الصادقون في الآية..................٤٢٧.
نَفَسُ المهموم لنا تسبيح..................٤٢٧.
قلة عدد المؤمنين في زمن الغيبة..................٤٢٨.
فأولئك معنا ونحن منهم..................٤٢٩.
ذلك من رفقائي وذوي مودتي..................٤٣٠.
رجعة بعض المؤمنين إلى الدنيا..................٤٣٠.
رجعة بعض الشهداء والمؤمنين إلى الدنيا..................٤٣١.
أهمية الاستعداد حتى الشكلي لنصرة الإمام المهدي (عليه السلام)..................٤٣٢.
سنة الله في غربلة أجيال المؤمنين وتصفية الشيعة..................٤٣٣.
التقية واجبة إلى ظهور الإمام (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)..................٤٣٦.
الفصل السادس عشر: بلاد العرب في عصر ظهور المهدي (عليه السلام)..................٤٣٧.
مدح العرب وذمهم في مصادر الحديث..................٤٣٧.
الفصل السابع عشر: مصر في عصر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)..................٤٤٧.
نجباء مصر من وزراء الإمام المهدي (عليه السلام)..................٤٤٩.
يدخل الإمام المهدي (عليه السلام) مصر ويجعلها مركز إعلامه العالمي..................٤٤٩.
الفصل الثامن عشر: بلاد الشام في عصر الظهور..................٤٥٣.
بلاد الشام وحركة السفياني..................٤٥٣.
السفياني يخرج سنة ظهور المهدي (عليه السلام)..................٤٥٣.
بداية حركته بعد خروج الأبقع على الأصهب وزلزال..................٤٥٤.
وحشُ الوجه ضخم الهامة أحمر أزرق..................٤٥٦.
السفياني من أولاد معاوية..................٤٥٦.
السفياني من المحتومات التي لابد منها..................٤٥٧.
السفياني يحكم سوريا والأردن نحو سنة..................٤٦٠.
الناجون من اتِّبَاع السفياني في بلاد الشام..................٤٦١.
فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا..................٤٦٢.
محاولاتهم إحراج الإمام الصادق والإمام الرضا (عليهما السلام)..................٤٦٤.
تأثير أحاديث السفياني على أتباع الأمويين..................٤٦٥.
معركة قرقيسيا..................٤٦٧.
الفصل التاسع عشر: الحجاز في عصر الظهور..................٤٧١.
أحداث الحجاز قبل ظهور المهدي (عليه السلام)..................٤٧١.
اختلاف بني فلان والهدة بين الحرمين..................٤٧١.
موت حاكم في موته فرج الناس جميعاً..................٤٧٤.
نارٌ في شرقي الحجاز..................٤٧٤.
جيش السفياني في الحجاز..................٤٧٦.
عدد جيش السفياني ومكان الخسف به..................٤٨١.
الآيات النازلة في معجزة الخسف بالجيش..................٤٨٢.
الغلام أو النفس الزكية الذي يقتل في المدينة..................٤٨٥.
النداء السماوي من مصادر السنيين..................٤٨٥.
النداء السماوي في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)..................٤٨٨.
هو الآية التي تظل أعناقهم لها خاضعين..................٤٨٩.
أبو جعفر المنصور يروي حديث النداء..................٤٩٢.
النداء من المحتومات الإلهية يسمعه جميع الناس بلغاتهم..................٤٩٢.
النداء هو الصيحة بالحق..................٤٩٣.
يأتي في ظروف ضاغطة على المسلمين..................٤٩٣.
وفي ظروف شديدة على الشيعة..................٤٩٤.
يكون النداء على أثر قتال في الحجاز..................٤٩٤.
ويؤمر الإمام (عليه السلام) في النداء بالقيام..................٤٩٥.
معنى أن الإمام (عليه السلام) يبايع على كره منه..................٤٩٥.
النداء في سنة زوجية في ليلة ٢٣ رمضان..................٤٩٥.
علامة ظهوره (عليه السلام) سراج يطفأ ويشع بدله نوره (عليه السلام)..................٤٩٦.
تكون قبل النداء آية في رجب..................٤٩٦.
بعد نداء جبرئيل (عليه السلام) ينادي الشيطان بنداء مضاد..................٤٩٦.
وهو غير الصوت الذي يأتي من قِبَل الشام..................٤٩٨.
خمس ملاحظات حول موقف الغربيين من النداء السماوي..................٤٩٨.
الفصل العشرون: شريط حركة الظهور المقدس..................٥٠١.
بيعة المهدي (عليه السلام) على أثر موت الحاكم وصراع القبائل..................٥٠٣.
يصلح الله أمر المهدي (عليه السلام) في ليلة..................٥٠٧.
يوم المهدي (عليه السلام) أحد أيام الله الثلاثة..................٥٠٨.
لقاء الإمام (عليه السلام) بأصحابه الأبرار..................٥٠٩.
الحركة الاختبارية شهادة النفس الزكية..................٥١٠.
يظهر الإمام (عليه السلام) في وتر من السنين..................٥١١.
بداية ظهور (عليه السلام) يوم الجمعة تاسع محرم..................٥١٢.
يظهر (عليه السلام) يوم عاشوراء يوم سبت..................٥١٣.
رواية أن يوم عاشوراء يصادف يوم النوروز..................٥١٤.
بيان الإمام الأول إلى أهل مكة..................٥١٤.
بيان الإمام (عليه السلام) العالمي يوم عاشوراء..................٥١٨.
وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ..................٥١٨.
يمكث الإمام (عليه السلام) في مكة طويلاً ثم يسير إلى المدينة..................٥٢٠.
ماذا يفعل الإمام (عليه السلام) في المدينة..................٥٢٢.
يطرح الإمام المهدي (عليه السلام) قضية أبي بكر وعمر في المدينة..................٥٢٣.
ردة فعل النواصب والبترية على عمل الإمام (عليه السلام)..................٥٢٥.
الفصل الحادي والعشرون: العراق في عصر الظهور..................٥٢٧.
العراق عاصمة دولة العدل الإلهية..................٥٢٧.
ضعف رواية جفاف الفرات..................٥٢٩.
ضعف روايات خراب بغداد..................٥٣٠.
روايات الفريقين حول البصرة..................٥٣٠.
إخبار أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ثورة الزنج بالبصرة..................٥٣٢.
روايات غرق البصرة..................٥٣٤.
روايات خراب البصرة..................٥٣٤.
الشيصباني طاغية العراق قبل السفياني..................٥٣٩.
رواية الحسني..................٥٣٩.
عوف السلمي الذي يخرج قبل السفياني..................٥٤٠.
أزمة الجوع والخوف الذريع والقتل الفظيع قرب ظهوره (عليه السلام)..................٥٤١.
نزول قوات الروم الغربية في العراق..................٥٤٤.
هدم سور مسجد الكوفة..................٥٤٦.
قوات السفياني أو القوات السورية في العراق..................٥٤٦.
هل الزرقاوي هو صاحب السفياني..................٥٤٨.
ضعف رواية دخول جيش السفياني إلى إيران..................٥٤٩.
ضعف رواية معركة اصطخر قرب الأهواز..................٥٥٠.
دخول الإمام (عليه السلام) إلى العراق واتخاذه عاصمة له..................٥٥٢.
يدخل العراق وفيه ثلاث رايات قد اضطربت فيما بينها..................٥٥٣.
ينزل الإمام (عليه السلام) في النجف أولاً..................٥٥٥.
أربع ملاحظات على أحاديث دخوله النجف..................٥٥٧.
الإمام المهدي (عليه السلام) هو الآخذ بثأر الحسين (عليه السلام)..................٥٦٠.
الخوارج على الإمام (عليه السلام)..................٥٦٢.
البتريون أول الخوارج عليه..................٥٦٢.
آخر خارجة تخرج عليه من المقدادية في بعقوبة..................٥٦٤.
تصفية الإمام (عليه السلام) للعراق وتطهيره من أعدائه..................٥٦٧.
عاصمته (عليه السلام) الكوفة ويكون لكربلاء شأن عظيم..................٥٦٧.
بيت الإمام (عليه السلام) الشخصي في منطقة مسجد السهلة..................٥٧٠.
الفصل الثاني والعشرون: قسوة أعداء الإمام المهدي (عليه السلام) وشدته عليهم..................٥٧١.
لا بدَّ من استئصال الغُدة السرطانية..................٥٧١.
شدة الإمام (عليه السلام) على القساة المعاندين..................٥٧٢.
يبدأ بقتل كذَّابي الشيعة..................٥٧٥.
هيبة الإمام (عليه السلام) ورعب أعدائه منه..................٥٧٥.
ذل أعداء الإمام (عليه السلام)..................٥٧٧.
خط بني أمية وبني العباس يستمر إلى ظهوره (عليه السلام)..................٥٧٩.
يقيم حدَّ الله تعالى على كثير من المنافقين..................٥٨٢.
الفصل الثالث والعشرون: الإيرانيون في عصر الظهور..................٥٨٣.
كثرة الأحاديث السُّنِّية في مدح الإيرانيين..................٥٨٣.
الإيرانيون أول ثلاث فئات ممهدة للمهدي (عليه السلام)..................٥٨٦.
حديث أن أمر المهدي (عليه السلام) يبدأ من إيران..................٥٨٩.
حديث أصحاب الرايات السود وأهل المشرق..................٥٩٠.
أحاديث نظن أنها أجزاءٌ من حديث الرايات السود..................٥٩٣.
الخراساني قائد إيران وشعيب قائد جيشها..................٥٩٦.
ضعف رواية دخول الإمام المهدي (عليه السلام) إيران قبل العراق..................٥٩٨.
روايات مصادرنا في الخراسانيين وأصحاب الرايات السود..................٥٩٩.
بعض ما جاء في فضل قم..................٥٩٩.
حديث أتاح الله لأمة محمد (صلى الله عليه وآله) برجل منا أهل البيت..................٦٠٢.
الفصل الرابع والعشرون: اليمانيون في حركة ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)..................٦٠٥.
مدح اليمانيين في مصادر المسلمين..................٦٠٥.
نماذج من تخريبهم لشخصية اليماني والمهدي (عليه السلام)..................٦٠٨.
من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) في اليماني وأنه من المحتومات..................٦١١.
رايته أهدى الرايات وخروجه في رجب..................٦١١.
المصري واليماني الأول..................٦١٤.
كاسر عينه بصنعاء..................٦١٤.
قيل اسم اليماني حسن أو حسين..................٦١٤.
رواية يخرج المهدي من كرعة واليماني من يكلا..................٦١٥.
الفصل الخامس والعشرون: فلسطين ومعركة القدس في عصر الظهور..................٦١٧.
أوصاف آخر فتنة في الأمة تنطبق على فتنة فلسطين..................٦١٧.
من علامات الظهور نزول الروم بفلسطين..................٦١٨.
السفياني يملك فلسطين والكور الخمس..................٦١٨.
حديث حركة رايات خراسان إلى القدس..................٦١٨.
معركة دمشق والقدس الموعودة..................٦١٩.
حركة الإمام (عليه السلام) من العراق إلى الشام والقدس..................٦٢٠.
يعسكر الإمام (عليه السلام) في مرج عذراء قرب دمشق..................٦٢١.
يهزم الله على يديه السفياني ويهزم الروم..................٦٢٢.
الضغط الشعبي على السفياني لكي يبايع الإمام (عليه السلام)..................٦٢٣.
رواية أن الإمام (عليه السلام) ينزل بيت المقدس..................٦٢٦.
رواية جبار قريش الذي ينزل بيت المقدس..................٦٢٦.
ثلاث ملاحظات على روايات معركة دمشق والقدس..................٦٢٨.
تأثير انتصار الإمام الكاسح ودخوله القدس..................٦٢٩.
مدة حروب الإمام (عليه السلام) ثمانية أشهر..................٦٢٩.
رد رواية أن المهدي (عليه السلام) ينتصر بدون قتال..................٦٢٩.
الفصل السادس والعشرون: اليهود والمعركة معهم في عصر الظهور..................٦٣١.
الآيات في دور اليهود في عصر الظهور..................٦٣١.
المعركة الموعودة بين اليهود والمسلمين..................٦٣٥.
الإمام (عليه السلام) يطهر بلاد العرب من اليهود..................٦٣٩.
من يسلم من اليهود على يد الإمام (عليه السلام)..................٦٣٩.
تابوت السكينة..................٦٤١.
كشف الهيكل..................٦٤١.
رايات خراسان نحو القدس..................٦٤٢.
الفصل السابع والعشرون: نزول عيسى من السماء ونصرته الإمام المهدي (عليهما السلام)..................٦٤٣.
آيات نزول عيسى (عليه السلام)..................٦٤٣.
أحاديث نزول عيسى (عليه السلام) من مصادر أتباع الخلافة..................٦٤٥.
أحاديث نزول عيسى (عليه السلام) من مصادرنا..................٦٥١.
حساسية رواة الخلافة من بعض أحاديث نزول المسيح (عليه السلام)..................٦٥٣.
رووا أن من يقتل الدجال عيسى وروينا أن المهدي (عليه السلام) يقتله..................٦٥٧.
أبو هريرة كان يأمل أن يدرك نزول عيسى (عليه السلام)..................٦٥٧.
زعموا أن المسيح يدفن مع النبي (صلى الله عليه وآله)..................٦٥٧.
أهم المسائل في نزول عيسى (عليه السلام):..................٦٥٩.
المسألة الأولى: أين ينزل عيسى (عليه السلام)..................٦٥٩.
الثانية: محاولة إنكار اقتدائه بالمهدي (عليهما السلام)...................@@@
الثالثة: تأثير عيسى (عليه السلام) في الشعوب المسيحية...................
الرابعة: في مدة بقائه (عليه السلام) في الأرض...................
الفصل الثامن والعشرون: الروم في عصر الظهور وبعده..................٦٦٧.
الروم ودورهم في عصر الظهور...................
كثرة المكذوبات حول الروم...................
أقوى النصوص حول الروم في عصر المهدي (عليه السلام)، استثارة الروم على المسلمين...................
مجيء الروم إلى السواحل وخروج أهل الكهف...................
بعض أعداء المهدي (عليه السلام) يهربون إلى بلاد الروم...................
أحاديث الصلح بين الإمام المهدي (عليه السلام) والروم...................
تخريبهم حديث الصلح مع الروم وزيادتهم فيه...................
معنى أن الإمام المهدي (عليه السلام) يفتح المدينة الرومية بالتكبير...................
يحتج عيسى (عليه السلام) على الروم بالإمام المهدي (عليه السلام)...................
يبعث المهدي (عليه السلام) بقتال الروم في الملحمة...................
أشد الناس عليكم الروم...................
خزي الروم بعد الملحمة العظمى...................
يتعايش الإمام (عليه السلام) مع النصارى ويقبل منهم الجزية...................
المزيد من خيالات كعب ورواته عن الملحمة العظمى...................
زعموا أن الملحمة مع الروم نهاية الأمة الإسلامية...................
وقت الملحمة العظمى ومكانها بتخيل كعب وتلاميذه...................
وزعموا أن معقل المسلمين أي قاعدتهم تكون دمشق...................
زعم كعب أن الملحمة بين الروم واليهود فصار كذبه حديثاً نبوياً...................
وقال كعب يهرب ثلث المسلمين فصار كذبه حديثاً نبوياً...................
وكذبوا على حذيفة ما لم يثبت عنه وجعلوا الإمام المهدي (عليه السلام) موظفاً عند
اليهود...................
القدر المتيقن من معركة الإمام (عليه السلام) والروم...................
دور اليمانيين والخراسانيين في ملحمة الإمام مع الروم...................
الفصل التاسع والعشرون: الترك في عصر ظهور المهدي (عليه السلام)..................٦٩٧.
المقصود بالترك في أحاديث عصر الظهور...................
الفصل الثلاثون: معالم دولة العدل الإلهي على يد الإمام المهدي (عليه السلام)..................٧٠٥.
الطور الجديد للحياة البشرية على يد الإمام (عليه السلام)...................
يلهم الله الإمام المهدي (عليه السلام) العلوم...................
يتغير نوع الطاقة والإضاءة في عصر الإمام (عليه السلام)...................
ويتصل أهل الأرض بأهل الكواكب الأخرى...................
تطور الحياة في عصره (عليه السلام) ورؤية المؤمنين للملائكة...................
المؤمن في عصر الإمام (عليه السلام) يُحيي الموتى بإذن الله...................
المرحلة الأولى قبل الرخاء في عصره (عليه السلام)...................
يجمع كنوز الأرض ويخطب في الناس...................
يحيي الله به الأرض بعد موتها...................
في سنة ظهوره (عليه السلام) تمطر السماء ٢٤ مطرة...................
يحثو المال للناس حثياً بدون عدٍّ...................
يشمل الغنى كل الناس فلا يقبل أحد صدقة...................
ينعم الناس في زمانه حتى يتمنى الأحياء الأموات...................
يوزع الإمام (عليه السلام) الأراضي من جديد...................
يسع عدله والرخاء في عصره البَرَّ والفاجر...................
رحيمٌ بالمساكين شديدٌ على المسؤولين...................
الضمان الاجتماعي والاقتصادي وتعميم الثقافة...................
شعبية الإمام القوية وحب الأمة له (عليه السلام)...................
عمران بلاد العرب وما بين مكة والمدينة...................
مسجد الجمعة العالمي بين الكوفة وكربلاء...................
ارتقاء الوضع الصحي والروحي...................
يُقَسِّمُ العالم الى٣١٣ ولاية...................
يقضي أصحابه بعلمهم الرباني بدون شهود...................
من حكام الولايات خمسون امرأة...................
وقد تكون إدارة الولايات بالانتخاب...................
يصل العالم إلى مجتمع اللا نقد...................
يصحح الإمام (عليه السلام) هندسة المساجد والمشاهد...................
ينظم الإمام (عليه السلام) موسم الحج وقوانين السير...................
يطبق أحكاماً شرعية بعهد من جده المصطفى (صلى الله عليه وآله)...................
يُحَرِّمُ ربح المؤمن على أخيه المؤمن...................
يشدد على العصاة لعدم حاجتهم إلى الحرام...................
تصطلح في عصره السباع والمؤذيات...................
لا يعود الظلم بعده أبداً...................
الفصل الحادي والثلاثون: كيف أعد النبي (صلى الله عليه وآله) والعترة الأمة لغيبة
الإمام (عليه السلام)؟..................٧٣١.
إعداد النبي (صلى الله عليه وآله) الأمة لتحمل غيبة الإمام (عليه السلام)...................
أن المهدي (عليه السلام) مثل ذي القرنين يظهر بعد غيبة...................
يغيب عنكم كغيبة موسى عن قومه...................
تشبيه غيبته (عليه السلام) بموت عزير ثم إحيائه...................
أهل بيتي كنجوم السماء كلما غاب نجم طلع نجم...................
المهدي وغيبته عهد معهود من الله إلى نبيه (صلى الله عليه وآله)...................
غيبة الإمام (عليه السلام) بسبب ظلم الناس وجورهم...................
من العلل الأساسية لطول غيبته (عليه السلام)...................
التاسع من صُلب الحسين يغيب عنهم...................
أمير المؤمنين (عليه السلام) يحدث الأمة عن النجم الغائب...................
الإمام الحسن (عليه السلام): يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته...................
الإمام الحسين (عليه السلام): صاحب الغيبة الذي يقسم ميراثه وهو حي...................
الإمام زين العابدين (عليه السلام): وإنَّ للقائم منا غيبتين...................
الإمام الباقر (عليه السلام): كيف أنتم إذا غيب الله عنكم نجمكم...................
الإمام الصادق (عليه السلام): ما ينكرون أن يمد الله للمهدي في عمره...................
الإمام الكاظم (عليه السلام): النعمة الباطنة: الإمام الغائب...................
الإمام الرضا (عليه السلام): المهدي خفي الولادة غير خفي في نسبه...................
الإمام الجواد (عليه السلام): الثالث من ولدي المهدي المنتظر في غيبته...................
الإمام الهادي (عليه السلام): وأنى لكم بالخلف بعد الخلف...................
الإمام العسكري (عليه السلام): له غيبة يحار فيها الجاهلون...................
رواية الحاخام وهب في غيبة المهدي (عليه السلام)...................
الفصل الثاني والثلاثون: الموقتون الكَذَبَة والمحاضير الحمقى..................٧٥٧.
الأئمة (عليهم السلام) يعالجون مشكلة المحاضير والمستعجلين...................
الفصل الثالث والثلاثون: ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)..................٧٦٥.
الابتكار النبوي لتعيين شخص المهدي (عليه السلام)...................
من ابتكارات الأئمة (عليهم السلام) في تحديد شخصية المهدي (عليه السلام)...................
أ - التاسع من صلب الحسين، بأبي ابن خيرة الإماء...................
الإمام المهدي ابن خيرة الإماء وكذا جده الإمام الجواد (عليهما السلام)...................
بـ - تحديدات المهدي (عليه السلام) بالاسماء والعدد والصفات والشخص...................
ج - تجري في ولادته وغيبته سنن بعض الأنبياء (عليهم السلام)...................
د - صاحب هذا الأمر من خفي مولده وقال الناس لم يولد...................
العباسيون على سنة نمرود وفرعون...................
السلطة القرشية من قديم تبحث عن الإمام المهدي (عليه السلام)...................
كان الملوك العباسيون يعرفون إمامة العترة (عليهم السلام)...................
زادت السلطة رقابتها وتحداها الإمام العسكري (عليه السلام)...................
الإمام العسكري يبشر بولادة المهدي (عليهما السلام) وينص عليه...................
نور المهدي (عليه السلام) وملائكته عند ولادته...................
تعمدَ الإمام العسكري تكثير العقيقة عن ابنه (عليهما السلام)...................
المهدي كعيسى ويحيى (عليهم السلام) آتاه الله الحكم صبياً...................
الفصل الرابع والثلاثون: من الأحاديث الصحيحة السند في ولادته (عليه السلام)..................٧٩٥.
خلاصة بحث السيد الميلاني...................
كلام المحقق الحلي (رحمه الله)...................
عشرة أحاديث صحيحة مضافاً إلى ما تقدم...................
أحاديث أخرى في ولادته (عليه السلام) اكثرها صحيح السند...................
لقاء سعد بن عبد الله الأشعري بالإمام (عليه السلام)...................
شهادة قابلته عمة أبيه حكيمة بنت الجواد (عليهم السلام)...................
أم الإمام المهدي (رضي الله عنها) حفيدة قيصر الروم...................
ختام في فضل ليلة مولده (عليه السلام) ليلة النصف من شعبان...................
الفصل الخامس والثلاثون: من سيرة الإمام (عليه السلام) في غيبته الصغرى..................٨٤٥.
السلطة تبحث عن الإمام بعد وفاة أبيه (عليهما السلام)...................
هجوم السلطة على دار الإمام العسكري (عليه السلام) بعد وفاته...................
جعفر الكذاب يدعي أنه إمام...................
من معجزاته (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) وإجاباته الفقهية والعقائدية...................
ولادة الصدوق (رحمه الله) بدعاء الإمام (عليه السلام)...................
تحريم تسمية الإمام (عليه السلام) في الغيبة الصغرى...................
الفصل السادس والثلاثون: علامات الظهور المبارك..................٨٨٧.
وجَّهَ الأئمة (عليهم السلام) شيعتهم أن يتوقعوا الفرج من أول الغيبة...................
وصف عصور الظلم خاصة عصر ظهور المهدي (عليه السلام)...................
الكسوف والخسوف قبل ظهوره (عليه السلام)...................
من العلامات جرأة دول العالم على مخالفة الجبارين...................
الحرب والطاعون قبل ظهوره (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)...................
الفصل السابع والثلاثون: زيارة نبينا وبعض الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) إلى
الدنيا..................٨٩٥.
أصالة عقيدة الرجعة عند الشيعة...................
من سخريتهم بنا لعقيدتنا بالرجعة...................
الرجعة خاصة ببعض الأبرار والفجار وليست عامة...................
عقيدة الرجعة في زيارات النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)...................
تشبيه الرجعة بإحياء قوم موسى (عليه السلام) في الميقات...................
الرجعة من التأويل الذي لا يحيط الناس بعلمه...................
الأرض تحيا بالرجعة...................
بعض آيات الآخرة تعني الرجعة...................
الاعتقاد بالمهدي (عليه السلام) والرجعة من الإيمان بالغيب...................
الرجعة هي الصيحة في الآية...................
بعض المسلمين سيحلفون أن الرجعة لا تكون...................
رجعة بعض النواصب والاقتصاص منهم...................
النبي (صلى الله عليه وآله) يرجع إلى الدنيا حسب الوعد الإلهي...................
الرجعة على مراحل وأول من يرجع الإمام الحسين (عليه السلام)...................
اسماعيل النبي (عليه السلام) يرجع مع الحسين (عليه السلام)...................
رجعة بعض الأنبياء والأئمة (عليه السلام)...................
معاينة الناس الحق في الرجعة...................
رواية أن إبليس يظهر ويرجمه المؤمنون...................
رواية أن النبي (صلى الله عليه وآله) يقتل إبليس وحزبه في
الرجعة...................
رواية أن المهدي (عليه السلام) يقتل إبليس...................
الفصل الثامن والثلاثون: بعض الآيات المفسرة بالإمام المهدي (عليه
السلام)..................٩١٧.
آيات الوعد الإلهي بالاستخلاف في الأرض...................
المستضعفون الموعودون بالتمكين هم آل محمد (صلى الله عليه وآله)...................
آيات الوعد الإلهي بإظهار دينه وإتمام نوره...................
آيات القتال حتى لا تكونَ فتنة...................
لا تضع الحرب أوزارها إلا على يد المهدي (عليهما السلام)...................
لا ييأس الكفار من دين المسلمين إلا في عصره (عليه السلام)...................
المهدي (عليه السلام) من الغيب الموعود...................
آيات الحث على الثبات والمرابطة العقائدية...................
أن المهدي (عليه السلام) من أولي الأمر بنص الآية...................
أهل البيت (عليهم السلام) هم الصديقون الذين أنعم الله عليهم...................
آية فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ...................
آية: أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ...................
يوم الفتح الموعود في الآية هو المهدي (عليه السلام)...................
يوم المهدي (عليه السلام) يأتي تأويل القرآن...................
آية: حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا...................
أن الله أخذ ميثاق الأنبياء على الإقرار بالمهدي (عليهم السلام)...................
أخبر الله إبراهيم بولده المهدي (عليهما السلام)...................
أن المهدي (عليه السلام) يرث مساكن الذين ظلموا...................
مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد...................
يحق حق أهل البيت (عليهم السلام) ويبطل باطل بني أمية وأمثالهم...................
أن المهدي (عليه السلام) آخر حلقات العروة الوثقى...................
أن المهدي (عليه السلام) هو السنبلة السابعة بعد الإمام الصادق (عليه
السلام)...................
المهدي (عليه السلام) صاحب ليلة القدر...................
أن المهدي (عليه السلام) يضع الأغلال والآصار عن المؤمنين...................
ولكل قوم هاد...................
يوم ندعو كل أناس بإمامهم...................
حرمان الناس من الاستفادة من المهدي (عليه السلام)...................
آيات الفتنة والتمحيص في عصر غيبته (عليه السلام)...................
أن ظهور المهدي (عليه السلام) تأويل آية: الملك يومئذ الحق
للرحمن...................
المهدي (عليه السلام) مظهر قدرة الله تعالى في عترة النبي (صلى الله عليه
وآله)...................
أن الأوصياء (عليهم السلام) هم عباد الرحمن في الآية...................
إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَمَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ...................
العذاب على أعداء المهدي (عليه السلام)...................
سنة يعقوب في بنيه جرت في المهدي (عليه السلام)...................
عند المهدي جفنة فاطمة وهي مائدة أهل البيت (عليهم السلام)...................
أن ظهور المهدي (عليه السلام) هو الأجل القريب في الآية...................
ظهور المهدي (عليه السلام) هو العذاب الأكبر في الآية...................
مسخ بعض أعداء الحق عند ظهور المهدي (عليه السلام)...................
أن ظهور المهدي (عليه السلام) هو النصر الموعود في الآية...................
أن المهدي (عليه السلام) آية في صدور المؤمنين...................
الإمام المهدي (عليه السلام) ختام الكلمة الباقية...................
تأويل النبأ العظيم عند ظهور المهدي (عليه السلام)...................
أن المهدي (عليه السلام) لا يعمل بالتقية...................
الحروف المقطعة ترتبط بالإمام المهدي (عليه السلام)...................
أن ظهور المهدي (عليه السلام) نهاية مهلة الظالمين...................
يسلطه الله على دماء الظلمة...................
مهلة الظالمين لأهل البيت (عليهم السلام) إلى ظهور القائم (عليه
السلام)...................
أن المهدي (عليه السلام) يُصْلي أعداءه نار الحرب...................
يحق الله به الحق...................
العهد المكتوب للمهدي (عليه السلام) من جده (صلى الله عليه
وآله)...................
أن المهدي (عليه السلام) وشيعته من السابقين...................
حياة الأرض بعدل المهدي (عليه السلام) بعد موتها بالجور...................
المهدي (عليه السلام) هو الماء المعين في الآية...................
إنكار المكذبين لنسب الإمام المهدي (عليه السلام)...................
أن الإمام المهدي (عليه السلام) يلهم ببدء ظهوره...................
أن دولة إبليس تنتهي بظهور المهدي (عليه السلام)...................
يغيب كالنجم الغائب ويقبل كالشهاب الثاقب...................
النبي (صلى الله عليه وآله) السماء والأئمة (عليهم السلام)
البروج...................
المهدي (عليه السلام) هو الوتر في الآية...................
المهدي (عليه السلام) هو الفجر في سورة الفجر...................
المهدي (عليه السلام) في سورة الضحى والشمس والليل...................
المهدي (عليه السلام) يأتي بدين القيمة...................
الفصل التاسع والثلاثون: من الأدعية له (عليه السلام)
والزيارات..................٩٥٥.
الصلاة والتسليم على أطائب العترة (عليهم السلام) والدعاء لهم...................
الدعاء له (عليه السلام) يوم الجمعة ويوم العيد...................
الدعاء له (عليه السلام) بالحفظ والنصر...................
الدعاء له (عليه السلام) في ليالي شهر رمضان...................
زيارة آل ياسين والدعاء بعدها...................
دعاء الندبة الذي يقرؤه الشيعة صباح يوم الجمعة...................
زيارة لكل إمام معصوم يزار بها المهدي (عليهم السلام)...................
زيارة الإمام (عليه السلام) في داره...................
الدعاء بالحفظ والنصر لآل محمد (صلى الله عليه وآله)...................
دعاء تجديد العهد مع الإمام (عليه السلام)...................
مناجاة الله تعالى والدعاء للإمام المهدي (عليه السلام)...................
الدعاء للنبي والأئمة (عليهم السلام) في سجدة الشكر وطلب الحاجة...................
الدعاء للإمام المهدي (عليه السلام) بعد صلاة جعفر الطيار...................
الدعاء له (عليه السلام) في قنوت صلاة الجمعة...................
الدعاء له (عليه السلام) في سجدة الشكر...................
الدعاء بتعجيل الفرج بالمهدي (عليه السلام)...................
الدعاء له (عليه السلام) بعد الفريضة...................
دعاء عام لكل إمام معصوم (عليهم السلام)...................
الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) والدعاء للإمام
المهدي (عليه السلام)...................
الدعاء له (عليه السلام) في يوم المباهلة...................
دعاء الإمام الباقر في ولاية أهل البيت (عليهم السلام) والبراءة من
أعدائهم...................
زيارة الأئمة والإمام المهدي (عليهم السلام)...................
زيارة أخرى للإمام (عليه السلام)...................
زيارة الإمام المهدي (عليه السلام) في بيته بعد زيارة قبر والده وجده (عليهم
السلام)...................
دعاء التوسل بالنبي والأئمة (عليهم السلام)...................
دعاء الاعتقاد والتوسل به (عليه السلام)...................
دعاء آخر يسمى دعاء الاعتقاد...................
دعاء روي أنه (عليه السلام) دعا في قنوته...................
الفصل الأربعون: سفراء الإمام (عليه السلام) ووكلاؤه وكذابون ادعوا
السفارة..................٩٩١.
ثقة عموم الشيعة بالسفراء الأربعة رضوان الله عليهم...................
بعض ما ورد في السفيرين العَمْرِيَّيْن رحمهما الله...................
السفير الثالث الحسين بن روح (قدّس سره)...................
السفير الرابع علي بن محمد السمري (قدّس سره)...................
الحسين بن روح (قدّس سره) شخصيةٌ مُعَدَّةٌ لمرحلة التحولات...................
مؤلفات في سيرة السفراء الأربعة رضوان الله عليهم...................
الشيعة يتبركون بقبور السفراء الأربعة في بغداد...................
كتب السفراء ومواريثهم العلمية وكتاب الكافي...................
بقية الوكلاء في عصر السفراء الأربعة...................
سياسة الأئمة (عليه السلام) في قبول الأخماس والنذور والهدايا...................
تكذيب من ادعى السفارة وتواتر رؤية الإمام (عليه السلام) في غيبته
الكبرى...................
كذابون ادعوا السفارة والنيابة عن الأئمة (عليهم السلام)...................
أهل البيت (عليهم السلام) ينفون عن مذهبهم الغلو والانحراف...................
خمس ملاحظات على نصوص الشيخ الطوسي (قدّس سره) في مدعي السفارة...................
السريعي أو الشريعي ووارثه ابن نصير...................
محمد بن نصير آخر...................
كذابون صغار بالجملة...................
الحسين بن منصور الحلاج...................
رأي علمائنا في الحلاج...................
شخصية الحلاج التي صنعها المتصوفة...................
خلاصة سيرة الحلاج وشخصيته...................
آراء بعض علماء السنة في الحلاج...................
ابن أبي العزاقر الشلمغاني...................
أصل مذهب المُخَمِّسة من بشار الشعيري...................
حسد الشلمغاني للحسين بن روح (قدّس سره)...................
موقف الأئمة (عليهم السلام) من كتب المنحرفين: خذوا ما رووا وذروا ما
رأوا...................
الشلمغاني في مصادر السنيين...................
الشلمغانيون في عصرنا...................
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين وأفضلُ الصلاة وأتمُّ السلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين
الطاهرين، سيما خاتم الأوصياء، موعود الأنبياء (عليهم السلام)، منتظر الأجيال
والأمم، مذخور الله لإصلاح العالم، روحي فداه.
وبعد، فقد وفقني الله تعالى أن أبدأ أعمالي العلمية في حوزة قم المشرفة بمعجم
أحاديث الإمام المهدي صلوات الله عليه، بمساعدة مؤسسة (المعارف الإسلامية) التي
أسسها المرحوم آية الله السيد عباس المهري (قدّس سره) فاستوعبنا فيه الأحاديث
الشريفة والآثار المتعلقة بالإمام (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) ورتبناه بالتسلسل
من أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) ثم الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، ووضعنا
لكل حديث وأثر هوية علمية.
وفي نفس الوقت رأيت الحاجة مُلِحَّةً لعمل معجم موضوعي بشيء من البحث والتحقيق،
فاستخرت الله تعالى، فكانت هذه البحوث المستوعبة السهلة التناول، وقد شملت عامة
أحاديث المعجم والحمد لله.
وقد
جعلته أربعين فصلاً، آملاً أن ينطبق عليه قول النبي (صلى الله عليه وآله): (من حفظ
على أمتي أربعين حديثاً مما يحتاجون إليه من أمر دينهم، بعثه الله يوم القيامة
فقيهاً عالماً)، وفي رواية: (كنت له شفيعاً). (الخصال/٥٤١، وثواب الأعمال/١٣٤).
في الختام ألفتُ النظر إلى أني أوردتُ الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)
كاملةً، وإن كانت في المصدر الذي نقلت منه ناقصة، على أن بعض المؤلفين من أتباع
المذاهب الأخرى يُصَلُّونها تامةً غير مبتورة فيذكرون آله معه (صلى الله عليه
وآله)، كالحاكم في المستدرك، وكثير من أصول مؤلفاتهم، لكن الناشرين حرفوها وحذفوا
من طبعتها (وآله) وجعلوا بدلها (وسلم)! ولا عجب فقد امتدت أيديهم إلى نصوصها فحرفوا
فيها وحذفوا منها قليلاً وكثيراً، وسيمر بك بعض ذلك!
أسأل الله بعزته أن يصلي على رسوله وآله الأطهار، لاسيما خاتمهم الإمام المهديُّ من
ربه، الموعودُ على لسان جده، وأن يكتبني فيمن خدم عقيدة المسلمين وبشارة نبيهم (صلى
الله عليه وآله) بمهديه الموعود (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، وهو ولي التوفيق.
كتبه: علي الكَوْراني العاملي
بقم المشرفة في منتصف شهر رمضان ١٤٢٦ للهجرة
الفصل الأول: الخطر الأكبر على الأمة.. الأئمة المضلون
١ - الأئمة المضلون هم الخطر على الأمة وليس الدجال!
من الأحاديث النبوية الخطيرة التي لا يحبها رواة الخلافة القرشية: تحذيرات النبي
(صلى الله عليه وآله) المشددة لأمته من الأئمة المضلين الذين يأتون بعده، وهي
أحاديث شديدة، لكنها صحيحة متواترة! وقد أدرجناها في الكتاب لأن عدداً منها نص على
أن فتنتهم تستمر حتى يبعث الله المهدي من ذرية النبي (صلى الله عليه وآله).
أحمد: ٤/١٢٣، عن شداد بن أوس أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن الله (عزَّ
وجلَّ) زوى لي الأرض (جَمَعَها) حتى رأيت مشارقها ومغاربها، وإن مُلك أمتي سيبلغ ما
زويَ لي منها وإني أعطيت الكنزين الأبيض والأحمر، وإني سألت ربي (عزَّ وجلَّ) أن لا
يُهلك أمتي بِسِنِةٍ بعامة، وأن لا يُسلط عليهم عدواً فيهلكهم بعامة، وأن لا
يُلبسهم شيعاً ولا يُذيق بعضهم بأس بعض. قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا
يُرد، وإني قد أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدواً ممن
سواهم فيهلكوهم بعامة، حتى يكون بعضهم يُهلك بعضاً وبعضهم يقتل بعضاً وبعضهم يسبي
بعضاً! قال: وقال النبي (صلى الله عليه وآله): وإني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة
المضلين، فإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة).
ونحوه أحمد: ٥/٢٧٨، عن ثوبان، ومسلم: ٤/٢٢١٥، وفيه: وإني سألت ربي لأمتي أن لا
يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم... حتى
يكون بعضهم يهلك بعضاً! وابن ماجة: ٢/١٣٠٤، كأحمد، بتفاوت، وزاد فيه: وستعبد قبائل
من أمتي الأوثان، وستلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وإن بين يدي الساعة دجالين
كذابين، قريباً من ثلاثين كلهم يزعم أنه نبي، ولن تزال طائفة من أمتي على الحق
منصورين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله (عزَّ وجلَّ).
قال أبو الحسن(راوي ابن ماجة): لما فرغ أبو عبد الله (ابن ماجة) من هذا الحديث قال:
ما أهْوَله! وبنحوه أبو داود: ٤/٩٧، والترمذي: ٤/٤١٠، وحسنه وصححه. والبيهقي:
٩/١٨١. وصحح مجمع الزوائد: ٥/٢٣٩، آخره برواية أحمد. وكذا الألباني/٧، أوله عن مسلم
وأبي داود والترمذي وابن ماجة وأحمد.
وأحمد: ١/٩٨، عن علي (رضي الله عنه) قال: ذكرنا الدجال عند النبي (صلى الله عليه
وآله) وهو نائم فاستيقظ مُحْمَرَّاً لونه فقال: غير ذلك أخوف لي عليكم، ذكر كلمة)!
وخاف الراوي أن يذكرها فتنطبق على حكام عصره! وفي أحمد: ٥/١٤٥، عن أبي ذر قال: كنت
أمشي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: لَغَيْرُ الدجال أخوفني على أمتي،
قالها ثلاثاً، قال قلت: يا رسول الله، ما هذا الذي غير الدجال أخوفك على أمتك؟ قال:
أئمة مضلون).
وابن أبي شيبة: ١٥/١٤٢، عن علي قال: كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله) جلوساً وهو
نائم فذكرنا الدجال فاستيقظ محمراً وجهه فقال: غير الدجال أخوف عليكم عندي من
الدجال: أئمةٌ مضلون). وأحمد: ٥/٣٨٩، عن حذيفة قال: ذكر الدجال عند رسول الله (صلى
الله عليه وآله) فقال: لأنا لفتنة بعضكم أخوف عندي من فتنة الدجال). وصححه في
الزوائد: ٧/٣٣٥. ونحوه الفردوس: ٣/١٣١، وفي هامشه: قال الإمام العراقي: روى أحمد عن
أبي ذر بإسناد جيد: لأنا من غير الدجال أخوف عليكم من الدجال، فقيل: وما ذلك؟ قال:
من الأئمة المضلين).
صحيحة الألباني: ٢٧١ح٥٤، عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
من أخوف ما أخاف على أمتي أئمة مضلين! إذا وضع السيف لم يرفع إلى يوم القيامة).
سبل الهدى: ١٠/١٣٨: (أبو يعلى وابن حبان عن أبي سعيد وأبي هريرة أن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) قال: ليأتينَّ على الناس زمانٌ يكون عليهم أمراءُ سفهاء،
يقدمون شرار الناس ويظاهرون بخيارهم ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم
فلا يكونن عريفاً ولا شرطياً ولا جابياً ولا خازناً. وروى أحمد بن منيع برجال ثقات
وابن أبي شيبة وأبو يعلى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
تعوذوا بالله من رأس السبعين ومن أمارة الصبيان. وروى عن ابن عباس ووثقه: قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): يكون عليكم أمراء هم شرٌّ من المجوس).
وفي حلية الأولياء: ٧/٦٩: عن سفيان: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لسلمان: إن
طعام أمرائي بعدي مثل طعام الدجال، إذا أكله الرجل انقلب قلبه).
أقول: وردت كلمة المضلين في بعض الأحاديث منصوبة وحقها الرفع، وإن صح أن النبي (صلى
الله عليه وآله) نصبها فهو بتقدير أعني وفائدته مزيد التأكيد. والمقصود من الحديث
الأخير تحذير المسلمين من التقرب إلى أمراء الجور ودعوتهم إلى مقاطعتهم وعدم تناول
طعامهم، لأن له تأثيراً على قلب المسلم وإيمانه يسبب انحرافه، كطعام الدجال الذي
قالوا إنه يغري به الناس فيأكلونه فيكفرون.
٢ - الأئمة المضلون يسفكون دماء العترة والأمة
روينا في أحاديث الأئمة المضلين تحذير النبي (صلى الله عليه وآله) منهم لأنهم
سيسفكون دماء عترته (عليهم السلام)، لكن رواة الخلافة حذفوا ذلك! وليس بعيداً على
أتباع الحكام المضلين أن يسقطوا ما يتعلق بسفكهم دماء العترة الطاهرة (عليهم
السلام)!
ففي أمالي الطوسي: ٢/١٢٦ وطبعة/٥١٢، عن عبد الله بن يحيى الحضرمي قال: سمعت علياً
(عليه السلام) يقول: كنا جلوساً عند النبي (صلى الله عليه وآله) وهو نائم ورأسه في
حجري فتذاكرنا الدجال فاستيقظ النبي محمراً وجهه فقال: غير الدجال أخوف عليكم من
الدجال: الأئمة المضلون، وسفك دماء عترتي من بعدي، أنا حربٌ لمن حاربهم وسلمٌ لمن
سالمهم). ومثله الاحتجاج: ١/٢٦٥، وطبعة/٣٩٥.
وفي أمالي الطوسي/٦٥، وأمالي المفيد/٢٨٨، عن علي (عليه السلام) قال: لما نزلت على
النبي (صلى الله عليه وآله): (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ
وَالْفَتْحُ)، قال لي: يا عليُّ لقد جاء نصر الله والفتح، فإذا رأيت الناس
يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً. يا علي إن الله
تعالى قد كتب على المؤمنين الجهاد في الفتنة من بعدي كما كتب عليهم جهاد المشركين
معي. فقلت: يا رسول الله وما الفتنة التي كتب علينا فيها الجهاد؟ قال: فتنة قوم
يشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وهم مخالفون لسنتي وطاعنون في ديني!
فقلت: فعلى مَ نقاتلهم يا رسول الله، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأنك رسول
الله؟ فقال على إحداثهم في دينهم وفراقهم لأمري، واستحلالهم دماء عترتي. قال: فقلت:
يا رسول الله، إنك كنت وعدتني الشهادة فسل الله تعجيلها لي. فقال: أجل قد كنت وعدتك
الشهادة فكيف صبرك إذا خُضبت هذه من هذا؟ وأومى إلى رأسي ولحيتي، فقلت: يا رسول
الله أما إذا بَيَّنْتَ لي ما بينت فليس هذا بموطن صبر لكنه موطن بشرى وشكر! فقال:
أجل فأعدَّ للخصومة فإنك تخاصم أمتي. قلت: يا رسول الله أرشدني الفلج. قال: إذا
رأيت قوماً قد عدلوا عن الهدى إلى الضلال فخاصمهم، فإن الهدى من الله والضلال من
الشيطان. يا علي إن الهدى هو اتَّباع أمر الله دون الهوى والرأي، وكأنك بقوم قد
تأولوا القرآن وأخذوا بالشبهات، واستحلوا الخمر بالنبيذ، والبخس بالزكاة والسحت
بالهدية! قلت: يا رسول الله فما هم إذا فعلوا ذلك أهم أهل ردة أم أهل فتنة؟ قال: هم
أهل فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل! فقلت: يا رسول الله العدل منا أم من
غيرنا؟ فقال: بل منا، بنا يفتح الله، وبنا يختم، وبنا ألف الله بين القلوب بعد
الشرك، وبنا يؤلف الله بين القلوب بعد الفتنة، فقلت: الحمد لله على ما وهب لنا من
فضله).
أقول: روت مصادرهم جزءً من حديث أمالي المفيد والطوسي الأول وحذفوا منه ذكر الأئمة
المضلين! وهذه عادتهم في تجزئة الأحاديث لتضييعها!
روى الحاكم: ٣/١٤٩، عن أبي هريرة قال: نظر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى علي
وفاطمة والحسن والحسين فقال: أنا حربٌ لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم. وصححه واستشهد
له بحديث مشابه عن زيد بن أرقم، وفيه أنا حربٌ لمن حاربتم وسلمٌ لمن سالمتم).
كما رووه عن زيد بن أرقم والخدري وأم سلمة وغيرهم، وأن النبي (صلى الله عليه وآله)
قاله مكرراً عندما نزلت آية التطهير فكان يذهب أربعين صباحاً إلى باب دار علي (عليه
السلام) فيدق عليهم الباب ويقرأ الآية ويقول هذا الكلام، وأنه قاله في حيٍّ في
المدينة، وفي مرض وفاته، وفي مناسبات أخرى! كما في مسند أحمد: ٢/٤٤٢، وابن ماجة:
١/٥٢، والترمذي: ٥/٣٦٠، والزوائد: ٩/١٦٩، وابن شيبة: ٧/٥١٢، وأمالي المحاملي/٤٤٧،
وابن حبان: ١٥/٤٣٤، وأوسط الطبراني: ٣/١٧٩، و: ٥/١٨٢، و: ٧ /١٩٧، والأصغر: ٢/٣،
والأكبر: ٣/٤٠، و: ٥/١٨٤، وفضائل سيدة النساء لعمر بن شاهين/٢٩، وموارد الظمآن:
٧/٢٠١، وتفسير الثعلبي: ٨/٣١١، وشواهد التنزيل: ٢/٤٤، وتاريخ بغداد: ٧/١٤٤، وتاريخ
دمشق: ١٣/٢١٨، و: ١٤/١٤٤، وسير الذهبي: ٢/١٢٢. ومن مصادرنا: تفسير الإمام العسكري
(عليه السلام) /٣٧٦، وتفسير فرات الكوفي/٣٣٨.
٣ - محاولات تبرئة الصحابة وتأخير الوعد النبوي بالمضلين
أحمد: ١/٤٥٨، عن ابن مسعود أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما من نبي بعثه
الله (عزَّ وجلَّ) في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته
ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلَّف من بعدهم خلوفٌ يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا
يؤمرون).
الحواريون والحواري: الأصحاب الخاصون. الخُلوف: جمع خليفة، أي أجيال.
ونحوه في أحمد: ١/٤٦١، عن ابن مسعود، ومسلم: ١/٦٩، وفيه: قال أبو رافع: فحدثت عبد
الله بن عمر فأنكره عليَّ، فقدم ابن مسعود فنزل بقناة فاستتبعني إليه عبد الله بن
عمر يعوده، فانطلقت معه فلما جلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث فحدثنيه كما حدثته
ابن عمر.
الطبراني الكبير: ٢٢/٣٦٢: ستكون عليكم أئمة يملكون أرزاقكم يحدثونكم فيكذبونكم
ويعملون ويسيئون العمل، لا يرضون منكم حتى تُحَسِّنُوا قبيحهم وتصدقوا كذبهم،
فأعطوهم الحق ما رضوا به، فإذا تجاوزوا فمن قتل على ذلك فهو شهيد).
ومثله في: ٢٢/٣٧٣. وفي الفردوس: ٢/٣١٧: يلون أرزاقكم فيمنعونكموها حتى تصدقوهم
بكذبهم وتحسنوا قبيحهم... فمن قتل على ذلك فهو شهيد).
الطبراني الكبير: ٢٢/٣٧٥، عن الصدفي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: سيكون
من بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء ومن بعد الأمراء ملوك ومن بعد الملوك جبابرة،
ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً). انتهى.
أقول: لا يمكنهم إبعاد أحاديث الأئمة المضلين عن الصحابة، لأن أحاديث الحوض الصحيحة
عندهم نصَّتْ على أن أكثر الصحابة يُغَيِّرون ويُبَدِّلون بعد النبي (صلى الله عليه
وآله) فيدخلون النار! بل نصت رواية بخاري على أنهم في النار ولا ينجو منهم إلا قلةٌ
يبتعدون عن جمهورهم أو قطيعهم! فقد روى في صحيحه: ٧/٢٠٨ أن النبي (صلى الله عليه
وآله) وصف الصحابة في المحشر فقال: (بينا أنا قائمٌ فإذا زمرةٌ حتى إذا عرفتهم خرج
رجل من بيني وبينهم فقال: هلمَّ، فقلت أين؟ قال إلى النار والله! قلت: وما شأنهم؟!
قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى! ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من
بيني وبينهم فقال: هلمَّ! قلت: أين؟! قال: إلى النار والله! قلت: ما شأنهم؟ قال:
إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى! فلا أراه يخلص منهم إلا مثلُ هَمَل النعم).
انتهى. ومعناه أن الأئمة المضلين منهم!
وتلاحظ أن أحاديثهم في الخروج والثورة على الأئمة المضلين متناقضة، فبعضها يأمر
بالخروج والمقاومة حتى الشهادة، وبعضها ينهى عنه ما أقاموا الصلاة، وبعضها ينهى عنه
مهما ظلموا! ومعناه أن السلطة تدخلت في الرواية وضيعت الأمر النبوي!
٤ - إن أطعتموهم أضلوكم وإن عصيتموهم قتلوكم!
الطبراني، الكبير: ٨/١٧٦، عن أبي أمامة أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يقول: لستُ أخاف على أمتي جوعاً يقتلهم، ولا عدواً يجتاحهم (يستأصلهم) ولكني أخاف
على أمتي أئمة مضلين، إن أطاعوهم فتنوهم (أضلوهم) وإن عصوهم قتلوهم).
الطبراني الصغير: ١/٢٦٤: عن معاذ أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: خذوا العطاء
ما دام عطاء، فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه ولستم بتاركيه! يمنعكم الفقر
والحاجة! ألا إن رحا بني مرح قد دارت وقد قتل بنو مرح. ألا إن رحا الإسلام دائرة
فدوروا مع الكتاب حيث دار. ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب.
ألا إنه سيكون أمراء يقضون لكم فإن أطعتموهم أضلوكم وإن عصيتموهم قتلوكم. قال: يا
رسول الله فكيف نصنع؟ قال كما صنع أصحاب عيسى بن مريم نُشِّروا بالمناشير وحُملوا
على الخشب! موتٌ في طاعة الله خير من حياة في معصية الله (عزَّ وجلَّ)). ورواه في
المطالب العالية: ٤/٢٦٧، كالطبراني بتفاوت يسير، والدر المنثور: ٢/٣٠٠، عن عبد بن
حميد. ووثقه مجمع الزوائد: ٥/٢٢٧. وبنو مرح: أهل الفرح والزهو، كناية عن المشركين.
وافتراق السلطان والقرآن: يعني أن الحكام سيحكمون بغير ما أنزل الله تعالى، كما
حصل.
عبد الرزاق: ١١/٣٢٩، عن النبي (صلى الله عليه وآله): إنها ستكون عليكم أمراء يتركون
بعض ما أمروا به، فمن ناواهم نجا ومن كره سلم أو كاد يسلم، ومن خالطهم في ذلك هلك
أو كاد يهلك. وفي: ١١/٣٣٠: عن الحسن البصري أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
ستكون عليكم أمراء بعدي فيعملون أعمالاً تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ ومن كره
فقد سلم ولكن من رضي وشايع. قالوا: أفلا نقاتلهم يا رسول الله؟ قال: لا، ما صلوا).
ونحوه ابن أبي شيبة: ١٥/٧١، و/٢٤٣، عن أم سلمة وفيه: ومن اعتزلهم سلم أو كاد، ومن
خالطهم هلك. والترمذي: ٤/٥٢٩، كرواية ابن أبي شيبة الأولى بتفاوت يسير، وفيه: سيكون
عليكم أئمة. وقال: هذا حديث حسن
صحيح. والطبراني الكبير: ١١/٣٩، كرواية ابن أبي شيبة الثانية بتفاوت يسير والبيهقي:
٨/١٥٧، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله): سيكون بعدي خلفاء يعملون بما
يعلمون ويفعلون ما يؤمرون، وسيكون بعدهم خلفاء يعملون بما لا يعلمون ويفعلون ما لا
يؤمرون، فمن أنكر عليهم برئ ومن أمسك يده سلم، ولكن من رضي وتابع. ومثله الطبراني
الأوسط: ٥/٣٧٤، ومسند البزار: ٦/٦١، عن أم سلمة، وفيه: قالت يا رسول الله أو لا
نقتلهم؟ قال: لا، ما أقاموا الصلاة. ومثله في الطبراني الأوسط: ١/٢٥٢، والشاميين:
١/٣٧١، وأبي يعلى: ١٠/٣٠٨. وتعبيرهم بالأمراء والخلفاء والأئمة يدل على أن المقصود
بهم واحد.
٥ - تطبيق أمير المؤمنين (عليه السلام) للأئمة المضلين
في نهج البلاغة: ٢/١٨٨: (ومن كلام له (عليه السلام) وقد سأله سائل عن أحاديث البدع،
وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر؟ فقال (عليه السلام): إن في أيدي الناس حقاً
وباطلاً وصدقاً وكذباً وناسخاً ومنسوخاً وعاماً وخاصاً ومحكماً ومتشابهاً وحفظاً
ووهماً. ولقد كُذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) على عهده حتى قام خطيباً
فقال: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار! وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال
ليس لهم خامس: رجلٌ منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج، يكذب
على رسول الله متعمداً! فلو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه ولم يصدقوا
قوله، ولكنهم قالوا صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأى وسمع منه ولقف عنه،
فيأخذون بقوله! وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك ووصفهم بما وصفهم به لك، ثم
بقوا بعده عليه وآله السلام فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار، بالزور
والبهتان فولَّوْهم الأعمال، وجعلوهم حكاماً على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا.
وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله، فهو أحد الأربعة...). والكافي:
١/٦٢، والخصال/٢٥٦.
وفي الكافي: ٨/٦٢: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يشكو حال الأمة، قال: قد عملت
الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) متعمدين لخلافه،
ناقضين لعهده، مغيرين لسنته! ولو حَمَلْتُ الناس على تركها وحوَّلتها إلى مواضعها
وإلى ما كانت في عهد
رسول الله لتفرق عني جندي... والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا
في فريضة، وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل
معي: يا أهل الإسلام غُيِّرت سنة عمر، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعاً! ولقد
خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري! ما لقيتُ من هذه الأمة من الفرقة، وطاعة أئمة
الضلالة والدعاة إلى النار؟!).
٦ - تطبيق عُبَادَة بن الصامت (رحمه الله) للأئمة المضلين
ابن أبي شيبة: ١٥/٢٣٣، عن أزهر بن عبد الله قال: أقبل عُبَادَة بن الصامت حاجاً من
الشام فقدم المدينة فأتى عثمان بن عفان فقال: يا عثمان ألا أخبرك شيئاً سمعته من
رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: بلى، قال: فإني سمعت رسول الله (صلى الله
عليه وآله) يقول: ستكون عليكم أمراء يأمرونكم بما تعرفون ويعملون ما تنكرون، فليس
لأولئك عليكم طاعة.
وفي/٣٥٧، أنه قال لعثمان: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) محمداً أبا
القاسم يقول: ستكون عليكم أمراء يأمرونكم بما تعرفون ويعملون ما تنكرون، فليس
لأولئك عليكم طاعة. فلا تُعْتِبوا أنفسكم، فوالذي نفسي بيده إن معاوية من أولئك!
فما راجعه عثمان حرفاً. وقال: وقد روي هذا الحديث بإسناد صحيح على شرط الشيخين في
ورود عُبَادَة بن الصامت على عثمان بن عفان متظلماً، بمتن مختصر. ونحوه أحمد:
٥/٣٢٩.
مسند الشاشي: ٣/١٧٢، عن رفاعة: (أن عُبَادَة بن الصامت مرت عليه قَطَارة وهو بالشام
تحمل الخمر فقال: ما هذه؟ أزَيْتٌ؟ قيل: لا بل خمر تباع لفلان(معاوية)! فأخذ شفرةً
من السوق فقام إليها ولم يذر منها راوية إلا بقرها، وأبو هريرة إذ ذاك بالشام فأرسل
فلان إلى أبي هريرة فقال: ألا تمسك عنا أخاك عُبَادَة بن الصامت! أما بالغدوات
فيغدو إلى السوق فيفسد على أهل الذمة متاجرهم، وأما بالعشي فيقعد بالمسجد ليس له
عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا، فأمسك عنا أخاك. فأقبل أبو هريرة
يمشي حتى دخل على عبادة فقال: يا عبادة مالك ولمعاوية؟ ذره وما حمل فإن الله يقول
تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، قال: يا أبا هريرة لم تكن معنا إذ
بايعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)! بايعناه على السمع والطاعة في النشاط
والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن
نقول في الله لا تأخذنا في الله لومة لائم، وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب
فنمنعه ما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأهلنا ولنا الجنة، ومن وفى وفى الله له الجنة
بما بايع عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، و(من نَكَثَ
فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ)! فلم يكلمه أبو هريرة بشيء، فكتب فلان
إلى عثمان بالمدينة أن عُبَادَة بن الصامت قد أفسد عليَّ الشام، فإما أن يكف عنا
عُبَادَة بن الصامت وإما أن أخلي بينه وبين الشام. فكتب عثمان إلى فلان أدخله إلى
داره من المدينة فبعث به فلان حتى قدم المدينة فدخل على عثمان الدار وليس فيها إلا
رجل من السابقين بعينه، ومن التابعين الذين أدركوا القوم متوافرين، فلم يهم عثمان
به إلا وهو قاعد في جانب الدار فالتفت إليه فقال: ما لنا ولك يا عبادة؟ فقام عبادة
قائماً وانتصب لهم في الدار فقال: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا
القاسم يقول: سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما
تعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله فلا تضلوا بربكم، فوالذي نفس عبادة بيده إن فلاناً
لمن أولئك! فما راجعه عثمان بحرف)! ومسند الشاميين: ٢/٢٨٢، عن عبد الله بن عمرو
مختصراً، وصحيحة الألباني: ٢/١٣٨، وسير الذهبي: ٢/٩، عن اسماعيل بن عبيد بن رفاعة،
قال: كتب معاوية إلى عثمان: إن عُبَادَة بن الصامت قد أفسد عليّ الشام وأهله، فإما
أن تكفه إليك وإما أن أخلّي بينه وبين الشام. فكتب إليه أن رحِّل عبادة حتى ترجعه
إلى داره بالمدينة. قال: فدخل على عثمان فلم يفاجأه إلّا به وهو معه في الدار،
فالتفت إليه فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: سيلي أموركم بعدي
رجال يعرفونكم ما تنكرون.... فلا طاعة لمن عصى ولا تضلوا بربكم).
هذا، وقد بحثنا مواجهة عبادة (رحمه الله) لمعاوية وعثمان في (جواهر التاريخ/ج٢).
٧ - نصَّ النبي (صلى الله عليه وآله) على أن الأئمة المضلين من صحابته!
عبد الرزاق: ١١/٣٤٥، عن جابر أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لكعب بن عجرة:
أعاذك الله يا كعب بن عجرة من إمارة السفهاء، قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: أمراء
يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم
فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يَرِدِون عليَّ حوضي، ومن لم يصدقهم على كذبهم ولم
يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم، وسَيَرِدُونَ عليَّ حوضي. يا كعب بن عجرة:
الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، والصلاة قربان. يا كعب بن عجرة: إنه لا يدخل
الجنة لحم نبت من سحت أبداً، النار أولى به. يا كعب بن عجرة: الناس غاديان: فمبتاع
نفسه فمعتقها، أو بائعها فموبقها). ومثله أحمد: ٣/٢٣١.
لا يردون عليَّ الحوض: أي لا يسقون من حوض الكوثر ولا يدخلون الجنة. جُنَّة: أي
حجاب من النار. السُّحت: المال الحرام. الغادي: السائر في صبح النهار. المبتاع:
المشتري.
وفي أحمد: ٥/١١١، عن خباب بن الأرت قال: إنا لقعود على باب رسول الله (صلى الله
عليه وآله) ننتظر أن يخرج لصلاة الظهر إذ خرج علينا فقال: اسمعوا، فقلنا: سمعنا، ثم
قال: اسمعوا، فقلنا: سمعنا، فقال: إنه سيكون عليكم أمراء فلا تعينوهم على ظلمهم،
فمن صدقهم بكذبهم فلن يَرِدَ عليَّ الحوض).
أحمد/٣٨٤، عن حذيفة، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إنها ستكون أمراء يكذبون
ويظلمون فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منهم ولا يرد عليَّ
الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه، وسيرد عليَّ
الحوض). ونحوه في: ٦/٣٩٥، وأوسع منه في: ٤/٢٤٣: عن كعب بن عجرة، قال: خرج علينا
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو دخل ونحن تسعة وبيننا وسادة من آدم فقال...
وفي/٢٦٧، عن النعمان بن بشير قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن
في المسجد بعد صلاة العشاء، فرفع بصره إلى السماء ثم خفض حتى ظننا أنه قد حدث في
السماء شيء فقال: ألا إنه سيكون بعدي أمراء يكذبون ويظلمون
فمن صدقهم بكذبهم ومالأهم على ظلمهم فليس مني ولا أنا منه، ومن لم يصدقهم بكذبهم
ولم يمالئهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه. ومسند ابن المبارك/١٦٣، عن أبي سعيد
الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله): ستكون أمراء يغشاهم غواش أو حواش من الناس
يظلمون ويكذبون، فمن أعانهم على ظلمهم وصدقهم بكذبهم فليس مني ولا أنا منه، ومن لم
يصدقهم بكذبهم ويعينهم على ظلمهم فأنا منه وهو مني. ونحوه سنن الترمذي: ٢/٥١٢، عن
ابن عجرة، وفي/١٣٧، بعضه، عن جابر بن عبد الله، وعن ابن عمر قال: خرج إلينا رسول
الله (صلى الله عليه وآله) ونحن أربعة من العرب وخمسة من الموالي فقال: هل سمعتم
أنه سيكون بعدي أمراء فمن أعانهم على ظلمهم وصدقهم بكذبهم وغشى أبوابهم... ونحوه
صحيح ابن حبان: ٥/٩، والطبراني الكبير: ٣/١٣٥، عن ابن عَجْرة قال: خرج علينا رسول
الله (صلى الله عليه وآله) ونحن تسعة خمسة من العرب وأربعة من العجم فقال: اسمعوا،
أما سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم
فليس مني ولست منه وليس بوارد عليَّ الحوض... ونحوه المسند الجامع: ١٠/٧٤٩، عن ابن
عمر، والحاكم: ١/٧٨، عن خباب، وفي: ٤/١٢٦، كما في عبد الرزاق، وصححه، ونحوه تاريخ
بغداد: ٥/٣٦١، وفي الزوائد: ٥/٢٤٨: رواه أحمد، والبزار، وأحد أسانيد البزار رجاله
رجال الصحيح، ورجال أحمد كذلك.. الخ.
وفي مسلم: ٣/١٤٧٦، عن حذيفة: قلت: يا رسول الله إنّا كنا بِشَرٍّ فجاء الله بخير
فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شرٌّ؟ قال: نعم. قلت هل وراء ذلك الشر خيرٌ؟ قال:
نعم. قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: نعم. قلت كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا
يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان
الآدميين! قال قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير،
وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع).
٨ - وقال عمر إن النبي (صلى الله عليه وآله) أسرَّ اليه التحذير من الأئمة المضلين
مسند أحمد: ١/٤٢: قال عمر لكعب: إني أسألك عن أمر فلا تكتمني! قال: والله لا أكتمك
شيئاً أعلمه، قال: ما أخوف شيء تخوفه على أمة محمد (صلى الله عليه وآله)؟ قال: أئمة
مضلين. قال عمر: صدقت قد أسر ذلك إليَّ وأعلمنيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)).
وفي
الزوائد: ٥/٢٣٩: رواه أحمد ورجاله ثقات. وفي الشاميين للطبراني: ٢/٩٧: عن عمر:
أسرَّ إليَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: إن أخوف ما أخاف على أمتي أئمة
مضلين. قال كعب فقلت: والله ما أخاف على هذه الأمة، غيرهم). ومثله تاريخ دمشق:
٥٠/١٥٢، ومعرفة الصحابة: ١/٢٣٢.
٩ - وجاء النبي (صلى الله عليه وآله) إلى بيت عمر ولعلها المرة الوحيدة!
حلية الأولياء: ٥/١١٩، بسنده عن أبي مسلم الخولاني، عن أبي عبيدة بن الجراح، عن عمر
بن الخطاب قال: أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلحيتي وأنا أعرف الحزن في وجهه
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! أتاني جبريل آنفاً فقال لي: إنا لله وإنا إليه
راجعون! فقلت: أجل إنا لله وإنا إليه راجعون، فمِمَّ ذاك يا جبريل؟ فقال: إن أمتك
مفتتنة بعدك بقليل من دهر غير كثير! فقلت: فتنة كفر أو فتنة ضلالة؟ فقال: كلٌّ
سيكون! فقلت: ومن أين وأنا تارك فيهم كتاب الله؟! قال: فبكتاب الله يفتنون وذلك من
قبل أمرائهم وقرائهم! يمنع الناسَ الأمراءُ الحقوق فيظلمون حقوقهم ولا يعطونها،
فيقتتلون ويفتتنون. ويتَّبع القراء أهواء الأمراء فيمدونهم في الغي ثم لا يقصرون!
فقلت: كيف يسلم من سلم منهم؟ قال: بالكف والصبر، إن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه
تركوه). وكنز الفوائد/٦١، بنحوه. وفي الدر المنثور: ٣/١٥٥: وأخرج الحكيم الترمذي عن
عمر بن الخطاب قال: أتاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أعرف الحزن في وجهه
فأخذ بلحيتي فقال.. الخ. ورواه في الجليس الصالح/٥٩٩، والمعرفة والتاريخ/٥٨٠. ويظهر
أن النبي (صلى الله عليه وآله) أتاه إلى بيته، ولم نجد حالة ثانية أنه (صلى الله
عليه وآله) جاء إلى بيت عمر.
١٠ - سبب ابتلاء الأمة بهؤلاء الأئمة المضلين
سببه أن الأمة اختارت ذلك عن سبق قصد وإصرار، عندما رفضت أعظم عرض قدمه نبيٌّ
لأمته! فقد أحضرهم النبي (صلى الله عليه وآله) في مرض وفاته، وعرض عليهم أن يكتب
لهم عهداً يؤمِّنهم من الضلال إلى يوم القيامة ويجعلهم سادة العالم، وهو عرضٌ فريد
في تاريخ النبوات! فأحسَّت قريش أنه يريد أن يجعل ولاية علي والعترة (عليهم السلام)
رسمياً بعهد مكتوب ويأخذ منهم إقراراً والتزاماً بالإطاعة. فقام عمر وواجه النبي
(صلى الله عليه وآله) قائلاً لا حاجة لنا بعهدك، كتاب الله يكفينا! وصاح الطلقاء
القرشيون مؤيدين لعمر: القول ما قال عمر، القول ما قال عمر! حسبنا كتاب الله لا
تقربوا له شيئاً ولا يكتب شيئاً! ولغطوا واتهموا النبي (صلى الله عليه وآله) بأنه
يهجر، فأجابهم الصحابة وأهل البيت (عليهم السلام) وبعض نساء النبي (صلى الله عليه
وآله) وقالوا قربوا له يكتب لكم! فقال أولئك لا تقربوا له! استفهموه إنه يهجر!
وكانوا مستعدين لأن يعلنوا ردتهم عن الإسلام إذا أصرَّ النبي (صلى الله عليه وآله)
على كتابة عهده ويقولوا إنه لم يكن نبياً، بل كان يريد تأسيس ملك لبني هاشم!
فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) عليهم وطردهم وهي الرمة الوحيدة التي طرد فيها
النبي (صلى الله عليه وآله) أصحابه! قال لهم: (قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع ما
أنا فيه خيرٌ مما تدعوني اليه)! وما يدعونه اليه هو أن يصرَّ على الكتابة ليكون
مبرراً لإعلان الردة! فكان ابن عباس يقول: إن الرزيئة كل الرزيئة ما حال بين رسول
الله (صلى الله عليه وآله) وبين كتابه)! رواه بخاري: ١/٣٦في ست مواضع وخفف منه ما
استطاع! ورواه غيره بأوسع منه.
١١ - أحاديث الشجرة الملعونة في القرآن تفسر المضلين
قال الله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ
بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ
وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ
إِلا طُغْيَاناً كَبِيراً).
وقد روى السنة تفسير النبي (صلى الله عليه وآله) هذه الآية بالأئمة المضلين من بني
أمية، كما في مجمع الزوائد: ٥/٢٤٣، عن أبي يعلى ووثقه: (عن أبي هريرة أن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) رأى في منامه كأن بني الحكم ينزون على منبره وينزلون! فأصبح
كالمتغيظ فقال: ما لي رأيت بني
الحكَم ينزون على منبري نزو القردة؟! قال: فما رؤي رسول الله مستجمعاً ضاحكاً بعد
ذلك حتى مات (صلى الله عليه وآله))! وفي: ٥/٢٤٠، عن عبد الله بن عمرو، وصححه قال:
كنا جلوساً عند النبي وقد ذهب عمرو بن العاص يلبس ثيابه ليلحقني فقال (صلى الله
عليه وآله) ونحن عنده: ليدخلنَّ عليكم رجل لعين! فوالله ما زلت وجلاً أتشوَّف
خارجاً وداخلاً حتى دخل فلان يعني الحكم).
وفي معجم الطبراني الكبير: ٣/٩٠، عن الحسن بن علي (رضي الله عنه)، أنه قالَ لِمن
اعترض على صلحه مع معاوية: رحمك الله فإن رسول الله قد أريَ بني أمية يخطبون على
منبره رجلاً فرجلاً فساءه ذلك، فنزلت هذه الآية: (إنَّا
أعطيناك الكوثَرْ)، نهر في الجنة. ونزلت: (إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ،
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، تملكه بنو أمية! قال
القاسم: فحسبنا ذلك فإذا هو ألفٌ لا يزيد ولا ينقص). والبيهقي في فضائل
الأوقات/٢١١، والترمذي: ٥/١١٥، والحاكم: ٣/١٧٠، وصححه وروى أحاديث أخرى في: ٣/١٧٥،
و٤: /٧٤)!
وفي فتح الباري: ٨/٢٨٧: (عن ابن عباس أنه سأل عمر عن هذه الآية: (أَلَمْ
تَرَ إلى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ
الْبَوَارِ)؟ فقال مَن هم؟ قال: هم الأفجران من بني مخزوم وبني أمية، أخوالي
وأعمامك! فأما أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر وأما أعمامك فأملى الله لهم إلى حين!
ثم أورد حديث علي (عليه السلام) وقال: وهو عند عبد الرزاق أيضاً، والنسائي، وصححه
الحاكم). انتهى.
أقول: يقصد عمر بقوله: (فأما أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر) بني مخزوم، وكان
رئيسهم أبو جهل، وتنسب اليهم حنتمة أم عمر، وكان خالد بن الوليد لا يقر بذلك. ويشير
عمر إلى قوله تعالى: (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ
كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِين. لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيء
أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) (آل
عمران: ١٢١ - ١٢٨).
لكن معنى الآية: أن الإرادة الإلهية أن يُمهل بعض قبائل قريش ويقطع طرفاً منهم بقتل
زعمائهم واستئصالهم سياسياً، وإخراجهم من ساحة الصراع مع الإسلام! لذلك
لم نرَ لهم أيَّ دور مهم في التاريخ! وهم: بنو عبد الدار، الذين كانوا فرسان قريش
وأصحاب حربها، وقد قَتَلَ علي (عليه السلام) منهم في بدر وأحُد بضعة عشر فارساً
كلهم أبطال حَمَلةُ راية قريش! وبنو المغيرة العائلة المالكة في بني مخزوم، وقد
انطفأوا بعد مقتل أبي جهل في بدر، وبرز منهم عسكري واحد هو خالد بن الوليد، وطمع
ابنه عبد الرحمن بالخلافة فقتله معاوية! كما انتهت تيْمٌ وعديٌّ بعد أبي بكر وعمر،
وهكذا لم يبق في الساحة السياسية إلا أمية وهاشم!
أما مصادرنا فروت تأكيد النبي وآله (صلى الله عليه وآله) على أن كل قريش مسؤولة عن
تبديل نعمة الله كفراً، وليس بني أمية وبني المغيرة المخزوميين فقط!
قال الإمام الصادق (عليه السلام) لأحدهم: ما تقولون في ذلك؟ فقال: نقول هما
الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة. فقال (عليه السلام): بل هي قريش قاطبة! إن
الله خاطب نبيه فقال: إني قد فضلت قريشاً على العرب وأتممت عليهم نعمتي وبعثت إليهم
رسولاً، فبدلوا نعمتي وكذبوا رسولي). (تفسير العياشي: ٢/٢٢٩).
وفي الكافي: ٨/٣٤٥، عن الباقر (عليه السلام) قال: أصبح رسول الله (صلى الله عليه
وآله) يوماً كئيباً حزيناً فقال له علي (عليه السلام): ما لي أراك يا رسول الله
كئيباً حزيناً؟ فقال: وكيف لا أكون كذلك وقد رأيت في ليلتي هذه أن بني تيم وبني عدي
وبني أمية يصعدون منبري هذا يردُّون الناس عن الإسلام القهقرى! فقلت: يا رب في
حياتي أو بعد موتي؟ فقال: بعد موتك)!
١٢ - حديث: الخلافة بعدي ثلاثون سنة صحيح عندهم
أحمد: ٤/٢٧٣، عن النعمان بن بشير قال: كنا قعوداً في المسجد مع رسول الله (صلى الله
عليه وآله) وكان بشير رجلاً يكفُّ حديثه، فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن
سعد أتحفظ حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الأمراء؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ
خطبته، فجلس أبو ثعلبة فقال حذيفة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تكون
النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون،
ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن
تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن
يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون
ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت. قال حبيب:
فلما قام عمرو بن عبد العزيز وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته، فكتبت إليه
بهذا الحديث أذكره إياه فقلت له: إني أرجو أن يكون أمير المؤمنين يعني عمر بعد
الملك العاض والجبرية، فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز فسُرَّ به وأعجبه). وفي
الطيالسي/٣١، عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل عن النبي (صلى الله عليه وآله)
قال: إن الله (عزَّ وجلَّ) بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة، وكائناً خلافة ورحمة، وكائناً
ملكاً عضوضاً، وكائناً عنوة وجبرية وفساداً في الأرض، يستحلون الفروج والخمور
والحرير وينصرون على ذلك ويرزقون أبداً، حتى يلقوا الله).
وفي الدارمي: ٢/١١٤، عن أبي عبيدة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أول
دينكم نبوة ورحمة ثم ملك ورحمة ثم ملك أعفر، ثم ملك وجبروت يستحل فيها الخمر
والحرير. قال أبو محمد: سئل عن أعفر فقال: يشبه بالتراب وليس فيه خير). ونحوه أبو
يعلى: ٢/١٧٧، وفيه: عتواً وجبرية وفساداً في الأمة. ونحوه الطبراني الكبير١١/٨٨،
وفيه: ثم يتكادمون عليها تكادم الحمر!). ملكاً جبرية: أي تسلطاً غير شرعي بالإجبار
والقهر. ملكاً عاضاً أو عضوضاً: شديد الظلم على الناس، يعضهم كالكلب!
أقول: هذا الحديث الصحيح عندهم يُفسر الأئمة المضلين ببني أمية، وينص على أن حكم
معاوية ومن بعده إلى عمر بن عبد العزيز حكمٌ جبري ظالم غير شرعي!
قال في فتح الباري: ٨/٦١: (وإشارته بهذا الكلام تطابق الحديث الذي أخرجه أحمد
وأصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره من حديث سفينة أن النبي (صلى الله عليه وآله)
قال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكاً عضوضاً). وقال في: ١/٥٤٣: (وغالب طرقها
صحيحة أو حسنة وفيه عن جماعة آخرين يطول عددهم). وقال الذهبي في سيره: ١/٤٢١: (وهو
متواتر
عن النبي (صلى الله عليه وآله)). وفي صحيحة الألباني: ١/٧٤٢: (رواه أحمد وأبو داود
والترمذي والحاكم وهذا من دلائل صدق نبوة النبي (صلى الله عليه وآله) فإن أبابكر
تولى عام١١هـ. وتنازل عنها الحسن بن علي عام٤١ هـ. وهي ثلاثون عاماً كاملة). انتهى.
وهذا الحديث يتفق مع مذهبنا في نفي الشرعية عن حكم معاوية وأمثاله، لكنا لا نقبله
لأنه يناقض ما تواتر عند الجميع من وصية النبي (صلى الله عليه وآله) بعلي والعترة
(عليه السلام) إلى جنب القرآن، ونعتبره محاولة لإخراج ابن عبد العزيز من ذم النبي
(صلى الله عليه وآله) لعامة بني أمية!
* * *
١٣ - استمرار حكم الأئمة المضلين وأتباعهم حتى ظهور المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه
الشريف)
عقد الدرر/٦٢، عن حذيفة قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ويحُ هذه
الأمة من ملوك جبابرة كيف يقتلون ويخيفون المطيعين إلا من أظهر طاعتهم، فالمؤمن
التقي يصانعهم بلسانه ويفرُّ منهم بقلبه. فإذا أراد الله (عزَّ وجلَّ) أن يعيد
الإسلام عزيزاً قصم كل جبار، وهو القادر على ما يشاء أن يصلح أمة بعد فسادها. فقال
(عليه السلام): يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى
يملك رجل من أهل بيتي، تجري الملاحم على يديه، ويُظهر الإسلام، لا يخلف وعده، وهو
سريع الحساب. أخرجه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في صفة المهدي). ومثله العرف الوردي
للسيوطي: ٢/٢، والبرهان للهندي/٩٢، وينابيع المودة/٤٤٨، وكشف الغمة: ٣/٢٦٢،
والبحار: ٥١/٨٣.
وقوله (صلى الله عليه وآله): لطول الله ذلك اليوم: كناية عن حتمية ظهور المهدي
(عليه السلام). والملاحم: جمع ملحمة، وأصلها المعركة التي يلتحم فيها الناس، وتطلق
على الأحداث الكبيرة.
* * *
١ - الدجال من وجهة نظر أهل البيت (عليهم السلام)
يختلف ما تقدمه مصادرنا عن الدجال وحركته، عن التصور الذي تقدمه الأحاديث الواردة
في المصادر السنية، بعدة أمور:
منها: أن الدجال عندنا يهودي يقوم بحركة عالمية مضادة للإمام المهدي (عليه السلام)
بعد ظهوره وإقامة دولته العالمية ونزول عيسى (عليه السلام)، وأتباع الدجال من
اليهود والنواصب والشاذين والمومسات. ويظهر أنه يستفيد من تطور العلوم والرخاء الذي
يحققه الإمام المهدي (عليه السلام) بطرق الدجل والشعبذة، ويدعي الربوبية.
ومنها: خلو أحاديثنا من عناصر الأسطورة والمبالغة التي وردت في غيرها.
ومنها: أن كعب الأحبار جعل خروج الدجال بعد فتح القسطنطينية مباشرة! وجعل قيام
الساعة بعده بسبع سنوات! فقبلوا أفكاره كلهم، بينما رفضتها مصادرنا وقالت إن دولة
العدل الإلهي تستمر طويلاً.
ومع أن علماءهم أجمعوا على قبول أفكار كعب، لكنهم تحيروا بين الدجال الذي قال به
تميم الداري، والدجال الذي قال به عمر بن الخطاب، كما يأتي!
أما نحن فروينا أن الدجال هو آخر الأئمة المضلين، في مقابل خاتم الأئمة الهادين
(عليهم السلام) ففي الكافي: ٨/٢٩٦، عن الإمام الباقر (عليه السلام) من حديث في فضل
علي (عليه السلام) جاء فيه: وأنه ليس من أحد يدعو إلى أن يخرج الدجال إلا سيجد من
يبايعه ومن رفع راية ضلالة فصاحبها طاغوت). (وعنه البحار: ٢٨/٢٥٤).
وروينا أن الدجال قائد آخر فئة مضلة، ففي البصائر/٣١٧، عن أمير المؤمنين (عليه
السلام) قال: سلوني قبل أن تفقدوني فوالله لا تسألوني عن فئة تهدى مائة إلا أخبرتكم
بسائقها وناعقها، حتى يخرج الدجال).
وروينا أن أتباعه أعداء أهل البيت (عليهم السلام): (عن حذيفة بن أسيد قال: سمعت أبا
ذر يقول وهو متعلق بحلقة باب الكعبة: أنا جندب بن جنادة لمن عرفني، وأنا أبو ذر لمن
لم يعرفني: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من قاتلني في الأولى وفي
الثانية، فهو في الثالثة من شيعة الدجال! إنما مثل أهل بيتي في هذه الأمة مثل سفينة
نوح في لجة البحر من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ألا هل بلغت؟ (رجال الكشي/٢٩).
وفي أمالي الطوسي: ١/٥٩، عن رافع مولى أبي ذر قال: رأيت أبا ذر (رحمه الله) آخذاً
بحلقة باب الكعبة مستقبل الناس بوجهه وهو يقول: من عرفني فأنا جندب الغفاري ومن لم
يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من قاتلني
في الأولى وقاتل أهل بيتي في الثانية حشره الله تعالى في الثالثة مع الدجال، إنما
مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، ومثل باب حطة من
دخله نجا ومن لم يدخله هلك). ونحوه: ٢/٧٤، والإيقاظ/٢٤٥، والبحار: ٢٢/٤٠٨، و:
٢٣/١١٩، والدرجات الرفيعة/٢٣٩، وتنقيح المقال: ١/٢٣٥، ومعجم رجال الحديث: ٤/١٦٧، عن
الكشي.
وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ٢/٤٧، عن أمير المؤمنين: قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله): مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها غرق،
ومن قاتلنا في آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال). والعمدة/٣٦٠، وكشف اليقين/١١٦،
عن الخوارزمي. وغاية المرام/٢٣٧، عن المغازلي، والبحار: ٢٧/٢٠٥، عن العيون. وفي:
٥٢/٣٣٥، عن صحيفة الرضا (عليه السلام).
ورواه من مصادر السنيين: مسند الشهاب: ٢/٢٧٣، عن سعيد بن المسيب، عن أبي ذر، قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذكره. والطبراني الصغير: ١/١٣٩، وفيه: مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح من ركبها نجا، ومثل باب حطة في بني إسرائيل. والحاكم: ٣/١٥٠، وفيه: عن حنش الكناني قال: سمعت أبا ذر (رضي الله عنه) يقول وهو آخذ بباب الكعبة: من عرفني فأنا من عرفني ومن أنكرني فأنا أبو ذر سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول.. كالطبراني. وابن المغازلي/٦٨ و/١٣٤، والشجري: ١/١٥١، وميزان الإعتدال: ١/٤٨٢، ومقتل الخوارزمي: ١/١٠٤، وكشف الهيثمي: ٣/٢٢٢، كلها كمسند الشهاب. والزوائد: ٩/١٦٨.
* * *
فهذه
الأحاديث تدل على أن الطرف الذي يقاتل الدجال هم أهل البيت (عليهم السلام)، وهو
طبيعي لأن دولة العدل الإلهي على الأرض ستكون على يد خاتمهم صلوات الله عليهم،
والدجال هو آخر حركة ضلال تكون على الأرض.
وقد دلت الأحاديث على شدة عداء الدجال وأتباعه لأهل البيت (عليهم السلام) ففي
المحاسن/٩٠، عن الإمام الصادق (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً. قيل: يا رسول الله وإن شهد الشهادتين! قال:
نعم إنما احتجب بهاتين الكلمتين عن سفك دمه، أو يؤدي الجزية وهو صاغر، ثم قال: من
أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً! قيل: وكيف يا رسول الله؟ قال: إن أدرك الدجال
آمن به). ومثله ثواب الأعمال/٢٠٣ و٢٤٢، وعنه البحار: ٥٢/١٩٢، و: ٧٢/١٣٤. وفي مشارق
أنوار اليقين/٥٢، عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيها
الناس من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً لا ينفعه إسلامه، وإن أدرك الدجال آمن
به، وإن مات بعثه الله من قبره حتى يؤمن به). ورواه البسوي في المعرفة
والتاريخ/٨٣٣، عن حذيفة، وفي نسخته تصحيف.
ومعنى إن أدرك الدجال آمن به: أن التحالف بين النواصب واليهود سيبلغ أوجه في زمن
الإمام المهدي (عليه السلام)، وتكون نهاية النواصب أن يرتدوا عن الإسلام ويتبعوا
الدجال زعيم اليهود!
* * *
كما روينا تحريم المدينة على الدجال بمضامين رواياتهم لكن بدون استثناءاتهم.
قال الصدوق في الفقيه: ٢/٥٦٤: (وروي أن الصادق (عليه السلام) ذكر الدجال فقال: لا يبقى منها سهل إلا وطأه إلا مكة والمدينة، فإن على كل نقب من أنقابها ملكاً يحفظهما من الطاعون والدجال). والتهذيب: ٦/١٢، عن ابن بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وعنه وسائل الشيعة: ١٠/٢٧٢.
* * *
وروت مصادرنا رواية مرسلة قد يفهم منها أن الدجال يفتك بأهل البصرة، ففي شرح النهج لابن ميثم البحراني: ١/٢٨٩، أن علياً (عليه السلام) (لما فرغ من حرب أهل الجمل أمر منادياً ينادي في أهل البصرة أن الصلاة جامعة لثلاثة أيام من غد إن شاء الله ولا عذر لمن تخلف إلا من حجة أو علة، فلا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً، فلما كان في اليوم الذي اجتمعوا فيه خرج فصلى في الناس الغداة في المسجد الجامع، فلما قضى صلاته قام فأسند ظهره إلى حائط القبلة عن يمين المصلي، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله) واستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، ثم قال: يا أهل المؤتفكة، ائتكفت بأهلها ثلاثاً وعلى الله تمام الرابعة، يا جند المرأة وأعوان البهيمة، رغا فأجبتم وعقر فهربتم، أخلاقكم دقاق وماؤكم زعاق، بلادكم أنتن بلاد الله تربة وأبعدها من السماء، بها تسعة أعشار الشر، المحتبس فيها بذنبه والخارج منها بعفو الله، كأني أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر! فقام إليه الأحنف بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين ومتى يكون ذلك؟ قال: يا أبا بحر إنك لن تدرك ذلك الزمان وإن بينك وبينه لقروناً، ولكن ليبلغ الشاهد منكم الغائب عنكم، لكي يبلغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحولت أخصاصها دوراً وآجامها قصوراً، فالهرب الهرب فإنه لا بُصَيْرَةَ لكم يومئذ! ثم التفت عن يمينه فقال: كم بينكم وبين الأبلة؟ فقال له المنذر بن الجارود: فداك أبي وأمي، أربعة فراسخ. قال له: صدقت فوالذي بعث محمداً وأكرمه بالنبوة وخصه بالرسالة وعجل بروحه إلى الجنة لقد سمعت منه كما تسمعون مني أن قال: يا علي
هل
علمت أن بين التي تسمى البصرة والتي تسمى الأبلة أربعة فراسخ، وقد يكون في التي
تسمى الأبُلَّة موضع أصحاب العشور يقتل في ذلك الموضع من أمتي سبعون ألفاً شهيد هم
يومئذ بمنزلة شهداء بدر! فقال له المنذر: يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم فداك أبي
وأمي؟ قال: يقتلهم إخوان الجن وهم جيل كأنهم الشياطين، سود ألوانهم منتنة أرواحهم
شديد كَلَبُهم قليل سلبهم، طوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه، ينفر لجهادهم في ذلك
الزمان قوم هم أذلة عند المتكبرين من أهل ذلك الزمان مجهولون في الأرض معروفون في
السماء، تبكي السماء عليهم وسكانها والأرض وسكانها، ثم هملت عيناه بالبكاء ثم قال:
ويحك يا بصرة من جيش لا رهَجَ له ولا حس!
قال له المنذر: يا أمير المؤمنين وما الذي يصيبهم من قبل الغرق مما ذكرت، وما الويح
وما الويل؟ فقال: هما بابان فالويح باب الرحمة والويل باب العذاب، يا ابن الجارود
نعم، ثارات عظيمة منها عصبة يقتل بعضها بعضاً، ومنها فتنة تكون بها خراب منازل
وخراب ديار وانتهاك أموال، وقتل رجال وسبي نساء يذبحن ذبحاً، يا ويل أمرهن حديث
عجب، منها أن يستحل بها الدجال الأكبر الأعور الممسوح العين اليمنى والأخرى كأنها
ممزوجة بالدم لكأنها في الحمرة علقة، ناتئ الحدقة كهيئة حبة العنب الطافية على
الماء، فيتبعه من أهلها عدة من قتل بالأبلة من الشهداء، أناجيلهم في صدورهم يقتل من
يقتل ويهرب من يهرب، ثم رجف، ثم قذف، ثم خسف، ثم مسخ، ثم الجوع الأغبر، ثم الموت
الأحمر وهو الغرق.
يا منذر، إن للبصرة ثلاثة اسماء سوى البصرة في الزبر الأول لا يعلمها إلا العلماء
منها الخريبة، ومنها تدمر، ومنها المؤتفكة. يا منذر والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو
أشاء لأخبرتكم بخراب العرصات عرصة عرصة، ومتى تخرب ومتى تعمر بعد خرابها إلى يوم
القيامة، وإن عندي من ذلك علماً جماً، وإن تسألوني تجدوني به عالماً لا أخطئ منه
علماً. قال: فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل
الجماعة ومن أهل الفرقة ومن أهل السنة ومن أهل البدعة؟ فقال: ويحك إذا سألتني فافهم
عني ولا عليك أن لا تسأل أحداً بعدي: أما أهل الجماعة فأنا ومن اتبعني وإن قلوا
وذلك الحق عن أمر الله وأمر رسوله (صلى الله عليه وآله)، وأما أهل الفرقة
فالمخالفون لي ولمن اتبعني وإن كثروا! وأما أهل السنة فالمتمسكون بما سنه الله
ورسوله (صلى الله عليه وآله) لا العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا). وعنه البحار:
٣/١٥ و: ٣٢/٢٥٣.
لكنها خطبة مرسلة لا يمكن الأخذ بها ما عدا القسم الأول إلى قوله (عليه السلام):
(كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر)، فقد رواه المؤرخون كابن أبي الحديد وابن منظور
وغيرهما. والفقرة التي فيها ذكرت الدجال مبهمة وهي: (يستحل بها الدجال الأكبر
الأعور الممسوح العين اليمنى..)، فقد يكون دجال حركة الزنج التي وصفها الإمام (عليه
السلام) في مطلع الخطبة، وقد تحققت وانطبقت عليهم أوصافه (عليه السلام): (سود
ألوانهم منتنة أرواحهم شديد كَلَبُهم قليل سلبهم، طوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه).
* * *
كما
روينا أن الذي يقتل الدجال هو الإمام المهدي (عليه السلام) ويساعده نبي الله عيسى
(عليه السلام) ففي كمال الدين: ٢/٣٣٥، عن المفضل قال: قال الصادق جعفر بن محمد
(عليهما السلام): إن الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة
عشر ألف عام فهي أرواحنا، فقيل له: يا بن رسول الله، ومن الأربعة عشر؟ فقال: محمد
وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين، آخرهم القائم الذي يقوم بعد
غيبته فيقتل الدجال ويطهر الأرض من كل جور وظلم). وعنه إثبات الهداة: ١/٥١٧
والبحار: ١٥/٢٣).
وفي منتخب الأثر للشيخ الصافي/١٧٢، عن الكامل في السقيفة لعماد الدين الطبري عن
الإمام زين العابدين (عليه السلام) قال: (إن الله تعالى أعطانا الحلم والعلم
والشجاعة والسخاوة والمحبة في قلوب المؤمنين، ومنا رسول الله ووصيه، وسيد الشهداء،
وجعفر الطيار في الجنة، وسبطا هذه الأمة، والمهدي الذي يقتل الدجال).
* * *
وروينا أن الحياة تستمر بعد الدجال، رداً على الذين زعموا أن يأجوج ومأجوج يأتون بعده، وتنتهي الحياة وتقوم القيامة! ففي الكافي: ٥/٢٦٠، عن سيابة أن رجلاً سأل الصادق (عليه السلام) فقال: جعلت فداك اسمع قوماً يقولون إن الزراعة مكروهة! فقال له: إزرعوا واغرسوا، فلا والله ما عمل الناس عملاً أحل ولا أطيب منه، والله ليزرعن الزرع وليُغْرَسَنَّ النخلُ بعد خروج الدجال). والفقيه: ٣/٢٥٠، والتهذيب: ٦/٣٨٤، والوسائل: ١٣/١٩٣، والغايات/٨٨، وعنه البحار: ١٠٣/٦٨، ومستدرك الوسائل: ١٣/٤٦١.
* * *
وروينا أن بداية راية الدجال من بلخ في أفغانستان، ففي البصائر/١٤١، أن رجلاً من
أهل بلخ دخل على الإمام الباقر (عليه السلام) فقال له: يا خراساني تعرف وادي كذا
وكذا؟ قال: نعم، قال له: تعرف صدعاً في الوادي من صفته كذا وكذا؟ قال: نعم، قال: من
ذلك يخرج الدجال! في حديث طويل جاء فيه: (وخروج رجل من ولد الحسين بن علي، وظهور
الدجال يخرج بالمشرق من سجستان، وظهور السفياني). وعنه المحتضر/١٤١، والبحار:
٢٦/١٨٩ و: ٥٢/١٩٠، وفي: ٥١/٦٨، عن كمال الدين.
ومعنى قوله (عليه السلام): (قال له: تعرف صدعاً في الوادي من صفته كذا وكذا؟ قال:
نعم قال: من ذلك يخرج الدجال): أن بداية حركة الدجال من أفغانستان من قرى ذلك
الوادي، ويؤيده أنه ورد في علامات الظهور أن عَلَم الدجال يظهر في العراق، ففي
مناقب آل أبي طالب: ٢/١٠٨، في حديث مرسل عن علي (عليه السلام) جاء فيه قوله: (وغلبة
الروم على الشام، وغلبة أهل أرمينية، وصرخ الصارخ بالعراق: هتك الحجاب وافتضت
العذراء وظهر عَلَمُ اللعين الدجال، ثم ذكر خروج القائم).
* * *
كما
اتفقت رواياتنا مع مصادرهم في أن الدجال من علامات القيامة، لكن بعض أسانيدها يلتقي
بأسانيدهم، فيقع الإشكال في صحتها، ثم في ترتيبها للعلامات.
من ذلك ما في غيبة الطوسي/٢٦٧، عن علي (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): عشر قبل الساعة لا بد منها: السفياني، والدجال، والدخان، والدابة، وخروج
القائم وطلوع
الشمس من مغربها، ونزول عيسى (عليه السلام) وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر). والبحار: ٥٢/٢٠٩.
* * *
كما
وصفت رواياتنا من ينتحل ولاية أهل البيت (عليه السلام) كذباً بأنه أضر على الشيعة
من الدجال! ففي صفات الشيعة للصدوق/١٤، عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: إن ممن
يتخذ مودتنا أهل البيت لَمَنْ هو أشد فتنة على شيعتنا من الدجال! فقلت: يا ابن رسول
الله بماذا؟ قال: بموالاة أعدائنا ومعاداة أوليائنا! إنه إذا كان كذلك اختلط الحق
بالباطل واشتبه الأمر، فلم يعرف مؤمن من منافق). والبحار: ٧٥/٣٩١.
كما وصفت الكذابين بأنهم مهيؤون لأن يتبعوا الدجال! ففي الخصال/١٣٩، عن علي (عليه
السلام) قال: إحذروا على دينكم ثلاثة: رجلاً قرأ القرآن حتى إذا رأيت عليه بهجته
اخترط سيفه على جاره ورماه بالشرك! فقلت: يا أمير المؤمنين أيهما أولى بالشرك؟ قال:
الرامي. ورجلاً استخفته الأحاديث كلما حدث أحدوثة كذب مدَّها بأطول منها! ورجلاً
آتاه الله (عزَّ وجلَّ) سلطاناً فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله،
وكذِبَ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق... وإنما أمر الله (عزَّ وجلَّ) بطاعة
الرسول لأنه معصومٌ مطهَّرٌ لا يأمر بمعصية. وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم
معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية). وكتاب سليم/٤٠٥، وشرح الأخبار: ٣/٣٩١، بتفاوت
ووسائل الشيعة(آل البيت): ٢٧/١٣٠، وابن حماد: ٢/٥٢٠، بعضه، وفيه: رجل قد استخفته
الأحاديث كلما وضع أحدوثة كذب وانقطعت مدها بأطول منها! إن يدرك الدجال يتبعه).
* * *
وروينا أن المسيح يساعد المهدي (عليهما السلام) على الدجال، ففي أمالي الصدوق/٢٢٤، عن حماد، عن عبد الله بن سليمان، وكان قارئاً للكتب قال: قرأت في الإنجيل: (يا عيسى جِدَّ في أمري ولا تهزل، واسمع وأطع، يا ابن الطاهرة الطهر البكر البتول أتيت من غير فحْل، أنا خلقتك آية للعالمين، فإياي فاعبد وعليَّ فتوكل. خذ الكتاب بقوة. فسِّر لأهل سوريا بالسريانية. بلغ من بين يديك أني أنا الله الدائم الذي لا أزول.
صدقوا
النبي الأمي صاحب الجمل والمدرعة والتاج والنعلين والهراوة، الأنجل العينين، الصلت
الجبين، الواضح الخدين، الأقنى الأنف، المفلج الثنايا... ذو النسل القليل، إنما
نسله من مباركة لها بيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب، يكفلها في آخر الزمان كما كفل
زكريا أمك، لها فرخان مستشهدان، كلامه القرآن، ودينه الإسلام، وأنا السلام، طوبى
لمن أدرك زمانه وشهد أيامه وسمع كلامه.
قال عيسى: يا رب وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة أنا غرستها، تُظِلُّ الجنات، أصلها
من رضوان، ماؤها من تسنيم، برده برد الكافور، وطعمه الزنجبيل، من يشرب من تلك العين
شربةً لا يظمأ بعدها أبداً. فقال عيسى: اللهم اسقني منها، قال: حرام يا عيسى على
البشر أن يشربوا منها حتى يشرب ذلك النبي، وحرام على الأمم أن يشربوا منها حتى تشرب
أمة ذلك النبي، أرفعك إليَّ ثم أهبطك في آخر الزمان لترى من أمة ذلك النبي العجائب،
ولتعينهم على اللعين الدجال، أهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم إنهم أمة مرحومة).
انتهى. ومثله كمال الدين: ١/١٥٩، وقال: وكانت للمسيح (عليه السلام) غيبات يسيح فيها
في الأرض فلا يعرف قومه وشيعته خبره، ثم ظهر فأوصى إلى شمعون بن حمون، فلما مضى
شمعون غابت الحجج بعده واشتد الطلب وعظمت البلوى ودرس الدين وضيعت الحقوق وأميتت
الفروض والسنن، وذهب الناس يميناً وشمالاً لا يعرفون أيّاً من أي، فكانت الغيبة
مائتين وخمسين سنة). وعنه البحار: ١٦/١٤٤، و: ٥٢/١٨١.
* * *
وأخيراً، روينا أن أشر الناس أئمة الضلال الاثنا عشر، من الأولين ستة، ومن الآخرين
ستة أحدهم الدجال، كما في الخصال/٤٥٧: (اثنا عشر، ستة من الأولين وستة من الآخرين)
ثم سمى الستة من الأولين ابن آدم الذي قتل أخاه، وفرعون وهامان وقارون والسامري
(والدجال اسمه في الأولين ويخرج في الآخرين).
وفي كتاب سُليم (رحمه الله) /١٦١ عن علي (عليه السلام): (فسألت رسول الله (صلى الله
عليه وآله) عنهم وأنتم شهود فقال: أما الأولون فابن آدم الذي قتل أخاه، وفرعون
الفراعنة، والذي حاج إبراهيم في ربه، ورجلان من بني إسرائيل بدَّلا كتابهم وغيَّرا
سنتهم، أما أحدهما فهوَّدَ اليهود
والآخر نَصَّرَ النصارى، وإبليس سادسهم. وفي الآخرين الدجال). والاحتجاج: ١/١١٣.
٢ - أحاديث الدجال في مصادر السنيين غابة متناقضة
عندما تقرأ أحاديث الدجال في مصادرهم تجد التناقض فيها بلغَ أوْجَهُ وطفح! وقد
سبَّب ذلك أن بعض علمائهم صار حشوياً يقبل كل ما رُوِيَ بدون تفكير! وهذه ظاهرة
خطيرة تنشر في المسلمين الهرطقة والاعتقاد بالضد والنقيض وتنسبه إلى الإسلام! كما
هو الحال عند خادم قبر حجر بن عدي (رحمه الله) الذي سأله أحدهم: قبرُ مَن هذا؟
فقال: هذا قبر سيدنا حجر (رضي الله عنه)، فسأله: من قتله؟ قال: قتله سيدنا معاوية
(رضي الله عنه)، فسأله: لماذا قتله: قال: لأنه لم يسب سيدنا علي (رضي الله عنه)!
قال له: كلهم سيدك؟ قال: نعم يا سيدي! وكذلك حالهم في الدجال، فقد اعتقدوا فيه الضد
والنقيض عالمهم وعاميُّهم! ذلك أنهم أعرضوا عن أهل البيت (عليهم السلام) وأخذوا
عقيدتهم من كعب الأحبار وتميم الداري، وتأكيد عمر على ولادة الدجال وغيبته!
سماه اليهود المسيح الدجال بغضاً بالمسيح (عليه السلام) فتبعوهم!
المهدي (عليه السلام) في الأديان خاتم المبعوثين لإصلاح الأرض، وعلى يده تتحقق دولة
العدل الإلهي ويزول الظلم البشري. والدجال في الأديان السماوية آخر حركة تضليلية
تزويرية. وقد طبقه اليهود بظلمهم على المسيح صلوات الله على نبينا وآله وعليه فسموا
الدجال افتراءً وبهتاناً (المسيح الدجال) ونشروا ذلك في المسلمين! ونسبت مصادرهم
تسميته المسيح إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وبرروه بأن عينه ممسوحة! بل سموه
المسيح فقط بدون لفظ الدجال تماماً كما فعل اليهود! ولا عجب فرواة ذلك تلاميذ أحبار
اليهود الذين سماهم النبي (صلى الله عليه وآله): (المتهوكين)! لكن الرائع حقاً أن
النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) سمَّوه الدجال فقط، ولم
يسموه
المسيح أبداً! فلا تجد ذلك في حديث صحيح عنهم (عليهم السلام)!
خالفوا النبي (صلى الله عليه وآله) وجعلوا الدجال أخطر من الأئمة المضلين!
حيث رووا الحديث الصحيح الذي نص على أن الأئمة المضلين أخطر من الدجال ثم رووا أن
الدجال أخطر من جميع الفتن! قال ابن حماد: ٢/٥١٨، عن هشام بن عامر قال: سمعت رسول
الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ما بين خلق آدم (عليه السلام) إلى قيام الساعة أمر
أكبر من الدجال! وفي طبقات ابن سعد: ٧/٢٦، إلى هشام بن عامر قال: إنكم تجاوزوني إلى
رهط من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما كانوا بألزم لرسول الله (صلى الله
عليه وآله) مني، ولا أحفظ مني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ما بين
خلق آدم والقيامة فتنة أعظم من الدجال)! وابن أبي شيبة: ١٥/٢٣، وأحمد: ٤/١٩، ومسلم:
٤/٢٢٦٦، كابن حماد، عن عمران بن حصين. وأبو يعلى: ٣/١٢٦، بروايتين عنه وعن هشام بن
عامر. والطبراني الكبير: ٢٢/١٧٤، عن هشام بن عامر، والمعجم الأوسط: ٥/٢٧، نحوه،
ولفظه: ما أهبط الله إلى الأرض منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أعظم من فتنة
الدجال! والحاكم: ٤/٥٢٨، كابن أبي شيبة وصححه على شرط بخاري، والفردوس: ٤/٣٤٠، كابن
حماد، والجامع الصغير: ٢/٤٨٩، عن أحمد ومسلم وصححه، والدر المنثور: ٥/٣٥٤:
وابن حماد: ٢/٥١٧، عن أبي أمامة الباهلي، أنه أعظم الفتن جميعاً، وقد كذب ما صح من
أن فتنة الأئمة المضلين أعظم! قال: (خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكان
أكثر خطبته ما يحدثنا عن الدجال يحذرناه، وكان من قوله: يا أيها الناس إنها لم تكن
فتنة في الأرض أعظم من فتنة الدجال، وإن الله تعالى لم يبعث نبياً إلا حذره أمته،
وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، فإن يخرج وأنا فيكم
فأنا حجيج كل مسلم، وإن يخرج بعدي فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم،
فمن لقيه منكم فليتفل في وجهه وليقرأ بفواتيح سورة الكهف). انتهى.
وتعالَ انظر إلى هذا (الرعب الديني) من الدجال برواية ابن حماد: ٢/٥١٨، التي تزعم أن النبي (صلى الله عليه وآله): (تخوف الدجال وذكر من علاماته وإمارته ومقدمات أمره، حتى ظن الملأ أنه ثايرٌ عليهم من بينهم من النخل أو خارج من النخل عليهم! ثم قام لبعض شأنه ثم عاد وقد اشتد تخوف من حضره وبكاؤهم! فقال: مهيم، ثلاثاً، ما الذي أبكاكم؟ قالوا: ذكرت الدجال وقربت أمره حتى ظننا أنه ثائر علينا، وأنه خارج من النخل علينا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه. إحدى عينه مطموسة والأخرى ممزوجة بالدم كأنها الزهرة). انتهى. وقد تبعه كثيرون في نشر الرعب احتساباً قربةً إلى الله! منهم: مسلم في صحيحه: ٤/٢٢٥٠، عن نواس بن سمعان قال: (ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال: ما شأنكم؟ قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل! فقال: غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب قطط عينه طافئة كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتيح سورة الكهف. إنه خارج من خلة بين الشام والعراق، فعاث يميناً وعاث شمالاً. يا عباد الله فاثبتوا. قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً يومٌ كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم. قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، أقدروا له قدره. قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما
كانت دراً وأسيغه ضروعاً وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم فيصبحون مملحين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك! فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قَطَرَ، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يجد ريح نَفَسه أحد إلا مات، ونَفَسُه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عباداً لي لا يَدَانِ لأحد بقتالهم فحرِّز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم(مأجوج) النغف(الدود) في رقابهم فيصبحون فرسى(صرعى) كموت نفس واحدة! ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيراً كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيت شاء الله، ثم يرسل الله مطراً لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرَّسل(القطيع) حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من
الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي النفر من
الناس، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل
مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة). ورواه
في/٢٢٥٥، وفيه: ثم يسيرون(يأجوج) حتى ينتهوا إلى جبل الخمر وهو جبل بيت المقدس
فيقولون لقد قتلنا من في الأرض هلمَّ فلنقتل من في السماء، فيرمون بنشابهم إلى
السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دماً. وابن ماجة: ٢/١٣٥٦، كمسلم بتفاوت يسير،
عن النواس الكلابي. وأبو داود: ٤/١١٧ مختصراً، عن النواس بن سمعان. والترمذي:
٤/٥١٠، كرواية مسلم الأولى بتفاوت، عن النواس بن سمعان. والبدء والتاريخ: ٢/١٩٣،
كابن حماد بتفاوت، مرسلاً. والطبراني الكبير: ٨/١٧١، بمعناه، عن أبي أمامة الباهلي.
والحاكم: ٤/٤٩٢، كمسلم وصححه على شرط الشيخين. وفي/٥٣٠، أوله بتفاوت. وفي/٥٣٦، عن
نفير كابن حماد بتفاوت، وصححه على شرط مسلم. وقال السيوطي في الدر المنثور: ٤/٣٣٦:
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر،
والبيهقي في البعث عن النواس بن سمعان. وفي: ٥/٣٥٣: وأخرج أحمد والحاكم وصححه،
وأحمد: ٤/١٨١، عن النواس كمسلم بتفاوت. وأبو داود: ٤/١١٧، عن النواس، وآخر عن أبي
أمامة بمعناه. وابن ماجة: ٢/١٣٥٦، كأحمد بتفاوت. والترمذي: ٤/٥١٠، كأحمد وحسنه،
والحاكم: ٤/٤٩٢ كأحمد وصححه على شرط الشيخين! وذرى الحيوان: سنامه وأعلاه، والخواصر
والذروع: جمع خاصرة وذرع. ويعسوب النحل: ملكتها. والغرض: الهدف. والنَّغَف: في
الأصل الحزام الجلدي شبهت به الحشرات التي تبعث عليهم. والزَّهم بفتح الزاي: الوغف
والنتن.
وهي إسرائيليات مخلوطة بخيال الراوي كبقية روايات الباب، وتلاحظ أن رواية مسلم
تضمنت: (فقال (صلى الله عليه وآله): غير الدجال أخوفني عليكم) لكن ذلك لا أثر له في
وسط هذا الحشد الصاخب الأسطوري عن الدجال! لذلك لا بد لك أن تبحث عن المضمون النبوي
الصحيح بملاحظة مجموع الروايات.
وجعلوا للدجال قدرات أسطورية!
في مجموع الفتاوى لابن تيمية: ٣٥/١١٨: (وقد قال (صلى الله عليه وآله): لا تقوم
الساعة حتى يكون فيكم ثلاثون دجالون كذابون كلهم يزعم أنه رسول الله. وأعظم
الدجاجلة فتنةً الدجال الكبير الذي يقتله عيسى بن مريم، فإنه ما خلق الله من لدن
آدم إلى قيام الساعة أعظم من فتنته! وأمَرَ المسلمين أن يستعيذوا من فتنته في
صلاتهم! وقد ثبت أنه يقول للسماء أمطري فتمطر وللأرض أنبتي فتنبت! وأنه يقتل رجلاً
مؤمناً ثم يقول له قم فيقوم فيقول أنا ربك! فيقول له كذبت بل أنت الأعور الكذاب
الذي أخبرنا عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والله ما ازددت فيك إلا بصيرة.
فيقتله مرتين فيريد أن يقتله في الثالثة فلايسلطه الله عليه.. فهذا هو الدجال
الكبير ودونه دجاجلة منهم من يدعي النبوة). وفي فتن ابن حماد: ٢/٥٣٦، عن حذيفة، عن
النبي (صلى الله عليه وآله) قال: الدجال أعور العين اليسرى، جِفَالُ الشعر، معه جنة
ونار، فناره جنة وجنته نار... وعن ابن عمر يرفعه: الدجال إحدى عينيه مطموسة والأخرى
ممزوجة بالدم كأنها الزهرة، ويسير معه جبلان جبل من أنهار وثمار وجبل دخان ونار،
يشق الشمس كما يشق الشعرة، ويتناول الطير في الهواء). وأحمد: ٥/٣٢٤، عن عُبَادَة،
كرواية ابن حماد الأولى بتفاوت يسير. وفي/٣٩٧، كروايته الثانية. وكذا مسلم: ٤/٢٢٤٨،
وأبو داود: ٤/١١٦، كأحمد الأولى، وابن ماجة: ٢/١٣٥٣، كرواية ابن حماد الثانية، عن
حذيفة. وحلية الأولياء: ٥/١٥٧، و: ٩/٢٣٥، كابن حماد الأولى، بتفاوت يسير. والبغوي:
٣/٤٩٨، كرواية مسلم، من صحاحه، وفي/٥٠٧، كابن حماد من حسانه.. إلى آخر القائمة
الطويلة!
ابن أبي شيبة: ١٥/١٣٣، عن حذيفة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الدجال يخوض
البحار إلى ركبتيه، ويتناول السحاب، ويسبق الشمس إلى مغربها، وفي جبهته قرن يخرص
منه الحيات، وقد صور في جسده السلاح كله، حتى ذكر السيف والرمح والدرق. قال قلت:
وما الدرق؟ قال: الترس). الخُرص بالضم: الحلقة الصغيرة في الإذن أو غيرها وبالفتح:
التخمين والظن، والمعنى أن الدجال له قرنٌ يصنع منه الحيات.
ابن
أبي شيبة: ١٥/١٣٣، أو: ٨/٦٤٨، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (لأنا أعلم بما
مع الدجال من الدجال، معه نهران يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض، والآخر رأي
العين نار تأجج فإما أدرك أحد ذلك فليأت النهر الذي يراه نارا فليغمض ثم ليطأطئ
رأسه وليشرب فإنه ماء بارد وإن الدجال ممسوح العين، عليها ظفرة غليظة مكتوب بين
عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب). وأحمد: ٥/٣٨٦، والحاكم: ٤/٤٩١، وصححه،
وبآخر أكثر أسطورة، وطوال الطبراني/١٢٥، والكبير: ٨/١٤٦، والدر المنثور: ٤/٢١٠،
و٢٥٢.. إلى آخر القائمة!
وعبد الرزاق: ١١/٣٩١، عن اسماء بنت يزيد الأنصارية (تشترك مع فاطمة بنت قيس برواية
الدجال) قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيتي فذكر الدجال فقال: إن
بين يديه ثلاث سنين، سنة تمسك السماء ثلث قطرها، والأرض ثلث نباتها، والثانية تمسك
السماء ثلثي قطرها، والأرض ثلثي نباتها، والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض
نباتها كله، فلا تبقى ذات ظلف ولا ذات ضرس من البهائم إلا هلكت. وإن من أشد الناس
فتنة أنه يأتي الأعرابي فيقول: أرأيت إن أحييت لك إبلك ألست تعلم أنني ربك؟ قال
فيقول: بلى، فيتمثل له الشيطان نحو إبله، كأحسن ما تكون ضروعاً وأعظمه أسنمة. قال:
ويأتي الرجل قد مات أخوه ومات أبوه فيقول: أرأيت إن أحييت لك أباك وأحييت لك أخاك
أليس تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى، فيتمثل له الشيطان نحو أبيه ونحو أخيه. قالت: ثم
خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحاجة له ثم رجع، قالت: والقوم في اهتمام وغم
مما حدثهم به، قالت فأخذ بلحمتي الباب وقال: مهيم اسماء(ماذا يا اسماء؟) قالت قلت:
يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال، قال: إن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه وإلا
فإن ربي خليفتي من بعدي على كل مؤمن. قالت اسماء: فقلت يا رسول الله والله إنا
لنعجن عجينتنا فما نخبزها حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ؟ قال: يجزئهم ما يجزئ أهل
السماء من التسبيح والتقديس)! وابن حماد: ٢/٥٢٧، وبعده، عن ابن عمر، وأحمد: ٦/٧٥
٧٦، عن عائشة، وقالت: فأين العرب
يومئذ؟ قال (صلى الله عليه وآله): العرب يومئذ قليل). إلى آخر صفحاتهم من نوع ما
تقدم وأكثر منه بؤساً!
الدجال في صحيح بخاري!
روى في: ١/٢٠٢، و: ٧/١٥٩/و١٦١، و: ٨/١٠٣، عن عائشة أن النبي (صلى الله عليه وآله)
كان يستعيذ في صلاته من الدجال! فيقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك
من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات. ونحوه في: ٢/١٠٣ عن
أبي هريرة، و: ٥/٢٢٣، عن أنس، وفي: ٧/١٥٨، أن سعدً كان يستعيذ (من فتنة الدنيا أي
فتنة الدجال).
وروى ما نوافقه عليه في: ٨/١٠٣، عن أنس بن مالك أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
المدينة يأتيها الدجال فيجد الملائكة يحرسونها فلا يقربها الدجال ولا الطاعون إن
شاء الله).
وكذا في: ٢/٢٢٣، و: ٨/١٠١، عن أبي بكرة قول النبي (صلى الله عليه وآله): لا يدخل
المدينة رعب المسيح الدجال لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان). ونحوه عن أبي
هريرة.
لكن بخاري خرَّب ذلك بحديث عن أنس جاء فيه: (ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة
والمدينة ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ثم ترجف المدينة
بأهلها ثلاث رجفات فيخرج الله كل كافر ومنافق... وبآخر في: ٨/١٠١، عن أنس قال النبي
(صلى الله عليه وآله): يجيء الدجال حتى ينزل في ناحية المدينة ثم ترجف المدينة ثلاث
رجفات، فيخرج إليه كل كافر ومنافق). وبآخر عن الخدري جاء فيه: ينزل بعض السباخ التي
بالمدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقول أشهد أنك الدجال
الذي حدثنا عنك رسول الله (صلى الله عليه وآله) حديثه فيقول الدجال: أرأيت إن قتلت
هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه:
والله ما كنت قط أشد بصيرة مني اليوم! فيقول الدجال: أقتله فلا يسلط عليه). ورواه
في: ٨/١٠٣. فصار معنى تحريم المدينة على الدجال أنه ينزل في ضاحيتها فيهرب منها
أهلها! ويأتيه منافقوها ويسلط على
مؤمنيها ويقتل منهم رجلاً صالحاً! فماذا بقي من حفظها منه؟!
وروى بخاري في: ٤/١٠٥، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أن الدجال: يجيء
معه بمثال الجنة والنار فالتي يقول إنها الجنة هي النار. وفي/١٤٣، عن حذيفة عن
النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن مع الدجال إذا خرج ماء وناراً فأما الذي يرى
الناس أنها النار فماء بارد، وأما الذي يرى الناس أنه ماء بارد فنار تحرق! فمن أدرك
ذلك منكم فليقع في الذي يرى أنها نار فإنه عذب بارد). وفي: ٨/١٠١: (فناره ماء بارد
وماؤه نار).
وفي: ٣/١٢٣، عن أبي هريرة أنه صار يحب بني تميم لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال
إنهم أشد الناس على الدجال! ورواه في: ٥/١١٥، وقال: وكانت فيهم سبية عند عائشة فقال
(صلى الله عليه وآله): اعتقيها فإنها من ولد اسماعيل)! فجعل بني تميم من ذرية
إبراهيم (عليه السلام)!
وروى في: ٨/١٥٨، أن جابر بن عبد الله كان يحلف أن ابن الصائد الدجال! قلت: تحلف
بالله؟ قال إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي (صلى الله عليه وآله) فلم ينكره
النبي).
وروى في: ٨/١٠١، عن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله) صدق قول عمر وابنه في أن
الدجال قد ولد وأن النبي (صلى الله عليه وآله) رأى الدجال عند الكعبة وقال: بينا
أنا قائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر ينطف أو يهراق رأسه ماء قلت من هذا؟
قالوا: ابن مريم ثم ذهبت التفت فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين كأنه عينه
عنبة طافية، قالوا: هذا الدجال! أقرب الناس به شبهاً ابن قطن رجل من خزاعة). وفي:
٧/٥٨ و: ٥/١٢٦ و: ٨/٧٢، عن ابن عمر أن النبي رآه وقال (صلى الله عليه وآله): وإذا
أنا برجل جعد قطط أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية، فسألت من هذا؟ فقيل المسيح
الدجال)! انتهى.
وهذه الأحاديث المزعومة مردودة بما صح عندهم عن النبي (صلى الله عليه وآله) من أن
فتنة الأئمة المضلين أشد الفتن وأخوفها على الأمة! وبأن تحريم المدينة المنورة على
الدجال يعني حفظها منه وعدم تسليطه على أهلها، وبأنه من المحال أن يعطي الله تعالى
لعدوه الدجال القدرة على المعجزة وإحياء الموتى.. الخ.
وأفضل ما رواه بخاري: ٨/١٠١، حديث يكذب كل أساطيرهم في الدجال حتى ما
رواه
بخاري نفسه! وأنهم سألوا النبي (صلى الله عليه وآله) عن أساطير اليهود في الدجال
فقال للمغيرة بن شعبة: (ما يضرك منه؟! قلت: لأنهم يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء!
فقال (صلى الله عليه وآله): هو أهون على الله من ذلك). وأحمد: ٤/٢٥٢، وابن حماد:
٢/٥٥٢، وابن شيبة: ١٥/١٢٩، و: ٩/٨٢ ومسلم: ٤/٢٢٥٧، و٤/١٣٥٤، وأحمد: ٤/٢٤٦ و٢٥٢،
وفي/٢٤٨: إنهم يزعمون أن معه جبال الخبز وأنهار الماء.
فهذا الحديث الصحيح عندهم ينسف كل ما رووه في تضخيم الدجال وتخويف الناس من خوارقه
ومعجزاته! ويضع يدك على المتهوكين الذين كانوا يشيعون أساطير الدجال في المسلمين
فيكذبهم النبي (صلى الله عليه وآله)!
لكن رغم كل ذلك فقد أشربوا بأساطير الدجال وطول حماره، وما زلت ترى أساطير اليهود
في مصادرهم وأن عوامهم في شرق الأرض وغربها يصدقونها، لأن أئمتهم سوقوها لهم وضيعوا
الأحاديث المطمئنة التي تنفي المكذوبات!
فالدجال ما زال عندهم يحيي ويميت، ومعه جنة ونار، وجبل من ثريد، وحماره سبعون
ذراعاً بذراع الله، وينفخ نفسه فيملأ الطريق، ومن يكفر به يفتقر! والمسلمون كلهم
يفرون منه في الجبال، ويلجؤون إلى بيت المقدس! الخ.
٣ - عقيدة اليهود في الدجال!
وهي تدلنا على مدى تخريب كعب والمتهوكين لعقيدة الدجال عند المسلمين! ففي إقبال
الأعمال لابن طاووس: ٢/٣١ أو٣١٩، جاء في حديث طويل في مناظرة النبي (صلى الله عليه
وآله) مع وفد نجران وإسلام أحدهم واسمه حارثة.. قال حارثة: وأحذركم يا قوم أن يكون
من قبلكم من اليهود أسوة لكم، إنهم أنذروا بمسيحين: مسيح رحمة وهدى ومسيح ضلالة،
وجعل لهم على كل واحد منهما آية وأمارة، فجحدوا مسيح الهدى وكذبوا به وآمنوا بمسيح
الضلالة الدجال وأقبلوا على انتظاره، وأضربوا في الفتنة وركبوا نتجها، ومن قبل
نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وقتلوا
أنبياءه والقوامين بالقسط من عباده، فحجب الله (عزَّ وجلَّ) عنهم البصيرة بعد
التبصرة، بما كسبت أيديهم، ونزع ملكتهم منهم ببغيهم وألزمهم الذلة والصغار).
وقال المناوي في فيض القدير: ٣/٧١٨: (قال البسطامي: الدجال مهدي اليهود، ينتظرونه
كما ينتظر المؤمنون المهدي، ونقل عن كعب الأحبار أنه رجل طويل عريض الصدر مطموس
يدعي الربوبية، معه جبل من خبز وجبل من أجناس الفواكه، وأرباب الملاهي جميعاً
يضربون بين يديه بالطبول والعيدان والمعازف والنايات فلا يسمعه أحد إلا تبعه إلا من
عصمه الله! قال: ومن أمارات خروجه تهب ريح كريح قوم عاد ويسمعون صيحة عظيمة وذلك
عند ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكثرة الزنا وسفك الدماء، وركون العلماء
إلى الظلمة والتردد إلى أبواب الملوك، ويخرج من ناحية المشرق من قرية تسمى دسر
أبادين ومدينة الهوازن ومدينة أصبهان، ويخرج على حمار وهو يتناول السحاب بيده ويخوض
البحر إلى كعبيه، ويستظل في أذن حماره خلق كثير، ويمكث في الأرض أربعين يوماً، ثم
تطلع الشمس يوماً حمراء ويوماً صفراء ويوماً سوداء، ثم يصل المهدي وعسكره إلى
الدجال فيلقاه فيقتل من أصحابه ثلاثين ألفاً فينهزم الدجال ثم يهبط عيسى إلى الأرض
وهو متعمم بعمامة خضراء متقلد بسيف راكب على فرسه، وبيده حربة فيأتي إليه فيطعنه
بها فيقتله. إلى هنا كلامه نقلاً عن كعب الأحبار). انتهى.
أقول: كلام كعب عن عقيدة اليهود صحيح لكنه مبتور ومضاف إليه! فقد بتر كعب تطبيق
قومه اليهود للدجال على نبي الله عيسى المسيح (عليه السلام)! وقد عرفت أن وصف
الدجال بالمسيح لم يصدر عن النبي وآله (صلى الله عليه وآله)، بل أخذه الصحابة
المتهوكون من اليهود ونشروه في المسلمين!
كما أضاف كعب في الثقافة التي نشرها بين المسلمين ظهور المهدي ونزول المسيح (عليهما
السلام) وقتالهما للدجال، لأنه أسلم رسمياًً فكان مضطراً لمداراة المسلمين! وفي نفس
الوقت أدخل مفاهيم يهوديته في عقيدة المهدي والدجال، مثل أن الدجال
عربي،
وأن المهدي (عليه السلام) لا يحقق هدفه بل يُقتل على يد الروم، وأن الكعبة تُهدم
ومكة تخرب، وتنتهي الدنيا بعد الدجال بقليل، وتقوم القيامة!
والعجيب من جرأة كعب أنه روى أساطير اليهود عن النبي (صلى الله عليه وآله) مع أنه
لم يره! بل دفع تلاميذه إلى روايتها كأبي هريرة وعبد الله بن عمرو العاص وعبد الله
بن عمر وغيرهم، فرووها عن كعب كأنها أحاديث أو أسندوها إكراماً لكعب إلى النبي (صلى
الله عليه وآله)!
وفي تاريخ الطبري: ١/١٢: (وزعموا أن اليهود إنما نقصوا ما نقصوا من عدد سني ما بين
تاريخهم وتاريخ النصارى، دفعاً منهم لنبوة عيسى بن مريم (عليه السلام)، إذ كانت
صفته ووقت مبعثه مثبتة في التوراة، وقالوا لم يأت الوقت الذي وقت لنا في التوراة أن
الذي صفته صفة عيسى يكون فيه! وهم ينتظرون بزعمهم خروجه ووقته، فأحسب أن الذي
ينتظرونه ويدعون أن صفته في التوراة مثبتة هو الدجال الذي وصفه رسول الله (صلى الله
عليه وآله) لأمته، وذكر لهم أن عامة أتباعه اليهود، فإن كان ذلك هو عبد الله بن
صياد، فهو من نسل اليهود).
اليهود نشروا الأسطورة والخوف من الدجال!
في مناقب آل أبي طالب: ١/١٢٩: (جاء أعرابي فقال: يا رسول الله بلغنا أن المسيح يعني
الدجال، يأتي الناس بالثريد وقد هلكوا جميعاً جوعاً، أفترى بأبي أنت وأمي أن أكفَّ
من ثريده تعففاً وتزهداً؟ فضحك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال: يغنيك الله
بما يغني به المؤمنين). انتهى. فلاحظ أن الأعرابي الصحابي سماه المسيح فقط، كما
سمعه من زملائه الصحابة المتهوكين أو من أساتذتهم حاخامات اليهود.
واقرأ في ابن شيبة: ٥/١٣٤، (عن عائشة قالت: دخل عليَّ النبي (صلى الله عليه وآله)
وأنا أبكي فقال: ما يبكيك؟ فقلت يا رسول الله ذكرت الدجال، قال: فلا تبكي فإن يخرج
وأنا حي أكفيكموه، وإن أمت فإن ربكم ليس بأعور وإنه يخرج معه يهود أصبهان فيسير حتى
ينزل
بضاحية المدينة، ولها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان، فيخرج إليه شرار أهلها،
فينطلق حتى يأتي لُدّ فينزل عيسى بن مريم فيقتله، ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة
أو قريباً من أربعين سنة، إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً).
وأحمد: ٦/٧٥، بنحوه، وفيه: إنه يخرج في يهودية أصبهان حتى يأتي المدينة فينزل
ناحيتها، ولها يومئذ سبعة أبواب على كل نقب منها ملكان، فيخرج إليه شرار أهلها حتى
يأتي(الشام كذا) مدينة بفلسطين بباب لد. وقال أبو داود مرة: حتى يأتي فلسطين بباب
لد، فينزل عيسى (عليه السلام) فيقتله، ثم يمكث عيسى (عليه السلام) في الأرض أربعين
سنة إماماً عادلاً.
ومجمع الزوائد: ٧/٣٣٨، ووثقه، وابن حماد: ٢/٥٨١، عن أبي عمرو الشيباني قال: كنت مع
حذيفة بن اليمان في المسجد إذ جاء أعرابي يهرول حتى وقف بين يديه فقال: أخَرَجَ
الدجال؟ فقال حذيفة: أنا لما دون الدجال أخوف مني للدجال، وما الدجال؟ إنما فتنته
أربعون يوماً... فيوم كالسنة... قالوا: يا رسول الله فكيف نصلي في تلك الأيام
الطوال؟ قال: تقدرون كما تقدرون في هذه الأيام القصار ثم تصلون. ونحوه عبد الرزاق:
١١/٣٩٢، وابن شيبة: ١٥/١٣٢، بعضه، وأحمد: ٦/٤٥٤، عن عبد الرزاق، ولفظ الطبري في
الأحاديث الطوال/١٢٥، أصح. وفي الزوائد: ٧/٣٣٦، عن ابن الحرث: (ما كنا نسمع فزعة
ولا رجة في المدينة إلا ظننا أنه الدجال)!
أقول: بكاء عائشة يدل على صلتها بأحاديث اليهود وتصديقها بها، فطمأنها النبي (صلى
الله عليه وآله).
وزعموا أن جميع الأنبياء (عليهم السلام) حذروا من دجالهم الأسطوري!
عبد الرزاق: ١١/٣٩٠، عن ابن عمر قال: قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الناس
فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال: إني لأنذركموه، وما من نبي إلا قد
أنذره قومه لقد أنذره نوح قومه! ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه،
تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور! وقال: قال الزهري: أخبرني عمر بن ثابت
الأنصاري أنه أخبره بعض أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) أن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) قال يومئذ للناس وهو يحذرهم فتنة الدجال: إنه لن يرى أحد منكم ربه حتى
يموت، وإنه مكتوب بين عينيه كافر
يقرؤه
من كره عمله! وابن حماد: ٢/٥١٨، عن عبد الرزاق. وابن أبي شيبة: ١٥/١٢٨عن جابر وابن
عمر وفيه: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذكر المسيح بين ظهراني الناس وقال: إن
الله ليس بأعور وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية! وفي ابن
أبي شيبة: ١٥/١٣١: وإنه أعور عين اليمنى لا حدقة له، جاحظة والأخرى كأنها كوكب دري
وإنه يتبعه من كل قوم يدعونه بلسانهم إلهاً!
والطيالسي/٧٣، عن ابن خباب: إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء. ورواه من تأخر عنهم
بعشرات الروايات! وفي: ٢/٣٣ و/١٢٤، و/١٣١، و١٤٩، كل ذلك عن ابن عمر. وفي: ٣/٧٩،
كرواية ابن أبي شيبة الرابعة، وفيها: وعينه اليمنى عوراء جاحظة لا تخفى كأنها نخامة
في حائط مجصص، وعينه اليسرى كأنها كوكب دري معه من كل لسان، ومعه صورة الجنة خضراء
يجري فيها الماء، وصورة النار سوداء تداخن. وفي: ٥/٤٣٣، بعضه، عن عبد الرزاق.
والطيالسي/٢٦٥ و٣٠٦، عن أنس أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ما من نبي إلا وقد
أنذر الدجال أمته... ألا وإني قائل فيكم قولاً لم يقله نبي قبلي: إنه أعور وربكم
تبارك وتعالى ليس كذلك!).
ثم جاء بخاري فرواه في: ٤/١٦٣، كما في عبد الرزاق، عن ابن عمر. وعن أبي هريرة: ألا
أحدثكم حديثاً عن الدجال ما حدث به نبي قومه، إنه أعور وإنه يجيء معه بمثال الجنة
والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه. وفي:
٩/٧٥، كرواية عبد الرزاق، بتفاوت يسير، عن أنس، وأخرى كرواية الطيالسي الثانية
بتفاوت يسير.
ثم جاء مسلم النيسابوري فرواه: ٤/٢٢٤٥، كعبد الرزاق بتفاوت يسير عن ابن عمر
وفي/٢٢٤٧، عن ابن أبي شيبة، وفي/٢٢٤٨، كرواية الطيالسي الأولى بتفاوت يسير. ثم أبو
داود: ٤/١١٦، عن الطيالسي، ومثله عن مسدد، وشعبة وأنس. والترمذي: ٤/٥٠٨، و/٥١٤،
وأبو يعلى: ٢/٧٨ و: ٥/٣٦٨، وفيه: يخرج في قلة من الناس ونقص من الطعام، يدخل أمصار
العرب كلها غير طيبة وهي المدينة. قال قائل: يا نبي الله أما يريد المدينة؟ قال:
بلى ولكن الملائكة صافون بنقابها وأبوابها يحرسونها. ثم رواه بخمس روايات أخرى!
وحلية الأولياء: ٤/٣٣٤، والخطيب البغدادي: ٣/١١٨، بثلاث روايات والبغوي: ٣/٤٩٧،
بأربع روايات.. إلى آخر القائمة.
* * *
وروى
الطيالسي/١٥٠، حديثاً آخر عن سفينة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: خطبنا
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إنه لم يكن نبي إلا وقد أنذر الدجال أمته، ألا
وإنه أعور عين الشمال وباليمنى ظفرة غليظة بين عينيه كافر يعني مكتوب كاف فاء راء،
ويخرج معه واديان إحداهما جنة وأخرى نار، فناره جنة وجنته نار، فيقول الدجال للناس:
ألست بربكم أحيى وأميت؟ ومعه نبيان من الأنبياء إني لأعرف اسمهما واسم آبائهما لو
شئت أن اسميهما سميتهما، أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره فيقول: ألست بربكم أحيى
وأميت؟ فيقول أحدهما: كذبت، فلا يسمعه أحد من الناس إلا صاحبه، ويقول الآخر: صدقت
ويسمعه الناس وذلك فتنة. ثم يسير حتى يأتي المدينة فيقول: هذه قرية ذاك الرجل فلا
يؤذن له أن يدخلها، ثم يسير حتى يأتي الشام فيهلكه الله عند عقبة أفيق). ورواه مَن
جاء بعده على منواله كابن أبي شيبة: ١٥/١٣٧، وأحمد: ٥/٢٢١، والطبراني الكبير: ٧/٩٨،
وابن عساكر في تهذيبه: ١/١٩٥، وغيرهم وغيرهم! ورووا أخرى وأخرى.. كابن أبي شيبة:
١٥/١٣٥، وابن حماد: ٢/٥٤٢، و٥٤٦، وأحمد: ١/١٩٥، وأبو داود: ٤/٢٤١، والترمذي: ٤/٥٠٧،
وأبو يعلى: ٢/١٧٨، والحاكم: ٤/٥٤٢، والبغوي: ٣/٥٠٧، وغيرهم وغيرهم!
فانظر إلى هذه المصيبة في أحاديثهم (الصحيحة)! وزعمهم أن الله تعالى يجعل نبيين في
خدمة الدجال! ويعطيه القدرة على إخفاء صوت من يكذبه منهما! ثم يخون النبي الآخر
ويكفر بربه ويصدق بالدجال! واعلم أن رواة الخلافة قلدوا اليهود في الافتراء على
الله تعالى وإهانة رسله وأنبياءه (عليهم السلام).
* * *
عبد
الرزاق: ١١/٣٩٥، عن هشام بن عامر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن رأس
الدجال من ورائه حُبُك حبك، وإنه سيقول أنا ربكم فمن قال أنت ربي افتتن، ومن قال
كذبت ربي الله وعليه توكلت وإليه أنيب فلا يضره). انتهى.
والشعر الحُبُك: بضم الحاء والباء: المجعد الذي فيه طرائق كما يفعل الأفارقة، أي
شعر رأسه مجعد ذو خطوط. ورواه أحمد: ٤/٢٠، كعبد الرزاق بتفاوت يسير، وفي: ٥/٣٧٢،
و/٤١٠، عن أبي قلابة قال: رأيت رجلاً بالمدينة وقد طاف الناس به وهو يقول: قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فإذا رجل من
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) قال: فسمعته وهو يقول: إن من بعدكم الكذاب المضل، وإن رأسه من بعده حبك حبك حبك ثلاث مرات، وإنه سيقول أنا ربكم، فمن قال لست ربنا لكن ربنا الله عليه توكلنا وإليه أنبنا نعوذ بالله من شرك، لم يكن له عليه سلطان). والطبراني الكبير: ٢٢/١٧٥، والحاكم: ٤/٥٠٨، كلاهما عن عبد الرزاق. ومجمع الزوائد: ٧/٣٤٢ أوله، وصححه.
* * *
عبد
الرزاق: ١١/٣٩٣، عن أبي سعيد الخدري قال: (حدثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
حديثاً طويلاً عن الدجال، فقال فيما يحدثنا: يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل
أنقاب المدينة، فيخرج إليه رجل يومئذ هو خير الناس أو خيرهم فيقول أشهد أنك الدجال
الذي حدثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) حديثه. فيقول الدجال أرأيتم إن قتلت هذا
ثم أحييته أتشكون في الأمر؟ فيقولون لا، فيقتله ثم يحييه، فيقول حين يحيى: والله ما
كنت قط أشد بصيرة فيك مني الآن. قال فيريد قتله الثانية فلا يسلط عليه. قال معمر:
وبلغني أنه يجعل على حلقه صفيحة من نحاس وبلغني أنه الخضر الذي يقتله الدجال ثم
يحييه). وابن حماد: ٢/٥٤٦، وأحمد: ٣/٣٦، وصحيح بخاري: ٩/٧٦، ومسلم: ٤/٢٢٥٦، كعبد
الرزاق بتفاوت يسير، وفي مسلم: قال أبو إسحاق: يقال إن هذا الرجل هو الخضر (عليه
السلام)... فيأمر الدجال به فيشج فيقول خذوه وشجوه فيوسع ظهره وبطنه ضرباً، قال
فيقول: أوَمَا تؤمن بي؟ قال فيقول: أنت المسيح الكذاب، قال فيأمر به فينشر بالمنشار
من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، قال ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له قم
فيستوي قائماً! قال ثم يقول له أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة. قال ثم
يقول: يا أيها الناس، إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس قال فيأخذه الدجال ليذبحه،
فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً فلا يستطيع إليه سبيلاً، قال: فيأخذ بيديه
ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار وإنما ألقي في الجنة. فقال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين). انتهى.
فأعجب للذين يدَّعون التوحيد، ويتهموننا بالغلو فيما أعطاه الله للنبي وآله (صلى
الله عليه وآله)، وهم يقولون إن الدجال صاحب معجزات ومنها أنها يحيي الموتى، مع
أنهم رووا بسند صحيح أن أمر الدجال أهون عند الله من أن يكون معه طعام وشراب!
فإن
قلتَ لهم: إن المحيي المميت هو الله تعالى وحده فكيف جوزتم على الله أن يجري
المعجزة على يد الدجال؟! فجوابهم: قد صح به الحديث!
لقد أفرطوا في التمسك بحديث أي راو رضيت عنه الخلافة حتى نسخوا به القرآن أما هنا
فنسخوا به العقل الذي ينادي بأنه محال على الله تعالى أن يصدق ادعاء المعجزة من
كافر دجال ويعطيه القدرة على إحياء الموتى! وإلا لزم نقض النبوات من أساسها، لأنها
إنما ثبتت بتصديق الله للنبي (عليه السلام) بالمعجزة.
ثم انظر لتشنيعهم علينا لاعتقادنا بأن الله أعطى المعجزة لعترة النبي المعصومين
(عليهم السلام) فكأن إعطاء المعجزة لأوليائه حرام، ولأعدائه كالدجال والجن والسحرة،
حلال!
زاد تضخيمهم للدجال في حجة الوداع وبعدها!
روى بخاري في صحيحه: ٥/١٢٥، عن ابن عمر قال: كنا نتحدث بحجة الوداع والنبي (صلى
الله عليه وآله) بين أظهرنا ولا ندري ما حجة الوداع! فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر
المسيح الدجال فأطنب في ذكره، وقال ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته أنذره نوح
والنبيون من بعده، وإنه يخرج فيكم فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم أن ربكم
ليس على ما يخفى عليكم ثلاثاً أن ربكم ليس بأعور وإنه أعور عين اليمنى كأن عينه
عنبة طافية! ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا
في شهركم هذا. ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد ثلاثاً، ويلكم أو ويحكم:
أنظروا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض). انتهى.
وقد جزَّأ بخاري الرواية، وحذف منها خصائص مهمة ذكرها آخرون تعطي ضوءً على الموضوع!
ففي مسند أحمد: ٢/١٣٥: (فلما كان في حجة الوداع خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره ثم قال: ما بعث الله من نبي إلا قد
أنذره
أمته، لقد أنذره نوح أمته والنبيون من بعده! ألا ما خفي عليكم من شأنه فلا يخفين
عليكم أن ربكم ليس بأعور... الخ.)! وفي مجمع الزوائد: ٧/٣٣٨: عن أحمد وصححه. ومعناه
أن رواية بخاري مجتزأة بدون سبب. والطبراني الكبير: ١٢/٢٧٥، وفيه: فقام رسول الله
(صلى الله عليه وآله) خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب في
ذكره... فلا يخفى عليكم أنه أعور عين اليمنى كأنها عنبة طافية. وأبو يعلى: ٩/٤٣٥،
وتاريخ دمشق: ٤٥/٣٢٤، كالطبراني، بتفاوت.
هذا، ولا يتسع المجال لبحث سبب إشاعتهم عقيدة اليهود في الدجال وتخويفهم المسلمين
منه حتى أن عائشة كانت تبكي رعباً منه لأنه قادم اليوم أو غداً! فقد كان الشهران من
حياة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد حجة الوداع مليئان بالتحرك والأحداث الغريبة
والمريبة، وقد ضاعف اليهود والطلقاء نشاطهم، وكان منه ترويج هذه الشائعات! وكله
يرتبط بخطة اليهود لمرحلة ما بعد النبي (صلى الله عليه وآله) وإبعاد أهل بيته
(عليهم السلام)!
واستمر خوف الناس من الدجال حتى طبقوه على المغول!
ابن حماد: ٢/٥٧٩، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): ليهبطن الدجال خوز وكرمان في ثمانين ألفاً كأن وجوههم المجان المطرقة،
يلبسون الطيالسة وينتعلون الشعر). ورواه ابن أبي شيبة: ١٥/١٤٦، عن أبي هريرة بتفاوت
يسير. وأحمد: ٢/٣٣٧ وأبو يعلى: ١٠/٣٨٠، وفتن ابن كثير: ١/١٤٣ و١٤٤، والزوائد:
٧/٣٤٥، كأحمد.
والمجان المطرَّقة، أي التروس المضروبة عند الحداد أو المخططة، وهذا الوصف وكذا
انتعال الشعر، إنما وردا في صفات المغول فقط.
٤ - كعب الأحبار أكبر أبطال التحريف في عقيدة الدجال!
عمل اليهود بقوة وإصرار للتأثير الثقافي على المسلمين من عهد النبي (صلى الله عليه
وآله) حتى أنهم ترجموا توراتهم إلى العربية، وأعطوها لعمر بن الخطاب ليقنع النبي
(صلى الله عليه وآله) فيعترف بشرعيتها ويعتمدها كتاباً للمسلمين! فغضب (صلى الله
عليه وآله) وقال: والذي نفس محمد
بيده
لو أصبح موسى فيكم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم)! وفي عبد الرزاق: ٦/١١٣: (قال: يا
رسول الله إني مررت بأخ لي من قريظة وكتب لي جوامع من التوراة أفلا أعرضها عليك؟
قال: فتغير وجه رسول الله! قال عبد الله فقلت: مسخ الله عقلك! ألا ترى ما بوجه رسول
الله؟!..). وفتح الباري: ١٣/٤٣٨.
وكان لليهود مدرستان في المدينة وعلاقات مع عدد من أصحاب النبي (صلى الله عليه
وآله) خاصة بعمر، فكان يحضر عندهم كل يوم سبت، وطلب من النبي (صلى الله عليه وآله)
أن يكتب هو والصحابة أحاديثهم وقال إنها تأخذ بمجامع قلوبهم! فنهاهم النبي (صلى
الله عليه وآله) وقال لهم إنهم لا يمكن أن يهدوكم وقد أضلوا أنفسهم! لكنهم لم
يطيعوا النبي (صلى الله عليه وآله) فتابعوا حضورهم عندهم وكتابتهم قصصهم وخرافات
تلمودهم حتى اضطر النبي (صلى الله عليه وآله) أن يدعو المسلمين بالسلاح، ويخطب
ويحذرهم من المتأثرين باليهود وأطلق عليهم اسم (المُتَهَوِّكين)! الدر المنثور:
٤/٣، عن أبي يعلى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، ونصر المقدسي في الحجة، والضياء في
المختارة، عن خالد بن عرفطة... وقد وثقنا ذلك في كتاب تدوين القرآن/٤١٧).
وهذا يعني أن نشر الإسرائيليات في الدجال تم في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) قبل
مجيء كعب الأحبار إلى المدينة في زمن عمر، فقد بقي مدة حاخاماً يهودياً صديقاً
للخليفة ومستشاراً ثقافياً له، ثم ادعى أنه أسلم بعد ذلك. لقد وجد كعب أن
الإسرائيليات في الدجال نامية في المدينة فغذاها! ونفى أن يكون يهودياً وجعله
عربياً عراقياً أو مصرياً وضاعف من تخويف المسلمين به، كما خوفهم من فتح
القسطنطينية لأن فتحها يتبعه خروج الدجال ثم قيام الساعة! وجعل فتح القسطنطينية بيد
اليهود من بني إسحاق لا بيد المسلمين.. الخ. ومن العجائب أنك تجد كعباً يروي ذلك عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع أنه لم يره! وأحياناً يتبرع تلاميذه أبو هريرة
وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو العاص وغيرهم فيجعلون كلام كعب حديثاً عن النبي
(صلى الله عليه وآله)! كما سيأتي.
جعل كعب حركة الدجال حركة عربية!
من المتفق عليه بين المسلمين أن الدجال يهودي. روى أحمد: ٣/٢٢٤، عن أنس قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): يخرج الدجال من يهودية أصبهان، معه سبعون ألف من
اليهود عليهم التيجان). ويهودية أصفهان: محلة فيها يسكنه اليهود. وفي مسلم: ٨/٢٠٧،
عن أنس: (يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة). انتهى.
لكن كعباً غيَّرَ هوية الدجال من يهودي إلى عربي، بل نفى أن يكون أتباعه يهوداً كما
روى المسلمون واستبدلهم بعرب! قال ابن أبي شيبة: ٨/٦٧١، و: ١٥/١٨٢: (كأني بمقدمة
الأعور الدجال ستمائة ألف من العرب يلبسون السيجان). (والدر المنثور: ٥/٣٥٤).
وفي الكنى من تاريخ بخاري/٦٥: (عن عبد الله بن عمر: ويتبع الدجال أربعون ألفاً من
صلب العرب). والجرح والتعديل: ٩/٤٣٠، عن ابن عمرو. وعبد الرزاق: ١١/٣٩٣، عن أبي
سعيد: قال النبي (صلى الله عليه وآله): يتبع الدجال من أمتي سبعون ألفاً عليهم
السيجان. وابن حماد: ٢/٥٥١، ومصابيح البغوي: ٣/٥٠٩، مثله من حسانه، وشرح المقاصد:
١/٣٠٨، وفيه: التيجان أي الطيالسة الخضر.
لكن كعباً تكرم على بني تميم فقال لابن فاتك: (إن أشد أحياء العرب على الدجال قومك
يعني بني تميم). (الآحاد والمثاني: ٢/٣٧٢). ولعله خاف من ابن فاتك!
وكان كعب يكره العراق، لأن ثقل القبائل اليمانية نزلت فيه وهم يعرفون زيفه من
اليمن، ولذلك جعل الدجال عراقياً، ففي مصنف عبد الرزاق: ١١/٣٩٦، عن كعب قال: يخرج
الدجال من العراق! وفي/٢٥١: أراد عمر أن يسكن العراق فقال له كعب: لا تفعل! فإن
فيها الدجال وبها مردة الجن وبها تسعة أعشار السحر، وبها كل داء عضال يعني
الأهواء). ومثله الدر المنثور: ٥/٣٥٤.
أقول: يردُّ كعب بذلك على تميم الداري وعمر، لأنهما قالا إن الدجال مولود ومد الله
في عمره حتى يخرج. كما يرد على حديث النبي (صلى الله عليه وآله) المعروف عندهم أن
الدجال من يهود أصفهان!
ولا يبعد أن يكون غرض كعب مما توصل إليه أخيراً فزعم أن الدجال يولد في
مصر،
أن يجعله يهودياً شبيهاً بموسى (عليه السلام)! لأنه المهدي المنتظر المحبوب عندهم!
قال في فتح الباري: ١٣/٢٧٧: (وأخرج أبو نعيم أيضاً من طريق كعب الأحبار أن الدجال
تلده أمه بقوص من أرض مصر، قال: وبين مولده ومخرجه ثلاثون).
جريمة كعب ورواة الخلافة في تشويه مستقبل الأمة!
من أكبر الأعمال التخريبية التي قام بها هو وتلاميذه الأغبياء رواة الخلافة، أنهم
نشروا في ثقافة المسلمين أساطير وأكاذيب عن المستقبل، نسجاً من خيالهم بغير علم ولا
هدى ولا كتاب منير! فقد أخذوا البشارة النبوية بالمهدي ونزول عيسى (عليهما السلام)
وانتصار الأمة، ومزجوها بهرطقة اليهود وتصوراتهم! ونشروا في الأمة سيل مكذوباتهم في
الدجال وفتح القسطنطينية، وما يكون بعد المهدي (عليه السلام)، وكذا في آية دابة
الأرض الموعودة، وفي كل أشراط الساعة! فقد ربط كعب فتح القسطنطينية بالمهدي (عليه
السلام) وزعم أن الدجال يخرج بعد فتحها مباشرة! وأن المهدي (عليه السلام) يقتل في
معركة فتحها! وأن المسلمين يهزمون وتخرب المدينة ومكة، وتهدم الكعبة!
وتبعه رواة الخلافة! بل زادوا عليه وجعلوا هذه الأكاذيب والخيالات أحاديث نبوية،
ودونوها في أصح مصادرهم، فصارت شاهد فضيحة صارخة! قال ابن حماد: ٢/٤٥٧، عن كعب قال:
(المنصور مهدي يصلي عليه أهل السماء والأرض وطير السماء، يبتدي بقتال الروم
والملاحم عشرين سنة ثم يقتل شهيداً في الملحمة العظمى هو وألفان معه كلهم أمير
وصاحب راية. ولم يصب المسلمون بمصيبة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعظم
منها). وفي ابن حماد: ١/٣٩٣، عن كعب قال: (بلغني أن المهدي يمكث أربعة عشر سنة ببيت
المقدس ثم يموت ثم يكون من بعده شريف الذكر من قوم تبع يقال له منصور، ببيت المقدس
إحدى وعشرين سنة، خمسة عشر منها عدل وثلاث سنين جور، وثلاث سنين منها حرمان
الأموال. لا يعطي
أحداً
درهماً). وفي معارج الوصول للزرندي الشافعي/١٩٨: (وعن كعب قال: يموت المهدي موتاً
ثم يلي الناس بعده رجل من أهل بيته، فيه خير وشر، وشره أكثر من خيره، يُغضب الناس
يدعوهم إلى الفرقة بعد الجماعة بقاؤه قليل، يثور به رجل من أهل بيته يقتله ويقتل
الناس بعده قتلاً شديداً. وبقاء الذي قتله بعده قليل، ثم يموت موتاً ويليهم رجل من
مضر من الشرق، يُكفر الناس ويخرجهم من دينهم)! انتهى.
فانظر كيف وجه كعب طعنته إلى قلب عقيدة الإسلام والبشارة النبوية بإقامة دولة العدل
الإلهي العالمية وإنهاء الظلم عن وجه الأرض! فميَّع عقيدة المهدي الإسلامية وصورها
كأنها لعبةٌ وَعَدَ الله بها الأجيال، وأنه سيبعث المهدي وينزل معه عيسى (عليهما
السلام) ثم لا يلبث المهدي (عليه السلام) أن يقتل ويعود الظلم والجور أشد مما كان!
ثم انظر كيف ردد ابن عمر وابن عمرو والزهري وغيرهم أفكار كعب كالببغاوات المبهورين
بكعب! وحدثوا عنه بما يكون في المستقبل، ولم يسألوه ولا سألوا أنفسهم من أين أتى
علم هذا الغيب إلا من خيالات كعب اليهود؟!
زعم كعب أن اليهود يفتحون القسطنطينية!
روى مسلم النيسابوري: ٤/٢٢٣٨، عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ قالوا: نعم يا رسول الله،
قال: لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاؤها نزلوا فلم
يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط أحد
جانبيها. قال ثور: لا أعلمه إلا قال الذي في البحر، ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا
الله والله أكبر فيسقط
جانبها الآخر ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلوها
فيغنموا فبينما هم يقتسمون المغانم، إذ جاءهم الصريخ فقال إن الدجال قد خرج فيتركون
كل شيء ويرجعون). ورواه الحاكم: ٤/٤٧٦، كما في مسلم، وكذا البغوي: ٣/٤٨٢، من صحاحه،
وجامع الأصول: ١١/٧٥، وتذكرة القرطبي/٧٠٧، عن مسلم. وقال النووي في شرح مسلم:
١٨/٤٣: قال القاضي: كذا هو في جميع أصول صحيح مسلم(من بني إسحاق) قال بعضهم:
المعروف المحفوظ من بنى اسماعيل وهو الذي يدل عليه الحديث وسياقه، لأنه إنما أراد
العرب وهذه المدينة هي القسطنطينية). انتهى.
أقول: تعرف بذلك مدى تقليد أبي هريرة وابن عمرو وابن عمر، لكعب! فأصل المسألة أن
كعباً سمع أن الإمام المهدي (عليه السلام) يفتح مدينة غربية بالتكبير، وأن بعض
الرواة قال إنها القسطنطينية وكان المسلمون يتحفزون لفتحها! فنسب كعب فتحها إلى
قومه، وعلَّمها لأبي هريرة فرواها عن النبي (صلى الله عليه وآله)!
كعب يخوِّف المسلمين بالدجال إن فتحوا القسطنطينية!
كان كعب يحدث الناس بالمغيبات ويتنبأ بالمستقبل، باعتبار أنه مطلع على كتب اليهود!
وكان أهل البيت (عليه السلام) يكذبونه وكان شيعتهم يسخرون به، وقد أوردنا في جواهر
التاريخ: ٣، رد الإمام زين العابدين والإمام محمد الباقر (عليهما السلام) لافتراءات
كعب بأن صخرة بيت المقدس التي هي قبلة اليهود أفضل من الكعبة، وأوردنا في المجلد
الثاني في فصل الذين قتلهم معاوية، سخرية رشيد الهجري ومحمد بن أبي حذيفة رحمهما
الله من كعب وتنبؤاته! لكن الخليفة وأتباعه كانوا يعظمونه ويسألونه عما يكون وحتى
عن مستقبلهم الشخصي! راجع تدوين القرآن/٤٢٩.
وقضية الدجال حقلٌ حيويٌّ لكعب، ليغرس تصوراته في نفوس المسلمين عن مستقبلهم! لذلك
تصل أقواله فيها إلى رقم قياسي بالنسبة إلى غيرها! وأهم شيء عنده أن يقنع المسلمين
بأن هذه الأمة ستنتهي قريباً! وقد بحثنا في كتاب ألف سؤال وإشكال إقناعه عمر بأن
الإسلام سينتهي وستهدم الكعبة وتخرب مكة!
كان
كعب ينشر بين المسلمين بأنهم إن فتحوا القسطنطينية خرج الدجال، لأن خروجه يكون بعد
فتحها مباشرة ثم تقوم القيامة! فعليهم إن أرادوا طول البقاء أن لا يفتحوا
القسطنطينية! وزعم أن كل هذه الأحداث تكون في سبع سنين!
وإليك عدداً من أقواله وأساطيره، وبعضها تحوَّل إلى حديث نبوي على يد تلاميذه! قال
ابن حماد: ٢/٥٢٩: (عن كعب قال: يفتتحون القسطنطينية فيأتيهم خبر الدجال فيخرجون إلى
الشام فيجدونه لم يخرج، ثم قلَّ ما يلبثُ حتى يخرج).
وفي: ٢/٥٢٢: عن كعب قال: يأتيهم الخبر وهم يقسمون غنائمهم إن الدجال قد خرج وإنما
هو كذب فخذوا ما استطعتم فإنكم تمكثون ست سنين، ثم يخرج في السابعة.
وفي/١٤٧، عن كعب قال: لا يخرج الدجال حتى تفتح القسطنطينية.
والحاكم: ٤/٤٦٢، عن كعب قال: الجزيرة آمنة من الخراب حتى تخرب أرمينية، ومصر آمنة
من الخراب حتى تخرب الجزيرة، والكوفة آمنة من الخراب حتى تخرب مصر، ولا تكون
الملحمة حتى تخرب الكوفة، ولا تفتح مدينة الكفر حتى تكون الملحمة، ولا يخرج الدجال
حتى تفتح مدينة الكفر.
وفي ابن حماد: ٢/٥٤٨، عن ابن عمر قال: ملاحم الناس خمس: فتنتان قد مضتا وثلاث في
هذه الأمة. ملحمة الترك وملحمة الروم وملحمة الدجال. ليس بعد ملحمة الدجال ملحمة.
وفي/١٦١، عن كعب: بينما هم يقتسمون غنائم القسطنطينية، إذ يأتيهم خبر الدجال
فيرفضون ما في أيديهم ثم يقبلون فيلحقون بيت المقدس، فيصلي خلف من يلي أمر
المسلمين، ثم يوحي الله تعالى إلى عيسى بن مريم أن يسير إلى يأجوج ومأجوج، ثم يرجع
إلى بيت المقدس، ثم إن الأرض تخرج زكاتها على ما كانت في أول الدنيا، ثم يلبث سبعاً
ثم يبعث الله ريحاً فيقبض أرواح المؤمنين.
وفي ابن حماد: ٢/٤٩٩، عن كعب قال: الملحمة العظمى وخراب القسطنطينية وخروج الدجال
في سبعة أشهر، أو ما شاء الله من ذلك.
ثم صار كلام كعب هذا قولاً للصحابي عبد الله بن بسر! قال ابن حماد: ٢/٤٦٩، عن بشير
بن عبد الله بن يسار قال: أخذ عبد الله بن بسر المازني صاحب رسول الله بإذني فقال:
يا ابن
أخي
لعلك تدرك فتح قسطنطينية فإياك إن أدركت فتحها أن تترك غنيمتك منها، فإن بين فتحها
وبين خروج الدجال سبع سنين).
ثم صار كلام كعب حديثاً نبوياً(ص١٤٧) عن الصحابي عبد الله بن بسر عن النبي!
وفي/١٩٤، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بين فتح القسطنطينية وبين خروج
الدجال سبع سنين! ثم صار كلامه في صفحة١٤٨حديثاً عن معاذ بن جبل أيضاً! قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): الملحمة العظمى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة
أشهر! ورواهما أحمد: ٤/١٨٩: عن عبد الله بن بسر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال: بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين، ويخرج مسيح الدجال في السابعة. وفي أحمد:
٥/٢٣٤، كما في رواية حماد الثالثة عن معاذ بن جبل! ومثله تاريخ بخاري: ٨/٤٣١، عن
بسر، وفي ابن ماجة: ٢/١٣٧٠، عن معاذ بن جبل، وعبد الله بن بسر. وفي أبي داود:
٤/١١٠، كما في رواية ابن حماد الثالثة، عن معاذ بن جبل، وبرواية أخرى وقال: هذا أصح
من حديث عيسى. وفي الترمذي: ٤/٥٠٩، كرواية ابن حماد الثالثة عن معاذ. وفي البدء
والتاريخ: ٢/١٨٥: قالوا: وبين فتح القسطنطينية وخروج الدجال سبع سنين، فبينا هم
كذلك إذ جاء الصريخ أن الدجال في داركم فيرفضون ما في أيديهم وينفرون إليه. وفي
الحاكم: ٤/٤٢٦، كرواية ابن حماد الثالثة، عن معاذ بن جبل. وفي مصابيح البغوي:
٣/٤٨٣، كرواية ابن حماد الثالثة، من حسانه. وفي الدر المنثور: ٦/٥٩، كرواية ابن
حماد الثانية، وقال وأخرج أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، وأبو يعلى، ونعيم بن حماد في
الفتن، والطبراني، والبيهقي في البعث، والضياء المقدسي في المختارة عن عبد الله بن
بسر! وفيه: بين الملحمة وفتح القسطنطينية ست سنين. وفي/٦٠، كما في رواية ابن حماد
الثالثة، وقال: وأخرج أحمد، وأبو داود، والترمذي وحسنه، وابن ماجة، عن معاذ).
انتهى.
ومن هذه الطامات ما رواه مسلم: ٤/٢٢٢١، عن أبي هريرة قال: إن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) قال: لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش
من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين
الذين سبقوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا،
فيقاتلونهم فيهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند
الله،
ويفتح
الثلث لا يفتنون أبداً فيفتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا
سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان أن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك
باطل، فإذا جاءوا الشام خرج حينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة
فينزل عيسى بن مريم (صلى الله عليه وآله) فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب
الملح في الماء، فلو تركه لذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في
حربته). ومثله ابن حبان: ٨/٢٨٦، والحاكم: ٤/٤٨٢، وصححه على شرط مسلم. ومصابيح
البغوي: ٣/٤٨٠، من صحاحه. وقال الحاكم: ٤/٤٧٦، بعد حديث فتح بني إسحاق للقسطنطينية:
فبينما هم يقتسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ أن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء
ويرجعون. يقال إن هذه المدينة هي القسطنطينية، وقد صحت الرواية أن فتحها مع قيام
الساعة). ثم رواه عنهم غيرهم وغيرهم!
وبذلك صار كذب كعب حديثاً نبوياً صحيحاً روته المصادر المعتمدة! فهل رأيت كيف سخر
اليهود رواة الخلافة ليخدموا مؤامرتهم؟! وهل رأيت كيف يقبل الرواة والعلماء والعوام
الهرطقة، ولا يسأل أحدهم نفسه: لقد فتحت القسطنطينية ومضت سبع سنوات وسبعون وسبع
مائة، فأين دجال كعب الدجال وقيامته؟! وأين غاب عقول علمائهم عن كشف هذا التخليط؟!
* * *
وكان
كعب يهتم بتأييد كلامه من أي شخص، ففي ابن حماد: ٢/٣٢٥، عن كعب قال: أول ما
يَرِدُهُ الدجال سنام، جبل مشرف على البصرة وما إلى جنبه، كثير الساف يعني الرمل،
هو أول ما يرده الدجال! وفي فائق الزمخشري: ٢/١٨٥: قال كعب لأبي عثمان النهدي: إلى
جانبكم جبل مشرف على البصرة يقال له سنام؟ فقال: نعم، قال: فهل إلى جانبه ماء كثير
السافي؟ قال: نعم. قال: فإنه أول ماء يرده الدجال من مياه العرب)! وفي حلية
الأولياء: ٦/١٣، عن كعب... الخ. ثم صار كلامه بقدرة قادر حديثاً عن النبي (صلى الله
عليه وآله))! راجع ابن حماد/١٤٩!
كعب يرد على النبي (صلى الله عليه وآله) وأتباع الخلافة يطيعونه!
تقدم
بسند صحيح أن المغيرة بن شعبة سأل النبي (صلى الله عليه وآله) (إن الناس يزعمون أن
معه الطعام والشراب، قال: هو أهون على الله تعالى من ذلك)! انتهى. لكن كعباً كان
يصر على أساطير اليهود ويصدقه المسلمون خاصة في جبل الثريد! وقد جعله كعب جبلاً
ماتعاً شاهقاً، على اسم أبيه فهو كعب بن ماتع، فهذا الثريد الماتع يكفي العرب
ليأكلوا منه فيضلوا! (يقال للجبل الطويل: ماتع، ومنه حديث كعب والدجال: يُسَخَّرُ
معه جبل ماتع خلاطةُ ثريد، أي طويل شاهق... وقيل كل ما جاد فقد متع وهو ماتع.
والماتع من كل شيء: البالغ في الجودة الغاية في بابه). لسان العرب: ٨/٣٢٨، وغريب
ابن قتيبة: ١/٢٧١، ونهاية ابن الأثير: ٤/٢٩٣، وفائق الزمخشري: ٣/٢٢٥.
رد أهل البيت (عليهم السلام) على مكذوبات كعب في الدجال!
مما امتازت به مصادرنا أنها اعتبرت ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) مرحلة جديدة
في حياة الناس على الأرض، وأن الحياة ستستمر في ظلها إلى يوم القيامة. وأن خروج
الدجال إنما هو حدث في أوائل ظهور الإمام المهدي ونزول المسيح (عليهما السلام). فقد
ورد عندنا أن الإمام المهدي (عليه السلام) يملك طويلاً، وفي بعض الروايات بعدد
سنيِّ أهل الكهف، ثم يكون بعده اثنا عشر مهدياً، ثم يرجع النبي (صلى الله عليه
وآله) وبعض الأئمة (عليهم السلام) ويحكمون.. إلى آخر ذلك الطور من الحياة. وستأتي
أحاديثه.
فتسلسل الأحداث في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) هو: ظهور المهدي، ثم نزول المسيح
(عليهما السلام)، ثم خروج الدجال في عصرهما والقضاء عليه، ثم وفاة عيسى واستمرار
حكم المهدي (عليهما السلام) زمناً طويلاً، واستمرار دولة العدل الإلهي بعده إلى يوم
القيامة، لأنه لا عودة للظلم إلى الأرض بعدها.
أما مصادر السنيين فقد تبنت مقولات اليهود وكعب الذين زعموا أن المسلمين إذا فتحوا
القسطنطينية وغلبوا الروم قُتِلَ المهدي (عليه السلام) وخرج الدجال ثم نزل المسيح
(عليه السلام)،
ثم
ظهر قوم يأجوج ومأجوج، ثم قامت القيامة! فجعلوا هذه الأحداث العظيمة المتباعدة
متتابعة، وجمعوها في سبعة شهور أو سنين! وجعلوها أحاديث نبوية!
ويرد هنا سؤال عن علاقة كعب مع الروم الذين انهزموا في معركة اليرموك وودع
إمبراطورهم سورية وأنطاكية وهرب إلى القسطنطينية وتحصن فيها، واتجه المسلمون من
يومها إلى فتحها؟! فلماذا جعل كعب فتحها يساوي خروج الدجال وقيام الساعة وقتل مهدي
المسلمين ونهاية العالم؟!
* * *
ومن
تأثيرات كعب ما رواه ابن أبي شيبة: ١٥/١٣٥، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله): عُمْرَانُ بيت المقدس خرابُ يثرب، وخرابُ يثرب خروج الملحمة،
وخروجُ الملحمة فتح القسطنطينية، وفتحُ القسطنطينية خروج الدجال! ثم ضرب بيده على
فخذ الذي حدَّثه أو منكبيه، ثم قال: إن هذا هو الحق كما أنك ها هنا، أو كما أنت
قاعد، يعني معاذاً! وأحمد: ٥/٢٣٢ و٢٤٥، كابن أبي شيبة، وأبو داود: ٤/١١٠، كرواية
أحمد الثانية بتفاوت يسير، والحاكم: ٤/٤٢٠، وصححه وفيه: حضور الملحمة. ثم ضرب معاذ
على منكب عمر بن الخطاب فقال: والله إن ذلك لحق كما أنك جالس! ومصابيح البغوي:
٣/٤٨٢، كابن أبي شيبة، من حسانه، وفيه: في سبعة أشهر. والدر المنثور: ٦/٦٠:
أقول: ما يروونه عن أبي عبيدة ومعاذ بن جبل من نوع كلام كعب، يدل على أنهما كانا من
مجموعة المتصلين بحاخامات اليهود في المدينة، وأخذا عنهم أحاديث التخويف بالدجال
قبل أن يأتي كعب إلى المدينة!
* * *
وما رواه ابن ماجة: ٢/١٣٧٠،، عن عمرو بن عوف، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتى تكون أدنى مسالح المسلمين ببولاء ثم قال (صلى الله عليه وآله): يا علي، يا علي يا علي، قال: بأبي وأمي، قال: إنكم ستقاتلون بني الأصفر ويقاتلهم الذين من بعدكم حتى تخرج إليهم روقة الإسلام أهل الحجاز الذين لا يخافون في الله لومة لائم فيفتتحون القسطنطينية بالتسبيح والتكبير فيصيبون غنائم لم يصيبوا مثلها حتى يقتسموا
بالأترسة، ويأتي آت فيقول إن المسيح قد خرج في بلادكم، ألا وهي كذبة، فالآخذ نادم،
والتارك نادم). والحاكم: ٤/٤٨٣، بمعناه، ومجمع الزوائد: ٧/٣٤٨، وقال: رواه ابن ماجة
باختصار، ورواه البزار وفيه كثير بن عبد الله ضعَّفه الجمهور وحسن الترمذي حديثه.
أقول: لا أثر لتضعيفهم هذا الحديث بعد تصحيحهم أحاديث (فتحُ القسطنطينية خروج
الدجال).
وفي ابن حماد: ١/٥٥، عن عمران بن حصين عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: تكون
أربع فتن الأولى يستحل فيها الدم، والثانية يستحل الدم والمال، والثالثة يستحل فيها
الدم والمال والفرج، والرابعة الدجال. وفي: ٢/٥٥٥، عن حذيفة: يخرج الدجال في الفتنة
الرابعة، بقاؤه أربعون سنة يحفظها الله على المؤمنين فتكون السنة كاليوم).
ربط كعب فتح القسطنطينية بقيام الساعة!
في فتن نعيم بن حماد: ٢/٥١٧: (عن كعب الأحبار قال: كان يقال كلب الساعة الدجال).
انتهى. ومعناه أن خروجه متلازم مع الساعة كما يلازم الكلب صاحبه! ولا بد أن يكون
ترجمه من تلمودهم أو بعض كتب حاخاماتهم، لأن أحاديث الدجال عندهم لم ترد في التوراة
بل في مؤلفات حاخاماتهم! ذكر ذلك في الفتح: ١٣/٢٧٧، عن كعب!
وقد تحول كلام كعب كالعادة إلى حديث نبوي! فجاء تلاميذه ودسوا ذكر الدجال في رواية
حذيفة! وهذه قصة حديث حذيفة (رحمه الله):
١ - أشهر رواياته عن أبي إدريس الخولاني عن حذيفة، وليس فيها ذكر للدجال ولا
القسطنطينية ولا قيام الساعة. ورواها بخاري في صحيحه في ثلاث مواضع، عن الخولاني عن
حذيفة، قال في: ٤/١٧٨: (أبو إدريس الخولاني إنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: كان
الناس يسألون رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن
يدركني فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد
هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم،
وفيه
دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك
الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها! قلت: يا
رسول الله صفهم لنا. فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا! قلت: فما تأمرني إن
أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟
قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك).
ومثله: ٨/٩٣، ومسلم: ٦/٢٠، والبيهقي: ٨/١٥٦، والحاكم: ١/١١٣، و: ٤/٥٠٢، بنحوه
وصححه. وليس في شيء منها الزيادة المتقدمة عن الدجال أو الساعة.
لاحظ تفاوت التوجيه الذي رووه عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حالة عدم وجود
خليفة شرعي فبعض رواياتهم أمرت بالطاعة، وبعضها أمرت بالجهاد، وبعضها أمرت بالجهاد
السلبي والبعد عن الحاكم الجائر حتى الموت! وذلك تبعاً للراوي وانتمائه إلى أحد
الاتجاهات السياسية الثلاثة في الأمة!
٢ - والرواية الثانية عن سبيع اليشكري عن حذيفة، بثلاثة أنواع:
أ - بدون ذكر فتح القسطنطينية والدجال وقيام الساعة، وهو الصحيح، كما رواه ابن حماد
في موضعين من كتابه الفتن فقال في: ١/٣٦: (عن خالد بن سبيع عن حذيفة قال: كان الناس
يسألون رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن
أدركه، فبينا أنا عند رسول الله ذات يوم قلت يا رسول الله هل بعد هذا الخير الذي
أتانا الله به من شر كما كان قبله شر؟ قال: نعم. قلت: ثم ماذا؟ قال هدنة على دخن.
قلت: فما بعد الهدنة؟ قال: دعاة إلى الضلالة فإن لقيت لله يومئذ خليفة فألزمه).
وفي: ١/١٤٤: (فقال إن لقيت لله يومئذ خليفة في الأرض فألزمه وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك
وإلا فاهرب في الأرض حتى يأتيك الموت وأنت عاض على أصل شجرة). انتهى.
وكذلك رواه من علمائنا المفيد في أماليه/٢٢١، عن خالد بن خالد اليشكري وهو نفسه ابن
سبيع، عن حذيفة، وليس فيه ذكر الساعة ولا الدجال! ولفظه: (فقلت أنا:
يا
رسول الله أيكون بعد هذا الخير شر؟ قال: نعم. قلت: فما العصمة منه. قال: السيف. قال
قلت: وهل بعد السيف بقية؟ قال: نعم، تكون إمارة على إقذاء وهدنة على دخن، قال قلت:
ثم ماذا؟ قال: ثم تفشو دعاة الضلالة فإن رأيت يومئذ خليفة عدل فألزمه، وإلّا فمت
عاضاً على جذل شجرة). انتهى. ورواه الطوسي في أماليه/٢٢١ عن نفس الراوي وليس فيه
ذكر للدجال ولا فتح القسطنطينية ولا قيام الساعة!
بـ - رواية زادوا في آخرها الدجال بدون فتح القسطنطينية وقيام الساعة، وقد رواها
الطيالسي: ٢/٥٩، عن خالد بن سبيع، قال: (غَلَتِ الدواب فأتينا الكوفة نجلب منها
دواباً، فدخلت المسجد فإذا رجل صدع من الرجال، حسن الثغر يعرف أنه من رجال الحجاز،
وإذ أناس مسربيون عليه، فقال: لا تعجلوا عليَّ أحدثكم، إنا كنا حديث عهد جاهلية
فلما جاء الإسلام فإذا أمر لم أر قبله مثله، وكان الله رزقني فهماً في القرآن، كان
الناس يسألون رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الخير وأسأله عن الشر، فقلت يا
رسول الله، هل بعد الخير شر كما كان قبله شر؟ قال نعم قلت فما العصمة يا رسول الله؟
قال السيف. قلت: فهل للسيف من بقية فما يكون بعده؟ قال هُدْنَة على دخن(صلح الإمام
الحسن (عليه السلام) مع معاوية). قال قلت فما يكون الهدنة؟ قال دعاة الضلالة، فإن
رأيت يومئذ لله (عزَّ وجلَّ) في الأرض خليفة فألزمه وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فإن لم
تر خليفة فاهرب حتى يدركك الموت وأنت عاض على جذل الشجرة. قلت يا رسول الله فما
يكون بعد ذلك؟ قال: الدجال). انتهى.
جـ - أول ما ظهر ذكر الساعة في رواية لهم عن أبي التياح عن خالد بن سبيع عن حذيفة
بن اليمان (رحمه الله)، وفيها زيادة خروج الدجال ثم نزول عيسى (عليه السلام) ثم
قيام الساعة! قال ابن حماد: ٢/٤٦٤: (خالد بن سبيع عن حذيفة قال: قلت يا رسول الله،
الدجال قبل أو عيسى بن مريم؟ قال: الدجال ثم عيسى، ثم لو أن رجلاً أنتج فرساً لم
يركب مهرها حتى تقوم الساعة). ثم رواه عبد الرزاق: ١١/٣٤١، بهذا السند وهذه
الزيادة، وابن أبي شيبة: ٨/٥٩٢ و: ١٥/٨، وأبو داود: ٢/٣٠٠ و: ٤/٩٥، وأحمد: ٥/٤٠٣،
والحاكم: ٤/٤٣٢، ومسند
الشاميين: ٢/٢٥٢، وتاريخ دمشق: ١٦/٤٣٦، والبزار: ٧/٣٦١، وجامع السيوطي: ٣/٦٣٢،
وغيرهم، كلهم عن خالد بن سبيع، وهو اليشكري الذي سافر إلى الكوفة ليشتري دواب.
قال ابن حجر في تهذيبه: ٣/٣٩٤: (سبيع بن خالد ويقال خالد بن خالد ويقال خالد بن
سبيع وقيل فيه سبيعة بن خالد ولا يصح اليشكري البصري). وفي: ١/١٠٣: (وقال ابن
خلفون: لا أعرف اليشكري ومن ظن أنه أبو ثور فقد وهم. وقال الذهبي: اليشكري مجهول).
وفي تقريب التهذيب: ١/٣٤٠: (مقبول من الثانية). انتهى.
وبهذا يتبين أن الزيادة من أحد الرواة تأثراً بأفكار كعب في الربط بين فتح
القسطنطينية وخروج الدجال وقيام الساعة!
ومثله حديث سمرة الذي نسبه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) كما في تاريخ دمشق:
٤٧/٤٩٧: عن سمرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الدجال خارج، وإنه أعور
عين الشمال عليها ظفرة غليظة، وإنه يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيى الموتى! ويقول للناس
إني ربكم! فمن قال أنت ربي فقد افتتن، ومن قال ربي الله حتى يموت على ذلك فقد عصم
من فتنة الدجال، ولا فتنة عليه وعذاب، فيمكث في الأرض ما شاء الله، ثم ينزل عيسى بن
مريم من قبل المغرب مصدقاً محمداً (صلى الله عليه وآله) وعلى ملته، فيقتل الدجال،
ثم إنما هو قيام الساعة).
وفي مسند أحمد: ٢/١٦٦: (قال (شخص) لعبد الله بن عمرو: إنك تقول إن الساعة تقوم إلى
كذا وكذا؟ قال: لقد هممت أن لا أحدثكم شيئاً! إنما قلت إنكم سترون بعد قليل أمراً
عظيماً كتحريق البيت! قال شعبة: هذا أو نحوه، ثم قال عبد الله بن عمرو: قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): يخرج الدجال في أمتي فيلبث فيهم أربعين لا أدري (!)
أربعين يوماً أو أربعين سنة أو أربعين ليلة أو أربعين شهراً، فيبعث الله (عزَّ
وجلَّ) عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود الثقفي فيظهر فيهلكه. ثم يلبث الناس بعده
سنين سبعاً ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام فلا يبقى
أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته، حتى لو أن أحدهم كان في كبد جبل لدخلت
عليه.
قال
سمعتها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام
السباع لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً. قال: فيتمثل لهم الشيطان فيقول ألا
تستجيبون، فيأمرهم بالأوثان فيعبدونها وهم في ذلك دارة أرزاقهم حسن عيشهم ثم ينفخ
في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى له، وأول من يسمعه رجل يلوط حوضه فيصعق ثم لا يبقى
أحد إلا صعق. ثم يرسل الله أو ينزل الله قطراً كأنه الطل أو الظل، نعمان الشاك،
فتنبت منه أجساد الناس. ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون. قال ثم يقال: يا
أيها الناس هلموا إلى ربكم: وقفوهم إنهم مسؤولون. قال ثم يقال: أخرجوا بعث النار.
قال فيقال: كم؟ فيقال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فيومئذ تبعث الولدان،
ويومئذ يكشف عن ساق). ومسلم: ٤/٢٢٥٨، عن ابن مسعود الثقفي، كما في أحمد بتفاوت.
والحاكم: ٤/٥٤٣، وفيه: قالوا إنك قلت: لاتقوم الساعة إلى كذا وكذا، قال: إنما قلت
لا يكون كذا وكذا حتى يكون أمراً عظيماً فقد كان ذاك، فقد حرق البيت وكان كذا!.
وفي/٥٥٠، كما في مسلم، والبغوي: ٣/٥٢٠، من صحاحه، قريباً مما في مسلم.
وفي تفسير الآلوسي: ٢٦/٥٣: (وقال الجلال السيوطي في رسالة سماها "الكشف عن مجاوزة
هذه الأمة الألف": الذي دلت عليه الآثار أن مدة هذه الأمة تزيد على ألف سنة، ولا
تبلغ الزيادة عليها ألف سنة، وبنى الأمر على ما ورد من أن مدة الدنيا سبعة آلاف
سنة، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) بعث في آخر الألف السادسة وأن الدجال يخرج على
رأس مائة وينزل عيسى (عليه السلام) فيقتله ثم يمكث في الأرض أربعين سنة وأن الناس
يمكثون بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة، وأن بين النفختين أربعين سنة،
وذكر الأحاديث والأخبار في ذلك). انتهى.
أقول: وهذا يدل على أنهم بنوا عقيدتهم على قول كعب، وأن خروج الدجال عندهم بعد فتح
القسطنطينية مباشرةً، ثم عيسى (عليه السلام)، ثم تقوم الساعة!
* * *
٥ - عقيدة الدجال التي نشرها تميم الداري
تميم الداري مسيحي من بلاد الشام، وفد هو وجماعته على النبي (صلى الله عليه وآله)
في السنة العاشرة للهجرة، أي بعد أن شمل الإسلام الجزيرة، وكان تميم تاجر خمور
وأراد أن يهدي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أدناناً من الخمر فرفضها النبي (صلى
الله عليه وآله) لأنها حرام فقال له تميم خذها وانتفع بثمنها، فقال له إن ثمنها
أيضاً حرام!
ويظهر أن وضع تميم المالي كان عادياً، فسكن المدينة ثم صار مقرباً من الخليفة عمر
المعجب بثقافة أهل الكتاب، خاصة قصصهم التي يجيدها تميم! وقد طلب من الخليفة أن
يجيزه بأن يقص قصص أهل الكتاب في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله)، فأجابه عمر إن
النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن ثقافة القصاصين: (إني أخاف أن يجعلك الله تحت
أقدامهم) يعني أخاف عليك غضب المسلمين إذا قَصَصْتَ في مسجدهم قصص أهل الكتاب!
لكن تميماً استغل ليونة عمر فواصل طلبه كما في ابن شبة في تاريخ المدينة: ١/٩،
فأصدر الخليفة مرسوماًً لتميم الداري بالقص في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله)!
وحضر الخليفة شخصياً تحت منبره، وأراد أن يسأله عن توضيح كلمة سمعها منه في تلك
الجلسة لكنه احترمه، وكره أن يقطع كلامه! وقد اختار له يوم الجمعة، ثم أضاف له يوم
السبت فصارت النتيجة مزيجاً طريفاً: قسِّيسٌ وتاجر خمر، مسيحي سابقاً ومسلم حالياً
حسب قوله، يقصُّ على المسلمين قصص اليهود في مسجد نبيهم (صلى الله عليه وآله)، في
يوم السبت!
في الوقت الذي منع عمر من التحديث بأي حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) وهدد
بالعقوبة! قال أحمد: ٣/٤٤٩: (لم يكن يقص على عهد رسول الله ولا أبي بكر وكان أول من
قص تميماً الداري استأذن عمر بن الخطاب أن يقص على الناس قائماً فأذن
له عمر). وقال عمر بن شبة في تاريخ المدينة: ١/١١: (حتى كان آخر ولايته، فأذن له أن
يُذَكِّر يوم الجمعة قبل أن يخرج عمر... ثم استخلف عثمان فاستزاده فزاده مقاماً
آخر، فكان يقوم ثلاث مرات في الجمعة). انتهى. وقد بلغ من تسمينهم لتميم الداري أنه
صار ولياً كبيراً صاحب معجزات! فعندما ثار بركان في المدينة وانطلقت منه فوهة نار،
جاء عمر إلى تميم وترجاه أن يرد البركان فذهب معه وحاش فوهة البركان بيديه وطرد
النار إلى شعب من شعاب الجبال وركض وراءها حتى اختفت! قال البيهقي في دلائل النبوة:
٦/٨٠: (باب ما جاء في الكرامة التي ظهرت على تميم الداري (رضي الله عنه)... عن
معاوية بن حرمل قال: قدمت المدينة فلبثت في المسجد ثلاثاً لا أطعم، قال: فأتيت عمر
فقلت: يا أمير المؤمنين تائب من قبل أن تقدر عليه، قال: من أنت؟ قلت: أنا معاوية بن
حرمل (صهر مسيلمة الكذاب وكان معه، الإصابة: ١٠/٣٥) قال: إذهب إلى خير المؤمنين
فانزل عليه قال: وكان تميم الدارمي إذا صلى ضرب بيده عن يمينه وعن شماله فأخذ رجلين
فذهب بهما، فصليت إلى جنبه فضرب يده فأخذ بيدي فذهب بي فأتينا بطعام، فأكلت أكلاً
شديداً وما شبعت من شدة الجوع! قال: فبينا نحن ذات يوم إذ خرجت نار بالحرة فجاءه
عمر إلى تميم فقال: قم إلى هذه النار، فقال يا أمير المؤمنين! ومن أنا وما أنا،
قال: فلم يزل به حتى قام معه، قال وتبعتهما فانطلقا إلى النار فجعل تميم يحوشها
بيديه حتى دخلت الشعب ودخل تميم خلفها! قال: فجعل عمر يقول: ليس من رأى كمن لم يرَ.
قالها ثلاثاً. لفظ حديث الصنعاني). انتهى.
هذا هو تميم الداري الذي زعموا أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخذ منه عقيدة
الدجال! وقد أخذها هو من اليهود! فقد روى ابن حماد: ٢/٥٤١، عن الكلاعي صاحب كعب:
(ليس الدجال إنساناً إنما هو شيطان في بعض جزائر البحر موثق بسبعين حلقة لا يُعلم
من أوثقه أسليمان أم غيره؟ فإذا كان أول ظهوره فكَّ الله عنه في كل عام حلقة فإذا
برز أتته أتان عرض ما بين أذنيها أربعون ذراعاً بذراع الجبار! وذلك فرسخ
للراكب المحث فيضع على ظهرها منبراً من نحاس ويقعد عليه فتبايعه قبائل الجن ويخرجون
له كنوز الأرض ويقتلون له الناس). وفتح الباري: ١٣/٢٧٧.
وقد طوَّر تميم قصة الدجال وادعى أن الجزيرة في بلاد الشام وأنه رآه! وأخبر النبي
(صلى الله عليه وآله) فسارع النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المنبر وخطب في
المسلمين قاصاً عليهم قصة تميم العظيمة، وجعلها جزء من الإسلام! وهكذا دخلت أسطورة
تميم عن الدجال في ثقافة المسلمين، من الإمام الحافظ نعيم بن حماد والإمام ابن أبي
شيبة... إلى الإمام مسلم وبقية الأئمة ومصادرهم، والحفاظ ومحفوظاتهم، حتى لا يكاد
يخلو منها مصدر مهم من مصادر مذاهب الخلافة! وعرفت القصة باسم: (حديث الجساسة).
ولعل أقدم من رواها ابن أبي شيبة: ١٥/١٥٤، عن فاطمة بنت قيس قالت: (صلى النبي (صلى
الله عليه وآله) ذات يوم الظهر ثم صعد المنبر فاستنكر الناس ذلك فبيْن قائم وجالس،
ولم يكن يصعده قبل ذلك إلا يوم الجمعة، فأشار إليهم بيده أن اجلسوا ثم قال: والله
ما قمت مقامي هذا لأمر ينفعكم لا لرغبة ولا لرهبة، ولكن تميماً الداري أتاني
فأخبرني خبراً منعني القيلولة من الفرح وقرة العين، ألا إن بني عم لتميم الداري
أخذتهم عاصف في البحر فألجأتهم الريح إلى جزيرة لا يعرفونها فقعدوا في قوارب
السفينة فصعدوا فإذا هم بشيء أسود أهدب كثير الشعر، قالوا لها ما أنت؟ قالت: أنا
الجساسة قالوا: فأخبرينا، قالت: ما أنا بمخبرتكم ولا سائلتكم عنه، ولكن هذا الدير
قد رمقتموه فأتوه فإن فيه رجلاً بالأشواق إلى أن يخبركم وتخبروه، فأتوه فدخلوا عليه
فإذا هم بشيخ موثق في الحديد شديد الوثاق كثير الشعر فقال لهم: من أين؟ قالوا: من
الشام قال: ما فعلت العرب؟ قالوا نحن قوم من العرب، قال: ما فعل هذا الرجل الذي خرج
فيكم؟ قالوا: خير، ناواه قوم فأظهره الله عليهم فأمرهم اليوم جميع وإلههم واحد
ودينهم واحد، قال: ذلك خير لهم، قال: ما فعلت عين زَغَر؟ قالوا: يسقون منها زروعهم
ويشربون منها لسقيهم، قال: ما فعل نخل بين عمان وبيسان؟ قالوا: يطعم في جناه كل
عام، قال: ما فعلت بحيرة طبرية؟ قالوا: تدفق
جانباها من كثرة الماء، فزفر ثلاث زفرات ثم قال: إني لو قد انفلتُّ من وثاقي هذا لم
أترك أرضاً إلا وطأتها بقدمي هاتين إلا طيبة ليس لي عليها سلطان، فقال رسول الله
(صلى الله عليه وآله): إلى هذا انتهى فرحي! هذه طيبة، والذي نفس محمد بيده ما منها
طريق ضيق ولا واسع إلا عليه ملك شاهر بالسيف إلى يوم القيامة). ونحوه أحمد: ٦/٤١٦،
وابن ماجة: ٢/١٣٥٤، وأبو داود: ٤/١١٨، مختصراً، بخمس روايات. والترمذي: ٤/٥٢١،
بتفاوت، وأبو يعلى: ٤/١١٩، بثلاث روايات... إلى آخر القائمة.
لكن مسلم بن الحجاج النيسابوري مولى بني قشير، أفاض في رواية جساسة تميم فصارت من
معالم صحيحه! فقد رواها في: ٤/٢٢٦١، كما في ابن أبي شيبة، بتفاوت وتفصيل. ورواها
بثلاث روايات أخرى! وقال في: ٨/٢٠٤، عن فاطمة بنت قيس بعد أن تحدثت عن زواجاتها
وطلاقاتها! قالت: (فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادى منادي رسول الله (صلى الله
عليه وآله) ينادى الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله (صلى الله عليه
وآله) فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم فلما قضى رسول الله صلاته جلس على
المنبر وهو يضحك فقال: ليلزم كل إنسان مصلاه، ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا:
الله ورسوله أعلم. قال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن
تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثاً وافق الذي كنت
أحدثكم عن مسيح الدجال! حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام
فلعب بهم الموج شهراً في البحر ثم أرفأوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس،
فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لايدرون ما
قُبله من دُبره من كثرة الشعر فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة! قالوا: وما
الجساسة؟! قالت: أيها القوم إنطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم
بالأشواق. قال: لما سمَّت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال فانطلقنا
سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً وأشده وثاقاً! مجموعة
يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه
بالحديد! قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم فلعب بنا الموج شهراً، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر فقلنا ويلك ما أنت فقالت انا الجساسة قلنا وما الجساسة قالت: إعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق فأقبلنا إليك سراعاً وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة! فقال: أخبروني عن نخل بيسان؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر؟ قالوا عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟! قلنا: نعم. قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني: إني أنا المسيح (!) وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، فهما محرمتان عليَّ كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحداً منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها. قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وطعن بمخصرته في المنبر: هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة، يعنى المدينة، ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم. قال (صلى الله عليه وآله): فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة! ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن لا بل من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو. وأومأ بيده إلى
المشرق. قالت: فحفظت هذا من رسول الله). انتهى.
أقول: لا تحتاج هذه القصة إلى كثير من التفكير لمعرفة كذبها، فيكفي أن تفحص بُنيتها
وتناقضات رواياتها لتقول: سبحان الله، لا حافظة لكذوب! ففي بعضها أن تميماً كان في
السفينة، وفي بعضها لم يكن! وفي بعضها أخذهم موج البحر شهراً، وفي بعضها كانوا
يسيرون فظهرت لهم جزيرة فذهبوا ليشتروا خبزاً! وفي بعضها أن الجزيرة في ساحل فلسطين
وفي بعضها في المغرب! وحتى النبي (صلى الله عليه وآله) متحير فيها أين هي! وجساستها
أي الجاسوسة دابة وفي بعضها إنسان، وفي بعضها امرأة تتجسس للدجال! والدجال إنسان
ضخم أو شيطان، ولماذا سجنوه في الجزيرة وما ينتظر، ولماذا سألهم أسئلة عادية عن
مناطق ولم يعرف ذلك من الناس، أو يرسل جساسته لتعرف الخبر.. إلى آخر التناقض
والتهافت. ومن ناحية أخرى وقع رواة الخلافة في مشكلة كيف يجمعون بين هذا الحديث
الصحيح وحديثهم الصحيح عن عمر وأنه أقسم يميناً بالله العلي العظيم أن الدجال هو
ابن صياد وأقره النبي (صلى الله عليه وآله)؟! وبين ما صح عندهم من أن الدجال سيولد،
وأنه جنيٌّ مسجون في جزائر اليمن.. الخ.
* * *
٦ - عقيدة الدجال التي نشرها عمر بن الخطاب
أقوى دليل عندهم عليها رواية بخاري أن عمر كان يحلف أن الدجال هو عبد الله بن صياد
أو ابن صائد، وهو يهودي من المدينة!
قال في صحيحه: ٩/١٣٣: (عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله
أن ابن الصائد الدجال! قلت: تحلف بالله؟! قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي
فلم ينكره النبي (صلى الله عليه وآله)). انتهى. ومعناه: أنه لا يوجد نص من النبي
(صلى الله عليه وآله) عليه إلا سكوته على حلف عمر! ومثله مسلم: ٤/٢٢٤٣، عن عبيد
الله بن معاذ، وأبو داود: ٤/١٢٠ عن ابن عمر أنه كان يقول: والله ما أشك أن المسيح
الدجال ابن صياد. ثم كرر روايته في/١٢١... إلى آخر قائمة المصادر التي كذبوا فيها
على أبيّ بن كعب أنه كان يحلف مثل عمر، وعلى أبي ذر أنه كان يحلف عشر مرات! ثم لم
يتركوا الأمر عند حلف عمر وبعض الصحابة، بل أيدوه بحديث نبوي في صحيح بخاري وغيره،
زعم أن النبي (صلى الله عليه وآله) كاد يصدق بقسم عمر! ففي مصنف عبد الرزاق:
١١/٣٨٩، عن ابن عمر، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرَّ بابن صياد في نفر من
أصحابه منهم عمر بن الخطاب وهو يلعب مع الغلمان عند أطم بني مغالة وهو غلام، فلم
يشعر حتى ضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ظهره بيد فقال: أتشهد أني رسول الله؟
فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين، قال ابن صياد للنبي (صلى الله
عليه وآله): أتشهد أني رسول الله؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): آمنت بالله
ورسله. فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): ما يأتيك؟ قال ابن صياد: يأتيني صادق
وكاذب، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): خلط عليك الأمر، ثم قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله): إني قد خبأت لك خبيئاً، وخبأ له: (يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ
بِدُخَانٍ مُبِينٍ)، فقال ابن صياد: هو الدخّ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله):
إخسأ فلن تعدو قدرك. فقال عمر: يا رسول الله إئذن لي فيه فأضرب عنقه، فقال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): إن يك هو فلن تسلط عليه وإن لا يكن هو فلا خير لك في
قتله).
ورواه ثانيةً في/٣٩٠: عن ابن عمر قال: انطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي
بن كعب يوماً
إلى النخل التي فيها ابن صياد حتى إذا دخلا النخل طفق رسول الله (صلى الله عليه
وآله) يتقي بجذوع النخل وهو يَخْتُلُ ابن صياد أن يسمع من أبن صياد شيئاً من قبل أن
يراه، وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها زمزمة، قال فرأت أمه رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وهو يتقي بجذوع النخل فقالت: أي صاف، وهو اسمه، هذا محمد
فثار، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو تركَتْهُ بَيَّن). أي كشف نفسه أنه
الدجال.
ورواه ثالثةً: ١١/٣٨٩، عن الحسين بن علي (عليه السلام)! قال: إن النبي (صلى الله
عليه وآله) خبأ لابن صياد دخاناً فسأله عما خبأ له فقال: دخ، فقال: إخسأ فلن تعدو
قدرك فلما ولى قال النبي (صلى الله عليه وآله) ما قال؟ فقال بعضهم دُخّ وقال بعضهم
بل قال ريح! فقال النبي (صلى الله عليه وآله): قد اختلفتم وأنا بين أظهركم وأنتم
بعدي أشد اختلافاً). ومثله ابن حماد: ٢/٥٥٠، عن رواية عبد الرزاق الثانية والثالثة.
وأحمد: ٢/١٤٨، وفي/١٤٩، عن ابن عمر، كرواية عبد الرزاق الأولى بتفاوت، والثالثة.
وفي: ٣/٣٦٨، بنحو الأولى عن جابر، وفيه: إن يكن هو فلست صاحبه، إنما صاحبه عيسى بن
مريم وإن لا يكن هو فليس لك أن تقتل رجلاً من أهل العهد، فلم يزل رسول الله (صلى
الله عليه وآله) مشفقاً أنه الدجال).
ثم جاء عصر بخاري: فروى في صحيحه: ٧/١١٣، رواية الحسين (عليه السلام) المتقدمة لكن
عن ابن عباس، ثم جمع بين الروايتين عن الدجال فقال: (أخبرني سالم بن عبد الله أن
عبد الله بن عمر أخبره أن عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
في رهط من أصحابه قِبَل ابن صياد حتى وجده يلعب مع الغلمان في أطم بني مَغَالة وقد
قارب ابن صياد يومئذ الحلم فلم يشعر حتى ضرب رسول الله ظهره بيده ثم قال: أتشهد أني
رسول الله؟ فنظر إليه فقال: أشهد أنك رسول الأميين. ثم قال ابن صياد: أتشهد أني
رسول الله؟ فرضَّه النبي ثم قال: آمنت بالله ورسله. ثم قال لابن صياد: ماذا ترى؟
قال: يأتيني صادق وكاذب. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خلط عليك الأمر. قال:
رسول الله: إني خبأت لك خبيئاً، قال: هو الدخّ. قال: إخسأ فلن تعدو قدرك! قال عمر:
يا رسول الله أتأذن لي فيه أضرب عنقه؟ قال رسول الله: إن يكن هو لا تسلط عليه، وإن
لم يكن هو فلا خير لك في قتله. قال سالم: فسمعت عبد الله بن عمر يقول:
انطلق بعد ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بن كعب الأنصاري يؤمان النخل
التي فيه ابن صياد حتى إذا دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) طفق رسول الله يتقي
بجذوع النخل وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئاً قبل أن يراه! وابن صياد مضطجع على
فراشه في قطيفة له فيها رمرمة أو زمزمة، فرأت أم ابن صياد النبي وهو يتقي بجذوع
النخل فقالت لابن صياد: أي صاف وهو اسمه، هذا محمد، فتناهى ابن صياد. قال رسول
الله: لو تركَتْهُ بَيَّن! قال سالم: قال عبد الله: قام رسول الله في الناس فأثنى
على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال: إني أنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذر
قومه، لقد أنذره نوح قومه ولكني سأقول فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: تعملون أنه
أعور وإن الله ليس بأعور). إلى آخر قائمة المصادر المتأخرة عن بخاري.
عبد الله بن عمر وحفصة يؤكدان عقيدة أبيهما!
أحمد: ٦/٢٨٣، عن ابن عمر أنه رأى ابن صائد في سكة من سكك المدينة فسبه ابن عمر ووقع
فيه، فانتفخ حتى سد الطريق! فضربه ابن عمر بعصا كانت معه حتى كسرها عليه! فقالت له
حفصة: ما شأنك وشأنه، ما يولعك به؟ أما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:
إنما يخرج الدجال من غضبة يغضبها! ومسلم: ٤/٢٢٤٦، عن نافع قال: لقي ابن عمر ابن
صائد في بعض طرق المدينة فقال له قولاً أغضبه فانتفخ(بدنه) حتى ملأ السكة، فدخل ابن
عمر على حفصة وقد بلغها فقالت له: رحمك الله ما أردت من ابن صائد أما علمت أن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) قال: إنما يخرج من غضبة يغضبها؟! والطبراني: ٢٣/١٩٥، عن
حفصة، وابن حماد: ٢/٥١٨... الخ.
لكن عبد الرزاق روى في: ١١/٣٩٦، عن ابن عمر ما يكذب ما تقدم! قال: لقيت ابن صياد
يوماً ومعه رجل من اليهود فإذا عينه قد طفيت وكانت عينه خارجة مثل عين الجمل، فلما
رأيتها قلت: يا ابن صياد أنشدك الله متى طفيت عينك أو نحو هذا؟ قال: لا أدري
والرحمن، فقلت: كذبت لا تدري وهي في رأسك؟ قال: فمسحها قال فنخر
ثلاثاً! فزعم اليهودي أني ضربت بيدي على صدره قال: ولا أعلمني فعلت ذلك! قلت: إخس
فلن تعدو قدرك، قال: أجل لعمري لا أعدو قدري قال: فذكرت ذلك لحفصة فقالت اجتنب هذا
الرجل فإنا نتحدث أن الدجال يخرج عند غضبة يغضبها)!
ملاحظات على عقيدة الدجال عند عمر
١ - معنى هذه الروايات أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان شاكاً في أن يكون ابن
صياد هو الدجال فقد روى تشكيكه أحمد، وصححه في مجمع الزوائد: ٨/٤، فسكوته (صلى الله
عليه وآله) على حلف عمر لا يعتبر إقراراً بعد أن صرح بأنه شاك لا يعلم! وعليه فعمر
أعلم بالدجال من النبي (صلى الله عليه وآله) لأنه أقسم أنه هو بينما النبي (صلى
الله عليه وآله) شاك لا يعلم!
٢ - زعموا أن النبي (صلى الله عليه وآله) رأى ابن صياد وهو صبي مراهق يلعب في حي
بني مَغَالة وهم بطن من بني عبد النجار(الطبقات: ٣/٥٠٣) أي خزرجيون رئيسهم سعد بن
عبادة (رحمه الله)، الذي هو عدو عمر اللدود، لأنه وقف ضد بيعة أبي بكر وبيعته،
فنفاه عمر إلى الشام، ثم بعث له خالد بن الوليد فقتله!
فالحديث يشير إلى أن الخزرج لهم علاقة بالدجال أو هو منهم! لكن حديث أحمد الصحيح
عندهم نقل قول النبي (صلى الله عليه وآله) لعمر: وإن لا يكن هو فليس لك أن تقتل
رجلاً من أهل العهد. فابن صياد يهودي، وقد تكون أمه خزرجية.
٣ - زعمت روايتهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) ذهب متخفياً يتلصص على ابن صياد في
بستان! وهذا لا يصح لأنه لم يكن من أخلاقه وسلوكه (صلى الله عليه وآله) التجسس! كما
أن ذهابه (صلى الله عليه وآله) ليتعرف من ابن صياد خبره، وقوله (صلى الله عليه
وآله) عن أمه لو تركته بيَّن أمره، لا يتناسب مع نبوته (صلى الله عليه وآله)! فالذي
ينزل عليه جبرئيل (عليه السلام) بالوحي من رب العالمين ومستقبل الأمة، لا يحتاج إلى
التعرف على قضية مهمة من عقائد المسلمين، من عدو الله الدجال؟!
٤ - مما يدل على كذب الرواية تهافتها حيث لم يسموا البستان ولا صاحبه ولا مكانه كما
هي العادة في مثل هذه الرواية، وهل هو لابن صياد أم للخزرجيين الذين
يسكن في حيهم! وما معنى أن الصحابة مع النبي (صلى الله عليه وآله) يتغيرون في
رواياتها المتعددة لكن عمر دائماً موجود فيها؟ وما معنى زمزمة ابن صياد تحت
البطانية؟ فهل كان يتحدث عن نفسه وأنه الدجال، أو يقرأ من التلمود بينه وبين نفسه
وعندما حضر النبي (صلى الله عليه وآله) سكت؟! إلى آخر ما فيها من نقاط ضعف!
إنها في رأينا تصورات يهودية عامية تجدها كثيراً فيما رواه عمر وابنه وابن العاص
وما روته النساء اللواتي كنَّ يعتقدن بسحر اليهود وقدراتهم الفائقة! فقد رووا أن
عائشة كانت إذا مرضت تستدعي امرأة يهودية لترقيها وأن أبا بكر أقرها وصححوه وأفتوا
به، وكذلك زوجة عبد الله بن مسعود كانت تسترقي لوجع عينها يهودية، وزوجة أبي بن كعب
وهي أم الطفيل التي يروي عنها ابن تيمية حديث أن الله تعالى شاب أمرد شعره أجعد يقف
على أرض خضراء وفي رجليه نعلان من ذهب! وقد استوفينا ذلك في كتاب الوهابية
والتوحيد.
٥ - أبو بكرة بن عبيد، أخ زياد بن أبيه، هو غلام الطبيب الحارث بن كلدة، لأن أمه
سمية الفارسية أمةٌ للحارث بن كلدة، زوَّجها لعبده عبيد فأولادهما غلمانه وعندما
حاصر النبي (صلى الله عليه وآله) الطائف نزل أبو بكرة من السور ببَكْرة مستأمناً
فسمي أبا بكرة، فهو غلام النبي (صلى الله عليه وآله)، وزعم أنه (صلى الله عليه
وآله) أعتقه! (الاستيعاب: ٤/١٥٣).
وقد استفاد أبو بكرة من منصب أخيه زياد وصار صاحب ثروة واسعة في البصرة، وكان يتقرب
إلى عثمان ومعاوية ويزيد، وقد دخل على الخط في الدجال لتأييد قسم عمر، فروى عنه
الطيالسي/١١٦: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يمكث أبَوَا الدجال ثلاثين
عاماً لا يولد لهما، ثم يولد لهما غلام أعور أضر شيء وأقله نفعاً، تنام عيناه ولا
ينام قلبه. قال: ونعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أباه فقال: أبوه رجل طوال
مضطرب اللحم كأن أنفه منقار، وأما أمه فامرأة طويلة فرضاخية عظيمة الثديين. قال أبو
بكرة: فسمعنا بمولود ولد بالمدينة في اليهود، فذهبت أنا والزبير بن العوام فدخلنا
على أبويه فإذا نعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيهما فقلت: هل ولد لكما من
ولد؟ فقالا: مكثنا ثلاثين عاماً لا يولد
لنا، ثم ولد هذا لنا أضر شيء وأقله نفعاً تنام عيناه ولا ينام قلبه، فخرجنا من
عندهما فإذا هو منحول في قطيفة في الشمس له همهمة فكشف عن رأسه فقال: ما قلتما؟
قلنا: أو سمعت؟ قال: إني أنام ولا ينام قلبي)! ورواه ابن أبي شيبة: ١٥/١٣٩، وأحمد:
٥/٤٩، كما في الطيالسي بتفاوت يسير، ونحوه في/٥١، والترمذي: ٤/٥١٨، ومصابيح البغوي:
٣/٥١٤، من حسانه إلى آخر القائمة. والفرضاخ والفرضاخة والفرضاخية: بكسر الفاء للرجل
والمرأة العظيم البدن. وفي رواية فرغانية نسبة إلى فرغانة: سهل ومدينة في أزبكستان.
٦ - روى علماؤنا حديث ابن صياد غير منقوص وردوا عليه!
ففي كمال الدين للصدوق/٥٢٨، عن ابن عمر قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى
ذات يوم بأصحابه الفجر، ثم قام مع أصحابه حتى أتى باب دار بالمدينة فطرق الباب
فخرجت إليه امرأة فقالت: ما تريد يا أبا القاسم؟ فقال رسول الله: يا أم عبد الله
استأذني لي على عبد الله، فقالت يا أبا القاسم وما تصنع بعبد الله فوالله إنه
لمجهود في عقله يحدث في ثوبه، وإنه ليراودني على الأمر العظيم! فقال: استأذني عليه،
فقالت: أعلى ذمتك، قال: نعم، فقالت: أدخل فدخل فإذا هو في قطيفة له يهينم فيها،
فقالت أمه: أسكت واجلس هذا محمد قد أتاك فسكت وجلس، فقال النبي (صلى الله عليه
وآله): ما لها لعنها الله لو تركتني لأخبرتكم أهوَ هو، ثم قال له النبي (صلى الله
عليه وآله): ما ترى؟ قال: أرى حقاً وباطلاً، وأرى عرشاً على الماء، فقال: أشهد أن
لا إله إلا الله وأني رسول الله، فقال: بل تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله
فما جعلك الله بذلك أحق مني. فلما كان اليوم الثاني صلى (صلى الله عليه وآله)
بأصحابه الفجر ثم نهض فنهضوا معه حتى طرق الباب فقالت أمه: أدخل فدخل فإذا هو في
نخلة يغرد فيها، فقالت له أمه: أسكت وانزل هذا محمد قد أتاك فسكت فقال النبي (صلى
الله عليه وآله): ما لها لعنها الله لو تركتني لأخبرتكم أهو هو. فلما كان في اليوم
الثالث صلى النبي (صلى الله عليه وآله) بأصحابه الفجر ثم نهض ونهض القوم معه حتى
أتى ذلك المكان فإذا هو في غنم له ينعق بها، فقالت له أمه: أسكت واجلس هذا محمد قد
أتاك، فسكت وجلس وقد كانت نزلت
في ذلك اليوم آيات من سورة الدخان، فقرأها بهم النبي (صلى الله عليه وآله) في صلاة
الغداة ثم قال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ فقال: بل تشهد أن لا إله
إلا الله وأني رسول الله فما جعلك الله بذلك أحق مني! فقال النبي (صلى الله عليه
وآله) إني قد خبأت لك خبيئاً فما هو؟ فقال: الدُّخّ الدخ! فقال النبي (صلى الله
عليه وآله): إخسأ فإنك لن تعدو أجلك، ولن تبلغ أملك ولن تنال إلا ما قدر لك. ثم قال
لأصحابه: أيها الناس ما بعث الله (عزَّ وجلَّ) نبياً إلا وقد أنذر قومه الدجال وإن
الله (عزَّ وجلَّ) قد أخره إلى يومكم هذا فمهما تشابه عليكم من أمره فإن ربكم ليس
بأعور، إنه يخرج على حمار عرض ما بين أذنيه ميل، يخرج ومعه جنة ونار وجبل من خبز
ونهر من ماء أكثر أتباعه اليهود والنساء والأعراب، يدخل آفاق الأرض كلها إلا مكة
ولابَّتيها والمدينة ولابتيها). ورواه القطب الراوندي في الخرائج: ٣/١١٤١، بعدة
طرق، ولم أجده في أي مصدر سني لديَّ!
وعلق عليه الصدوق (رحمه الله) بقوله: (قال مصنف هذا الكتاب (رضي الله عنه): إن أهل
العناد والجحود يصدقون بمثل هذا الخبر ويروونه في الدجال وغيبته وطول بقائه المدة
الطويلة وخروجه في آخر الزمان، ولا يصدقون بأمر القائم (عليه السلام) وأنه يغيب مدة
طويلة ثم يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، مع نص النبي (صلى
الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) بعده عليه باسمه وغيبته ونسبه وإخبارهم
بطول غيبته! إرادةً لاطفاء نور الله (عزَّ وجلَّ) وإبطالاً لأمر ولي الله، ويأبى
الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون، وأكثر ما يحتجون به في دفعهم لأمر الحجة
(عليه السلام) أنهم يقولون: لم نرو هذه الأخبار التي تروونها في شأنه ولا نعرفها،
وهكذا يقول من يجحد نبوة نبينا (صلى الله عليه وآله) من الملحدين والبراهمة واليهود
والنصارى والمجوس أنه ما صح عندنا شيء مما تروونه من معجزاته ودلائله ولا نعرفها،
فنعتقد ببطلان أمره لهذه الجهة، ومتى لزمنا ما يقولون لزمهم ما تقوله هذه الطوائف
وهم أكثر عدداً منهم! ويقولون أيضاً: ليس في موجب عقولنا أن يعمر أحد في زماننا هذا
عمراً يتجاوز عمر أهل الزمان، فقد تجاوز عمر صاحبكم على زعمكم عمر أهل الزمان.
فنقول لهم: أتصدقون على أن
الدجال في الغيبة يجوز أن يعمر عمراً يتجاوز عمر أهل الزمان وكذلك إبليس اللعين ولا تصدقون بمثل ذلك لقائم آل محمد (صلى الله عليه وآله)؟ مع النصوص الواردة فيه بالغيبة وطول العمر والظهور بعد ذلك للقيام بأمر الله (عزَّ وجلَّ)، وما روي في ذلك من الأخبار التي قد ذكرتها في هذا الكتاب ومع ما صح عن النبي (صلى الله عليه وآله) إذ قال: كل ما كان في الأمم السالفة يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة. وقد كان فيمن مضى من أنبياء الله (عزَّ وجلَّ) وحججه (عليهم السلام) معمرون، أما نوح (عليه السلام) فإنه عاش ألفي سنة وخمسمائة سنة، ونطق القرآن بأنه لبث قومه أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَاماً. وقد روي في الخبر الذي قد أسندته في هذا الكتاب أن في القائم (عليه السلام) سُنَّةٌ من نوح وهي طول العمر فكيف يدفع أمره ولا يدفع ما يشبهه من الأمور التي ليس شيء منها في موجب العقول بل لزم الإقرار بها لأنها رويت عن النبي (صلى الله عليه وآله) وهكذا يلزم الإقرار بالقائم (عليه السلام) من طريق السمع. وفي موجب أي عقل من العقول أنه يجوز أن يلبث أصحاب الكهف في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً، هل وقع التصديق بذلك إلا من طريق السمع فلمَ لا يقع التصديق بأمر القائم (عليه السلام) أيضاً من طريق السمع؟! وكيف يصدقون ما يرد من الأخبار عن وهب بن منبه وعن كعب الأحبار في المحالات التي لا يصح شيء منها في قول الرسول (صلى الله عليه وآله) ولا في موجب العقول، ولا يصدقون بما يرد عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) في القائم وغيبته وظهوره بعد شك أكثر الناس في أمره وارتدادهم عن القول به، كما تنطق به الآثار الصحيحة عنهم (عليهم السلام)؟! هل هذا إلا مكابرة في دفع الحق وجحوده. كيف لا يقولون: إنه لما كان في الزمان غير محتمل للتعمير، وجب أن تجري سنة الأولين بالتعمير في أشهر الأجناس تصديقاً لقول صاحب الشريعة (صلى الله عليه وآله)، ولا جنس أشهر من جنس القائم (عليه السلام) لأنه مذكور في الشرق والغرب على ألسنة المقرين به وألسنة المنكرين له، ومتى بطل وقوع الغيبة بالقائم الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام) مع الروايات الصحيحة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه أخبر بوقوعها به بطلت نبوته لأنه يكون قد أخبر بوقوع الغيبة بمن لم
يقع به، ومتى صح كذبه في شيء لم يكن نبياً! وكيف يصدق (صلى الله عليه وآله) فيما
أخبر به في أمر عمار بن ياسر (رضي الله عنه) أنه تقتله الفئة الباغية، وفي أمير
المؤمنين (عليه السلام) أنه تخضب لحيته من دم رأسه، وفي الحسن بن علي (عليهما
السلام) أنه مقتول بالسم، وفي الحسين بن علي (عليهما السلام) أنه مقتول بالسيف؟ ولا
يصدق فيما أخبر به من أمر القائم (عليه السلام) ووقوع الغيبة به والتعيين عليه
باسمه ونسبه؟! بلى، هو صادق في جميع أقواله (صلى الله عليه وآله)، مصيب في جميع
أحواله ولا يصح إيمان عبد حتى لا يجد في نفسه حرجاً مما قضى، ويسلم له في جميع
الأمور تسليماً، ولا يخالطه شك ولا ارتياب، وهذا هو الإسلام، والإسلام هو الاستسلام
والانقياد. (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ
يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
ومن أعجب العجائب أن مخالفينا يروون أن عيسى بن مريم (عليه السلام) مرَّ بأرض كربلا
فرأى عدة من الظباء هناك مجتمعة، فأقبلت إليه وهي تبكي وأنه جلس وجلس الحواريون
فبكى وبكى الحواريون، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى، فقالوا: يا روح الله وكلمته ما
يبكيك؟ قال: أتعلمون أي أرض هذه؟ قالوا: لا، قال: هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول
أحمد وفرخ الحرة الطاهرة البتول شبيهة أمي، ويلحد فيها، هي أطيب من المسك لأنها
طينة الفرخ المستشهد، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء، وهذه الظباء
تكلمني وتقول: إنها ترعى في هذه الأرض شوقاً إلى تربة الفرخ المستشهد المبارك،
وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض، ثم ضرب بيده إلى بعر تلك الظباء فشمها فقال: اللهم
أبقها أبداً حتى يشمها أبوه فيكون له عزاء وسلوة، وإنها بقيت إلى أيام أمير
المؤمنين (عليه السلام) حتى شمها وبكى، وأخبر بقصتها لما مر بكربلاء. فيصدقون بأن
بعر تلك الظباء تبقى زيادة على خمسمائة سنة لم تغيرها الأمطار والرياح ومرور الأيام
والليالي والسنين عليه، ولا يصدقون بأن القائم من آل محمد (عليه السلام) يبقى حتى
يخرج بالسيف فيبير أعداء الله (عزَّ وجلَّ) ويظهر دين الله. مع الأخبار الواردة عن
النبي والأئمة صلوات الله عليهم بالنص عليه باسمه ونسبه وغيبته
المدة الطويلة وجرى سنن الأولين فيه بالتعمير؟! هل هذا إلا عناد وجحود للحق؟!).
وفي غيبة الطوسي/١١٣: (وروى أصحاب الحديث أن الدجال موجود وأنه كان في عصر النبي
(صلى الله عليه وآله) وأنه باق إلى الوقت الذي يخرج فيه وهو عدو الله، فإذا جاز في
عدو الله لضرب من المصلحة، فكيف لا يجوز مثله في ولي الله؟! إن هذا من العناد).
أقول: إن أتباع المذاهب في الدجال في عصرنا مقلدون لكعب، ومنقسمون بين عمر وتميم،
فبعضهم يعتقد بدجال عمر وأنه ابن صياد لأن أحاديثه الصحيحة أقسم عليها عمر وأولاده!
وبعضهم يعتقد بأنه دجال تميم الذي أرشدت إليه جساسته في الجزيرة، لأن أحاديثه صحيحة
أيضاً! فكلا الفريقين يعتقدون بأن الدجال حيٌّ غائب عن الأنظار، وأن الله تعالى
مدَّ في عمره مئات السنين حسب عقيدة عمر، أو ألوف السنين حسب عقيدة تميم، فلا يصح
أن يُشَنَّعوا علينا لاعتقادنا بأن الإمام المهدي (عليه السلام) حيٌّ يرزق حتى يأذن
الله تعالى بظهوره، وظهور الإسلام به. فهل تمديد الحياة لأعداء الله ممكن ولأوليائه
مستحيل؟! وهل روايات تميم وكعب وأمثالهم أوثق من روايات أهل بيت النبي (صلى الله
عليه وآله)؟! وقد نَبَزَنا بعضهم بقصص وأساطير اخترعوها عن انتظارنا لظهور الإمام
المهدي (عليه السلام) من سرداب الغيبة، الذي هو طابق أرضي في بيت الإمام (عليه
السلام) في سامراء.. الخ. فمن حقنا أن ننبزهم بقصص عن غائبهم الدجال؟!
٧ - تحير علمائهم وجهالهم بين دجال تميم ودجال عمر!
قال ابن حجر في شرح صحيح بخاري: ١٣/٢٧٧: (وذكر نعيم بن حماد شيخ البخاري أحاديث
تتعلق بالدجال وخروجه، إذا ضمت إلى ما سبق ذكره في أواخر كتاب الفتن انتظمت منها له
ترجمة تامة. منها: ما أخرجه من طريق جبير بن نفير وشريح بن عبيد وعمرو بن الأسود
وكثير بن مرة قالوا جميعاً: الدجال ليس هو إنسان وإنما هو شيطان موثق بسبعين حلقة
في بعض جزائر اليمن، لا يعلم من أوثقه سليمان النبي أو غيره، فإذا آن ظهوره فك الله
عنه كل عام حلقة فإذا برز أتته أتان عرض ما بين أذنيها أربعون ذراعاً فيضع على
ظهرها منبراً من نحاس ويقعد عليه ويتبعه قبائل الجن، يخرجون له خزائن الأرض! ثم
أضاف ابن حجر: قلت: وهذا لا يمكن معه كون ابن صياد هو الدجال ولعل هؤلاء مع كونهم
ثقات تلقوا ذلك من بعض كتب أهل الكتاب! وأخرج أبو نعيم أيضاً من طريق كعب الأحبار
أن الدجال تلده أمه بقوص من أرض مصر قال: وبين مولده ومخرجه ثلاثون سنة! قال: ولم
ينزل خبره في التوراة والإنجيل وإنما هو في بعض كتب الأنبياء. انتهى. وأخلق بهذا
الخبر أن يكون باطلاً فإن الحديث الصحيح أن كل نبي قبل نبينا أنذر قومه الدجال
وكونه يولد قبل مخرجه بالمدة المذكورة مخالف لكونه ابن صياد ولكونه موثوقاً في
جزيرة من جزائر البحر. وذكر ابن وصيف المؤرخ أن الدجال من ولد شق الكاهن المشهور
قال: وقال بل هو شق نفسه أنظره الله وكانت أمه جنية عشقت أباه فأولدها وكان الشيطان
يعمل له العجائب فأخذه سليمان فحبسه في جزيرة من جزائر البحر! وهذا أيضاً في غاية
الوهن. وأقرب ما يجمع به بين ما تضمنه حديث تميم وكون
ابن صياد هو الدجال، أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثوقاً، وأن ابن صياد
شيطان تبدَّى في صورة الدجال في تلك المدة إلى أن توجه إلى أصبهان فاستتر مع قرينه
إلى أن تجيء المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها)! انتهى. ثم اعترف ابن حجر
بتناقض أحاديثهم الصحيحة وعدم إمكان الجمع بينها، فقال: ولشدة التباس الأمر في ذلك
سلك البخاري مسلك الترجيح فاقتصر على حديث جابر عن عمر في ابن صياد، ولم يخرج حديث
فاطمة بنت قيس في قصة تميم وقد توهم بعضهم أنه غريب فرده وليس كذلك، فقد رواه مع
فاطمة بنت قيس أبو هريرة وعائشة وجابر. أما أبو هريرة فأخرجه أحمد من رواية عامر
الشعبي عن المحرز بن أبي هريرة عن أبيه بطوله، وأخرجه أبو داود مختصراً وابن ماجة
عقب رواية الشعبي عن فاطمة).
أقول: وكلامه طويل قَبِلَ فيه حديث أن الدجال شيطان مسجون إلى أن يأتي وقته وأنه
مسجون في جزيرة في اليمن، أو في جزيرة تميم الداري ولعلها قبرص، وأنه عبد الله بن
صياد، وأنه مولود، وقالوا إنه مختون (أحمد: ٥/٥١ وغيره)! والمتحصل من كلامه أنه
يميل إلى دجال تميم أكثر من دجال عمر! فهو نموذج لتخبط علمائهم لتناقض أحاديثهم
الصحيحة! وقد يقبلون التناقض من صحابي واحد! وهو عين الحشو، وطريق يوصل إلى
الهرطقة!
٨ - محنة المسكين عبد الله بن صياد وابنه الإمام عمارة!
من مظاهر تناقضهم في دجال عمر، ترجمتهم لعبد الله بن صياد، ولإمامهم ابن الدجال!
الإمام المحدث عمارة بن عبد الله بن صياد!!
فبعضهم لم يقبل قول عمر، وقال كيف يكون الرجل هو الدجال وقد أسلم وشارك في الفتوحات
ومات ودفن في المدينة! وابنه عمارة إمام وثقه ابن معين وابن حبان وغيرهما، وكان أنس
بن مالك لا يفضل عليه أحداً.
وبعضهم قال "عنزة ولو طارت" ونسبوا إلى جابر الأنصاري (رحمه الله) أنه قال له أبو
سلمة: إنه قد مات! قال: وإن مات! قلت: فإنه قد أسلم! قال: وإن أسلم)!
ورووا أن الدجال فُقد يوم الحرة عندما هرب الناس من المدينة! وقالوا بل غاب في يهود
أصفهان لأن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر أنه يخرج من هناك وأنه ذهب إلى أصفهان
(وأن اليهود تلقوه وقالوا هذا ملكنا الذي نستفتح به على العرب، وأدخلوه البلد ليلاً
ومعه الطبول والشموع، ثم لم يعرف له خبر بعد ذلك). (تهذيب ابن حجر: ٧/٣٦٧).
وزعم ابن تيمية والبيهقي والشوكاني إن الدجال ليس ابن صياد الدجال وإنَّ عمر أخطأ
في حلفه، ولم يقره النبي لأنه (صلى الله عليه وآله) كان(شاكاً) في أنه الدجال، فنزل
عليه الوحي بأن الدجال هو دجال تميم الداري المسجون في جزيرة! فخطب في الناس
وأخبرهم! قال في نيل الأوطار: ٨/٢٠: (وهذا الحديث ينافي ما استدل به على أن ابن
صياد هو الدجال ولا يمكن الجمع أصلاً، إذ لا يلتئم أن يكون من كان في الحياة
النبوية شبه المحتلم ويجتمع به النبي (صلى الله عليه وآله) ويسأله، أن يكون شيخاً
في آخرها مسجوناً
في جزيرة من جزائر البحر موثوقاً بالحديد يستفهم عن خبر النبي (صلى الله عليه وآله) هل خرج أم لا، فينبغي أن يحمل حلف عمر وجابر على أنه وقع قبل علمهما بقصة تميم). انتهى.
* * *
أما
ابن صياد المسكين، فكان مسلماً مقاتلاً في جيش الفتح، وكان على الخيل في معركة
نهاوند(الطبري: ٣/١٨٧)، لكن لعنة عمر لصقت به كل عمره، وتبناها عبد الله بن عمر
وحفصة ومن صدقهم! ولم يسمعوا لصراخ ابن صياد! فقد قال لأبي سعيد الخدري وهو ذاهب في
جيش الفتح، كما روى أحمد: ٣/٧٩: (عن أبي سعيد الخدري قال: أقبلنا في جيش من المدينة
قبل هذا المشرق قال فكان في الجيش عبد الله بن صياد وكان لا يسايره أحد ولا يرافقه
ولا يؤاكله ولا يشاربه ويسمونه الدجال، فبينا أنا ذات يوم نازل في منزل لي إذ رآني
عبد الله بن صياد جالساً فجاء حتى جلس إليَّ فقال: يا أبا سعيد ألا ترى إلى ما يصنع
الناس؟! لا يسايرني أحد ولا يرافقني أحد ولا يشاربني أحد ولا يؤاكلني أحد ويدعوني
الدجال! وقد علمت أنت يا أبا سعيد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن
الدجال لا يدخل المدينة وإني ولدت بالمدينة وقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه
وآله) يقول: إن الدجال لا يولد له وقد وُلد لي! فوالله لقد هممتُ مما يصنع بي هؤلاء
الناس أن آخذ حبلاً فأخلو فأجعله في عنقي فأختنق فأستريح من هؤلاء الناس! والله ما
أنا بالدجال)!!
لكن الرواة يجب أن يصدقوا عمر حتى لو قال لهم الشمس مظلمة! فأضافوا في الحديث على
لسان أبي سعيد: (قال ثم قال لي في آخر قوله: أما والله إني لأعلم مولده ومكانه وأين
هو! قال فلبَّسني) (مسلم: ٨/١٩٠) أي غشه فصدقه، ثم تراجع!
لكن البيهقي صدَّق ابن صياد فقال: (يحتمل أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) كان
متوقفاً في أمره ثم جاءه التثبت من الله تعالى بأنه غيره، على ما تقتضيه قصة تميم
الداري، وبه تمسك من جزم بأن الدجال غير ابن صياد وطريقه أصح). (نيل الأوطار:
٨/١٩).
ولا نطيل في كلامهم الفارغ في هذه الأسطورة، ونختم ببعض نصوصهم: قال
الشوكاني في نيل الأوطار: ٨/١٩: (وكذلك حلف عمر وجابر السابق على أن ابن الصياد هو
الدجال. وقد أخرج أبو داود بسند صحيح أن ابن عمر كان يقول: والله لا أشك أن المسيح
الدجال هو ابن صياد.... قال الخطابي: اختلف السلف في أمر ابن صياد بعد كبره، فروي
أنه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة، وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا وجهه حتى
يراه الناس، وقيل لهم: اشهدوا! وقال النووي قال العلماء: قصة ابن صياد مشكلة وأمره
مشتبه، ولكن لا شك أنه دجال من الدجاجلة! والظاهر أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم
يوح إليه في أمره بشيء وإنما أوحيَ إليه بصفات الدجال، وكان في ابن صياد قرائن
محتملة، فلذلك كان (صلى الله عليه وآله) لا يقطع في أمره بشيء). انتهى. ورووا عن
جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله) أنه قال: (ما زلت في شك من عبد الله بن صائد
حتى قبر)! (رسالة الصاهل لأبي العلاء المعري/١٠٠).
وفي الجرح والتعديل: ٦/٣٦٧: (عبد الله بن صياد المديني روى عن سعيد بن المسيب وعطاء
بن يسار روى عنه مالك والضحاك بن عثمان سمعت أبي يقول ذلك، نا عبد الرحمن قال ذكره
أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال عمارة بن عبد الله بن صياد ثقة، نا
عبد الرحمن قال سألت أبى عن عمارة بن صياد فقال هو صالح الحديث). وفي أسد الغابة:
٣/١٨٧: (عبد الله بن صياد أورده ابن شاهين وقال هو ابن صائد كان أبوه من اليهود لا
يدرى ممن هو، وهو الذي يقول بعض الناس إنه الدجال ولد على عهد رسول الله (صلى الله
عليه وآله) أعور مختوناً. من ولده عمارة بن عبد الله بن صياد من خيار المسلمين، من
أصحاب سعيد بن المسيب روى عنه مالك وغيره)... ثم أورد قسم عمر وتأكيدات من زعم أنه
الدجال ومنها تأكيد جابر وقال (فلعله مكذوب عليه). ثم قال: الذي صح عندنا إنه ليس
الدجال لما ذكره في هذا الحديث ولأنه توفي بالمدينة مسلماً، ولحديث تميم الداري في
الدجال).
وفي تهذيب الكمال: ٢١/٢٤٩: (وقال محمد بن سعد: كان ثقة قليل الحديث وكان مالك بن
أنس لا يقدم عليه في الفضل أحداً.... وقد أسلم عبد الله بن صياد وحج
وغزا
مع المسلمين وأقام بالمدينة، ومات عمارة في خلافة مروان بن محمد. وذكره ابن حبان في
كتاب الثقات).
كاشف الذهبي: ٢/٥٤: (عمارة بن عبد الله بن صياد هو ولد الذي ظُنَّ أنه الدجال، عن
جابر، وعن ابن المسيب، وعنه مالك، وجماعة. وثقه ابن معين).
الإصابة: ٥/١٤٨: (عبد الله بن صائد وهو الذي يقال له ابن صياد ذكره بن شاهين
والباوردي وابن السكن وأبو موسى في الذيل، قال ابن شاهين: كان أبوه من اليهود ولا
يدري من أي قبيلة هو، وهو الذي يقال إنه الدجال ولد على عهد رسول الله (صلى الله
عليه وآله) أعور مختوناً ومن ولده عمارة بن عبد الله بن صياد وكان من خيار المسلمين
من أصحاب سعيد بن المسيب روى عنه مالك وغيره.... وفي الصحيحين عن جابر أنه كان يحلف
أن بن صياد الدجال وذكر أن عمر كان يحلف بذلك عند النبي (صلى الله عليه وآله)...
قال أبو سعيد: أقبلت في جيش من المدينة قبل المشرق وكان في الجيش عبد الله بن صائد
وكان لا يسايره أحد..... لكن محاضر(الراوي عن أبي سعيد) في حفظه شيء.... وفي صحيح
مسلم أن ابن عمر غضب منه فضربه بعصاً ثم دخل على حفصة فقالت: مالك وله! إن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن الدجال يخرج من غضبة يغضبها.. لكنه إن كان مات
على الإسلام يكون كما قال ابن فتحون (صحابياً عادلاً) على شرط كتاب الاستيعاب).
تهذيب التهذيب: ٧/٣٦٧: (خرج أبو داود بسند صحيح عن جابر قال: فقدنا ابن صياد يوم
الحرة! ومن طريق ابن أبي سلمة قال: شهد جابر أن ابن صياد هو الدجال فقلت: إنه قد
مات! قال: وإن مات! قلت: فإنه قد أسلم! قال وإن أسلم!... وذكر الزبير بن بكار في
أول نسب قريش أن ابن صياد يعني عمارة هذا، وابن حزم يعني عبد الله بن أبي بكر بن
محمد بن عمرو بن حزم استبَّا، فقال ابن حزم لابن صياد: لستم منا، وقال ابن صياد
لابن حزم: لستم من العرب! فبلغ الوليد وهو خليفة فكتب أن زعم ابن حزم أنهم من ولد
اسماعيل فحد له ابن صياد وإن أنكر فلا فإنا لا نعرف عربياً إلا من ولد اسماعيل فزعم
ابن حزم من أنهم ولد اسماعيل فحد له ابن صياد).
وفي
فتاوي ابن تيمية: ١١/٢٨٣: (وهذا بخلاف الأحوال الشيطانية مثل حال عبد الله بن صياد
الذي ظهر في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وكان قد ظن بعض الصحابة أنه الدجال
وتوقف النبي في أمره حتى تبين له فيما بعد أنه ليس هو الدجال، لكنه كان من جنس
الكهان). وفي الطبقات، القسم المتمم/٣٠٢: (عمارة بن عبد الله بن صياد ويكنى أبا
أيوب وكان ثقة قليل الحديث، وكان مالك بن أنس لا يقدم عليه أحداً في الفضل، وروى
عنه وروى عمارة عن سعيد بن المسيب وكانوا يقولون نحن بنو أشيهب. ثم قال ابن سعد عن
أبيه عبد الله: وهو الذي قيل إنه الدجال لأمور كان يفعلها؟! وقد أسلم عبد الله بن
صياد وحج وغزا مع المسلمين وأقام بالمدينة ومات عمارة بن عبد الله في خلافة مروان
بن محمد).
المعارف لابن قتيبة/٢٧٢: (وأبوه عبد الله بن صياد هو الذي قيل فيه إنه الدجال لأمور
كان يفعلها، وأسلم عبد الله وحج وغزا مع المسلمين وأقام بالمدينة! ومات ابنه عمارة
في خلافة مروان بن محمد).
النهاية لابن الأثير: ١/٣٤٨: (وفي حديث ابن صياد: ما كان في أنفسنا أحجى أن يكون هو
مذ مات يعني الدجال. أحجى بمعنى أجدر وأولى وأحق، من قولهم حجا بالمكان إذا أقام
وثبت). انتهى. يعني أنهم كانوا يرونه أحق أن يكون الدجال!
أحمد: ٤/٤٤٤، عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لقد أكل
الطعام ومشى في الأسواق، يعني الدجال). انتهى. وهذا يعني أنهم وضعوا حديثاً عن لسان
النبي (صلى الله عليه وآله) أن ابن صياد هو الدجال، وقد عرفت أنهم نفوه!
عقد الدرر/٢٨٩: (وليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبي (صلى الله عليه وآله) على
قول عمر بن الخطاب، ويحتمل أنه (عليه السلام) كان كالمتوقف في بابه، حتى جاء
التثبيت من الله (عزَّ وجلَّ) أنه غيره فقال في حديث تميم الداري ما قال).
٩ - أحاديث في الدجال يمكن أن تكون صحيحة
ونقصد باحتمال صحتها أن مضمونها لايتنافى مع آيات القرآن وقطعي السنة.
روى ابن حماد: ٢/٥١٩، عن أنس، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الدجال أعور عين
الشمال بين جبينه مكتوب كافر، وعلى عينه ظفرة غليظة. ونحوه مصنف ابن أبي شيبة:
١٥/١٣٢. وفي طبقات ابن سعد: ٤/١٨٤: شبَّهَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثة
نفر من أمته فقال: دحية الكلبي يشبه جبرئيل، وعروة بن مسعود الثقفي يشبه عيسى بن
مريم، وعبد العزى (بن قطن) يشبه الدجال). وفي الطيالسي/٣٣٠، أن قطن بن عبد العزى
قال: يضر بي يا رسول الله شبهه؟ فقال: لا، أنت مسلم وهو كافر) وفي ابن أبي شيبة:
١٥/١٢٩: ممسوح العين اليسرى عريض النحر، فيه دمامة، كأنه فلان بن عبد العزى).
وفي/١٣٢: إن الدجال أعور، جعد، هجان، أقمر، كأن رأسه غضة(أغصان) شجرة، أشبه الناس
بعبد العزى بن قطن). ونحوه أحمد: ١/٢٤٠ و٣١٢ و٣٧٤، و: /٢٩١... إلى آخر قائمة
المصادر.
أنه من يهود المشرق أو يهود أصفهان
الطبراني الكبير: ١٨/١٥٥، عن عمران بن حصين قال قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): يخرج الدجال من قبل أصبهان. والزوائد: ٧/٣٣٩، عن الطبراني في الأوسط. وعنه
كنز العمال: ١٤/٣٢٧، ولطبراني الصغير: ١/٢٦٠، عن أبي بردة أن النبي (صلى الله عليه
وآله) ذكر الدجال فقال: يجيء من ها هنا لا بل من ها هنا، وأومى نحو المشرق.
والحاكم: ٤/٥٢٨، وصححه، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يخرج
الدجال من ها هنا أو ها هنا أو من ها هنا، بل يخرج ها هنا يعني المشرق).
وروى ابن حماد: ٢/٥٣٢، وبعدها، عن أبي بكر أن الدجال يخرج من قبل المشرق من أرض
يقال لها خراسان. ولم يسنده إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، بينما أسنده ابن أبي
شيبة:
١٥/١٤٥، فقال إن أبا بكر سأل: هل بالعراق أرض يقال لها خراسان؟ قالوا نعم، قال: فإن
الدجال يخرج منها). وأحمد: ١/٤، ورفعه ابن ماجة: ٢/١٣٥٣، والترمذي: ٤/٥٠٩ والحاكم:
٤/٥٢٧ والبغوي: ٣/٥٠٨، كرواية أحمد الأولى، عن أبي بكر، وقال في الدر المنثور:
٥/٣٥٤: وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي، وصححه، وابن ماجة.
وفي تهذيب تاريخ دمشق: ١/١٩٥: (روى ابن مندة عن عبد الله بن معتمر مرفوعاً قال: إن
الدجال ليس به خفاء، يجيء من قبل المشرق، فيدعو لنفسه فيتبع ويقاتل ناساً فيظهر
عليهم، لا يزال على ذلك حتى يقدم الكوفة فيظهر عليهم). وعبد الرزاق: ١١/٣٩٦، عن كعب
أنه يخرج الدجال من العراق! وفي/٣٩٥، وابن أبي شيبة: ١٥/٣٥٧، عن ابن عمرو أنه يخرج
من العراق، وفي ابن حماد: ٢/٥٣٠ عن النبي (صلى الله عليه وآله): يخرج الدجال من خلة
بين الشام والعراق! والنهاية: ٢/٧٣ عن الهروي. والخلة منخفض بين جبلين. وكلها من
نوع مقولات كعب. وتطبيقهم الحديث التقدم المزعوم على المغول يوجب الشك في أصله.
أتباعه اليهود وأولاد الحرام
تقدمت رواية مسلم: ٨/٢٠٧: (يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة)
وأن كعب الأحبار جعل أتباعه من صلب العرب!
وفي أحمد: ٣/٢٢٤: يخرج الدجال من يهودية أصبهان معه سبعون ألفاً من اليهود عليهم
التيجان). وأبو يعلى: ٦/٣١٧، والمعجم الأوسط: ٥/١٥٦، ووثقه الزوائد: ٧/٣٣٨.
وفي كمال الدين/٥٢٨: (أكثر أتباعه اليهود والنساء والأعراب).
المدينة ومكة محرمتان عليه
موطأ مالك: ٢/٨٩٢، عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): على
أنقاب المدينة ملائكة، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال. ومثله مسلم: ٢/١٠٠٥، وأحمد:
٢/٢٣٧، بتفاوت يسير، وعنه صحيح بخاري: ٩/٧٦. وتاريخ بخاري: ١/٢٤٠، وفيه: وقيل لمحمد
بن مسلمة ما لرأي فلان دخل البلاد كلها إلا المدينة؟ فقال: إنه دجال من الدجاجلة
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): لا يدخلها الطاعون ولا الدجال. وفي: ٦/١٨٠، عن
أبي هريرة رفعه: المدينة ومكة محفوظتان بالملائكة لا يدخلهما الدجال ولا الطاعون.
وفي أحمد: ٢/٤٥٧، عن أبي هريرة، عن
النبي
(صلى الله عليه وآله) أنه قال: الإيمان يَمَانٍ، والكفر من قبل المشرق، وإن السكينة
في أهل الغنم، وإن الريا والفخر في أهل الفدادين أهل الوبر وأهل الخيل، ويأتي
المسيح من قبل المشرق وهمته المدينة حتى إذا جاء دبر أحد تلقته الملائكة فضربت وجهه
قبل الشام، هنالك يهلك، هنالك يهلك). ومثله مسلم: ٢/١٠٠٥، والترمذي: ٤/٥١٥، وصححه،
والبغوي: ٣/٥٠٤ من صحاحه.
وفي الطيالسي/١٨٣، عن محجن عن النبي (صلى الله عليه وآله): ويل أمها من قرية يوم
يدعها أهلها أعمرَ ما كانت! يجيء الدجال فيجد على كل باب منها ملكاً مصلتاً فلا
يدخلها! ونحوه: ابن أبي شيبة: ١٥/١٤٠، وأحمد: ٤/٣٣٨، والحاكم: ٤/٤٢٧.
وفي مصنف ابن أبي شيبة: ١٢/١٨١، عن أنس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن
الدجال يطوي الأرض كلها إلا مكة والمدينة، قال: فيأتي المدينة فيجد بكل نقب من
أنقابها صفوفاً من الملائكة، فيأتي سبخة الجرف، فيضرب رواقه ثم ترجف المدينة ثلاث
رجفات فيخرج إليه كل منافق ومنافقة). ومثله في: ١٥/١٤٣.
وفي صحيح بخاري: ٣/٢٨، عن أبي هريرة: ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة
والمدينة، ليس من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، ثم ترجف المدينة
بأهلها فيخرج الله كل كافر ومنافق). ومثله مسلم: ٤/٢٢٦٥، عن أنس... الخ.
وفي ابن حماد: ٢/٥٦٢، عن أبي أمامة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الدجال لا
يبقى من الأرض شيء إلا وطأه وغلب عليه إلا مكة والمدينة، فإنه لا يأتيها من نقب من
نقابها إلا لقيه ملك مصلتاً بسيفه حتى ينزل عند الظريب الأحمر عند منقطع السبخة عند
مجتمع السيول، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات لا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج
إليه، فتنتفي المدينة يومئذ الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد، وذلك اليوم الذي
يدعى يوم الخلاص. فقالت أم شريك فأين المسلمون يومئذ؟ قال: ببيت المقدس يخرج
فيحاصرهم حتى يبلغه نزول عيسى فيهرب).
والنقب: المدخل من بين الجبال. الظريب: بفتح الراء تصغير ظريب بكسرها وهو الجبل
الصغير. الكير: موقد نار الحداد، أو الكيس الذي ينفخ فيه.
أقول: لا يمكن قبول أحاديثهم التي تدل على دخول الدجال إلى المدينة أو أنه يصل إلى
أحُد فيهرب منه أهل المدينة ويأتي إليه بعضهم! لأنه ينقض ما ثبت عندنا وعندهم من
تحريم المدينة ومكة على الدجال وسلامتهما منه، كحديث أحمد: ١/١٨٣، عن سعد بن مالك
وأبي هريرة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم بارك لأهل المدينة في
مدينتهم، وبارك لهم في صاعهم وبارك لهم في مدهم. اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك وإني
عبدك ورسولك، وإن إبراهيم سألك لأهل مكة وإني أسألك لأهل المدينة كما سألك إبراهيم
لأهل مكة ومثله معه. إن المدينة مشبكة بالملائكة، على كل نقب منها ملكان يحرسونها
لا يدخلها الطاعون ولا الدجال، من أرادها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في
الماء). ونحوه أحمد: ٣/١٢٣ و٢٠٢ و٢٢٩ و٢٠٦ و٢٧٧ و/٢٢٩، وأبو يعلى: ٥/٣٩٠، والترمذي:
٤/٥١٤. ومن مصادرنا: الفقيه: ٢/٥٦٤، والتهذيب: ٦/١٢، ووسائل الشيعة: ١٠/٢٧٢.
الكذابون قبل الدجال!
ورد في مصادر السنيين أنه يكون قبل الدجال ثلاثون كذاباً، أو سبعون. ورواية
الثلاثين عندهم صحيحة. وورد عندنا أنه يكون في هذه الأمة ثلاثون كذاباً، واثنا عشر
إمام ضلال، كما جعل الله فيها اثني عشر إمام هدى (عليهم السلام).
أما رايات الضلال فورد عند الطرفين أنها كثيرة، لكن موضوعنا منها الدجالون
والكذابون قبيل ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وقبل الدجال الأصلي، ولابد أن
يكونوا شخصيات أو أصحاب دعوات، والمقصود هنا من يدعي النبوة أو الإمامة منهم، وإلا
فهم مئات! ومنهم عدد من رواة أحاديث الدجال!
في عبد الرزاق: ١١/٣٩٢، عن أبي بكرة قال: أكثرَ الناسُ في مسيلمة قبل أن يقول رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فيه شيئاً، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطيباً
فقال: أما بعد، ففي شأن هذا الدجال الذي قد أكثرتم فيه وإنه كذاب من ثلاثين كذاباً
يخرجون بين يدي المسيح
وإنه
ليس من بلد إلا يبلغه رعب المسيح إلا المدينة على كل نقب من أنقابها ملكان يذبان
عنها رعب المسيح). انتهى.
أقول: لاحظ أن رواتهم يعبرون عن الدجال عن لسان النبي (صلى الله عليه وآله) بالمسيح
وهو أسلوب كعب الأحبار وبقية اليهود! ومعنى أنقابها: مداخلها من بين الجبال. وابن
حماد: ٢/٥٥١، وأحمد: ٥/٤١، وبخاري: ٩/٧٥، وابن حبان: ٨/٢٢٥، والحاكم: ٤/٥٤١، وصححه
الزوائد: ٧/٣٣٢.
ابن أبي شيبة: ١٥/١٧٠، عن عبيد بن عمير الليثي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً، كلهم يزعم أنه نبي قبل يوم
القيامة). ونحوه أحمد: ٢/٩٥ و١٠٣، وفي/١١٧، عن عبد الله بن عمر أنه كان عنده رجل من
أهل الكوفة فجعل يحدثه عن المختار فقال ابن عمر: إن كان كما تقول فإني سمعت رسول
الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن بين يدي الساعة ثلاثين دجالاً كذاباً. وفي/٢٣٦
و٣١٢ و٤٢٩ و٥٣٠، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لا تقوم الساعة
حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله. وصحيح بخاري:
٤/٢٤٣، كرواية أحمد الرابعة بتفاوت يسير، عن عبد الرزاق، وفي: ٩/٧٤، كرواية أحمد
الخامسة، ورواه في عدة مواضع أخرى أيضاً. ومسلم: ٤/٢٢٣٩، كرواية أحمد الرابعة، وفي
ابن أبي شيبه: ١٥/١٤٦، عن أنس: إن بين يدي الدجال لستاً وسبعين دجالاً. وفي مجمع
الزوائد: ٧/٣٣٣، عن أبي يعلى: نيف وسبعون دجالاً... إلى آخر قائمة المصادر.
أقول: المختار المذكور في رواية أحمد الثالثة هو ابن أبي عبيد الثقفي (رحمه الله)
الذي ثار على الأمويين بعد خمس سنوات من شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) وقد
نسبوا إليه أنه ادعى النبوة، ويظهر أن الرجل الكوفي المذكور في الرواية كان معادياً
للمختار يطعن عليه وقد يكون من أقارب قتلة الحسين (عليه السلام) الذين قتلهم
المختار! ونلاحظ أن عبد الله بن عمر تحفظ في الحكم على المختار فقال: إن كان كما
تقول أي يدعي النبوة! لأنه من شائعات السلطة ضد الثائرين.
هذا، وتزيد أحاديثهم في الدجال على مجلد! وهي من نوع ما قدمناه وأسوأ.
* * *
من لم يؤمن بدجال كعب فقد كفر!
في فرائد السمطين: ٢/٣٣٤، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله: من أنكر
خروج المهدي فقد كفر بما أنزل على محمد، ومن أنكر نزول عيسى فقد كفر، ومن أنكر خروج
الدجال فقد كفر). والروض الآنف: ٢/٤٣١، وابن خلدون/٣٤٧، وغيرها..
ولا يبعد أن يكون المقصود بهذا الدجال دجال كعب، وأن هرطقاتهم في الدجال واجهت
رفضاً من عقلاء المسلمين، فتجرأ بعضهم وأعلنوا كفرهم بهذا الدجال أو موافقتهم لأهل
البيت (عليهم السلام)، فوضع لهم كعب وتلاميذه هذا الحديث وربطوا دجالهم بالمهدي
(عليه السلام)! ولو سلَّمنا جدلاً صحة الحديث فلا بد أن يكون الكفر فيه بمعناه
اللغوي أي تغطية الحق، وليس الكفر المصطلح المُخرج عن الدين.
* * *
ختام في دابة الأرض ويأجوج ومأجوج
رأيت في أحاديث الدجال أن رواة الخلافة خلطوا أحاديث المهدي (عليه السلام) بأحاديث
علامات القيامة فجعلوها قطعة واحدة! ومنها آية دابة الأرض ويأجوج المذكورتان في
القرآن، فجعلوا وقتهما عند ظهور المهدي ونزول عيسى (عليهما السلام)، بل رووا أن
عيسى (عليه السلام) يقاتل الدجال ثم يأجوج ومأجوج! مع أن وقت دابة الأرض في الرجعة
أي بعد ظهور المهدي (عليه السلام)، أما يأجوج ومأجوج فوقتهم قرب القيامة!
وقد جاءتهم هذه التصورات الباطلة عن المستقبل، من الإسرائيليات وخيالات كعب الأحبار
وأمثاله كما عرفت! ونختم هذا الفصل بهاتين العلامتين لأنهما في أصلهما قطعيتان نص
عليهما القرآن.
آية دابة الأرض التي تكلم الناس!
قال الله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. وَإِنَّهُ لَهُدًى
وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ. فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ
الْمُبِينِ. إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ
إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ. وَمَا أَنْتَ بِهَادِى الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ
إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ. وَإِذَا وَقَعَ
الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ
النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ. وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ
فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذَا جَاءُوا
قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِى وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا
يَنْطِقُونَ). سورة النمل: ٧٦ - ٨٥
فالآيات خطاب لليهود ومعهم الضالون المعاندون الذين تعمدوا أن لا يسمعوا ولا يروا
حقائق الكون فسماهم الله موتى! وأمر رسوله (صلى الله عليه وآله) أن يصرف النظر
عنهم،
لأنهم سيبقون هكذا حتى يقع القول عليهم ويخرج الله لهم دابة من الأرض تكلمهم!
ولا تذكر الآية أن وقت هذه الآية قرب القيامة، فقد تكون قبلها بألوف السنين، كما أن
تعبير: وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ، لم يستعمل في القرآن إلا في دابة الأرض،
واستعمل للقيامة تعبير: حَقَّ القَوْل، قال تعالى: (وَلَكِنْ
حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ) (السجدة: ١٣) (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ
عَلَى أَكْثَرِهِمْ). (يس: ٧). (قَالَ الَّذِينَ
حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ). (القصص: ٦٢ - ٦٣). كما أن كلمة (وقع) استعملت
في القرآن لوقوع الرجز(الأعراف١٣٤) والرجس(الأعراف٧١) ووقوع العذاب الدنيوي (يونس٤٩
وما بعدها) وهذا يقرِّب ما تدل عليه أحاديثنا من أن دابة الأرض تكون في الرجعة وهي
مرحلة من الحياة قد تطول ألوف السنين، وتبدأ بظهور المهدي (عليه السلام) ويرجع فيها
النبي (صلى الله عليه وآله) وعدد من الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) إلى الدنيا،
بعضهم زائراً لمدة قصيرة، وبعضهم يحكم في الأرض مدة.
ويدل على ذلك الآية التي بعدها مباشرة التي نصت على حشر خاص لفئات قبل الحشر العام:
(وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ
يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ).
وفي تفسير القمي: ١/١٩٨: عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: (إِنَّ
اللهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً..) وسيريكم في آخر الزمان آيات،
منها دابة في الأرض، والدجال، ونزول عيسى بن مريم (عليه السلام)، وطلوع الشمس من
مغربها). انتهى.
وتعبير آخر الزمان استعمل لفترة كبيرة من عمر الحياة تبدأً من بعثة النبي (صلى الله
عليه وآله) إلى آخر الدنيا، كما أن التسلسل في الرواية جاء من الراوي، لأن الأئمة
(عليهم السلام) نصوا على أن ظهور المهدي (عليه السلام) قبل الدجال ودابة الأرض.
وفي الكافي: ١/١٩٧، والبصائر/١٩٩، وطبعة/٢١٩، عن أبي جعفر (عليه السلام) أن علياً
(عليه السلام) قال في حديث طويل: ولقد أعطيتُ الستَّ: علم المنايا والبلايا
والوصايا والأنساب وفصل الخطاب. وإني لصاحب الكرَّات ودولة الدول، وإني لصاحب العصا
والميسم والدابة التي تكلم الناس). وعنهما مختصر البصائر/٤١، والإيقاظ/٣٧٢،
والبحار: ٥٣/١٠١.
فهذا نصٌّ على أن علياً (عليه السلام) عندما يكرَّ أي يرجع إلى الدنيا مع النبي
(صلى الله عليه وآله) كما ورد، يكون صاحب الدابة أي يجعلها الله تعالى تأتمر بأمره
فتكلم الناس، وصاحب العصا ولعلها عصى موسى وقد ورد أنها عصا آدم (عليهما السلام)،
فتكون آية في الرجعة. وصاحب المَيْسَم أي الآلة التي تضع علامة على جبهة بعض
الكفار، ومعناه تصنيف بعض الناس الذين لا يؤمل صلاحهم في دولة الإمام المهدي (عليه
السلام) لكي يعرفهم الناس ويحذروا منهم، لأن الميسم يرافق دابة الأرض وهي بالأصل
آية للمعاندين من اليهود وأمثالهم، فلعل الوسم لنوع خاص منهم.
وقد نصت أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) على أن دابة الأرض من آيات الرجعة وليست
من آيات القيامة الموعودة بقوله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي
بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ
قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً)، ففي مختصر البصائر/٢١٠ عن
زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن العذاب الأدنى الدابة والدجال).
ومجمع البيان: ٤/٣٣٢، وتأويل الآيات: ٢/٤٤٤، والإيقاظ/٣٨٦، والبحار: ٥٣/. ١١٤.
وفي المحاسن/٢٣٦، عن عبد الله بن سليمان العامري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: ما زالت الأرض ولله فيها حجة يعرف الحلال والحرام ويدعو إلى سبيل الله، ولا
تنقطع الحجة من الأرض إلا أربعين يوماً قبل يوم القيامة، فإذا رفعت الحجة أغلق باب
التوبة ولم (يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ
آمَنَتْ مِنْ قَبْل) أن ترفع الحجة وأولئك شرار من خلق الله وهم الذين تقوم
عليهم القيامة). ونحوه الكافي: ١/٣٢٩، ومثله البصائر/٤٨٤، وكمال الدين/٢٢٩، ودلائل
الإمامة/٢٢٩، والبحار: ٦/١٨ و: ٢٣/٤١.
دابة الأرض في مصادر السنيين
أما في مصادر أتباع الخلافة فتكثر الإسرائيليات، ويتشابه عنصر الأسطورة في عامة
أحاديثهم عن الدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج! وأول ما تلاحظه أنهم ربطوا دابة
الأرض بآية: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا
يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ
آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً)،
فقد روى ابن شيبة: ١٥/١٧٨، عن أبي هريرة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاث
إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل: طلوع الشمس من مغربها،
والدجال، والدابة). ومثله أحمد: ٢/٤٤٥ ومسلم: ١/١٣٨، وأبو عوانة: ١/١٠٧، والترمذي:
٥/٢٦٤، وصححه، وتفسير الطبري: ٨/٧٦، وكثير من مصادرهم، وفي الطبراني الكبير: ٩/٢١٤،
عن ابن عمر قال: التوبة معروضة على ابن آدم إن قبلها ما لم يخرج إحدى ثلاث، ما لم
تطلع الشمس من مغربها أو يخرج الدابة أو يخرج يأجوج ومأجوج).
مع أنهم رووا ما يوافق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وأن التوبة تبقى مفتوحة،
وصححوه، لكنهم أعرضوا عنه حباً بأحاديث كعب وتلاميذه! فقد روى الحاكم: ٤/٤٨٥ في وصف
دابة الأرض: (ثم يخرج الدجال فيأخذ المؤمن منه كهيئة الزكمة، وتدخل في مسامع الكافر
والمنافق حتى يكون كالشيء الحنيذ، وإن التوبة لمفتوحة، ثم تطلع الشمس من مغربها.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه). ورواه غيره أيضاً.
من المبالغات والإسرائيليات في دابة الأرض
كيفية خروج الدابة: في الطبراني الأوسط: ١/٩٨، عن عبد الله بن عمرو العاص قال: قال
النبي (صلى الله عليه وآله): إذا طلعت الشمس من مغربها يخر إبليس ساجداً ينادي إلهي
مرني أن أسجد لمن شئت فتجتمع إليه زبانيته فيقولون: يا سيدهم ما هذا التضرع؟ فيقول:
إنما سألت ربي أن ينظرني إلى الوقت المعلوم وهذا الوقت المعلوم، ثم تخرج دابة الأرض
من صدع في الصفا فأول خطوة تضعها بأنطاكية ثم تأتي إبليس فتلطمه). ومجمع الزوائد:
٨/٨، وضعف ابن زبريق، والدر المنثور: ٣/٦٢، وكنز العمال: ١٤/٣٤٩.
بينما قال ا بن كثير في تفسيره: ٢/٢٠٢: هذا حديث غريب جداً وسنده ضعيف، ولعله من
الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله يوم اليرموك! فأما رفعه فمنكر، والله أعلم).
أقول: هذا الكلام من ابن كثير يوجب الشك في كل ما رواه عبد الله بن العاص لأنه كان
عنده حمل بعير أو حملان من الكتب حصل عليها أيام فتح الشام وكان يحدث منها! وأخطر
ما في الأمر أن ابن كثير يقول إن ابن العاص قد يكذب على النبي (صلى الله عليه وآله)
في نسبته إليه ما يرويه من الزاملتين!
ويسري هذا الشك إلى عبد الله بن عمر، فأفكاره مثله، واسمه يختلط مع ا بن العاص
عندما يقال في السند (عن عبد الله) ولا يذكرون اسم أبيه!
* * *
دابة تكلم الناس أم دابة تطارد الناس؟! روى الطيالسي/١٤٤، عن عبد الله بن عمير عن رجل من آل عبد الله بن مسعود، وحديث طلحة أتمهما وأحسن قال: ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدابة فقال: لها ثلاث خرجات من الدهر، فتخرج في أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية يعني مكة ثم تكمن زماناً طويلاً، ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك، فيعلو ذكرها أهل البادية ويدخل ذكرها القرية يعني مكة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة وخيرها وأكرمها المسجد الحرام لم يَرُعْهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام تنفض عن رأسها التراب فارفضَّ الناس معها شتى ومعاً، وثبت عصابة من المؤمنين وعرفوا أنهم لن يعجزوا الله فبدأت بهم فجلت وجوههم حتى تجعلها كأنها الكوكب الدري، وولت في الأرض لا يدركها طالب ولا ينجو منها هارب، حتى أن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول: يا فلان يا فلان الآن تصلي! فيقبل عليها فتسِمُه في وجهه ثم تنطلق، ويشترك الناس في الأموال ويصطحبون في الأمصار يعرف المؤمن من الكافر حتى أن المؤمن يقول: يا كافر إقضني حقي وحتى أن الكافر يقول: يا مؤمن إقضني حقي). وابن حماد: ٢/٦٦٦ وبعدها، بصيغ أخرى وإضافات، وفيها: فيهريق الأمراء فيها الدماء. وفي تفسير الطبري: ٢/١٠، تخرج الدابة من الصفا أول ما يبدو رأسها ملمعة ذات وبر وريش لم يدركها طالب ولن يفوتها هارب، والطبراني الكبير: ٣/١٩٣، والحاكم: ٤/٤٨٤، وصححه، وبسند آخر وصححه على شرط الشيخين! ونحوه ابن شيبة: ١٥/٦٦، والدر المنثور: ٥/١١٦، وفيه: ولها عنق
مشرف
يراها من بالمشرق كما يراها من بالمغرب، ولها وجه كوجه إنسان ومنقار كمنقار الطير
ذات وبر وزغب معها عصا موسى وخاتم سليمان بن داود تنادي بأعلى صوتها: إن الناس
كانوا بآياتنا لا يوقنون، ثم بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا رسول الله وما
بعد؟ قال: هنات وهنات، ثم خصب وريف حتى الساعة. ونحوه تفسير الطبري: ٢٠/١٠، عن ابن
عمر.
وفي زهر الفردوس ٤/٦٤: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: مثل أمتي ومثل الدابة
التي تخرج كمثل حيِّزٍ بُنيَ ورفعت حيطانه وسُدت أبوابه وطُرح فيه من الوحوش كلها،
ثم جيء بالأسد فطرح وسطها فانذعرت وأقبلت إلى النفق تلمسه من كل جانب. كذلك أمتي
عند خروج الدابة لا يفر منها أحد إلا مثلت بين عينيه، ولها سلطان من ربنا عظيم).
* * *
واخترعوا لها صفات أسطورية: ففي ابن حماد: ٢/٦٦٥، عن الشعبي قال: دابة الأرض ذات
وبر تنال رأسها السماء. وجامع البيان: ٢٠/١١، وتفسير الرازي: ٢٤/٢١٧، وفيه: رأسها
يبلغ السحاب، وفي الدر المنثور: ٥/١١٦، عن الشعبي: إن دابة الأرض ذات وبر تناغي
السماء، وعن ابن عباس: الدابة مؤلفة ذات زغب وريش فيها من ألوان الدواب كلها! وفي
التبيان: ٨/١٠٦ عن ابن عمر: إنها تخرج حتى يبلغ رأسها الغيم، فيراها جميع الخلق.
وفي تفسير ابن كثير: ٣/٣٨٨، عن أبي الزبير: رأسها رأس ثور وعينها عين خنزير وأذنها
أذن فيل وقرنها قرن إيل وعنقها عنق نعامة وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها
خاصرة هر وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعاً! تخرج
معها عصا موسى وخاتم سليمان فلا يبقى مؤمن إلا نكتت في وجهه بعصا موسى نكتة بيضاء
فتفشو تلك النكتة حتى يبيض لها وجهه ولا يبقى كافر إلا نكتت في وجهه نكتة سوداء
بخاتم سليمان، فتفشو تلك النكتة حتى يسود بها وجهه. وعن أبي هريرة: ما بين قرنيها
فرسخ للراكب.
وفي سنن الداني/١٠٤، في حديث طويل بعدة صفحات: عن حذيفة قال: قلت يا رسول الله وما
الدابة؟ قال: ذات وبَر وريش، عظمها ستون ميلاً، ليس يدركها طالب ولا يفوتها هارب،
تَسِمُ الناس مؤمناً وكافراً، فأما المؤمن فتترك في وجهه
كالكوكب الدري وتنكت بين عينيه مؤمن، وأما الكافر فتكتب بين عينيه نكتة سوداء،
وتكتب بين عينيه كافر).
وفي تاريخ بخاري: ٣/٣١٦: عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله): تخرج الدابة
فتصرخ ثلاث صرخات)! وفي الزوائد: ٨/٦، عن أحمد: تخرج الدابة فتسم الناس على
خراطيمهم، ثم يعمِّرون فيكم حتى يشتري الرجل البعير فيقول ممن اشتريته؟ فيقول:
اشتريته من أحد المخطَّمين). وحسنه في الجامع الصغير: ١/٥٠٢. ويفهم منه أن خطمها
خاص بفئة من الناس، وهذا يردُّ ما نصوا عليه من أن خطمها شامل.
* * *
وكذَبَ
الرواةُ على النبي (صلى الله عليه وآله)! فقالوا إنه حدد مكان خروجها للصحابي بريدة
الأسلمي، فروى عنه أحمد: ٥/٣٥٧، أنه قال: ذهب بي رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إلى موضع بالبادية قريباً من مكة فإذا أرض يابسة حولها رمل فقال رسول الله (صلى
الله عليه وآله): تخرج الدابة من هذا الموضع فإذا فِتْرٌ في شبر)! وابن ماجة:
٢/١٣٥٢. وفي الدر المنثور: ٥/١١٧: أخرج البخاري في تاريخه، وابن ماجة، وابن مردويه
عن بريدة..). لكن ابن عمرو العاص صاحب الزاملتين جعل مكان خروجها الصفا فقال كما في
تفسير الطبري: ٢٠/١٠: (لو شئت لانتعلت بنعليَّ هاتين فلم أمس الأرض قاعداً حتى أقف
على الأحجار التي تخرج الدابة من بينها، ولكأني بها قد خرجت في عقب ركب من الحاج.
قال فما حججت قط إلا خفت أن تخرج بعقبنا)!
وفي ابن حماد: ٢/٦٦٢، وبعدها، عن عطاء، قال: رأيت عبد الله بن عمرو، وكان منزله
قريباً من الصفا، رفع قدمه وهو قائم وقال: لو شئت لم أضعها حتى أضعها على المكان
الذي تخرج منه الدابة)! ثم أبعدها عبد الله قليلاً عن الصفا وزعم أنها تخرج من مكة
من(شعب بالأجياد)! كما في ابن حماد، وابن أبي شيبة: ١٥/٦٧، ووافقه أبو هريرة:
٧/٢٥٦٩، وأمالي الشجري: ٢/٢٧٧، والفردوس: ٢/٤).
أما زميله ابن عمر فوافقه على أنها تخرج من الصفا، وقال إنها لا تكلم الناس! بل
تختمهم في الحج وتنتهي مهمتها، فترفع قدمها من مكة وتضع أول خطوة لها في أنطاكية
وتذهب! (ابن حماد: ٢/٦٦٧) وقال: ألا أريكم المكان الذي قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله) إن دابة الأرض تخرج منه فضرب بعصاه الشق الذي في الصفا). (أبو يعلى:
١٠/٦٧).
لذلك لا يمكن أن نطمئن بشيء من رواياتهم في دابة الأرض والدجال ويأجوج، مع أن فيها
الصحاح على شرط الشيخين وشروط جميع المشايخ! فقد رووا فيها أكثر مما رووه في
القضايا المصيرية التي سفكت فيها دماء المسلمين كنظام الحكم!
رواية أن علياً دابة الأرض ورواية نفي ذلك
في الدر المنثور: ٥/١١٧: وأخرج ابن أبي حاتم، عن النزال بن سبرة قال: قيل لعلي بن
أبي طالب: إن ناساً يزعمون أنك دابة الأرض، فقال: والله إن لدابة الأرض ريشاً وزغباً
وما لي ريش ولا زغب، وإن لها لحافراً وما لي من حافر، وإنها لتخرج حضر الفرس الجواد
ثلاثاً، وما خرج ثلثاها). انتهى.
وابن سبرة عثماني الهوى، ويقصد أن بعض الشيعة في زمن أمير المؤمنين (عليه السلام)
كانوا يقولون إن علياً هو دابة الأرض الموعودة! وإنه سأل علياً (عليه السلام) فنفى
ذلك ووصف دابة الأرض كما يصفها رواة الخلافة، وأن طولها أكثر من ميدان تقطعه الفرس
السريعة حتى تتعب، أي أن أكثر من خمسة كيلو مترات!
وقد روت مصادرنا أن معاوية سأل الأصبغ بن نباتة نفس سؤال ابن سبرة، قال الأصبغ: (قال
لي معاوية: يا معشر الشيعة تزعمون أن علياً دابة الأرض؟ فقلت: نحن نقول؟ اليهود
تقوله! قال: فأرسل إلى رأس الجالوت فقال: ويحك تجدون دابة الأرض عندكم؟ فقال: نعم.
فقال: وما هي؟ فقال: رجل. فقال: أتدري ما اسمه؟ قال: نعم، اسمه إيليا، قال: فالتفت
إليَّ فقال: ويحك يا أصبغ، ما أقرب إيليا من علي):
(مختصر البصائر/٢٠٨، عن تأويل الآيات). وهذا يدل على وجود عمل من الأمويين لتشويه
صورة علي (عليه السلام) وأنه صاحب دابة الأرض فجعلوه نفس دابة الأرض! وقد يكون ذلك
تسرب
منهم إلى مصادرنا! في رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعدة روايات عن علي
(عليه السلام) وأبي ذر وعمار، ففي تفسير القمي: ٢/١٣٠: (فأما قوله: (وَإِذَا
وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ
أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ)، فإنه حدثني أبي، عن ابن
أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: انتهى رسول الله (صلى
الله عليه وآله) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو نائم في المسجد قد جمع رملاً
ووضع رأسه عليه فحركه برجله ثم قال له: قم يا(صاحب) دابة الله! فقال رجل من أصحابه:
يا رسول الله أيسمي بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟ فقال: لا والله ما هو إلا له خاصة وهو
الدابة التي ذكر الله في كتابه: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ
عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ
كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ)، ثم قال: يا علي إذا كان آخر الزمان
أخرجك الله في أحسن صورة، ومعك مَيْسَمٌ تَسِمُ به أعداءك. فقال رجل لأبي عبد الله
(عليه السلام): إن الناس يقولون هذه الدابة إنما تكلمهم فقال أبو عبد الله (عليه
السلام): كلمهم الله في نار جهنم، إنما هو يكلمهم من الكلام! والدليل على أن هذا في
الرجعة قوله: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً
مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ
أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ)؟! قال: الآيات أمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام). فقال
الرجل لأبي عبد الله (عليه السلام): إن العامة تزعم أن قوله: (وَيَوْمَ
نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا)، عنى يوم القيامة، فقال أبو عبد الله
(عليه السلام): أفيحشر الله من كل أمة فوجاً ويدع الباقين؟ لا، ولكنه في الرجعة،
وأما آية القيامة فهي: (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ
مِنْهُمْ أَحَداً)). وعنه مختصر البصائر/٤٢، بتفاوت يسير، وتأويل الآيات:
١/٤٠٧، إلى قوله: فليس هذا الاسم إلا لعلي (عليه السلام)، والإيقاظ/٢٥٧ و٣٤٢،
والبحار: ٣٩/٢٤٣ و: ٥٣/٥٢.
أقول: أظن أن أصل الرواية(صاحب دابة الله)! فسقطت منها كلمة (صاحب) التي جاءت في
رواية الكافي وبصائر الدرجات. وفي مقابلها روى مصدران آخران هما تفسير القمي ومختصر
البصائر الذي فيه ما ليس في البصائر! أن دابة الأرض هي علي (عليه السلام)! ففي
مختصر البصائر/٢٠٦، عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على علي
بن
أبي طالب (عليه السلام) فقال: ألا أحدثك ثلاثاً قبل أن يدخل علي وعليك داخل أنا عبد
الله أنا دابة الأرض صدقُها وعدلُها، وأخو نبيها، ألا أخبرك بأنف المهدي وعينه؟ قال
قلت: نعم، فضرب بيده إلى صدره فقال: أنا).
وعن الجدلي أيضاً في/٢٠٧، قال: دخلت على علي (عليه السلام) فقال: أحدثك بسبعة
أحاديث إلا أن يدخل علينا داخل، قال قلت: إفعل جعلت فداك، قال: أتعرف أنف المهدي
وعينه؟ قال قلت: أنت يا أمير المؤمنين. فقال: الدابة وما الدابة، عدلها وصدقها
وموقع بعثها والله مهلك من ظلمها، وذكر الحديث).
وتأويل الآيات: ١/٤٠٤، وعنهما الإيقاظ/٢٨٣، والبحار: ٣٩/٢٤٣، و: ٥٣/١١٠. وفي/٢٠٨،
عن الأصبغ بن نباتة قال: دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يأكل خبزاً
وخلاً وزيتاً فقلت: يا أمير المؤمنين قال الله (عزَّ وجلَّ): (وَإِذَا
وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ
أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ)، فما هذه الدابة؟ قال:
هي دابة تأكل خبزاً وخلاً وزيتاً! وتأويل الآيات: ١/٤٠٤، والإيقاظ/٣٨٤، والبحار:
٥٣/١١٢. وفي/٢٠٩، عن مالك بن حمزة الرواسي قال: سمعت أبا ذر يقول: علي (عليه
السلام) دابة الأرض). وتأويل الآيات: ١/٤٠٤، والبحار: ٣٩/٢٤٣.
أما رواية تفسير القمي: ٢/١٣١، فهي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال رجل لعمار
بن ياسر: يا أبا اليقظان آية في كتاب الله قد أفسدت قلبي وشككتني، قال عمار: وأي
آية هي؟ قال: قول الله: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ
عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرض). الآية، فأي دابة هي؟
قال عمار: والله ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتى أريكها، فجاء عمار مع الرجل إلى أمير
المؤمنين (عليه السلام) وهو يأكل تمراً وزبداً، فقال له: يا أبا اليقظان هلمَّ فجلس
عمار وأقبل يأكل معه فتعجب الرجل منه، فلما قام عمار قال له الرجل: سبحان الله يا
أبا اليقظان حلفت أنك لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس حتى ترينيها؟! قال عمار: قد
أريتكها إن كنت تعقل) وعنه مجمع البيان: ٧/٢٣٤، والبرهان: ٣/٢١٠، والبحار: ٣٩/٢٤٢.
أقول: القدر المتيقن من الروايات أن علياً (عليه السلام) صاحب دابة الأرض، وأنها
تخرج
في
رجعته مع النبي (صلى الله عليه وآله)، ولعل أصل القول بأن عليا (عليه السلام) دابة
الأرض جاء من قوله (عليه السلام): (وإني لصاحب العصا والميسم والدابة التي تكلم
الناس). أي في الرجعة، ولعل الشبهة جاءت من قراءة الدابة بالضم مع أنها بالكسر عطفٌ
على الميسم والعصا.
آيات يأجوج ومأجوج
قال الله تعالى في قصة ذي القرنين: (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا.
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ
نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا. كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ
خُبْرًا. ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا. حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ
مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً. قَالُوا يَا ذَا
الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يأجوج وَمأجوج مُفْسِدُونَ فِي الأرض فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ
خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا. قَالَ مَا مَكَّنِّى
فِيهِ رَبِّى خَيْرٌ فَأَعِينُونِى بِقُوَةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ
رَدْمًا. آتُونِى زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ
قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ
قِطْرًا. فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا.
قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّى فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّى جَعَلَهُ دَكَّاءَ
وَكَانَ وَعْدُ رَبِّى حَقًّا. وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي
بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا. وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ
يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا). (الكهف: ٨٩ - ١٠٠).
والمعنى: أن ذا القرنين (رحمه الله) الذي بعثه الله في مهمة عالمية، توجه بوسائله
نحو مشرق الشمس فبلغ منطقة فيها قومٌ يتحملون أشعة الشمس الحارقة المنصبَّة عليهم،
وقد يكونون هم يأجوج ومأجوج، فلم يصنع لهم شيئاً. ثم سار بوسائله حتى وصل إلى منطقة
بين السدين، فوجد قوماً شكوا له هجوم يأجوج ومأجوج عليهم، فصنع السد لحمايتهم من
ياجوج وعرف باسمه (سد ذي القرنين) فعجزت يأجوج عن نقبه أو تسلقه، وأخبرهم ذو
القرنين أن هذا السد رحمة لهم، وأنه سيستمر إلى قرب يوم القيامة، حيث يدكه الله
تعالى في مقدمات القيامة. قال تعالى في سياق كلامه عن
بعثة
الأنبياء (عليهم السلام): (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً
وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ. وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ
كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ. فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ. وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ
أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ. حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يأجوج وَمأجوج
وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ. وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا
هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي
غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ). (الأنبياء: ٩٢ - ٩٧).
والمعنى: أن الله تعالى أرسل الأنبياء (عليهم السلام) وأمر الناس أن يهتدوا بهديهم
ويكونوا أمة واحدة، لكنهم اختلفوا وسلكوا طرق المعصية والتفرق، وأنهم سيرجعون إلى
الله فيجازيهم. ثم تحدث (عزَّ وجلَّ) عن القرى التي أهلكها بظلمها أي الحضارات
الجائرة وقال إنه حرَّم عليهم الرجوع! وتحير المفسرون في هذا الرجوع المحرم، فقال
بعضهم: (ممتنع عليهم أن يرجعوا فيتداركوا ما فاتهم من السعي المشكور والعمل المكتوب
المقبول). (تفسير الميزان: ١٤/٣٢٥). ولكن ما ذكره (تحريمٌ) عام لكل من مات فلا معنى
لتخصيص المهلكين به، وكذا رأي أكثر المفسرين إنه حرم رجوعهم إلى الحياة الدنيا، فهو
عام أيضاً للمهلكين وغيرهم. والصحيح ما قاله أهل البيت (عليهم السلام) إنه تحريم
رجوع المهلكين في الرجعة لا في القيامة. ففي تفسير القمي: ٢/٧٥، بسند صحيح عن
الصادق والباقر (عليهما السلام): (كل قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في
الرجعة). ثم قال القمي: (فهذه الآية من أعظم الدلالة في الرجعة لأن أحداً من أهل
الإسلام لا ينكر أن الناس كلهم يرجعون إلى القيامة من هلك ومن لم يهلك). انتهى.
ثم تحدثت الآية التالية عن مسار الدنيا حتى تنفتح يأجوج ومأجوج وينسابوا في الأرض،
وذلك قرب القيامة التي هي الوعد الحق! ولم تذكر أن يأجوجاً يأتون من جهة السد أو
غيره، ولا أنهم يخوضون قتالاً مع أحد! وينبغي هنا تسجيل ملاحظات:
١ - أن يأجوج ومأجوج قد يكونون في مكان آخر غير أرضنا، ويشير اليه قوله
تعالى:
(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ
الشَّمْسِ...)، فقد يكون هذا السبب وسيلة فضائية ويكون مطلع الشمس الذي بلغه
في غير الأرض.. الخ.
٢ - ورد أن يأجوجاً ليسوا من أبناء آدم (عليه السلام) ففي الكافي: ٨/٢٢٠ عن علي (عليه
السلام) قال: (وأجناس بني آدم سبعون جنساً، والناس ولد آدم ما خلا يأجوج ومأجوج).
انتهى.
وهنا أدخل كعب الأحبار أنفه فقال: (هم نادرة من ولد آدم، وذلك أن آدم احتلم ذات يوم
وامتزجت نطفته بالتراب فخلق الله من ذلك الماء والتراب يأجوج ومأجوج فهم متصلون بنا
من جهة الأب دون الأم). (شرح مسلم: ٣/٩٨، وفتح الباري: ١٣/٩٤، والبحار: ٦/٢٩٨).
٣ - لم تذكر روايات أهل البيت (عليهم السلام) أي حرب للمسلمين أو غيرهم مع يأجوج
ومأجوج، بينما طفحت مصادر السنيين بمعارك خيالية للمسلمين معهم، بقيادة عيسى بن
مريم (عليه السلام) كما ستعرف.
٤ - وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) المغول وغزوهم للأمة، ولم يربطهم بيأجوج أو
بالقيامة! بينما طبقت مصادر أتباع الخلافة يأجوج على المغول! وقد انتهى المغول
انتهوا ولم تقم القيامة فثبت كذب هذا التطبيق! ففي مسند أحمد: ٥/٢٧١: خطب رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وهو عاصب إصبعه من لدغة عقرب فقال: إنكم تقولون لا عدو وإنكم
لا تزالون تقاتلون عدواً حتى يأتي يأجوج ومأجوج، عراض الوجوه صغار العيون شهب
الشعاف، من كل حدب ينسلون، كأن وجوههم المجان المطرقة). انتهى.
الشعاف: جمع شعفة بفتح الشين: أعلى الشيء والمعنى صفر الشعور. والمجان المطرقة: أي
وجوههم مبقعة كترس الحديد المبقع من الطرق. ومثله الفائق: ٢/٢٤٨، وعنه فتن ابن
كثير: ٢/١٨٣، وتفسيره: ٣/٢٠٥، ومجمع الزوائد: ٨/٦، وعن الطبراني، والدر المنثور:
٤/٣٣٦.. الخ.
٥ - روى أتباع الخلافة أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر بقرب هلاك العرب وخروج
يأجوج في أقل من قرن! ولا شيء من ذلك في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)! ففي صحيح
بخاري: ٨/٨٨: (استيقظ النبي (صلى الله عليه وآله) من النوم محمراً وجهه يقول: لا
إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب! فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه!
وعقد
سفيان
تسعين أو مائة! قيل أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث). ورواه أيضاً
في: ٤/١٧٦ وفي: ٤/١٠٩، عن أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكأنها تطبقه على قتل عثمان، لكن
رواه عن أبي هريرة أيضاً وطبقه على غَلَمَة قريش الذين تهلك الأمة بأيديهم!
نموذج من مبالغاتهم في يأجوج ومأجوج
لعل رواياتهم عن يأجوج ومأجوج ودابة الأرض والدجال تبلغ مجلداً كبيراً وفيها الغث
الذي يناديك بأنه موضوع، لكنه صحيح على شرط الشيخ أو الشيخين! بينما لاتجد في قضايا
الأمة المصيرية كقضية الخلافة والحكم ومستقبل الأمة إلا عشر معشارها! فمضافاً إلى
ما تقدم من صحيح بخاري، زعم في: ٤/١٦٧، أن رجلاً أخبر النبي (صلى الله عليه وآله)
أنه رأى السد ووصفه له كأنه البُرْد المحبر أي العباءة المخططة فصدقه النبي (صلى
الله عليه وآله)! وعقد بخاري باباً بعنوان: باب قصة يأجوج ومأجوج: ٤/١٠٨، وباباً
آخر بعنوان: باب يأجوج ومأجوج: ٤/١٠٨، وروى عنهم في: ٥/٢٤١، و: ٦/١٧٥، و: ٧/١٩٦.
وروى أحمد: ٢/٥١٠، عن أبي هريرة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن يأجوج
ومأجوج ليحفرن السد كل يوم، حتى إذا كان شعاع الشمس قال الذي عليهم: إرجعوا
فستحفرون غداً فيعودون إليه كأشد ما كان. حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله (عزَّ
وجلَّ) أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم:
إرجعوا فستحفرونه غداً إن شاء الله ويستثني فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه
فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون المياه، ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون
بسهامهم إلى السماء فترجع وعليها كهيئة الدم فيقولون: قهرنا أهل
الأرض وعلونا أهل السماء، فيبعث الله عليهم نغفاً في أقفائهم فيقتلهم بها. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): والذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن شَكَراً من لحومهم ودمائهم). والنغف: بفتح الغين، دودٌ يظهر في أنوف الجمال. وشَكِرَت الدابة: بكسر الكاف، شَكَراً بفتحها: سمنت وكثر لبنها. ونحوه ابن ماجة: ٢/١٣٦٤، والترمذي: ٥/٣١٣، وحسنه، وتفسير الطبري: ١٧/٧١، عن كعب! وفيه: حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم فإذا كان الليل قالوا نجيء غداً فنخرج فيعيدها الله كما كانت، فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله كما كان، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم أن يقول نجيء غداً فنخرج إن شاء الله، فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه فيحفرون ثم يخرجون، فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها، ثم تمر الزمرة الثانية فيلحسون طينها ثم تمر الزمرة الثالثة فيقولون قد كان ههنا مرة ماء، وتفر الناس منهم فلا يقوم لهم شيء. فيدعو عليهم عيسى بن مريم فيقول اللهم لا طاقة ولا يدين لنا بهم فاكفناهم بما شئت، فيسلط الله عليهم دوداً يقال له النغف فتفرس رقابهم، ويبعث الله عليهم طيراً فتأخذهم بمناقرها فتلقيهم في البحر، ويبعث الله عيناً يقال لها الحياة تطهر الأرض منهم وتنبتها حتى أن الرمانة ليشبع منها السكن! قيل وما السكن يا كعب: قال أهل البيت! قال: فبينا الناس كذلك إذ أتاهم الصريخ أن ذا السويقتين يريده، فيبعث عيسى طليعة سبعمائة أو بين السبعمائة والثمانمائة حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله ريحاً يمانية طيبة فيقبض الله فيها روح كل مؤمن، ثم يبقى عجاج من الناس يتسافدون كما يتسافد البهائم، فمثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينتظرها حتى تضع، فمن تكلف بعد قولي هذا شيئاً أو على هذا شيئاً فهو المتكلف). ونحوه الحاكم: ٤/٤٨٨، وصححه على شرط الشيخين والدر المنثور: ٤/٢٥٠، قال: وأخرج أحمد، والترمذي، وحسنه، وابن ماجة، وابن حبان، والحاكم، وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة: وقال في/٢٥٢: وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن كعب). وعلى هذا فقس عشرات الروايات وربما مئاتها. ومنها في سنن
الداني/١٠٤، عن حذيفة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، في حديث طويل: فعند ذلك
خروج يأجوج ومأجوج، قال فيوحي الله (عزَّ وجلَّ) إلى عيسى: أحرز عبادي بالطور طور
سينين، قال حذيفة: قلت يا رسول الله، وما يأجوج ومأجوج؟ قال يأجوج أمة، ومأجوج أمة،
كل أمة أربعمائة ألف أمة، لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف عين تطرف بين يديه
من صلبه. قال قلت: يا رسول الله صف لنا يأجوج ومأجوج، قال: هم ثلاثة أصناف صنف منهم
أمثال الأرز الطوال، وصنف آخر منهم عرضه وطوله سواء عشرون ومائة ذراع في مائة
وعشرين ذراعاً وهم الذين لا يقوم لهم الحديد. وصنف يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى.
قال حذيفة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يكون جمع منهم بالشام وساقتهم
بخراسان يشربون أنهار المشرق حتى تيبس، فيحلون بيت المقدس وعيسى والمسلمون بالطور،
فيبعث عيسى طليعة يشرفون على بيت المقدس فيرجعون إليه فيخبرونه أنه ليس ترى الأرض
من كثرتهم. قال: ثم إن عيسى يرفع يديه إلى السماء فيرفع المؤمنون معه، فيدعو الله (عزَّ
وجلَّ) ويؤمن المؤمنون، فيبعث تعالى عليهم دوداً يقال له النغف، فيدخل في مناخرهم
حتى يدخل في الدماغ، فيصبحون أمواتاً قال: فيبعث الله (عزَّ وجلَّ) عليهم مطراً
وابلاً أربعين صباحاً فيغرقهم في البحر ويرجع عيسى إلى بيت المقدس والمؤمنون معه).
والفردوس: ٥/٤٤١، وتهذيب ابن عساكر: ١/١٩٦، ومجمع الزوائد: ٨/٦، عن الطبراني في
الأوسط. والدر المنثور: ٤/١٥٥، عن ابن مردويه، وفي/٢٥٠، عن ابن حماد، وابن مردويه
وقال: وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه وابن عدي، وابن عساكر وابن النجار، عن حذيفة
قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن يأجوج ومأجوج فقال... الخ.
والنتيجة: أن يأجوج ومأجوج بنص القرآن من علامات الساعة، ولا علاقة لهما بعلامات
الإمام المهدي (عليه السلام) ولا بنزول المسيح (عليه السلام)، وقد تكون الفاصلة
بينها مئات السنين أو ألوفها! أما دابة الأرض فهي آية لليهود وأمثالهم من المكذبين
تكون في فترة رجعة النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين إلى الدنيا، والذي
يكون صاحبها.
* * *
الفصل الثالث: الطائفة الثابتة حتى يظهر إمامها المهدي (عليه السلام)
الغرباء والطائفة الثابتة حتى يظهر إمامها المهدي (عليه السلام)
روت مصادر السنيين أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر أن الإسلام بدأ غريباً
وسيعود غريباً، وأنه سيبقى من أمته عصابة أو طائفة ثابتة على الحق لا يضرهم تكذيب
من كذَّبهم حتى تقوم الساعة، وفي بعضها حتى يخرج الدجال، وفي بعضها حتى يأتي أمر
الله، وحتى ينزل عيسى بن مريم، وحتى يظهر الإمام المهدي (عليه السلام).
وقد اهتم معاوية بهذه الأحاديث وطبقها على أهل الشام، وأضاف لها الرواة صفاتٍ
لهؤلاء الغرباء أهل الحق لتنطبق على أهل الشام! ثم وضعوا أحاديث تصرح بأن هذه
الطائفة هم أهل الشام وإمامهم معاوية!
وفي عصرنا، حاول الإخوان المسلمون أن يطبقوا أحاديث الغرباء على حركتهم، لأنهم أمة
وطائفة من الأمة ثابتة على الحق تدعو إلى الإسلام.
كما حاول الفلسطينيون تطبيقها عليهم، لأن بعضها ذكر أن الفئة الظاهرة تكون في بيت
المقدس وأكنافه، وبعضها ذكر أنهم يقاتلون على الحق، فهي تنطبق على
المقاومين لإسرائيل.
كما حاول الوهابيون أن يطبقوها عليهم لأنها تصف الثابتين من الأمة بأنهم طائفة أو
عصابة أي فئة قليلة وهم فئة قليلة فتنطبق عليهم، وفي السنوات الأخيرة ركزوا على
تعبئة جماعتهم الطالبان بهذه الأحاديث، وكتبوا مقالات وكتباً في أنهم هم الطائفة
المنصورة التي وصفها النبي (صلى الله عليه وآله)!
أما مصادرنا، فروت أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يترك حديثه مهملاً، بل سمى
هؤلاء القلة الغرباء المضطهدين الثابتين على الحق، الظاهرين بالحجة، وأنهم الأئمة
من عترته (عليهم السلام) وشيعتهم، فهم الذين أوصى بهم أمته فقال: (وإني تارك فيكم
الثقلين كتاب الله (عزَّ وجلَّ) وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض
وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض
فانظروني بم تخلفوني فيهما). (مسند أحمد: ٣/١٧). وهم الذين بَشَّر بإمامتهم
الربانية، وأخبر بأن الأمة سوف تضطهدهم وتكذبهم وتقتلهم، وأنهم لا يضرهم تكذيب من
كذبهم وعداء من عاداهم حتى يظهر خاتمهم المهدي الموعود (عليه السلام) فيملأ الأرض
قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. ففي الطبراني الكبير: ٢/٢١٣، عن جابر بن سمرة
عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيِّماً لا يضرهم من
خذلهم). وفي: ٢/٢٦٥: (عن جابر بن سمرة: قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وهو يخطب على المنبر ويقول: اثنا عشر قيماً من قريش لا يضرهم عداوة من عاداهم).
وقال عنه في الزوائد: ٥/١٩١: رواه البزار عن جابر بن سمرة وحده، وزاد فيه: ثم رجع
يعني النبي (صلى الله عليه وآله) إلى بيته فأتيته فقلت: ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يكون
الهرج. ورجاله ثقات). انتهى.
لذلك نعتقد أن رواة أتباع الخلافة القرشية حذفوا صفات هؤلاء الثابيتين الغرباء،
وجردوها من القرائن التي تدل عليهم. واليك مجموعة أحاديثهم:
من أحاديثهم في الطائفة الظاهرة أو المنصورة
نورد أولاً الأحاديث التي وصفت هذه الطائفة أو العصابة بأنها ظاهرة، ولم تعين هذا
الظهور هل هو بالحجة أو بالقتال، لذا يصح تفسيره بالظهور المعنوي بالحجة حتى لو
كانوا مغلوبين عسكرياً ومحكومين لمن تسلط عليهم. ففي الطيالسي/٩، عن سليمان بن
الربيع العدوي قال: لقينا عمر فقلنا له: إن عبد الله بن عمرو حدثنا بكذا وكذا، فقال
عمر: عبد الله بن عمرو أعلم بما يقول قالها ثلاثاً! ثم نودي بالصلاة جامعة فاجتمع
إليه الناس فخطبهم عمر فقال: سمعت رسول الله يقول: لا تزال طائفة من أمتي على الحق
حتى يأتي أمر الله (عزَّ وجلَّ). وسعيد بن منصور: ٢/١٤٤، عن ثوبان، وفيه: ظاهرين
على الحق لا يضرهم من خذلهم. وأحمد: ٢/٣٢١، عن أبي هريرة، وفيه: عصابة على الحق ولا
يضرهم خلاف من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله. وفي صحيح بخاري: ٤/٢٥٢، عن مغيرة بن
شعبة، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لا يزال ناسٌ من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم
أمر الله وهم ظاهرون. ونحوه مسلم: ٣/١٥٢٣، عن المغيرة، والجواهر الحسان: ٢/٢٧٩، عن
ابن مسعود وفيه: لا تزال طائفة من أمتي... حتى يأتي أمر بالله وهم ظاهرون. والمسند
الجامع: ١٤/١٤، عن عمر، وفيه: لا يزال ناس من أمتي ظاهرين. وابن حبان: ٨/٢٩٤، عن
أبي هريرة: لا يزال على هذا الأمر عصابة على الحق، لا يضرهم خلاف من خالفهم. وفي
مسلم: ٣/١٥٢٤، عن ابن عمرو: لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين
لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك. فقال عبد الله: أجل، ثم
يبعث الله ريحاً كريح المسك مسها مس الحرير فلا تترك نفساً في قلبه مثقال حبة من
الإيمان إلا قبضته ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة).
لاحظ أن ابن عمرو لم يذكر القتال، وفسر أمر الله بالساعة، على مذهب أستاذه كعب بأن
قيام الساعة بعد فتح القسطنطينية بسنوات قليلة!
وفي جمع الفوائد: ٣/١٥٧، عن ثوبان رفعه: (زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها...
ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل
من أمتي الأوثان! وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كل يزعم أنه نبي وأنا خاتم
النبيين لا نبي بعدي. ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم
حتى يأتي أمر الله). ونحوه في تذكرة القرطبي: ٢/٦٣٨.
فهذان الحديثان وغيرهما جعلت وجود هؤلاء الثابتين إلى أن (يأتي أمر الله) وهو ظهور
المهدي (عليه السلام) وليس إلى أن تقوم الساعة، ولم تصفهم بأنهم مقاتلون.
* * *
ونورد
ثانياً، الأحاديث التي وصفتهم بأنهم يقاتلون وينتصرون.
ابن منصور: ٢/١٤٥، عن ابن كعب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تبرح
عصابة من أمتي ظاهرين على الحق لا يبالون من خالفهم حتى يخرج المسيح الدجال
فيقاتلونه).
وفي أحمد: ٤/٤٣٤، عن مطرف قال: قال لي عمران: واعلم أنه لن تزال طائفة من أهل
الإسلام يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناواهم حتى يقاتلوا الدجال).
وفي طبقات ابن سعد: ٢/١٦٧: عصابة من أمتي يجاهدون على الحق حتى يخرج الدجال. وفي
تهذيب ابن عساكر: ١/٦٥: وفي لفظ: إذا هلك أهل الشام فلا خير في أمتي، ولا تزال
طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتلوا الدجال... الخ..
وفي أحمد: ٣/٣٤٥، عن جابر عن النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: لا تزال طائفة من
أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم (عليه
السلام) فيقول أميرهم: تعال صل بنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمير ليكرم الله
هذه الأمة). ونحوه: ٣/٣٨٤، وفيه: تكرمة الله (عزَّ وجلَّ). ومسلم: ١/١٣٧، كأحمد،
وأبو يعلى: ٤/٥٩، وفيه: فيقول إمامهم: تقدم فيقول: أنتم أحق بعضكم أمراء بعض، أمر
أكرم الله به هذه الأمة. وجامع المسانيد والسنن: ٢٥/٢٦، بنحو أبي يعلى. وسنن
الداني/٤٣: لا تزال طائفة من أمتي تقاتل عن الحق حتى ينزل عيسى بن مريم عند طلوع
الفجر ببيت المقدس ينزل على المهدي فيقال له: تقدم يا نبي الله فصل لنا فيقول: إن
هذه الأمة أمير بعضهم على بعض لكرامتهم على الله (عزَّ وجلَّ)).
وفي الطيالسي/١٠٤، عن جابر بن سمرة: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا يزال هذا الدين قائماً، تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة).
* * *
ونورد
ثالثاً اهتمام معاوية بتطبيق أحاديثهم على نفسه وأهل الشام:
في أحمد: ٤/٩٧ و١٠١، عن عمير بن هاني قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان على هذا المنبر
يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من يرد الله به خيراً يفقهه في
الدين، ولن تزال من هذه الأمة أمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي
أمر الله وهم ظاهرون على الناس. وفي أخرى: فقام مالك بن يخامر السكسكي فقال: يا
أمير المؤمنين سمعت معاذ بن جبل يقول: وهم أهل الشام، فقال معاوية ورفع صوته: هذا
مالك يزعم أنه سمع معاذاً يقول وهم أهل الشام. والشاميين للطبراني: ١/٣١٥، وسعيد بن
منصور: ٢/٣٦٩، عن أبي عبد الله الشامي، قال: سمعت معاوية يخطب يقول: يا أهل الشام
حدثني الأنصاري قال قال شعبة يعني زيد بن أرقم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال.. وفيه: وإني لأرجو أن تكونوا هم يا أهل الشام. وصحيح بخاري: ٩/١٦٧ كرواية أحمد
الأولى. ومسلم: ٣/١٥٢٤، كرواية أحمد الثانية. وتاريخ بخاري: ٧/٣٢٧، وعلل الدارقطني:
٧/٦١، ومسند الشاميين لجماز: ١/١٠٩ و/١٣٥ و٩٦ و١٠١ و١٠٣ و١١٨ و١٢٩ و١٣١ و١٣٣ و١٤٤
و١٤٩ح٣١ و٤٩ و٦٣ و٧ و٦٩ و٨٣ و٩٢.
وكلها عن معاوية وفي عدد منها أنه كان يخطب بها على المنبر! وهدفه مدح نفسه وأهل
الشام في مقابل أهل العراق والحجاز الذين كانوا ضده، ولذلك ينبغي الشك في صيغته هذه
لأنها عن طريق معاوية ورواته!
أحاديث مكذوبة ومحرفة لمدح معاوية وأهل الشام
الطيالسي/١٤٥، حدثنا أبو داود قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا معاوية بن قرة، عن أبيه
قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال
طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة).
لكن نلاحظ أن سعيد بن منصور: ٢/١٤٥، وأحمد: ٣/٤٣٦، وابن ماجة: ١/٤ ٥،
وغيرهم، رووا هذا الحديث وكلهم عن قرة عن أبيه عن النبي (صلى الله عليه وآله) وليس
فيها الزيادة عن أهل الشام، وهذا يعني أنها زيادة لمصلحة بني أمية.
وفي مسند أحمد: ٤/٤٢٩، عن عمران بن حصين، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
لا تزال طائفة من أمتي على الحق، ظاهرين على من ناواهم حتى يأتي أمر الله تبارك
وتعالى وينزل عيسى بن مريم (عليه السلام)). ومثله في تاريخ بخاري: ٥/٤٥١، وتهذيب
ابن عساكر: ١/٥٦: قال أبو عمرو: فحدثت قتادة بهذا الحديث فقال: لا أعلم أولئك إلا
أهل الشام)! ثم صار تفسير قتادة حديثاً نبوياً! ففي حلية الأولياء: ٩/٣٠٧، عن أبي
هريرة: لا تزال طائفة من أمتي قائمة على أمر الله لا يضرها من خالفها تقاتل أعداءها،
كلما ذهبت حرب نشبت حرب قوم آخرين، يرفع الله أقواماً ويرزقهم منهم حتى تأتيهم
الساعة. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هم أهل الشام؟).
* * *
وفي
الشاميين للطبراني: ١/٥٦، عن الجرشي: كنت جالساً عند النبي (صلى الله عليه وآله)
وفيه: ولا يزال من أمتي ناس يقاتلون على الحق ويزيغ الله بهم قلوب أقوام ويرزقهم
منهم حتى تقوم الساعة وحتى يأتي وعد الله. والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم
القيامة، وعقر دار المؤمنين بالشام). ومعنى يرزقهم الله منهم: أنه ينصرهم على
الزائغين! وشبيه به مسند الشاميين لجماز: ١/١٩١، عن سلمة بن نفيل بروايتين. ونحوه
المعجم الكبير: ٧/٦١، وابن ماجة: ٢/١٣٦٩، عن أبي هريرة: إذا وقعت الملاحم بعث الله
بعثاً من الموالي هم أكرم العرب فرساً وأجوده سلاحاً، يؤيد الله بهم الدين. والحاكم:
٤/٥٤٨، عن أبي هريرة وفيه: خرج بعث من الموالي من دمشق. وصححه على شرط بخاري.. إلى
آخر القائمة.
فمن الواضح أنهم زادوا في الحديث ذكر الشام على لسان النبي (صلى الله عليه وآله)!
وستأتيك قصة أحاديث أبدال الشام، في أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام).
ومثلها في مدح سكان بيت المقدس وحوله
في أحمد: ٥/٢٦٩، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تزال
طائفة من أمتي
على
الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم
أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت
المقدس). ونحوه في تهذيب الآثار مسند عمر: ٢/٨٢٣.
أبو يعلى: ١١/٣٠٢، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لا تزال عصابة
من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم
خذلان من خذلهم، ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة).
ومثلها في مدح أهل الطالقان!
في تهذيب ابن عساكر: ١/٥٥، عن تاريخ داريا وقال: وفي لفظ آخر: لا تزال طائفة من
أمتي يقاتلون على أبواب بيت المقدس وما حولها وعلى أبواب أنطاكية وما حولها، وعلى
باب دمشق وما حولها، وعلى أبواب الطالقان وما حولها، ظاهرين على الحق، لا يبالون
بمن خذلهم ولا من نصرهم، حتى يخرج الله كنزه من الطالقان فيحيي به دينه كما أميتَ
من قبل). ونحوه عقد الدرر/١٢٢، قال: وفي رواية: على أبواب الطالقان حتى يخرج الله
كنزه من الطالقان. وفي/٢٨٣: على أبواب بيت المقدس، وأبواب أنطاكية وما حولها.
وفي مشارق الأشواق: ١/٤٠٧، لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أبواب بيت المقدس وما
حولها، وعلى أبواب أنطاكية وما حولها، وعلى أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب
الطالقان وما حولها، ظاهرين على الحق (لا يضرهم) من خذلهم ولا من نصرهم، حتى يخرج
الله كنزه من الطالقان فيحيي به دينه). انتهى.
أقول: جبال الطالقان قسم من سلسلة جبال آلبرز في إيران، وعندما تطلق في الأحاديث
يقصد بها منطقة إيران، فقد كانت معروفة باسم بلاد المشرق أو خراسان أو جبال
الطالقان، كما يأتي في أحاديث أهل المشرق. والإشكال على تطبيق الفئة الظاهرة على
أهل الشام يردُ في تطبيقها على أهل الطالقان، فلعل رواته الأمويين أو الفرس أرادوا
مدح مناطقهم وحكامها!
نعم
وردت أحاديث صحيحة في أنصار المهدي (عليه السلام) من أهل المشرق، ولا يرد عليها هذا
الإشكال كما سيأتي، وستعرف أن أحاديث مصادر السنيين في مدح الفرس أكثر منها في
مصادرنا، وهذا ليس عجيباً لأن الفرس هم الذين أسسوا لهم مذاهبهم، وكتبوا لهم
مصادرهم في الحديث والفقه والتفسير!
ومن مكذوبات اليهود في تفضيل بلاد الشام!
أطلق اليهود مقولات مفرطة، ووضعوا أحاديث مغالية في مدح الشام وفلسطين وتفضيلهما
على الحجاز والعراق، وتفضيل بيت المقدس على مكة، وصخرتها على الكعبة! وتضمنت
التعريض والتنقيص بالحجاز والعراق وأهلهما! وتبناها معاوية وبنو أمية وامتلأت بها
مصادر أتباع الخلافة والمذاهب، وتلقاها عوام المسلمين على أنها جزء من الدين، لأن
عدداً منها صار أحاديث صحيحة!
١ - أشاع كعب أن عاصمة هذا النبي (صلى الله عليه وآله) في الشام لا في المدينة أو
العراق! ففي سنن الدارمي: ١/٤: (عن أبي صالح قال كعب: نجده مكتوباً: محمد رسول الله،
لا فظٌّ ولا غليظٌ ولا صخَّابٌ بالأسواق، ولا يُجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر...
ومولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وملكه بالشام). انتهى. وقوله: (وملكه بالشام) زيادة
منه، لم تروها مصادر الشيعة، ونصت على زيادته بعض مصادر السنة قال في فتح الباري:
٨/٤٥٠: (زاد في رواية كعب: مولده بمكة ومهاجره طيبة وملكه بالشام). انتهى. فهي
زيادة يهودية لتكون الخلافة لأحبائهم بني أمية في الشام بعيداً عن الحجاز والعراق
لأن أهلهما لا يحبون اليهود كأهل الشام! لكن أكثر مصادرهم روت هذه الزيادة وصححتها
مع الأسف! كطبقات ابن سعد: ١/٣٦٠، وحلية الأولياء: ٥/٣٨٧، وتفسير البغوي: ٢/٢٠٥،
وخصائص السيوطي: ١/١٩، وفيض القدير: ٣/٧٦٨، ودلائل الأصبهاني: ٤/١٣٣٢، ونظم درر
السمطين/٥٤ وتفسير الرازي: ٣/٣٨، وتفسير ابن كثير: ٤/٣٨٣، والدر المنثور: ٣/١٣٢،
وتاريخ دمشق: ١/١٨٦، و: ٤٧/٣٩٠، وتاريخ المدينة: ٢/٦٣٤، والنهاية: ٢/٩٦، و: ٦/٦١،
وهداية الحيارى/٩٠، والسيرة الحلبية: ١/٣٥١،
وغيرها!!
كما عثر رواة الخلافة على يهودي آخر اسمه جريجرة أكد لهم قول كعب فرووه عنه حامدين
الله! (المستدرك: ٢/٦٢٢، وتاريخ دمشق: ١/١٨٤، وخصائص السيوطي: ١/٢٣).
وبذلك تعرف أن اليهود كانوا المخططين لنقل عاصمة الإسلام إلى الشام بدل الحجاز أو
العراق! ولذلك طلب معاوية من عثمان أن ينتقل إلى الشام ليكون ضيفاً عليه ويرتب له
الأمر بعده، كما رتبه أبو بكر لعمر! (راجع المجلد الثاني من جواهر التاريخ).
٢ - جاء كعب الأحبار من اليمن إلى المدينة وهو يهودي وكان عمر سمع به فخرج إلى
استقباله، واحترمه كاحترام الأنبياء، وجعله مستشار الخليفة الثقافي والمقدم في
مجلسه! وبقي كعب على يهوديته وسكن في حمص، وكان يتردد على المدينة ويمضي فيها مدة
طويلة، وبعد مدة أعلن إسلامه، فطلب منه عمر أن يسكن في المدينة فقال له: (ما يمنعك
أن تسكن المدينة وهي هجرة رسول الله وموضع قبره؟ قال: إني أجد في كتاب الله المنزل
أن الشام كنز الله في الأرض، وبها كنزه من عباده)! (تاريخ دمشق: ١/١٢٢).
٣ - روى ابن حماد: ١/٢٣٦: (عن كعب قال: رأس الأرض الشام وجناحاها. ولا مصر والعراق
والذنباء أي الحجاز! وعلى الذنباء يسلح الباز)!
أقول: هذا ذم يهودي خبيث لمصر والعراق والحجاز، والعجيب أن رواة الخلافة وعلماء
المذاهب ومنهم عراقيون وحجازيون، قبلوه ورووه، ولم يردوا عليه!
٤ - في الدر المنثور: ١/١٣٦: (عن كعب قال: لا تقوم الساعة حتى يزفُّ البيت الحرام
إلى بيت المقدس فينقادان إلى الجنة وفيهما أهلهما، والعرض والحساب ببيت المقدس)!
وفي الكافي: ٤/٢٣٩: (عن زرارة قال: كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفر(الإمام الباقر
(عليه السلام)) وهو مُحْتبٍ مستقبلَ الكعبة فقال: أمَا إن النظر إليها عبادة، فجاءه
رجل من بجيلة يقال له عاصم بن عمر فقال لأبي جعفر: إن كعب الأحبار كان
يقول:
إن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل غداة، فقال أبو جعفر: فما تقول فيما قال كعب؟
فقال: صدق، القولُ ما قال كعب! فقال أبو جعفر: كذبت وكذب كعب الأحبار معك! وغضب!
قال زرارة: ما رأيته استقبل أحداً بقول كذبت غيره ثم قال: ما خلق الله (عزَّ وجلَّ)
بقعة في الأرض أحب إليه منها ثم أومأ بيده نحو الكعبة ولا أكرم على الله (عزَّ وجلَّ)
منها، لها حرَّم الله الأشهر الحرم في كتابه يوم خلق السماوات والأرض، ثلاثة
متوالية للحج: شوال وذو القعدة وذو الحجة، وشهر مفرد للعمرة وهو رجب). انتهى.
٥ - في تاريخ دمشق: ١/١٥٢: (قال كعب: ما شرب ماء عذب قط إلا ما يخرج من تحت هذه
الصخرة! حتى أن العين التي بدارِين ليخرج ماؤها من تحت هذه الصخرة)! (وتفسير
القرطبي: ١١/٣٠٥، وأبي السعود: ٦/٥، والسيرة الحلبية: ٢/٨٢).
٦ - ألفوا كتباً شحنوها بأحاديث مدح الشام والقدس، وروى العجلوني في كشف الخفاء:
٢/٢، عدة نصوص وأحاديث في فضل الشام ولم يوثق أياً منها!
٧ - روى السيوطي في الدر المنثور: ٣/١١١، غرائب في فضل الشام عن كعب الأحبار
وتلاميذه من مصادر (حديثية) متعددة! وبعضها تحول بقدرة قادر إلى حديث نبوي! منها،
عن كعب:
- مكتوب في التوراة أن الشام كنز الله (عزَّ وجلَّ) من أرضه بها كنز الله من عباده.
- وعن كعب قال: أحب البلاد إلى الله الشام وأحب الشام إليه القدس وأحب القدس إليه
جبل نابلس، ليأتين على الناس زمان يتقاسمونه بالحبال بينهم!
- وعن كعب قال: إني لأجد في كتاب الله المنزل أن خراب الأرض قبل الشام بأربعين عاماً).
- وعن وهب بن منبه قال: إني لأجد تردد الشام في الكتب، حتى كأنه ليس لله حاجة إلا
بالشام.
- وعن
ابن عمر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): دخل إبليس العراق فقضى منها حاجته
ثم دخل الشام فطردوه حتى بلغ بيسان ثم دخل مصر فباض فيها وفرخ وبسط عبقريه. وعن وهب
بن منبه قال: رأس الأرض الشام.
- وعن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا،
قالوا: وفي نجدنا؟ وفي لفظ وفي مشرقنا قال هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن
الشيطان. زاد ابن عساكر في رواية: وبها تسعة أعشار الشر.
- وعن ابن عمر قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الخير عشرة أعشار، تسعة بالشام
وواحد في سائر البلدان. والشر عشرة أعشار واحد بالشام وتسعة في سائر البلدان! وإذا
فسد أهل الشام فلا خير فيكم!
- قال النبي (صلى الله عليه وآله): طوبى للشام! قيل له: ولمَ؟ قال إن ملائكة الرحمن
باسطة أجنحتها عليهم. (عن زيد بن ثابت، وقال صححه الحاكم)!
- قال رجل يا رسول الله خِرْ لي، فقال (صلى الله عليه وآله): عليك بالشام، فإنها
صفوة الله من بلاده فيها خيرة الله من عباده! فمن رغب عن ذلك فليلحق بنجدة، فإن
الله تكفل لي بالشام وأهله... ولفظ أحمد فإنه خيرة الله من أرضه... فإن أبيتم
فعليكم بيمنكم! عن واثلة بن الأسقع... فمن أبى فليلحق بيمنه ويسق من غدره! وأخرج
أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم عن عبد الله بن حوالة الأزدي عن رسول الله (صلى
الله عليه وآله): فمن أبى فليلحق بيمنه وليسق من غدره! انتهى.
ولا يمكن قبول هذه الأحاديث ومنها ذم نجد وإن رواها بخاري، لأن رواة الخلافة
الأموية متهمون، بعكس أهل البيت الصادقين الطاهرين غير المتهمين (عليهم السلام).
قال الشيخ محمود أبو رية، وهو من علماء الأزهر في كتابه: أضواء على السنة
المحمدية/١٧٦، بعد أن نقل طعن عدد من العلماء السنيين بكعب الأحبار ووهب بن منبه
وأمثالهما من أحبار اليهود: (إن الأئمة المحققين قد طعنوا في رواية هذين الكاهنين،
ولا يزال يوجد بيننا وا أسفاه من يثق بهما ويصدق ما يرويانه، ولا يقبل
أي كلام فيهما. ولكي نستوفي القول في بيان مدى الكيد اليهودي للإسلام والمسلمين وإن كان ذلك يعد استطراداً ينحرف بنا عما نحن بسبيله، نكشف لك عن جانب آخر من عمل دهاة اليهود، ذلك هو الجانب السياسي، فلقد كان كيدهم في محاربة الإسلام يتجه إلى ضربه من ناحيتين: ناحية دينية، وأخرى سياسية... الخ.).
* * *
أحاديث الغرباء وغربة الإسلام في مصادر الطرفين
ابن حماد: ١/٧٨، عن عبد الله بن عمرو العاص قال: أحب شيء إلى الله تعالى الغرباء
قيل أي شيء الغرباء؟ قال: الذين يفرون بدينهم، يُجمعون إلى عيسى بن مريم (عليه
السلام). وتاريخ بخاري: ٤/١٣٠، وفيه: فرَّارون بدينهم يجتمعون إلى عيسى بن مريم يوم
القيامة. وحلية الأولياء: ١/٢٥، وفيه: الفرارون بدينهم يبعثهم الله يوم القيامة مع
عيسى بن مريم (صلى الله عليه وآله). وأحمد: ١/١٨٤، عن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول: إن الإيمان بدأ غريباً وسيعود كما بدأ
فطوبى للغرباء إذا فسد الناس. والذي نفس أبي القاسم بيده ليأزرنَّ الإيمان بين هذين
المسجدين كما تأرز الحية في جحرها). طوبى: شجرة مميزة جداً في الجنة، وتطلق على
الجنة، يأرز: يجتمع وينضم بعضه إلى بعض. هذين المسجدين: تعبير عن مكة والمدينة.
وأحمد: ١/٣٩٨، عن ابن مسعود قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وفيه: قيل: ومن
الغرباء؟ قال: النزاع من القبائل. وفي: ٢/١٧٧، عن ابن عمرو العاص، وفيه: قال: أناس
صالحون في أناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم.
وفي أحمد: ٤/٧٣، عن عبد الرحمن بن سنة وفيه: قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس،
والذي نفسي بيده، لينحازن الإيمان إلى المدينة كما يجوز السيل. والذي نفسي بيده
ليأرزن الإسلام إلى ما بين المسجدين كما تأزر الحية إلى حجرها.
ومسلم: ١/١٣٠، كرواية أحمد الخامسة عن أبي هريرة. وابن ماجة: ٢/١٣١٩، كرواية مسلم
الأولى، والبزار: ١/٣١٤، والترمذي: ٥/١٨، كرواية أحمد الثانية إلى قوله للغرباء،
وبآخر فيه: إن الدين ليأرز إلى الحجاز، كما تأرز الحية إلى جحرها، وليعقلن الدين من
الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل، إن الدين بدأ غريباً ويرجع غريباً، فطوبى
للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي. وقال: هذا حديث حسن صحيح.
ومشكل الآثار: ١/٢٩٧، كرواية أحمد الثانية، عن عبد الله. وبنحوه المعجم الأوسط:
٢/٥٥١ عن أنس. وفي: ٥/٤٧٨، عن جابر، وفي: ٦/٣٧٧، عن ابن عباس قال: قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء، وان بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم يمسي الرجل فيها مؤمناً، ويصبح كافراً، ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً يبيع أقوام دينهم بعرض الدنيا. والمسند الجامع: ١٢/٣١٧، عن عبد الرحمن بن سنة، وفي: ٦/١٥٥، عن ابن لسعد بن أبي وقاص بنحوه. وفي: ١٤/١٩٢، عن عمرو بن عوف.. الخ.
* * *
وقد
روت مصادرنا أحاديث حول غربة الإسلام كما في الجعفريات/١٩٢، عن علي (عليه السلام)
قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً
فطوبى للغرباء، فقيل ومن هم يا رسول الله؟ قال الذين يصلحون إذا فسد الناس، إنه لا
وحشة ولا غربة على مؤمن، وما من مؤمن يموت في غربة إلا بكت الملائكة رحمة له حيث
قلت بواكيه، وإلا فسح له في قبره بنور يتلألأ من حيث دفن إلى مسقط رأسه).
وفي كمال الدين: ١/٢٠٠، أوله عن علي (عليه السلام) بثلاث روايات، وقال: فقد عاد
الإسلام كما قال (عليه السلام) غريباً في هذا الزمان كما بدأ، وسيقوى بظهور ولي
الله وحجته كما قوي بظهور نبي الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، وتقر بذلك أعين
المنتظرين له والقائلين بإمامته كما قرت أعين المنتظرين لرسول الله (صلى الله عليه
وآله) والعارفين به بعد ظهوره. وإن الله (عزَّ وجلَّ) لينجز لأوليائه ما وعدهم
ويُعلي كلمته ويتم نوره ولو كره المشركون.
وفي شرح الأخبار: ٣/٣٧١، أن أبا بصير طلب من الإمام الصادق (عليه السلام) أن يشرح
له هذا الحديث: (قال أبو بصير: فقلت له اشرح لي هذا جعلت فداك يا بن رسول الله. قال
(عليه السلام): يستأنف الداعي منا دعاءً جديداً كما دعا رسول الله، وكذلك المهدي
يستأنف دعاء جديداً إلى الله لمَّا غُيِّرت السنن وكثرت البدع وتغلب أئمة الضلال،
واندرس ذكر أئمة الهدى الذين افترض الله طاعتهم على العباد وأقامهم للدعاء إليه
والدلالة بآياته عليه، ونُسي ذكرهم وانقطع خبرهم لغلبة أئمة الجور عليهم. فلما أنجز
الله بالدعاء للأئمة ما وعدهم به من ظهور مهديهم احتاج أن يدعوهم دعاء جديداً كما
ابتدأهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالدعاء أولاً).
وفي الإرشاد/٣٦٤، محمد بن عجلان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام
القائم (عليه السلام)
دعا
الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دثر فضل عنه الجمهور، وإنما سمي
القائم مهدياً لأنه يهدى إلى أمر مضلول عنه، وسمي بالقائم لقيامه بالحق). ومثله
إعلام الورى/٤٣١، وعنه روضة الواعظين: ٢/٢٦٤، وكشف الغمة: ٣/٢٥٤ وإثبات الهداة:
٣/٥٢٧ و٥٥٥.
وفي النعماني/٢٣٠، عن ابن عطاء المكي، عن شيخ من الفقهاء يعني أبا عبد الله (عليه
السلام) قال: سألته عن سيرة المهدي كيف سيرته؟ فقال: يصنع كما صنع رسول الله (صلى
الله عليه وآله) يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر
الجاهلية ويستأنف الإسلام جديداً). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٣٩، والبحار: ٥٢/٣٥٢.
وفي الكافي: ١/٥٣٦، عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه سئل عن
القائم فقال: كلنا قائم بأمر الله واحد بعد واحد، حتى يجيء صاحب السيف، فإذا جاء
صاحب السيف جاء بأمر غير الذي كان).
ومثله غيبة الطوسي/٢٨٢، ونحوه الإرشاد/٣٦٤، وعنه كشف الغمة: ٣/٢٥٥. وإثبات الهداة:
٣/٤٤٨ و٥١٦ و٥٥٥، عن الكافي وغيبة الطوسي والإرشاد، والبحار: ٥٢/٣٣٢ و٣٣٨، عن غيبة
الطوسي والإرشاد.
أقول: المقصود بغربة الإسلام غربته عن التطبيق، وقد صرح بذلك الصدوق (رحمه الله)
وربطه بظهور المهدي (عليه السلام) وقد حاولت مصادرهم توظيف الحديث للصراع بين أهل
الحجاز وأهل الشام كما وظفوا حديث الفئة الظاهرة لمصلحة أهل الشام وبني أمية! ومعنى:
يأرز الإيمان أو العلم إلى المدينة ومكة: أن وعي الدين ينحسر من الأمة، وتكون
المدينة ومكة مركزاً لتجديد الإسلام وانطلاقته في آخر الزمان على يد الإمام المهدي
(عليه السلام)، كما كانتا مركزاً لانطلاقته على يد جده خاتم النبيين (صلى الله عليه
وآله).
* * *
مجددو الإسلام
روت المصادر السنية نصاً عن أبي هريرة ظن الراوي أنه رفعه إلى
النبي (صلى الله عليه وآله) قال أبو داود: ٤/١٠٩: (عن أبي هريرة، فيما أعلم عن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة
من يجدد لها دينها. والبيهقي في المعرفة: ١/١٣٧، والخطيب البغدادي: ٢/٦١، والجامع
الصغير: ١/٢٨٢، والمسند الجامع: ١٧/٨٤٣، صحيح بخاري بشرح الكرماني: ١/٧٢. وفي
مستدرك الحاكم: ٤/٥٢٢، أن رجلاً قرأ هذا النص في مجلس القاضي أبي العباس بن شريح
وقال له: فأبشر أيها القاضي فإن الله بعث على رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وبعث
على رأس المأتين محمد بن إدريس الشافعي، وأنت على رأس الثلاث مائة). انتهى.
أقول: الإمام المهدي (عليه السلام) هو المجدد القطعي للإسلام، والقدر المتيقن من
المجددين هم الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، ولم نجد مصدراً لما نقله في إحقاق
الحق عن ابن حنبل من تخصيص المجدد بالعترة الطاهرة (عليهم السلام). ولو صح هذا
الحديث وكان يشمل غير العترة (عليهم السلام)، فلا يمكن معرفة هؤلاء المجددين حيث
كثر ادعاء بعض الحكام والعلماء أنهم هم المجددون، والإدعاء لهم!
والذي أرجحه أن أصل الحديث عن دور العترة في حفظ الإسلام ونفي زيف المحرفين له،
فزادوا فيه، وصادروه لمن يتولونهم!
كما أنه على فرض صحته يرد السؤال: هل تحسب المئة سنة من بعثة النبي أو هجرته أو
وفاته (صلى الله عليه وآله)؟ وهل المقصود برأس المئة السنة الأولى منها، أم المعنى
العرفي الذي يشمل الربع الأول منها؟ وقد اعتبر المودودي أن المهدي (عليه السلام)
المجدد العالمي العام للإسلام، في عداد المجددين على رأس كل مئة سنة، لكن الصحيح أن
له حسابه الخاص بمقياس حياة الأمة والحياة البشرية عامة.
وقد نصت أحاديثنا على أن الإمام المهدي (عليه السلام) هو الذي يجدد الإسلام ويخرجه
من غربته. ففي عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ٢/٢٠٠، عن الحسن بن الجهم قال: حضرت
مجلس المأمون يوماً وعنده علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وقد اجتمع الفقهاء وأهل
الكلام من الفرق المختلفة... فقال المأمون: يا أبا الحسن فما تقول في الرجعة، فقال
الرضا (عليه السلام): إنها لَحَقٌّ قد كانت في الأمم السالفة، ونطق بها القرآن، وقد
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يكون في هذه الأمة كل ما كان في الأمم السالفة
حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة. قال (صلى الله عليه وآله): إذا خرج المهدي من ولدي
نزل عيسى بن مريم (عليه السلام) فصلى خلفه. وقال (صلى الله عليه وآله): إن الإسلام
بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء، قيل: يا رسول الله ثم يكون ماذا؟ قال: ثم
يرجع الحق إلى أهله). وعنه الإيقاظ/١٠٧، وحلية الأبرار: ٢/٣٠١، و: البحار: ٢٥/١٣٥،
والبرهان: ٢/٣٥٠.
وفي تفسير فرات/٤٤، عن خيثمة الجعفي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال في تفسير
قوله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا
يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي
إِيمَانِهَا خَيْراً)، يعني صفوتنا ونصرتنا. قلت إنما قدر الله عنه باللسان
واليدين والقلب، قال: يا خثيمة ألم تكن نصرتنا باللسان كنصرتنا بالسيف، ونصرتنا
باليدين أفضل والقيام فيها. يا خثيمة إن القرآن نزل أثلاثاً، فثلث فينا وثلث في
عدونا وثلث فرائض وأحكام. ولو أن آية نزلت في قوم ثم ماتوا أولئك ماتت الآية إذا ما
بقي من القرآن شيء. إن القرآن عربي من أوله إلى آخره وآخره إلى أوله ما قامت
السماوات والأرض فلكل قوم آية يتلونها.
يا خيثمة إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء، وهذا في أيدي الناس
فكل على هذا. يا خثيمة سيأتي على الناس زمان لا يعرفون الله وما هو التوحيد حتى
يكون خروج الدجال وحتى ينزل عيسى بن مريم من السماء، ويقتل الله الدجال على يده،
ويصلي بهم رجل منا أهل البيت. ألا ترى أن عيسى يصلي خلفنا وهو نبي إلا ونحن أفضل
منه). وعنه البحار: ٢٤/٣٢٨.
وفي غيبة النعماني/٣٢٠، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: إن قائمنا إذا قام،
دعا الناس إلى أمر جديد، كما دعا إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإن الإسلام
بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء). وعنه البحار: ٥٢/٣٦٦.
وروى النعماني/٢٣٢، عن الإمام الباقر (عليه السلام) أيضاً أن عبد الله بن عطاء سأله:
إذا قام القائم بأي سيرة يسير في الناس؟ فقال: يهدم ما قبله كما صنع رسول الله (صلى
الله عليه وآله) ويستأنف الإسلام جديداً) وعنه حلية الأبرار: ٢/٦٢٩، والبحار:
٥٢/٣٥٤.
وروى/٣٢٢، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أن أبا بصير سأله: أخبرني عن قول أمير
المؤمنين (عليه السلام): إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء، فقال:
يا أبا محمد، إذا قام القائم (عليه السلام) استأنف دعاء جديداً كما دعا رسول الله (صلى
الله عليه وآله)). والبحار: ٥٢/٣٦٧.
* * *
من هم الغرباء والطائفة المنصورة؟
ينبغي الالتفات أولاً، إلى أن سبب كثرة طرق الحديث ورواته عندهم، أن عمر بن الخطاب
ومعاوية دخلا في رواته، وطبقه معاوية عليه وعلى أهل الشام!
وثانياً، إن محاولة معاوية استغلال الحديث تضعف صيغه التي رووها ولا تضعف أصله الذي
رويناه عن أهل البيت (عليهم السلام). ومحاولة معاوية تشبه محاولة العباسيين تطبيق
أحاديث الرايات السود على حركتهم، ومحاولة تطبيق صفات المهدي (عليه السلام) على
المهدي التيمي والحسني والعباسي والفاطمي المزعومين، فإن بطلان محاولاتهم لا يؤثر
في قيمة أصل أحاديث المهدي (عليه السلام).
ولا يمكن الأخذ بتطبيقات معاوية للحديث على أهل الشام، ولا بتطبيق العباسيين له على
أهل خراسان، ولا بتطبيق المتوكل له على حزب أهل الحديث الذي أسسه وعرف باسم مجسمة
الحنابلة، ولا على تطبيق ورثته الحزب الوهابي الذي أسسه محمد بن عبد الوهاب، ولا
بتطبيق حركة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا أو حركة مقاومة إسرائيل وجهاد
اليهود التي يشترك فيها المسلمون الفلسطينيون وغيرهم.. وسبب ذلك أن الحديث نص على
أن هؤلاء الغرباء جماعة يكونون في
كل جيل حتى يظهر المهدي وينزل المسيح (عليهما السلام)، وأنهم أقلية ولهم معارضون
ومكذبون وأعداء. فهذه الصفة والأحاديث المفسرة للحديث النبوي لا تدع مجالاً للشك
بأن مقصوده (صلى الله عليه وآله) الأئمة من عترته وأتباعهم، الذين سيكون خاتمهم
الإمام المهدي (عليه السلام)، وقد اتضح ذلك مما تقدم من أحاديث، ولبحثه مجال آخر.
حديث بعثت بين جاهليتين
أمالي الشجري: ٢/٢٧٧، بسنده عن حصين بن مخارق، عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن
علي (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بعثت بين جاهليتين
لأخراهما شر من أولاهما). انتهى.
أقول: لم أجد لهذا الحديث المهم مصادر أخرى، وهو يدل على أن الجاهلية الثانية التي
تكون بعد النبي (صلى الله عليه وآله) أسوأ من الجاهلية الأولى التي كانت قبله.
ومهما فسرناها فإن الجاهلية الغربية الحاضرة جزء منها، إن لم تكن كلها.
ويؤيد ذلك قوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا
تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ
الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً). (الأحزاب:
٣٣) فالآية تشير إلى جاهلية ثانية يكون من صفاتها أن المرأة تتبرج فيها كما كانت في
الجاهلية الأولى. وفي الآية بحوث يتصل بموضوعنا منها الإشارة إلى أن ظهور الإمام
المهدي (عليه السلام) يكون بعد الجاهلية الثانية التي هي أكثر شراً وضرراً على
البشرية من الأولى.
* * *
الفصل الرابع: الفتن الموعودة في هذه الأمة
١ - تحذير النبي (صلى الله عليه وآله) لأمته من الفتن بعده مباشرة!
عرض النبي (صلى الله عليه وآله) وهو على فراش المرض على أمته كنزاً لم يعرضه نبي
على أمته أبداً! أن تطيعه فيكتب لها عهداً وبرنامجاً، ويضمن لها أن تكون على الهدى
ولا تضل أبداً، وتكون سيدة الأمم إلى يوم القيامة! فواجهه عمر بن الخطاب ورفض ذلك،
وأيده طلقاء قريش وكانوا كثروا في المدينة وصاحوا القول ما قاله عمر! لا تقربوا له
دواة وقرطاساً، حسبنا كتاب الله، أي نرفض سنته ولا نريد أن يكتب لنا عهداً! وقد
دافع أتباع الخلافة عن موقف عمر ضد النبي (صلى الله عليه وآله) وما زالوا إلى
اليوم! وقد رواه بخاري في ست مواضع من كتابه!
ومع أن الأمة رفضت أن تدخل في التأمين الإلهي لمستقبلها، ووضعت نفسها عن علم وعمد
وسبق إصرار في وسط رياح الضلال والفتن. فقد حرص النبي الرؤوف بأمته (صلى الله عليه
وآله) على تحذيرها من الصراع وسفك الدماء على السلطة! كالحديث الذي رواه الطبراني
في الكبير: ٢٢/٦٩، ومسند الشاميين: ٣/١٢٤، عن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله
(صلى الله عليه وآله) يقول: إنكم تزعمون أني آخركم موتاً! وإني أولكم ذهاباً، ثم
تأتون من بعدي أفناداً! يقتل بعضكم بعضاً). وتاريخ دمشق: ٥٩/٤٦ وفي الزوائد: ٧/٣٠٦:
ورجاله وثقوا وفي بعضهم خلاف. ومسند الشاميين: ١/٥٦، عن النبي (صلى الله عليه وآله)
قال: يوحى إليَّ أني مقبوض غير ملبث، وإنكم متبعيَّ أفناداً يضرب بعضكم رقاب بعض).
أي تأتون اليَّ يوم القيامة فئات مختلفين لأنكم قاتل ومقتول! ومعناه أن قضاء الله
قد وقع على هذه الأمة!
ويدل قوله (عليه السلام): تزعمون أني آخركم موتاً! على أنه كان من خطط الحزب القرشي
إشاعة أن النبي (صلى الله عليه وآله) آخر أصحابه موتاً! لمنع أي تفكير بتفعيل بيعة
الغدير والدعوة إلى بيعة علي (عليه السلام) في حياته (صلى الله عليه وآله)! وهذا هو
السبب في إصرار عمر بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) على أنه (صلى الله عليه
وآله) لم يمت، حتى جاءه أبو بكر!
* * *
وقد
روى الجميع إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) عن الفتن بعده وتحذيره منها، كالذي
رواه ابن حماد: ١/٣٠و٤٨: عن أبي موسى: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن بين
يدي الساعة لهرجاً قلت وما الهرج؟ قال القتل. قلنا أكثر ممن يقتل اليوم؟ قال
والمسلمون في فروجهم يومئذ، قال: ليس بقتلكم الكفار ولكن يقتل بعضكم بعضاً حتى يقتل
الرجل جده وأباه وأخاه وابن عمه وجاره. قال: فأبلس القوم حتى ما يبدي رجل منا عن
واضحة). وفي رواية أحمد: ٤/٣٩١ و٤٠٦: (قالوا: سبحان الله ومعنا عقولنا؟ قال: لا،
ألا إنه ينزع عقول أهل ذاك الزمان، ويخلف له هباء من الناس يحسب أكثرهم أنهم على
شيء وليسوا على شيء). وأحمد: ٤/٤١٤، وأبو يعلى: ١٣/٢٠٣ و٢١٢، و٢٣٧، وابن حبان:
١٥/١٠٤ وابن أبي شيبة: ١٥/١٣، الطيالسي/٣٥ عن عبد الله، وعبد الرزاق: ١١/٣٦٤، عن
ابن المسيب، ومسلم: ٤/٢٠٥٦، وابن ماجة: ٢/١٣٤٥، والترمذي: ٤/٤٨٩.. إلى آخر المصادر.
والذي رواه بخاري في مواضع من صحيحه، منها: ١/٢٩ و: ٢/٢٢، عن أبي هريرة قال قال
النبي (صلى الله عليه وآله): لاتقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب
الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل القتل، حتى يكثر فيكم المال فيفيض).
وفي بخاري: ٧/٨٢: (قالوا وما الهرج قال القتل القتل. وفي: ٨/٨٩: قالوا يا رسول الله
أيُّمْ هو؟ قال: القتل القتل. وفي: ٨/١٠١: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان
تكون بينهما مقتلة عظيمة
دعوتهما واحدة وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله.
وحتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل،
وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي
يعرضه عليه لا إرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل
فيقول يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا
أجمعون فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها
خيراً، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه!
ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط
حوضه فلا يسقى فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها. ومثله أحمد:
٢/٤٩٢، عن أبي هريرة والطبراني: ٩/٢٢٠، عن ابن عمرو، وغيرهم وغيرهم.
ملاحظات
الأولى: عندما ترى في كلام الصحابة وصفاً لحدث بأنه بين يدي الساعة أو في آخر
الزمان، فلا يغرَّك ذلك حتى تجد قرائن قطعية تحدد زمنه الحقيقي! والسبب، أولاً،
أنهم كانوا يرون أن عصرهم آخر الزمان، فقد قال النبي (صلى الله عليه وآله) بعثت أنا
والساعة كهاتين وجمع بين إصبعيه(بخاري: ٦/١٧٧)، كما أن من أوصافه (صلى الله عليه
وآله) أنه نبي آخر الزمان. (كمال الدين/١٩٠). وثانياً، لأن رواة الخلافة كانوا
يتعمدون إبعاد زمن الحدث السيئ الموعود عن زمن الصحابة!
فقد رأيت أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لأصحابه: (إنكم تزعمون أني آخركم
موتاً، وإني أولكم ذهاباً ثم تأتون من بعدي أفناداً يقتل بعضكم بعضاً)!
أقول: مع كل هذه النصوص الصريحة حيث خاطب النبي (صلى الله عليه وآله) الصحابة
أنفسهم وأخبرهم عن صراعهم بعده على الحكم وحذرهم بنار جهنم، زعموا أن هذا الصراع
والقتل والفتنة سيكون بين يدي الساعة!
وبذلك تعرف أنه لا علاقة لهذه الأحاديث بظهور الإمام المهدي (عليه السلام) إلا ما
دل منها على أن الاختلاف والصراع في الأمة سيستمر حتى ظهوره (عليه السلام). وقد روى
الطرفان ذلك وصححوه! ومنه ما رواه الطبراني في المعجم الكبير: ١٨/٥١، عن عوف بن
مالك:
(قلتُ وهل يفتح الشام؟ قال: نعم وشيكاً ثم تقع الفتن بعد فتحها، ثم تجيء فتنة غبراء
مظلمة، ثم تتبع الفتن بعضها بعضاً حتى يخرج رجل من أهل بيتي يقال له المهدي، فإن
أدركته فاتبعه وكن من المهتدين). وستأتي بقيتها.
الثانية: نلاحظ أن الراوي يضيف من عاميته وما شاع في بيئته من إسرائيليات عن أشراط
الساعة وغيرها، وستمر بك نماذج عديدة لذلك.
الثالثة: أن هذه الأحاديث موظفة لخدمة الخلافة القرشية، فمن أول رواتها أبو موسى
الأشعري، المعروف بموقفه في تخذيل المسلمين عن نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام)
عندما دعاهم إلى حرب البغاة الخوارج عليه، وكان أبو موسى والياً له على الكوفة،
فأشاع تحذيرات النبي (صلى الله عليه وآله) لأمته من القتال، وجعله نهياً في القتال
مع علي (عليه السلام) للفئة الباغية ليفسح المجال لطلحة والزبير وعائشة فيسيطروا
على البصرة ثم الكوفة، ويسقطوا حكم علي (عليه السلام)! (راجع كتاب جواهر التاريخ:
١)
٢ - الفتنة العالمية وامتلاء الأرض بالظلم والجور من الجبارين
اتفقت مصادر المسلمين على أن مهمة الإمام المهدي (عليه السلام) أن يملأ الأرض قسطاً
وعدلاً بعد أن تكون ملئت ظلماً وجوراً. وهذا بنفسه دليل على أن ظهوره (عليه السلام)
يكون بعد فتنة عامة وأن الجبابرة قبله يملؤون الأرض ظلماً وجوراً.
وامتلاء الأرض بالظلم مفهوم عرفي يصدق على أكثر عصور الأرض، فقد قال الله تعالى: (ظَهَرَ
الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ
بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). (الروم: ٤١)، أما في
عصرنا فقد ظهر الفساد في البر والبحر والجو وامتلأت الأرض بالجور حتى غصت! وهذه
نماذج من أحاديث الطرفين:
في كمال الدين: ١/٢٨٦، عن جابر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المهدي من
ولدي، اسمه اسمي وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلْقاً وخُلُقاً، تكون له غيبة وحيرة
تضل
فيها
الأمم، ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً.
وفي كمال الدين: ١/٢٨٧، عن أمير المؤمنين قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
المهدي من ولدي، تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم، يأتي بذخيرة الأنبياء (عليهم
السلام) فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً). أي تكون له غيبة وتكون في
أثنائها حيرة الأمم وضلالها. وذخيرة الأنبياء: مواريثهم من الكتب والعلم وغيرها،
كما يأتي.
مسند أحمد: ٣/٣٧، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً
كما ملئت جوراً وظلماً.. الخ. وسيأتي. ومسند أحمد: ٣/١٧، عن أبي سعيد الخدري قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي،
أجلى أقنى يملأ الأرض عدلاً كما ملئت قبله ظلماً)... الخ.
٣ - استغلال رواة الخلافة أحاديث الفتن!
أجمع المسلمون على أن النبي (صلى الله عليه وآله) حذر أمته من الفتن الآتية بعده،
فجاء بعض الصحابة والرواة وطبقوها على هواهم فصارت أحاديث الفتن (فتنة)! وصار علينا
أن نبحث عن رأي أهل البيت (عليهم السلام) للنجاة منها!
مثلاً أخذ أبو موسى الأشعري يثبِّط أهل الكوفة عن الانضمام إلى أمير المؤمنين (عليه
السلام) في حرب الجمل مع طلحة والزبير وعائشة.
واختلف النعمان بن بشير الأنصاري والضحاك بن قيس الفهري وهما وزيرا معاوية مع بني
أمية بعد موت يزيد بن معاوية، وبايعا ابن الزبير وحشدا جيشاً لمحاربة الأمويين،
وكان الضحاك والياً على دمشق والنعمان على حمص، فحاربهما مروان وقبائل كلب الشامية
وقتلوهما واستعادوا السيطرة على الشام!
وكان أبو هريرة مع معاوية ضد علي (عليه السلام) ثم مع بني مروان، ثم كان يروي في
آخر عمره لعن النبي (صلى الله عليه وآله) لهم وتحذيره من فتنة أغيلمة قريش وحكم
الصبيان!
ومن
نماذج هذه الأحاديث: الطيالسي/١٠٨، عن النعمان بن بشير، وفي ابن أبي شيبة: ١١/١٩،
عن أبي موسى قال النبي (صلى الله عليه وآله): إن بين يدي الساعة فتناً كأنها قطع
الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً. يبيع
أقوام فيها خَلاقَهم بعرض من الدنيا قليل). وأحمد: ٢/٣٠٣ و٣٧٢ ومسلم: ١/١١٠،
والترمذي: ٤/٤٨٧، عن أبي هريرة، والطبراني، الكبير: ٨/٣٥٧، والحاكم: ٣/٥٢٥، وحلية
الأولياء: ١٠/١٧٠، وابن المبارك/١٥٢، عن النعمان بن بشير). والخَلاق: النصيب.
والعرَض: المتاع، والمقصود به الثمن القليل. ومعنى يصبح مؤمناً ويمسي كافراً: أنه
يُغيِّر ولاءه من الحق إلى الباطل، أو يقبل الضلال.
ملاحظات
أولاً، طبق رواة هذا الحديث وأمثاله على فتنة حرب الجمل مع أن تعبيرهم: (إن بين يدي
الساعة)! وتعبير أبي موسى في ابن أبي شيبة: (تكون في آخر الزمان)! وهذا يدلك على
أنهم كانوا يتصورون أن عصرهم آخر الزمان وبين يدي الساعة. وقد وصف الحسن البصري
الذين سقطوا في الفتن وباعوا دينهم فقال: (والله لقد رأيتهم صوراً ولا عقول،
أجساماً ولا أحلام، فراش نار وذبان طمع، يغدون بدرهمين ويروحون بدرهمين، يبيع أحدهم
دينه بثمن عنز). (حلية الأولياء: ١٠/١٧٠).
ثانياً، طبقوا السقوط في الفتنة والكفر على البيعة: ففي الطبقات: ٧/٤١٠، أن الضحاك
بن قيس كتب إلى قيس بن الهيثم حين مات يزيد بن معاوية: سلام عليك، أما بعد فإني
سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الدخان،
يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً
ويصبح كافراً، يبيع أقوام خلاقهم ودينهم بعرض من الدنيا، وإنَّ يزيد بن معاوية مات
وأنتم إخواننا وأشقاؤنا، فلا تسبقونا حق نختار لأنفسنا).
ومعناه أنهم كانوا يرون أن بيعة بني أمية كفر!
ثالثاً: إن أحاديثهم في الموقف من الفتنة عن أبي موسى الأشعري وأبي بكرة والضحاك
وابن النعمان وأبي هريرة وسعد وحذيفة، متناقضة تماماً، فمنها ما يحرم القتال مطلقاً
ويجعل الطرفين فيه من أهل النار، ومنها ما يوجب اتباع الجمهور أو الخليفة، ومنها ما
يوجب اتباع الإمام العادل، ومنها ما يوجب قتال الفئة الباغية عملاً بقوله تعالى: (وَإِنْ
طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ
بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخرى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلى
أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا
إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). (الحجرات: ٩).
ففي مرقاة المفاتيح: ٩/٢٧٩، أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: فكسِّروا فيها
قِسِيَّكم وقطِّعوا فيها أوتاركم وأخربوا سيوفكم بالحجارة فإن دُخل على أحد منكم
فليكن كخير ابني آدم)
وفي مسند الشاميين: ١/٢٢٢: (فكيف نصنع يا رسول الله؟ قال: تكسر يدك! قلت: فإن
انجبرت؟ قال: تكسر الأخرى! قلت: فإن انجبرت؟ قال: تكسر رجلك! قلت: فإن انجبرت؟ قال:
تكسر الأخرى! قلت: حتى متى؟ قال: تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية)!
وفي مستدرك الحاكم: ٤/٤٤٠، عن أبي بكرة أخ زياد بن أبيه: فإذا نزلت فمن كان له إبل
فليلحق بإبله ومن كان له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه. فقال له
رجل: يا رسول الله أرأيت إن لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال فليأخذ حجراً فليدق
به على حد سيفه ثم لينج إن استطاع النجاة. ثم قال: اللهم هل بلغت ثلاثاً، فقال رجل:
يا رسول الله أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إلى أحد الفئتين
فيرميني رجل بسهم أو يضربني بسيف فيقتلني؟ قال يبوء بإثمه وإثمك فيكون من أصحاب
النار قالها ثلاثاً). وفي الحاكم: ٣/٣٢٠: (والقائم فيها خير من الماشي والماشي خير
من الراكب قتلاها كلها في النار). وقال في الزوائد: ٧/٣٠٢: قلت: رواه أحمد بإسنادين
ورجال أحدهما ثقات). انتهى. وستأتي رواية بخاري.
رابعاً: هذا الحديث هو أشهر حديث في مصادرهم في الفتن، ومن الملفت أن
رواته
كلهم أو جلهم من أعداء علي (عليه السلام)! وأول من رواه منهم أبو موسى الأشعري
لتثبيط المسلمين! ولفظه المشهور ما رواه أحمد: ٤/٤١٦: (قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله): إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً
ويمسى كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها
خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي! فاكسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا
بسيوفكم الحجارة، فإن دخل على أحدكم بيته فليكن كخير ابني آدم). أي كهابيل الذي
تحمَّل القتل ولم يبسط يده لأخيه! ونحوه: نعيم بن حماد: ١/٣٠، و/٦١، و/١٧١، و١٨٧
وابن ماجة: ٢/١٣١٠، وأبو داود: ٢/٣٠٥، والحاكم: ٤/٥٥٥، وسنن البيهقي: ٨/١٩١، وابن
أبي شيبة: ٧/٢١٥ و: ٨/٥٩٣، والإصابة: ٧/٢٦١، وتعجيل المنفعة/٥١١، والطبراني الأوسط:
٢/٦٥، و: ٨/٢٥٧، وصححه الألباني في إرواء الغليل: ٨/١٠٢. مع أنه يحكم على الطرفين
باستحقاق النار، وينافي القرآن!
أما بخاري فرواه في صحيحه: ٤/١٧٧، وفي: ٨/٩١، عن أبي هريرة، تحت عنوان: باب تكون
فتنة القاعد فيها خير من القائم، ثم عقد عنواناً: باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما،
وروى فيه قصة أخ الحسن البصري مع أبي بكرة أخ زياد بن أبيه، قال: (خرجت بسلاحي
ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة فقال أين تريد قلت: أريد نصرة ابن عم رسول الله (صلى
الله عليه وآله) قال: قال رسول الله: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل
النار! قيل فهذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه أراد قتل صاحبه). انتهى.
وتغافل بخاري عن حديث أبي بكرة أخ زياد بن أبيه عندما نهى أخ الحسن البصري أن يتوجه
إلى حرب الجمل إلى جانب علي (عليه السلام) (فقال: إلى أين؟ قال: إلى علي: سمعت رسول
الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ستكون بعدي فتنة النائم فيها خير من القاعد
والقاعد فيها خير من النائم، فلزمت بيتي. فلما كان بعد ذلك لقيت جارية بن عبد الله
وأبا سعيد فقالا: أين كنت أمس؟ فحدثتهما بما قال أبو بكرة فقالا: لعن الله أبا بكرة
أساء سمعاً فأساء إجابة! إنما قال النبي (صلى الله عليه وآله) لأبي موسى: تكون بعدي
فتنة أنت فيها نائم خير منك قاعد وأنت فيها قاعد خير منك ساع). انتهى.
فقد
شهد هذان الصحابيان الجليلان وشهد عمار بن ياسر كما روى في الغارات: ٢/٩١٨، عندما
أرسله علي (عليه السلام) إلى الكوفة: (فقال: يا أبا موسى لمَ تُثَبِّط الناس عنَّا؟
فوالله ما أردنا إلا الإصلاح ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء! فقال: صدقت بأبي
أنت وأمي ولكن المستشار مؤتمن سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنها
ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من
الراكب. فغضب عمار وساءه وقام وقال: يا أيها الناس، إنما قال له خاصة: أنت فيها
قاعداً خير منك قائماً). انتهى. ومثله الطبري في تاريخه: ٣/٤٩٧.
أقول: أمعن أبو موسى الأشعري في عدائه لأمير المؤمنين (عليه السلام) مع أنه أقره
والياً على الكوفة! وحرف حديث النبي (صلى الله عليه وآله) فواجهه عمار وشهد أنه من
أهل ليلة العقبة الذين تآمروا لقتل النبي (صلى الله عليه وآله) وعزله الإمام (عليه
السلام) وسماه سامري الأمة! وفي صفين أجبر الخوارج الإمام (عليه السلام) أن يجعله
حكماً يمثلهم لأنه يماني!
وقد اعترف أبو موسى على نفسه بأن النبي (صلى الله عليه وآله) وصفه بأنه مُضِلّ! روى
في مناقب آل أبي طالب: ٢/٣٦٣، عن ابن مردويه بأسانيده: (عن سويد بن غفلة أنه قال:
كنت مع أبي موسى على شاطئ الفرات فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:
إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتى بعثوا حكمين ضالين ضلَّ من
اتبعهما ولا تنفك أموركم تختلف حتى تبعثوا حكمين يضلان ويضل من تبعهما! فقلت: أعيذك
بالله أن تكون أحدهما! قال: فخلع قميصه فقال: برأني الله من ذلك كما برأني من قميصي).
ونحوه في شرح النهج: ١٣/٥٠٧. وفي تاريخ اليعقوبي: ٢/١٩٠: فقال سويد: لربما كان
البلاء موكلاً بالمنطق. ولقيته بعد التحكيم فقلت: إن الله إذا قضى أمراً لم يغالب)!
خامساً: مع أن أتباع بني أمية لم يستطيعوا أن يحددوا الفتنة والفئة الباغية،
وتناقضوا في حكم قتال البغاة، فحللوه لأعداء علي (عليه السلام) وحرموه عليه! وغرسوا
في أذهان المسلمين أن قتل عثمان فتنة وقع فيها الصحابة كلهم! وحرفوا لذلك روايات
الفتن
ونسجوا عليها أضعافاً لخدمة عثمان ومعاوية ويزيد، وأعداء أهل البيت (عليهم السلام)،
فكان عملهم هذا واحدةً من فتن أئمة الضلال التي حذر منها النبي (صلى الله عليه وآله).
والذي يدخل في غرضنا هو الفتن المتصلة بظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، وقد
ذكرنا طرفاً من تحريفهم لأحاديث الفتن لأنه ينفع في فهمها.
٤ - أهل البيت (عليهم السلام) أمان الأمة وسفينة النجاة من الفتن
تواترت أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) التي وصف فيها أهل بيته (عليهم السلام)
بأنهم سفينة النجاة لهذه الأمة من الفتن والضلال، وصحح الجميع حديث (صلى الله عليه
وآله): مَثَلُ أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق!
قال الصدوق (رحمه الله) في الاعتقادات/٩٤: (واعتقادنا فيهم (عليهم السلام): أنهم
أولوا الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم، وأنهم الشهداء على الناس، وأنهم أبواب
الله، والسبيل إليه، والأدلاء عليه، وأنهم عيبة علمه، وتراجمة وحيه، وأركان توحيده،
وأنهم معصومون من الخطأ والزلل، وأنهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا،
وأن لهم المعجزات والدلائل، وأنهم أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء،
وأن مثلهم في هذه الأمة كسفينة نوح أو كباب حطة، وأنهم عباد الله المكرمون الذين لا
يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون). وفي الخصال/٥٧٣: (يا علي، مثلك في أمتي كمثل
سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق. وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام):
١/٣٠: مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها زج في النار.
وفي دعائم الإسلام: ١/٨٠: من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق).
وفي كفاية الأثر/٢٩، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يقول: أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء. قيل: يا رسول الله
فالأئمة بعدك من أهل بيتك؟ قال: نعم الأئمة بعدي اثنا عشر، تسعة من صلب الحسين
أمناء معصومون، ومنا مهدي هذه الأئمة، ألا إنهم أهل بيتي وعترتي من لحمي ودمي
ما
بال أقوام يؤذونني فيهم، لا أنالهم الله شفاعتي). (وعلل الشرائع: ١/١٢٣، وكمال
الدين/٢٠٥).
وروى الجميع أن أبا ذر (رحمه الله) كان يأخذ بحلقة الكعبة ويخطب في المسلمين هذه
الخطبة، ففي الطبراني الكبير: ٣/٤٦، والأوسط: ٤/٩، و: ٥/٣٠٦، والصغير: ١/١٣٩ و:
٢/٢٢: (عن حنش بن المعتمر قال: رأيت أبا ذر الغفاري أخذ بعضادتي باب الكعبة وهو
يقول: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري، سمعت رسول الله (صلى
الله عليه وآله) قال: مَثَلُ أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح من ركبها نجا
ومن تخلف عنها هلك، ومثل باب حطة في بني إسرائيل). وابن أبي شيبة: ٧/٥٠٣، ومجمع
الزوائد: ٩/١٦٨، وشواهد التنزيل: ١/٣٦٠، وتاريخ بغداد: ١٢/٩٠، وإكمال الخطيب/٥٩،
وذكر طرقه وصححه. وسبل الهدى: ١١/١١، ونقل عن السخاوي تقويته... إلى آخره.
وقد بحث السيد الميلاني في نفحات الأزهار: ١/٦٠، طرقه عندهم وأثبت صحته عندهم على
اختلاف مذاهب علمائهم، وكشف المكابرين في إنكاره الذين يصابون بالصداع إذا ثبتت
صحته! وقال الشيخ الصافي في أمان الأمة من الاختلاف/١٧١: (روى أحاديث الأمان بطرق
كثيرة وألفاظ متقاربة، جمع كثير من أعلام أهل السنة عن أمير المؤمنين علي (عليه
السلام) وأنس وأبي سعيد الخدري وجابر وأبي موسى وابن عباس وسلمة بن الأكوع... قال
ابن حجر: الآية السابعة(من الآيات الواردة في أهل البيت (عليهم السلام)) قوله تعالى:
(وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)،
أشار (صلى الله عليه وآله) إلى أنه وجد ذلك المعنى في أهل بيته (عليهم السلام)
وأنهم أمان لأهل الأرض كما كان هو (صلى الله عليه وآله) أماناً لهم، وفي ذلك أحاديث
كثيرة). انتهى.
لكن تعال انظر إلى كبير مفسريهم الفخر الرازي، كيف تحايل على هذا الحديث ليفرغه من
معناه! قال في تفسيره: ٢٧/١٦٧: (والحاصل أن هذه الآية (آية المودة) تدل على وجوب حب
آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحب أصحابه! وهذا المنصب لا يسلم إلا على قول
أصحابنا أهل السنة والجماعة الذين جمعوا بين حب العترة والصحابة،
وسمعت
بعض المذكرين قال إنه (صلى الله عليه وآله) قال: مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من
ركب فيها نجا، وقال: (صلى الله عليه وآله) أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.
ونحن الآن في بحر التكليف، وتضربنا أمواج الشبهات والشهوات، وراكب البحر يحتاج إلى
أمرين: أحدهما، السفينة الخالية عن العيوب والثقب. والثاني، الكواكب الظاهرة
الطالعة النيرة، فإذا ركب تلك السفينة ووقع نظره على تلك الكواكب الظاهرة كان رجاء
السلامة غالباً، فكذلك ركب أصحابنا أهل السنة سفينة حب آل محمد ووضعوا أبصارهم على
نجوم الصحابة فرجوا من الله تعالى أن يفوزوا بالسلامة والسعادة في الدنيا والآخرة).
انتهى.
فجعل الرازي سند حديث: أهل بيتي كسفينة نوح، قولَ واعظٍ مُذَكِّر! وجعل أصحابي
كالنجوم حديثاً نبوياً صحيحاً قطعياً! مع أن كبار علمائهم حكموا بوضعه! ولا بد أنه
يعرف صحة حديث سفينة نوح، وشهادة علمائهم بأن حديث: أصحابي كالنجوم، مكذوبٌ! لكنه
التعصب والتزوير! قال ابن حزم في الأحكام: ٦/٨١٠: (وأما الرواية: أصحابي كالنجوم
فرواية ساقطة ثم ذكر سندها وقال: وسلام بن سليمان يروي الأحاديث الموضوعة وهذا منها
بلا شك). وفي تحفة الأحوذي: ١٠/١٢٥: (قال أبو بكر البزار: هذا الكلام لم يصح عن
النبي (صلى الله عليه وآله)، وقال ابن حزم: هذا خبر مكذوب موضوع باطل). انتهى.
لكنهم كالرازي يجعلون أهل البيت (عليهم السلام) سفينةً في بحر لا تهدي من ركب فيها!
والصحابة نجوماً في السماء تهدي ركاب سفينة غيرهم!
٥ - اختلاف الروايات في عدد الفتن في هذه الأمة
اختلفت الأحاديث والأقوال في عدد الفتن الموعودة في هذه الأمة، لكن ذلك لا يضرُّ
غرض بحثنا الذي هو معرفة الفتنة الأخيرة المتصلة بظهور الإمام المهدي (عليه السلام)
وقد ذكرنا غيرها ليعرف القارئ جو نصوصها ورواتها ويتخطى حرفية كل حديث ويصل إلى
المعنى الذي صدر عن النبي (صلى الله عليه وآله) من مجموعها.
وقد
عدَّت بعض النصوص الفتن ثلاثاً:
ففي تاريخ ابن معين: ١/٣١٧: (عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
أتتكم الدهيماء ترمى بالنشف، والثانية ترمى بالرضف، والثالثة سوداء مظلمة إلى يوم
القيامة قتلاها قتلى الجاهلية). وفي ابن حماد: ١/٢٣٤: عن كعب قال: ثلاث فتن تكون
بالشام: فتنة إهراقة الدماء، وفتنة قطع الأرحام ونهب الأموال، ثم يليها فتنة المغرب
وهي العمياء).
وفيه: ١/٥٧، عن حذيفة: الفتن ثلاث تسوقهم الرابعة إلى الدجال: التي ترمي بالرضف،
والتي ترمي بالنشف، والسوداء المظلمة والتي تموج موج البحر). والحلية: ١/٢٧٣.
وفيه: ١/٥٧: (عن كعب قال: تكون فتن ثلاث كأمسكم أنه الذاهب: فتنة تكون بالشام، ثم
الشرقية هلاك الملوك، ثم تتبعها الغربية وذكر الرايات الصفر. قال والغربية هي
العمياء). وعقد الدرر/٥٢. ومعنى كأمسكم الذاهب: أنها حتمية كأمسكم الذي حدث وتحقق.
والرضَف: الحجارة المحماة فكأن الذي تصيبه يجلس عليها، والنشَف: البلل فكأن الذي
تصيبه مبلل الثياب. وأكثر الروايات قدمت فتنة النشف على الرضف وطبقتها على قتل
عثمان.
ومقصود الراوي بالفتنة الغربية والرايات الصفر التي ذكرها كعب: حركة الفاطميين
لأنهم أقبلوا من مغرب العالم الإسلامي إلى مصر وغيرها. وهذا يوجب الشك في أن
الرواية مكذوبة على كعب ضد حركة الفاطميين التي يسميها أعداؤها: فتنة المغرب. وكانت
راياتهم صفراء كراية الأنصار، وقد ورد في رواية في تذكرة القرطبي أن رايات الإمام
المهدي (عليه السلام) فيها رايات صفر، وتمسك بها بعض إخواننا لرايات المقاومة.
وأنت تلاحظ أن هذه النصوص ليست أحاديث، بل أقوال لكعب وأبي هريرة وحذيفة، فقد كان
المسلمون يهتمون بأي كلام للصحابة في الفتن خاصة كلام حذيفة المعروف بأنه موضع سر
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان يعرف اسماء المنافقين وأخبار الفتن. بل لعل
الرواية كانت لأبي هريرة ونسبوها إلى حذيفة! ونسبتها إليه مصادر اللغة في تفسير
الرضف والنشف والدهيماء، أي الفتنة العظيمة التي تدهم الناس. (الفايق في غريب
الحديث: ١/٣٨٩، والعين للخليل: ٦/٢٦٧، وغريب الحديث لابن سلام: ٤/١٢٤، وغريب الحديث
للحربي: ٢/٨٠٨، ولسان العرب: ١٢/٢١١).
لهذا، لا قيمة علمية لهذه الأقوال قليلة، مضافاً إلى توظيفها لفتن ذلك العصر كما تقدم من أبي موسى، ويزداد ما قلناه وضوحاً بما رواه في تاريخ دمشق: ٣٩/٤٧٨: (عن زيد بن وهب قال: جاءنا كتاب من عثمان قرئ على الناس: السلام عليكم أما بعد فإن جيش ذي المروة نزلوا بنا فكان مما صالحناهم عليه أن يؤدي إلى كل ذي حق حقه فمن كان له قبلنا حق فليركب إليه، فإن أبطأ أو تثاقل فليتصدق فإن الله يجزي المتصدقين، فقال الناس: اللهم تصدقنا، فلبثنا أربعين ليلة ثم جاءنا قتله فجزع الناس من ذلك. فخرجت إلى صاحب لي كنت أستريح إليه فقلت: قد صنع الناس ما ترى وفينا رهط من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) فاذهب بنا إليهم، فدخلنا على أبي موسى وهو أمير الكوفة فكان قوله نهياً عن الفتنة والأمر بالجلوس في البيوت، فخرجنا فأتينا منزل حذيفة فلم نجده فأتينا المسجد فوجدناه مسنداً ظهره إلى سارية ومعه رجل فقلت: إني أظن أن له حاجة فجلسنا دونهما، فجاء رجل فجلس إليهما فقمنا فجلسنا إليه وهو عاض على إبهامه وهو يقول: أتتكم ترمى بالنشف، ثم يليها أخرى ترمى بالرضف، ثم المظلمة التي يصبح المرء فيها مهتدياً ويمسي ضالاً، ويمسي مهتدياً ويصبح ضالاً، والعاقل حيران بين ذلك لا يدري أضل أم اهتدى؟ ألا إن لها دفعات ومثاعب، فإن استطعت أن تموت أو تكون في وقفاتها فافعل! فقال الرجل الذي جلس إليه: جزاكم الله أصحاب محمد شراً، فوالله لقد لبَّستم علينا حتى ما ندري أنقعد أم نقوم، فهلا نهيت الناس يوم الجرعة (أيام اعتراض أهل الكوفة على عثمان) قال: قد نهيت عنها نفسي وابن الخضرامة ولو لم أنهه لكان من القائمين فيها والقائلين). انتهى. ويقصد الراوي: بالفتنة الأولى التي ترمى بالنشف فتنة قتل عثمان، والتي ترمي بالرضف فتنة الحروب على علي (عليه السلام)، والثالثة التي لها دفعات ومثاعب أي ميازيب تصب فيها: فتنة بني أمية وحروب الخوارج الطويلة معهم. وغرضه أن يثبت أن حذيفة (رحمه الله) كان ضد قتل عثمان وضد حروب علي (عليه السلام)! مع أن حذيفة (رحمه الله) كان والياً لعثمان على المدائن وأخبره بأنه إن استمر على سياسته فسيقتله
المسلمون، وعندما وصل اليه خبر مبايعة المسلمين لعلي (عليه السلام) فرح بذلك وكان
مريضاً فقال إحملوني إلى المنبر وخطب مبيناً حق علي (عليه السلام) بالخلافة بوصية
النبي (صلى الله عليه وآله) وظلم من غصب حقه، وأعلن بيعته له وأمر المسلمين أن
يبايعوه، وأوصى ولديه أن يكونا معه ويحرصا على الشهادة بين يديه، وقد عملا بوصيته
واستشهدا مع علي (عليه السلام) في صفين. ومات حذيفة (رحمه الله) بعد أيام في
المدائن، بينما زعمت الرواية أنه كان في الكوفة، وهذا من مؤشرات الوضع!
ومن نوع الحديث المتقدم ما رواه ابن حماد: ١/٥٣: (عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): تكون فتنة ثم تكون جماعة، ثم فتنة ثم تكون جماعة، ثم
فتنة تعوج فيها عقول الرجال). وقصده بالفتنة الأولى: قتل عثمان، وبالثانية: حروبهم
على علي (عليه السلام)، وبالثالثة: فتنة بني أمية! وهو يتفق مع عقيدة الخوارج.
وبعض النصوص عدَّتها أربعاً:
ففي ابن حماد: ١/٥٤، عن عمران بن حصين عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: تكون
أربع فتن: الأولى يستحل فيها الدم، والثانية يستحل فيها الدم والمال، والثالثة
يستحل فيها الدم والمال والفروج، والرابعة الدجال). والطبراني الكبير: ١٨/١٨٠،
بنحوه وليس فيه: والرابعة الدجال مما يدلك على أصابع كعب! والأوسط: ٨/١٠٩ و: ٩/٥٥،
وحلية الأولياء: ٦/٢٣، عن كعب غير مسند. وجامع الجوامع: ١/٤٨١، عن نعيم، وجامع
المسانيد: ٩/٤٣٤ والزوائد: ٧/٣٠٨، عن الطبراني وضعفه بابن لهيعة مع أن عدداً منهم
وثقه. وعون المعبود: ١١/٢٠٧، عن ابن حماد.. وغيرهم.
وفي ابن حماد: ١/٥٣: عن عبد الله قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تكون في
أمتي أربع فتن يكون في الرابعة الفناء... في الإسلام أربع فتن تسلمهم الرابعة إلى
الدجال).
وفي ابن حماد: ١/٦٧: عن أبي هريرة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تأتيكم من
بعدي أربع فتن، فالرابعة منها الصماء العمياء المطبقة تعرك الأمة فيها بالبلاء عرك
الأديم، حتى ينكر فيها المعروف ويعرف فيها المنكر، تموت فيها قلوبهم كما تموت
أبدانهم).
وفي: ١/٥٥: قال أبو هريرة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أربع فتن تكون بعدي،
الأولى تسفك فيها
الدماء، والثانية يستحل فيها الدماء والأموال، والثالثة يستحل فيها الدماء والأموال
والفروج والرابعة عمياء صماء تعرك فيها أمتي عرك الأديم).
وفي: ١/٥٦: (والرابعة صماء عمياء مطبقة تمور مور الموج في البحر حتى لا يجد أحد من
الناس منها ملجأ تطيف بالشام وتغشى العراق وتخبط الجزيرة بيدها ورجلها وتعرك به
الأمة فيها بالبلاء عرك الأديم ثم لا يستطيع أحد من الناس يقول فيها مه مه ثم لا
يعرفونها من ناحية إلا انفتقت من ناحية أخرى.... ثم قال ابن حماد: قال أبو هريرة
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى: (قُلْ
هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ
مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ
بَعْضٍ) (الأنعام: ٦٥) قال: أربع فتن تأتي الفتنة الأولى فيستحل فيها
الدماء، والثانية يستحل فيها الدماء والأموال، والثالثة يستحل فيها الدماء والأموال
والفروج، والرابعة عمياء مظلمة تمور مور البحر تنتشر حتى لا يبقى بيت من العرب إلا
دخلته... عن أرطاة بن المنذر قال: بلغنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
تكون في أمتي أربع فتن يصيب أمتي في آخرها فتن مترادفة، فالأولى تصيبهم فيها بلاء
حتى يقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف، والثانية حتى يقول المؤمن هذه مهلكتي ثم
تنكشف، والثالثة كلما قيل انقضت تمادت، والفتنة الرابعة تصيرون فيها إلى الكفر إذا
كانت الأمة مع هذا مرة ومع هذا مرة بلا إمام ولا جماعة، ثم المسيح ثم طلوع الشمس من
مغربها، ودون الساعة اثنان وسبعون دجالاً منهم من لا يتبعه إلا رجل واحد. وعنه جمع
الجوامع: ١/٤٨١).
أقول: هذه (الأحاديث) ليست إلا خيالات وأمنيات من كعب بقرب انتهاء هذه الأمة بخروج
الدجال ملك اليهود! وقد صيرها الحمقى المؤمنون بكعب أحاديث نبوية! ويدل على كذبها
أن الدجال الذي وعدت به لم يخرج، فقد انتهت فتنة ابن الزبير، وفتحت القسطنطينية بعد
قرون، ولم يخرج الدجال!
ويدل على كذبها أيضاً ما رواه ابن حماد نفسه: ١/٥٧: (عن عمير بن هانئ قال قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): فتنة الأحلاس فيها حرب وهرب، وفتنة السراء يخرج دخنها
من تحت قدمي رجل يزعم أنه مني وليس مني إنما أوليائي المتقون (يقصد عليا (عليه
السلام)!) ثم
يصطلح
الناس على رجل(يقصد معاوية) ثم تكون فتنة الدهيماء، كلما قيل انقطعت تمادت حتى لا
يبقى بيت من العرب إلا دخلته يقاتل فيها لا يدرى على حق يقاتل أم على باطل (يقصد
فتنة ابن الزبير وغيره)، فلا يزالون كذلك حتى يصيروا إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا
نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا هما اجتمعا فأبصر الدجال اليوم أو غداً).
ورواه مختصراً: ٢/٥٢٦. وغرضهم أن يقولوا إن حرب علي (عليه السلام) للبغاة الخارجين
عليه (فتنة) يتحمل هو مسؤوليتها وإن النبي (صلى الله عليه وآله) تبرأ منه! فكان
الواجب عليه برأيهم أن يسكت على الخارجين عليه حتى يأخذوا البلاد وينتصروا عليه!
أما أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية فالخروج عليهم كفر عظيم! ومرتكبه باغ شاق لعصا
المسلمين، ويجب عليهم أن يقاتلوه ليمنعوا الفساد في الأمة!
وقد رووا هذه (الأحاديث) وأكثروا منها، خاصة هذه العبارة المحببة إلى قلوبهم: (ثم
فتنة السراء دَخْلها أو دُخْنُها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس
مني، إنما وليي المتقون). فرواه أحمد: ٢/١٣٣، عن عبد الله بن عمر، ولفظه: (كنا عند
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قعوداً فذكر الفتن فأكثر ذكرها حتى ذكر فتنة
الأحلاس، فقال قائل: يا رسول الله وما فتنة الأحلاس؟ قال: هي فتنة هرب وحرب، ثم
فتنة السراء دخلها أو دُخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني
إنما وليي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضَلَع (عَرَج) ثم فتنة
الدهيماء لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة فإذا قيل انقطعت تمادت، يصبح
الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، حتى يصير الناس إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق
فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، وإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من اليوم أو غد).
وأبو داود: ٢/٢٩٩، والحاكم: ٤/٤٦٦ وصححه، وحلية الأولياء: ٥/١٥٨، ومسند الشاميين:
٣/٤٠١ وعلل الحديث لابن أبي حاتم: ٢/٤١٧ والدر المنثور: ٦/٥٦.. وغيرهم. ورواه في
معالم السنن: ٤/٣٣٦، عن أبي داود وقال: إنما أضيفت الفتنة إلى الأحلاس لدوامها وطول
لبثها، يقال للرجل إذا كان يلزم بيته لا يبرح منه هو حلس بيته، لأن الحلس يفترش
فيبقى على المكان ما دام لا يرفع... والحَرَب
ذهاب
المال والأهل، يقال حَرِب الرجل فهو حريب إذا سُلب أهله وماله، والدخن الدخان).
والأحلاس: جمع حلس وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب، شبهت به الفتنة
للزومها ولصوقها. صكته: ضربته مباشرة بشدة. وقعدت الحملان: أي حكم المسلمين
الأطفال. واتخذ الفيء دِولا: احتكرت ثروات المسلمين بين فئة خاصة. ويفزع الناس إلى
الشام: أي يهاجرون إلى بلاد الشام، أو يتطلعون إلى أهلها للدفاع عنهم! ويظهر أن هذه
الفقرة إضافة من راوٍ أموي.
أقول: وأصل كل هذه الفرية ما رواه بخاري عن عمرو العاص أن النبي (صلى الله عليه
وآله) أعلن براءته من آل أبي طالب! قال في صحيحه: ٧/٧٣: (عن قيس بن أبي حازم أن
عمرو بن العاص قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) جهاراً غير سر يقول: إن آل أبي
(قال عمر وفي كتاب محمد بن جعفر بياض) ليسوا بأوليائي، إنما وليي الله وصالح
المؤمنين).
وقد حاول ابن متولي المدرسة الجوزية في كتابه زاد المعاد: ٥/١٥٨، أن يرقع كلام
بخاري فزعم أن النبي (صلى الله عليه وآله) يقصد بآل أبي... ليسوا لي بأولياء: آل
أبيه (صلى الله عليه وآله)! لكن ابن حجر اعترف بأن أصل نص بخاري(آل أبي طالب) وحاول
أن يرقِّع كلام بخاري من جانب آخر فقال في فتح الباري: ١٠/٣٥٢: (وقال الخطابي:
الولاية المنفية ولاية القرب والاختصاص لا ولاية الدين، ورجح ابن التين الأول وهو
الراجح، فإن من جملة آل أبي طالب علياً وجعفراً وهما من أخص الناس بالنبي (صلى الله
عليه وآله) لما لهما من السابقة والقدم في الإسلام ونصر الدين. وقد استشكل بعض
الناس صحة هذا الحديث لما نسب إلى بعض رواته من النصب وهو الانحراف عن علي وآل
بيته.... وأما عمرو بن العاص وإن كان بينه وبين علي ما كان فحاشاه أن يُتَّهم،
وللحديث محمل صحيح لا يستلزم نقصا في مؤمني آل أبي طالب وهو أن المراد بالنفي
المجموع كما تقدم ويحتمل أن يكون المراد بآل أبي طالب أبو طالب نفسه وهو إطلاق
سائغ)!
وقال النووي في رياض الصالحين/٢٠٤: (وعن أبي عبد الله عمرو بن العاص قال: سمعت
النبي جهاراً غير سر يقول: إن آل أبي فلان ليسوا بأوليائي)!
وفي القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع للأصبهاني/١٥٠: (إن آل أبي
طالب
ليسوا بأوليائي وإنما وليي الله وصالح المؤمنين). انتهى.
وقد استبشر النواصب بهذا الحديث واعتبروه إعلاناً نبوياً بالبراءة من علي والعترة
(عليهم السلام)! وهو يدل على أمنيتهم أن يتراجع النبي (صلى الله عليه وآله) عن حديث
الثقلين والصلاة على آل النبي (صلى الله عليه وآله) في الصلاة وعشرات الأحاديث في
أمر المسلمين بطاعتهم! وأن ينسخ آيات القرآن في أهل البيت النبوي (عليهم السلام)!
قال ابن تيمية في منهاجه: ٧/٧٦: (كما ثبت في الصحيح أنه (صلى الله عليه وآله) قال:
إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء وإنما وليي الله وصالح المؤمنين! فبيَّنَ أن
أولياءه صالح المؤمنين، وكذلك في حديث آخر: إن أوليائي المتقون حيث كانوا وأين
كانوا).
وقد طبَّلَ بذلك في كتبه، كفتاويه: ١٠/٥٤٣، وتفسيره: ٢/٤٨، ومجموع الفتاوى: ١١/١٦٤،
و: ٢٧/٤٣٥، و: ٢٨/٢٢٧، و٥٤٣، وجامع الرسائل/٥١٠ والفتاوى الكبرى: ٤/٣٥٣! ومن
تلاميذه: ابن قيم في جلاء الأفهام/٢٢٦، وابن رجب في جامع العلوم والحكم/٣٤٧، وابن
حجر في تغليق التعليق: ٤/٨٧. لكن الله تعالى كشف كذبهم، لأن حديثهم الموضوع تضمن
الوعد بخروج الدجال في مدة قريبة بعد (فتنة علي (عليه السلام)) كما أملاه عليهم كعب
الأحبار! بل رووا تحديد زمن الدجال بعد ٤٥ سنة من وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)،
ونسبوه إلى حذيفة (رحمه الله)! قال ابن حماد في الفتن: ٢/٦٨٦: (عن حذيفة قال: الفتن
بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن تقوم الساعة أربع فتن: فالأولى خمس(يقصد
خلافة علي (عليه السلام) وكانت خمس سنوات!) والثانية عشرون، والثالثة عشرون،
والرابعة الدجال). انتهى. وقد ثبت كذبهم والحمد لله!
وبعض النصوص عدَّتها خمساً:
في علل الحديث لابن أبي حاتم: ٢/٤١١: (عن عمارة بن عبيد شيخ من جثعم كبير قال: سمعت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يذاكرنا خمس فتن، أعلم أربعة قد مضت والخامسة هي
فيكم يا أهل الشام، وذاك عند هزيمة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، قال: إن
أدركت
الخامسة واستطعت أن تقعد في بيتك فافعل، وإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض فتدخل
فيه فافعل).
وفي ابن حماد: ١/٥١: (عن حزن بن عبد عمرو، قال: دخلنا أرض الروم في غزوة الطوانة
فنزلنا مرجاً فأخذت أنا برؤس دواب أصحابي فطولت لها فانطلق أصحابي يتعلفون، فبينا
أنا كذلك إذ سمعت: السلام عليك ورحمة الله فالتفت فإذا أنا برجل عليه ثياب بياض
فقلت: السلام عليك ورحمة الله فقال: أمن أمة أحمد؟ قلت: نعم، قال: فاصبروا فإن هذه
الأمة أمة مرحومة كتب الله عليها خمس فتن وخمس صلوات. قال قلت: سمِّهِنَّ لي. قال
أمْسِكْ: إحداهن موت نبيهم واسمها في كتاب الله تعالى بغتة، ثم قتل عثمان واسمها في
كتاب الله الصماء، ثم فتنة ابن الزبير واسمها في كتاب الله العمياء، ثم فتنة ابن
الأشعث واسمها في كتاب الله البتيراء، ثم تولى وهو يقول: وبقيت الصيلم وبقيت
الصيلم، فلم أدر كيف ذهب). انتهى.
والطوانة: قرب أنطاكية داخل بلاد الروم، تراوح حكمها بين المسلمين والروم وأصاب
المسلمين فيها شدة وهزيمة سنة ٨٨ هجرية. (تاريخ ابن عساكر: ٢٦/٤٤٤).
وابن الأشعث هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، وكان الأشعث رأس
المنافقين في عهد علي (عليه السلام) وتاريخه مليءٌ بالغدر والنفاق، فقد جاء في وفد
كندة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وأعلن إسلامه، ثم ما لبث أن أعلن ارتداده مع
بني وليعة فأسره المسلمون وطلب منهم أن يأخذوه إلى أبي بكر فأطلقه وأكرمه وزوجه
أخته! ثم ندم أبو بكر لأنه لم يقتله! فقد روى اليعقوبي: ٢/١٣٧، أنه كان يتحسر في
مرض وفاته على أشياء يتمنى أنه لم يفعلها منها هجومه على بيت فاطمة الزهراء (عليها
السلام)، وأشياء ليته فعلها منها قتل الأشعث قال: (فليتني قدمت الأشعث بن قيس تضرب
عنقه، فإنه يخيل إليّ أنه لا يري شيئاً من الشر إلا أعان عليه)! انتهى.
وكان الأشعث عدواً لأمير المؤمنين (عليه السلام) بأشد من عداوة ابن سلول للنبي (صلى
الله عليه وآله). قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن الأشعث بن قيس شَرِكَ في دم
أمير المؤمنين، وابنته جعدة
سمَّت
الحسن، ومحمد ابنه شرك في دم الحسين (عليهم السلام)). (الكافي: ٨/١٦٧).
وكان الأشعث عميلاً لمعاوية، وبعد هلاكه صار ولده محمد وابنه عبد الرحمن رئيس قبائل
كندة وكانا مع معاوية ثم مع يزيد، ثم خرج عبد الرحمن على المروانيين في البصرة
وجنوب إيران، وطالت حروبه معهم حتى قتله عبد الملك بن مروان. فحركته محدودة في
المكان والزمان، ولا يصح أن تكون فتنة للأمة كلها، لكن يظهر أن الراوي بصري أو
أهوازي فعدَّها من الفتن الخمس الموعودة، وتخيل هذا الهاتف يكلمه في مرج الطوانة.
والنص الوحيد الذي يستحق الاهتمام في هذا الباب، هو الحديث الذي رواه ابن حماد:
١/٥١: (عن عاصم بن ضمرة، عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: جعل الله في هذه
الأمة خمس فتن: فتنة عامة، ثم فتنة خاصة، ثم فتنة عامة، ثم فتنة خاصة ثم الفتنة
السوداء المظلمة التي يصير الناس كالبهائم، ثم هدنة، ثم دعاة إلى الضلالة فإن بقي
لله يومئذ خليفة فألزمه). ورواه عبد الرزاق: ١١/٣٥٦، بلفظ: (جعلت في هذه الأمة خمس
فتن: فتنة عامة، ثم فتنة خاصة، ثم فتنة عامة، ثم فتنة خاصة. ثم تأتي الفتنة العمياء
الصماء المطبقة التي يصير الناس فيها كالأنعام).
ومثله ابن أبي شيبة: ١٥/٢٤، والحاكم: ٤/٤٣٧ و٥٠٤، وصححه في الموضعين، وابن
المنادي/٧٥، عن محمد بن علي بن الحنفية بن أبي طالب.
ويصعب تفسير معنى الخاص والعام في هذه الفتن، وأصعب منه تحديد زمنها.
وجعلتها بعض النصوص سبعاً:
فتن ابن حماد: ١/٥٥: (عبد الله بن مسعود: قال لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله):
أحذركم سبع فتن تكون بعدي: فتنة تقبل من المدينة، وفتنة بمكة، وفتنة تقبل من اليمن
وفتنة تقبل من الشام، وفتنة تقبل من المشرق، وفتنة من قبل المغرب، وفتنة من بطن
الشام، وهي فتنة السفياني. قال فقال ابن مسعود: منكم من يدرك أولها، ومن هذه الأمة
من يدرك آخرها. قال الوليد بن عياش: فكانت فتنة المدينة من قبل طلحة والزبير، وفتنة
مكة
فتنة ابن الزبير، وفتنة اليمن من قبل نجدة، وفتنة الشام من قبل بني أمية، وفتنة
المشرق من قبل هؤلاء). والحاكم: ٤/٤٦٨، وصححه، وجامع الأحاديث للسيوطي: ١/١٣٧.
أقول: لو صح حديث ابن مسعود فلا بد أنه رواه قبل قتل عثمان لأنه توفي في حياة عثمان!
ويكفي لإهمال هذا الحديث إجماله وإبهامه، وتوظيف الوليد بن عياش له! وقوله من قبل
هؤلاء، يقصد العباسيين.
٦ - الفتن المتصلة بظهور المهدي (عليه السلام)
وهي التي تضمَّنَ نصها صراحة أو بقرائن، أن زمنها متصل بظهور الإمام المهدي (عليه
السلام). وأحاديثها كثيرة، منها:
حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم!
روى عبد الرزاق: ١١/٣٧١، عن أبي سعيد الخدري قال: (ذكر رسول الله (صلى الله عليه
وآله) بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم، فيبعث الله
رجلاً من عترتي من أهل بيتي فيملأ به الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضى عنه
ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلا صبته مدراراً، ولا تدع
الأرض من مائها شيئاً إلا أخرجته، حتى تتمنى الأحياء الأموات. يعيش في ذلك سبع سنين
أو ثمان أو تسع سنين). وابن حماد: ١/٣٥٨، بدون الفقرة الأخيرة عن مدة ملكه (عليه
السلام). والحاكم: ٤/٤٦٥ بنحو عبد الرزاق وصححه. وعنه ابن حجر في صواعقه، وتذكرة
القرطبي: ٢/٧٠٠ عن عبد الرزاق، وشرح المقاصد: ١/٣٠٧، أوله كعبد الرزاق، وقال: فذهب
العلماء إلى أنه إمام عادل من ولد فاطمة (رضي الله عنها) يخلقه الله تعالى متى شاء
ويبعثه نصرة لدينه. والدر المنثور: ٦/٥٨، عن الترمذي ونعيم. وصواعق ابن حجر/٦٣، عن
الحاكم.. الخ.
أقول: هذا الحديث من أوضح أحاديث الفتن، وهو ينص على أن الفتنة الأخيرة تَعُمُّ كل
المسلمين وتمتدُّ حتى يظهر المهدي (عليه السلام)، كما يتضمن دلالات على المسار
العام للأمة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى ظهور المهدي (عليه السلام).
يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل
أحمد: ٣/٣٧، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أبشركم
بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما
ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحاً، فقال
له
رجل ما صحاحاً؟ قال بالسوية بين الناس، قال: ويملأ الله قلوب أمة محمد غنى ويسعهم
عدله حتى يأمر منادياً فينادي فيقول: من له من مال حاجة فما يقوم من الناس إلا رجل
فيقول إئت السدان يعني الخازن فقل له إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالاً فيقول له أحثُ
حتى إذا جعله في حجره وأحرزه ندم فيقول كنت أجشع أمة محمد نفساً، أوَ عجز عني ما
وسعهم! قال فيرده فلا يقبل منه فيقال له إنا لا نأخذ شيئاً أعطيناه، فيكون كذلك سبع
سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين، ثم لا خير في العيش بعده، أو قال ثم لا خير في
الحياة بعده). انتهى. والمقصود بالزلازل: الاجتماعية منها بقرينة ذكرها بعد اختلاف
الناس. صحاحاً: أي كاملة. أحْثُ: أي خذ منه بغير عد. الجشع: الحرص والنهم. ورواه
بنحوه في/٥٢، وملاحم ابن المنادي/٤٢، بتفاوت يسير. ومجمع الزوائد: ٧/٣١٣، وقال:
رواه الترمذي وغيره باختصار كثير، رواه أحمد بأسانيد، وأبو يعلي باختصار كثير
ورجالهما ثقات. والدر المنثور: ٦/٥٧، عن رواية أحمد الأولى، وصواعق ابن حجر/١٦٦،
كرواية أحمد الثانية، وقال: وأخرج أحمد والماوردي. والمسند الجامع: ٦/٥٢٠، عن أبي
سعيد الخدري بنحوه.. إلى آخر المصادر.
ورواه من مصادرنا: دلائل الإمامة/٢٤٩، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله): أبشروا بالمهدي فإنه يأتي في آخر الزمان على شدة وزلازل، يسع الله
له الأرض عدلاً وقسطاً. وفي/٢٥٢، عن أبي سعيد الخدري، بنحو حديث أحمد.
وغيبة الطوسي/١١١، عن أبي سعيد الخدري، أوله كرواية أحمد الأولى إلى قوله: وساكن
الأرض. ثم روى بالسند المتقدم: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أبشروا بالمهدي،
قال ثلاثاً، يخرج على حين اختلاف من الناس وزلزال شديد، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً
كما ملئت ظلماً وجوراً، يملأ قلوب عباده غنى ويسعهم عدله). وابن طاووس في الملاحم/٦٥،
وكشف الغمة: ٣/٢٦١، عن فتن ابن زكريا، كرواية أحمد الأولى.
أقول: يظهر لك من روايتي الطوسي والطبري الشيعي أن رواية أبي سعيد أضيف إليها.
والإضافة والحذف في مثلها عاديان عند رواة الخلافة!
يكون على تظاهر العمر وانقطاع من الزمان
أبو يعلى: ٢/٣٥٦: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يكون في آخر الزمان على
تظاهر العمر وانقطاع من الزمان إمام يكون أعطى الناس، يجيئه الرجل فيحثو له في حجره،
يهمه من يقبل عنه صدقة ذلك المال ما بينه وبين أهله، لما يصيب الناس من الخير).
وابن الجعد في مسنده: ٢/٧٩٥، وقال السيوطي في الحاوي: ٢/٦٣: أخرج أبو يعلى، وابن
عساكر، عن أبي سعيد، بتفاوت يسير. وجمع الجوامع: ١/١٠١٢، عن حلية الأولياء، وابن
عساكر، عن أبي سعيد، كما في الحاوي.
وفي ابن حماد: ١/٣٦١، وبعدها، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلى الله عليه وآله)
قال: يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن، يكون عطاؤه حثياً
يقال له السفاح). حثياً: مقداراً كثيراً يعطيه دون عد، أو يقول للآخذ: أُحْثُ أنت
أي إحمل مقداراً كما في بعض الأحاديث، وفي بعض الروايات حسياً بالسين وهو قريب منه،
ولعله مصحف عنه. والسفاح: سفاك الدماء.
أقول: ورد اسم السفاح صفة للمهدي (عليه السلام) في أحاديث من طرق الفريقين، ومعناه
أنه يسفح دم أعداء الإسلام والمنافقين، لكني أشك في صحة هذه التسمية من النبي (صلى
الله عليه وآله)، فقد تكون من الرواة العباسيين لينطبق على أول خلفائهم السفاح.
ويؤيد ذلك أن عدداً من مصادرهم رووه بدونها، كابن أبي شيبة: ١٥/١٩٦ أو: ٨/٦٧٨، كابن
حماد وبسنده وليس فيه ذكر السفاح، وتاريخ دمشق: ٣٢/٢٧٩، بروايات بعضها بدون زيادة
السفاح. بينما رواه بالزيادة أحمد: ٣/٨٠، والبيهقي في دلائل النبوة: ٦/٥١٤، عن
الحاكم، ولم نجده في المستدرك! والخطيب: ١٠/٤٨، ومجمع الزوائد: ٧/٣١٤، وقال رواه
أحمد وفيه: عطية العوفي وهو ضعيف ووثقه ابن حبان. وروته بعض مصادرنا عن مصادر غيرنا
كابن طاووس في الملاحم/١٦٦، عن فتن زكريا، وكشف الغمة: ٣/٢٦٢، عن أربعين أبي نعيم.
إذا كثرت الشرط، وملكت الإماء
الطبراني الكبير: ١٨/٥١، عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
(كيف أنت يا عوف إذا افترقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة
وسائرهن في النار! قلت: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا كثرت الشرط، وملكت الإماء،
وقعدت الحملان على المنابر، واتخذ القرآن مزامير، وزخرفت المساجد، ورفعت المنابر،
واتخذ الفيء دولاً، والزكاة مغرماً، والأمانة مغنماً، وتفقه في الدين لغير الله،
وأطاع الرجل امرأته، وعق أمه وأقصى أباه، ولعن آخر هذه الأمة أولها، وساد القبيلة
فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل اتقاء شره. فيومئذ يكون ذلك، ويفزع
الناس يومئذ إلى الشام يعصمهم من عدوهم، قلت: وهل يفتح الشام؟ قال: نعم وشيكاً، ثم
تقع الفتن بعد فتحها، ثم تجيء فتنة غبراء مظلمة، ثم يتبع الفتن بعضها بعضها حتى
يخرج رجل من أهل بيتي يقال له المهدي، فإن أدركته فاتبعه وكن من المهتدين). ومجمع
الزوائد: ٧/٣٢٣، ووثقه على مبنى ابن حبان، وكنز العمال: ١١/١٨٣.
ثم تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت!
ابن حماد: ١/٥٧، عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ستكون
بعدي فتن: منها فتنة الأحلاس يكون فيها حرب وهرب، ثم بعدها فتن أشد منها، ثم تكون
فتنة كلما قيل انقطعت تمادت، حتى لا يبقى بيت إلا دخلته ولا مسلم إلا صكته، حتى
يخرج رجل من عترتي). والمعجم الأوسط: ٥/٣٣٨، عن طلحة عن النبي (صلى الله عليه وآله)
قال: ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلا جاش منها جانب، حتى ينادي مناد من السماء إن
أميركم فلان). ومجمع الزوائد: ٧/٣١٦.
أقول: يتعجب الإنسان من رواية طلحة بن عبيد الله لحديث النداء السماوي باسم المهدي
(عليه السلام) أو روايتهم عنه، مع أن المهدي (عليه السلام) من العترة النبوية من
ولد علي وفاطمة (عليهما السلام) وموقف طلحة من علي والعترة معروف! لكن يزول العجب
عندما نعرف أن بني تيم كانوا يعملون للوصول إلى الخلافة بعد أبي بكر، ثم بعد عمر
وعثمان،
وما
زالت رواية عائشة في صحيح مسلم تزعم أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لها إدعي لي
أباك وأخاك لأكتب لهما الخلافة بعدي! (عن عائشة قالت قال لي رسول الله (صلى الله
عليه وآله) في مرضه: أدعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن
يتمنى متمنٍّ ويقول قائل أنا أولى)! (صحيح مسلم: ٧/١١٠).
ثم تنازلت عائشة عن النص النبوي بالخلافة لأبيها وأخيها، وأرادت الخلافة لابن عمها
طلحة التيمي فلم تنجح، ثم ادعى أنصار طلحة أن ولده موسى بن طلحة هو المهدي الموعود،
فلم يملأ الدنيا عدلاً! فالحديث إذن في هذا السياق!
أشر الفتن كلها تكون قبل ظهوره (عليه السلام)!
سنن الداني/١٦١، عن محمد بن علي قال قلت: سمعنا أنه سيخرج منكم رجل يعدل في هذه
الأمة؟ فقال: إنا نرجو ما يرجو الناس، وإنا نرجو لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد
سيطول ذلك اليوم حتى يكون ما ترجو هذه الأمة. وقبل ذلك فتنة شر فتنة يُمسي الرجل
مؤمناً ويصبح كافراً ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً! فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله
وليحرز دينه وليكن من أحلاس بيته) وعنه عقد الدرر/٦١، و١٥١، والحاوي: ٢/٨١.
٧ - فتنة كنز الكعبة وجبل الذهب في مجرى الفرات
روت مصادر السنيين أحاديث عديدة صحيحة عن نزاع يقع بين أسر حاكمة أو أفراد أسرة
واحدة، على كنز مدفون في بئر تحت الكعبة، وأنه يكون على أثره ظهور المهدي (عليه
السلام)، وروت فيه مصادرنا رواية واحدة فقط.
كما رووا عن نزاع يقع على جبل من ذهب ينحسر عنه مجرى الفرات، ويقع عليه قتال بين
عدة فئات ولا يصلون إليه، ويكون على أثره ظهور المهدي (عليه السلام)، ولم ترد فيه
أي رواية في مصادرنا. وقد اختلطت أحاديث هذين الكنزين عند بعضهم:
ابن ماجة: ٢/١٣٦٧، عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يقتتل عند
كنزكم ثلاثة
كلهم
ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق
فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم، ثم ذكر شيئاً لا أحفظه فقال: فإذا رأيتموه فبايعوه
ولو حبواً على الثلج فإنه خليفة الله المهدي). وفي هامشه: (وفي الزوائد: هذا إسناد
صحيح رجاله ثقات، ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين).
أقول: رواه الروياني في مسنده/١٢٣، عن ثوبان. وابن المنادي في الملاحم/٤٤، والحاكم:
٤/٤٦٣، وصححه بشرط الشيخين، والبيهقي في دلائل النبوة: ٦/٥١٥، والشافعي في البيان/٤٨٩،
وصححه. وفي/٥٢٠، عن الطبراني وقال: هذا حديث حسن المتن وقع إلينا عالياً من هذا
الوجه بحمد الله وحسن توفيقه، وفيه دليل على شرف المهدي (عليه السلام) بكونه خليفة
الله في الأرض على لسان أصدق ولد آدم. ومصباح الزجاجة: ٢/٣١٤ وفي طبعة: ٤/٢٠٣، وقال:
هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رواه الحاكم في المستدرك من طريق الحسين بن حفص عن سفيان
به وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده، ولفظه: إذا
رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان، فأتوها فإن فيها خليفة الله المهدي).
وفي تناقضات الألباني الواضحات للسقاف: ١/٤٣: (ضعفه الألباني في تخريج مشكاة
المصابيح: ٣/١٤٩٥برقم٥٤٢٩ فقال: بسند ضعيف. ثم وجدنا أنه متناقض حيث صححه في صحيحته:
٢/٤١٥ حديث رقم٧٧٢. فتدبروا يا أولي الألباب)! انتهى.
ورواه ابن كثير في الفتن: ١/٤٢، عن ابن ماجة وقال: (تفرد به ابن ماجة وهذا إسناد
قوي صحيح، والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة يقتتل عنده ليأخذه
ثلاثة من أولاد الخلفاء حتى يكون آخر الزمان فيخرج المهدي ويكون ظهوره من بلاد
المشرق لا من سرداب سامراء كما يزعمه جهلة الرافضة).
ملاحظات
١ - المتواتر عند الفريقين أن المهدي (عليه السلام) يظهر من مكة، ولا بد أن يكون
المقصود بظهوره من المشرق أن بداية أمره من المشرق على يد أصحابه الممهدين
الخراسانيين. وما ذكره ابن كثير عن ظهوره من سرداب سامراء لا مدعي له من
جَهَلة الشيعة فضلاً عن علمائهم، فهو من نبز مخالفيهم وافترائهم، وما زال الوهابيون
يهرجون به علينا وينشرونه في العالم!
٢ - أخذ أتباع ابن تيمية بحديث خروج المهدي (عليه السلام) من المشرق، وأعرضوا عن
الأحاديث الصحيحة المعارضة! وفسروا رايات خراسان برايات الطالبان! وادعوا المهدية
لشخص من بريدة اسمه محمد بن عبد الله، وباركه إمامهم ابن باز، وأرسلوه إلى الشيشان
حتى ينطبق عليه أنه خرج من المشرق!
٣ - مما يتناقله أهل مكة أنه يوجد كنز للكعبة مدفون تحتها، وقد روت كتب التاريخ
والسيرة والحديث حوله روايات كثيرة، ولا نعرف مدى صحة ذلك. راجع: تاريخ الطبري:
٢/٣٦، وابن هشام: ١/١٢٤، وسبل الهدى للصالحي: ١٠/١٩٠)
٤ - الحديث اليتيم في مصادرنا حول كنز الكعبة ما رواه في قرب الإسناد للحميري/٨٢:
(عن مسعدة بن زياد قال: وحدثني جعفر عن آبائه: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال: تاركوا الحبشة ما تاركوكم فوالذي نفسي بيده لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو
السويقتين). (وعنه وسائل الشيعة: ١٥/٥٧). ورواه أحمد: ٥/٣٧١، أبي أمامة بن سهل بن
حنيف قال: سمعت رجلاً من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: سمعت رسول الله
(صلى الله عليه وآله) يقول: أتركوا الحبشة ما تركوكم فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا
ذو السويقتين من الحبشة). والنسائي: ٩/١٧٦، وأبو داود: ٢/٣١٦، والمستدرك: ٤/٤٥٣
وصححه، والزوائد: ٥/٣٠٣، ووثقه، وقال: سموا الرجل عبد الله بن عمرو، إلا أن أبا
داود أبهمه كأحمد).
أقول: وحديث كنز الكعبة خارج عن موضوعنا لأنه لا ربط له صريحاً بالإمام المهدي
(عليه السلام)، كما لا يصح الأخذ به لأنه يوافق مزاعم كعب بأن الكعبة ستهدم!
أما حديث كنز الفرات وجبل الذهب الذي يظهر فيه، فرواه عبد الرزاق: ١١/٣٨٢، عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يحسر الفرات عن جبل من ذهب، فيقتتل
الناس عليه، فيقتل من كل مئة تسعون أو قال: تسعة وتسعون كلهم يرى أنه ينجو).
وفي
ابن حماد: ١/٥٧، عن عبد الله بن زرير الغافقي يقول: سمعت علياً (رضي الله عنه) يقول:
الفتن أربع: فتنة السراء، وفتنة الضراء، وفتنة كذا، فذكر معدن الذهب، ثم يخرج رجل
من عترة النبي يصلح الله على يديه أمرهم). وعقد الدرر/٥٧، عن ابن حماد، وكذا حاوي
السيوطي: ٢/٦٧، وصححه بشرط مسلم. ومثله جمع الجوامع: ٢/٣٠. ونحوه ابن حماد: ١/٢٣٩،
وفيه: من ذهب وفضة فيقتل عليه من كل تسعة سبعة، فإن أدركتموه فلا تقربوه. وبرواية
أخرى: تدوم الفتنة الرابعة اثني عشر عاماً تنجلي حين تنجلي وقد أحسرت الفرات عن جبل
من ذهب، فيقتل عليه من كل تسعة سبعة. وفي أخرى: الفتنة الرابعة ثمانية عشر عاماً،
ثم تنجلي حين تنجلي وقد انحسر... تكب عليه الأمة فيقتل على من كل تسعة سبعة. وأحمد:
٢/٢٦١، كما في عبد الرزاق.
وفي أحمد: ٥/١٣٩، عن عبد الله بن الحرث قال: وقفت أنا وأبي بن كعب في ظل أجم حسان،
فقال لي أبي: ألا ترى الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا؟ قال قلت: بلى، قال: سمعت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب فإذا سمع
به الناس ساروا إليه، فيقول من عنده والله لئن تركنا الناس يأخذون فيه ليذهبن،
فيقتتل الناس حتى يقتل من كل مائة تسعة وتسعون وقال وهذا اللفظ حديث أبي عن عفان).
ورواه بخاري في صحيحه: ٩/٧٣، كما في رواية أحمد وفيه: عن كنز من ذهب فمن حضره فلا
يأخذ منه شيئاً. والحميدي: ٣/٩٨، عن أبي هريرة وفيه: لا تقوم الساعة حتى يحسر
الفرات عن جبل من ذهب، يقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل
رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو).
وروى ابن حماد: ١/٢٣٩، عن كعب قال: يكون ناحية الفرات في ناحية الشام أو بعدها
بقليل مجتمع عظيم فيقتتلون على الأموال، فيقتل من كل تسعة سبعة، وذاك بعد الهدة
والواهية في شهر رمضان، وبعد افتراق ثلاث رايات يطلب كل واحد منهم الملك لنفسه فيهم
رجل اسمه عبد الله). انتهى.
أقول: وردت رواية الهدة في شهر رمضان، وهي النداء من السماء باسم
المهدي (عليه السلام). وكذلك رواية الثلاث رايات التي تتصارع في الشام فينتصر فيها
السفياني. ويظهر أن كعباً صاغ كلامه مما سمع من أحاديث وحدد وقت الصراع على كنز
الفرات بأنه بعد النداء السماوي أي قرب ظهور المهدي (عليه السلام) أو بعده!
٨ - الفتنة التي تكون بعد موت الخامس من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)
روى ابن حماد: ١/١١٧، حديثاً عجيباً لا يتم له معنى إلا على مذهبنا، قال: (حدثنا
ابن أبي هريرة عن أبيه، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله): إذا مات الخامس من أهل بيتي فالهرج الهرج حتى يموت السابع، ثم
كذلك حتى يقوم المهدي. قال بلغني عن شريك أنه قال: هو ابن العَفَر، يعني هارون وكان
الخامس، ونحن نقول هو السابع، والله أعلم). ورواه عنه السيوطي في الحاوي: ٢/٨٣،
وفيه: حتى يموت السابع قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل كذلك. وكنز العمال: /١١/٢٤٧،
وفيه: حتى يموت السابع، قالوا: وما الهرج؟ قال: الفتن، كذلك حتى يقوم المهدي).
انتهى.
أقول: تَصَوَّرَ ابن حماد أن معنى الحديث أنه يكثر القتل بعد الخامس من أهل بيت
النبي (صلى الله عليه وآله) ثم يستمر إلى أن يموت السابع، ثم يقترب ظهور المهدي
(عليه السلام). وطبقه على ملوك بني عباس واعتبر السابع الرشيد المتوفى قبل المئتين
وبذلك استبشر بقرب ظهور المهدي (عليه السلام)! وقد توفي ابن حماد سنة٢٢٧.
لكن تفسيره لا يصح لأن تعبير النبي (صلى الله عليه وآله) (مات الخامس من أهل بيتي)
لم يرد في بني العباس، ولا يمكن أن يعبر النبي (صلى الله عليه وآله) عن بني العباس
بأنهم أهل بيتي بعد أن ثبت عنه أنه حدد أهل بيته بعلي وفاطمة والحسنين (عليهم
السلام) كما في مسند أحمد: ٤/١٠٧: (اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق) وفي رواية:
٦/٣٢٣: (قال لفاطمة ائتيني بزوجك وابنيك فجاءت بهم فألقى عليهم كساء فدكياً، قال:
ثم وضع يده عليهم ثم قال: اللهم إن هؤلاء آل محمد
فاجعل
صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد مجيد. قالت أم سلمة: فرفعت الكساء
لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال إنك على خير). انتهى. فلا بد أن يكون هؤلاء هم
المقصودين بقوله: إذا مات الخامس من أهل بيتي فالهرج.
ومن جهة أخرى، معنى الحديث بصيغته التي رووها ضعيف، فلا بد أن يكون فيه سقطاً، إذ
لا معنى لأن يبشر النبي (صلى الله عليه وآله) بالمهدي بأنه يكثر القتل بعد موت
الخامس من ملوك بني عباس، ثم يستمر القتل هكذا حتى يكون السابع منهم، ثم يستمر
القتل هكذا حتى يقوم المهدي! فإن كان المقصود أنه لا يحكم منهم أكثر من سبعة فقد
حكم منهم أكثر، وإن أراد أن المهدي (عليه السلام) يظهر بعد السابع، فلم يظهر! وإن
أراد معنى آخر فلا يصلح أن يكون علامة للمهدي الموعود (عليه السلام)! فلا بد أنه
يقصد الخامس والسابع من الأئمة الربانيين الاثني عشر من عترته، الذين بشر الأمة بهم
في حجة الوداع في خطبة عرفات وغيرها، وأولهم علي وخاتمهم المهدي (عليهم السلام)،
وأن يكون هذا الحديث محرفاً عن أحاديث مصادرنا الآتية.
٩ - الفتنة في العقيدة بعد فقدان الخامس من ولد السابع
كفاية الأثر/١٥٦، عن محمد بن الحنفية قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): سمعت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول، في حديث طويل في فضل أهل البيت (عليهم السلام):
وسيكون بعدي فتنة صمَّاء صيْلم يسقط فيها كل وليجة وبطانة، وذلك عند فقدان شيعتك
الخامس من السابع من ولدك، يحزن لفقده أهل الأرض والسماء، فكم مؤمن ومؤمنة متأسف
متلهف حيران عند فقده! ثم أطرق ملياً ثم رفع رأسه وقال: بأبي وأمي سميي وشبيهي
وشبيه موسى بن عمران، عليه جيوب النور(أو قال: جلابيب النور) تتوقد من شعاع القدس!
كأني بهم آيس ما كانوا ثَمَّ نودي بنداء يسمع من البعد كما يسمع من القرب، يكون
رحمة على المؤمنين وعذاباً على المنافقين. قلت: وما ذلك النداء؟
قال:
ثلاثة أصوات في رجب، أولها ألا لعنة الله على الظالمين، والثاني أزفت الآزفة
والثالث ترون بدرياً بارزاً مع قرن الشمس ينادي: ألا إن الله قد بعث فلان بن فلان
حتى ينسبه إلى علي فيه هلاك الظالمين، فعند ذلك يأتي الفرج ويشفي الله صدورهم ويذهب
غيظ قلوبهم. قلت يا رسول الله فكم يكون بعدي من الأئمة؟ قال: بعد الحسين تسعة
والتاسع قائمهم). انتهى. وبعضه في الصراط المستقيم: ٢/١٢٧، وغاية المرام/١٢، عن
النصوص على الأئمة الاثني عشر للصدوق، وهو كتاب ذكروه في مؤلفاته، لكنه مفقود.
ومعنى الحديث: أن الناس سيفقدون الإمام الخامس بعد السابع من عترة النبي (صلى الله
عليه وآله) وهو الإمام المهدي بن الحسن العسكري (عليهما السلام) ويبتلى المؤمنون
بفتنة غيبة إمامهم (عليه السلام) ويسقط في الفتنة من لا بصيرة له في دينه ولا يثبت
على القول بولادته وغيابه إلا القليل، المتلهفون لفقده المؤمنون به مهما طال الزمان.
لاحظ قوله (صلى الله عليه وآله): (وسيكون بعدي فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل وليجة
وبطانة، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من السابع من ولدك، يحزن لفقده أهل الأرض
والسماء فكم مؤمن ومؤمنة متأسف متلهف حيران عند فقده).
وروت مصادرنا أحاديث أخرى صحيحةً بمعناه، منها ما رواه الخزار (رحمه الله) في كفاية
الأثر/١٤٧، بثلاثة أسانيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: قال علي (عليه السلام): كنت
عند النبي (صلى الله عليه وآله) في بيت أم سلمة إذ دخل علينا جماعة من أصحابه منهم
سلمان وأبو ذر والمقداد وعبد الرحمن بن عوف، فقال سلمان: يا رسول الله إن لكل نبي
وصياً وسبطين فمن وصيك وسبطاك؟ فأطرق ساعة ثم قال: يا سلمان إن الله بعث أربعة آلاف
نبي(أربعة وعشرين ومئة ألف نبي) وكان لهم أربعة آلاف وصي وثمانية آلاف سبط، فوالذي
نفسي بيده لأنا خير الأنبياء ووصيي خير الأوصياء وسبطاي خير الأسباط. في حديث طويل
عدد فيه النبي (صلى الله عليه وآله) الأئمة من أهل بيته، وقال: (ثم يغيب عنهم
إمامهم ما شاء الله، ويكون له غيبتان إحداهما أطول من الأخرى. ثم التفت إلينا رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فقال رافعاً صوته: الحذر إذا فقد الخامس من ولد السابع
من
ولدي!
قال علي: فقلت: يا رسول الله فما تكون هذه الغيبة؟ قال: الصمت حتى يأذن الله له
بالخروج فيخرج(من اليمن من قرية يقال لها أكرعة) على رأسه غمامة، متدرع بدرعي متقلد
بسيفي ذي الفقار، ومناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه، يملأ الأرض قسطاً
وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ذلك عندما تصير الدنيا هرجاً ومرجاً يَغار بضعهم على
بعض، فلا الكبير يرحم الصغير ولا القوي يرحم الضعيف، فحينئذ يأذن الله له بالخروج).
ملاحظات
١ - المتفق عليه في مصادر الجميع أن عدد الأنبياء (عليهم السلام) مئة وأربع وعشرون
ألفاً وأن عدد الرسل ثلاث مئة وستون، وعندنا أن لكل نبي وصياً. والأربعة آلاف نبي (عليهم
السلام) قد يكونون كبار الأنبياء ولكل واحد منهم وصي وسبطان.
٢ - وردت في مصادرنا عدة أحاديث صحيحة السند عن الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)
حول اليماني الذي يظهر قبل الإمام المهدي (عليه السلام) ويكون من خاصة أنصاره. وذكر
بعضها أنه يظهر في صنعاء وأنه من ذرية زيد (رحمه الله).. الخ.
أما المصادر السنية فنصوصها في اليماني أو القحطاني متعارضة، بعضها يذكر أنه يظهر
قبل المهدي، وبعضها يذكر أنه يظهر بعد المهدي، وبعضها يزعم أنه هو المهدي. وبعضها
ينفي أن يكون المهدي يمانياً أو قحطانياً. وبعضها يظهر فيه تأثير الخلاف الذي تعاظم
في العهد الأموي بين عرب الجنوب اليمانيين وعرب الشمال القرشيين ومن معهم. وأكثر
نصوص اليماني أو القحطاني عندهم غير مرفوعة ما عدا ثلاثة منها تذكر أن القحطاني هو
المهدي، وهي معارضة بإجماع المسلمين على أنه من ذرية علي وفاطمة (عليهما السلام).
وستأتي في محلها إن شاء الله.
١٠ - تربية الشيعة على مواجهة الفتن وانتظار الإمام المهدي (عليه السلام)
كفاية
الأثر/٢٦٠، عن مسعدة قال: كنت عند الصادق (عليه السلام) إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى
متكئاً على عصاه، فسلم فرد أبو عبد الله (عليه السلام) الجواب ثم قال: يا ابن رسول
الله ناولني يدك أقبلها، فأعطاه يده فقبلها ثم بكى، فقال أبو عبد الله (عليه السلام):
ما يبكيك يا شيخ؟ قال: جعلت فداك أقمت على قائمكم منذ مائة سنة أقول هذا الشهر وهذه
السنة، وقد كبرت سني ودق عظمي واقترب أجلي ولا أرى ما أحب، أراكم مقتلين مشردين
وأرى عدوكم يطيرون بالأجنحة فكيف لا أبكي!؟ فدمعت عينا أبي عبد الله ثم قال: يا شيخ
إن أبقاك الله حتى ترى قائمنا كنت معنا في السنام الأعلى، وإن حلت بك المنية جئت
يوم القيامة مع ثقل محمد (صلى الله عليه وآله) ونحن ثقله قال (صلى الله عليه وآله):
إني مخلف فيكم الثقلين فتمسكوا بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي. فقال
الشيخ: لا أبالي بعد ما سمعت هذا الخبر. قال: يا شيخ إن قائمنا يخرج من صلب الحسن،
والحسن يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب محمد، ومحمد يخرج من صلب علي، وعلي يخرج
من صلب ابني هذا وأشار إلى موسى (عليه السلام)، وهذا خرج من صلبي، نحن اثنا عشر
كلنا معصومون مطهرون.
فقال الشيخ: يا سيدي بعضكم أفضل من بعض؟ قال: لا نحن في الفضل سواء ولكن بعضنا أعلم
من بعض، ثم قال: يا شيخ والله لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك
اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت، ألا وإن شيعتنا يقعون في فتنة وحيرة في غيبته،
هناك يثبت الله على هداه المخلصين، اللهم أعنهم على ذلك)
ومثله إرشاد القلوب/٤٠٥، وبشارة المصطفى/٢٧٥، وفيه: ثم قال يا شيخ ما أحسبك من أهل
الكوفة؟ قال: لا، قال: فمن أين؟ قال: من سوادها جعلت فداك. قال: أين أنت من قبر جدي
المظلوم الحسين؟ قال: إني لقريب منه. قال: كيف إتيانك له؟ قال: إني لآتيه وأكثر.
قال (عليه السلام): يا شيخ دم يطلب الله تعالى به، وما أصيب ولد فاطمة ولا يصابون
بمثل الحسين، ولقد قتل في سبعة عشر من أهل بيته نصحوا لله وصبروا في جنب الله
فجزاهم الله أحسن جزاء الصابرين، إنه إذا كان يوم القيامة أقبل رسول الله ومعه
الحسين ويده على رأسه تقطر دماً فيقول: يا رب سل أمتي فيم قتلوا ولدي؟!
كمال الدين: ٢/٥١٠، خرج (توقيع) إلى العمري وابنه (رضي الله عنهما) رواه سعد بن
عبد الله قال: قال الشيخ أبو عبد الله جعفر (رضي الله عنه) وجدته مثبتاً عنه (رحمه الله): وفقكما الله لطاعته وثبتكما على دينه وأسعدكما بمرضاته. انتهى إلينا ما ذكرتما أن الميثمي أخبركما عن المختار ومناظراته من لقي، واحتجاجه بأنه لا خلف غير جعفر بن علي وتصديقه إياه، وفهمت جميع ما كتبتما به مما قال أصحابكما عنه، وأنا أعوذ بالله من العمى بعد الجلاء ومن الضلالة بعد الهدى، ومن موبقات الأعمال ومرديات الفتن، فإنه (عزَّ وجلَّ) يقول: (ألم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ). كيف يتساقطون في الفتنة ويترددون في الحيرة ويأخذون يميناً وشمالاً فارقوا دينهم أم ارتابوا أم عاندوا الحق أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والأخبار الصحيحة؟! أو علموا ذلك فتناسوا ما يعلمون إن الأرض لا تخلو من حجة إما ظاهراً وإما خائفاً مغموراً؟! أو لم يعلموا انتظام أئمتهم بعد نبيهم (صلى الله عليه وآله) واحداً بعد واحد إلى أن أفضى الأمر بأمر الله (عزَّ وجلَّ) إلى الماضي، يعني الحسن بن علي (عليهما السلام)، فقام مقام آبائه (عليهم السلام) يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم؟! كانوا نوراً ساطعاً، وشهاباً لامعاً، وقمراً زاهراً، ثم اختار الله (عزَّ وجلَّ) له ما عنده فمضى على منهاج آبائه (عليهم السلام) حذو النعل بالنعل على عهد عهده، ووصية أوصى بها إلى وصي ستره الله (عزَّ وجلَّ) بأمره إلى غاية، وأخفى مكانه بمشيئة للقضاء السابق والقدر النافذ، وفينا موضعه، ولنا فضله، ولو قد أذن الله (عزَّ وجلَّ) فيما قد منعه عنه وأزال عنه ما قد جرى به من حكمه لأراهم الحق ظاهراً بأحسن حلية وأبين دلالة وأوضح علامة، ولأبان عن نفسه وقام بحجته، ولكن أقدار الله (عزَّ وجلَّ) لا تغالب وإرادته لا ترد وتوفيقه لا يسبق، فليَدعوا عنهم اتباع الهوى وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه ولا يبحثوا عما ستر عنهم فيأثموا، ولا يكشفوا ستر الله (عزَّ وجلَّ) فيندموا، وليعلموا أن الحق معنا وفينا، لا يقول ذلك سوانا إلا كذاب مفتر، ولا يدعيه غيرنا إلا ضال غوي، فليقتصروا منا على هذه الجملة دون التفسير، ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح إن شاء الله). والخرائج: ٣/١١٠٩، مختصراً.. الخ..
١١ - فتنة بلاد الشام الموعودة قبل ظهور المهدي (عليه السلام)
النعماني/٢٧٩، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يا جابر لا يظهر القائم حتى يشمل
الناس بالشام فتنة يطلبون المخرج منها فلا يجدونه! ويكون قتل بين الكوفة والحيرة
قتلاهم على سواء، وينادي مناد من السماء). وعنه عقد الدرر/٥١، والبحار: ٥٢/٢٧١، الخ.
عبد الرزاق: ١١/٣٦١، تكون فتنة بالشام كأن أولها لعب الصبيان تطفو من جانب وتسكن من
جانب، فلا تتناهى حتى ينادي مناد: إن الأمير فلان. وقال: فيقلب ابن المسيب يديه حتى
أنهما لتنتفضان ثم يقول: ذاكم الأمير حقاً ذاكم الأمير حقاً).
ونحوه ابن حماد: ١/٣٣٧، وفي: ١/٣٣٨: ثم لا يستقيم أمر الناس على شيء ولا تكون لهم
جماعة، حتى ينادي مناد من السماء عليكم بفلان، وتطلع كف تشير.. عن المغيرة بن عبد
الرحمن عن أمه وكانت قديمة: قال: قلت لها في فتنة ابن الزبير: إن هذه الفتنة يهلك
فيها الناس؟ فقالت: كلا يا بني، ولكن بعدها فتنة يهلك فيها الناس ولا يستقيم أمرهم
حتى ينادي مناد من السماء عليكم بفلان).
١٢ - شدة الفتنة قبل ظهور المهدي (عليه السلام) وحدث يكون في الحجاز
ذكرت أحاديث السنة والشيعة فتنة خاصة تكون في الحجاز، حيث يموت حاكمهم ويختلفون
بعده على السلطة، وينتهي ملك السنين ويكون ملك الشهور والأيام، ولا يجتمع أمرهم على
أحد، فيبحث الناس عن الإمام (عليه السلام) ويطلبون منه أن يقبل بيعتهم، وسيأتي ذلك
في فصل أحاديث الحجاز في عصر الظهور.
١٣ - نصوص كثيرة تشبه الأحاديث وليست بها
وكلها تصف فتنة تتصل بظهور الإمام المهدي (عليه السلام) كالذي رواه عبد الرزاق:
١١/٣٧٢ عن أبي الجلد قال: (تكون فتنة ثم تتبعها أخرى، لا تكون الأولى في الآخرة إلا
كثمرة السوط تتبعه ذباب السيف، ثم تكون فتنة فلا يبقى لله محرم إلا استحل، ثم يجتمع
الناس على خيرهم رجلاً، تأتيه إمارته هنيئاً وهو في بيته). وعنه ابن
حماد:
١/٣٤٤، وابن أبي شيبة: ١٥/٢٤٦، وفيه: ثم تأتي الخلافة خير أهل الأرض وهو قاعد في
بيته هنياً.
ثمرة السوط: طرفه من أسفله. وذباب السيف: طرفه الذي يضرب به، والمقصود تفاقم الفتن
من الشديد إلى الأشد. وفي القول المختصر/٧٠: لا يخرج حتى تكون قبله فتنة تستحل فيها
المحارم كلها، ثم تأتيه الخلافة وهو قاعد في بيته وهو خير أهل الأرض).
وفي ملاحم ابن طاووس/١٢١، من كتاب الفتن للسليلي عن عبد الله بن عمر قال: تكون فتنة
يقال لها السبيطة قتلاها في النار، فقلت: وهما مسلمان؟ قال: وهما مسلمان، قلت: وهما
مسلمان! قال: وهما مسلمان، قلت: لمَ؟ قال: لأنهم تغالبوا على أمر الدنيا ولم
يتغالبوا على أمر الله، فقلت قد كان ذلك؟ قال: متى لله أبوك؟ فقلت فتنة عثمان؟ قال:
كلا والذي بعث محمداً بالحق حتى يدخل على العرب كلهم حجرها وحتى يأتي الرجل القبر
فيقول يا ليتني كنت مكانك! وحتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً! قلت ثم مَهْ؟ قال: ثم
يبعث الله رجلاً يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يعيش بضع سنين، فقلت:
وما البضع؟ قال: زعم أهل الكتاب أنه تسع أو سبع). وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي:
٣/٢٠٣، عن أبي هريرة. والسبيطة: الطويلة، وقد تكون من السباطة أي الكناسة ومرمى
الأوساخ شبهت به لاجتماع الصفات السيئة فيها. وقد تكون السبيتة بالتاء، من السبت
بمعنى السكون، وتوصف به الفتنة لاستقرارها ودوامها.
وفي الداني/٩٥ والسنن/١٠٤٢، عن قتادة قال: يجاء إلى المهدي وهو في بيته والناس في
فتنة تهراق فيها الدماء فيقال له: قم علينا فيأبى، حتى يُخَوَّف القتل فإذا خوف
بالقتل قام عليهم فلا يهراق في سببه محجمة دم) ولم يرفعه. وعنه عقد الدرر/٦٣ وغيره.
والمقصود بالتخويف بالقتل الوارد في هذا الحديث وغيره، التخويف بانكشاف أمره (عليه
السلام) قرب مجيء جيش السفياني إلى مكة، كما فسرته أحاديث أخرى، لا أن الذين
يريدونه للبيعة يخوفونه بالقتل.
* * *
الفصل الخامس: ذم حكام السوء وعلماء آخر الزمان
١ - علماء السوء أتباع الأئمة المضلين!
روى الجميع عن النبي (صلى الله عليه وآله) أحاديث عديدة في أن الأمة ستبتلى بحكام
فاسدين يحكمون بالجور والطغيان، وعلماء سوء يبررون لهم أعمالهم! فأحاديثهم فرع من
أحاديث الأئمة المضلين. وقد حاول بعضهم إبعاد وقتها عن الصحابة فجعلوها في آخر
الزمان أو قرب قيام الساعة! مع أن فيها ما ينص على أن زمنها بعد النبي (صلى الله
عليه وآله) مباشرة، وبعضها نص على استمرار ذلك البلاء حتى ظهور الإمام المهدي (عليه
السلام)!
والآيات والأحاديث في ذم علماء السوء، وأئمتهم حكام الجور، كثيرة، عقد لها مؤلفوا
الحديث أبواباً خاصة، لكن غرضنا منها ما يرتبط بظهور الإمام (عليه السلام):
ففي مجمع الزوائد: ٥/٢٣٣: (عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
لا تقوم الساعة حتى يبعث الله أمراء كذبة ووزراء فجرة وأمناء خونة وقراء فسقة سمتهم
سمة الرهبان وليس لهم رعية أو قال رعة فيلبسهم الله فتنة غبراء مظلمة يتهوكون فيها
تهوك اليهود في الظلم. رواه البزار وفيه حبيب بن عمران كلاعي ولم أعرفه، وبقية
رجاله رجال الصحيح). والقراء الفسقة: حملة القرآن من الرواة والعلماء. سَمْتُهم: أي
هيئتهم المعنوية الظاهرة مثل الرهبان. والرِّعْيَة: بمعنى ورع عن المحارم. يتهوكون
فيها: أي يقعون في الفتنة ويتخبطون كاليهود. والتهوك مصطلح نبوي لمن تأثر باليهود
من أصحابه. وتعبير: لا تقوم الساعة
حتى... يدل على حتميته فقط، ولا يدل على أنه سيكون قرب الساعة! لكن قوله في الحديث
الآتي: فإن أدركتموهم فصلوا صلاتكم لوقتها، يدل على أن وقتهم قريب من وفاة النبي
(صلى الله عليه وآله).
أما رواية ابن أبي شيبة: ٨/٦٩٨، فتدل على أنهم يكونون عند ظهور المهدي (عليه
السلام) (في آخر هذا الزمان قراء فسقة..) ومثله تاريخ بخاري: ٤/٣٣٠، والزهد لابن
عاصم: ١/٢١٢.
وفي الدر المنثور: ٦/٥٣: (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: حج النبي (صلى الله
عليه وآله) حجة الوداع ثم أخذ بحلقة باب الكعبة فقال: أيها الناس ألا أخبركم بأشراط
الساعة؟ فقام إليه سلمان فقال: أخبرنا فداك أبي وأمي يا رسول الله. قال: إن من
أشراط الساعة إضاعة الصلاة والميل مع الهوى وتعظيم رب المال.
فقال سلمان: ويكون هذا يا رسول الله؟ قال: نعم والذي نفس محمد بيده، فعند ذلك يا
سلمان تكون الزكاة مغرماً والفيء مغنماً، ويصدق الكاذب ويكذب الصادق، ويؤتمن الخائن
ويخون الأمين، ويتكلم الرويبضة. قال: وما الرويبضة: قال يتكلم في الناس من لم يتكلم
وينكر الحق تسعة أعشارهم، ويذهب الإسلام فلا يبقى إلا اسمه ويذهب القرآن فلا يبقى
الا رسمه، وتحلى المصاحف بالذهب، وتتسمن ذكور أمتي وتكون المشورة للإماء! ويخطب على
المنابر الصبيان وتكون المخاطبة للنساء! فعند ذلك تزخرف المساجد كما تزخرف الكنائس
والبيع، وتطوَّل المنائر وتكثر الصفوف مع قلوب متباغضة وألسن مختلفة وأهواء جمة!
قال سلمان: ويكون ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم والذي نفس محمد بيده، عند ذلك يا
سلمان يكون المؤمن فيهم أذل من الأمة، يذوب قلبه في جوفه كما يذوب الملح في الماء،
مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيره، ويكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء،
ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية البكر فعند ذلك يا سلمان يكون أمراء فسقة
ووزراء فجرة وأمناء خونة، يضيعون الصلوات ويتبعون الشهوات، فإن أدركتموهم فصلوا
صلاتكم لوقتها. عند ذلك يا سلمان يجيء سبي من المشرق وسبي من المغرب جثاؤهم جثاء
الناس وقلوبهم قلوب الشياطين، لا
يرحمون صغيراً ولا يوقرون كبيراً. عند ذلك يا سلمان يحج الناس إلى هذا البيت
الحرام، تحج ملوكهم لهواً وتنزهاً وأغنياؤهم للتجارة ومساكينهم للمسألة وقراؤهم
رياءً وسمعة!
قال: ويكون ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم والذي نفسي بيده، عند ذلك يا سلمان يفشو
الكذب ويظهر الكوكب له الذنب، وتشارك المرأة زوجها في التجارة، وتتقارب الأسواق!
قال: وما تقاربها؟ قال كسادها وقلة أرباحها. عند ذلك يا سلمان يبعث الله ريحاً فيها
حيات صفر فتلقط رؤساء العلماء لما رأوا المنكر فلم يغيروه! قال: ويكون ذلك يا رسول
الله؟ قال: نعم والذي بعث محمداً بالحق). وشبيهه في جامع الأخبار لتاج الدين
الشعيري/٧٢، عن جابر، وقد تضمن عدداً من فقراته، لكنه تحدث عما يجري على الأمة وليس
فيه ذكر لأشراط الساعة. وعنه بحار الأنوار: ٥٢/٢٦٢.
أقول: رغم تصريح هذا الحديث وغيره بأن هذا الفساد في الحكام والعلماء سيكون عند
اقتراب الساعة، فإن عدداً من أحاديثها نص أو تضمن قرائن على أن ذلك سيكون قريباً من
عصر النبي (صلى الله عليه وآله)! فلا بد أن يكون توقيتها بقيام الساعة من تحريف
الرواة أو تكون الظاهرة متعددة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) وقرب قيام الساعة.
وفي تاريخ دمشق: ٣٦/٢٨٢: (عن أنس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن في
جهنم رحى تطحن علماء السوء طحناً). و: ٣٦/١٧٨، وميزان الاعتدال: ٢/٢٥٢.
وفي المستطرف: ١/٥١: (عن أنس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ويل لأمتي من
علماء السوء يتخذون العلم تجارة يبيعونها لا أربح الله تجارتهم). وفيض القدير:
٦/٤٧٩، والفردوس: ٤/٣٩٨ وربيع الأبرار/٦٥٥، وكنز العمال: ١٠/٢٠٥. وفي فيض القدير:
١/١٨٣، أن النبي (صلى الله عليه وآله) سئل عن أشر الخلق على الإطلاق، فأجاب: هم
علماء السوء. وفي: ٦/٤٧٨: ويل لأمتي من علماء السوء. وهي أحاديث مطلقة من حيث
الزمان. وهي كثيرة جداً في مصادر الطرفين.
أما مصادرنا، فروت أحاديث صريحة في ذم علماء السوء، وتفسير آيات ذمهم، وهي تدل على
أن زمنهم بعد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى ظهور الإمام المهدي (عليه السلام).
وهذه نماذج منها: في الكافي: ٨/٣٠٧، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله): سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه ومن
الإسلام إلا اسمه، يُسمَّوْنَ به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من
الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء! منهم خرجت الفتنة واليهم تعود).
ومثله ثواب الأعمال/٣٠١، وأعلام الدين/٤٠٦. ورسم القرآن: خطه. منهم خرجت الفتنة:
لأنهم يؤيدون حكام الجوْر ويحرفون الإسلام لأجلهم. وإليهم تعود: بغضب المؤمنين
وانتقام الله تعالى منهم.
وفي جامع الأخبار/١٢٩: علماؤهم شر خلق الله على وجه الأرض. حينئذ ابتلاهم الله
بأربع خصال: جور من السلطان وقحط من الزمان، وظلم من الولاة والحكام، فتعجب الصحابة
وقالوا: يا رسول الله أيعبدون الأصنام؟ قال: نعم كل درهم عندهم صنم). وفي
الخصال/٢٩٦: أن علياً (عليه السلام) قال: إن في جهنم رحى تطحن خمساً! أفلا تسألوني
ما طحنها؟ فقيل له: فما طحنها يا أمير المؤمنين؟ قال: العلماء الفجرة، والقراء
الفسقة، والجبابرة الظلمة، والوزراء الخونة، والعرفاء الكذبة (رؤساء العشائر
والمناطق) وإن في النار لمدينة يقال لها: الحصينة أفلا تسألوني ما فيها؟ فقيل: وما
فيها يا أمير المؤمنين؟ فقال: فيها أيدي الناكثين). وثواب الأعمال/٢٥٣.
وذكر في نوادر المعجزات/١٢٠، عن جابر الجعفي اضطهاد حكام الجور من بني أمية لأهل
البيت (عليه السلام) وشيعتهم، قال: (واغتالوا شيعته في البلدان وقتلوهم واستأصلوا
شأفتهم، ومالأهم على ذلك علماء السوء رغبة في حطام الدنيا).
وأورد في البحار: ٢/١٠٧، آيات ذم علماء السوء وأحاديثه تحت عنوان: ذم علماء السوء
ولزوم التحرز عنهم، وهي٢٥ حديثاً، منها: عن النبي (صلى الله عليه وآله): الفقهاء
أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا. قيل: يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا؟ قال:
اتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم. وقوله (صلى الله عليه وآله): إني
لا أتخوف على أمتي مؤمناً ولا مشركاً، فأما المؤمن فيحجزه إيمانه وأما المشرك
فيقمعه كفره، ولكن أتخوف عليكم من كان منافقاً عليم اللسان يقول ما تعرفون ويعمل ما
تنكرون.
وقوله (صلى الله عليه وآله): ألا إن شر الشر شرار العلماء، وإن خير الخير خيار
العلماء.
وقوله (صلى الله عليه وآله): أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إلى داود (عليه السلام) لا
تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا فيصدك عن طريق محبتي، فإن أولئك قطاع طريق
عبادي المريدين.
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَالشُّعَرَاءُ
يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ)، قال: هل رأيت شاعراً يتبعه أحد؟ إنما هم قوم
تفقهوا لغير الدين فضلوا وأضلوا). انتهى.
وفي الاحتجاج: ٢/٢٦٢، وتفسير الإمام العسكري (عليه السلام) في تحريف علماء السوء
اليهود ومن هذه الأمة: (فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين
ذمهم الله بالتقليد لفسقة فقهائهم! فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً
لدينه مخالفاً على هواه مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلا
بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم. فإن من ركب من القبايح والفواحش مراكب فسقة العامة فلا
تقبلوا منا عنه شيئاً ولا كرامة... ثم وصف (عليه السلام) علماء السوء المحرِّفين
بقوله: (وهم أضر على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي (عليه السلام)
وأصحابه فإنهم يسلبونهم الأرواح والأموال وهؤلاء علماء السوء الناصبون المتشبهون
بأنهم لنا موالون ولأعدائنا معادون ويدخلون الشك والشبهة على ضعفاء شيعتنا فيضلونهم
ويمنعونهم عن قصد الحق المصيب... ثم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): شرار
علماء أمتنا المضلون عنا القاطعون للطرق إلينا المسمون أضدادنا باسمائنا الملقبون
أضدادنا بألقابنا، يصلون عليهم وهم للعن مستحقون، ويلعنونا ونحن بكرامات الله
مغمورون، وبصلوات الله وصلوات ملائكته المقربين علينا عن صلواتهم علينا مستغنون.
ثم استشهد بقول علي (عليه السلام) بأن شرار خلق الله العلماء إذا فسدوا، المظهرون
للأباطيل الكاتمون للحقايق، وفيهم قال الله (عزَّ وجلَّ): (إِنَّ
الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ
مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ
وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ)).
وفي البصائر/٥٢، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (قرأت في كتاب أبي: الأئمة في
كتاب الله إمامان: إمام هدى وإمام ضلال، فأما أئمة الهدى فيقدمون أمر الله قبل
أمرهم وحكم الله قبل حكمهم! وأما أئمة الضلال فإنهم يقدمون أمرهم قبل أمر الله
وحكمهم قبل حكم الله اتباعاً لأهوائهم وخلافاً لما في الكتاب).
وفي تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) /٣٤٤، عن علي بن محمد (عليهما السلام):
لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم (عليه السلام) من العلماء الداعين إليه والدالين عليه
والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن
فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله! ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب
ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله (عزَّ وجلَّ)).
وعنه الاحتجاج/١٨، عن الإمام العسكري (عليه السلام)، ومنية المريد/٣٥، والبحار:
٢/٦.
وفي الكافي: ١/٥٢، عن المفضل بن عمر قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): أكتب
وبُثَّ علمك في إخوانك، فإن متَّ فأورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا
يأنسون فيه إلا بكتبهم). وعنه كشف المحجة/٣٥، والإيقاظ/٢٣، والبحار: ٢/١٥٠.
* * *
الفصل السادس: النبي (صلى الله عليه وآله) يبشر الأمة بالمهدي (عليه السلام) من عترته
المهدي من عترتي اسمه اسمي وكنيته كنيتي
أحمد: ٣/٣٦، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تقوم
الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً، قال ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي،
يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً). ومثله أبو يعلى: ٢/٢٧٤، وابن حبان:
٨/٢٩٠ ٢٩١ بتفاوت يسير، والحاكم: ٤/٥٥٧، عن أبي سعيد الخدري، وصححه على شرط
الشيخين).
وقال الحافظ المغربي/٥١٥: والحديث أخرجه الحاكم، عن عوف بن أبي جميلة المذكور من
طريقين، الطريق الأول: عن أبي بكر بن إسحاق وعلي بن حماد العدل وأبي بكر محمد بن
أحمد بن بالويه، كلهم عن بشر بن موسى الأسدي، عن هارون بن خليفة، عن عوف بن أبي
جميلة الأعرابي به.
الطريق الثاني: عن الحسين بن علي الدارمي، عن محمد بن إسحاق الإمام، عن محمد بن
يسار، عن ابن أبي عدي، عن عوف الأعرابي به. وأخرجه الإمام أحمد عن محمد بن جعفر،
حدثنا عوف الأعرابي به. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وأقره الحافظ
الذهبي في المستدرك، وفي هذا كفاية للمنصف).
الجامع الصحيح: ١/١٤٧، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً قال: ثم يخرج رجل من عترتي أو من
أهل بيتي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً). ومثله/١٦٤، و/٣٨٢
المقصد العلي: ٤/٤٠٦، عن أبي سعيد الخدري قال النبي (صلى الله عليه وآله): لا تقوم
الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً، ثم يخرج رجل من أهل بيتي، أو قال من عترتي
فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً). وجامع الأحاديث: ٨/٨١، عن
ابن مسعود: يخرج رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي وخلقه خلقي فيملؤها عدلاً وقسطاً
كما ملئت ظلماً وجوراً). ومن مصادرنا: دلائل الإمامة/٢٤٩، بنحو رواية أحمد.
أحمد: ١/٣٧٦، عن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتى يلي
رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي). والترمذي: ٤/٥٠٥، عن عبد الله، وأبي هريرة قال:
لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي... وحسنه وصححه، والبدء
والتاريخ: ٢/١٨٠، كأحمد، وقال: وأحسن ما جاء في هذا الباب خبر أبي بكر بن عياش، عن
عاصم بن ذر، عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه)).
وفي ملاحم ابن المنادي/٤١، عن ابن مسعود، عن النبي (صلى الله عليه وآله): لا تقوم
الساعة حتى يملك الأرض أحد من أهل بيتي اسمه كاسمي). وفي رواية: اسمه اسمي. وفي
أحمد: ٣/٢٨ و: ٣/٧٠ عن أبي سعيد، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: تملأ
الأرض ظلماً وجوراً، ثم يخرج رجل من عترتي، يملك سبعاً أو تسعاً، فيملأ الأرض قسطاً
وعدلاً. والحاكم: ٤/٥٥٨، كما في أحمد، بتفاوت يسير، عن أبي سعيد، وصححه على شرط
مسلم، وكذا استدراك الذهبي: ٧/٣٤٦١. ونحوه في حلية الأولياء: ٣/١٠١، وليس فيه مدته،
وقال: مشهور من حديث أبي الصديق، عن أبي سعيد ورواه من التابعين عن أبي الصديق مطر
الوراق، وعنه حماد بن زيد. وفي تذكرة الخواص/٣٦٣، عن ابن عمر قال قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله): يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي، اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي، يملأ
الأرض عدلاً كما ملئت جوراً. وقال: فذلك هو المهدي، وهذا حديث مشهور). ومثله عقد
الدرر/٣٢.
المهدي (عليه السلام) حتمي ودولته العالمية حتمية
ابن أبي شيبة: ١٥/١٩٨، عن علي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لو لم يبق من
الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً). ومثله
أحمد: ١/٩٩، بتفاوت
يسير، وفيه: قال أبو نعيم: رجلاً منا. والبدء والتاريخ: ٢/١٨١، والجامع الصغير:
٢/٤٣٨، أحمد، وأبي داود. والدر المنثور: ٦/٥٨، وقال: وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد،
وأبو داود. ومسند البزار: ٢/١٣٤: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلاً من
أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً. ومسند الشاشي: ٢/١٠٩، عن عبد الله قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله تعالى فيه
رجلاً من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً.
وجامع المسانيد: ٢٠/٣٠٠: لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي،
يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً. وفي أحمد: ١/٣٧٦ و٣٧٧: لا تنقضي الأيام ولا يذهب
الدهر حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، اسمه يواطئ اسمي. ومثله أبو داود: ٤/١٠٧،
والترمذي: ٤/٥٠٥، وحسنه وصححه. والطبراني الكبير: ١٠/١٦٤ و١٦٦، والبزار: ٥/٢٠٤، عن
عبد الله، ومثله الأوسط: ٧/٤٢٥، عن عبد الله بن مسعود.
وفي الطبراني الكبير: ١٠/١٦٨، عن ابن عمر: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا
تذهب الأيام والليالي ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم حتى يبعث الله رجلاً من أمتي،
يواطئ اسمه اسمي). ومثله تحفة الأشراف: ٧/٢٣، أوله، عن أبي داود، والترمذي. والفصول
المهمة/٢٩١، عن إرشاد المفيد. وفي/٢٩٤: قال: ومن ذلك ما أخرجه أبو داود، والترمذي..
وفي ابن حبان: ٧/٥٧٦، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو لم
يبق من الدنيا إلا ليلة لملك فيها رجل من أهل بيت النبي). ومثله ابن حبان: ٧/٥٧٦،
عن ابن مسعود وفيه: يواطئ اسمه اسمي. وملاحم ابن المنادى/٤١، عن ابن مسعود، كرواية
ابن حبان الثانية، والطبراني الكبير: ١٠/١٦١، عن ابن مسعود، وفيه: رجل من أهل بيتي
يوافق اسمه اسمي.
ورواه من مصادرنا: دلائل الإمامة/٢٥٥، كما في رواية الطبراني الثانية، بسند آخر،
وفيه: رجل من ولدي يوافق اسمه اسمي. وبشارة المصطفى/٢٥٨، كما في الطبراني الثالثة.
وفي سنن الداني/١٠٠، عن أبي سعيد: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يخرج رجل من
أمتي يعمل بسنتي، ينزل الله له البركة من السماء، وتخرج له الأرض بركتها، يملأ
الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، يعمل سبع سنين على هذه الأمة وينزل بيت المقدس).
وفي عقد الدرر/٢٠، عن سنن الداني وأبي نعيم في صفة المهدي، وفيه: من أهل بيتي،
وتملأ به
عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. ومجمع الزوائد: ٧/٣١٧، كالداني بتفاوت يسير، وقال:
رواه الترمذي، وابن ماجة باختصار، رواه الطبراني في الأوسط، وفيه: ينزل الله (عزَّ
وجلَّ) له القطر من السماء وينبت الله له الأرض من بركتها. والمعجم الأوسط: ٢/٤٧،
عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: يخرج رجل من أهل بيتي
يقول بسنتي ينزل الله (عزَّ وجلَّ) له القطر من السماء وتخرج له الأرض من بركتها،
تُملأ الأرض منه قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يعمل على هذه الأمة سبع سنين
وينزل بيت المقدس).
ومن مصادرنا: غيبة الطوسي/١١١، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله (صلى الله
عليه وآله) يقول على المنبر: إن المهدي من عترتي، من أهل بيتي يخرج في آخر الزمان
ينزل الله له من السماء قطرها، ويخرج له من الأرض بذرها، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً،
كما ملأها القوم ظلماً وجوراً... المهدي يخرج في آخر الزمان). وفي/١١٣، عن ابن
مسعود: لا تذهب الدنيا حتى يلي أمتي رجل من أهل بيتي يقال له المهدي).
المهدي حق وهو من ولد فاطمة (عليها السلام)
ابن ماجة: ٢/١٣٦٨، عن سعيد بن المسيب قال كنا عند أم سلمة فتذاكرنا المهدي فقالت
سمعت رسول الله يقول: المهدي حق وهو من ولد فاطمة (عليها السلام)). ومثله تاريخ
بخاري: ٣/٣٤٦، عن ابن المسيب، عن أم سلمة، وأبو داود: ٤/١٠٧، والطبراني الكبير:
٢٣/٢٦٧، والحاكم: ٤/٥٧٧، بروايتين: نعم هو حق وهو من بني فاطمة. ومشكاة المصابيح:
٣/٢٤، عن أبي داود وفيه: من أولاد فاطمة، وفي هامشه: وإسناده جيد. ومثله تذكرة
الحفاظ: ٢/٤٦٣، عن أم سلمة وفي الدر المنثور: ٦/٥٨: وأخرج أبو داود، وابن ماجة،
والطبراني، والحاكم، عن أم سملة. وصواعق ابن حجر/١٦٣، كأبي داود، وقال: ومن ذلك ما
أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، والبيهقي، وآخرون. ومن مصادرنا: غيبة
الطوسي/١١٤، كأبي داود عن أم سلمة. والطرائف: ١/١٧٥، كأبي داود، عن الجمع بين
الصحاح، والفردوس، ومصابيح الفراء.
وفي عقيدة أهل السنة والأثر/١٨، عن أبي داود، وابن ماجة، وقال: وقد أورد هذا الحديث
في الجامع الصغير، ورمز لصحته، وأورده في مصابيح السنن في فصل الحسان، وقال
الألباني في تخريج أحاديث المشكاة: وإسناده جيد، وقال: رواه الترمذي، وأبو داود.
وقال: أخرج أبو داود، وابن ماجة، والطبراني، والحاكم عن أم سلمة.
وفي ابن حماد: ١/٣٦٨، عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: المهدي حق هو؟ قال حق،
قال قلت: ممن هو؟ قال من قريش، قلت: من أي قريش، قال: من بني هاشم، قلت: من أي بني
هاشم؟ قال: من بني عبد المطلب، قلت: من أي عبد المطلب؟ قال: من ولد فاطمة). وفي
مناقب ابن المنادي/٤١: أخبرنا عبد الرزاق بن همام قال: قلت لسعيد بن المسيب أحق
المهدي؟ فقال: كابن حماد، وفيه: قال: حسبك الآن. وفيها، عن سعيد بن المسيب يحدث عن
أم سلمة قالت: ذكر عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) المهدي فقال: نعم هو حق، وهو
من ولد فاطمة أو قال: من بني فاطمة. وملاحم ابن طاووس/١٦٤، عن فتن زكريا، عن سعيد
بن المسيب، عن ابن عباس، قال: وفيه: المهدي من قريش، قالوا من أي قريش؟ قال من بني
هاشم، من ولد فاطمة (عليها السلام). وفي فرائد فوائد الفكر/٦٥، عن قتادة، قال: قلت
لسعيد بن المسيب: أحق المهدي؟ فقال: نعم هو حق. قلت: ممن هو؟ قال: من قريش. قلت: من
أي قريش؟ قال: من بني هاشم. قلت: من أي بني هاشم؟ قال: من ولد عبد المطلب. قلت: من
أي ولد عبد المطلب؟ قال: من ولد فاطمة. قلت: من أي ولد فاطمة؟ قال: حسبك الآن.
ونحوه تيسير المطالب/٨٨، عن أم سلمة، وزين الفتى: ١/٤٠٢، عن قتادة.
وفي ابن حماد: ١/٣٧٥، عن الزهري: المهدي رجل منا، من ولد فاطمة، ونحوه في عدة
موارد/٣٤٥، و٣٥٠، و٣٦٩، و٣٧٣، و٣٧٥، وعنه الحاوي: ٢/٧٨، وجمع الجوامع: ٢/١٠٤، الخ.
ومقتضب الأثر/١٦٦، عن الزهري: المهدي من ولد فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه
وآله). وعنه إثبات الهداة: ١/٧١٢، والبحار: ٥١/١٦٤.
وغيبة الطوسي/١١٤، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: المهدي رجل من
ولد فاطمة (عليها السلام)، وهو رجل آدم. وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٠٤، والبحار: ٥١/٤٣.
النبي (صلى الله عليه وآله) يبشر فاطمة الزهراء بالمهدي (عليهما السلام)
الطبراني، الصغير: ١/٣٧، عن أبي أيوب: قال رسول الله (عليه السلام) لفاطمة: نبينا
خير الأنبياء وهو أبوك، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك حمزة، ومنا من له جناحان
يطير بهما في الجنة حيث يشاء وهو ابن عم أبيك جعفر، ومنَّا سبطا هذه الأمة الحسن
والحسين، وهما ابناك، ومنا المهدي).
أقول: روي هذا الحديث بصيغ متشابهة عن أبي أيوب الأنصاري، وأبي سعيد وسلمان، وعلي
الهلالي، وروي عن ابن عباس وغيره في حديث الأئمة من قريش
من أهل البيت (عليهم السلام)، وتبلغ طرقه وأسانيده نحو مجلد. ففي الطبراني الأوسط:
٧/٢٧٦، والكبير: ٣/٥٢، بروايتين عن علي المكي الهلالي قال: دخلت على رسول الله (صلى
الله عليه وآله) وفي شكاته التي قبض فيها، فإذا فاطمة (رضي الله عنها) عند رأسه،
قال فبكت حتى ارتفع صوتها، فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) طرفه إليها فقال:
حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك؟ فقالت: أخشى الضيعة من بعدك! فقال: يا حبيبتي أما علمت
أن الله (عزَّ وجلَّ) اطلع إلى الأرض إطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالته، ثم
اطلع اطلاعة فاختار منها بعلك وأوحى إلي أن أنكحك إياه. يا فاطمة: ونحن أهل بيت قد
أعطانا الله سبع خصال لم يعط أحد قبلنا ولا يعطى أحد بعدنا: أنا خاتم النبيين وأكرم
النبيين على الله وأحب المخلوقين إلى الله (عزَّ وجلَّ) وأنا أبوك، ووصيي خير
الأوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله وهو عمك
حمزة بن عبد المطلب، وهو عم أبيك وعم بعلك، ومنا من له جناحان أخضران يطير في الجنة
مع الملائكة حيث يشاء وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك
الحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهما. يا
فاطمة: والذي بعثني بالحق إن منهما مهدي هذه الأمة، إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً،
وتظاهرت الفتن، وتقطعت السبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً، ولا صغير
يوقر كبيراً، فيبعث الله (عزَّ وجلَّ) عند ذلك منهما من يفتتح حصون الضلالة وقلوباً
غلفاً، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان، ويملأ الدنيا عدلاً
كما ملئت جوراً.
يا فاطمة: لا تحزني ولا تبكي فإن الله (عزَّ وجلَّ) أرحم بك، وأرأف عليك مني، وذلك
لمكانك مني وموضعك من قلبي، زوجك الله زوجك وهو أشرف أهل بيتك حسباً، وأكرمهم
منصباً، وأرحمهم بالرعية، وأعدلهم بالسوية، وأبصرهم بالقضية، وقد سألت ربي (عزَّ
وجلَّ) أن تكوني أول من يلحقني من أهل بيتي. قال علي (ابن هلال) (رضي الله عنه):
فلما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) لم تبق فاطمة (رضي الله عنها) بعده إلا
خمسة وسبعين، يوماً حتى ألحقها الله به). ومجمع الزوائد: ٩/١٦٥ عن الطبراني الكبير
والأوسط وبيان الشافعي/٤٧٨، وعنه ذخائر العقبى/٤٤ و١٣٥، مختصراً، وعن أربعين الحافظ
أبي العلاء الهمداني.
ومعنى أخشى الضيعة من بعدك: أي ظلم الأمة. الهرج والمرج: القتل والفوضى. تظاهرت
الفتن: توالت وتعاونت في تأثيرها. تقطعت السبل: بمعنى فقد الأمن. حصون الضلالة:
مراكزها. قلوباً غلفاً: عليها غلاف وغشاء عن سماع الحق واتباعه.
وفي عوالم النصوص على الأئمة/١٢٤، عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله في
الشكاة التي قبض فيها فاطمة عند رأسه قال: فبكت حتى ارتفع صوتها فرفع رسول الله
(صلى الله عليه وآله) طرفه إليها فقال.. كما في الطبراني بتفاوت يسير.
وفي مناقب ابن المغازلي/١٠١، عن أبي أيوب قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
مرض مرضةً فدخلت عليه فاطمة (عليها السلام) تعوده، وهو ناقهٌ من مرضه، فلما رأت ما
برسول الله من الجهد والضعف خنقتها العبرة حتى خرجت دمعتها، فقال لها: يا فاطمة إن
الله (عزَّ وجلَّ) اطلع إلى الأرض إطلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبياً، ثم اطلع
إليها ثانية فاختار منها بعلك فأوحى إلي فأنكحته واتخذته وصياً. أما علمت يا فاطمة
إن لكرامة الله إياك زوجك أعظمهم حلماً، وأقدمهم سلماً، وأعلمهم علماً؟ فسرت بذلك
فاطمة واستبشرت، ثم قال لها رسول الله: يا فاطمة لعليٍّ ثمانية أضراس ثواقب: إيمان
بالله وبرسوله، وحكمته، وتزويجه فاطمة، وسبطاه الحسن والحسين، وأمره بالمعروف ونهيه
عن المنكر، وقضاؤه بكتاب الله (عزَّ وجلَّ).
يا فاطمة: إنا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يُعْطَهَا أحدٌ من الأولين ولا الآخرين
قبلنا أو قال: ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا: نبينا أفضل الأنبياء وهو أبوك،
ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك، ومنا من له جناحان
يطير بهما في الجنة حيث يشاء، وهو جعفر ابن عمك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك،
ومنا الذي نفسي بيده مهدي هذه الأمة). وينابيع المودة/٨١، عن مناقب الخوارزمي،
وفيه: ومنا سبطان وسيدا شبان أهل الجنة ابناك، والذي نفسي بيده إن مهدي هذه
الأمة يصلي عيسى بن مريم خلفه فهو من ولدك. والروض الداني إلى المعجم الصغير
للطبراني: ١/٧٥ عن أبي أيوب الأنصاري قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة:
نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك حمزة، ومنا من له
جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء وهو ابن عم أبيك جعفر، ومنا سبطا هذه الأمة:
الحسن والحسين وهما إبناكِ، ومنا المهدي. وفي مسند فاطمة الزهراء (عليها السلام)
للسيوطي/٤٧ و٩٣: أبشري يا فاطمة فإن المهدي منك). ومن مصادرنا: أمالي الطوسي:
١/١٥٤، عن أبي أيوب الأنصاري قال: مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرضة فأتته
فاطمة (عليها السلام) تعوده، فلما رأت ما برسول الله (صلى الله عليه وآله) من المرض
والجهد استعبرت وبكت حتى سالت دموعها على خديها فقال لها النبي (صلى الله عليه
وآله): كما في مناقب ابن المغازلي بتفاوت.
وفي البيان للشافعي/٥٠١، عن أبي هارون العبدي قال: أتيت أبا سعيد الخدري فقلت له:
هل شهدت بدراً؟ فقال: نعم، قلت ألا تحدثني بشيء مما سمعته من رسول الله (صلى الله
عليه وآله) في علي (عليه السلام) وفضله؟ فقال: بلى أخبرك أن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) مرض مرضة نقه منها، فدخلت عليه فاطمة (عليها السلام) تعوده وأنا جالس عن
يمين رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما رأت ما برسول الله (صلى الله عليه وآله)
من الضعف خنقتها العبرة حتى بدت دموعها على خدها فقال لها رسول الله (صلى الله عليه
وآله): ما يبكيك يا فاطمة؟ أما علمت أن الله تعالى اطلع إلى الأرض إطلاعة فاختار
منها أباك فبعثه نبياً، ثم اطلع ثانية فاختار بعلك، فأوحى إلي فأنكحته واتخذته
وصياً، أما علمت أنك بكرامة الله تعالى أباك زوجك أعلمهم علماً وأكثرهم حلماً
وأقدمهم سلماً. فضحكت واستبشرت، فأراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يزيدها
مزيد الخير كله الذي قسمه الله لمحمد وآل محمد، فقال لها: يا فاطمة ولعلي ثمانية
أضراس يعني مناقب: إيمان بالله ورسوله، وحكمته، وزوجته وسبطاه الحسن والحسين، وأمره
بالمعروف ونهيه عن المنكر. يا فاطمة إنا أهل بيت أعطينا ست خصال لم يعطها أحد من
الأولين، ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا أهل البيت: نبينا خير الأنبياء وهو أبوك،
ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عم أبيك، ومنا سبطا
هذه الأمة وهما ابناك، ومنا مهدي الأمة الذي يصلي عيسى خلفه. ثم ضرب على منكب
الحسين (عليه السلام) فقال: من هذا مهدي
الأمة. وقال: قلت: هكذا أخرجه الدارقطني صاحب الجرح والتعديل).
إطلع إطلاعة: أي نظر نظرة، وبما أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وهو العالم بخلقه قبل
أن يكونوا، فلا بد أن يكون المعنى أن الله تعالى اختار محمداً وآله لعلمه بتميزهم
عن الخلق.
وفي عوالم العلوم/٤٨٧ و٣٠٦، عن سلمان: كنت جالساً بين يدي رسول الله (صلى الله عليه
وآله) في مرضه الذي قبض فيه فدخلت فاطمة (عليها السلام)، فلما رأت ما بأبيها من
الضعف بكت حتى جرت دموعها على خديها فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما
يبكيك يا فاطمة؟... أما علمت أن الله اختار من أهل الأرض أباك... يا فاطمة إنا أهل
بيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين قبلنا... ومنا سبطا هذه الأمة وهما
ابناك الحسن والحسين ومنا... والذي نفس بيده مهدي هذه الأمة، وابناك حسن وحسين سيدا
شباب أهل الجنة، وأبناء بعلك أوصيائي إلى يوم القيامة كلهم هادون مهديون، وأول
الأوصياء بعدي أخي علي، ثم حسن، ثم حسين، ثم تسعة من ولد الحسين في درجتي... يا
بنية إنا آل بيت أعطانا الله (عزَّ وجلَّ) ست خصال لم يعطها أحد من الآخرين غيرنا..
نبينا سيد الأنبياء والمرسلين وهو أبوك ووصينا سيد الأوصياء وهو بعلك... وابناك حسن
وحسين سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة، ومنا والذي نفسي بيده، مهديُّ هذه الأمة
الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً قالت: وأي هؤلاء الذي سميتهم
أفضل؟ قال: علي بعدي أفضل أمتي وحمزة وجعفر أفضل أهل بيتي بعد علي، وبعدك وبعد ابني
وسبطي حسن وحسين، وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا وأشار إلى الحسين، منهم المهدي.
إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا فقال علي: الحمد لله شكراً على
نعمائه وصبراً على بلائه).
وفي/١٥٥: عن ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله تبارك وتعالى
إطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارني منها فجعلني نبياً ثم اطلع ثانية فاختار منها علياً
فجعله إماماً، وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري ويحفظون وصيتي، التاسع منهم
قائمهم. ومثله في مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان: ١/٢٥٣، عن أبي أيوب. وفي
كفاية الطالب/٥٠٢، عن أبي سعيد وفيه: يا فاطمة إنا أهل بيت أعطينا ست خصال لم يعطها
أحد من الأولين ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا أهل البيت: نبينا خير الأنبياء وهو
أبوك، ووصينا خير الأوصياء
وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عم أبيك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك،
ومنا مهدي الأمة الذي يصلي عيسى خلفه ثم ضرب على منكب الحسين فقال: من هذا مهدي
الأمة.
وفي مقاتل الطالبيين: ١/٩٧، عن الوليد بن محمد الموقري قال: كنت مع الزهري بالرصافة
فسمع أصوات لعابين فقال لي: يا وليد أنظر ما هذا؟ فأشرفت من كوة في بيته فقلت: هذا
رأس زيد بن علي، فاستوى جالساً ثم قال: أهلك أهل هذا البيت العجلة فقلت: أو يملكون؟
قال: حدثني علي بن الحسين عن أبيه عن فاطمة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال
لها: المهدي من ولدك). ومثله في تهذيب ابن عساكر: ٦/٢٦. لكن في دلائل الإمامة/٢٣٤،
عن الوليد بن محمد المروزي قال: كنت واقفاً بالرصافة نصف النهار على باب الزهري،
فمر اللعابون يطوفون برأس زيد بن محمد، فبكى ثم قال: يملك أهل هذا البيت ولكن
العجلة، قلت يا أبا بكر أو يملكون؟ قال: حدثني علي بن الحسين، عن أبيه، أن النبي (صلى
الله عليه وآله) قال لفاطمة: المهدي من ولدك).
وفي عوالم النصوص على الأئمة/١٧٤، عن أبي أيوب: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
علي مع الحق والحق معه وهو الإمام والخليفة بعدي... والأئمة بعد الحسين تسعة من
صلبه ومنهم القائم الذي يفتح حصون الضلالة. وفي/١٧٧، عن عمار قال: لمّا حضرت رسول
الله (صلى الله عليه وآله) الوفاة دعا بعلي (عليه السلام) فساره طويلاً... فبكت
فاطمة (عليها السلام) وبكى الحسن والحسين فقال لفاطمة... فإنك سيدة نساء أهل الجنة
وأباك سيد الأنبياء وابن عمك خير الأوصياء وأبناك سيدا شباب أهل الجنة، ومن صلب
الحسين يخرج الله الأئمة التسعة مطهرون معصومون، ومنا مهدي هذه الأمة).
وفي كفاية الأثر/٦٢، عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
في الشكاة التي قبض فيها، إذا فاطمة عند رأسه قال فبكت حتى ارتفع صوتها، فرفع رسول
الله (صلى الله عليه وآله) طرفه إليها فقال: حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك؟ قالت:
أخشى الضيعة من بعدك قال: يا حبيبتي لا تبكين فنحن أهل بيت أعطانا الله سبع خصال لم
يعطها قبلنا ولا يعطيها أحداً بعدنا: أنا خاتم النبيين وأحب الخلق إلى الله (عزَّ
وجلَّ) وهو أنا أبوك ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعلك، وشهيدنا خير
الشهداء وأحبهم إلى الله وهو عمك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين
وسوف يخرج
الله من صلب الحسين تسعة من الأئمة أمناء معصومين، ومنا مهدي هذه الأمة إذا صارت
الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن، وتقطعت السبل وأغار بعضهم على بعض فلا كبير
يرحم صغيراً ولا صغير يوقر كبيراً، فيبعث الله عند ذلك مهدينا التاسع من صلب الحسين،
يفتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول
الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً). انتهى.
وفي كتاب سُليم بن قيس/٦٩، قال سليم: سمعت سلمان الفارسي قال: كنت جالساً بين يدي
رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه، فدخلت فاطمة (عليها السلام)
فلما رأت ما برسول الله (صلى الله عليه وآله) خنقتها العبرة حتى جرت دموعها على
خديها، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا بنية ما يبكيك؟ قالت: يا رسول
الله أخشى على نفسي وولدي الضيعة من بعدك، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
واغرورقت عيناه: يا فاطمة أو ما علمت أنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا،
وإنه حتم الفناء على جميع خلقه. إن الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة
فاختارني منهم فجعلني نبياً، ثم اطلع إلى الأرض ثانيا فاختار بعلك وأمرني أن أزوجك
إياه وأن أتخذه أخاً ووزيراً ووصياً.. في حديث طويل قال فيه: وابناك الحسن والحسين
سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة، ومنا والذي نفسي بيده مهدي هذه الأمة، الذي يملأ
الله به الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجورا). ونحوه تفسير فرات الكوفي/١٧٩،
عن عبد الله بن عباس عن سلمان وفيه: والمهدي الذي يصلي عيسى خلفه.. وكمال الدين:
١/٢٦٢، عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان بتفاوت يسير. وأمالي الطوسي: ٢/٢١٩، عن أبي
الطفيل عن سلمان باختصار، وفي آخره: والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ومن
ذريتكما المهدي يملأ الله (عزَّ وجلَّ) به الأرض عدلاً كما ملئت قبله جوراً. وإرشاد
القلوب: ٢/٤١٩، عن كمال الدين.. الخ.
أقول: ماذا يريد المخالفون لأهل البيت (عليهم السلام) بعد هذا الحديث النبوي على
إمامة العترة وخلافتهم؟! فلو كانوا منصفين لكفاهم هذا النص الصريح في اختيار الله
لعترة نبيه (صلى الله عليه وآله) للإمامة والخلافة!
النبي (صلى الله عليه وآله) يبشر علياً بالمهدي (عليهما السلام)
في دلائل الإمامة/٢٥٠، عن أنس بن مالك قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه
وآله) ذات يوم فرأى علياً فوضع يده بين كتفيه ثم قال: يا علي، لو لم يبق من الدنيا
إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من عترتك يقال له المهدي، يهدي إلى
الله (عزَّ وجلَّ) ويهتدي به العرب كما هديت أنت الكفار والمشركين من الضلالة. ثم
قال: ومكتوب على راحتيه بايعوه فإن البيعة لله (عزَّ وجلَّ).
النعماني/٩٢، عن عبد خير قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه
يقول: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي الأئمة الراشدون المهتدون
المعصومون من ولدك أحد عشر إماماً أنت أولهم وآخرهم اسمه اسمي، يخرج فيملأ الأرض
عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يأتيه الرجل والمال كدس فيقول يا مهدي أعطني فيقول:
خذ). وغيبة الطوسي/٩٠. والكُدْس: المتراكم جمعه كدوس وأكداس.
النعماني/٥٧، عن الحسن بن أبي الحسن البصري يرفعه قال: أتى جبرئيل النبي (صلى الله
عليه وآله) فقال: يا محمد إن الله (عزَّ وجلَّ) يأمرك أن تزوج فاطمة من علي أخيك،
فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) فقال له: يا علي إني
مزوجك فاطمة ابنتي سيدة نساء العالمين وأحبهن إليَّ بعدك وكائنٌ منكما سيدا شباب
أهل الجنة، والشهداء المضرجون المقهورون في الأرض من بعدي، والنجباء الزهر الذين
يطفئ الله بهم الظلم ويحيي بهم الحق ويميت بهم الباطل، عدتهم عدة أشهر السنة، آخرهم
يصلي عيسى بن مريم خلفه). ومقتضب الأثر/٢٩، وعوالم العلوم: ١/٣٦٧. والزُّهْر: جمع
أزهر: المضيء.
النبي (صلى الله عليه وآله) يبشر الحسين بالمهدي (عليهما السلام)
عقد الدرر/٢٤، عن أبي نعيم في صفة المهدي قال: وعن حذيفة (رضي الله عنه) قال خطبنا
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فذكرنا رسول الله بما هو كائن، ثم قال: لو لم يبق
من الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله (عزَّ وجلَّ) ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من
ولدي
اسمه اسمي، فقام سلمان الفارسي (رضي الله عنه) فقال يا رسول الله من أي ولدك؟ قال
من ولدي هذا وضرب بيده على الحسين). وذخائر العقبى/١٣٦، عن حذيفة، وفرائد السمطين:
٢/٣٢٥، عن حذيفة قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذكر ما هو كائن، وفيه:
فضرب بيده على ظهر الحسين. والمنار المنيف/١٤٨، عن الطبراني، والقول المختصر/٧، عن
أبي نعيم وفيه: حتى يملك رجل من أهل بيتي تجري الملاحم على يديه ويظهر الإسلام، لا
يخلف الله وعده وهو سريع الحساب).
كفاية الطالب/٥١٠، عن حذيفة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو لم يبق من
الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله فيه رجلاً اسمه اسمي وخلقه خلقي، يكنى أبا عبد الله،
يبايع له الناس بين الركن والمقام، يرد الله به الدين ويفتح له فتوحاً فلا يبقى على
ظهر الأرض إلا من يقول لا إله إلا الله. فقام سلمان فقال: يا رسول الله من أي ولدك
هو؟ قال: من ولد ابني هذا، وضرب بيده على الحسين (عليه السلام)).
دلائل الإمامة/٢٣٤، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله): والذي نفسي بيده إن مهدي هذه الأمة الذي يصلي خلفه عيسى منا ثم
ضرب يده على منكب الحسين وقال: من هذا، من هذا).
غيبة الطوسي/١١٦، عن أبي سعيد الخدري من حديث طويل عن النبي (صلى الله عليه وآله)،
جاء فيه: ومنا من له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة وهو ابن عمك جعفر، ثم ضرب
بيده على منكب الحسين (عليه السلام) فقال: من هذا، ثلاثاً).
وفي عمدة النظر/١١٦، عن جابر بن عبد الله.. وفيه: ومنا سبطا هذه الأمة وهما أبناك
الحسن والحسين، وسوف يخرج الله من صلب الحسين تسعة من الأئمة معصومون. ومنا مهدي
هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن وتعطلت السبل وأغار بعضهم
على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقر كبيراً فيبعث الله عند ذلك مهدينا
التاسع من صلب الحسين، يفتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً، يقوم الدين في آخر الزمان
كما قمت به أول الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما
ملئت جوراً). وفي النجاة في القيامة/١٦٧، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال
للحسين (عليه السلام): ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم
قائمهم. حجة ابن حجة أخو حجة أبو حجج تسع).
وفي البرهان/٤٦، عن سلمان الفارسي قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فإذا الحسين على فخذه وهو يقبل خديه ويلثم فاه ويقول: أنت سيد ابن سيد أخو سيد،
وأنت إمام ابن إمام أخو إمام، وأنت حجة أخو حجة أبو حجج تسعة، تاسعهم قائمهم المهدي.
وفي الدر النظيم/٧٩١، عن سلمان قال: دخلت على رسول الله والحسين بن علي على فخذه
فقال لي: يا سلمان إن ابني هذا سيد ابن سيد أبو سادة حجة ابن حجة أبو حجج إمام وابن
إمام أبو أئمة تسعة من ولده، تاسعهم قائمهم).
وفي عوالم النصوص على الأئمة/١٤٦، عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه
وآله) يقول للحسين (عليه السلام): يا حسين أنت الإمام ابن الإمام أخو الإمام تسعة
من ولدك أئمة أبرار تاسعهم قائمهم. فقيل يا رسول الله كم الأئمة بعدك؟ قال: اثنا
عشر تسعة من صلب الحسين).
وفي عمدة النظر/١١٦، عن مناقب الخوارزمي: عن سلمان قال: دخلت على رسول الله (صلى
الله عليه وآله) فإذا الحسين على فخذيه وهو يقبل عينيه ويقبل فاه ويقول: أنت سيد
أخو سيد، أنت إمام ابن إمام أخو إمام، أنت حجة ابن حجة أخو حجة، وأنت أبو حجج تسعة،
تاسعهم قائمهم. وفيه/١٨٢، عن حذيفة قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فذكرنا بما هو كائن ثم قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله (عزَّ وجلَّ)
ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدي اسمه اسمي فقام سلمان الفارسي فقال: يا رسول
الله من أي ولدك؟ قال: هو من ولدي هذا وضرب بيده على الحسين (عليه السلام)).
وكذلك بشَّر عليٌّ ولده الحسين (عليهما السلام)
كمال الدين: ١/٣٠٤، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام) أنه قال: (التاسع
من ولدك يا حسين هو القائم بالحق، المظهر للدين والباسط للعدل، قال الحسين: فقلت له:
يا أمير المؤمنين وإن ذلك لكائن؟ فقال (عليه السلام): إي والذي بعث محمداً (صلى
الله عليه وآله) بالنبوة واصطفاه على جميع البرية، ولكن بعد غيبة وحيرة فلا يثبت
فيها على دينه إلا المخلصون المباشرون لروح اليقين الذين أخذ الله (عزَّ وجلَّ)
ميثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه). وإعلام الورى/٤٠٠،
وعنه كشف الغمة: ٣/٣١١، وإثبات الهداة: ٣/٤٦٤، والبحار: ٥١/١١٠، وكفاية الأثر/٦٦،
كما في رواية كمال الدين الأولى.. إلى آخر المصادر.
إبتكار النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) أساليب جديدة في التحديد
ينحني الإنسان إجلالاً لطريقة النبي (صلى الله عليه وآله) في التحديد، عندما يقرأ
في مصادر الجميع أحاديث نزول آية التطهير وتحديد آله وأهل بيته (صلى الله عليه وآله)،
فقد أرسل رسولاً فأحضر علياً وفاطمة والحسنين (عليهم السلام) وأدار عليهم كساءً ثم
تكلم ودعا لهم، وأرادت أم سلمة أن تدخل معهم فلم يقبل، وجذب منها الكساء، كما روى
أحمد وغيره! وكذا ذهابه بعد نزول الآية فجراً إلى باب علي وفاطمة (عليهما السلام)
ستة أشهر أو تسعة، كما روى أحمد وغيره، وقراءته آية التطهير بصوت مرتفع!
ومضافاً إلى هذا التحديد الحسي، تضمن كلامه (صلى الله عليه وآله) بلاغات أخرى، رووا
بعضها ورويناها كاملة، منها أنه قال: علي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ذرية
الحسين تاسعهم مهديهم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً. (الكافي: ١/٥٢٩ وكفاية الأثر/٦٦).
ومن أفعاله المبتكرة (صلى الله عليه وآله)، أنه استدعى علياً (عليه السلام) في حجة
الوداع وأصعده على المنبر ورفع بيده وبلغ رسالة ربه فيه، وطلب من المسلمين أن
ينصبوا له خيمة ويهنؤوه ويبايعوه بالولاية بعده! وعدد من أقواله الصريحة (صلى الله
عليه وآله) كقوله: الأئمة بعدي اثنا عشر غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على
سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم). (نهج البلاغة: ٢/٢٧). وقوله (صلى الله عليه وآله):
إن الأئمة بعدي اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل، تسعة من صلب الحسين والتاسع قائمهم،
يخرج في آخر الزمان فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً) (كفاية الأثر/٢٥٠). وقوله
(صلى الله عليه وآله): (إذا توالت أربعة اسماء من الأئمة من ولدي محمد وعلي والحسن
فرابعها هو القائم المأمول المنتظر). (دلائل الإمامة/٢٣٦).
وكذا تعابيره (صلى الله عليه وآله) عن المهدي (عليه السلام) بقوله: المهدي من عترتي..
من أولاد فاطمة.. التاسع من صلب الحسين.. ابن خيرة الإماء.. بنا فتح الله وبنا يختم..
لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوله الله ذلك اليوم حتى يبعث الله.. يملأ الأرض قسطاً
وعدلاً.. نحن ولد عبد المطلب سبعة سادة أهل الجنة.. الخ.
الإمام الكاظم (عليه السلام) يشرح حديث جده (صلى الله عليه وآله)
روى في الكافي: ١/٣٣٦، بسند صحيح أن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال لأولاده
وأرحامه: إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلكم عنها أحد.
يا بنيَّ إنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به!
إنما هي محنة من الله (عزَّ وجلَّ) امتحن بها خلقه. لو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً
أصحَّ من هذا لاتبعوه. قال فقلت: يا سيدي مَن الخامس من ولد السابع؟ فقال: يا بني
عقولكم تصغر عن هذا وأحلامكم تضيق عن حمله، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه). ومثله
النعماني/١٥٤، والهداية/٣٦١. وفي رواية أن أخاه علي بن جعفر سأله: فنموت بشك منه؟
قال: لا، أنا السابع وابني علي الرضا الثامن، وابنه محمد التاسع، وابنه علي العاشر،
وابنه الحسن حادي عشر، وابنه محمد سمي جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنيته
المهدي الخامس بعد السابع، قلت: فرج الله عنك يا سيدي كما فرجت عني). وإثبات الوصية/٢٢٤،
وكمال الدين: ٢/٣٥٩ وعلل الشرائع: ١/٢٤٤ وكفاية الأثر/٢٦٤، ودلائل الإمامة/٢٩٢،
وغيبة الطوسي/١٠٤، و٢٠٤، وإعلام الورى/٤٠٦، كالكافي وبعضها بتفاوت يسير.. إلى آخر
المصادر.
أمير المؤمنين (عليه السلام): يبشر بالمهدي الحادي عشر من ولده
الكافي: ١/٣٣٨، عن الأصبغ بن نباتة قال: أتيت أمير المؤمنين (عليه السلام) فوجدته
متفكراً ينكت في الأرض فقلت: يا أمير المؤمنين ما لي أراك متفكراً تنكت في الأرض
أرغبة منك فيها؟ فقال: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط، ولكني فكرت
في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً
كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له غيبة وحيرة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. فقلت:
يا أمير المؤمنين وكم تكون الحيرة والغيبة؟ قال (سبتٌ من الدهر). فقلت: وإن هذا
لكائن؟ فقال: نعم كما أنك مخلوق وأنى لك بهذا الأمر يا أصبغ، أولئك خيار هذه الأمة
مع أبرار هذه العترة. فقلت: ثم ما يكون بعد ذلك؟ فقال: ثم يفعل الله ما يشاء، فإن
له بداءات وإرادات وغايات ونهايات). والهداية الكبرى/٨٨، وفيه: من يكون من ظهري
الحادي عشر من ولدي وهو المهدي.. ثم ماذا؟ قال يفعل الله ما يشاء، من الرجعة
البيضاء والكرة الزهراء، وإحضار الأنفس الشح والقصاص والأخذ بالحق والمجازاة بكل ما
سلف ثم يغفر الله لمن يشاء. وإثبات الوصية/٢٢٥، كالكافي بتفاوت، و/٢٢٩، وفيه: له
غيبة وفي أمره حيرة.. وذلك إذا فقد الباب بينه وبين شيعتنا تكون الحيرة. وغيبة
النعماني/٦٠، وفيه: سبت من الدهر.. قلت أدرك ذلك الزمان، وكمال الدين: ١/٢٨٨، كما
في الكافي بتفاوت يسير. وكذا كفاية الأثر/٢١٩، ودلائل الإمامة/٢٨٩، والاختصاص/٢٠٩،
وغيبة الطوسي/١٠٣، كما في الكافي، بسندين عن الأصبغ.. الخ. ورسائل المفيد/٤٠٠ وقال:
هذا الخبر الذي روته العامة والخاصة وهو خبر كميل بن زياد. وفيه: ما رغبت فيها ساعة
قط.. التاسع من ولد الحسين (عليه السلام) هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.. يكون
له غيبة يرتاب فيها المبطلون، يا كميل بن زياد، لابد له من حجة، إما ظاهر مشهور
شخصه وإما باطن مغمور، لكيلا تبطل حجج الله).. الخ.
وفي معاني الأخبار/٥٨، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) قال: خطب أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بالكوفة بعد منصرفه من النهروان، وبلغه
أن معاوية يسبه ويلعنه ويقتل أصحابه، فقام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وصلى على
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذكر ما أنعم الله على نبيه وعليه، ثم قال في حديث
طويل: ومن ولدي مهدي هذه الأمة). وبشارة المصطفى/١٢، والمحتضر/٤١، والبحار: ٣٥/٤٥.
الإمام الحسين (عليه السلام) يبشر بالمهدي التاسع من ولده!
في كمال الدين: ١/٣١٧، عن الحسين بن علي (عليه السلام) قال: قائم هذه الأمة هو
التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة وهو الذي يقسم ميراثه وهو حي). وعنه إعلام الورى/٤٠١
والعدد القوية/٧١، والصراط المستقيم: ٢/١٢٩، وإثبات الهداة: ٣/٤٦٥، والبحار:
٥١/١٣٣.. الخ.
وفي كمال الدين: ١/٣١٧، عن الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: في التاسع من ولدي
سنة من يوسف وسنة من موسى بن عمران (عليهما السلام) وهو قائمنا أهل البيت، يُصلح
الله تبارك وتعالى أمره في ليلة واحدة). وعنه إعلام الورى/٤٠١، وكشف الغمة: ٣/٣١٢،
والبحار: ٥١/١٣٢، الخ.
كفاية الأثر/٢٣٢، عن يحيى بن نعمان قال: كنت عند الحسين (عليه السلام) إذ دخل عليه
رجل من العرب متلثماً اسمر شديد السمرة، فسلم ورد الحسين (عليه السلام) فقال: يا
ابن رسول الله مسألة؟ قال: هات. قال: كم بين الإيمان واليقين؟ قال: أربع أصابع. قال:
كيف؟ قال: الإيمان ما سمعناه واليقين ما رأيناه وبين السمع والبصر أربع أصابع. قال:
فكم بين السماء والأرض؟ قال: دعوة مستجابة. قال: فكم بين المشرق
والمغرب؟ قال: مسيرة يوم للشمس. قال: فما عز المرء؟ قال: استغناؤه عن الناس. قال:
فما أقبح شيء؟ قال: الفسق في الشيخ قبيح، والحدة في السلطان قبيحة، والكذب في ذي
الحسب قبيح، والبخل في ذي الغنا، والحرص في العالم.
قال: صدقت يا بن رسول الله، فأخبرني عن عدد الأئمة بعد رسول الله (صلى الله عليه
وآله) قال: اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل. قال: فسمهم لي قال: فأطرق الحسين (عليه
السلام) ملياً ثم رفع رأسه فقال: نعم أخبرك يا أخا العرب، إن الإمام والخليفة بعد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والحسن وأنا وتسعة
من ولدي، منهم علي ابني وبعده محمد ابنه وبعده جعفر ابنه وبعده موسى ابنه وبعده علي
ابنه وبعده محمد ابنه وبعده علي ابنه وبعده الحسن ابنه وبعده الخلف المهدي هو
التاسع من ولدي، يقوم بالدين في آخر الزمان. قال: فقام الأعرابي وهو يقول:
مَسَحَ النبيُّ جَبينهُ فلهُ بريقٌ في الخدودِ * * * أبواهُ من علياً قريش ِ وجدُّهُ خيرُ الجُدود).
كمال
الدين: ١/٣١٧، عن عبد الرحمن بن سليط قال: قال الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه
السلام): منا اثنا عشر مهدياً، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم التاسع
من ولدي، وهو القائم بالحق، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحق على
الدين كله، ولو كره المشركون. له غيبة يرتد فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون،
فيؤذون ويقال لهم: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين أما إن الصابر في غيبته على الأذى
والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله). وعيون
أخبار الرضا (عليه السلام): ١/٦٨، وكفاية الأثر/٢٣١، ومقتضب الأثر/٢٣، وإعلام الورى/٣٨٤.
إثبات الهداة: ٣/٥٦٩، عن إثبات الرجعة للفضل بن شاذان، عن أبي جعفر، عن جده الحسين
(عليهم السلام) قال: يظهر الله قائمنا فينتقم من الظالمين، فقيل له: يا ابن رسول
الله من قائمكم؟ قال: السابع من ولد ابني محمد بن علي، وهو الحجة بن الحسن بن علي
بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابني، وهو الذي
يغيب
مدة طويلة ثم يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كماً ملئت جوراً وظلماً).
الإمام زين العابدين (عليه السلام): كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم
في أمالي المفيد/٤٥ عن أبي خالد الكابلي قال: قال لي علي بن الحسين (عليهما السلام):
يا أبا خالد لتأتين فتن كقطع الليل المظلم، لا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه! أولئك
مصابيح الهدى وينابيع العلم، ينجيهم الله من كل فتنة مظلمة. كأني بصاحبكم قد علا
فوق نجفكم بظهر كوفان، في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن
شماله وإسرافيل أمامه، معه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد نشرها، لا يهوي
بها إلى قوم إلا أهلكهم الله (عزَّ وجلَّ)). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٥٦، والبحار:
٥١/١٣٥.
الإمام الباقر (عليه السلام): قائمنا السابع من ولدي
كفاية الأثر/٢٩٧، عن زيد بن علي (عليه السلام) قال كنت عند أبي علي بن الحسين (عليه
السلام) إذ دخل عليه جابر بن عبد الله الأنصاري، فبينما هو يحدثه إذ خرج أخي محمد
من بعض الحجر، فأشخص جابر ببصره نحوه ثم قام إليه فقال: يا غلام أقبل فأقبل ثم قال:
أدبر فأدبر فقال شمائل كشمائل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما اسمك يا غلام؟ قال:
محمد. قال: ابن من؟ قال: ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال: أنت إذاً
الباقر، قال: فانكبَّ عليه وقبل رأسه ويديه ثم قال: يا محمد إن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) يقرؤك السلام، قال: على رسول الله أفضل السلام وعليك يا جابر بما أبلغت
السلام. ثم عاد إلى مصلاه، فأقبل يحدث أبي ويقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال لي يوماً: يا جابر إذا أدركت ولدي الباقر فاقرأه مني السلام فإنه سميي وأشبه
الناس بي، علمه علمي وحكمه حكمي، سبعة من ولده أمناء معصومون أئمة أبرار، والسابع
مهديهم الذي يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ثم تلا رسول الله (صلى
الله عليه وآله): (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ
بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ
وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ). وعنه إثبات الهداة:
١/٦٠٤، والبحار: ٣٦/٣٦٠.
كفاية
الأثر/٢٥٠، عن أبي مريم عبد الغفار بن القاسم، قال: دخلت على مولاي الباقر (عليه
السلام) وعنده أناس من أصحابه ذكر الإسلام فقلت: يا سيدي فأي الإسلام أفضل؟ قال: من
سلم المؤمنون من لسانه ويده. قلت: فما أفضل الأخلاق؟ قال: الصبر والسماحة. قلت: فأي
المؤمنين أكمل إيماناً؟ قال: أحسنهم خلقاًٍ. قلت: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر
جواده وأهريق دمه. قلت: فأي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت. قلت: فأي الصدقة أفضل؟
قال: أن تهجر ما حرم الله (عزَّ وجلَّ) عليك. قلت: يا سيدي فما تقول في الدخول على
السلطان؟ قال: لا أرى لك ذلك. قلت: فإني ربما سافرت إلى الشام فأدخل على إبراهيم بن
الوليد. قال يا عبد الغفار إن دخولك على السلطان يدعو إلى ثلاثة أشياء: محبة الدنيا،
ونسيان الموت وقلة الرضا بما قسم الله. قلت: يا ابن رسول الله فإني ذو عَيلة
وأتَّجر إلى ذلك المكان لجر المنفعة فما ترى في ذلك؟ قال: يا عبد الله إني لست آمرك
بترك الدنيا بل آمرك بترك الذنوب. فترك الدنيا فضيلة وترك الذنوب فريضة، وأنت إلى
إقامة الفريضة أحوج منك إلى اكتساب الفضيلة. قال: فقبلت يده ورجله وقلت: بأبي أنت
وأمي يا ابن رسول الله فما نجد العلم الصحيح إلا عندكم، وإني قد كبرت سني ودق عظمي
ولا أرى فيكم ما أسره أراكم مقتلين مشردين خائفين، وإني أقمت على قائمكم منذ حين
أقول: يخرج اليوم أو غداً. قال: يا عبد الغفار إن قائمنا هو السابع من ولدي، وليس
هو أوان ظهوره، ولقد حدثني أبي عن أبيه عن آبائه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): إن الأئمة بعدي اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل، تسعة من صلب الحسين،
والتاسع قائمهم، يخرج في آخر الزمان فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. قلت: فإن
كان هذا كائن يا ابن رسول الله فإلى من بعدك؟ قال: إلى جعفر وهو سيد أولادي وأبو
الأئمة، صادق في قوله وفعله، ولقد سألت عظيماً يا عبد الغفار، وإنك لأهل الإجابة،
ثم قال: ألا إن مفاتيح العلم السؤال وأنشأ يقول:
شفاءُ العَمَى طولُ السؤال وإنما تمامُ العمى طولُ السكوت على الجهلِ).
الإمام الصادق (عليه السلام) يبشر بالمهدي السادس من ولده
كمال الدين: ١/٣٣، عن السيد بن محمد الحميري قال: كنت أقول بالغلو وأعتقد غيبة محمد
بن علي بن الحنفية، قد ضللت في ذلك زماناً، فمنَّ الله عليَّ بالصادق جعفر بن محمد
وأنقذني به من النار وهداني إلى سواء الصراط، فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي
شاهدتها منه أنه حجة الله عليَّ وعلى جميع أهل زمانه، وأنه الإمام الذي فرض الله
طاعته وأوجب الإقتداء به، فقلت له: يا ابن رسول الله قد رويَ لنا أخبار عن آبائك (عليهم
السلام) في الغيبة وصحة كونها فأخبرني بمن تقع؟ فقال: إن الغيبة ستقع بالسادس من
ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أولهم
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض وصاحب
الزمان، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر
فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
قال السيد: فلما سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) تبت إلى
الله تعالى ذكره على يديه وقلت قصيدتي التي أولها:
أيا
راكباً نحو المدينة جَسْرةً * * * عذافرةً يُطوى بها كل سبسب
إذا ما هداك الله عاينت جعفراً * * * فقل لولي الله وابن المهذب
ألا يا أمين الله وابن أمينه * * * أتوبُ إلى الرحمن ثم تأوبي
إليك من الأمر الذي كنت مطنباً * * * أحارب فيه جاهداً كل معرب
وماكان قولي في ابن خولةَ مطنباً * * * معاندةً مني لنسل المطيب
ولكن روينا عن وصي محمد * * * وما كان فيما قال بالمتكذب
بأن وليَّ الأمر يفقد لا يرى * * * ستيراً كفعل الخائف المترقب
فتقسم أموال الفقيد كأنما * * * تغيبه بين الصفيح المنصب
فيمكث حيناً ثم ينبع نبعةً * * * كنبعة جديٍ من الأفق كوكب
يسير
بنصر الله من بيت ربه * * * على سؤدد منه وأمر مسبب
يسير إلى أعدائه بلوائه * * * فيقتلهم قتلاً كحرَّانَ مغضب
فلما روِي أن ابن خولةَ غائبٌ * * * صرفنا إليه قولنا لم نكذب
وقلنا هو المهديُّ والقائم الذي * * * يعيش به من عدله كل مجدب
فإن قلت لا فالحق قولك والذي * * * أمرت فحتمٌ غير ما متعصب
وأشهد ربي أن قولك حجة * * * على الناس طراً من مطيع ومذنب
بأن ولي الأمر والقائم الذي * * * تطلُّع نفسي نحوه بتطرب
له غيبةٌ لابد من أن يغيبها * * * فصلى عليه الله من متغيب
فيمكث حيناً ثم يظهر حينه * * * فيملك من في شرقها والمغرِّب
بذاكَ أدين الله سراً وجهرةً * * * ولست وإن عوتبت فيه بمعتب).
ومثله
في: ٢/٣٤٢، بدون الشعر، وإعلام الورى/٢٧٨، وبشارة المصطفى/٢٧٨، الخ.
الإمام الكاظم (عليه السلام): القائم هو الخامس من ولدي
كمال الدين: ٢/٣٦١، عن يونس بن عبد الرحمن قال: دخلت على موسى بن جعفر (عليهما
السلام) فقلت له: يا ابن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال: أنا القائم بالحق ولكن
القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله (عزَّ وجلَّ) ويملؤها عدلاً كما ملئت جوراً
وظلماً، هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام
ويثبت فيها آخرون. ثم قال (عليه السلام): طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبة
قائمنا الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منا ونحن منهم، قد رضوا
بنا أئمة ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم ثم طوبى لهم، وهم والله معنا في درجتنا يوم
القيامة). وكفاية الأثر/٢٦٥، بسند آخر، وإعلام الورى/٤٠٧... الخ.
الإمام الرضا (عليه السلام) يبشر بالمهدي الرابع من ولده
كمال الدين: ٢/٣٧٦، عن الريان بن الصلت قال: قلت للرضا: أنت صاحب هذا
الأمر؟
فقال: أنا صاحب هذا الأمر ولكني لست بالذي أملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون
ذلك على ما ترى من ضعف بدني، وإن القائم هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر
الشبان، قوياً في بدنه حتى لو مدَّ يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو
صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسى وخاتم سليمان، ذاك الرابع من
ولدي يغيبه الله في ستره ما شاء ثم يظهره فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت
جوراً وظلماً). وإعلام الورى/٤٠٧، وكشف الغمة: ٣/٣١٤.
كمال الدين: ١/٣٧١، عن الحسين بن خالد قال: قال علي بن موسى الرضا (عليه السلام):
لا دينَ لمن لا ورعَ له ولا إيمان لمن لا تقية له، إن أكرمكم عند الله أعملكم
بالتقية، فقيل له: يا ابن رسول الله إلى متى؟ قال: إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم
خروج قائمنا أهل البيت فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا! فقيل له: يا ابن
رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال الرابع من ولدي ابن سيدة الإماء، يُطهر
الله به الأرض من كل جور ويقدسها من كل ظلم. وهو الذي يشك الناس في ولادته، وهو
صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره ووضع ميزان العدل بين الناس فلا
يظلم أحد أحداً. وهو الذي تطوى له الأرض ولا يكون له ظل. وهو الذي ينادي مناد من
السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه يقول: ألا إن حجة الله قد ظهر عند بيت
الله فاتبعوه فإن الحق معه وفيه، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (إِنْ
نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا
خَاضِعِينَ). إن دولة أهل البيت هي الآية في الآية). وكفاية الأثر/٢٧٠،
وإعلام الورى/٤٠٨، الخ.
إثبات الوصية/٢٢٧، عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الحسن الرضا (عليه
السلام) قال: لا بدَّ من فتنة صماء صيْلم تظهر فيها كل بطانة ووليجة، وذلك عند
فقدان الشيعة الثالث من ولدي، يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض! ثم قال من بعد كلام
طويل: كأني بهم شر ما كانوا وقد نودوا ثلاثة أصوات الصوت الأول أزفت الآزفة يا معشر
المؤمنين، والصوت الثاني ألا لعنة الله على الظالمين،
والثالث بدن يظهر فيرى في قرن الشمس يقول: إن الله بعث فلاناً فاسمعوا وأطيعوا).
وكمال الدين: ٢/٣٧٠، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام): ٢/٦، ودلائل الإمامة/٢٤٥،،
وغيبة الطوسي/٢٦٨، بسندين.
ونحوه النعماني/١٨٠، وفيه: قال لي الرضا (عليه السلام): إنه يا حسن سيكون فتنة صماء
صيلم، يذهب فيها كل وليجة وبطانة وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي، يحزن لفقده
أهل الأرض والسماء! كم من مؤمن ومؤمنة متأسف متلهف حيران حزين لفقده. ثم أطرق ثم
رفع رأسه وقال: بأبي وأمي سمي جدي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران، عليه جيوب النور
تتوقد من شعاع ضياء القدس، كأني به آيس ما كانوا قد نودوا نداء يسمعه من بالبعد كما
يسمعه من بالقرب، يكون رحمةً على المؤمنين وعذاباً على الكافرين، فقلت: بأبي وأمي
أنت وما ذلك النداء؟ قال ثلاثة أصوات في رجب، أولها: ألا لعنة الله على الظالمين،
والثاني: أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين، والثالث: يرون بدناً بارزاً مع قرن الشمس
ينادي ألا إن الله قد بعث فلاناً على هلاك الظالمين، فعند ذلك يأتي المؤمنين الفرج
ويشفي الله صدورهم، ويذهب غيظ قلوبهم). هذا، وتأتي بشارة الإمام الجواد والهادي
والعسكري (عليهم السلام) في غيبته (عليه السلام).
* * *
الفصل السابع: الإمام المهدي (عليه السلام) خاتم الأوصياء
قال النبي (صلى الله عليه وآله): بنا فتح الله وبنا يختم
ابن حماد: ١/٣٧٠، بعدة روايات، عن علي (عليه السلام) قال: قلت يا رسول الله، المهدي
منا أئمة الهدى أم من غيرنا؟ قال: بل منا، بنا يختم الدين كما بنا فتح، وبنا
يستنقذون من ضلاله الفتنة كما استنقذوا من ضلالة الشرك، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم
في الدين بعد عداوة الفتنة، كما ألف الله بين قلوبهم ودينهم بعد عداوة الشرك).
والطبراني في الأوسط: ١/١٣٦، عن علي بن أبي طالب، قال للنبي (صلى الله عليه وآله):
أمِنَّا المهدي أم من غيرنا يا رسول الله؟ فقال.. كابن حماد بتقديم وتأخير، وفيه:
قال علي: أمؤمنون أم كافرون؟ فقال: مفتون وكافر). وشرح النهج: ٩/٢٠٦ خطبة١٥٧، وقال:
وهذا الخبر مروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد رواه كثير من المحدثين عن
علي (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال له: إن الله قد كتب عليك
جهاد المفتونين كما كتب علي جهاد المشركين. فقلت: يا رسول الله فبأي المنازل أنزل
هؤلاء المفتونين من بعدك، أبمنزلة فتنة أم بمنزلة ردة؟ فقال: بمنزلة فتنة يعمهون
فيها إلى أن يدركهم العدل، فقلت: يا رسول الله، أيدركهم العدل منا أم من غيرنا؟ قال:
بل منا
، بنا فتح وبنا يختم وبنا ألف الله بين القلوب بعد الشرك، وبنا يؤلف بين القلوب بعد
الفتنة. فقلت: الحمد لله على ما وهب لنا من فضله). والشافعي في البيان/٥٠٦، عن
مكحول، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قلت: يا رسول الله أمِنَّا آل محمد
المهدي أم من غيرنا؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا بل منا، بنا يختم
الله الدين كما فتح الله بنا، وبنا ينقذون من الفتنة، كما أنقذوا من الشرك وبنا
يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة إخواناً، كما ألف الله بنا بين قلوبهم بعد
عداوة الشرك، وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخواناً كما أصبحوا بعد عداوة الشرك
إخواناً. وقال: هذا حديث حسن عال، رواه الحفاظ في كتبهم، فأما الطبراني فقد ذكره في
المعجم الأوسط، وأما أبو نعيم فرواه في حلية الأولياء، وأما عبد الرحمن بن حاتم فقد
ساقه في عواليه كما أخرجناه سواء. والسلمي في عقد الدرر/٢٥، وقال: أخرجه جماعة من
الحفاظ في كتبهم، منهم أبو القاسم الطبراني وأبو نعيم الأصبهاني وعبد الرحمن بن أبي
حاتم وأبو عبد الله نعيم بن حماد، وغيرهم، وزاد في روايته الثانية: وبنا ينقذون من
الفتن كما أنقذوا من الشرك، وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخواناً كما أصبحوا بعد
عداوة الشرك إخواناً في دينهم. وفي/ص١٤٥، وقال أخرجه الحافظ أبو بكر البيهقي.
والمعجم الأوسط: ١/١٣٦، عن علي بن أبي طالب أنه قال للنبي (صلى الله عليه وآله):
أمنا المهدي أم من غيرنا يارسول الله؟ قال: بل منا بنا يختم الله كما بنا فتح وبنا
يستنقذون من الشرك، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة بينة، كما بنا ألف بين
قلوبهم بعد عداوة الشرك قال علي أمؤمنون أم كافرون؟ قال مفتون وكافر.
وقال الحافظ المغربي/٥٣٥: الحديث رواه الطبراني من طريق عبد الله بن لهيعة، عن عمرو
بن جابر الحضرمي، عن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، به، أما ابن لهيعة فسيأتي
الكلام عليه، وأما الحضرمي فقد روى له الترمذي وابن ماجة، وقال أبو حاتم: صالح
الحديث عنده نحو عشرين حديثاً، وذكره البرقي فيمن ضعف بسبب التشيع وهو ثقة، وذكره
يعقوب بن سفيان في جملة الثقات، وصحح الترمذي حديثه).
وفي فتن ابن حماد: ١/٣٧٥: (عن سالم قال: كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن المهدي،
فقال: إن الله تعالى هدى هذه الأمة بأول أهل هذا البيت ويستنفذها بآخرهم لا ينتطح
فيه عنزان جماء وذات قرن)! ورواه من مصادرنا: الإمامة والتبصرة/٩٢، عن الإمام
الباقر (عليه السلام) عن الحارث بن نوفل قال: قال علي (عليه السلام) لرسول الله (صلى
الله عليه وآله): يا رسول الله أمنا الهداة أو من غيرنا؟ قال: وفيه: بل منا الهداة
إلى يوم القيامة، بنا استنقذهم الله من ضلالة الشرك، وبنا استنقذهم الله من ضلالة
الفتنة، وبنا يصبحون إخواناً بعد ضلالة الفتنة كما أصبحوا إخوانا بعد ضلالة الشرك،
وبنا يختم الله، كما بنا فتح الله). ومثله كمال الدين: ١/٢٣٠.
وفي أمالي المفيد/٢٨٨، عن علي (عليه السلام) قال: لما نزلت على النبي (صلى الله
عليه وآله): (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ)،
قال لي: يا علي إنه قد جاء نصر الله والفتح. يا علي إن الهدى هو اتباع أمر الله دون
الهوى والرأي، وكأنك بقوم قد تأولوا القرآن وأخذوا بالشبهات، واستحلوا الخمر
بالنبيذ، والبخس بالزكاة، والسحت بالهدية! قلت: يا رسول الله فما هم إذا فعلوا ذلك،
أهم أهل ردة أم أهل فتنة؟ قال: هم أهل فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل، فقلت:
يا رسول الله العدل منا أم من غيرنا؟ فقال: بل منا، بنا فتح الله وبنا يختم الله،
وبنا ألف الله بين القلوب بعد الشرك، وبنا يؤلف الله بين القلوب بعد الفتنة. فقلت:
الحمد لله على ما وهب لنا من فضله).
أقول: الختام هنا بمعنى بلوغ الأوج في الإثمار وتحقيق الهدف الإلهي، فقد ختم الله
النبوة بنبينا (صلى الله عليه وآله) وكانت نبوته افتتاحاً للمشروع الإلهي الذي يصل
إلى أوجه على يد الإمام المهدي (عليه السلام) كما وعد (عزَّ وجلَّ) بقوله: (هُوَ
الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ). فعلى يده (عليه السلام)
تبدأ المرحلة الجديدة من حياة الإنسان على الأرض.
وما من سِرٍّ إلا والمهدي (عليه السلام) يختمه
روى ابن شعبة الحراني (رحمه الله) في تحف العقول/١٧١، خلاصة من وصية أمير المؤمنين
(عليه السلام) لكميل بن زياد (عليه السلام)، وهي وصية طويلة مليئة بالعلم والحكمة،
جاء فيها: (يا كميل، ما من علم إلا وأنا أفتحه، وما من سر إلا والقائم يختمه).
وبشارة المصطفى/٢٤، ونهج السعادة: ٨/٢٠٨. ونورد قسماً منها لذكر بعض فقراتها للإمام
المهدي (عليه السلام):
عن سعيد بن زيد بن أرطاة قال: لقيت كميل بن زياد وسألته عن فضل أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: ألا أخبرك بوصية أوصاني بها يوماً، هي خير لك من
الدنيا بما فيها؟ فقلت: بلى. قال: قال لي علي (عليه السلام): يا كميل، سمِّ كل يوم
باسم الله وقل: لا حول ولا قوة إلا بالله، وتوكل على الله، واذكرنا وسمِّ
باسمائنا...
يا كميل، إن رسول (صلى الله عليه وآله) أدبه الله (عزَّ وجلَّ) وهو (عليه السلام)
أدبني، وأنا أؤدب المؤمنين وأورث الأدب المكرمين. يا كميل، ما من علم إلا وأنا
أفتحه وما من سر إلا والقائم (عليه السلام) يختمه. (ذُرِّيَّةً
بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). يا كميل، لا تأخذ إلا عنا
تكن منا. يا كميل، ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة.....
يا كميل، أنتم ممتوعون بأعدائكم، تطربون بطربهم وتشربون بشربهم وتأكلون بأكلهم،
وتدخلون مداخلهم وربما غلبتم على نعمتهم، إي والله على إكراه منهم لذلك، ولكن الله
(عزَّ وجلَّ) ناصركم وخاذلهم، فإذا كان والله يومكم وظهر صاحبكم لم يأكلوا والله
معكم ولم يردوا مواردكم ولم يقرعوا أبوابكم ولم ينالوا نعمتكم، أذلة خائبين (مَلْعُونِينَ
أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً).
يا كميل، لا تغتر بأقوام يصلون فيطيلون ويصومون فيداومون، ويتصدقون فيحسبون أنهم
موفقون. يا كميل، أقسم بالله لسمعت رسول (صلى الله عليه وآله) يقول: إن الشيطان إذا
حمل قوماً على الفواحش مثل الزنا وشرب الخمر وما أشبه ذلك من الخنا والمآثم، حبب
إليهم العبادة الشديدة والخشوع والركوع والخضوع والسجود، ثم حملهم على ولاية الأئمة
الذين يدعون إلى النار، ويوم القيامة لا ينصرون...
يا كميل، إنه مستقر ومستودع فاحذر أن تكون من المستودعين، وإنما تستحق أن يكون
مستقراً إذا لزمت الجادة الواضحة التي لا تخرجك إلى عوج، ولا تزيلك عن منهج ما
حملناك عليه وما هديناك إليه. يا كميل، لا غزو إلا مع إمام عادل ولا نفل إلا مع
إمام فاضل! يا كميل، أرأيت لو لم يظهر نبي وكان في الأرض مؤمن تقي لكان في دعائه
إلى الله مخطئاً أو مصيباً؟ بلى والله مخطئاً حتى ينصبه الله (عزَّ وجلَّ) ويؤهله
له! يا كميل، الدين لله، فلا تغترن بأقوال الأمة المخدوعة التي قد ضلت بعد ما اهتدت
وجحدت بعد ما قبلت. يا كميل الدين لله تعالى فلا يقبل الله تعالى من أحد القيام به
إلا رسولاً أو نبياً أو وصياً! يا كميل هي نبوة ورسالة وإمامة وليس بعد ذلك إلا
متولون ومتغلبون وضالون ومعتدون.
يا كميل، إن النصارى لم تعطل الله تعالى ولا اليهود، ولا جحدت موسى ولا عيسى،
ولكنهم زادوا ونقصوا وحرفوا وألحدوا فلُعنوا ومُقتوا ولم يتوبوا....
يا كميل، قال رسول (صلى الله عليه وآله) قولاً أعلنه والمهاجرون والأنصار متوافرون
يوماً بعد العصر، يوم النصف من شهر رمضان، قائمٌ على قدميه من فوق منبره: عليٌّ مني
وابناي منه والطيبون مني ومنهم، وهم الطيبون بعد أمهم، وهم سفينة نوح، من ركبها
نجا، ومن تخلف عنها هوى، الناجي في الجنة والهاوي في لظى). انتهى.
أقول: معنى قوله (عليه السلام): ما من علم إلا وأنا أفتحه: أن النبي (صلى الله عليه
وآله) جاء بأصول العلوم التي يحتاج إليها الإنسان، وأن أمير المؤمنين (عليه السلام)
فتح هذه الأصول، أصول علوم الدين التي يتوقف عليها تكامل الإنسان وفوزه بالخلود في
النعيم. وقد استدل ابن أبي الحديد في مقدمته لشرح النهج على أن العلوم الإسلامية
ترجع إلى أمير المؤمنين (صلى الله عليه وآله) فهو مؤسسها أو مرسي أسسها.
ومعنى قوله (عليه السلام): وما من سر إلا والقائم (عليه السلام) يختمه: أن الأسرار
الخفية للعلوم والحياة يكشفها الإمام المهدي (عليه السلام) ويضعها بين أيدي الناس.
ويكفي أنه يكشف أسرار القرآن وييسر علومه للناس، ويبني به المعرفة الإنسانية
العالية، والحياة المتطورة مادياً ومعنوياً.
أمير المؤمنين (عليه السلام): بنا فتح الله وبنا يختم لا بكم
في ملاحم ابن المنادي/٦٤، عن الأصبغ بن نباتة قال: خطب أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب (عليه السلام) بالكوفة فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن
قريشاً أئمة العرب أبرارها لأبرارها وفجارها لفجارها، ألا ولا بد من رحاً تطحن على
ضلالة وتدور، فإذا قامت على قطبها طحنت بحدِّها، ألا وإن لطحنها روقاً وروقها
حدتها، وفَلُّها على الله (عزَّ وجلَّ). ألا وإني وأبرار عترتي وأهل بيتي أعلم
الناس صغاراً وأحلم الناس كباراً، معنا راية الحق، من تقدمها مرق ومن تأخر عنها محق
ومن لزمها لحق، وإنا أهل بيت الرحمة، وبنا فتحت أبواب الحكمة، وبحكم الله حكمنا،
وبعلم الله علمنا، ومن صادق سمعنا، فإن تتبعونا تنجوا، وإن تتولوا يعذبكم الله
بأيدينا، بنا فك الله ربق الذل من أعناقكم، وبنا يختم لا بكم، بنا يلحق التالي
وإلينا يفيء الغالي. ولولا أن تستعجلوا وتستأخروا القدر لأمر قد سبق في البشر
لحدثتكم بشباب من الموالي وأبناء العرب، ونبذ من الشيوخ، كالملح في الزاد وأقل
الزاد الملح. فينا معتبر ولشيعتنا منتظر، وإنا وشيعتنا نمضي إلى الله (عزَّ وجلَّ)
بالبطن والحمى والسيف، وإن عدونا يهلك بالداء والدبيلة وبما شاء الله من البلية
والنقمة. وأيم الله أن لو حدثتكم بكل ما أعلم لقالت طائفة ما أكذب وأرجم، ولو
انتقيت منكم مائة قلوبهم كالذهب، ثم انتقيت من المائة عشرة ثم حدثتهم فينا أهل
البيت حديثاً ليناً لا أقول فيه إلا حقاً ولا أعتمد فيه إلا صدقاً، لخرجوا وهم
يقولون علي من أكذب الناس، ولو اخترت من غيرهم عشرة فحدثتهم في عدونا وأهل البغي
علينا أحاديث كثيرة لخرجوا وهم يقولون علي من أصدق الناس! هلك خاطب الخطب، وحاص
صاحب العصب، وبقيت القلوب تَقلَّب، منها مشغب، ومنها مجدب ومنها مخصب، ومنها مشتت.
يا بَنِيَّ لِيبرَّ صغاركم كباركم وليرأف كباركم بصغاركم، ولا تكونوا كالغواة
الجفاة الذين لم يتفقهوا في الدين، ولم يعطوا في الله (عزَّ وجلَّ) محض اليقين،
كبيض في أداح. وويحُ الفراخ فراخ آل محمد من خليفة جبار عتريف مترف، مستخفٍّ بخلفي
وخلف الخلف! وبالله لقد علمت تأويل الرسالات وإنجاز العداة وتمام الكلمات. وليكونن
من أهل بيتي رجل يأمر بأمر الله قوي يحكم بحكم الله، وذلك بعد زمان مكلح مفضح يشتد
فيه البلاء وينقطع فيه الرجاء ويقبل فيه الرشاء، فعند ذلك يبعث الله (عزَّ وجلَّ)
رجلاً من شاطئ دجلة لأمر حزبه يحمله الحقد على سفك الدماء، قد كان في ستر وغطاء،
فيقتل قوماً هو عليهم غضبان شديد الحقد حران، في سنة بخت نصر، يسومهم خسفاً ويسقيهم
كأساً مصبرة سوط عذاب وسيف دمار، ثم
يكون بعده هنات وأمور مشتبهات. ألا إن من شط الفرات إلى النجفات باباً إلى
القطقطانيات، في آيات وآفات متواليات، يحدثن شكاً بعد يقين يقوم بعد حين، تبنى
المدائن وتفتح الخزائن وتجمع الأمم، ينفذها شخص البصر وطمح النظر، وعنت الوجوه وكشف
البال، حين يرى مقبلاً مدبراً، فيا لهفاه على ما أعلم، رجب شهر ذكر، رمضان تمام
السنين، شوال يشال فيه من القوم، ذو القعدة يقتعدون فيه، ذو الحجة الفتح من أول
العشر. ألا إن العجب كل العجب بعد جمادى ورجب، جمع أشتات وبعث أموات، وحديثات هونات
هونات بينهن موتات، رافعة ذيلها داعية عولها معلنة قولها، بدجلة أو حولها.
ألا إن منا قائماً عفيفةٌ أحسابه سادةٌ أصحابه، تنادون عند اصطلام أعداء الله باسمه
واسم أبيه في شهر رمضان ثلاثاً، بعد هرج وقتال وضنك وخبال، وقيام من البلاء على
ساق، وإني لأعلم إلى من تخرج الأرض ودايعها وتسلم إليه خزائنها، ولو شئت أن أضرب
برجلي فأقول أخرجوا من هاهنا بيضاً ودروعاً!
كيف أنتم يا بني هنات إذا كانت سيوفكم بأيمانكم مصلتات، ثم رملتم رملات ليلة
البيات، ليستخلفن الله خليفة يثبت على الهدى، ولا يأخذ على حكمه الرشى، إذا دعا
دعوات بعيدات المدى، دامغات المنافقين، فارجات عن المؤمنين. ألا إن ذلك كائن على
رغم الراغمين، والحمد لله رب العالمين). انتهى.
وروى الجاحظ في البيان والتبيين/٢٣٨، بعضها، قال: (قال أبو عبيدة: وروى فيها جعفر
بن محمد: إن أبرار عترتي وأطايب أرومتي أحلم الناس صغاراً وأعلمهم كباراً ألا وإنا
من أهل بيت من علم الله علمنا وبحكم الله حكمنا ومن قول صادق سمعنا، وإن تتبعوا
آثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإن لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا، معنا راية الحق من
تبعنا لحق ومن تأخر عنا غرق. ألا وإن بنا ترد دبرة كل مؤمن، وبنا تخلع ربقة الذل من
أعناقكم، وبنا فتح وبنا ختم، لا بكم). وشرح النهج: ١/٢٧٦، عن الجاحظ، وقال/٢٨١:
(وقوله في آخرها: وبنا تختم لا بكم، إشارة إلى المهدي الذي يظهر في آخر الزمان،
وأكثر
المحدثين على أنه من ولد فاطمة (عليها السلام) وأصحابنا المعتزلة لا ينكرونه وقد
صرحوا بذكره في كتبهم واعترف به شيوخهم إلا أنه عندنا لم يخلق بعد وسيخلق). وكنز
العمال: ١٤/٥٩٢ عن ابن المنادي.
ورواها في المسترشد/٧٥، وقال إنه خطبها عندما ما ولي الأمر، ونصها: (أهلك الله
فرعون وهامان وقارون، والذي نفسي بيده لتخلخلن خلخلة ولتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة،
ولتساطن سوطة القدر حتى يعود أعلاكم أسفلكم وأسفلكم أعلاكم، ولقد عدتم كهيئتكم يوم
بعث فيكم نبيكم (صلى الله عليه وآله)، ولقد نبئت بهذا الموقف وبهذا الأمر! وما كتمت
وَشْمَة(كلمة) ولا كذبت كذبة، هلك من ادعى وخاب من افترى، اليمين والشمال مضلة،
الطريق والمنهج ما في كتاب الله وآثار النبوة، ألا إن أبغض عبد خلقه الله إلى الله
لعبد وكله إلى نفسه، ورجل قمش في أشباه الناس علماً فسماه الناس عالماً حتى إذا ورد
من آجن وارتوى من غير طائل، قعد قاضياً للناس لتخليص ما اشتبه من غيره، فإن قاس
شيئاً بشيء لم يكذب بصره، وإن أظلم عليه شيء كتم ما يعرف من نفسه، لكيلا يقال لا
يعرف، خباط عشوات ومفتاح جهالات، لا يسأل عما لا يعلم فيعلم، ولا ينهض بعلم قاطع،
يذري الرواية إذراء الريح الهشيم، تصرخ منه المواريث، يحل بقضائه الفرج الحرام،
ويحرم بقضائه الفرج الحلال، لا مليٌّ بتصدير ما ورد عليه، ولا ذاهل عما فرط عنه.
ألا إن العلم الذي هبط به آدم وجميع ما فضلت به الأنبياء (عليهم السلام)، في عترة
نبيكم، فأين يتاه بكم وأين تذهبون. يا معشر من نجا من أصحاب السفينة هذا مثلها فيكم،
كما نجا في هاتيك من نجا فكذلك من ينجو في هذه منكم من ينجو! ويل لمن تخلف عنهم،
إنهم لكم كالكهف لأصحاب الكهف، سموهم بأحسن اسمائهم، وبما سموا به في القرآن، هذا
عذب فرات سائغ شرابه فاشربوا، وهذا ملح أجاج فاحذروا، إنهم باب حطة فأدخلوا، ألا إن
الأبرار من عترتي وأطائب أرومتي أعلم الناس صغاراً وأحلمهم كباراً، من علم الله
علمنا، ومن قول صادق سمعنا، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإن تدبروا عنا
يهلككم الله بأيدينا أو بما شاء. معنا راية الحق من تبعها لحق ومن
تخلف عنها محق، وبنا ينير الله الزمان الكلف، وبنا يدرك الله ترة كل مؤمن وبنا يفك
الله ربقة الذل عن أعناقكم، وبنا يختم الله لا بكم). وروى بعضها الحراني في تحف
العقول/١١٥، وفيه: (بنا فتح الله (عزَّ وجلَّ) وبنا يختم الله وبنا يمحو الله ما
يشاء وبنا يدفع الله الزمان الكلب وبنا ينزل الغيث. لا يغرنكم بالله الغرور، لو قد
قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ولأخرجت الأرض نباتها، وذهبت الشحناء من قلوب
العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتى تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدميها
إلا على نبات وعلى رأسها زنبيلها لا يهيجها سبع ولا تخافه). ورواها في الإرشاد/١٢٨،
كالبيان والتبيين وقال: ما رواه الخاصة والعامة عنه، وذكر ذلك أبو عبيدة معمر بن
المثنى وغيره ممن لا يتهمه خصوم الشيعة في روايته، أن أمير المؤمنين (عليه السلام)
قال في أول خطبة خطبها بعد بيعة الناس له على الأمر، وذلك بعد قتل عثمان بن عفان).
خاتم الأوصياء من ذرية خاتم الأسباط
أمالي الطوسي: ٢/١١٣، عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) قال: (كنت أمشي خلف عمي
الحسن وأبي الحسين (عليهما السلام) في بعض طرقات المدينة في العام الذي قبض فيه عمي
الحسن (عليه السلام) وأنا يومئذ غلام لم أراهق أو كدت، فلقيهما جابر بن عبد الله
وأنس بن مالك الأنصاريان في جماعة من قريش والأنصار، فما تمالك جابر بن عبد الله
حتى أكب على أيديهما وأرجلهما يقبلهما، فقال رجل من قريش كان نسيباً لمروان: أتصنع
هذا يا أبا عبد الله وأنت في سنك هذا وموضعك من صحبة رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
وكان جابر قد شهد بدراً، فقال له: إليك عني فلو علمت يا أخا قريش من فضلهما
ومكانهما ما أعلم لقبلت ما تحت أقدامهما من التراب. ثم أقبل جابر على أنس بن مالك
فقال: يا أبا حمزة أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيهما بأمر ما ظننته أنه
يكون في بشر. قال: له أنس: وبماذا أخبرك يا أبا عبد الله؟ قال علي بن الحسين:
فانطلق الحسن والحسين (عليهما السلام) ووقفت أنا اسمع محاورة القوم فأنشأ جابر يحدث
قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم في المسجد وقد خفَّ من حوله إذ
قال لي: يا جابر أدع لي حسناً وحسيناً، وكان شديد الكلف بهما، فانطلقت فدعوتهما
وأقبلت أحمل هذا مرة وهذا أخرى حتى جئته بهما، فقال لي وأنا أعرف السرور في وجهه
لما رأى من محبتي
لهما وتكريمي إياهما: أتحبهما يا جابر؟ فقلت: وما يمنعني من ذلك فداك أبي وأمي وأنا
أعرف مكانهما منك؟ قال: أفلا أخبرك عن فضلهما؟ قلت: بلى بأبي أنت وأمي قال: إن الله
تعالى لما أحب أن يخلقني خلقني نطفة بيضاء طيبة فأودعها صلب أبي آدم (عليه السلام)
فلم يزل ينقلها من صلب طاهر إلى رحم طاهر إلى نوح وإبراهيم (عليهما السلام) ثم كذلك
إلى عبد المطلب، فلم يصبني من دنس الجاهلية. ثم افترقت تلك النطفة شطرين إلى عبد
الله وأبي طالب، فولدني أبي فختم الله بي النبوة وولد أبو طالب علياً فختمت به
الوصية، ثم اجتمعت النطفتان مني ومن علي فولدنا الجهر والجهير الحسنان فختم بهما
أسباط النبوة وجعل ذريتي منهما وأمرني بفتح مدينة أو قال مدائن الكفر. ومن ذرية هذا،
وأشار إلى الحسين (عليه السلام) رجل يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلاً كما ملئت
ظلماً وجوراً، فهما طاهران مطهران، وهما سيدا شباب أهل الجنة، طوبي لمن أحبهما
وأباهما وأمهما وويل لمن حاربهم وأبغضهم). وتأويل الآيات: ١/٣٧٩، كأمالي الطوسي
بتفاوت، عن كتاب ما اتفق فيه من الأخبار للحائري. وحلية الأبرار: ٢/٦٤.
وبمهدينا تنقطع الحجج
مروج الذهب: ١/٣٢، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: إن الله حين
شاء تقدير الخليفة وذرأ البرية وأبدع المبدعات نصب الخلق في صور كالهباء قبل دحو
الأرض ورفع السماء، وهو في انفراد ملكوته وتوحد جبروته فأساح نوراً من نوره فلمع،
ونزع قبساً من ضيائه فسطع، ثم اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفية فوافق ذلك صورة
نبينا محمد (صلى الله عليه وآله)، فقال الله عز من قائل: أنت المختار المنتخب،
وعندك مستودع نوري وكنوز هدايتي، من أجلك أسطح البطحاء، وأمرج الماء، وأرفع السماء،
وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار، وأنصب أهل بيتك للهداية، وأوتيهم من مكنون
علمي ما لا يشكل عليهم دقيق ولا يعييهم خفي، وأجعلهم حجتي على بريتي، والمنبهين على
قدرتي ووحدانيتي، ثم أخذ الله
الشهادة عليهم بالربوبية والإخلاص بالوحدانية فبعد أخذ ما أخذ من ذلك شاب ببصائر الخلق انتخاب محمد وآله (فقبل أخذ ما أخذ جل شأنه ببصائر الخلق انتخب محمد وآله) وأراهم أن الهداية معه والنور له والإمامة في آله، تقديماً لسنة العدل، وليكون الإعذار متقدماً، ثم أخفى الله الخليقة في غيبه، وغيبها في مكنون علمه، ثم نصب العوامل وبسط الزمان، ومرج الماء، وأثار الزبد، وأهاج الدخان، فطفا عرشه على الماء، فسطح الأرض على ظهر الماء [وأخرج من الماء دخاناً فجعله السماء] ثم استجلبهما إلى الطاعة فأذعنتا بالاستجابة، ثم أنشأ الله الملائكة من أنوار أبدعها وأرواح اخترعها، وقرن بتوحيده نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) فشهرت في السماء قبل بعثته في الأرض، فلما خلق آدم أبان فضله للملائكة، وأراهم ما خصه به من سابق العلم من حيث عرفه عند استنبائه إياه اسماء الأشياء، فجعل الله آدم محرابا وكعبة وبابا وقبلة أسجد إليها الأبرار والروحانيين الأنوار، ثم نبه آدم على مستودعه وكشف له خطر ما ائتمنه عليه، بعد ما سماه إماما عند الملائكة، فكان حظ آدم من الخير ما أراه من مستودع نورنا، ولم يزل الله تعالى يخبئ النور تحت الزمان إلى أن فضل محمداً (صلى الله عليه وآله) في ظاهر الفترات، فدعا الناس ظاهراً وباطناً، وندبهم سراً وإعلاناً، واستدعى (عليه السلام) التنبيه على العهد الذي قدمه إلى الذر قبل النسل، فمن وافقه وقبس من مصباح النور المقدم اهتدى إلى سره، واستبان واضح أمره، ومن أبلسته الغفلة استحق السخط، ثم انتقل النور إلى غرائزنا، ولمع في أئمتنا، فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض، فبنا النجاء ومنا مكنون العلم وإلينا مصير الأمور، وبمهدينا تنقطع الحجج، خاتمة الأئمة، ومنقذ الأمة، وغاية النور، ومصدر الأمور، فنحن أفضل المخلوقين، وأشرف الموحدين، وحجج رب العالمين، فليهنأ بالنعمة من تمسك بولايتنا وقبض على عروتنا). وفي تذكرة الخواص لابن الجوزي/١٢٨، عن الحسين بن علي قال: خطب أبي أمير المؤمنين يوماً بجامع الكوفة خطبة بليغة في مدح رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: وفيه: (وبمهدينا تقطع الحجج، فهو خاتم الأئمة.. وغامض السر، فليهنأ من استمسك
بعروتنا، وحُشر على محبتنا). تنقطع الحجج: أي لايبقى لأحد حجة مقابل أهل البيت (عليه
السلام).
الإمام العسكري (عليه السلام): هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه
في إثبات الهداة: ٣/٥٦٩، عن الفضل بن شاذان في كتاب إثبات الرجعة، عن محمد بن عبد
الجبار قال: قلت لسيدي الحسن بن علي (عليه السلام): يا ابن رسول الله جعلني الله
فداك: أحب أن أعلم من الإمام وحجة الله على عباده من بعدك؟ فقال: إن الإمام وحجة
الله من بعدي ابني سميُّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنِيُّه، الذي هو خاتم
حجج الله وآخر خلفائه، قلت: ممن هو يا بن رسول الله؟ قال: من ابنة ابن قيصر ملك
الروم ألا إنه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة ثم يظهر).
وفي مصباح المتهجد/٢٨٧، صلاة للحاجة عن الإمام الصادق (عليه السلام) ثم ذكر التوسل
بالأئمة المعصومين (عليهم السلام) وجاء فيه قوله: (اللهم... وأتقرب إليك بالبقية
الباقي المقيم بين أوليائه الذي رضيته لنفسك، الطيب الطاهر الفاضل الخير، نور الأرض
وعمادها، ورجاء هذه الأمة وسيدها، الأمر بالمعروف الناهي عن المنكر، الناصح الأمين،
المؤدي عن النبيين، وخاتم الأوصياء النجباء الطاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين).
الإمام العسكري (عليه السلام) لولده: وأنت خاتم الأئمة الطاهرين
غيبة الطوسي/١٦٥، أحمد بن علي الرازي، عن محمد بن علي، عن عبد الله بن محمد بن
خاقان الدهقان، عن أبي سليمان داود بن عنان البحراني قال: قرأت على أبي سهل اسماعيل
بن علي النوبختي: دخلت على أبي محمد في المرضة التي مات فيها وأنا عنده، إذ قال
لخادمه عقيد وكان الخادم أسود نوبياً قد خدم من قبله علي بن محمد، وهو ربى الحسن
(عليه السلام)، فقال: يا عقيد أغل لي ماء بمصطكى فأغلى له، ثم جاءت به صقيل الجارية
أم الخلف (عليه السلام) (مربيته) فلما صار القدح في يديه وهمَّ بشُربه فجعلت يده
ترتعد حتى ضرب القدح ثنايا الحسن، فتركه من يده وقال لعقيد: أدخل البيت فإنك ترى
صبياً ساجداً فأتني به، قال أبو سهل: قال عقيد
فدخلت أتحرى فإذا أنا بصبي ساجد رافع سبابته نحو السماء فسلمت عليه، فأوجز في صلاته
فقلت: إن سيدي يأمرك بالخروج إليه، إذ جاءت أمه صقيل فأخذت بيده وأخرجته إلى أبيه
الحسن (عليه السلام)، قال أبو سهل فلما مثل الصبي بين يديه سلم وإذا هو دري اللون
وفى شعر رأسه قطط، مفلج الأسنان، فلما رآه الحسن (عليه السلام) بكى وقال: يا سيد
أهل بيته اسقني الماء فإني ذاهب إلى ربي، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكى بيده ثم
حرك شفتيه ثم سقاه، فلما شربه قال: هيئوني للصلاة، فطرح في حجره منديل فوضأه الصبي
واحدة واحدة ومسح على رأسه وقدميه، فقال له أبو محمد (عليه السلام): أبشر يا بني
فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجة الله على أرضه، وأنت ولدي ووصيي، وأنا
ولدتك وأنت محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب، ولدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنت خاتم الأئمة
الطاهرين، وبشر بك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسماك وكناك، بذلك عهد إلي أبي
عن آبائك الطاهرين، صلى الله على أهل البيت ربنا إنه حميد مجيد، ومات الحسن بن علي
من وقته صلوات الله عليهم أجمعين). ومثله منتخب الأنوار/٤٢، وعنه إثبات الهداة:
٣/٤١٥. الخ.
الإمام المهدي (عليه السلام): أنا خاتم الأوصياء وبي يرفع الله البلاء
إثبات الوصية للمسعودي/٢٢١: (وحدثنا علان قال حدثني أبو نصر ضرير الخادم قال: دخلت
على صاحب الزمان فقال لي: علي بالصندل الأحمر فأتيته به، فقال: أتعرفني؟ قلت نعم،
قال من أنا؟ فقلت أنت سيدي وابن سيدي، فقال ليس عن هذا سألتك، قال ضرير فقلت: جعلت
فداك فسر لي، فقال: أنا خاتم الأوصياء وبي يرفع الله البلاء عن أهلي وشيعتي). ومثله
كمال الدين: ٢/٤٤١، وغيبة الطوسي/١٤٨، والخرائج: ١/٤٥٨، والهداية/٨٧، ودعوات
الراوندي/٢٠٧.. الخ.
* * *
الفصل الثامن: تحريف البشارة النبوية وادعاء المهدية!
١ - قال النبي (صلى الله عليه وآله) (من عترتي) فجعلوها (من أمتي)
إقرأ هذا الحديث الصحيح عندهم، الذي رواه الحافظ الإمام ابن المنادي/٤١، قال: (أخبرنا
عبد الرزاق بن همام قال: قلت لسعيد بن المسيب: أحقٌّ المهدي؟ قال حق، قال قلت: ممن
هو؟ قال من قريش، قلت: من أي قريش؟ قال: من بني هاشم قلت: من أي بني هاشم؟ قال: من
بني عبد المطلب، قلت: من أي عبد المطلب؟ قال: من ولد فاطمة. قلت: من أي ولد فاطمة؟
قال: حسبك الآن)؟ وفرائد فوائد الفكر/٦٥ عن قتادة، وابن طاووس/١٦٤ وطبعة/٣٢٠ و٣٤٤،
عن فتن زكريا، ورواه في ينابيع المودة: ٣/٢٦٢، والسيد الميلاني في شرح منهاج
الكرامة: ١/٢٥٥، عن شرح المواقف: ٥/٣٤٢، وشرح المقاصد: ٨/٢٣٢، وفي جميعها: قلت: من
أي ولد فاطمة؟ قال: حسبك الآن). انتهى. وسبب كتمان ابن المسيب لحديث رسول الله (صلى
الله عليه وآله) أن مدح أهل البيت (عليهم السلام) جريمة عند السلطة، فهو يخاف منها،
ويخاف من مدعي المهدية أن يكذبهم!
ومعناه: أن تخوف الرواة من رواية الأحاديث النبوية التي تحدد هوية الإمام المهدي
(عليه السلام) وتغييرهم عترتي بأمتي كان ضرورياً للخليفة، كما ترى في صحيح ابن
حبان: ٨/١١، ومسند أبي يعلى: ٢/٢٩١، عن عبد الله بن عمر قال: قال النبي (صلى الله
عليه وآله): يخرج رجل من أمتي يواطئ اسمه اسمي وخلقه خلقي، فيملأ الأرض قسطاً
وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً). والطبراني الكبير: ١٠/١٦٨، عن ابن عمر، قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله):
لا تذهب الأيام والليالي، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم حتى يبعث الله رجلاً من
أمتي، يواطئ اسمه) وغيره وغيره! فمرة تجد التحريف عن ابن عمر ومرة عن ابن عمرو ومرة
منسوباً إلى ابن مسعود! وحتى لأبي سعيد الخدري المعروف بصدقه وجرأته حتى أنه رفض
البيعة ليزيد فنتف زبانيته شعر لحيته في وقعة الحرة وبعضه لم ينبت!
قال الداني في سننه/١٠٠: عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
يخرج رجل من أمتي يعمل بسنتي، ينزل الله له البركة من السماء، وتخرج له الأرض
بركتها، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً). وروى تلميذه أبو الصديق الناجي أنه كان
جالساً عند منبر النبي (صلى الله عليه وآله) يبكي وله حنين! (قلت: ما يبكيك؟ قال:
تذكرت النبي (صلى الله عليه وآله) ومقعده على هذا المنبر، قال: إن من أهل بيتي
الأقنى الأجلى، يأتي الأرض وقد ملئت ظلماً وجوراً، فيملؤها قسطاً وعدلاً). (سنن
الداني/٩٣).
ولك أن تفسر بكاءه حنيناً إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وعترة النبوية المظلومة
(عليهم السلام)! وأن عليك أن تضع كلمة (عترتي) بدل (أمتي) في كل حديث حرفه رواة
الخلافة!
٢ - غيروا (اسمه اسمي) إلى (يواطي اسمه اسمي)!
كنت أقرأ في أحاديثهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (يواطي اسمه اسمي)
فأتساءل: هل يمكن أن يعبر النبي (صلى الله عليه وآله) بتعبير من يظن ظناً وهو صاحب
علم ويقين، وهل يريد أن يبهم ويقول: (اسمه قريب من اسمي)؟ لكن هل للنبي (صلى الله
عليه وآله) غرض في إبهام اسم المهدي (عليه السلام)؟! وعندما تتبعتُ أحاديث أهل
البيت الصادقين الطاهرين (عليهم السلام) وجدت نصوصهم كلها (اسمه اسمي) وليس فيها
أثرٌ لكلمة يواطي أو يقارب أو يوافق!
ففي كمال الدين: ١/٢٨٦، عن جابر (رحمه الله) قال: قال رسول الله: المهدي من ولدي
اسمه اسمي وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلْقاً وخُلُقاً، تكون له غيبة وحيرة تضل
فيها الأمم، ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً).
انتهى.
فالقضية إذن أن الذين يدعون المهدية لمعاوية وموسى بن طلحة يريدون زحزحة
اسم المهدي عن اسم النبي (صلى الله عليه وآله) إلى ما يواطيه أي يوافقه أو يقاربه،
ليجعلوا اسم موسى ومعاوية موافقين له في المعنى! والملاحظ أن الرواة عن ابن مسعود
هم الذين اخترعوا (يواطي)! قال ابن المنادي في سننه/٤١: (سألت عاصم بن أبي النجود
فقلت له: يا أبا بكر أذكرت زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله): لا تنقضي الدنيا حتى يملك الأرض رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي؟
فقال: نعم، وكذلك خليفة). انتهى. ولعل تحريفهم بدأ بجعل: اسمه اسمي: اسمه كاسمي..
يوافق اسمي.. يواطي اسمي! (الطبراني الكبير: ١٠/١٦١، وابن المنادي/٤١، عن ابن مسعود)!
بينما رواية حذيفة تقول (اسمه اسمي) كما في عقد الدرر/٢٤، عن أبي نعيم في صفة
المهدي قال: وعن حذيفة قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذكَّرنا رسول
الله بما هو كائن ثم قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله (عزَّ وجلَّ)
ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدي اسمه اسمي، فقام سلمان الفارسي (رضي الله عنه)
فقال يا رسول الله من أي ولدك؟ قال من ولدي هذا، وضرب بيده على الحسين). انتهى.
٣ - أضافوا إلى النص النبوي: (واسم أبيه اسم أبي)؟
والد الإمام المهدي هو الإمام الحسن، المعروف بالعسكري لأن الخلافة فرضت عليه وعلى
أبيه الإمام الهادي (عليهم السلام) الإقامة الجبرية في عاصمتها سامراء وكان اسمها
العسكر، فعرف كل منهما باسم: (العسكرييْن).
لكن المعروف عند أتباع المذاهب السنية أن اسم المهدي اسم النبي (صلى الله عليه وآله)
واسم أبيه عبد الله، على اسم والد النبي (صلى الله عليه وآله)! وقد جاءهم ذلك من
مدعي المهدية لمن اسم أبيه عبد الله، ومن أقدمهم المهدي الحسني محمد بن عبد الله بن
الحسن المثنى، والمهدي العباسي محمد بن عبد الله المنصور الدوانيقي! وقد تعصب لهذه
الزيادة أتباع ابن تيمية، وزادوا عليها إلغاء كافة الأحاديث التي تنص على أن المهدي
(عليه السلام) من أولاد علي وفاطمة (عليهما السلام)، ليفسحوا المجال بذلك لمهديهم
محمد بن عبد الله غير
الهاشمي! فقد قامت حركة محمد بن عبد الله العتيبي في مطلع القرن الخامس عشر
عام١٤٠٠هجرية على ادعاء أنه هو المهدي الموعود، وسيطر على الحرم المكي لعدة أيام
وكان قائده العسكري أخ زوجته جهيمان، ودعا المسلمين إلى بيعة صهره المهدي محمد بن
عبد الله العتيبي! وقتل هذا(المهدي) ولم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً!
ثم ادعى الوهابيون المهدية لشخص آخر من مدينة بريدة اسمه محمد بن عبد الله، مازال
حياً، ولعله من قبيلة هوازن، وزعموا أن فيه صفات الإمام المهدي (عليه السلام)
وأخذوه إلى مفتيهم الأكبر ابن باز وكلمه وامتحنه فأعجبه ووافقهم على انطباق الصفات
عليه وتمنى له التوفيق! وقد نشرت هذا الخبر مواقعهم قبل نحو سنتين من وفاة شيخهم
ابن باز، ولم نقرأ عن مهدي بريدة بعد ذلك إلا أنهم أخذوه إلى الشيشان وأفغانستان
لينطبق عليه الحديث أنه يخرج من المشرق!
لكن الصحيح أن الإمام المهدي (عليه السلام) يخرج من مكة، ومعنى يبدأ أمره من
المشرق: تبدأ حركة أنصاره الممهدين أصحاب الرايات السود وأهل المشرق.
ويظهر أن أصل هذه الزيادة من نص نسبه الراوي إلى عبد الله بن مسعود: قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله): لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث
رجلاً من أهلي، يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما
ملئت ظلماً وجوراً). وابن حماد: ١/٣٦٧، وابن شيبة: ١٥/١٩٨، وأوسط الطبراني: ٢/١٣٥،
والداني/٩٤، والعلل المتناهية: ٢/٨٥٦، وتاريخ البغدادي: ٥/٣٩١، وغيرهم، وفيها كلها:
واسم أبيه اسم أبي.
كما أن هذا التحريف لم يرد في مصادر أساسية معتمدة عندهم! ففي مسند أحمد: ١/٣٧٦
بروايتين عن زر بن حبيش، عن عبد الله: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا
تنقضي الأيام ولا يذهب الدهر حتى يملك العرب... وليس فيه: واسم أبيه اسم أبي. وفي
الروض الداني على المعجم الصغير: ٢/٢٩٠، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله): لا تذهب الدنيا حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي
يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً. ومثله جامع الأحاديث للسيوطي:
٧/٢٦٤، بروايتين عن أبن مسعود أيضاً، ولفظهما: لا تذهب الدنيا ولا تنقضي حتى يملك
العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي). ومسند البزار: ٥/٢٢٥، وزين الفتى: ١/٣٨٢،
وأبو داود: ٤/١٠٦، بثلاثة أسانيد أخرى عن عبد الله بن
مسعود، وليس فيها: اسم أبيه اسم أبي. والترمذي: ٤/٥٠٥، كرواية أحمد الثانية،
والطبراني الكبير: ١٠/١٦٦، والداني/٩٨، كأبي داود بتفاوت، عن عبد الله بن مسعود.
ومصابيح البغوي: ٣/٤٩٢، وجامع الأصول: ١١/٤٨، بدون: اسم أبيه اسم أبي. والاعتقاد
للبيهقي/١٧٣، رواه عن علي بدونها، ثم قال: ورواه عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش،
عن عبد الله بن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله): وذكر فيه: يواطئ اسمه
اسمي....
وقد نقد بعض كبار علمائهم هذه الزيادة كالشافعي في البيان/٤٨٢، قال: (أخبرنا الحافظ
أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم الآبري في كتاب مناقب الشافعي ذكر هذا
الحديث وقال فيه: وزاد زائدة في روايته لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك
اليوم حتى يبعث الله رجلاً مني، أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي،
يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. قلت: وذكر الترمذي الحديث ولم يذكر
قوله واسم أبيه اسم أبي. وفي مشكاة المصابيح: ٣/٢٤: رواه الترمذي وأبو داود وليس
فيه واسم أبيه اسم أبي وفي معظم روايات الحفاظ والثقات من نقلة الأخبار اسمه اسمي
فقط، والذي رواه اسم أبيه اسم أبي فهو زائدة وهو يزيد في الحديث. والقول الفصل في
ذلك أن الإمام أحمد مع ضبطه وإتقانه روى هذا الحديث في مسنده في عدة مواضع واسمه
اسمي).
وقال السلمي في عقد الدرر/٢٧: أخرجه جماعة من أئمة الحديث في كتبهم منهم الإمام أبو
عيسى الترمذي في جامعه، والإمام أبو داود في سننه، والحافظ أبو بكر البيهقي، والشيخ
أبو عمرو الداني، كلهم هكذا، وليس فيه: واسم أبيه اسم أبي). انتهى.
أقول: يوجد عدة رواة اسم كل منهم زائدة وبعضهم ابن أبي زائدة، ولم أصل إلى تحديد
زائدة الذي زاد (واسم أبيه اسم أبي) وأشهرهم زائدة بن قدامة ولا ينطبق عليه كلامهم،
ولعلهم يقصدون: زائدة مولى عثمان بن عفان، روى عن سعد بن أبي وقاص وروى عنه أبو
الزناد، وقال عنه أحمد: حديثه منكر. (الجرح والتعديل للرازي: ٣/٦١١ وكامل ابن عدي:
٣/٢٢٨). وفائدة تعيينه معرفة حاله وصلته بمدعي المهدية الذين كذب
لحسابهم كمعاوية وموسى بن طلحة، ومن بعدهما من العباسيين والحسنيين.
ومع شهادتهم بأن الزيادة موضوعة، لا تبقى حاجة لمحاولة بعضهم تأويلها كالشبلنجي
والأربلي والهروي والنوري والمجلسي وغيرهم، حيث قالوا ربما كان أصلها: واسم أبيه
اسم نبي، أو اسم ابني أي الحسن، ثم صحفت كلمة نبي أو ابني بأبي، ولكن ذلك كله تكلف
بعد طعنهم بزائدها!
هذا، وقد يستشكل على بعض علماء الشيعة بأنه أورد هذه الزيادة في بعض ما رواه، لكن
ذلك دليل على أمانته في النقل، كالطوسي وابن طاووس وغيرهم، فقد روى ابن الشيخ
الطوسي (رحمه الله) في أماليه: ١/٣٦١، بسنده عن أبيه (رحمه الله) عن عبد الرحمن بن
أبي ليلى قال: قال أبي: دفع النبي (صلى الله عليه وآله) الراية يوم خيبر إلى علي بن
أبي طالب (عليه السلام) ففتح الله عليه. وأوقفه يوم غدير خم فأعلم الناس أنه مولى
كل مؤمن ومؤمنة. وقال له.... في حديث طويل جاء فيه: ثم بكى النبي (صلى الله عليه
وآله) فقيل: مم بكاؤك يا رسول الله؟ قال: أخبرني جبرئيل أنهم يظلمونه ويمنعونه حقه
ويقاتلونه ويقتلون ولده ويظلمونهم بعده. وأخبرني جبرئيل عن الله (عزَّ وجلَّ) أن
ذلك الظلم يزول إذا قام قائمهم وعلت كلمتهم، واجتمعت الأمة على محبتهم، وكان الشانئ
لهم قليلاً والكاره لهم ذليلاً، وكثر المادح لهم. وذلك حين تغير البلاد وضعف العباد
والإياس من الفرج، وعند ذلك يظهر القائم منهم. فقيل له: ما اسمه؟ قال النبي (صلى
الله عليه وآله): اسمه كاسمي، واسم أبيه كاسم أبي هو من ولد ابنتي، يظهر الله الحق
بهم، ويخمد الباطل بأسيافهم، ويتبعهم الناس بين راغب إليهم وخائف منهم. قال: وسكن
البكاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: معاشر المؤمنين أبشروا بالفرج فإن
وعد الله لا يخلف وقضاءه لا يرد وهو الحكيم الخبير، فإن فتح الله قريب. اللهم إنهم
أهلي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. اللهم أكلأهم وارعهم، وكن لهم وانصرهم وأعنهم
وأعزهم ولا تذلَّهم واخلفني فيهم، إنك على كل شيء قدير). (ومناقب الخوارزمي/٢٣).
أقول: لا يُتوهم أنهما يؤيدان هذه الزيادة، فقد نصّا على أن اسم أبيه الإمام الحسن
العسكري (عليهما السلام)، بل هو من ضرورات
مذهبنا. على أن أمثال هذه الزيادة في الشاذ من رواياتنا قد تكون من رواة من غير
مذهبنا، وبعضهم استبصر وبقي تأثره برواياتهم، فتسربت إلينا نصوص من روايته!
٤ - (من وُلْد الحسين) جعلوها (من وُلْد الحسن)!
وقد وثَّقنا في المجلد الثالث من جواهر التاريخ استغلال الأمويين ورواتهم صلح
الإمام الحسن (عليه السلام) لمعاوية، ومحاولتهم أن يصوروه مخالفاً لأبيه وأخيه (عليهم
السلام) وأنه كان معارضاً لحرب الجمل وصفين، وأنه أوصى الحسين أن لا يخرج على بني
أمية! ورووا أحاديث ظاهرها المدح له وغرضها التعريض بأبيه وأخيه (عليهم السلام)!
ومن أعمالهم هنا أنهم انتقموا من الحسين (عليه السلام) فصادروا منه أن المهدي (عليه
السلام) من ولده وأعطوه للإمام الحسن (عليه السلام)! ولكي يؤكدوا كذبهم رووه عن علي
(عليه السلام)!
قال ابن حماد: ١/٣٧٤، عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: سمى النبي (صلى الله
عليه وآله) الحسن سيداً، وسيخرج الله من صلبه رجلاً اسمه اسم نبيكم، يملأ الأرض
عدلاً كماً ملئت جوراً). ورواه أبو داود في سننه: ٤/١٠٨، ونصه: (عن أبي إسحاق، قال:
قال علي ونظر إلى ابنه الحسن فقال: إن ابني هذا سيد كما سماه النبي (صلى الله عليه
وآله) وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق. ثم
ذكر قصة يملأ الأرض عدلاً). وجامع الأصول: ١١/٤٩ ومختصر أبي داود: ٦/١٦٢، وعنهما
عقد الدرر/٢٣، ومشكاة المصابيح: ٣/٢٦ وفتن ابن كثير: ١/٣٨، والحاوي: ٢/٥٩، وعون
المعبود: ١١/٣٨١، وعقيدة أهل السنة /١٦.. الخ. وقد تمسك أتباع الخلافة بهذا(الحديث)
وطبَّل به أتباع بني أمية وشتموا به الشيعة! وأغمضوا عيونهم حتى عن روايتهم للحديث
نفسه بلفظ: (قال علي ونظر إلى ابنه الحسين)، والتصحيف وارد بين اسم الحسن والحسين
(عليهما السلام)!
قال في فيض القدير: ٦/٣٦٢: (قال السمهودي: ويتحصل مما ثبت في الأخبار عنه أنه من
ولد فاطمة. وفي أبي داود أنه من ولد الحسن والسر فيه ترك الحسن الخلافة لله شفقة
على الأمة، فجعل القائم بالخلافة بالحق عند شدة الحاجة وامتلاء الأرض
ظلماً من ولده، وهذه سنة الله في عباده إنه يعطي لمن ترك شيئاً من أجله أفضل مما
ترك أو ذريته، وقد بالغ الحسن في ترك الخلافة ونهى أخاه عنها، وتذكر ذلك ليلة مقتله
فترحم على أخيه! وما روى من كونه من ولد الحسين فواه جداً). انتهى.
وقال ابن تيمية في منهاجه: ٤/٩٥: (فالمهدي الذي أخبر به النبي (صلى الله عليه وآله)
اسمه محمد بن عبد الله، لا محمد بن الحسن، وقد روى عن علي (رضي الله عنه) أنه قال:
هو من ولد الحسن بن علي، لا من ولد الحسين بن علي). ونحوه: ٨/٢٥٨. وزاد تلميذه ابن
قيم في المنار المنيف/١٥١: (القول الثالث: أنه رجل من أهل بيت النبي (صلى الله عليه
وآله) من ولد الحسن بن علي يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً
فيملؤها قسطاً وعدلاً، وأكثر الأحاديث على هذا تدل. وفي كونه من ولد الحسن سر لطيف
وهو أن الحسن رضي الله تعالى عنه ترك الخلافة لله فجعل الله من ولده من يقوم
بالخلافة الحق المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض... وهذا بخلاف الحسين (رضي الله عنه)
فإنه حرص عليها وقاتل عليها فلم يظفر بها)! راجع فرحتهم بهذا الحديث وتطبيلهم به
وطعنهم بالإمام الحسين (عليه السلام) في: صواعق ابن حجر: ٢/٤٨٠ و٦٨٠، والحاوي:
٢/٨٥، والفتاوى الحديثية/٣٠، وعون المعبود: ١١/٢٥٦، وفائق: ١/٢٣٠، والسيرة الحلبية:
١/٣١٤، وغريب ابن قتيبة: ١/٣٥٩).
وأفضل ما وجدته في الرد عليهم ما كتبه السيد الميلاني في مجلة تراثنا/عدد٤٣/٥٩ قال:
(لا يخفى أن هذا الحديث يؤيد النتيجة المتفق عليها بين أهل الإسلام، وهي كون المهدي
الموعود بظهوره في آخر الزمان هو من ولد فاطمة (عليها السلام) كما تقدم في أول
البحث، وهو مقيد لما في تلك النتيجة من إطلاق... وليس فيه اختلاف أو تعارض معها، بل
التعارض الظاهر فيه إنما هو لأحاديث كون المهدي من ولد السبط الشهيد الإمام أبي عبد
الله الحسين بن علي (عليهم السلام)... وأول ما يلحظ عليه:
١ - إنه لم يخرجه أحد من المحدثين غير أبي داود، لا قبله ولا بعده، وكل من أورده من
المتأخرين عن عصر أبي داود فهو نقله عنه.
٢ - اختلاف النقل عن أبي داود في هذا الحديث، فقد قال الجزري الشافعي (ت٨٣٣ ه) في
كتابه أسمى المناقب بعد أن ذكر ما يخص كون المهدي من ذرية الإمام الحسن (عليه
السلام) ما هذا نصه: والأصح أنه من ذرية الحسين بن علي لنص أمير المؤمنين علي على
ذلك في ما أخبرنا به شيخنا المسند رحلة زمانه عمر بن الحسن الرقي قراءة عليه قال:
أنبأنا أبو الحسن البخاري، أنبأنا عمر بن محمد الدارقزي، أنبأنا أبو البدر الكرخي،
أنبأنا أبو بكر الخطيب، أنبأنا أبو عمر الهاشمي، أنبأنا أبو علي اللؤلؤي، أنبأنا
أبو داود الحافظ قال: حدثت عن هارون بن المغيرة قال: حدثنا عمر بن أبي قيس، عن شعيب
بن خالد، عن أبي إسحاق قال علي ونظر إلى ابنه الحسين.... هكذا رواه أبو داود في
سننه وسكت عنه.
٣ - الحديث منقطع ولا حجة في المنقطع لأن من رواه عن علي (عليه السلام) هو أبو
إسحاق والمراد منه السبيعي، وهو ممن لم تثبت له رواية واحدة سماعاً عن أمير
المؤمنين علي (عليه السلام) لأنه رأى علياً رؤية كما نص عليه المنذري في شرح حديث
أبي داود: وكان عمر السبيعي عند شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) سنة٤٠ هسبع
سنين، لأنه ولد كما في قول ابن حجر لسنتين بقيتا من خلافة عثمان).
٤ - الحديث بالإضافة إلى انقطاعه فقد رواه أبو داود عن مجهول لم يسمه حيث قال كما
مر: (حُدِّثت عن هارون) ثم ساق الحديث، وهذا وحده يكفي لإبطاله! على أن السيد صدر
الدين الصدر قد ناقش هذا الحديث ورده بستة وجوه، فقال ما نصه: (أقول: بحسب القواعد
المقررة في أصول الفقه لا يصح الاستناد إلى رواية أبي داود المذكورة لأمور: الأول:
اختلاف النقل عن أبي داود ففي عقد الدرر نقلها عن أبي داود في سننه وفيها: أن علياً
نظر إلى ابنه الحسين. الثاني: إن جماعة من الحفاظ نقلوا هذه القصة بعينها وفيها: أن
علياً نظر إلى ابنه الحسين، كالترمذي، والنسائي، والبيهقي كما في عقد الدرر.
الثالث: احتمال التصحيف فيها فإن لفظ الحسين والحسن في الكتابة وقوع الاشتباه فيه
قريب جداً سيما في الخط الكوفي. الرابع:
إنها مخالفة لما عليه المشهور من علمائهم كما نص عليه بعضهم. الخامس: إنها معارضة
بأخبار كثيرة أصح سنداً وأظهر دلالة. السادس: إن احتمال الوضع وكونها صنيعة الدرهم
والدينار قريب جداً، تقرباً إلى محمد بن عبد الله المعروف بالنفس الزكية). انتهى.
وذكر في هامشه مصادر أحاديث أنه من ولد الحسين (عليه السلام) قال: أنظر: المنار
المنيف: ١٤٨ رقم: ٣٢٩، فصل٥٠ عن المعجم الأوسط للطبراني، عقد الدرر/٢٤ باب ١، عن
كتاب الأربعين لأبي نعيم الأصبهاني. ذخائر العقبى: ١٣٦، وقد جعل حديث المهدي من ولد
الإمام الحسين (عليهما السلام) مقيداً لما أطلق قبله، فرائد السمطين: ٢/٣٢٥ رقم ٥٧٥
باب ٦١، القول المختصر: ٧/٣٧ باب ١، فرائد فوائد الفكر: ٢ باب ١، السيرة الحلبية:
١/١٩٣، مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي الحنفي: ١/١٩٦، ينابيع المودة: ٢٢٤ باب
٥٦ و٤٩٢، كشف الغمة: ٣/٢٥٩، كشف اليقين: ١١٧، إثبات الهداة: ٣/٦١٧ رقم ١٧٤ باب ٣٢،
حلية الأبرار: ٢/٧٠١ رقم ٥٤ باب ٤١، غاية المرام: ٦٩٤ رقم ١٧ باب ١٤١، منتخب
الأثر/١٥٤ رقم٤٠ باب ١، وفيه أحاديث كثيرة جداً من طرق أهل السنة تثبت كون الإمام
المهدي من ولد الحسين، وأن أباه هو الحسن العسكري (عليهم السلام)). انتهى.
أقول: يظهر لك شك علمائهم في زعمهم بأنه من ولد الحسن (عليه السلام)، من محاولتهم
الصلح بين النصين فقالوا إنه حسني وأمه حسينية أو بالعكس! ففي فوائد الفكر/١٠١:
(فقال سلمان: من أي ولدك هو؟ قال: من ولد ابني هذا وضرب على الحسين... ولعل الجمع
بينهما أن أباه من ذرية أحدهما، وأمه من ذرية الآخر. فتأمل). انتهى.
أما مصادرنا، فهي صريحة متواترة بأن النبي (صلى الله عليه وآله) نص على أن الأئمة
التسعة المعصومين هم من ذرية الحسين لا من ذرية الحسن (عليهم السلام). ففي تفسير
العياشي: ٢/٢٩١ عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: يا ابن رسول الله
زعم ولد الحسن (عليه السلام) أن القائم منهم وأنهم أصحاب الأمر، ويزعم ولد ابن
الحنفية مثل ذلك فقال: نحن والله أصحاب الأمر، وفينا القائم، ومنا السفاح والمنصور،
وقد قال الله: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا
لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً)، نحن أولياء الحسين بن علي (عليهما السلام) وعلى
دينه). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٥٢، والبحار: ٨/١٤٦.
وفي كمال الدين: ٢/٣٥٨، عن المفضل بن عمر، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:
سألته عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَإِذِ ابْتَلَى
إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ)؟ ما هذه الكلمات؟ قال: هي
الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب الله عليه، وهو أنه قال: أسألك بحق محمد وعلي
وفاطمة والحسن والحسين، إلا تبت عليَّ، فتاب الله عليه إنه هو التواب الرحيم. فقلت
له: يا ابن رسول الله فما يعني (عزَّ وجلَّ) بقوله فأتمهن؟ قال: يعني فأتمهن إلى
القائم اثني عشر إماماً، تسعة من ولد الحسين (عليه السلام). قال المفضل فقلت: يا
ابن رسول الله فأخبرني عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَجَعَلَهَا
كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ)؟ قال: يعني بذلك الإمامة جعلها الله تعالى
في عقب الحسين إلى يوم القيامة. قال فقلت له: يا ابن رسول الله فكيف صارت الإمامة
في ولد الحسين دون ولد الحسن (عليهما السلام) وهما جميعاً ولدا رسول الله (صلى الله
عليه وآله) وسبطاه وسيدا شباب أهل الجنة؟ فقال: إن موسى وهارون كانا نبيين مرسلين
وأخوين، فجعل الله (عزَّ وجلَّ) النبوة في صلب هارون دون صلب موسى، ولم يكن لأحد أن
يقول لم فعل الله ذلك؟ وإن الإمامة خلافة الله (عزَّ وجلَّ) في أرضه وليس لأحد أن
يقول لم جعلها الله في صلب الحسين دون صلب الحسن (عليهما السلام) لأن الله تبارك
وتعالى هو الحكيم في أفعاله: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ
وَهُمْ يُسْأَلُونَ). ومعاني الأخبار/١٢٦، والخصال/٣٠٤، ومناقب ابن شهرآشوب:
١/٢٨٣، ومجمع البيان: ١/٢٠٠، وإرشاد القلوب/٤٢١، وتأويل الآيات: ١/٧٧، وإثبات
الهداة: ١/٦٤٥، والبحار: ١١/١٧٧.
ولا ينافي الاختيار الإلهي ما رواه في تفسير العياشي: ٢/٧٢، عن أبي عمرو الزبيري عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له أخبرني عن خروج الإمامة من ولد الحسن إلى
ولد الحسين كيف ذلك وما الحجة فيه؟ قال: لما حضر الحسين ما حضره من أمر الله لم يجز
أن يردها إلى ولد أخيه ولا يوصى بها فيهم، يقول الله: (وَأُولُوا
الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ)، فكان ولده
أقرب رحماً إليه من ولد أخيه، وكانوا أولى بالإمامة وأخرجت هذه الآية ولد الحسن
منها، فصارت الإمامة إلى الحسين، وحكمت بها الآية لهم فهي فيهم إلى يوم القيمة).
انتهى. لأنه يدل على أن الله تعالى أجرى اختياره للإمامة على حكمه بأولوية الرحم في
الإرث.
٥ - معاوية أول من ادعى أنه المهدي الموعود!
قال ابن حماد في الفتن: ١/٣٧٠: (عن الوليد بن هشام المعيطي عن أبان بن الوليد قال:
سمعت ابن عباس وهو عند معاوية يقول: يبعث الله المهدي منا أهل البيت).
أقول: هذا هو السبب في ادعاء معاوية أنه المهدي رداً على مهدي بني هاشم! فقد روى
السيد ابن طاووس (رحمه الله) في الملاحم والفتن/١١٥، وطبعة/٢٣٨، عن الطبري المؤرخ
المعروف، في كتابه (عيون أخبار بني هاشم) الذي صنفه للوزير علي بن عيسى بن الجراح،
قال ابن طاووس (رحمه الله): (وجدته ورويته من نسخة عتيقة ظاهر حالها أنها كتبت في
حياته، فقال ما هذا لفظه: ذكر المهدي والإمام، قال: وبإسناده: إن معاوية أقبل يوماً
على بني هاشم فقال: إنكم تريدون أن تستحقوا الخلافة بما استحققتم به النبوة ولم
يجتمعا لأحد، ولعمري إن حجتكم في الخلافة مشتبهة على الناس! إنكم تقولون نحن أهل
بيت الله فما بال النبوة محلها فينا والخلافة في غيرنا؟ وهذه شبهة لها تمويه، وإنما
سميت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق حتى تعرف، وإنما الخلافة تنقلب في أحياء قريش
برضا العامة وشورى الخاصة فلم يقل الناس ليت بني هاشم ولَوْنا، وإن بني هاشم لو
ولونا لكان خيراً لنا في ديننا ودنيانا، فلا هم اجتمعوا على غيركم يمنعوكم، ولو
زهدتهم فيها أمس لم تقاتلوننا عليها اليوم؟ وقد زعمتم أن لكم ملكاً هاشمياً ومهدياً
قائماً، والمهدي عيسى بن مريم، وهذا الأمر في أيدينا حتى نسلمه إليه، ولعمري لئن
ملكتم ما ريح عاد ولا صاعقة ثمود بأهلك للناس منكم، ثم سكت! فقام فيهم عبد الله بن
عباس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما قولك إنا لا نستحق الخلافة بالنبوة فإذا لم
نستحق الخلافة بالنبوة فبمَ نستحق؟!
وأما قولك إن الخلافة والنبوة لم يجتمعا لأحد، فأين قول لله سبحانه وتعالى: (فَقَدْ
آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً
عَظِيماً). فالكتاب النبوة، والحكمة السنة والملك الخلافة، ونحن آل إبراهيم،
أمر الله فينا وفيهم واحد والسنة فينا
وفيهم جارية، وأما قولك: إن حجتنا مشتبهة فهي والله أضوأ من الشمس وأنور من القمر،
وإنك لتعلم ذلك ولكن ثنى عطفَك وصعَّرَ خَدَّك قَتْلُنا أخاك وجدك وعمك وخالك فلا
تبك على عظام حائلة وأرواح زائلة في الهاوية، ولا تغضبن لدماء أحلها الشرك ووضعها
الإسلام! فأما ترك الناس أن يجتمعوا علينا، فما حرموا منا أعظم مما حرمنا منهم، وكل
أمر إذا حصل حاصله ثبت حقه وزال باطله! وأما قولك إنا زعمنا أن لنا ملكاً مهدياً
فالزعم في كتاب الله شك قال الله سبحانه وتعالى: (زَعَمَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُن)،
فكلٌّ يشهد أن لنا ملكاً وأن لنا مهدياً لو لم يبق إلا يوم واحد لبعثه الله لأمره
يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، لا تملكون يوماً إلا ملكنا يومين
ولا شهراً إلا ملكنا شهرين ولا حولاً إلا ملكنا حولين! وأما قولك إن المهدي عيسى بن
مريم فإنما ينزل عيسى على الدجال فإذا رآه ذاب كما تذوب الشحمة، والإمام رجل منا
يصلي عيسى خلفه ولو شئت سميته. وأما ريح عاد وصاعقة ثمود فإنها كانتا عذاباً وملكنا
رحمة). ومثله أمالي المفيد/١٤، وعنه كشف الغمة: ٢/٥١.
لكن معاوية لم يكتف بذلك، بل رتب من يروي له أن النبي (صلى الله عليه وآله) دعا له
ووصفه بأنه الهادي المهدي! فصرت ترى في مسند أحمد: ٤/٢١٦، عن عبد الرحمن بن أبي
عميرة الأزدي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه ذكر معاوية وقال: اللهم اجعله
هادياً مهدياً واهد به). ورواه الترمذي: ٥/٣٥٠، وغيره، من مصادر حديثهم! ثم رتب
معاوية شهادات علماء البلاط ومن أشربوا بني أمية بأن معاوية هو المهدي الموعود! ففي
تاريخ دمشق: ٥٩/١٧٢: (عن الأعمش عن مجاهد قال: لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي).
(ونهاية ابن كثير: ٨/١٤٣).
وقد ضعَّف الخلال نسبة هذين القولين إلى قتادة ومجاهد، فقال في السنة: ٢/٤٣٨: (عن
قتادة قال: لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم: هذا المهدي. في إسناده عمرو
بن جبلة لم أتوصل إلى معرفته، أخبرنا محمد بن سليمان بن هشام
قال ثنا أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن مجاهد قال لو رأيتم معاوية لقلتم هذا
المهدي. إسناده ضعيف). كما ضعف الهيثمي في مجمع الزوائد: ٩/٣٥٧، نسبة ذلك إلى
الأعمش أيضاً، قال: (وعن الأعمش قال: لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي. رواه
الطبراني مرسلاً، وفيه يحيى الحماني وهو ضعيف). انتهى.
لكن ابن تيمية الأشد أمويةً من بني أمية لم يهتم لتضعيف الخلال والهيثمي وصحح ذلك
في منهاجه: ٦/٢٣٣ فقال: (يونس عن قتادة قال: لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال
أكثركم هذا المهدي، وكذلك رواه ابن بطة بإسناده الثابت من وجهين عن الأعمش عن مجاهد
قال: لو أدركتم معاوية لقلتم هذا المهدي! عن أبي إسحاق يعني السبيعي أنه ذكر معاوية
فقال: لو أدركتموه أو أدركتم أيامه لقلتم كان المهدي)!
كما ضرب بعرض الحائط شهادة إمامه عبد الله بن عمرو العاص بأن معاوية لا كرامة له
حتى يوصف بأنه المهدي! فقد روى ابن طاووس في الملاحم/٣٢٦، أن عبد الله بن عمرو ذكر
المهدي فقال أعرابي: هو معاوية بن أبي سفيان! فقال عبد الله بن عمرو: لا ولا كرامة،
بل هو الذي ينزل عليه عيسى بن مريم). انتهى.
وقال الحافظ السقاف في تناقضات الألباني الواضحات: ٢/٢٢٩: (أورد الألباني حديث عبد
الرحمن بن أبي عميرة مرفوعاً: اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به! يعني معاوية،
وهذا حديث لا يصح بحال لوجوه: أولاً: قال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء:
٣/١٣٢، عن إسحاق بن راهويه أنه قال: لا يصح عن النبي (صلى الله عليه وآله) في فضل
معاوية شيء. ثانياً: هذا الحديث بالخصوص نص حذاق المحدثين على أنه لا يصح. قال أبو
حاتم الرازي كما في علل الحديث لابنه: ٢/٣٦٢: إن عبد الرحمن بن أبي عميرة لم يسمع
هذا الحديث من النبي (صلى الله عليه وآله). وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب:
٦/٢٢٠، نقلاً عن الحافظ ابن عبد البر إن عبد الرحمن بن أبي عمير هذا: لا تصح صحبته،
ولا يثبت إسناد حديثه)!
ثالثاً: طرق هذا الحديث تدور على سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد عن عبد
الرحمن بن عميرة به. وسعيد بن عبد العزيز اختلط كما أقر واعترف هناك الألباني. وقد
زعم الألباني أنه قد تابعه جمع! ولم يَصْدُق! لأن من رجع إلى المتابعات التي زعمها
في كتابه وجدها كلها تدور على سعيد بن عبد العزيز، وسعيد هذا اختلط كما قال أبو
مسهر، وكذا قال أبو داود ويحيى بن معين كما تجد ذلك في التهذيب: ٤/٥٤، وقد اعترف
الألباني باختلاطه في مواضع منها في ضعيفته: ٣/٣٩٣، ومنها في صحيحته: ٢/٦٤٧ وغير
ذلك فكيف يصح هذا أيضاً؟! فما على الألباني إلا أن ينقل الحديث للضعيفة)!
أقول: راجع أيضاً تحقيق السقاف لكتاب دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه لابن الجوزي/٢٣٥.
ويكفي للجواب على زعم معاوية وأتباعه كابن تيمية والألباني، أن يقال لهم: ما بال
إمامكم معاوية المهدي من ربه لم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً؟! لكن مشكلة مبغضي أهل
البيت (عليهم السلام) أنهم يرون أنهم مضطرون لمصادرة البشارة النبوية بالمهدي (عليه
السلام) من أهل البيت (عليهم السلام) ويتبنوا النص الأموي (المهدي رجل من أمتي)،
لينطبق على معاوية، أو أي ناصبي آخر!
٦ - موسى بن طلحة ثاني من ادعى أنه المهدي الموعود!
كان عند عائشة مشروع في زمن أبيها أن تبقى الخلافة بعد أبيها لبني تيم، لأخيها عبد
الرحمن بن أبي بكر، فإن لم يمكن فلابن عمها طلحة بن عبيد الله التيمي! لكنها تفاجأت
هي وطلحة بموت أبي بكر مسموماً وأنه أوصى إلى عمر، فدخل طلحة على أبي بكر غاضباً
معترضاً: (لمَّا استخلفه أبو بكر كره خلافته طائفة حتى قال له طلحة: ماذا تقول لربك
إذا وليت علينا فظاً غليظاً؟! فقال: أبا لله تخوفوني؟ أقول: وليت عليهم خير أهلك).
(منهاج السنة٢: ١٧٠ ط. بولاق، وقد حرفه الوهابيون! راجع: ٦/١٥٥، و٣٤٩، و: ٧/٤٦١، من
طبعتهم في برنامج مؤلفات الشيخ والتلميذ). لكن عائشة واصلت عملها، واعتبرت أنها
خسرت جولةً ولم تخسر المشروع! وغاية ما حققته في عهد عمر أنها أدخلت طلحة في الشورى،
التي ولدت ميتة لأنه حق النقض فيها لعبد الرحمن بن عوف صهر عثمان!
أما في عهد عثمان فاصطدمت به وأطلقت شعارات شديدة ضده، حتى دعت إلى
عزله أو قتله، وكان حسابها مبنياً على مكانة أبي بكر ومكانتها، وأن طلحة من كبار
الصحابة والمتمولين، فهو يستطيع بمساعدة ابنة عمه أم المؤمنين أن يطرح نفسه بعد
عثمان، ويقنع الصحابة ببيعته! لكنها فوجئت ببيعة الصحابة لعلي (عليه السلام)، فغضبت
وقادت حرب الجمل، لكنها خسرتها وخسرت ابن عمها طلحة وابن أختها الزبير.
وعندما جاءت موجة معاوية اختارت عائشة المعارضة الهادئة معه، ثم صعدتها هي وأخوها
عبد الرحمن، كما أوضحناه في المجلد الثاني من جواهر التاريخ، فما كان من معاوية إلا
أن قتل عبد الرحمن، ويقال إنه قتل عائشة! وبموتها انتهى مشروع بني تيم لأخذ الخلافة،
لكن تنظير عائشة بقي في مصادر المسلمين تنادي بأن النبي (صلى الله عليه وآله) أوصى
بالخلافة إلى أبي بكر وأولاده! وأهمه حديث في صحيح مسلم: ٧/١١٠! قالت عائشة: (قال
لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه: أدعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب
كتاباً، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويقول قائل: أنا أولى) انتهى!
ولا بد أن تكون دعواها هذه بعد وفاة عمر لأن أبا بكر وعمر قالا إن النبي (صلى الله
عليه وآله) لم يوص إلى أحد، ولو كان هذا النص صحيحاً لاحتجَّا به! وإنما احتجَّا
بأن محمداً من قريش وأن قريشاً وكلتهما بسلطانه فهما أولى به! قال عمر: (ولنا بذلك
على من أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين. مَنْ ذا ينازعنا سلطان محمد
وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته، إلا مُدْلٍ بباطل أو متجانفٌ لإثم أو متورطٌ في هلكة).
(تاريخ الطبري: ٢/٤٥٧). بل لو كان صحيحاً لاحتج به طلحة عندما اعترض على أبي بكر
لإخراجه الخلافة من بني تيم!
ومن باب التعويض: ادعى بنو تيْم أن موسى بن طلحة هو المهدي الموعود! لكن دعواهم
ماتت بموته! ولا ندري هل كانت عائشة وراء ذلك؟ وهل روت فيه شيئاً ولم يصلنا! فقد
تحدثت الروايات عما بعد وفاتها: (لما خرج المختار بالكوفة قدم علينا (إلى البصرة)
موسى بن طلحة وكانوا يرونه في زمانهم المهدي فغشيه الناس)! (تاريخ دمشق: ٦٠/٤٣١
وتهذيب الكمال: ٢٩/٨٥، وسير الذهبي: ٤/٣٦٥، وابن حماد: ١/١٥٨، والداني: ١/١٥٨،
والحلية: ٤/٣٧١، وغيرها).
٧ - ادعى الحسنيون مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى
يظهر أن ادعاء المهدية كان موجة في أواخر القرن الأول الهجري، بعد أن ضاق المسلمون
ذرعاً بالتسلط الأموي، فانتشرت بينهم أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) عن ظلامة
أهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) والبشارة بمهديهم. فكان ذلك أرضية لادعاء المهدية
لعدد من بني هاشم، وغيرهم أيضاً كموسى بن طلحة التيمي. وفي مطلع القرن الثاني ادعيت
المهدية لاثنين اسم كل منهما محمد واسم أبيه عبد الله، وهما محمد بن عبد الله بن
الحسن المثنى، ومحمد بن عبد الله المنصور المعروف بالمهدي العباسي، وحاول أنصار كل
منهما أن يطبقوا أحاديث المهدي الموعود على صاحبهم، ولذلك رجحنا أن تكون زيادة (واسم
أبيه اسم أبي) في البشارة النبوية لمصلحة أحدهما أو كليهما!
وزاد العباسيون على ذلك، فوضعوا أحاديث تنص على أن المهدي الموعود من أولاد العباس!
وقد تبرأ منها علماء الحديث وشهدوا بأنها مكذوبة كتلك التي تزعم أن المهدي (عليه
السلام) من أولاد عمر، أو من بني أمية!
ومن الملاحظ أن مغامرات ادعاء المهدية مغرية، لكنها بسبب الضبط النبوي تنكشف بسرعة
عندما لا يستطيع المهدي المزعوم أن يعمم الإسلام على العالم ويملأ الأرض قسطاً
وعدلاً، أو يعطي المال حثياً بغير عد! وعندما يظهر للناس أنه لا يتصف بالعلم
والعصمة والهداية من ربه، وبقية الصفات الاستثنائية للمهدي (عليه السلام).
ويبدو أن عبد الله بن الحسن المثنى كان أبرع من ادعاها لولده محمد، فقد خطط لذلك من
طفولة ابنه فسماه محمداً لأن المهدي (عليه السلام) على اسم النبي (صلى الله عليه
وآله) ثم رباه تربية خاصة وحجبه عن الناس وأشاع حوله الأساطير! ففي تهذيب الكمال:
٢٥/٤٦٧: (وقال داود بن عبد الله الجعفري، عن الدراوردي عن ابن أخي الزهري: تجالسنا
بالمدينة أنا وعبد الله بن حسن فتذاكرنا المهدي، فقال عبد الله بن حسن: المهدي من
ولد الحسن بن علي. فقلت: يأبى ذاك علماء أهل بيتك. فقال عبد الله: المهدي والله من
ولد الحسن بن علي ثم من ولدي خاصة). انتهى.
ويظهر أن عبد الله كان يدعيها أول الأمر لنفسه، قال في مقاتل الطالبيين/٢٣٩: (لم
يزل عبد الله بن الحسن منذ كان صبياً يتوارى ويراسل الناس بالدعوة إلى نفسه ويسمى
بالمهدي)! انتهى. ثم خطط أن يدعيها لابنه، فهو وراء زيادة (اسم أبيه اسم أبي)! وقد
وصفوه بقوة الشخصية والقدرة على الإقناع، وقد أقنع بمهدية ابنه حلفاءه العباسيين
ومنهم المنصور، فقد روى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين/٢٣٩، عن عمير بن الفضل
الخثعمي قال: (رأيت أبا جعفر المنصور يوماً وقد خرج محمد بن عبد الله بن الحسن من
دار ابنه وله فرس واقف على الباب مع عبد له أسود وأبو جعفر ينتظره، فلما خرج وثب
أبو جعفر فأخذ بردائه حتى ركب، ثم سوى ثيابه على السرج ومضى محمد، فقلت وكنت حينئذ
أعرفه ولا أعرف محمداً: من هذا الذي أعظمته هذا الإعظام حتى أخذت بركابه وسويت عليه
ثيابه؟ قال: أو ما تعرفه؟! قلت: لا. قال: هذا محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن
مهدينا أهل البيت)!
وقال في/٢٤٤: (لهجت العوام بمحمد تسميه بالمهدي)! انتهى. وذلك بدعاية الحسنيين
وحلفائهم العباسيين، قبل أن ينقلبوا عليهم ويدعوا المهدية لأنفسهم!
وقد روت مصادر التاريخ ما جرى في مؤتمر الأبواء الذي دعا له الحسنيون من أجل بيعة
المهدي! ففي مقاتل الطالبيين/١٤٠: عن عمر بن شبة وعدة رواة ومؤرخين عاصروا تلك
الفترة قال: إن جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء وفيهم إبراهيم بن محمد بن علي
بن عبد الله بن العباس، وأبو جعفر المنصور، وصالح بن علي، وعبد الله بن الحسن بن
الحسن، وابناه محمد وإبراهيم، ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان. فقال صالح بن
علي: قد علمتم أنكم الذين تمد الناس أعينهم إليهم، وقد جمعكم الله في هذا الموضع
فاعقدوا بيعة لرجل منكم تعطونه إياها من أنفسكم، وتواثقوا على ذلك حتى يفتح الله
وهو خير الفاتحين. فحمد الله عبد الله بن الحسن وأثنى عليه ثم قال: قد علمتم أن
ابني هذا هو المهدي فهلموا فلنبايعه.
وقال أبو جعفر(المنصور): لأي شيء تخدعون أنفسكم ووالله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أطول أعناقاً ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى، يريد محمد بن عبد الله. قالوا: قد والله صدقت إن هذا لهو الذي نعلم! فبايعوا جميعاً محمداً ومسحوا على يده. قال عيسى: وجاء رسول عبد الله بن الحسن إلى أبي أن ائتنا فإننا مجتمعون لأمر وأرسل بذلك إلى جعفر بن محمد، هكذا قال عيسى. وقال غيره: قال لهم عبد الله بن الحسن: لا نريد جعفراً لئلا يفسد عليكم أمركم! قال عيسى: فأرسلني أبي أنظر ما اجتمعوا عليه، وأرسل جعفر بن محمد محمد بن عبد الله الأرقط بن علي بن الحسين فجئناهم فإذا بمحمد بن عبد الله يصلي على طنفسة رجل مثنية، فقلت: أرسلني أبي إليكم لأسألكم لأي شيء اجتمعتم؟ فقال عبد الله: اجتمعنا لنبايع المهدي محمد بن عبد الله. قالوا: وجاء جعفر بن محمد فأوسع له عبد الله بن الحسن إلى جنبه فتكلم بمثل كلامه، فقال جعفر: لا تفعلوا فإن هذا الأمر لم يأت بعد! إن كنت ترى يعني عبد الله أن ابنك هذا هو المهدي فليس به ولا هذا أوانه، وإن كنت إنما تريد أن تخرجه غضباً لله وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإنا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك. فغضب عبد الله وقال: علمتَ خلاف ما تقول! ووالله ما أطلعك الله على غيبه ولكن يحملك على هذا الحسد لابني! فقال: والله ما ذاك يحملني ولكن هذا وإخوته وأبناؤهم دونكم وضرب بيده على ظهر أبي العباس، ثم ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن، وقال: إنها والله ما هي إليك ولا إلى ابنيك ولكنها لهم وإن ابنيك لمقتولان! ثم نهض وتوكأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري. فقال: أرأيت صاحب الرداء الأصفر يعني أبا جعفر؟ قال: نعم. قال: فإنا والله نجده يقتله! قال له عبد العزيز: أيقتل محمداً؟ قال: نعم. قال: فقلت في نفسي: حسده ورب الكعبة! قال: ثم والله ما خرجت من الدنيا حتى رأيته قتلهما! قال: فلما قال جعفر ذلك انفضَّ القوم فافترقوا ولم يجتمعوا بعدها، وتبعه عبد الصمد وأبو جعفر فقالا: يا أبا عبد الله أتقول هذا؟ قال: نعم أقوله والله، وأعلمه).
انتهى.
وفي/١٤٢: (عن عنبسة بن نجاد العابد قال: كان جعفر بن محمد إذا رأى محمد بن عبد الله
بن حسن تغرغرت عيناه ثم يقول: بنفسي هو، إن الناس ليقولون فيه إنه المهدي وإنه
لمقتول! ليس هذا في كتاب أبيه علي من خلفاء هذه الأمة).
ثم روى ذلك أيضاً برواية ثانية في/١٧١، عن عدة مؤرخين وشهود قال: (إن بني هاشم
اجتمعوا فخطبهم عبد الله بن الحسن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنكم أهل البيت قد
فضلكم الله بالرسالة واختاركم لها، وأكثركم بركة يا ذرية محمد (صلى الله عليه وآله)
بنو عمه وعترته، وأولى الناس بالفزع في أمر الله، من وضعه الله موضعكم من نبيه (صلى
الله عليه وآله)، وقد ترون كتاب الله معطلاً وسنة نبيه متروكة والباطل حياً والحق
ميتاً. قاتلوا لله في الطلب لرضاه بما هو أهله قبل أن ينزع منكم اسمكم، وتهونوا
عليه كما هانت بنو إسرائيل وكانوا أحب خلقه إليه. وقد علمتم أنا لم نزل نسمع أن
هؤلاء القوم إذا قتل بعضهم بعضاً خرج الأمر من أيديهم، فقد قتلوا صاحبهم يعني
الوليد بن يزيد فهلمَّ نبايع محمداً فقد علمتم أنه المهدي. فقالوا: لم يجتمع
أصحابنا بعد ولو اجتمعوا فعلنا، ولسنا نرى أبا عبد الله جعفر بن محمد! فأرسل إليه
ابن الحسن فأبى أن يأتي فقام وقال: أنا آت به الساعة، فخرج بنفسه حتى أتى مضرب
الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحرث فأوسع له الفضل ولم يصدره، فعلمت
أن الفضل أسن منه فقام له جعفر وصدره فعلمت أنه أسن منه. ثم خرجنا جميعاً حتى أتينا
عبد الله فدعا إلى بيعة محمد فقال له جعفر: إنك شيخ وإن شئت بايعتك وأما ابنك
فوالله لا أبايعه وأدعك. وقال عبد الله الأعلى في حديثه: إن عبد الله بن الحسن قال
لهم: لا ترسلوا إلى جعفر فإنه يفسد عليكم فأبوا، قال: فأتاهم وأنا معهم فأوسع له
عبد الله إلى جانبه وقال: قد علمت ما صنع بنا بنو أمية، وقد رأينا أن نبايع لهذا
الفتى. فقال: لا تفعلوا فإن الأمر لم يأت بعد! فغضب عبد الله.. إلى آخر ما
تقدم...)! والإرشاد/٢٧٦، وإعلام الورى/٢٧١ و٢٧٢، ومناقب ابن شهرآشوب: ٤/٢٢٨، وفيه:
إنها
والله ما هي إليك ولا إلى ابنك، وإنما هي لهذا يعني السفاح، ثم لهذا يعني المنصور،
يقتله على أحجار الزيت، ثم يقتل أخاه بالطفوف وقوائم فرسه في الماء، فتبعه المنصور
فقال: ما قلت يا أبا عبد الله؟ فقال: ما سمعته وإنه لكائن، قال: فحدثني من سمع
المنصور أنه قال: انصرفت من وقتي فهيأت أمري فكان كما قال). وإثبات الهداة: ٣/١١٢،
عن إعلام الورى، وعنه وعن الإرشاد البحار: ٤٧/٢٧٦.
وفي النعماني/٢٢٩، عن يزيد بن أبي حازم قال: خرجت من الكوفة، فلما قدمت المدينة
دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فسلمت عليه فسألني: هل صاحبك أحد؟ فقلت: نعم،
فقال: أكنتم تتكلمون؟ قلت: نعم، صحبني من المغيرية. قال فما كان يقول؟ قلت: كان
يزعم أن محمد بن عبد الله بن الحسن هو القائم، والدليل على ذلك أن اسمه اسم النبي (صلى
الله عليه وآله) واسم أبيه اسم أبي النبي (صلى الله عليه وآله)، فقلت له في الجواب:
إن كنت تأخذ بالأسماء فهو ذا في ولد الحسين محمد بن عبد الله بن علي، فقال لي: إن
هذا ابن أمَة، يعني محمد بن عبد الله بن علي، وهذا ابن مهيرة يعني محمد بن عبد الله
بن الحسن بن الحسن، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): فما رددت عليه؟ فقلت: ما كان
عندي شيء أرد عليه فقال: أو لم تعلموا أنه ابن سبية يعني القائم (عليه السلام)).
والبحار: ٥١/٤٢، وإثبات الهداة: ٣/٥٣٩.
هذا، ورجحنا في جواهر التاريخ: ٣/ أن يكون مهدي الحسنيين أو العباسيين أو غيرهما في
لسانه ثقلٌ يحتبس عليه الكلام فيضرب بيده على فخذه فوصفوا المهدي (عليه السلام) بها
لتنطبق على صاحبهم! راجع ابن حماد: ١/٣٦٥.
٨ - كذِبَ العباسيون على النبي (صلى الله عليه وآله) وزعموا أن المهدي (عليه
السلام) منهم!
في تاريخ بغداد: ٢/٦٣، عن ابن عباس قال: حدثتني أم الفضل بنت الحارث الهلالية قالت:
مررت بالنبي (صلى الله عليه وآله) وهو في الحجر فقال: يا أم الفضل إنك حامل بغلام
قالت: يا رسول الله وكيف وقد تحالف الفريقان أن لا يأتوا النساء؟ قال: هو ما أقول
لك، فإذا وضعتيه فأتيني به قالت: فلما وضعته أتيت به رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فأذن في أذنه
اليمنى وأقام في أذنه اليسرى، وقال: اذهبي بأبي الخلفاء، قالت: فأتيت العباس
فأعلمته، فكان رجلاً جميلاً لبَّاساً، فأتى النبي فلما رآه رسول الله (صلى الله
عليه وآله) قام إليه فقبل بين عينيه ثم أقعده عن يمينه ثم قال: هذا عمي فمن شاء
فليباه بعمه قالت: يا رسول الله بعض هذا القول، فقال: يا عباس لم لا أقول هذا القول
وأنت عمي وصنو أبي وخير من أخلف بعدي من أهلي! فقلت: يا رسول الله ما شيء أخبرتني
به أم الفضل عن مولودنا هذا؟ قال: نعم يا عباس، إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة فهي
لك ولولدك، منهم السفاح، ومنهم المنصور، ومنهم المهدي).
وفي تاريخ بغداد: ٣/٣٤٣، عن هشام بن محمد الكلبي أنه كان عند المعتصم في أول أيام
المأمون حين قدم المأمون بغداد، فذكر قوماً بسوء السيرة فقلت له: أيها الأمير إن
الله تعالى أمهلهم فطغوا وحلم عنهم فبغوا، فقال لي: حدثني أبي الرشيد، عن جدي
المهدي، عن أبيه المنصور، عن أبيه محمد بن علي، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن
أبيه: أن النبي (صلى الله عليه وآله) نظر إلى قوم بني فلان يتبخترون في مشيهم، فعرف
الغضب في وجهه ثم قرأ: (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي
الْقُرْآنِ)، فقيل له: أي الشجر هي يا رسول الله حتى نجتثها؟ فقال: ليست
بشجرة نبات، إنما هم بنو فلان، إذا ملكوا جاروا وإذا ائتمنوا خانوا ثم ضرب بيده على
ظهر العباس قال: فيخرج الله من ظهرك يا عم رجلاً يكون هلاكهم على يديه). وتاريخ
دمشق: ٤/١٧٨، كرواية الخطيب الأولى. وعنه ذخائر العقبى/٢٣٦، وعن السهمي في الفضائل،
وابن حبان والملا في سيرته، وقال: وزاد فيه: إن هذا ابنك أبو الخلفاء منهم السفاح
ومنهم المهدي، حتى يكون منهم من يصلي بعيسى بن مريم. والزوائد: ٥/١٨٧، كرواية
الخطيب الأولى، عن أوسط الطبراني، وفيه: وهي في أولادهم حتى يكون آخرهم الذي يصلي
بالمسيح عيسى بن مريم. وفي الأوسط: ١٠/١١٥، عن ابن عباس، وفيه: هي لك يا عباس بعد
ثنتين وثلاثين ومائة، ثم منكم السفاح والمنصور والمهدي، ثم هي في أولادهم حتى يكون
آخرهم الذي يصلي بالمسيح عيسى بن مريم!
وفي ابن حماد: ١/١٢١، و٤٠٠، عن كعب قال: المنصور والمهدي والسفاح من ولد العباس.
وفي عيون الأخبار لابن قتيبة: ١/٣٠٢، عن ابن عباس، أنه كان إذا سمعهم
يقولون: يكون في هذه الأمة اثنا عشر خليفة، قال: ما أحمقكم! إن بعد الاثني عشر
ثلاثة منا: السفاح والمنصور والمهدي يسلمها إلى الدجال. قال أبو اسمة: تأويل هذا
عندنا أن ولد المهدي يكونون بعده إلى خروج الدجال. والحاكم: ٤/٥١٤، وصححه: عن مجاهد
قال: قال لي عبد الله بن عباس: لو لم اسمع أنك منا أهل البيت ما حدثتك بهذا الحديث!
قال فقال مجاهد: فإنه في ستر لا أذكره لمن نكره، قال فقال ابن عباس: منا أهل البيت
أربعة: منا السفاح، ومنا المنذر، ومنا المنصور، ومنا المهدي، قال فقال له مجاهد:
فبين لي هؤلاء الأربعة، فقال: أما السفاح فربما قتل أنصاره وعفا عن عدوه، وأما
المنذر قال فإنه يعطي المال الكثير لا يتعاظم في نفسه ويمسك القليل من حقه. وأما
المنصور فإنه يعطى النصر على عدوه الشطر مما كان يعطى رسول الله (صلى الله عليه
وآله) يرعب منه عدوه على مسيرة شهرين، والمنصور يرعب عدوه منه على مسيرة شهر. وأما
المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وتأمن البهائم والسباع، وتلقي الأرض
أفلاذ كبدها. قال قلت: وما أفلاذ كبدها؟ قال: أمثال الأسطوانة من الذهب والفضة).
وفي دلائل النبوة: ٦/٥١٣، عن سعيد بن جبير قال: سمعنا عبد الله بن عباس ونحن نقول:
اثنا عشر أميراً ثم لا أمير واثنا عشر أميراً ثم هي الساعة. فقال ابن عباس: ما
أحمقكم: إن منا أهل البيت بعد ذلك المنصور، والسفاح، والمهدي، يدفعها إلى عيسى بن
مريم.: وفي/٥١٤: يكون منا ثلاثة أهل البيت: سفاح ومنصور ومهدي). ونحوه تاريخ بغداد:
١/٦٢ و٦٣، و: ٥/٣٩١. وفي: ٩/٣٩٩: عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله (صلى الله
عليه وآله) يقول: منا القائم ومنا المنصور ومنا السفاح ومنا المهدي، فأما القائم
فتأتيه الخلافة لم يهرق فيها محجمة من دم، وأما المنصور فلا ترد له راية، وأما
السفاح فهو يسفح المال والدم، وأما المهدي فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً. وفي:
١٠/٤٨ عن ابن عباس قال: والله لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لأدال الله من بني
أمية! ليكونن منا السفاح، والمنصور، والمهدي).
وفي ذخائر العقبى/٢٠٥، عن ابن عباس عن أبيه أن النبي (صلى الله عليه وآله) نظر إليه
مقبلاً فقال: هذا عمي أبو الخلفاء، أجود قريش كفاً وأجملها، وإن من ولده السفاح
والمنصور والمهدي، وقال: أخرجه الحافظ أبو القاسم السهمي). وفي البداية والنهاية:
٦/٢٤٦، عن رواية دلائل النبوة الأولى وقال: وهذا إسناد ضعيف، والضحاك لم يسمع من
ابن عباس شيئاً على الصحيح. فهو منقطع).
وفي مقدمة ابن خلدون/٢٥٣، وقال: هو من رواية إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه.
وإسماعيل ضعيف وإبراهيم أبوه وإن خرج له مسلم فالأكثرون على تضعيفه. وقال الحافظ
ابن الصديق المغربي/٥٤٣: وقال(الحاكم) صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي بأن إسماعيل
مجمع على ضعفه، وأباه ليس بذلك).
وفي جامع السيوطي: ٥/٣٧٥، عن أم سلمة عن النبي (صلى الله عليه وآله): لن تزال
الخلافة في ولد عمي صنو أبي العباس حتى يسلموها إلى الدجال)! إلى آخر مصادره، وهي
كثيرة!
لكنَّ نُقَّاد الحديث شهدوا في عدد منها أنها موضوعة! كما في حاوي السيوطي: ٢/٨٥:
قال الدارقطني: هذا حديث غريب، تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم. يقصد مولى
العباسيين. وقال في إسعاف الراغبين/١٥١: وفي إسناده وُضَّاع ولم يسمعهم). وفي فيض
القدير: ٦/٢٧٨: قال ابن عدي: يضع الحديث ويصله ويسرق ويقلب الأسانيد والمتون. وقال
ابن أبي معشر: هو كذاب. وقال السمهودي: ما بعده وما قبله أصح منه، وأما هذا ففيه
محمد بن الوليد وضاع، مع أنه لو صح حمل على المهدي ثالث العباسيين). وقال الحافظ
المغربي/٥٦٣: وهو غريب منكر، وقد جُمع بأنه عباسي الأم حسني الأب وليس بذاك. بل
الحديث لا يصح.
وفي الإذاعة/١٣٥، عن الإفراد، والجامع الصغير، وقال: قال الشوكاني في التوضيح قلت:
ويمكن الجمع بين هذه الثلاثة أحاديث وبين سائر الأحاديث المتقدمة بأنه من ولد
العباس من جهة أمه، فإن أمكن الجمع بهذا، وإلا فالأحاديث أنه من ولد النبي (صلى
الله عليه وآله) أرجح). وفي صواعق ابن حجر/٢٣٧، كما في ذخائر العقبى، وقال: سند كل
منها ضعيف وعلى تقدير صحتهما لا ينافي كون المهدي من ولد فاطمة المذكور في الأحاديث
التي هي أصح وأكثر، لأنه مع ذلك فيه شعبة من بني العباس، كما أن فيه شعبة من بني
الحسين). انتهى.
أقول: من عجائبهم أنهم بعد اعترافهم بأن واضع هذه الأحاديث كلها أو أصلها هو محمد
بن الوليد غلام بني عباس الكذاب الوضَّاع المتروك! ترى الشوكاني وابن حجر وغيرهما
يحاولون جعل المهدي (عليه السلام) عباسياً كلياً أو جزئياً وترى الذهبي يتفنن بأن
الأحاديث النبوية تقصد مهديَّيْن بنفس الصفات أحدهما عباسي وآخر من ذرية فاطمة! وهو
تكلُّف، ولا يخلو من نصب!
أحاديثهم الموضوعة تحريفٌ لحديث صحيح!
لا يبعد أن تكون أحاديثهم المكذوبة تغطية للأحاديث التي روتها العترة النبوية من
أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر العباس بما يكون من أولاده! ففي النعماني/٢٤٧،
عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم
في البقيع حتى أقبل علي (عليه السلام) فسأل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقيل
إنه بالبقيع فأتاه علي (عليه السلام) فسلم عليه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
أجلس فأجلسه عن يمينه ثم جاء جعفر بن أبي طالب فسأل عن رسول الله (صلى الله عليه
وآله) فقيل له هو بالبقيع، فأتاه فسلم عليه فأجلسه عن يساره ثم جاء العباس فسأل عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقيل له هو بالبقيع، فأتاه فسلم عليه فأجلسه أمامه
ثم التفت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) فقال: ألا أبشرك
ألا أخبرك يا علي؟ فقال: بلى يا رسول الله فقال: كان جبرئيل عندي آنفاً وأخبرني أن
القائم الذي يخرج في آخر الزمان فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً من ذريتك
من ولد الحسين، فقال علي: يا رسول الله ما أصابنا خير قط من الله إلا على يديك. ثم
التفت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى جعفر بن أبي طالب فقال: يا جعفر ألا
أبشرك ألا أخبرك؟ قال: بلى يا رسول الله فقال: كان جبرئيل عندي آنفاً فأخبرني أن
الذي يدفعها إلى القائم من ذريتك، أتدري من هو؟ قال لا، قال: ذاك الذي وجهه
كالدينار وأسنانه كالمنشار وسيفه كحريق النار، يدخل الجند ذليلاً ويخرج منه عزيزاً
يكتنفه جبرئيل وميكائيل.
ثم التفت إلى العباس فقال: يا عم النبي ألا أخبرك بما أخبرني به جبرئيل (عليه
السلام)؟ فقال: بلى يا رسول الله، قال: قال لي جبرئيل ويلٌ لذريتك من ولد العباس!
فقال: يا رسول الله أفلا أجتنب النساء؟ فقال له (صلى الله عليه وآله): قد فرغ الله
مما هو كائن).
وفي النعماني/٢٤٨، عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لأبي: يا عباس ويلٌ لذريتي من ولدك وويلٌ لولدك من ولدي، فقال: يا رسول الله أفلا
أجتنب النساء، أو قال: أفلا أجبُّ نفسي؟ قال: إن علم الله (عزَّ وجلَّ) قد مضى،
والأمور بيده وإن الأمر سيكون في ولدي).
وفي كتاب سُليم/٤٢٧: (إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة ولم يرض لنا الدنيا. قال:
ثم أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ابن عباس فقال: أما إن أول هلاك بني
أمية بعد ما يملك
منهم عشرة على يد ولدك فليتقوا الله وليرقبوا في ولدي وعترتي فإن الدنيا لم تبق
لأحد قبلنا ولا تبقى لأحد بعدنا. دولتنا آخر الدول يكون مكان كل يوم يومين ومكان كل
سنة سنتين. ومنا من وُلدي من يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).
وادعى المنصور أن ابنه هو المهدي الموعود!
لم يكتف العباسيون بادعاء أن رايات خراسان الموعودة لنصرة المهدي (عليه السلام) هي
رايات ثورتهم بيد أبي مسلم الخراساني، ولا بالأحاديث التي وضعوها وزعموا فيها أن
النبي (صلى الله عليه وآله) بشر العباس بأن الملك في أولاده حتى يخرج الدجال وأن
المهدي منهم! بل توصل المنصور وهو معاويةُ بني عباس، إلى أنه حان الوقت بعد أن قتل
أبناء عبد الله بن الحسن المثنى ومنهم محمد بن عبد الله الذي ادعوا له المهدية، لأن
يجعل ابنه محمد بن عبد الله المهدي الموعود!
وقد سجل المؤرخون أنه لما استحكم له الأمر وكبر ابنه الذي سماه محمد، ابتكر أن يأخذ
له البيعة على أنه المهدي الموعود لأنه محمد بن عبد الله، فكان عليه أن يُشهد
الفقهاء والقضاة أن أوصاف المهدي في أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) تنطبق عليه!
وكان عليه أن يعزل ولي عهده أخاه عيسى بن موسى العباسي، الذي نصبه الخليفة السفاح،
فأحضره وفاوضه وهدده وأذله حتى خلع نفسه! وعقد المنصور مجلساً (شرعياً) لإعلان ولده
ولي عهده والمهدي الموعود من الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله)! قال الذهبي
في تاريخه: ٩/٤٩: (وكان السفاح لما احتضر جعل الخلافة للمنصور ثم بعده لعيسى، وقد
لاطفه المنصور وكلمه بألين الكلام في ذلك (خلع نفسه) فقال: يا أمير المؤمنين فكيف
بالأيمان والعهود والمواثيق التي عليَّ وعلى المسلمين، فلما رأى المنصور امتناعه
تغير له وأعرض عنه، وجعل يقدم المهدي عليه في المجالس، ثم شرع المنصور يدس من يحفر
عليه بيته ليسقط عليه، فجعل يتحفظ ويتمارض. وقيل بل سقاه المنصور فاستأذن في الذهاب
إلى الكوفة ليتداوى وكان الذي جرأه
على ذلك طبيبه بختيشوع وقال له: والله ما أجسر على معالجتك وما آمن على نفسي فأذن
له المنصور، وبلغت العلة من عيسى كل مبلغ حتى تمعط شعره! ثم إنه نصل من علته ثم سعى
موسى ولد عيسى بن موسى في أن يطيع أبوه المنصور خوفاً عليه منه وعلى نفسه، ودبر
حيلة أوحاها إلى المنصور فقال: مُرْ بخنقي قُدَّامَ أبي إن لم يخلع نفسه! قال: فبعث
المنصور من فعل به ذلك فصاح أبوه وأذعن بخلع نفسه وقال: هذه يدي بالبيعة للمهدي)!!
والآداب السلطانية لابن الطقطقي/١١٩).
وهكذا تم للمنصور ما أراد، وعقد المجلس الشرعي في قصر الرصافة الذي بناه خصيصاً
لولده المهدي! وأحضر الفقهاء والقضاة فشهدوا وبايعوا ولي عهده المهدي المنتظر!
(وخطب المنصور الناس وأعلمهم ما جرى في أمر عيسى من تقديم المهدي عليه ورضاه بذلك
وتكلم عيسى وسلم الأمر للمهدي فبايع الناس على ذلك بيعة محددة للمهدي ثم لعيسى من
بعده). (تاريخ دمشق: ٤٨/٩).
ولكنهم شهدوا أن هذا (المهدي) كان فاجراً فلم يملأ الأرض عدلاً، بل زادها ظلماً
وجوراً! ولم يعط المال للناس حثياً بدون عد، بل صادر أموال المسلمين وزادهم فقراً!
وروت مصادرهم أنه كان خماراً زماراً سفاكاً للدماء، وأنه أنجب للمسلمين ابنة مغنية
ضرابة عود هي عُلَيِّة العباسية المشهورة. (خزانة الأدب: ١١/٢١٧) وكان مغرماً
بتطيير الحمام فحرَّف الرواة له حديث النبي (صلى الله عليه وآله): (لا سبق إلا في
نصل أو خف أو حافر) فأضافوا له (أو جناح) فأمر للراوي بصرة ذهب (مجموعة الرسائل
للصافي: ٢/٤٢٤)! وكان عنيفاً سفاكاً لدماء المسلمين فقتل رجلاً لروايته حديثاً عن
الأعمش(الصحيح من السيرة: ١/٨٨) ورأى مناماً أن وجهه أسود فعبروه له بأنه يُرزق
أنثى فكان كذلك. (الكنى والألقاب: ١/٣١٩) وظل يطارد ابن عم أبيه ولي عهده، الذي خلع
نفسه من أجله حتى قتله وجعل ابنه موسى ولي عهده! (تهذيب المقال: ٢/٣٢٠). وسلط زوجته
الخيزران فكان بيدها زمام أمور الدولة (الطبري: ٣/٤٦٦) وبنى مدينة سيروان في
جبال إيران وسكنها (وبها مات ودفن). (صبح الأعشى: ٤/٣٦٨) وحكم عشر سنين ومات
سنة١٦٩، وعمره٤٣ سنة (الأخبار الطوال/٣٨٦ ومعارف ابن قتيبة/٣٧٩ وفيه ٤٨ سنة). لذلك
اضطروا حتى ابن تيمية وابن كثير أن يعترفوا بأنه ليس المهدي الموعود! (منهاج السنة:
٤/٩٨، والنهاية: ٦/٢٧٧).
واعترف هارون الرشيد بكذبة أبيه وجده!
في إعلام الورى/ ٣٦٥ وطبعة: ٢/١٦٥، عن سليمان بن إسحاق بن سليمان بن علي بن عبد
الله بن العباس قال: حدثني أبي قال: كنت يوماً عند الرشيد فذُكر المهدي وما ذكر من
عدله فأطنب في ذلك، فقال الرشيد: أحسبكم تحسبونه أبي المهدي حدثني عن أبيه، عن جده،
عن ابن عباس، عن أبيه العباس بن عبد المطلب، أن النبي قال له: يا عم، يملك من ولدي
اثنا عشر خليفة، ثم تكون أمور كريهة شديدة عظيمة، ثم يخرج المهدي من ولدي يصلح الله
أمره في ليلة فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ويمكث في الأرض ما شاء الله، ثم
يخرج الدجال). ومثله قصص الأنبياء/٣٦٩، ومناقب ابن شهرآشوب: ١/٢٩٢ وطبعة ٢٥٢،
والعدد القوية/٨٩، وفرائد السمطين: ٢/٣٢٩، وعنه كشف الغمة: ٣/٢٩٥، والدر النظيم/٧٩٦،
وإثبات الهداة: ٣/٥٩١، والبحار: ٣٦/٣٠١.
وفي الأغاني: ١٣/٣١٣، عن الفضل بن إياس الهذلي الكوفي أن المنصور كان يريد البيعة
للمهدي، وكان ابنه جعفر يعترض عليه في ذلك، فأمر بإحضار الناس فحضروا وقامت الخطباء
فتكلموا، وقالت الشعراء فأكثروا في وصف المهدي وفضائله، وفيهم مطيع بن إياس فلما
فرغ من كلامه في الخطباء وإنشاده في الشعراء، قال للمنصور: يا أمير المؤمنين حدثنا
فلان عن فلان أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: المهدي منا محمد بن عبد الله وأمه
من غيرنا، يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً! وهذا العباس بن محمد أخوك يشهد على ذلك! ثم
أقبل على العباس فقال له: أنشدك الله هل سمعت هذا؟ فقال: نعم، مخافةً من المنصور!
فأمر المنصور الناس بالبيعة للمهدي، قال: ولما انقضى المجلس وكان العباس بن محمد لم
يأنس به قال: أرأيتم هذا الزنديق إذ
كذب على الله (عزَّ وجلَّ) ورسوله حتى استشهدني على كذبه فشهدت له خوفاً، وشهد كل
من حضر عليَّ بأني كاذب! وبلغ الخبر جعفر بن أبي جعفر وكان مطيع منقطعاً إليه يخدمه
فخافه وطرده عن خدمته! قال وكان جعفر ماجناً فلما بلغه قول مطيع هذا غاظه وشقت عليه
البيعة لمحمد فأخرج(...) ثم قال: إن كان أخي محمد هو المهدي فهذا القائم من آل محمد).
راجع في تحريفهم وقبائحهم: تاريخ الطبري: ٦/ ٢٦٩، واليعقوبي: ٢/ ٣٩٥، ومعارف ابن
قتيبة/٣٧٩، والنهاية: ١٠/١١١، وسمت النجوم/١٠٩٤، وشذرات الذهب: ١/٢١٩، وعبر الذهبي:
١/٢٠٧، والتحفة اللطيفة: ٢/٢٦، والمنار المنيف/١٤٩.
٩ - اثنا عشر كذاباً سيدعون المهدية قبيل ظهور الإمام (عليه السلام)
الإرشاد/٣٥٨، عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يخرج القائم حتى
يخرج قبله اثنا عشر من بني هاشم كلهم يدعو إلى نفسه). ومثله غيبة الطوسي/٢٦٧،
وإعلام الورى/٤٢٦، والخرائج: ٣/١١٦٢، وعنه كشف الغمة: ٣/٢٤٩، وإثبات الهداة: ٣/٧٢٦
والبحار: ٥٢/٢٠٩.
وفي الكافي: ١/٣٣٨، والنعماني/١٥١، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ولتُرفعنَّ
اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يُدرى أيٌّ من أي! قال المفضل: فبكيت، فقال ما يبكيك يا
أبا عبد الله؟ فقلت: كيف لا أبكي وأنت تقول ترفع اثنتا عشرة راية لا يدرى أيٌّ من
أي، فكيف نصنع؟ قال فنظر إلى شمس داخلة في الصفة فقال: يا أبا عبد الله ترى هذه
الشمس؟ قلت: نعم. قال: والله لأمرنا أبين من هذه الشمس).
وفي ابن حماد: ١/٢٩١: ثم يسير إلى العراق وترفع قبل ذلك ثنتا عشرة راية بالكوفة
معروفة منسوبة ويقتل بالكوفة رجل من ولد الحسن أو الحسين يدعو إلى أبيه).
الفصل التاسع: من صفات الإمام المهدي (عليه السلام) البدنية والمعنوية
أجلى الجبهة أقنى الأنف أفلج الثنايا
أبو داود: ٤/١٠٧، عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المهدي
مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يملك
سبع سنين). وابن حماد: ١/٣٦٩، و٣٧٣، عن أبي سعيد عن النبي (صلى الله عليه وآله)
بعدة أحاديث، وفيها: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: هو رجل مني. وعبد الرزاق:
١١/٣٧٢، عن أبي سعيد الخدري، ولم يرفعه. أجلى الجبهة: الذي انحسر الشعر عن جبهته
وخف على جانبيها. أقنى الأنف: طويله مع دقة أرنبته واحديداب في وسطه.
وفي أحمد: ٣/١٧، عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تقوم
الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي، أجلى أقنى، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت قبله ظلماً،
يكون سبع سنين). وفي أبي يعلى: ٢/٣٦٧، عن أبي سعيد: ليقومن على أمتي من أهل بيتي
أقنى أجلى، يوسع الأرض عدلاً كما وسعت ظلماً وجوراً، يملك سبع سنين).
وفي الدر المنثور: ٦/٥٧: وأخرج أحمد، وأبو داود، عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله).. ولفظ أبي داود: المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف، يملأ
الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت قبله ظلماً وجوراً، يكون سبع سنين. ومن مصادرنا دلائل
الإمامة/٢٥١، كما في أبي يعلى بتفاوت يسير، عن أبي سعيد. وفي/٢٥٨، عن أبي سعيد، كما
في أحمد.
وفي سنن الداني/٩٤، عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يقوم
في آخر
الزمان رجل من عترتي شاب حسن الوجه أجلى الجبين أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً
كما ملئت ظلماً وجوراً، ويملك كذا سبع سنين). والسنن في الفتن: ٥/١٠٣٨.
والحاكم: ٤/٥٥٧ وصححه على شرط مسلم، عن أبي سعيد: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): المهدي منا أهل البيت أشم الأنف أقنى أجلى، يعيش هكذا وبسط يساره وإصبعين من
يمينه المسبحة والإبهام وعقد ثلاثة). ومعالم السنن: ٤/٣٤٤، عن أبي داود.. الخ.
وابن حماد: ١/٣٧٣، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
المهدي أجلى الجبين أقنا الأنف). ونحوه عبد الرزاق: ١١/٣٧٢.
والفردوس: ٤/٢٢١، عن حذيفة، عن النبي (صلى الله عليه وآله): المهدي رجل من ولدي،
وجهه كالقمر الدري، اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلاً كما
ملئت جوراً، يرضى بخلافته أهل السماء وأهل الأرض والطير في الهواء. يملك عشرين سنة).
ومثله العلل المتناهية: ٢/٨٥٨، عن حذيفة.. إلى آخر المصادر. ومثله دلائل الإمامة/٢٣٣،
وعنه العمدة/٤٣٩، والطرائف: ١/١٧٨، بتفاوت يسير، وفيه: واللون منه لون عربي. يملأ
الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً). لون عربي: حنطي أو أبيض، وقد ورد في صفة
المهدي (عليه السلام) أن لونه لون النبي (صلى الله عليه وآله) أبيض مشرب بحمرة.
وجسم إسرائيلي: أي طويل مملوء كأجسام أبناء يعقوب (عليه السلام) وقد كان بنو
إبراهيم معروفين بكمال أجسامهم وجمالهم، ومعناه أن صفات إبراهيم (عليه السلام)
ظاهرة في المهدي (عليه السلام). الطير في الهواء: تعبير عن عموم الرضا بالمهدي (عليه
السلام)، وقد يكون حقيقياً بمعنى أن الازدهار يشمل المجتمع والطبيعة.
شيخ السن شاب المنظر لايهرم بمرور الأيام
كمال الدين: ٢، ٦٥٢، عن أبي الصلت الهروي قال قلت للرضا (عليه السلام): ما علامات
القائم منكم إذا خرج؟ قال: علامته أن يكون شيخ السن، شاب المنظر، حتى أن الناظر
إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها، وإن من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيام
والليالي، حتى يأتيه أجله). وإعلام الورى/٤٣٥، والخرائج: ٣/١١٧٠، ومنتخب الأنوار
/٣٨، وإثبات الهداة: ٣/٧٢٢، والبحار: ٥٢/٢٨٥.
وفي النعماني/١٨٨ و٢١١، عن علي بن أبي حمزة. عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:
لو قد قام القائم لأنكره الناس، لأنه يرجع إليهم شاباً موفقاً، لا يثبت عليه إلا من
قد أخذ الله ميثاقه في الذر الأول! وفي غير هذه الرواية أنه قال (عليه السلام): وإن
أعظم البلية أن يخرج إليهم صاحبهم شاباً وهم يحسبونه شيخاً كبيراً). وعقد الدرر/٤١،
ومنتخب الأنوار/١٨٨ ونحوه غيبة الطوسي/٢٥٩، وعنه إثبات الهداة: ٣/٥١٢ و٥٣٦ و٥٨٣،
والبحار: ٥٢/٢٨٧، و٣٨٥.
أبيض اللون، مشرب بحمرة، مبدَّح البطن
كمال الدين: ٢/٦٥٣، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر،
عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو على
المنبر: يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن عريض
الفخذين، عظيم مشاش المنكبين، بظهره شامتان، شامة على لون جلده وشامة على شبه شامة
النبي (صلى الله عليه وآله)، له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد،
وأما الذي يعلن فمحمد، إذا هز رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع يده على
رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد، وأعطاه الله تعالى قوة
أربعين رجلاً، ولا يبقى ميت إلا دخلت عليه تلك الفرحة وهو في قبره، وهم يتزاورون في
قبورهم، ويتباشرون بقيام القائم صلوات الله عليه). ومثله إعلام الورى/٤٣٤، والخرائج:
٣/١١٤٩، وإثبات الهداة: ٣/٤٩٠، والبحار: ٥١/٣٥.
غائر العينين مشرف الحاجبين عريض ما بين المنكبين
النعماني/٢١٥، عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر الباقر (عليه السلام): جعلت
فداك إني قد دخلت المدينة وفي حِقْوَيَّ هميان فيه ألف دينار، وقد أعطيت الله عهداً
أنني أنفقها ببابك ديناراً ديناراً أو تجيبني فيما أسألك عنه! فقال: يا حمران سل
تجب ولا تنفقن دنانيرك، فقلت: سألتك بقرابتك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنت
صاحب هذا الأمر والقائم به؟ قال: لا. قلت: فمن هو بأبي أنت وأمي؟ فقال: ذاك المشرب
حمرة،
الغائر العينين، المشرف الحاجبين، العريض ما بين المنكبين، برأسه حزاز وبوجهه أثر،
رحم الله موسى. وفيها: عن حمران بن أعين، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) فقلت له:
أنت القائم؟ فقال: قد ولدني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإني المطالب بالدم
ويفعل الله ما يشاء، ثم أعدت عليه فقال: قد عرفت حيث تذهب صاحبك المبدح البطن، ثم
الحزاز برأسه، ابن الأرواع رحم الله فلاناً). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٣٨، وقال:
المراد أنه من أولاد موسى بن جعفر (عليه السلام) أو أنه شبيه موسى بن عمران (عليه
السلام) كما صرح به في الأحاديث المتواترة، وليس المراد به أن اسمه موسى لمنافاته
للأحاديث المتواترة. والبحار: ٥١/٤٠ وقال: المشرف الحاجبين: أي في وسطها ارتفاع من
الشرفة. والحزاز: ما يكون في الشعر مثل النخالة.
وفي النعماني/٢١٦، عن أبي بصير: قال أبو جعفر (عليه السلام): يا أبا محمد بالقائم
علامتان: شامة في رأسه وداء الحزاز برأسه، وشامة بين كتفيه من جانبه الأيسر، تحت
كتفه الأيسر ورقة مثل ورقة الآس). وعنه البحار: ٥١/٤١.
اسمه اسمي.. وشمائله شمائلي
كمال الدين: ٢/٤١١، عن الإمام الصادق (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): القائم من ولدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي، وسنته سنتي، يقيم
الناس على ملتي وشريعتي، ويدعوهم إلى كتاب ربي (عزَّ وجلَّ)، من أطاعه فقد أطاعني،
ومن عصاه فقد عصاني، ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني، ومن كذبه فقد كذبني، ومن صدقه
فقد صدقني. إلى الله أشكو المكذبين لي في أمره والجاحدين لقولي في شأنه، والمظلين
لأمتي عن طريقته، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون). والشمائل: الطبائع، وتطلق
على ملامح البدن. وقد دلت هذه الأحاديث وغيرها على شبه المهدي (عليه السلام) بجده
رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خلقه وخلقه، واتباعه لسنته، وتجديده الإسلام
والقرآن، وبسط نوره على العالم، وكفى به مقاماً عظيماً.
سيرة المهدي (عليه السلام) في ملبسه
الكافي: ١/٤١١ و: ٦/٤٤٤، عن حماد بن عثمان قال: حضرت أبا عبد الله (عليه السلام)
وقال له رجل: أصلحك الله ذكرت أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يلبس الخشن
يلبس تفسير القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك، ونرى عليك اللباس الجديد؟ فقال له:
إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر عليه ولو لبس مثل
ذلك اليوم شهِّرَ به، فخير لباس كل زمان لباس أهله، غير أن قائمنا أهل البيت إذا
قام لبس ثياب علي وسار بسيرة علي (عليه السلام)). وعنه وسائل الشيعة: ٣/٣٤٨،
والبحار: ٤٠/٣٣٦ و: ٤٧/٥٤.
وفي تحف العقول/٤٤٦، عن معمر بن خلاد أنه قال للرضا (عليه السلام): عجل الله فرجك
فقال (عليه السلام): يا معمر ذاك فرجكم أنتم، فأما أنا فوالله ما هو إلا مزود فيه
كف سويق مختوم بخاتم). وعنه البحار: ٧٨/٣٣٩.
رد صفة أزْيَلُ الفخذين
شرح النهج: ١/٢٨١: اسماعيل بن عباد عن علي (عليه السلام) أنه ذكر المهدي وقال إنه
من ولد الحسين (عليه السلام) وذكر حليته فقال: رجل أجلى الجبين أقنى الأنف ضخم
البطن، أزيل الفخذين، أبلج الثنايا بفخذه اليمنى شامة. وذكر هذا الحديث بعينه عبد
الله بن قتيبة في كتاب غريب الحديث). وذكره في: ١٩/١٣٠، وفي غريب الحديث لابن
الجوزي: ١/٤٤٩، وقال: أزيل الفخذين، والمراد انفراج فخذيه وتباعد ما بينهما وهو
الزَّيَل. والنهاية: ٢/٣٢٥ عن الغريبين للهروي. والحاوي: ٢/٨٥.
وفي النعماني/٢١٤، عن أبي وائل قال: نظر أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى
الحسين (عليه السلام) فقال: إن ابني هذا سيد، كما سماه رسول الله (صلى الله عليه
وآله) سيداً وسيخرج الله من صلبه رجلاً باسم نبيكم، يشبهه في الخلق والخلق يخرج على
حين غفلة من الناس، وإماتة للحق وإظهار للجور، والله لو لم يخرج لضربت عنقه، يفرح
بخروجه أهل السماوات وسكانها، وهو رجل أجلى الجبين، أقنى الأنف، ضخم البطن، أزيل
الفخذين، بفخذه اليمنى شامة، أفلج الثنايا، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).
ونحوه غيبة الطوسي/١١٥، والعمدة/٤٣٤، عن الجمع بين الصحاح، وفيه: ونظر إلى ابنه
الحسين
وقال.. كما سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم
نبيكم.. يملأ الأرض عدلاً. والطرائف: ١/١٧٧، عن الجمع بين الصحاح، وابن طاووس/١٤٤،
عن فتن السليلي، وفيه: دخل الحسين بن علي على علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعنده
جلساؤه فقال... قيل له: ومتى ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال: هيهات إذا خرجتم عن دينكم
كما تخرج المرأة عن وركيها لبعلها! وإثبات الهداة: ٣/٥٠٥، عن غيبة الطوسي، والبحار:
٥١/١٢٠.
أقول: لم ترد صفة (أزْيَل الفخذين) من طريق أهل البيت (عليهم السلام)، وهذا الحديث
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ينتهي إلى رواة غير شيعة، والقاعدة التحفظ في صفاته
التي لم ترد عنهم (عليهم السلام) لاحتمال أن تكون موضوعة لتنطبق على شخص أفحج ادعى
المهدية. نعم ورد في كمال الدين: ٢/٦٥٣، عن الإمام الباقر (عليه السلام): (مُشْرَبٌ
بالحمرة، مُبَدَّح البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين). وعريض الفخذين بمعنى
ضخامتهما، وهو غير الأزيل أي الأفحج الذي في فخذيه خلل يؤثر على مشيه وركوعه وسجوده،
وقد رووا أن عمر كان أفحج، ففي تفسير الطبري٢/٧٩٤: (بينما عمر يصلي ويهوديان خلفه
وكان عمر إذا أراد أن يركع خوى، فقال أحدهم لصاحبه: أهو هو؟ فلما انفتل عمر قال:
رأيت قول أحدكم لصاحبه أهو هو! فقالا: إنا نجد في كتابنا قرناً من حديد يعطى ما
يعطى حزقيل الذي أحيا الموتى بإذن الله). ورواه في تاريخه: ١/٣٢٣. ومعنى خوى: أنه
كان لا يستطيع الركوع بشكل طبيعي، فزعم اليهوديان تقرباً إلى عمر أن ذلك علامة رجل
يحيي الموتى كحزقيل! قال الزمخشري في الفايق: ١/٢٠٠: (الزَّيَل: الفحَج). لكن مصادر
اللغة الأخرى خففته فجعلته شبيهاً بالفَحَج وليس هو! وقال ابن الأثير في النهاية:
٢/٣٢٥: (في حديث علي (رضي الله عنه)، ذكر المهدى فقال إنه أزيل الفخدين، أي
منفرجهما، وهو الزيل والتزيل). وفي لسان العرب: ١١/٣١٧: (والزَّيَل بالتحريك: تباعد
ما بين الفخذين كالفحج. ورجل أزيل الفخذين: منفرجهما متباعدهما، وهو من ذلك لأن
المتباعد مفارق. وفي حديث علي كرم الله وجهه: أنه ذكر المهدي وأنه يكون من ولد
الحسين أجلى الجبين أقنى الأنف أزيل الفخذين أفلج الثنايا بفخذه الأيمن شامة، أراد
أنه متزايل الفخذين وهو الزيل والتزيل، والفعل منه زَيَلَ يَزِيلُ. وأزيل الفخذين
أي منفرجهما).
والنتيجة: أن الزيل كالفحج أو هو نفسه، وهو عيب في المعصوم (عليه السلام).
هذا، وقد مرت في الفصول الأخرى صفات عديدة للإمام المهدي (عليه السلام).
من صفاته المعنوية (عليه السلام)
يعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي
في نهج البلاغة، شرح عبده: ٢/٢١ و: ٤/٣٦: (يعطف الهوى على الهدى، إذا عطفوا الهدى
على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي. حتى تقوم الحرب بكم
على ساق، بادياً نواجذها، مملوءة أخلافها، حلواً رضاعها، علقماً عاقبتها! ألا وفي
غد وسيأتي غد بما لا تعرفون، يأخذ الوالي من غيرها عمالها على مساوئ أعمالها، وتخرج
له الأرض أفاليذ كبدها، وتلقي إليه سلماً مقاليدها، فيريكم كيف عدل السيرة، ويحيي
ميت الكتاب والسنة). وينابيع المودة/٤٣٧، وشرح ابن ميثم البحراني: ٣/١٦٨، وغرر
الحكم/٣٦٣، أوله.
نهج البلاغة، شرح الصالح/٢٠٨: (وأخذوا يميناً وشمالاً ضعناً في مسالك الغي، وتركاً
لمذاهب الرشد، فلا تستعجلوا ما هو كائن مرصد، وتستبطئوا ما يجيء به الغد. فكم من
مستعجل بما إن أدركه ود أنه لم يدركه. وما أقرب اليوم من تباشير غد.
يا قوم هذا أبان ورود كل موعود، ودنو من طلعة ما لا تعرفون. ألا إن من أدركها منا
يسري فيها بسراج منير، ويحذو فيها على مثال الصالحين، ليحل فيها ربقاً ويعتق فيها
رقاً ويصدع شعباً ويشعب صدعاً، في سترة عن الناس، لا يبصر القائف أثره ولو تابع
نظره، ثم ليشحذن فيها قوم شحذ القين النصل، تجلى بالتنزيل أبصارهم، ويرمى بالتفسير
في مسامعهم، ويغبقون كأس الحكمة بعد الصبوح). والبحار: ٥١/١١٦.
قد لبس للحكمة جنتها وأخذها بجميع أدبها
نهج البلاغة شرح الصالح/٢٦٣ خطبة ١٨٢: (قد لبس للحكمة جنتها، وأخذها بجميع
أدبها، من الإقبال عليها والمعرفة بها والتفرغ لها، فهي عند نفسه ضالته التي يطلبها
وحاجته التي يسأل عنها، فهو مغترب إذا اغترب الإسلام، وضرب بعسيب ذنبه وألصق الأرض
بجرانه، بقية من بقايا حجته، خليفة من خلائف أنبيائه). وينابيع المودة/٤٣٧، والبحار:
٥١/١١٣، عن نهج البلاغة.
وقال في شرح النهج: ١٠/٩٥: هذا الكلام فسره كل طائفة على حسب اعتقادها، فالشيعة
الإمامية تزعم أن المراد به المهدي المنتظر عندهم والصوفية يزعمون أنه يعنى به ولي
الله في الأرض، وعندهم أن الدنيا لا تخلو عن الأبدال وهم أربعون، وعن الأوتاد وهم
سبعة، وعن القطب وهو واحد، فإذا مات القطب صار أحد السبعة قطباً عوضه، وصار أحد
الأربعين وتداً عوض الوتد، وصار بعض الأولياء الذين يصطفيهم الله تعالى أبدالاً عوض
ذلك البدل. وأصحابنا يزعمون أن الله تعالى لا يخلي الأمة من جماعة من المؤمنين
العلماء بالعدل والتوحيد، وأن الإجماع إنما يكون حجة باعتبار أقوال أولئك العلماء
لكنه لما تعذرت معرفتهم بأعيانهم، اعتبر إجماع سائر العلماء، وإنما الأصل قول أولئك.
قالوا: وكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) ليس يشير فيه إلى جماعة أولئك العلماء من
حيث هم جماعة، ولكنه يصف حال كل واحد منهم، فيقول: من صفته كذا، ومن صفته كذا.
والفلاسفة يزعمون أن مراده (عليه السلام) بهذا الكلام العارف ولهم في العرفان وصفات
أربابه كلام يعرفه من له أنس بأقوالهم. وليس يبعد عندي أن يريد به القائم من آل
محمد (صلى الله عليه وآله) في آخر الوقت إذا خلقه الله تعالى وإن لم يكن الآن
موجوداً، فليس في الكلام ما يدل على وجوده الآن، وقد وقع اتفاق الفرق من المسلمين
أجمعين على أن الدنيا والتكليف لا ينقضي إلا عليه.
قوله (عليه السلام): قد لبس للحكمة جنتها، الجنة: ما يستتر به من السلاح كالدرع
ونحوها، ولبس جنة الحكمة قمع النفس عن المشتهيات، وقطع علائق النفس عن المحسوسات،
فإن ذلك مانع للنفس عن أن يصيبها سهام الهوى، كما تمنع الدرع الدارع عن أن يصيبه
سهام الرماية.. الخ.). انتهى. وسيأتي بحث ما قاله في الأبدال أصحاب الإمام (عليه
السلام).
يطبق القرآن ويعلمه للناس كما أنزل
الكافي: ٨/٣٩٦، عن أحمد بن عمر: قال أبو جعفر (عليه السلام) وأتاه رجل فقال له:
إنكم
أهل بيت رحمة اختصكم الله تبارك وتعالى بها، فقال له: كذلك نحن والحمد لله لا ندخل
أحداً في ضلالة ولا نخرجه من هدى، إن الدنيا لا تذهب حتى يبعث الله (عزَّ وجلَّ)
رجلاً منا أهل البيت يعمل بكتاب الله لا يرى فيكم منكراً إلا أنكره). وعنه البحار:
٥٢/٣٧٨، وإثبات الهداة: ٣/٥٨٨، عن كتاب شريح. وفي الإرشاد/٣٦٥، عن جابر، عن أبي
جعفر (عليه السلام) أنه قال: إذا قام قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) ضرب فساطيط
يعلم الناس القرآن على ما أنزل الله (عزَّ وجلَّ)، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم،
لأنه يخالف فيه التأليف). ومثله روضة الواعظين: ٢/٢٦٥، وعنه كشف الغمة: ٣/٢٥٦،
وإثبات الهداة: ٣/٥٥٦.
وفي البصائر/١٩٣، عن سالم بن أبي سلمة، قال قرأ رجل على أبي عبد الله (عليه السلام)
وأنا اسمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد الله (عليه
السلام): مَهْ مَهْ كُفَّ عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم،
فإذا قام قرأ كتاب الله على حدِّه، وأخرج المصحف الذي كتبه علي (عليه السلام). وقال:
أخرجه علي (عليه السلام) إلى الناس حيث فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله كما
أنزل الله على محمد (صلى الله عليه وآله) وقد جمعته بين اللوحين، قالوا: هو ذا
عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه! قال: أما والله لا ترونه بعد يومكم
هذا أبداً! إنما كان علي أن أخبركم به حين جمعته لتقرؤوه). ومثله الكافي: ٢/٦٣٣،
وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٤٩، والبحار: ٩٢/٨٨.
وفي النعماني/٣١٧، عن حبة العرني، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): كأني أنظر
إلى شيعتنا بمسجد الكوفة قد ضربوا الفساطيط يعلمون الناس القرآن كما أنزل. أما إن
قائمنا إذا قام كسره وسوى قبلته). وعنه البحار: ٥٢/٣٦٤.
أقول: الظاهر أنه يقصد (عليه السلام) أنهم يعلمونهم القرآن على حدوده كاملة، وقد
ورد أن القرآن الذي بخط علي ويتوارثه الأئمة (عليهم السلام) يتفاوت مع القرآن في
ترتيب سوره وربما آياته، وليس في الزيادة والنقصان، كما في الرواية التالية، في
الاحتجاج: ١/١٥٥: عن أبي ذر الغفاري: لما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع
علي (عليه السلام) القرآن
وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم، لما قد أوصاه بذلك رسول الله (صلى
الله عليه وآله)... فلما استخلف عمر سأل علياً أن يدفع إليهم القرآن فقال: يا أبا
الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه فقال (عليه
السلام): هيهات ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا
تقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا: ما جئتنا به، إن القرآن
الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي! قال عمر: فهل لإظهاره وقت معلوم.
فقال: نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه فتجري السنة به). وعنه
البحار: ٩٢/٤٢.
الشريد الطريد الفريد الوحيد، المفرد من أهله!
كمال الدين: ١/٣٠٣، عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول:
صاحب هذا الأمر الشريد الطريد الفريد الوحيد. وفي النعماني/١٧٨، عن عبد الأعلى بن
حصين الثعلبي عن أبيه قال: لقيت أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) في حج أو عمرة
فقلت له: كبرت سني ودق عظمي فلست أدري يقضى لي لقاؤك أم لا فاعهد إلي عهداً وأخبرني
متى الفرج؟ فقال: إن الشريد الطريد الفريد الوحيد، المفرد من أهله، الموتور بوالده،
المكنى بعمه، هو صاحب الرايات، واسمه اسم نبي. فقلت: أعد علي، فدعا بكتاب أديم أو
صحيفة فكتب لي فيها). وفي رواية: فقال: أحفظت أم أكتبها لك؟ فقلت: إن شئت، فدعا
بكراع من أديم أو صحيفة فكتبها لي ثم دفعها إلي. وأخرجها حصين إلينا فقرأها علينا
ثم قال: هذا كتاب أبي جعفر (عليه السلام). وفي/١٧٩، عن أبي الجارود، عن الإمام
الباقر (عليه السلام): صاحب هذا الأمر هو الطريد الشريد، الموتور بأبيه، المكنى
بعمه، المفرد من أهله، اسمه اسم نبي. ودلائل الإمامة/٢٦١، كالنعماني الثالثة، وعنه
البحار: ٥١/٣٧، وإثبات الهداة: ٣/٥٣٥.
معه راية النبي (صلى الله عليه وآله) ومواريثه، ومواريث الأنبياء (عليهم السلام)
النعماني/٣١٥، عن أبي بصير، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): إن القائم يهبط من
ثنية ذي طوى، في عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً حتى يسند ظهره إلى الحجر
الأسود، ويهز الراية الغالبة. قال علي بن أبي حمزة: فذكرت ذلك لأبي الحسن موسى بن
جعفر (عليهما السلام) فقال: كتاب منشور). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٤٧، والبحار:
٥٢/٣٧٠، وقال: أي هذا مثبت في الكتاب المنشور، أو معه الكتاب، أو الراية كتاب منشور).
وفي النعماني/٣٠٧، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لما التقى
أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل البصرة نشر الراية راية رسول الله (صلى الله عليه
وآله)، فزلزلت أقدامهم، فما اصفرت الشمس حتى قالوا: آمنا يا بن أبي طالب، فعند ذلك
قال: لا تقتلوا الأسرى ولا تجهزوا على الجرحى، ولا تتبعوا مولياً، ومن ألقى سلاحه
فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن. ولما كان يوم صفين سألوه نشر الراية فأبى عليهم
فتحملوا عليه بالحسن والحسين (عليهما السلام) وعمار بن ياسر (رضي الله عنه)، فقال
للحسن: يا بنيَّ إن للقوم مدة يبلغونها وإن هذه راية لا ينشرها بعدي إلا القائم
صلوات الله عليه). وحلية الأبرار: ٢/٦٣٢، والبحار: ٥٢/٣٦٧. وفي البحار: ٥٢/٣٠٥، عن
المفضل بن شاذان قال: وروي أنه يكون في راية المهدي: اسمعوا وأطيعوا). وعنه إثبات
الهداة: ٣/٥٨٢.
الإرشاد/٢٧٤، عن الصادق (عليه السلام): علمنا غابرٌ ومزبورٌ ونَكْتٌ في القلوب
ونَقْرٌ في الأسماع. وإن عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ومصحف فاطمة (عليها
السلام). وإن عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس إليه. فسئل عن تفسير هذا
الكلام فقال: أما الغابر فالعلم بما يكون، وأما المزبور: فالعلم بما كان، وأما
النكت في القلوب فهو الإلهام والنقر في الأسماع: حديث الملائكة، نسمع كلامهم ولا
نرى أشخاصهم، وأما الجفر الأحمر: فوعاء فيه سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
ولن يخرج حتى يقوم قائمنا أهل البيت، وأما الجفر الأبيض: فوعاء فيه توراة موسى
وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب الله الأولى، وأما مصحف فاطمة (عليها السلام) ففيه ما
يكون من حادث، وأسماء كل من يملك إلى أن تقوم الساعة. وأما الجامعة: فهي كتاب طوله
سبعون ذراعاً أملاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من فلق فيه وخط علي بن أبي طالب
(عليه السلام) بيده، فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة، حتى أن
فيه أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة.
وكان (عليه السلام) يقول: إن حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث
علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وحديث علي أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلى الله
عليه وآله)، وحديث رسول الله قول الله (عزَّ وجلَّ)). ومثله الاحتجاج: ٢/٣٧٢، وعنه
كشف الغمة: ٢/٣٨١، ومثله إعلام الورى/٢٧٧، وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٢٥، وعنهما
البحار: ٢٦/١٨.
وفي البصائر/١٨٨، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له: جعلت
فداك إني أريد أن ألمس صدرك، فقال: إفعل فمسست صدره ومناكبه فقال: ولمَ يا أبا
محمد؟ فقلت: جعلت فداك إني سمعت أباك وهو يقول: إن القائم واسع الصدر مسترسل
المنكبين عريضُ ما بينهما، فقال: يا أبا محمد إن أبي لبس درع رسول الله (صلى الله
عليه وآله) وكانت تستحب على الأرض، وأنا لبستها فكانت وكانت، وإنها تكون من القائم
كما كانت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشمرة كانت ترفع نطاقها بحلقتين وليس
صاحب هذا الأمر من جاز أربعين). ومثله الخرائج: ٢/٦٩١، وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٢٠.
وفي إثبات الوصية/٢٢٣: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أنت صاحبنا أعني صاحب
الأمر؟ فقال: ألبست درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فانجرَّت عليَّ وإنه ليأخذ
لي بالركاب، وإن صاحبكم يلبس الدرع فتستوي عليه ولا يؤخذ له بالركاب. ثم قال لي:
أني يكون ذلك ولم يولد الغلام الذي تربيه جدته).
البصائر/١٨٤، عن عبد الأعلى بن أعين قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
عندي سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا أنازع فيه، ثم قال: إن السلاح مدفوع
عنه لو وضع عند شر خلق الله كان أخيرهم، ثم قال: إن هذا الأمر يصير إلى من يلوى له
الحنك، فإذا كانت من الله فيه المشية خرج فيقول الناس ما هذا الذي كان، ويضع الله
له يده على رأس رعيته). ومثله الإرشاد/٢٧٥، وعنه البحار: ٢٦/٢٠٩.
الكافي: ١/٢٨٤، عن عبد الأعلى قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المتوثب على
هذا الأمر المدعي له، ما الحجة عليه؟ قال: يسأل عن الحلال والحرام قال: ثم أقبل علي
فقال: ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلا كان صاحب هذا الأمر: أن يكون أولى
الناس بمن كان قبله، ويكون عنده السلاح، ويكون صاحب الوصية الظاهرة، التي إذا قدمت
المدينة سألت عنها العامة والصبيان: إلى من أوصى فلان؟ فيقولون: إلى فلان بن فلان).
ومثله الخصال: ١/١١٧، وعنهما إثبات الهداة: ٣/٧١٤، و٧٢٤، والبحار: ٢٥/١٣٨.
وفي النعماني/٢٤٣، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ألا
أريك قميص القائم الذي يقوم عليه؟ فقلت بلى، قال: فدعا بقَمْطَر(محفظة للكتب) ففتحه
وأخرج منه قميص كرابيس فنشره فإذا في كمه الأيسر دم، فقال: هذا قميص رسول الله (صلى
الله عليه وآله) الذي عليه يوم ضربت رباعيته وفيه يقوم القائم، فقبلت الدم ووضعته
على وجهي، ثم طواه أبو عبد الله (عليه السلام) ورفعه). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٤٢،
والبحار: ٥٢/٣٥٥.
وفي البصائر/١٦٢، عن عبد الملك بن أعين قال: أراني أبو جعفر بعض كتب علي ثم قال لي:
لأي شيء كتبت هذه الكتب؟ قلت: ما أبين الرأي فيها قال: هات قلت: علم أن قائمكم يقوم
يوماً فأحب أن يعمل بما فيها، قال: صدقت). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٢٠، والبحار:
٢٦/٥١. وفي النعماني/٢٣٨، عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه
السلام) يقول: عصا موسى قضيب آس من غرس الجنة، أتاه بها جبرئيل (عليه السلام) لما
توجه تلقاء مدين، وهي وتابوت آدم في بحيرة طبرية، ولن يبليا ولن يتغيرا حتى يخرجهما
القائم (عليه السلام) إذا قام). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٤٠، والبحار: ٥٢/٣٥١.
وفي البصائر/١٨٣، عن محمد بن الفيض، عن محمد بن علي (عليه السلام) قال: كانت عصا
موسى لآدم فصارت إلى شعيب ثم صارت إلى موسى بن عمران وإنها لعندنا وإن عهدي بها
آنفاً، وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرها وإنها لتنطق إذا استنطقت، أعدت
لقائمنا ليصنع كما كان موسى يصنع بها، وإنها لتروع وتلقف! قال: إن رسول الله (صلى
الله عليه وآله) لما أراد الله أن يقبضه أورث علياً (عليه السلام) علمه وسلاحه وما
هناك ثم صار إلى الحسن والحسين ثم حين قتل الحسين استودعه أم سلمة، ثم قبض بعد ذلك
منها، قال: فقلت: ثم صار إلى علي بن الحسين ثم صار إلى أبيك ثم انتهى إليك؟ قال:
نعم). ونحوه الكافي: ١/٢٣١، وفيه: إنها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون يفتح لها
شعبتان: إحداهما في الأرض والأخرى في السقف وبينهما أربعون ذراعا تلقف ما يأفكون
بلسانها). ومثله كمال الدين: ٢/٦٧٣، والاختصاص/٢٦٩، وإثبات الهداة: ٣/٤٣٩ و٥٥٨،
والبحار: ٢٦/٢١٩، و: ٥٢/٣١٨
يُظهر القرآن بخط علي (عليه السلام)
في الكافي: ٨/٢٨٧، عن عاصم بن حميد، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله (عزَّ
وجلَّ): وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ؟ قال: اختلفوا كما
اختلفت هذه الأمة في الكتاب وسيختلفون في الكتاب الذي مع القائم الذي يأتيهم به حتى
ينكره ناس كثير فيقدمهم فيضرب أعناقهم).
معه عهدٌ معهود من النبي (صلى الله عليه وآله)
البحار: ٥٢/٣٠٥، عن السيد علي بن عبد الحميد: إذا خسف بجيش السفياني، والقائم يومئذ
بمكة عند الكعبة مستجيراً بها يقول: أنا ولي الله، فيبايعونه بين الركن والمقام..
ومعه عهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد تواترت عليه الآباء. فإن أشكل عليهم
من ذلك الشيء فإن الصوت من السماء لا يشكل عليهم إذا نودي باسمه واسم أبيه). وإثبات
الهداة: ٣/٥٨٢.
الإمام المهدي (عليه السلام) ساقي الأمة في المحشر
مائة منقبة/٢٤، عن عبد الله بن عمر: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي بن
أبي طالب (عليه السلام): يا علي أنا نذير أمتي وأنت هاديها، والحسن قائدها، والحسين
سائقها وعلي بن الحسين جامعها، ومحمد بن علي عارفها، وجعفر بن محمد كاتبها، وموسى
بن جعفر محصيها، وعلي بن موسى معبرها ومنجيها وطارد مبغضيها ومدني مؤمنيها، ومحمد
بن علي قائمها وسائقها وعلي بن محمد ساترها، وعالمها والحسن بن علي مناديها
ومعطيها، والقائم الخلف ساقيها ومناشدها: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ
لِلْمُتَوَسِّمِينَ). ومناقب ابن شهرآشوب: ١/٢٩٢، عن عبد الله بن محمد البغوي،
والصراط المستقيم: ٢/١٥٠، وإثبات الهداة: ١/٧٢١، والبحار: ٣٦/٢٧٠. أقول: لعل اسم
عبد الله بن عمر في سند الحديث تصحيف لعبد الله آخر، فلم يعهد عنه رواية مثل هذه
الأحاديث.
وهو الصراط السوي
في تأويل الآيات: ١/٣٢٣، عن عيسى بن داود النجار، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه
السلام) قال: سألت أبي عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (فَسَتَعْلَمُونَ
مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى)؟ قال: الصراط السوي
هو القائم (عليه السلام)، والهدى من اهتدى إلى طاعته. ومثلها في كتاب الله (عزَّ
وجلَّ): (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ
صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى). قال: إلى ولايتنا). وعنه البرهان: ٣/٥٠، والبحار:
٢٤/١٥٠.
وهو صاحب ليلة القدر
تفسير القمي: ٢/٤٣١، عن علي بن إبراهيم في قوله: (إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، قال: فهو القرآن أنزل إلى البيت
المعمور في ليلة القدر جملة واحدة، وعلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في طول
ثلاث وعشرين سنة. (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ):
ومعنى ليلة القدر أن الله يقدر فيها الآجال والأرزاق وكل أمر يحدث من موت أو حياة
أو خصب أو جدب أو خير أو شر، كما قال الله: (فِيهَا يُفْرَقُ
كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)، إلى سنة. قوله: (تَنَزَّلُ
الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ)،
قال: تنزل الملائكة وروح القدس على إمام الزمان، ويدفعون إليه ما قد كتبوه من هذه
الأمور). وعنه البحار: ٩٧/١٤.
تفسير القمي: ٢/٢٩٠، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي جعفر، وأبي عبد الله، وأبي الحسن
(عليهم السلام): (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ): يعني القرآن.
(فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ).
وهي ليلة القدر، أنزل الله القرآن فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة. ثم نزل من
البيت المعمور على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في طول ثلاث وعشرين سنة. (فِيهَا
يُفْرَقُ): في ليلة القدر (كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ):
أي يقدر الله كل أمر من الحق ومن الباطل وما يكون في تلك السنة، وله فيه البداء
والمشية، يقدم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء من الآجال والأرزاق والبلايا والأعراض
والأمراض، ويزيد فيها ما يشاء وينقص ما يشاء ويلقيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ويلقيه أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الأئمة (عليهم
السلام) حتى ينتهي
ذلك إلى صاحب الزمان (عليه السلام)، ويشترط له ما فيه البداء والمشية والتقديم
والتأخير). وعنه المحجة/٢٠٢، والبحار: ٩٧/١٢ ومجمع البيان: ٥/٦١، مختصراً، وقال: عن
ابن عباس وقتادة وابن زيد، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليها السلام).
وهو بقية الله في أرضه
الكافي: ١/٤١١، عن عمر بن زاهر، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال سأله رجل عن
القائم يسلم عليه بإمرة المؤمنين قال: لا، ذاك اسم سمى الله به أمير المؤمنين (عليه
السلام) لم يسم أحد قبله ولا يتسمى به بعده إلا كافر قلت جعلت فداك كيف يسلم عليه
قال يقولون السلام عليك يا بقية الله ثم قرأ: (بقية الله خير
لكم إن كنتم مؤمنين). ومثله تفسير فرات/٦٣ وعنه تأويل الآيات: ١/١٨٦، وإثبات
الهداة: ٣/٤٤٧، والبحار: ٢٤/٢١١.
وفي الاحتجاج: ١/٢٤٠، جاء بعض الزنادقة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال له:
لولا ما في القرآن من الاختلاف والتناقض لدخلت في دينكم! فقال له (عليه السلام) في
حديث ذكر فيه الأئمة (عليه السلام): فقال السائل: ما ذاك الأمر؟ قال علي (عليه
السلام): الذي تنزل به الملائكة في الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم: من خلق ورزق
وأجل وعمل وعمر وحياة وموت وعلم غيب السماوات والأرض والمعجزات التي لا تنبغي إلا
لله وأصفيائه والسفرة بينه وبين خلقه. وهم وجه الله الذي قال: فأينما تولوا فثم وجه
الله، هم بقية الله، يعني المهدي، يأتي عند انقضاء هذه النظرة، فيملأ الأرض قسطاً
وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً). وعنه البحار: ٩٣/١١٨.
وهو الكوكب الدري والنور الإلهي في الآية
المحكم والمتشابه/١١٢، عن تفسير النعماني عن إسماعيل بن جابر قال: سمعت أبا عبد
الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) يقول: في حديث طويل عن أنواع آيات القرآن،
فيه مجموعة أسئلة لأمير المؤمنين (عليه السلام) عن آيات القرآن وأحكامه، قال فيه:
(وسألوه صلوات الله عليه، عن أقسام النور في القرآن، فقال: النور: القرآن، والنور
اسم من
أسماء الله تعالى، والنور النورية، والنور ضوء القمر، والنور ضوء المؤمن وهو
الموالاة التي يلبس لها نوراً يوم القيامة، والنور في مواضع من التوراة والإنجيل
والقرآن حجة الله على عباده، وهو المعصوم... فقال تعالى: (وَاتَّبَعُوا
النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). فالنور
في هذا الموضع هو القرآن، ومثله في سورة التغابن قوله تعالى: (فَآمِنُوا
بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا). يعني سبحانه القرآن
وجميع الأوصياء المعصومين، من حملة كتاب الله تعالى وخزانه وتراجمته، الذين نعتهم
الله في كتابه فقال: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللهُ
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)،
فهم المنعوتون الذين أنار الله بهم البلاد وهدى بهم العباد، قال الله تعالى في سورة
النور: (اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض مَثَلُ نُورِهِ
كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا
كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ
وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ
عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ
لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شيء عَلِيمٌ). فالمشكاة رسول الله (صلى الله عليه
وآله)، والمصباح الوصي، والأوصياء (عليهم السلام) والزجاجة فاطمة، والشجرة المباركة
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والكوكب الدري القائم المنتظر (عليه السلام) الذي
يملأ الأرض عدلاً). والبحار: ٩٣/٣.
التوحيد للصدوق/١٥٨، عن عيسى بن راشد، عن محمد بن علي بن الحسين (عليهما السلام) في
قوله (عزَّ وجلَّ): (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ)،
قال: المشكاة نور العلم في صدر النبي (صلى الله عليه وآله). (الْمِصْبَاحُ
فِي زُجَاجَةٍ): الزجاجة صدر علي (عليه السلام)، صار علم النبي (صلى الله
عليه وآله) إلى صدر علي (عليه السلام). (الزُّجَاجَةُ
كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ): قال:
نور. (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ): قال: لا
يهودية ولا نصرانية. (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ
تَمْسَسْهُ نَارٌ): يكاد العالم من آل محمد (عليهم السلام) يتكلم بالعلم قبل
أن يسأل. (نُورٌ عَلَى نُورٍ): يعني إماماً مؤيداً
بنور العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمد (عليهم السلام) وذلك من لدن آدم إلى أن
تقوم الساعة، فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم الله (عزَّ وجلَّ) خلفاءه في أرضه وحججه
على خلقه، لا تخلو الأرض في كل عصر من واحد منهم). وعنه مناقب ابن
شهرآشوب: ١/٢٨٠، ومجمع البيان: ٤/١٤٣، وتأويل الآيات: ١/٣٥٨، والبرهان: ٣/١٣٤.
المهدي والأئمة (عليهم السلام) هم السبع المثاني
تفسير العياشي: ٢/٢٥٠، عن القاسم بن عروة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله:
(وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ
الْعَظِيمَ)، قال: سبعة أئمة والقائم (عليه السلام). وعن الإمام الصادق
(عليه السلام) قال: إن ظاهرها الحمد، وباطنها ولد الولد. والسابع منها القائم (عليه
السلام)). وعنه إثبات الهداة: ١/٦٢٩ و: ٣/٥٥١، والمحجة/١١٣، والبحار: ٢٤/١١٧.
له سيف مذخور من جده عبد المطلب (رحمه الله)
الكافي: ٤/٢٢٠، عن الحسن بن راشد قال: سمعت أبا إبراهيم (عليه السلام) يقول: لما
احتفر عبد المطلب زمزم وانتهى إلى قعرها خرجت عليه من إحدى جوانب البئر رائحة منتنة
أفظعته، فأبى أن ينثني، وخرج ابنه الحارث عنه، ثم حفر حتى أمعن فوجد في قعرها عيناً
تخرج عليه برائحة المسك، ثم احتفر فلم يحفر إلا ذراعاً حتى تجلاه النوم فرأى رجلاً
طويل الباع حسن الشعر جميل الوجه جيد الثوب طيب الرائحة وهو يقول: إحفر تغنم وجد
تسلم ولا تدخرها للمقسم، الأسياف لغيرك والبئر لك، أنت أعظم العرب قدراً، ومنك يخرج
نبيها ووليها والأسباط النجباء الحكماء العلماء البصراء، والسيوف لهم وليسوا اليوم
منك ولا لك، ولكن في القرن الثاني منك بهم ينير الله الأرض ويخرج الشياطين من
أقطارها ويذلها في عزها، ويهلكها بعد قوتها، ويذل الأوثان ويقتل عبادها حيث كانوا،
ثم يبقى بعده نسل من نسلك هو أخوه ووزيره ودونه في السن... فوجد ثلاثة عشر سيفاً
مسندة إلى جنبه فأخذها وأراد أن يبتَّ فقال: وكيف ولم أبلغ الماء، ثم حفر فلم يحفر
شبراً حتى بدا له قرن الغزال ورأسه فاستخرجه وفيه طبع لا إله إلا الله محمد رسول
الله علي ولي الله فلان خليفة الله، فسألته فقلت: فلان متى كان قبله أو بعده؟ قال:
لم يجئ بعد ولا جاء شيء من أشراطه... رأى عبد المطلب أن يبطل الرؤيا التي رآها في
البئر ويضرب السيوف
صفائح للبيت فأتاه الله بالنوم فغشيه وهو في حجر الكعبة فرأى ذلك الرجل بعينه وهو
يقول: يا شيبة الحمد ضع السيوف في مواضعها، فادفع هذه الثلاثة عشر سيفاً إلى ولد
المخزومية، ولا يبان لك أكثر من هذا، وسيف لك منها واحد سيقع من يدك فلا تجد له
أثراً إلا أن يستجنه جبل كذا وكذا فيكون من أشراط قائم آل محمد! فانتبه عبد المطلب
وانطلق والسيوف على رقبته فأتى ناحية من نواحي مكة ففقد منها سيفاً كان أرقها عنده،
فيظهر من ثم. ونحن نقول: لا يقع سيف من أسيافنا في يد غيرنا إلا رجل يعين به معنا
إلا صار فحماً، قال: وإن منها لواحداً في ناحية يخرج كما تخرج الحية فيبين منه ذراع
وما يشبهه، فتبرق له الأرض مرارا ثم يغيب، فإذا كان الليل فعل مثل ذلك فهذا دأبه
حتى يجيء صاحبه، ولو شئت أن اسمي مكانه لسميته، ولكن أخاف عليكم من أن اسميه فتسموه
فينسب إلى غير ما هو عليه). وعنه البحار: ١٥/١٦٤.
يجتمع أبناء الزهراء (عليها السلام) في العالم على تأييده
وروايته صحيحة السند تقدمت في فصل السفياني، وهي مطلقة تدل على أن السادة أبناء علي
وفاطمة (عليهما السلام) في كل العالم على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم يُجمعون على
تأييده واتِّباعه (عجل الله تعالى فرجه الشريف)! وهو أمرٌ لم يحدث بعد أن كثر أولاد
الحسنين (عليهما السلام) وتفرقوا. ففي الكافي: ٨/٢٦٤، عن عيص بن القاسم قال: سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن أتاكم آت منا، فانظروا على أي شيء تخرجون؟...
إلا مع من اجتمعت بنو فاطمة معه فوالله ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه). وعلل
الشرائع/٥٧٧، وعنهما البحار: ٤٦/١٧٨، و: ٥٢/٣٠١.
يقاتل على السنة ويكمل مهمة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله)
ابن حماد: ١/٣٧٩، عن عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: هو رجل من عترتي،
يقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي). وعنه قد الدرر/١٦، والحاوي: ٢/٧٤، وصواعق
ابن حجر/١٦٤، والقول المختصر/٧ و١٢، وفيه: يضرب الناس حتى يرجعوا للحق. وفي/٢٥:
لا يخرج حتى لا يبقى رأس كبير إلا هلك! وفي فتوحات ابن عربي: ٣/٣٣٢: (وكذا ورد
الخبر في صفة المهدي أنه قال (صلى الله عليه وآله): يقفو أثري لا يخطئ). وفي/٣٣٥: (فعرفنا
أنه متبع لا متبوع وأنه معصوم ولا معنى للمعصوم في الحكم، إلا أنه لا يخطئ، فإن حكم
الرسول لا ينسب إليه خطأ فإنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى). وقال في/٣٢٧:
يقفو أثر رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يخطئ، له ملك يسدده من حيث لا يراه،
يحمل الكل ويقوي الضعيف في الحق، ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق، يفعل ما يقول
ويقول ما يعلم، ويعلم ما يشهد). انتهى.
أقول: ينبغي التنبيه على أن كلام ابن عربي وأفكاره عن الإمام المهدي (عليه السلام)
جاءت من عالمه الخيالي دون مستند شرعي، فلم يستدل عليها بدليل برهاني، والذي فعله
أنه انتقى من مصادر السنة والشيعة ما يلائم مذهبه، ووقع في التناقض في ذلك!
حرفوا نسخة كتاب الفتوحات وحذفوا نسب الإمام المهدي (عليه السلام)
وبمناسبة ذكرنا رأي ابن عربي في أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) ننبه إلى
التحريف الذي اقترفته يد من طبع كتابه، فقد نقل عدد من المصادر عبارته في الإمام
المهدي (عليه السلام) وهي تنص على نسبه وأنه ابن الإمام الحسن العسكري (عليه
السلام) وأورد نسبه إلى علي وفاطمة (عليهم السلام)، فحذفوا ذلك من طبعته! قال في
إلزام الناصب: ١/٢٩٢: (الشيخ الأكبر محي الدين بن العربي في الباب السادس والستين
وثلاثمائة من الفتوحات: واعلموا أنه لا بد من خروج المهدي لكن لا يخرج حتى تمتلئ
الأرض جوراً وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد طول
الله ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله)
من ولد فاطمة، جده الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده الحسن العسكري بن الإمام علي
النقي بالنون بن الإمام محمد التقي بالتاء بن الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم بن
الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين علي بن الإمام
الحسين بن الإمام علي بن أبي
طالب يواطئ اسمه اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يبايعه المسلمون ما بين الركن
والمقام، يشبه رسول الله في الخلق بفتح الخاء وينزل عنه في الخلق بضمها إذ لا يكون
أحد مثل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أخلاقه، والله تعالى يقول: (وَإِنَّكَ
لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
وهو أجلى الجبهة أقنى الأنف، أسعد الناس به أهل الكوفة، يقسم المال بالسوية ويعدل
في الرعية، يمشي الخضر بين يديه، يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً، يقفو أثر رسول الله
لا يخطئ، له ملك يسدده من حيث لا يراه، يفتح المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين
ألفاً من المسلمين، يعز الله به الإسلام بعد ذلة، ويحييه بعد موته، ويضع الجزية
ويدعو إلى الله بالسيف فمن أبى قتل ومن نازعه خذل، يحكم بالدين الخالص عن الرأي.
إلى آخر كلامه). انتهى.
بينما نص عبارته في نسخة الفتوحات المتداولة: ٣/٣٢٧: (إعلم أيدنا الله أن لله خليفة
يخرج وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً ولو لم يبق من الدنيا إلا
يوم واحد طول الله ذلك اليوم حتى يلي هذا الخليفة من عترة رسول الله ص من ولد
فاطمة، يواطئ اسمه اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) جده الحسين بن علي بن أبي
طالب يبايع بين الركن والمقام، يشبه رسول الله في خلقه بفتح الخاء وينزل عنه في
الخلق بضم الخاء، لأنه لا يكون أحد مثل رسول الله في أخلاقه والله يقول فيه: (وَإِنَّكَ
لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، هو أجلى الجبهة أقنى الأنف أسعد الناس به أهل
الكوفة، يقسم المال بالسوية ويعدل في الرعية ويفصل في القضية، يأتيه الرجل فيقول له
يا مهدي أعطني وبين يديه المال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله! يخرج على فترة
من الدين، يزع الله به ما لا يزع بالقرآن، يمسي جاهلاً بخيلاً جباناً ويصبح أعلم
الناس أكرم الناس أشجع الناس، يصلحه الله في ليلة! يمشي النصر بين يديه، يعيش خمساً
أو سبعاً أو تسعاً، يقفو أثر رسول الله لا يخطئ، له ملك يسدده من حيث لا يراه، يحمل
الكل ويقوي الضعيف في الحق ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق يفعل ما يقول ويقول ما
يعلم ويعلم ما يشهد، يفتح المدينة الرومية
بالتكبير في سبعين ألفاً من المسلمين من ولد إسحاق، يشهد الملحمة العظمى مأدبة الله بمرج عكا، يبيد الظلم وأهله يقيم الدين، ينفخ الروح في الإسلام يعز الإسلام به بعد ذله ويحيا بعد موته، يضع الجزية ويدعو إلى الله بالسيف فمن أبي قتل ومن نازعه خذل يُظهر من الدين ما هو الدين عليه في نفسه، ما لو كان رسول الله لحكم به. يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى إلا الدين الخالص، أعداؤه مقلدة العلماء أهل الاجتهاد لما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهبت إليه أئمتهم، فيدخلون كرهاً تحت حكمه خوفاً من سيفه وسطوته ورغبة فيما لديه، يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم، يبايعه العارفون بالله من أهل الحقائق عن شهود وكشف، بتعريف إلهي. له رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه، هم الوزراء يحملون أثقال المملكة ويعينونه على ما قلده الله. ينزل عليه عيسى بن مريم بالمنارة البيضاء بشرقي دمشق بين مهرودتين متكأ على ملكين ملك عن يمينه وملك عن يساره يقطر رأسه ماء مثل الجمان يتحدر كأنما خرج من ديماس، والناس في صلاة العصر فيتنحى له الإمام من مقامه، فيتقدم فيصلي بالناس يؤم الناس بسنة محمد. يكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويقبض الله المهدي إليه طاهراً مطهراً، وفي زمانه يقتل السفياني عند شجرة بغوطة دمشق ويخسف بجيشه في البيداء بين المدينة ومكة حتى لا يبقى من الجيش إلا رجل واحد من جهينة، يستبيح هذا الجيش مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) ثلاثة أيام ثم يرحل يطلب مكة، فيخسف الله به في البيداء، فمن كان مجبوراً من ذلك الجيش مكرهاً يحشر على نيته. القرآن حاكم والسيف مبيد، ولذلك ورد في الخبر: إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
ألا
إن ختم الأولياء شهيد * * * وعين إمام العالمين فقيد
هو السيد المهدي من آل أحمد * * * هو الصارم الهندي حين يبيد
هو الشمس يجلو كل غم وظلمة * * * هو الوابل الوسمي حين يجود
وقد
جاءكم زمانه وأظلكم أوانه وظهر في القرن الرابع اللاحق بالقرون الثلاثة الماضية قرن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو قرن الصحابة، ثم الذي يليه ثم الذي يلي الثاني
ثم جاء بينهما فترات وحدثت أمور وانتشرت أهواء وسفكت دماء وعاثت الذئاب في البلاد
وكثر الفساد، إلى أن طم الجور وطما سيله، وأدبر نهار العدل بالظلم حين أقبل ليله،
فشهداؤه خير الشهداء وأمناؤه أفضل الأمناء.
وإن الله يستوزر له طائفة خبأهم له في مكنون غيبه أطلعهم كشفاً وشهوداً على الحقائق،
وما هو أمر الله عليه في عباده، فبمشاورتهم يفصل ما يفصل وهم العارفون الذين عرفوا
ما ثَمَّ، وأما هو في نفسه فصاحب سيف حق وسياسة مدنية يعرف من الله قدر ما تحتاج
إليه مرتبته ومنزله لأنه خليفة مسدد، يفهم منطق الحيوان يسرى عدله في الإنس والجان،
من أسرار علم وزرائه الذين استوزرهم الله له قوله تعالى: وكان حقاً علينا نصر
المؤمنين، وهم على أقدام رجال من الصحابة، صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وهم من
الأعاجم ما فيهم عربي لكن لا يتكلمون إلا بالعربية، لهم حافظ ليس من جنسهم ما عصى
الله قط، هو أخص الوزراء وأفضل الأمناء، فأعطاهم الله في هذه الآية التي اتخذوها
هجيراً وفي ليلهم سميراً، أفضل علم الصدق حالاً وذوقاً فعلموا إن الصدق سيف الله في
الأرض، ما قام بأحد ولا اتصف به إلا نصره الله لأن الصدق نعته والصادق اسمه فنظروا
بأعين سليمة من الرمد وسلكوا بأقدام ثابتة في سبيل الرشد، فلم يروا الحق قيد مؤمناً
من مؤمن، بل أوجب على نفسه نصر المؤمنين). انتهى.
تنتهي التقية بظهوره (عليه السلام)
في تفسير العياشي: ٢/٣٥١، عن المفضل قال: وسألته عن قوله: فإِذَا جَاءَ وَعْدُ
رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ؟ قال: رفع التقية عند الكشف، فينتقم من أعداء الله).
والبحار: ١٢/٢٠٧، عن العياشي، وقال: كان هذا كلام على سبيل التمثيل والتشبيه، أي
جعل الله التقية لكم
سداً لرفع ضرر المخالفين عنكم إلى قيام القائم (عليه السلام) ورفع التقية، كما أن ذا القرنين وضع السد لرفع فتنة يأجوج ومأجوج إلى أن يأذن الله لرفعها).
* * *
الفصل العاشر: مقام الإمام المهدي (عليه السلام) عند الله تعالى
المهدي (عليه السلام) أحد سبعة سادة أهل الجنة
ابن ماجة: ٢/١٣٦٨، عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:
نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة، أنا، وحمزة، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين،
والمهدي. ومثله الحاكم: ٣/٢١١، وصححه على شرط مسلم، وفيه: أنا وعلي وجعفر وحمزة.
وتاريخ بغداد: ٩/٤٣٤، وفيه: نحن سبعة بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة، أنا وعلي أخي
وعمي حمزة وجعفر والحسن والحسين والمهدي). وتلخيص المتشابه: ١/١٩٧، والفردوس: ١/٥٣،
وفيه: بني المطلب سادة.. ومقتل الحسين للخوارزمي: ١/١٠٨، عن أبي نعيم. وبيان
الشافعي/٤٨٨، كابن ماجة، وقال: هذا الحديث صحيح أخرجه ابن ماجة الحافظ في صحيحه كما
سقناه، ورزقناه عالياً بحمد الله، وأخرجه الطبراني عن جعفر بن عمر الصباح، عن سعد
بن عبد الحميد كما أخرجناه، ورواه أبو نعيم الحافظ في مناقب المهدي بطرق شتى.
وذخائر العقبى/١٥، و٨٩، كابن ماجة بتفاوت يسير. وعقد الدرر/١٤٤، كتاريخ بغداد وقال:
أخرجه جماعة من أئمة الحديث في كتبهم، منهم الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن
ماجة القزويني في سننه، وأبو القاسم الطبراني في معجمه، والحافظ أبو نعيم الأصبهاني
وغيرهم. وفتن ابن كثير: ١/٤٤، عن ابن ماجة، وقال: أورده البخاري في التاريخ، وابن
حاتم في الجرح والتعديل. وجمع الجوامع: ١/٨٥١، عن الحاكم.
وفي المسند الجامع: ٢/٤٤٦، عن أنس قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:
نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة: أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي.
وجامع الأحاديث: ٦/٧٢٣، وزوائد ابن ماجة/٥٢٨، وجامع المسانيد والسنن: ٢١/٥١، ومصباح
الزجاجة: ٢/٣١٤، وشرح أصول الاعتقاد أهل السنة: ٨/١٤١٢٣، والدر النظيم/٧٥٥ و٧٩٨،
واستجلاب ارتقاء الغرف/٢١٤ و٢٥٣ والكشف والبيان: ٨/٣١٢، ومسند شمس الأخبار: ٢/٣٠٥،
وكفاية الطالب/٤٨٨، وعوالم النصوص/٣٠٤، وكلها عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله)
كالمسند الجامع. ونحوه العلل المتناهية: ١/٢٢٣، والدر النظيم/٧٩٨، ومناقب محمد بن
سليمان: ١/٢٣٧، عن ابن عباس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أول سبعة يدخلون
الجنة أنا وعلي والحسن والحسين وحمزة وجعفر والمهدي محمد بن عبد الله. وفي: ٢/٥٤٩،
عن ابن سيرين: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خير هذه الأمة بعد نبيها ستة.
قالوا يا رسول الله من هم؟ قال: علي وحمزة وجعفر والحسن والحسين والمهدي.
وقال ابن الصديق المغربي/٥٤٢: وقد وجدت ما يصلح أن يكون للحديث شاهداً، قال
الطبراني في المعجم الصغير: حدثنا أحمد بن محمد بن العباس المري القنطري... عن أبي
أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة: نبينا خير الأنبياء
وهو أبوك، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك حمزة، ومنا من له جناحان يطير بهما في
الجنة حيث يشاء وهو ابن عم أبيك جعفر، ومنا سبطا هذه الأمة الحسن والحسين وهما
ابناك، ومنا المهدي). انتهى.
* * *
ومن
مصادرنا: كتاب سُلَيْم بن قيس (رحمه الله) /٢٤٥، قال: كانت قريش إذا جلست في
مجالسها، فرأت رجلاً من أهل البيت قطعت حديثها، فبينما هي جالسة إذ قال رجل منهم ما
مثل محمد في أهل البيت إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة! فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله
عليه وآله) فغضب ثم خرج فأتى المنبر فجلس عليه حتى اجتمع الناس، ثم قام فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال... وأورد خطبة طويلة في فضله وفضل أهل بيته (عليهم السلام) جاء
فيها: (ألا ونحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة، أنا، وعلي، وجعفر، وحمزة، والحسن،
والحسين، وفاطمة، والمهدي). ونحوه أمالي الصدوق/٣٨٤، عن أنس، وفيه: نحن بنو عبد
المطلب سادة أهل الجنة: رسول الله، وحمزة سيد الشهداء، وجعفر ذو الجناحين، وعلي،
وفاطمة، والحسن، والحسين، والمهدي. وغيبة الطوسي/١١٣، كالحاكم والعمدة/٥٢ و٤٣٠،
كابن ماجة عن الثعلبي، والطرائف: ١/١٧٦، مختصراً، عن الثعلبي.. الخ.
وفي دلائل الإمامة/٢٥٦، عن الأصبغ بن نباتة، قال: كنا مع علي بالبصرة، وهو
على
بغلة رسول الله، وقد اجتمع هو وأصحاب محمد فقال: ألا أخبركم بأفضل خلق الله عند
الله يوم يجمع الرسل؟ قلنا: بلى يا أمير المؤمنين، قال: أفضل الرسل محمد وإن أفضل
الخلق بعدهم الأوصياء، وأفضل الأوصياء أنا، وأفضل الناس بعد الرسل والأوصياء
الأسباط، وإن خير الأسباط سبطا نبيكم، يعني الحسن والحسين، وإن أفضل الخلق بعد
الأسباط الشهداء، وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب قال ذلك النبي، وجعفر بن أبي
طالب ذو الجناحين، مخضبان، بكرامة خص الله (عزَّ وجلَّ) بها نبيكم، والمهدي منا في
آخر الزمان لم يكن في أمة من الأمم مهدي ينتظر غيره). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٧٤.
وفي قرب الإسناد/١٣، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: منا سبعة خلقهم الله (عزَّ
وجلَّ) لم يخلق في الأرض مثلهم: منا رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيد الأولين
والآخرين وخاتم النبيين، ووصيه خير الوصيين وسبطاه خير الأسباط حسناً وحسيناً وسيد
الشهداء حمزة عمه، ومن قد طار مع الملائكة جعفر، والقائم). و البحار: ٢٢/٢٧٥.
أقول: كفى بهذا الحديث الشريف دليلاً على مكانة هؤلاء العظماء من أبناء عبد المطلب
رضوان الله عليه، وخاتمهم الإمام المهدي (عليهم السلام)، فهو حديث بقوته ووضوحه
حاكمٌ على كل ما رووه من أفضلية زيد وعمرو.
الإمام المهدي (عليه السلام) مختارٌ مصطفى من الله (عزَّ وجلَّ)
في الكافي: ٨/٤٩، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: خرج النبي (صلى الله عليه
وآله) ذات يوم وهو مستبشر يضحك سروراً، فقال له الناس: أضحك الله سنك يا رسول الله
وزادك سروراً، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنه ليس من يوم ولا ليلة إلا
ولي فيهما تحفة من الله، ألا وإن ربي أتحفني في يومي هذا بتحفة لم يتحفني بمثلها
فيما مضى، إن جبرئيل أتاني فأقرأني من ربي السلام وقال: يا محمد إن الله (عزَّ وجلَّ)
اختار من بني هاشم سبعة لم يخلق مثلهم فيمن مضى ولا يخلق مثلهم فيمن بقي، أنت يا
رسول الله سيد النبيين، وعلي بن أبي طالب وصيك سيد الوصيين، والحسن والحسين سبطاك
سيدا
الأسباط، وحمزة عمك سيد الشهداء، وجعفر بن عمك الطيار في الجنة يطير مع الملائكة
حيث يشاء، ومنكم القائم يصلي عيسى بن مريم خلفه إذا أهبطه الله إلى الأرض، من ذرية
علي وفاطمة، من ولد الحسين).
وفي المسترشد/١٥٠، عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال
لفاطمة (عليها السلام): إنا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين
قبلنا، ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا: نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير
الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عمك، ومن له جناحان يطير بهما في
الجنة حيث يشاء وهو جعفر بن أبي طالب ابن عمك، ومنا سبطا هذه الأمة، ومهديهم ولدك).
وفي الإرشاد/٢٤، عن ابن عباس قال: لنا أهل البيت سبع خصال، ما منهن خصلة في الناس،
منا النبي (صلى الله عليه وآله)، ومنا الوصي خير هذه الأمة بعده علي بن أبي طالب
(عليه السلام) ومنا حمزة أسد الله وأسد رسوله وسيد الشهداء، ومنا جعفر بن أبي طالب
المزين بالجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء، ومنا سبطا هذه الأمة، وسيدا شباب
أهل الجنة الحسن والحسين، ومنا قائم آل محمد الذي أكرم الله به نبيه، ومنا المنصور.
والبحار: ٣٧/٤٨، عن الإرشاد، وقال: لعل المراد بالمنصور أيضاً القائم (عليه السلام)
بقرينة أن بالقائم يتم السبع ويحتمل أن يكون المراد به الحسين (عليه السلام) فإنه
منصور في الرجعة.
أقول: ورد وصف الإمام المهدي (عليه السلام) بأنه منصور في أكثر من حديث، كما ورد
لقباً له في تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً
فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ
كَانَ مَنْصُوراً). (الإسراء: ٣٣) كما ورد اسماً أو لقباً لوزيره المنصور
اليماني.. الخ.
أما السفاح فلعله ورد وصفاً للإمام المهدي (عليه السلام) لأنه يُنهي الظلم ويسفح دم
أعداء الله تعالى. وقد كان المسلمون يتداولون أسماء هؤلاء الموعودين ويتصورون أنهم
سيظهرون قريباً! وكان اليمانيون يفتخرون بالمنصور الموعود منهم وزير المهدي (عليه
السلام) وكان القرشيون المتعصبون ينفون ذلك عن اليمانيين ويدعون أنه منهم! فقد روى
ابن حماد: ١/١٢٠و٣٨٣ وعنه الحاوي: ٢/٧٩، والبرهان/١٦٨، أن ابن عمرو العاص كان يقول
لليمانيين: يا معشر اليمن تقولون إن المنصور منكم، والذي نفسي بيده إنه لقرشي أبوه
ولو أشاء أن اسميه إلى أقصى جد هو له لفعلت). انتهى.
وفي هذا الجو من التنافس على ادعاء الشخصيات الموعودة في أحاديث النبي (صلى الله
عليه وآله)، تبنى العباسيون اسماء السفاح والمنصور والمهدي، وسموا بهم ملوكهم.
النعماني/٦٧، بسندين عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله (عزَّ وجلَّ) اختار من كل شيء شيئاً.
اختار من الأرض مكة، واختار مكة المسجد، واختار من المسجد الموضع الذي فيه الكعبة،
واختار من الأنعام إناثها ومن الغنم الضأن، واختار من الأيام يوم الجمعة، واختار من
الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، واختار من الناس بني هاشم، واختارني
وعلياً من بني هاشم، واختار مني ومن علي الحسن والحسين، وتكملة اثني عشر إماماً من
ولد الحسين، تاسعهم باطنهم وهو ظاهرهم وهو أفضلهم وهو قائمهم، ينفون عنه تحريف
الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين). وفي إثبات الوصية/٢٢٥، قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله): إن الله (عزَّ وجلَّ) اختار من الأيام يوم الجمعة ومن الليالي
ليلة القدر ومن الشهور شهر رمضان واختارني من الرسل، واختار مني علياً، واختار من
علي الحسن والحسين، واختار منهما تسعة، تاسعهم قائمهم وهو ظاهرهم وهو باطنهم).
ومثله كمال الدين: ١/٢٨١، ودلائل الإمامة/٢٤٠، وفيه: أئمة ينفون.. ومقتضب الأثر/٩،
عن جابر وفيه: واختار من الحسين حجة العالمين، تاسعهم قائمهم أعلمهم أحكمهم. ونحوه
في/١٠٩.
وفي المسلك في أصول الدين/٢٧٣، عن ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
إن الله إطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارني منها، ثم اطلع ثانية فاختار منها علياً وهو
أبو سبطيَّ الحسن والحسين. إن الله جعلني وإياهم حججاً على عباده، وجعل من صلب
الحسين (عليه السلام) أئمة يقومون بأمري، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أمتي.
ونحوه الهداية الكبرى/٣٦٢، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وفيه: إن الله (عزَّ
وجلَّ) اختار من الأيام الجمعة ومن الليالي ليلة القدر ومن الشهور شهر رمضان،
واختار جدي رسول الله
من
الرسل واختار منه علياً واختار من علي الحسن والحسين واختار من الحسين تسعة أئمة،
وتاسعهم ظاهرهم وباطنهم، وهو سمي جده وكنيُّه). وغيبة الطوسي/٩٣، مختصراً.
وفي/٣٧٤، عن الحسين (عليه السلام) قال: دخلت أنا وأخي الحسن على جدي رسول الله (صلى
الله عليه وآله) فأجلسني على فخذه وأجلس أخي على فخذه الآخر وقبلنا وقال: بأبي وأمي
أنتما من إمامين زكيين صالحين، اختاركما الله (عزَّ وجلَّ) مني ومن أبيكما وأمكما
واختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة، تاسعهم قائمهم، وكلاكما في المنزلة سواء).
وفي تقريب المعارف/١٨٢، نص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أن الأئمة من بعده
إثنا عشر (عليهم السلام) كقوله (عليه السلام) للحسين بن علي (صلى الله عليه وآله):
أنت إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة حجج تسع، تاسعهم قائمهم أعلمهم أحكمهم أفضلهم).
ونحوه/٤١٩، عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى
الله عليه وآله). وفي/٤٤٧، عن سلمان قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد
أجلس الحسين بن علي (صلى الله عليه وآله) على فخذه وتفرس في وجهه ثم قال: إمام ابن
إمام أبو أئمة حجج تسع، تاسعُهم قائمُهم أحلمُهم أعلمُهم. وفي/٤٢٥، عن أبي جعفر (عليه
السلام) قال: تاسعهم قائمهم.
وفي أمالي الصدوق/٥٠٤، عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): لما عرج بي إلى السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى ومن السدرة إلى حجب
النور، ناداني ربي جل جلاله: يا محمد أنت عبدي وأنا ربك فلي فاخضع، وإياي فاعبد،
وعلي فتوكل، وبي فثق، فإني قد رضيت بك عبداً وحبيباً ورسولاً ونبياً، وبأخيك علي
خليفة وباباً، فهو حجتي على عبادي وإمام لخلقي، به يعرف أوليائي من أعدائي، وبه
يميز حزب الشيطان من حزبي، وبه يقام ديني وتحفظ حدودي وتنفذ أحكامي، وبك وبه
وبالأئمة من ولده أرحم عبادي وإمائي، وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي
وتقديسي وتكبيري وتمجيدي، وبه أطهر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي، وبه أجعل كلمة
الذين كفروا بي السفلى وكلمتي العليا، وبه أحيي عبادي وبلادي بعلمي، وله أظهر
الكنوز والذخائر بمشيتي، وإياه أظهر
على
الأسرار والضمائر بإرادتي، وأمده بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري وإعلان ديني. ذلك
وليي حقا ومهدي عبادي صدقاً).
المهدي (عليه السلام) مُحَدَّثٌ تُحدثه الملائكة
تفسير القمي: ٢/٦٥: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا
خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً): قال: ما بين أيديهم ما مضى من
أخبار الأنبياء وما خلفهم من أخبار القائم (عليه السلام)، وقوله: (وَعَنَتِ
الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظلماً)، أي ذلت.
وأما قوله: (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً)، يعني ما
يحدث من أمر القائم (عليه السلام) والسفياني). وعنه البحار: ٥١/٤٦.
أخذ الله الميثاق للمهدي (عليه السلام)
البصائر/٧٠، عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى حيث
خلق الخلق خلق ماءً عذباً وماءً مالحاً أجاجاً فامتزج الماءان، فأخذ طيناً من أديم
الأرض فعركه عركاً شديداً فقال لأصحاب اليمين وهم فيهم كالذر يدبون: إلى الجنة
بسلام، وقال لأصحاب الشمال يدبون: إلى النار ولا أبالي. ثم قال: (أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا
كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)، قال: ثم أخذ الميثاق على النبيين فقال (أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ) ثم قال: وأن هذا محمد رسول الله وأن هذا علي أمير المؤمنين؟
قالوا: بلى. فثبتت لهم النبوة وأخذ الميثاق على أولي العزم ألا إني ربكم، ومحمد
رسولي، وعلي أمير المؤمنين، وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي، وأن المهدي
أنتصر به لديني، وأظهر به دولتي، وأنتقم به من أعدائي، وأعبد به طوعاً وكرهاً؟
قالوا: أقررنا وشهدنا يا رب. ولم يجحد آدم ولم يقر فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في
المهدي، ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به وهو قوله (عزَّ وجلَّ): (وَلَقَدْ
عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً). قال:
إنما يعني فترك. ثم أمر ناراً فأججت فقال لأصحاب الشمال: أدخلوها فهابوها، وقال
لأصحاب اليمين: أدخلوها فدخلوها فكانت عليهم برداً وسلاماً، فقال أصحاب الشمال: يا
رب أقلنا، فقال: قد
أقلتكم إذهبوا فادخلوها فهابوها، فثم ثبتت الطاعة والمعصية والولاية). ومثله الكافي:
٢/٨، بتفاوت يسير، ومختصر البصائر/١٥٤، وإثبات الهداة: ١/٤٦١، والبحار: ٢٦/٢٧٩.
أقول: إذا صحت الرواية فينبغي أن تكون نسبة ذلك إلى آدم (عليه السلام) قبل نزوله
إلى الدنيا، واجتباء الله له وجعله نبياً معصوماً (عليه السلام).
المهدي (عليه السلام) أحد أربعة أمر الله نبيه (صلى الله عليه وآله) بحبهم
كشف اليقين/١١٧، عن الفردوس، عن جابر بن عبد الله، عن النبي (صلى الله عليه وآله):
الجنة تشتاق إلى أربعة من أهلي، قد أحبهم الله وأمرني بحبهم: علي بن أبي طالب
والحسن والحسين والمهدي الذي يصلي خلفه عيسى بن مريم). وعنه كشف الغمة: ١/٥٢.
تُرافقهُ غمامةٌ تُظِلُّه وفيها ملَك
بيان الشافعي/٥١١، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
يخرج المهدي على رأسه غمامة، فيها مناد ينادي: هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه. وقال:
هذا حديث حسن ما رويناه إلا من هذا الوجه، أخرجه أبو نعيم في مناقب المهدي (عليه
السلام). ومثله عقد الدرر/١٣٥، وفرائد السمطين: ٢/٣١٦، كما في بيان الشافعي بتفاوت
يسير، وفيه: هذا المهدي فاتبعوه. وعنه الفصول المهمة/٢٩٨، وقال: روته الحفاظ كأبي
نعيم، والطبراني، وغيرهما. ومثله تاريخ الخميس: ٢/٢٨٨، عن أبي نعيم، وفرائد فوائد
الفكر/٣٠، وكفاية الطالب/٥١١، عن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
يخرج المهدي على رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه). انتهى.
وفي بعض الروايات على رأسه عمامة بالعين وهو تصحيف.
وفي تلخيص المتشابه: ١/٤١٧، عن عبد الله بن عمرو عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي إن هذا المهدي فاتبعوه). وبيان الشافعي/٥١٢، عن
ابن عمرو وقال: قلت: هذا حديث حسن روته الحفاظ والأئمة من أهل الحديث كأبي نعيم
والطبراني وغيرهما. ومثله المغربي/٥٧٣، وحسَّنه. والشاميين للطبراني: ٢/٧١، كبيان
الشافعي. وفي مواليد الأئمة ووفياتهم (عليهم السلام) /٢٠١ مرسلاً: غمامة تظله من
الشمس تدور معه حيثما دار، تنادي بصوت فصيح هذا المهدي. والصراط المستقيم: ٢/٢٦٠،
وفيه: وروى ابن المنادي: يفهمه كل قوم بلسانهم). وعنه إثبات الهداة: ٣/٦١٥.
النعماني/٢١٢، عن الحسين بن علي (عليهم السلام) قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه
السلام)، فقال له: يا أمير المؤمنين نبئنا بمهديكم هذا؟ فقال: إذا درج الدارجون وقلَّ
المؤمنون وذهب المجلبون، فهناك هناك، فقال: يا أمير المؤمنين ممن الرجل؟ فقال: من
بني هاشم من ذروة طود العرب وبحر مغيضها إذا وردت، ومخفر أهلها إذا أُتيت، ومعدن
صفوتها إذا اكتدرت، لا يجبن إذا المنايا هكعت، ولا يخور إذا المنون اكتنعت، ولا
ينكل إذا الكماة اصطرعت، مشمرٌ مغلولب ظفرٌ ضرغامة، حصد مخدش ذكر، سيف من سيوف الله،
رأس قثم، نشو رأسه في باذخ السؤدد وغارز مجده في أكرم المحتد، فلا يصرفنك عن بيعته
صارف عارض ينوص إلى الفتنة كل مناص، إن قال فشر قائل وإن سكت فذو دعاير. ثم رجع إلى
صفة المهدي (عليه السلام) فقال: أوسعكم كهفاً وأكثركم علماً وأوصلكم رحماً، اللهم
فاجعل بعثه خروجاً من الغُمة، واجمع به شمل الأمة. فإن خار الله لك فاعزم ولا تنثنِ
عنه إن وُفقت له، ولا تجوزنَّ عنه إن هديت إليه، هاه - وأومأ بيده إلى صدره - شوقاً
إلى رؤيته). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٣٧، والبحار: ٥١/١١٥.
تظهر على يده معجزات الأنبياء (عليهم السلام)
إثبات الهداة: ٣/٧٠٠، عن إثبات الرجعة للفضل بن شاذان بسندين، قال: ما من معجزة من
معجزات الأنبياء والأوصياء إلا ويظهر الله تبارك وتعالى مثلها في يد قائمنا، لإتمام
الحجة على الأعداء). ومثله أربعون الخاتون آبادي/٦٧.
النعماني/٢٤٥، عن خلاد بن الصفار قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) هل ولد
القائم (عليه السلام)؟ فقال: لا، ولو أدركته لخدمته أيام حياتي). وعقد الدرر/١٦٠،
والبحار: ٥١/١٤٨.
حتى المتعصبين لأبي بكر وعمر فضلوه عليهما
ابن أبي شيبة: ١٥/١٩٨: أبو اسمة، عن عوف، عن محمد(بن سيرين) قال: يكون في هذه الأمة
خليفة لا يفضل عليه أبو بكر ولا عمر). ومثله الداني/٨١، وعنه تاريخ
الخميس: ٢/٢٨٨. وفي ابن حماد: ١/٣٥٨، عنه ذكر فتنة تكون فقال: إذا كان ذلك فاجلسوا
في بيوتكم حتى تسمعوا على الناس بخير من أبي بكر وعمر، قيل: يا أبا بكر، خير من أبي
بكر وعمر؟ قال: قد كان يفضل على بعض الأنبياء. وعنه حاوي السيوطي: ٢/٧٧، والقول
المختصر/٢٧، وفي ابن حماد: ١/٣٥٨، عن ابن سيرين قيل له: المهدي خير أو أبو بكر وعمر
(رضي الله عنهما)؟ قال: هو خير منهما ويعدل بنبي! وعنه عقد الدرر/١٤٨، وتاريخ
الخميس: ٢/٢٨٩، والقول المختصر/١٠٩.
أقول: هذه الأقوال اجتهادات من تابعين لا يمكن أن تكون أحاديث نبوية، فلو صح أن
النبي (صلى الله عليه وآله) نص على أن أبا بكر وعمر أفضل الأمة لرفعاه علماً واحتجا
به في السقيفة على استحقاقهما الخلافة. لكنا نوردها لأنها تدل على مكانة المهدي (عليه
السلام) عند أتباع أبي بكر وعمر وأن بعضهم يفضلونه عليهما! لكن يكفي أن يفكروا في
تسمية الله له بالمهدي (عليه السلام)، فهو مقام العصمة الكاملة، ولم يدَّعه أحد
لأبي بكر وعمر.
الفردوس: ٤/٢٢٢، عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله): المهدي طاووس أهل
الجنة. وعنه بيان الشافعي/٥٠١. وفي ابن حماد: ١/٣٦٤، عن كعب قال: المهدي خاشع لله
كخشوع النسر بجناحه. وملاحم ابن طاووس/٧٣، وقال: فيما ذكره نعيم في خشوع المهدي:
وفيه: كخشوع الزجاجة. وشبه خشوعه بخضوع النسر بجناحيه: لأنه يخفضهما عند مشيه أو
طيرانه. وكخشوع الزجاجة: أي شفاف الروح كالزجاجة.
* * *
الفصل الحادي عشر: مدة ملك الإمام المهدي (عليه السلام) وما يكون بعده
تفاوت الروايات في مدة حكم الإمام المهدي (عليه السلام)
١ - فالمشهور في مصادر السنيين أنه يحكم سبع سنين أو تسعاً، لكنهم رووا ما يعارضها،
فقد عقد نعيم بن حماد فصلاً في كتابه الفتن: ١/٣٧٦، بعنوان: قدر ما يملك المهدي،
وروى فيه قولاً لأرطاة: (يبقى المهدي أربعين عاماً)، وروى عدة أحاديث عن أبي سعيد
الخدري وغيره، منها: المهدي يعيش في ذلك يعني بعدما يملك سبع سنين أو ثمان أو تسع..
يكون المهدي في أمتي إن قصر فسبعاً وإلا فثمان وإلا فتسعاً.. عن أبي زرعة عن صباح
قال: يمكث المهدي فيكم تسعاً وثلاثين سنة يقول الصغير يا ليتني قد بلغت ويقول
الكبير يا ليتني صغيراً.. عن ضمرة بن حبيب قال: حياة المهدي ثلاثون سنة... عن الصقر
بن رستم عن أبيه قال: يملك المهدي سبع سنين وشهرين وأيام.. عن دينار بن دينار قال:
بقاء المهدي أربعون سنة وقال أحدهما مرة أربعين ومرة أربع وعشرين.. عن الزهري قال
يعيش المهدي أربع عشرة سنة ثم يموت موتاً.. عن علي قال: يلي المهدي أمر الناس
ثلاثين أو أربعين سنة). انتهى.
والإشكال على رواية السبع سنين ونحوها: أن مهمة الإمام (عليه السلام) استثمار جهود
جميع الأنبياء (عليهم السلام) خاصة نبينا (صلى الله عليه وآله)، وإقامة دولة العدل
الإلهي العالمية، وهو مشروع ضخم لا يكفي له بضع سنين. وستعرف أن سبب روايتها اشتباه
من الراوي.
٢ - أطول مدة رويت في مدة حكمه (عليه السلام) أنه يحكم عدد سنيِّ أهل الكهف ثلاث
مئة وتسع سنين، ففي دلائل الإمامة/٢٤١، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: سألته
متى يقوم قائمكم؟ قال: يا أبا الجارود لا تدركون. فقلت: أهل زمانه فقال: ولن تدرك
أهل زمانه، يقوم قائمنا بالحق بعد إياس من الشيعة، يدعو الناس ثلاثاً فلا يجيبه
أحد، فإذا كان اليوم الرابع تعلق بأستار الكعبة فقال: يا رب انصرني، ودعوته لا
تسقط، فيقول تبارك وتعالى للملائكة الذين نصروا رسول الله يوم بدر ولم يحطوا سروجهم
ولم يضعوا أسلحتهم، فيبايعونه ثم يبايعه من الناس ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، يسير
إلى المدينة فيسير الناس حتى يرضى الله (عزَّ وجلَّ) فيقتل ألفاً وخمسمائة قرشي ليس
فيهم إلا فرخ زنية.. ويهدم قصر المدينة ويسير إلى الكوفة فيخرج منها ستة عشر ألفاً
من البترية شاكين في السلاح، قراء القرآن فقهاء في الدين قد قرحوا جباههم وسمَّروا
ساماتهم (بكثرة صلاتهم) وعمهم النفاق وكلهم يقولون: يا ابن فاطمة ارجع لا حاجة لنا
فيك فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية الإثنين من العصر إلى العشاء فيقتلهم أسرع
من جزر جزور فلا يفوت منهم رجل، ولا يصاب من أصحابه أحد، دماؤهم قربان إلى الله! ثم
يدخل الكوفة فيقتل مقاتليها حتى يرضى الله. قال: فلم أعقل المعنى فمكثت قليلاً ثم
قلت: جعلت فداك وما يدريه جعلت فداك متى يرضى الله (عزَّ وجلَّ)؟ قال: يا أبا
الجارود إن الله أوحى إلى أم موسى وهو خير من أم موسى، وأوحى الله إلى النحل وهو
خير من النحل، فعقلت المذهب! فقال لي: أعقلت المذهب؟ قلت: نعم. فقال: إن القائم
ليملك ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أصحاب الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً
كما ملئت ظلماً وجوراً،
ويفتح الله عليه شرق الأرض وغربها. يقتل الناس حتى لا يرى إلا دين محمد (صلى الله
عليه وآله). يسير بسيرة سليمان بن داود، يدعو الشمس والقمر فيجيبانه، وتطوى له
الأرض فيوحي الله إليه فيعمل بأمر الله). ومثله غيبة الطوسي/٢٨٣، و٤٧٤، بتفاوت
يسير، وفيه: كما لبث أهل الكهف في كهفهم. يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً
وجوراً، ويفتح الله له شرق الأرض وغربها، ويقتل الناس حتى لا يبقى إلا دين محمد
(صلى الله عليه وآله)). وعنه تاج المواليد/١٥٣، وإثبات الهداة: ٣/٥١٦، والبحار:
٥٢/٢٩١، وفي/٣٩٠، عن الغيبة للسيد علي بن عبد الحميد، وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٨٤.
وحلية الأبرار: ٢/٥٩٨، بتفاوت عن مسند فاطمة (عليها السلام)، وإعلام الورى: ٢/٢٩٣،
وقال في الصراط المستقيم: ٢/٢٦٣: وفي كتاب علي بن حسان الواسطي: يملك القائم
ثلاثمائة وتسع سنين).
٣ - روى الجميع عن أمير المؤمنين وعن الإمام الحسن (عليهما السلام) وابن عباس، أن
دولة أهل البيت (عليهم السلام) تكون أضعاف دولة بني أمية، ففي شرح الأخبار: ٢/٢٨٩،
عن أبي سالم قال: كنا مع علي (عليه السلام) بالكوفة فقال يوماً من الأيام ونحن
عنده: إني سبطٌ من الأسباط أقاتل على حق ليقوم ولن يقوم، والأمر لهم فإذا كثروا
فتنافسوا بعث الله (عزَّ وجلَّ) عليهم أقواماً من هذا المشرق فقتلهم بدداً وأحصاهم
بهم عدداً. والله لا يملكون سنة إلا ملكنا سنتين ولا يملكون سنتين إلا ملكنا
أربعاً، وما من فئة تخرج إلى يوم القيامة إلا ولو شئت لسميت لكم سائقها وناعقها.
قال: فقلت لأصحابي: فما المقام وقد أخبركم أن الأمر لهم؟! قالوا: لا شيء. واستأذناه
إلى مصر. فأذن لمن شاء، وأقام معه قوم منا). انتهى. وفي ابن حماد: ١/١٩٣: عن علي
(عليه السلام) أنه قال: الأمر لهم حتى يقتلوا قتيلهم ويتنافسوا بينهم فإذا كان ذلك
بعث الله عليهم أقواماً من المشرق فقتلوهم بدداً وأحصوهم عدداً! والله لا يملكون
سنة إلا ملكنا سنتين ولا يملكون سنتين إلا ملكنا أربعاً). وعنه ابن طاووس/٣١ و١٧٥
و٣٣٩، وكنز العمال: ١١/٣٦٤، والنهاية: ٦/٢٧٤. وفي تاريخ الخلفاء/١١، عن الموفقيات.
وفي شرح الأخبار: ٣/٩٦، عن الحسن بن علي (عليهما السلام) أنه مر في مسجد رسول الله
(صلى الله عليه وآله) بحلقة فيها قوم من بني أمية، فتغامزوا به وذلك عندما تغلب
معاوية على ظاهر أمره. فرآهم وتغامزهم به. فصلى ركعتين ثم جاءهم، فلما رأوه جعل كل
واحد منهم يتنحى عنه مجلسه له، فقال لهم: كونوا كما أنتم فإني لم أرد الجلوس
معكم ولكن قد رأيت تغامزكم بي: أما والله لا تملكون يوماً إلا ملكنا يومين، ولا
شهراً إلا ملكنا شهرين، ولا سنة إلا ملكنا سنتين! وإنا لنأكل في سلطانكم ونشرب
ونلبس ونركب وننكح، وأنتم لا تأكلون في سلطاننا ولا تشربون ولا تلبسون ولا تنكحون.
فقال له رجل: وكيف يكون ذلك يا أبا محمد وأنتم أجود الناس وأرأفهم وأرحمهم، تأمنون
في سلطان القوم ولا يأمنون في سلطانكم؟ فقال: لأنهم عادونا بكيد الشيطان وكيد
الشيطان كان ضعيفاً، وإنا عاديناهم بكيد الله وكيد الله شديد)! ومثله مناقب آل أبي
طالب: ٣/١٧٥، وبحار الأنوار: ٤٤/٩٠.. الخ.
وتقدم قول ابن عباس من أمالي المفيد/١٤، جواباً على ادعاء معاوية المهدية مقابل
مهدي أهل البيت (عليهم السلام)، قال: وأما افتخارك بالملك الزائل الذي توصلت إليه
بالمحال الباطل فقد ملك فرعون من قبلك فأهلكه الله. وما تملكون يوماً يا بني أمية
إلا ونملك بعدكم يومين، ولا شهراً إلا ملكنا شهرين، ولا حولاً إلا ملكنا حولين).
والدر المنثور: ٢/١٧٣، عن الزبير بن بكار في الموفقيات، وأخبار الدولة العباسية/٥٢.
قد يقال: إن دولة أهل البيت تبدأ بحكم الإمام المهدي (عليه السلام) فقد يكون حكمه
قصيراً ثم يحكم غيره من أهل البيت (عليه السلام). والجواب: أن هذا معارض بما دل على
طول حكمه (عليه السلام)، كما أنه اعترافٌ بردِّ روايتهم بقصر حكمه وانتهاء دولة
العدل الإلهي.
٤ - ورد أنه يعيش عمر الخليل إبراهيم (عليه السلام)، وأنه يظهر كابن ثلاثين سنة،
ورواية ذلك متفاوتة، يفهم من بعضها أنه يحكم تسعين سنة، وبعضها صرح بأنه يحكم
أربعين سنة. ففي غيبة النعماني/١٨٩، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)
قال: القائم من ولدي، يُعَمِّر عمر الخليل عشرين ومائة سنة يُدرى به، ثم يغيب غيبة
في الدهر ويظهر في صورة شاب موفق ابن اثنين وثلاثين سنة، حتى ترجع عنه طائفة من
الناس، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).
وفي دلائل الإمامة/٢٥٨، عن أبي عبد الله قال: القائم من ولدي يعمر عمر خليل
الرحمن، يقوم في الناس وهو ابن ثلاثين سنة، ويلبث فيها أربعين سنة، يملأ الأرض
قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً). وفي غيبة الطوسي/٢٥٩: إن ولي الله عمر عمر
إبراهيم الخليل عشرين ومائة سنة، ويظهر في صورة فتى موفق ابن ثلاثين سنة). وعنه
إثبات الهداة: ٣/٥١١، والبحار: ٥٢/٢٨٧.
٥ - ورد في مصادر الطرفين أن السنين تطول في عصره، فتكون السبع سنين سبعين سنة. ففي
الإرشاد/٣٦٥، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل قال: إذا قام القائم سار إلى
الكوفة فهدم بها أربعة مساجد، ولم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف إلا هدمها وجعلها
جماء، ووسع الطريق الأعظم وكسر كل جناح خارج في الطريق وأبطل الكنف والميازيب إلى
الطرقات، ولا يترك بدعة إلا أزالها ولا سنة إلا أقامها ويفتح قسطنطينية والصين
وجبال الديلم، فيمكث على ذلك سبع سنين كل سنة عشر سنين من سنينكم هذه ثم يفعل الله
ما يشاء. قال قلت له: جعلت فداك فكيف يطول السنين؟ قال: يأمر الله تعالى الفلك
باللبوث وقلة الحركة فتطول الأيام لذلك والسنون. قال قلت له: إنهم يقولون: إن الفلك
إن تغير فسد، قال: ذلك قول الزنادقة فأما المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك، وقد شق
الله تعالى القمر لنبيه (صلى الله عليه وآله) ورد الشمس من قبله ليوشع بن نون (عليه
السلام) وأخبر بطول يوم القيامة وأنه كألف سنة مما تعدون). ومثله روضة الواعظين:
٢/٢٦٤، وإعلام الورى/٤٣٢، وعنه كشف الغمة: ٣/٢٥٦.
وفي الإرشاد: ٢/٣٨١: (روى عبد الكريم الخثعمي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): كم يملك القائم؟ قال: سبع سنين، تطول له الأيام والليالي حتى تكون السنة
من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم، فيكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه). والغيبة
للطوسي/٤٧٤. راجع أيضاً٢٨٣، والصراط المستقيم: ٢/٢٥١، والمستجاد من الإرشاد/٢٦٢،
والبحار: ٥٢/٢٩١ و٣٨٦، وروضة الواعظين/٢٦٤، وعقد الدرر/٢٢٤، وإثبات الهداة: ٣/٦٢٤.
وفي إثبات الهداة: ٣/٥٥٧، عن الاختصاص وقال: (قد مر ما يعارض هذا ظاهراً ولعل ما
نقص عن هذا يكون بعد استيلائه على الأرض كلها، ولا منافاة في
إطلاقهما، وقد مر أن كل سنة تكون بمقدار عشر سنين، والله تعالى أعلم).
٦ - ثبت عندنا استحباب الدعاء لكل إمام معصوم، ومنهم الإمام المهدي (عليهم السلام)
بهذا الدعاء: اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً
وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً.
(مصباح المتهجد/٦٣٠، وإقبال الأعمال: ١/١٩١).
وفي الكافي: ٤/١٦٢، محمد بن عيسى بإسناده عن الصالحين (عليهم السلام) قال: تكرر في
ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ساجداً وقائماً وقاعداً وعلى كل حال، وفي
الشهر كله وكيف أمكنك ومتى حضرك من دهرك، تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى والصلاة
على النبي (صلى الله عليه وآله): اللهم كن لوليك فلان بن فلان في هذه الساعة، وفي
كل ساعة ولياً وحافظاً وناصراً ودليلاً وقائداً وعيناً، حتى تسكنه أرضك طوعاً
وتمتعه فيها طويلاً). والمزار لابن المشهدي/٦١١. فهذا دعاءٌ صادرٌ من المعصوم (عليه
السلام). وقوله (عليه السلام) وتمتعه فيها طويلاً، لا يتناسب مع حكمه مدة قصيرة
كسبع سنين.
٧ - ورد في مصادر الطرفين أنه يحكم تسع سنوات أو عشراً! ففي ابن حماد: ٢/٦٨٩، عن
أبي سعيد عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يملك المهدي سبع ثمان تسع سنين. وفي
فضل الكوفة/٢٥، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يملك المهدي
تسعاً أو عشراً، أسعد الناس به أهل الكوفة). وينابيع المودة/٤٤٩، وغيره.
٨ - ورد في مصادر الطرفين أنه يحكم تسع عشرة سنة، ففي النعماني/٣٣١ و٣٣٢ و٣٥٣، بعدة
طرق عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يملك القائم (عليه السلام) تسع عشرة سنة
وأشهراً). ومثله عقد الدرر/٢٣٩، وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٤٧، والبحار: ٥٢/٢٩٨. وفي
مختصر البصائر/١٩٣: فمن ذلك ما رويناه عن النعماني... عن أبي عبد الله (عليه
السلام) أنه قال: يملك القائم تسع عشرة سنة وأشهراً... الخ. ثم قال: فأين موقع هذه
التسع عشرة سنة وأشهر من الدعاء له
بطول العمر والتمتع في الأرض طويلاً؟! الذي يظهر من هذا ويتبادر إليه الذهن أنه
يكون أطول من الزمان الذي انقضى في غيبته وعمره الشريف اليوم ينيف على الخمسمائة
والثلاثين سنة، ويدل على ما قلناه ما تقدم ورويناه عن الصادق (عليه السلام) أنه
سئل: أي العمرين له أطول؟ قال: الثاني بالضعف، وهذا صريح في رجعته). انتهى.
٩ - روى ابن حماد: ١/٣٧٨، عن علي (عليه السلام) قال: يلي المهدي أمر الناس ثلاثين
أو أربعين سنة). وعنه بيان الشافعي/٤٩٥، وقال: رواه الحافظ أبو نعيم في مناقب
المهدي (عليه السلام) عن الطبراني وجمع طرقه. وعقد الدرر/٢٤٠، وجمع الجوامع: ٢/١٠٤،
والحاوي: ٢/٧٩، وغيرها.
ملاحظات
الأولى: يظهر أن أصل الأحاديث التي تذكر أن مدة حكمه (عليه السلام) سبع سنين: هو
الحديث إجابة النبي (صلى الله عليه وآله) أجاب على سؤال عن مدة حكمه فعقد بيده
الشريفة أصابعها الخمس، ثم عقد من الثانية إصبعين، ففسره الرواة بسبع، ثم صحفت في
النسخ بتسع. لكن قد يكون قصد النبي (صلى الله عليه وآله) سبع مراحل أو سبعة عقود
مثلاً، فحصروها بالسنين، وهذا عدد من رواياتها: روى الحاكم: ٤/٥٥٧، وصححه على شرط
مسلم، عن أبي سعيد: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المهدي منا أهل البيت أشم
الأنف أقنى أجلى، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يعيش هكذا وبسط
يساره وإصبعين من يمينه: المسبحة والإبهام، وعقد الثلاثة). وأشم الأنف أقنى: مرتفع
قصبة الأنف عاليه مع استواء ودقة وإشراف قليل في أرنبته. أجلى: منحسر الشعر عن
جبهته.
وفي المعجم الأوسط: ١٠/٢٠٩، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلى الله عليه وآله)
قال: يملك رجل من أهل بيتي أجلى الجبهة أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما
ملئت ظلماً وجوراً، يعيش هكذا، وبسط كفه اليمنى وبسط إلى جنبها إصبعين، وبسط كفه
اليسرى). ومثله فرائد السمطين: ٢/٣٣٠، بروايتين، وعقد الدرر/٣٣، أوله كالحاكم.
وفي جمع الفوائد: ٣/١٨١، عن أبي سعيد: قال النبي (صلى الله عليه وآله): منا أهل
البيت أشم الأنف أقنى أجلى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يعيش
هكذا وبسط يساره وإصبعين من يمينه|: السبابة والإبهام وعقد ثلاثة). ونحوه ابن
طاووس/١٦٦.
وفي مسند أبي يعلى: ١٢/١٩، عن أبي هريرة قال: حدثني خليلي أبو القاسم (صلى الله
عليه وآله) قال: لا تقوم الساعة حتى يخرج عليهم رجل من أهل بيتي فيضربهم حتى يرجعوا
إلى الحق، قال قلت: وكم يكون؟ قال: خمس واثنين، قال قلت: ما خمس واثنين؟ قال: لا
أدري! وقال في مجمع الزوائد: ٧/٣١٥: رواه أبو يعلى، وفيه المرجى بن رجاء وثقه أبو
زرعة وضعفه ابن معين، وبقية رجاله ثقات. ووثقه الحافظ المغربي/٥٥٧، وقال: استشهد به
البخاري وعلق له بصيغة الجزم، وقال الدارقطني ثقة). انتهى.
أقول: لعل هذه النصوص التي تذكر أن النبي (صلى الله عليه وآله) عقد بيده خمساً
واثنين، من أدق النصوص المروية في مدة حكم المهدي (عليه السلام) وهي تشير إلى أن
المقصود بالسبع المراحل وليس السنين، ويبدو أنها الأساس لقول الرواة: سبع سنين،
وصحفت بتسع. وقد تكون هذه الرواية إشارة نبوية إلى تغير الزمان في عصر المهدي (عليه
السلام) بحدوث تطور في حياة الناس وحسابهم. ومهما يكن فهي معارضة بالروايات التي
تصل بمدة حكمه (عليه السلام) إلى ثلاث مئة وتسع سنين، وهي المرجحة عندنا لصحة سندها
وموافقتها لمنطق الأمور.
الملاحظة الثانية: يحتمل أن يكون بعض الرواة خلطوا بين الهدنة التي تكون بين الإمام
المهدي (عليه السلام) والروم، والتي ورد أنها تدوم سبع سنين فتصوروها مدة ملكه! ففي
الطبراني الكبير: ٨/١٠١ و١٢٠، عن أبي أمامة يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): سيكون بينكم وبين الروم أربع هدن، يوم الرابعة على يد رجل من أهل هرقل يدوم
سبع سنين. فقال له رجل من عبد القيس يقال له المستورد بن خيلان يا رسول الله من
إمام الناس يومئذ قال من ولد أربعين سنة كأن وجهه كوكب دري في خده الأيمن
خال أسود عليه عباءتان قطوايتان كأنه من رجال بني إسرائيل يملك عشرين سنة يستخرج
الكنوز ويفتح مدائن الشرك). ونحوه مسند الشاميين: ٢/٤١٠، وعقد الدرر للسلمي/١٥، عن
أبي نعيم، ونحوه/٣٦. والإصابة: ٦/٧١ ونحوه: ٣/٤٠٧، وأسد الغابة: ٤/٣٥٣ والفصول
المهمة/٢٩٨، وجمع الجوامع: ١/٥٤٥، وصواعق بن حجر/٩٨، وبيان الشافعي/٥١٤، عن أبي
نعيم، ومثله أسد الغابة: ٤/٣٥٣، وفرائد السمطين: ٢/٣١٤، وكشف الغمة: ٣/٢٦٠، وعنه
إثبات الهداة: ٣/٥٩٣، والبحار: ٥١/٨٠. وضعفه في مجمع الزوائد: ٧/٣١٩، ورده ابن حجر
في لسان الميزان: ٤/٣٨٣)!
ومعنى يوم الرابعة: أي عقد الهدنة الرابعة. والعباءة القطوانية: البيضاء القصيرة
الخمل. كأنه من رجال بني إسرائيل: أي جميل يشبه في كمال بدنه أبناء يعقوب وإبراهيم
(عليهما السلام).
الملاحظة الثالثة: تدخل الحياة على الأرض في عصر الإمام المهدي (عليه السلام) مرحلة
جديدة أو طوراً جديداً كلياً، من معالمه: الانفتاح على العوالم والكواكب الأخرى في
الكون، وإحياء الله تعالى لعدد من الأموات، وبدء حركة الرجوع من الآخرة والجنة! فلا
بد أن نأخذ هذه التطورات بعين الاعتبار في مدة حكم الإمام المهدي ومن بعده من
الأئمة (عليهم السلام). ولعل هذا هو السبب في أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم
يذكر السنين لأنه يتبادر إلى الذهن منها السنين وحركة الزمن والحياة التي نعرفها،
مع أن الحياة تصل إلى نمط آخر. وبذلك نفسر تفاوت الروايات عن الأئمة (عليهم السلام)
ونص عدد منها على إحياء الأموات والرجعة، وموت الإمام المهدي (عليه السلام) ورجعته!
ففي الإرشاد: ٢/٢١١، عن عبد الكريم الخثعمي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
كم يملك القائم؟ قال: سبع سنين، تطول له الأيام والليالي حتى تكون السنة من سنيه
مقدار عشر سنين من سنيكم فيكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه، وإذا آن قيامه مطر
الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطراً لم ير الخلائق مثله، فينبت الله به
لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، فكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون
شعورهم من التراب).
الملاحظة الرابعة: أن دولة أهل البيت (عليهم السلام) تمتد إلى يوم القيامة. ففي
غيبة الطوسي/٢٨٢، وطبعة٤٧٢، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: دولتنا آخر الدول، ولم
يبق أهل
بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا مثل
سيرة هؤلاء، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (والعَاقِبَةُ
لِلمُتَّقِين). ومثله منتخب الأنوار/١٩٤، وإثبات الهداة: ٣/٥١٦،
والإيقاظ/٣٥٧، والبحار: ٥٢/٣٣٢، والإرشاد/٣٦٤، ونحوه روضة الواعظين: ٢/٢٦٥، وإعلام
الورى/٤٣٢، وعنه كشف الغمة: ٣/٢٥٥، وإثبات الهداة: ٣/٥٢٨، والبحار: ٥٢/٣٣٨.
وفي غيبة النعماني/٢٧٤، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ما يكون هذا الأمر حتى
لا يبقى صنف من الناس إلا وقد وَلُوا على الناس حتى لا يقول قائل إنا لو ولينا
لعدلنا، ثم يقوم القائم بالحق والعدل). وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٣٨، والبحار: ٥٢/٢٤٤.
وفي تفسير العياشي: ١/١٩٩، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: (وَتِلْكَ
الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)؟ قال: ما زال مذ خلق الله آدم: دولة
لله ودولة لإبليس، فأين دولة الله؟ أما هو إلا قائم واحد). وعنه إثبات الهداة:
١/١٣٥، والبحار: ٥١/٥٤.
وفي الكافي: ٨/٢٨٧، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله (عزَّ وجلَّ):
(وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ
الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً)؟ قال: إذا قام القائم ذهبت دولة الباطل). وعنه
تأويل الآيات: ٢/٥٤٠، وإثبات الهداة: ٣/٤٥١، والبرهان: ٢/٤٤١، والبحار: ٥١/٦٢، و:
٢٤/٣١٣.
وفي الكافي: ٨/٢٨٧، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله (عزَّ وجلَّ):
(قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا
مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ، إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ): قال: هو
أمير المؤمنين (عليه السلام). (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ
بَعْدَ حِينٍ): قال: عند خروج القائم (عليه السلام). وفي قوله (عزَّ وجلَّ):
(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ
وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي
شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ): قال: اختلفوا كما اختلفت هذه الأمة في الكتاب
وسيختلفون في الكتاب الذي مع القائم الذي يأتيهم به حتى ينكره ناس كثير فيقدمهم
فيضرب أعناقهم. وأما قوله (عزَّ وجلَّ): (أَمْ لَهُمْ
شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْلا
كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ): قال: لولا ما تقدم فيهم من الله (عزَّ وجلَّ) ما أبقى القائم
(عليه السلام) منهم واحداً. وفي قوله (عزَّ وجلَّ): (وَالَّذِينَ
يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ): قال: بخروج القائم (عليه السلام). وفي
قوله (عزَّ وجلَّ): (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا
أَنْ قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا
مُشْرِكِينَ): قال: يعنون بولاية علي (عليه السلام).
وفي قوله (عزَّ وجلَّ): (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ
الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً): قال: إذا قام القائم ذهبت
دولة الباطل). وتأويل الآيات: ٢/٥١٠، أوله، وفي/٥٤٠، آخره، وعنه إثبات الهداة:
٣/٤٥١ والبرهان: ٢/٤٤١، والبحار: ٢٤/٣١٣، و: ٦٩/٢٦٨.
وفي أمالي الصدوق/٣٩٦ (وروضة الواعظين: ٢/٢٦٧، وإثبات الهداة: ٣/٥٥٩، والبحار:
٥١/١٤٣) بسند صحيح عن محمد بن أبي عمير قال: كان الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)
يقول:
لكل أناس دولة يرقبونها * * * ودولتنا في آخر الدهر تظهرُ).
هذا،
وتقدمت في الفصول الأخرى وتأتي، أحاديثُ تدل على استمرار دولتهم (عليهم السلام)
وأنه لا ظلم بعدها، ولا دولة بعدها.
الملاحظة الخامسة: أنه (عليه السلام) يملك عدد سني أهل الكهف ٣٠٩ سنين، وهو المرجح
عندنا لصحة سند بعض أحاديثه ووجود قرائن تؤيده. ففي تفسير العياشي: ٢/٣٢٦، عن جابر
بن يزيد الجعفي: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: والله ليملكن رجل منا أهل البيت
الأرض بعد موته ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً، قال: قلت: فمتى ذلك؟ قال: بعد موت
القائم، قال: قلت: وكم يقوم القائم في عالمه حتى يموت؟ قال: تسع عشرة سنة من يوم
قيامه إلى يوم موته). والنعماني/٣٣١، أوله، عن ابن عقدة، عن جابر الجعفي عن الإمام
الصادق (عليه السلام)، ومثله الاختصاص/٢٥٧، بتفاوت يسير، وغيبة الطوسي/٢٨٦، عن أبي
جعفر (عليه السلام)، ونحوه في مختصر البصائر/٤٩. وفي مختصر البصائر/١٨ و١٠٦، عن
بريدة الأسلمي: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف أنت إذا استيأست أمتي من
المهدي فيأتيها مثل قرن الشمس، يستبشر به أهل السماء وأهل الأرض! فقلت: يا رسول
الله بعد الموت؟ فقال: والله إن بعد الموت هدى وإيماناً ونوراً! قلت: يا رسول الله
أي العمرين أطول؟ قال الآخر بالضعف). ومثله دلائل الإمامة/٢٥٠، وعنه الإيقاظ/٢٨٢.
أقول: تصور المجلسي (رحمه الله) أن سؤال بريدة عن ظهور المهدي (عليه السلام) بعد
الموت أي موت الناس لا المهدي (عليه السلام)، كما فسره في تنقيح المقال: ٣/٢٦٤،
بموت المهدي (عليه السلام) بعد
ظهوره
وفتحه العالم، ثم رجعته إلى الدنيا ثانية. لكن كلا التفسيرين بعيد، والأقوى تفسيره
بأنه يقصد بالموت غيبة المهدي (عليه السلام) سماها موتاً مجازاً، كما ورد في غيبة
الطوسي/٢٨٢، عن أبي سعيد الخراساني قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المهدي
والقائم واحد؟ فقال: نعم. فقلت: لأي شيء سمي المهدي؟ قال: لأنه يهدى إلى كل أمر
خفي، وسمي القائم لأنه يقوم بعد ما يموت، إنه يقوم بأمر عظيم.
وفي/٢٦٠: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) لأي شيء سمي القائم؟ قال: لأنه يقوم بعد
ما يموت، إنه يقوم بأمر عظيم، يقوم بأمر الله سبحانه. وقال الطوسي (رحمه الله):
فالوجه في هذه الأخبار وما شاكلها أن نقول بموت ذكره، ويعتقد أكثر الناس أنه بلي
عظامه، ثم يظهره الله كما أظهر صاحب الحمار بعد موته الحقيقي، وهذا وجه قريب في
تأويل الأخبار، على أنه لا يرجع بأخبار آحاد لا توجب علماً عما دلت العقول عليه
وساق الاعتبار الصحيح إليه وعضدته الأخبار المتواترة التي قدمناها). وعنه إثبات
الهداة: ٣/٥١٢ و٥١٦، والبحار: ٥١/٣٠، وقال: قوله (عليه السلام): بعد ما يموت، أي
ذكره أو بزعم الناس. ثم استشهد برواية معاني الأخبار/٦٤، عن أمير المؤمنين (عليه
السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل في معاني أسماء محمد وعلي
وفاطمة والأئمة (عليهم السلام)، بقوله (صلى الله عليه وآله): وسمي القائم قائماً
لأنه يقوم بعد موت ذكره). انتهى. فهذه الرواية واستشهاد صاحب البحار (رحمه الله)
بها يؤكد ما قلناه.
لكن يرد على رواية العياشي أن بقيتها مضطربة، وبعضها يخالف المشهور في ترتيب أحداث
ما يكون بعد حكمه (عليه السلام)، وهذا نصها: (قال قلت: فيكون بعد موته هرج؟ قال:
نعم خمسين سنة، قال: ثم يخرج المنصور إلى الدنيا فيطلب دمه ودم أصحابه فيقتل ويسبي
حتى يقال: لو كان هذا من ذرية الأنبياء ما قتل الناس كل هذا القتل! فيجتمع الناس
عليه أبيضهم وأسودهم فيكثرون عليه حتى يلجئونه إلى حرم الله، فإذا اشتد البلاء عليه
مات المنتصر وخرج السفاح إلى الدنيا غضباً للمنتصر فيقتل كل عدو لنا جائر ويملك
الأرض كلها، ويصلح الله له أمره ويعيش ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً. ثم قال أبو جعفر:
يا جابر وهل تدري من المنتصر والسفاح؟
يا
جابر المنتصر الحسين والسفاح أمير المؤمنين صلوات الله عليهم). انتهى.
أقول: إن اضطراب بقية الرواية لا يسقط الاستدلال بالقسم الأول الصريح منها.
الملاحظة السادسة: توهم بعضهم أنه يملك شخص بعد المهدي (عليه السلام) ٣٠٩، ففي غيبة
الطوسي/٤٧٨، عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: والله ليملكن
منا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة يزداد تسعاً. قلت: متى يكون ذلك؟ قال: بعد
القائم (عليه السلام). قلت: وكم يقوم القائم في عالمه؟ قال: تسع عشرة سنة، ثم يخرج
المنتصر فيطلب بدم الحسين (عليه السلام) ودماء أصحابه فيقتل ويسبي حتى يخرج السفاح).
ومثله مختصر البصائر/٤٩، وفيه: حتى يخرج السفاح وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
(عليه السلام).
وفسرها الحر العاملي (رحمه الله) في الإيقاظ/٣٣٧، فقال: (الظاهر أن قوله: ثلاثمائة
سنة: ظرف للموت، بمعنى أنه يملك بعد مضي موته ثلاثمائة سنة، وليس بصريح في أنه يملك
بعدها بغير فصل بل إذا خرج بعد ذلك بألف سنة صدقت البعدية المذكورة، والحكمة في عدم
ذكر الفاصلة لا تخفى. وقوله: يزداد تسعاً: يحتمل أن يراد بها الزيادة في مدة موته،
وأن يراد بها مدة ملكه لأنها زيادة على عمره الأول، ويحتمل أن يكون مجموع
الثلاثمائة والتسعة مدة ملكه كما لا يخفى، وقوله: بعد القائم: يمكن أن يراد به بعد
غيبته أو خروجه، ويمكن أن يُقرأ بعد بضم العين فعلاً ماضياً، والقائم الثاني يحتمل
المهدي المذكور أولاً على بعض الوجوه. وقوله ثم يخرج المنتصر: لا يلزم كونه بعد
القائم، بل يحتمل الحمل على أنه عطف على قوله: ليملكن، ولا يبعد أن يكون المراد
بالمنتصر الحسين وبالسفاح أمير المؤمنين). انتهى.
وعلق عليها في إثبات الهداة: ٣/٥٥٧ بقوله: قد مر ما يعارض هذا ظاهراً، ولعل ما نقص
عن هذا يكون بعد استيلائه على الأرض كلها، ولا منافاة في إطلاقهما، وقد مر أن كل
سنة تكون بمقدار عشر سنين. والله تعالى أعلم).
أقول: الاحتمالات التي ذكرها (رحمه الله) بعيدة، والظاهر أن المقصود حكم الإمام
نفسه بعدد سني أهل الكهف وليس شخصاً بعده، وأصل الإشكال من عبارة: (قلت: متى
يكون
ذلك؟ قال: بعد القائم (عليه السلام). قلت: وكم يقوم القائم في عالمه؟ قال: تسع عشرة
سنة) فقد يكون فيها سقط وأصلها (بعد غيبة القائم)، كما أن سؤاله الثاني: وكم يقوم
القائم في عالمه؟ غير مفهوم. ويظهر أنه اختلط على الراوي مرحلة ما بعد الإمام (عليه
السلام) بمرحلة الرجعة التي هي بعده أيضاً. ولا نطيل في بحث مفردات هذه الرواية،
وأوجه التعارض بين الروايات، بل نؤكد على قاعدة رد المتشابه منها والمضطرب إلى
المحكم المبيِّن، وهو أن دولة أهل البيت (عليهم السلام) تمتد طويلاً وليس بعدها
دولة، فلا ظلم في الأرض بعد ظهور الإمام المهدي (عليه السلام). وكما رددنا مقولات
كعب وزعمه أن الإمام المهدي (عليه السلام) يقتل ولا يحقق غرضه، يجب أن نرد كل رواية
تدعي وقوع الهرج أي القتل والظلم بعده (عليه السلام)!
عظمة الملك الذي يعطيه الله لوليه المهدي (عليه السلام)
تواترت الأحاديث عند الجميع أن الإمام المهدي (عليه السلام) يملك مشارق الأرض
ومغاربها ويملؤها قسطاً وعدلاً، وهو أمر لا سابقة له في تاريخ الأنبياء وأوصيائهم!
وقد تقدم من غيبة الطوسي/٢٨٣، وغيره، قول الإمام الباقر (عليه السلام): إن القائم
ليملك ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أصحاب الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً
كما ملئت ظلماً وجوراً، ويفتح الله عليه شرق الأرض وغربها... يدعو الشمس والقمر
فيجيبانه، وتطوى له الأرض، فيوحي الله إليه فيعمل بأمر الله).
وفي الخصال/٢٤٨: (عن رجل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى لم
يبعث الأنبياء ملوكاً في الأرض إلا أربعة بعد نوح: ذو القرنين واسمه عياش، وداود،
وسليمان، ويوسف (عليهم السلام). فأما عياش فملك ما بين المشرق والمغرب، وأما داود
فملك ما بين الشامات إلى بلاد إصطخر، وكذلك كان ملك سليمان، وأما يوسف فملك مصر
وبراريها، لم يجاوزها إلى غيرها.
قال
مصنف هذا الكتاب (رضي الله عنه): جاء هذا الخبر هكذا، والصحيح الذي اعتقده في ذي
القرنين أنه لم يكن نبياً وإنما كان عبداً صالحاً أحب الله فأحبه الله ونصح لله
فنصحه الله، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): وفيكم مثله، وذو القرنين ملك مبعوث
وليس برسول ولا نبي كما كان طالوت قال الله (عزَّ وجلَّ): (وَقَالَ
لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً)، وقد
يجوز أن يذكر في جملة الأنبياء من ليس بنبي كما يجوز أن يذكر في جملة الملائكة من
ليس بملك، قال الله (عزَّ وجلَّ) ثناؤه: (وَإِذْ قُلْنَا
لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ).
والعياشي: ٢/٣٤٠، والبحار: ١٢/١٨١، و: ١٤/٧٠.
وفي النعماني/٢٤٠، عن سالم الأشل قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه
السلام) يقول: نظر موسى بن عمران في السفر الأول إلى ما يعطى قائم آل محمد من
التمكين والفضل فقال موسى: رب اجعلني قائم آل محمد، فقيل له إن ذاك من ذرية أحمد.
ثم نظر في السفر الثاني فوجد فيه مثل ذلك فقال مثله، فقيل له مثل ذلك. ثم نظر في
السفر الثالث فرأى مثله فقال مثله، فقيل له مثله). والبحار: ٥١/٧٧، وإثبات الهداة:
٣/٥٤١، ومثله عقد الدرر/٢٦، وعنه الصراط المستقيم: ٢/٢٥٧ وإثبات الهداة/٦١٤.
كمال الدين: ١/٢٨٢، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): الأئمة بعدي اثنا عشر، أولهم أنت يا علي وآخرهم القائم الذي يفتح الله (عزَّ
وجلَّ) على يديه مشارق الأرض ومغاربها). ومثله عيون أخبار الرضا: ١/٥٦، ونحوه أمالي
الصدوق/٩٧، وفي/٥٠٢: قلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله): أخبرني بعدد الأئمة بعدك
فقال: يا علي هم اثنا عشر أولهم أنت وآخرهم القائم. وروضة الواعظين: ١/١٠٢، وابن
شهرآشوب: ١/٢٩٨، وإثبات الهداة: ١/٦١٦، ونوادر الأخبار/١٢٨، عن السجاد عن أبيه عن
جده: قال رسول الله: (صلى الله عليه وآله) الأئمة من بعدي أثنا عشر أولهم أنت يا
علي وآخرهم القائم الذي يفتح الله (عزَّ وجلَّ) على يديه مشارق الأرض ومغاربها).
وفي تفسير القمي: ٢/٨٧: أبو الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: (الَّذِينَ
إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا
بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ).
قال (عليه السلام): وهذه الآية لآل محمد (عليهم السلام) إلى آخر الآية. والمهدي
وأصحابه يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها، ويظهر الدين ويميت الله به وأصحابه
البدع والباطل كما أمات السفه الحق حتى لا يرى أثر للظلم). ومثله تأويل الآيات:
١/٣٤٣، وعنهما إثبات الهداة: ٣/٥٦٣، والبحار: ٢٤/١٦٥، و: ٥١/٤٧، والمحجة/١٤٣.
وفي العياشي: ١/١٨٣، عن رفاعة بن موسى قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
(وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض طَوْعاً
وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)، قال: إذا قام القائم (عليه السلام) لا
يبقى أرض إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله). وعنه
إثبات الهداة: ٣/٥٤٩، والمحجة/٥٠، والبحار: ٥٢/٣٤٠.
وفي العياشي: ١/١٨٣، عن ابن بكير قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله: (وَلَهُ
أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)؟
قال: أنزلت في القائم إذا خرج(أمر) باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل
الردة والكفار في شرق الأرض وغربها فعرض (عليهم السلام)، فمن أسلم طوعاً أمره
بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب لله عليه، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتى لا
يبقى في المشارق والمغارب أحد إلا وحد الله! قلت له: جعلت فداك إن الخلق أكثر من
ذلك فقال: إن الله إذا أراد أمراً قلل الكثير وكثر القليل). وعنه إثبات الهداة:
٣/٥٤٩، والبحار: ٥٢/٣٤٠.
وفي الإرشاد/٣٦٤، عن علي بن عقبة، عن أبيه، قال: إذا قام القائم (عليه السلام) حكم
بالعدل، وارتفع في أيامه الجور وأمنت به السبل وأخرجت الأرض بركاتها، ورد كل حق إلى
أهله، ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان. أما سمعت الله سبحانه
يقول: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض
طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)، وحكم بين الناس بحكم داود وحكم
محمد (صلى الله عليه وآله)، فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها ولا يجد الرجل
منكم يومئذ موضعاً لصدقته ولبره لشمول الغنى جميع المؤمنين! ثم قال: إن دولتنا آخر
الدول ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا إذا
ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله تعالى: (والعَاقِبَةُ
لِلمُتَّقِين). ونحوه روضة الواعظين: ٢/٢٦٥، وإعلام الورى/٤٣٢، وعنه كشف
الغمة: ٣/٢٥٥، وإثبات الهداة: ٣/٥٢٨، والبحار: ٥٢/٣٣٨.
وفي غيبة الطوسي/٢٨٣: عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) جاء فيه: (ثم
يتوجه إلى (كابلشاه) وهي مدينة لم يفتحها أحد قط غيره فيفتحها، ثم يتوجه إلى الكوفة
فينزلها وتكون داره، ويبهرج سبعين قبيلة من قبائل العرب.. تمام الخبر. وفي خبر آخر:
يفتح قسطنطينية والرومية وبلاد الصين). وعنه منتخب الأنوار/١٩٤، وعنه البحار:
٥٢/٣٣٣.
وفي البحار: ٥٢/٣٩٠، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: يملك القائم ثلاث مائة
سنة ويزداد تسعاً كما لبث أهل الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت
ظلماً وجوراً، فيفتح الله له شرق الأرض وغربها، ويقتل الناس حتى لا يبقى إلا دين
محمد ويسير بسيرة سليمان بن داود، ويدعو الشمس والقمر فيجيبانه وتطوى له الأرض
ويوحى إليه فيعمل بالوحي بأمر الله). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٨٤، وفي ينابيع المودة:
٣/٢٣٨ عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال: المهدي من ولدي الذي يفتح الله به مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن
أوليائه غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان).
وفي كتاب سليم بن قيس/١٥٢، في حديث شمعون بن حمون الراهب الذي لقي أمير المؤمنين
(عليه السلام) في رجوعه من صفين، وهو طويل فيه وصف النبي (صلى الله عليه وآله)
والأئمة بعده، جاء فيه: حتى يبعث الله رجلاً من العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم
خليل الله من أرض تدعى تهامة، من قرية يقال لها مكة، يقال له أحمد، الأنجل العينين
المقرون الحاجبين، صاحب الناقة والحمار والقضيب والتاج يعني العمامة، له اثنا عشر
اسماً، ثم ذكر مبعثه ومولده وهجرته ومن يقاتله ومن ينصره ومن يعاديه، وكم يعيش، وما
تلقى أمته بعده إلى أن ينزل الله عيسى بن مريم من السماء، فذكر في الكتاب ثلاثة عشر
رجلاً من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله صلى الله عليهم، هم خير من خلق الله
وأحب من خلق الله إلى الله، وأن الله ولي من والاهم وعدو من عاداهم، من أطاعهم
اهتدى ومن عصاهم ضل، طاعتهم لله طاعة ومعصيتهم لله معصية. مكتوبة فيه أسماؤهم
وأنسابهم ونعتهم وكم يعيش كل رجل منهم، واحداً بعد واحد، وكم رجل منهم يستتر بدينه
ويكتمه من قومه، ومن يظهر حتى ينزل الله عيسى صلى الله عليه على آخرهم، فيصلي عيسى
خلفه ويقول إنكم أئمة لا ينبغي
لأحد أن يتقدمكم، فيتقدم فيصلي بالناس وعيسى خلفه إلى الصف الأول، أولهم وأفضلهم وخيرهم، له مثل أجورهم وأجور من أطاعهم واهتدى بهداهم... فأول من يظهر منهم يملأ جميع بلاد الله قسطاً وعدلاً ويملك ما بين المشرق والمغرب حتى يظهره الله على الأديان كلها). والنعماني/٧٤، عن سليم بن قيس الهلالي.
* * *
سيأتي
في فصل تطور العلوم وتحقق العدل والرخاء، أنه (عليه السلام) يركب السحاب ويرقى في
الأسباب أسباب السماوات السبع والأرضين السبع، خمس عوامر واثنان خرابان). (الاختصاص/١٩٩).
وأن مجتمع الأرض سيتصل بمجتمعات الكواكب الأخرى!
كما يأتي في فصل الآيات المفسرة ما يدل على سعة ملكه (عليه السلام) كقوله تعالى: (هُوَ
الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة: ٣٣). وقوله تعالى:
(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ
بِي شَيْئاً) (النور: ٥٥). وقوله: (وَقَاتِلُوهُمْ
حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ..) (البقرة: ١٩٣).
في الختام ينبغي أن نشير إلى تفسير أهل البيت (عليهم السلام) للملك العظيم في قوله
تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ
مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً)، وأنه الطاعة المفروضة للنبي وآله (صلى
الله عليه وآله) التي تفوق ما أعطي من قبلهم من الأنبياء (عليهم السلام). (البصائر/٥٥).
هل يقتل الإمام (عليه السلام) أم يموت طبيعياً؟
كنت أشك في عموم حديث: (ما منَّا إلا مقتولٌ أو مسموم) لكني وصلت أخيراً إلى
الاطمئنان بصحته وشموله لجميع الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).
وعليه يمكن القول بأن الإمام المهدي (عليه السلام) يموت شهيداً بالسم، لكن الدولة
تستمر بعده، وقد صح أن الإمام الحسين (عليه السلام) هو الذي يتولى تجهيزه والصلاة
عليه، وقد
يحكم
بعده مباشرة، ثم يحكم اثنا عشر مهدياً من ولد الإمام المهدي (عليهم السلام)، ثم
تكون رجعة النبي (صلى الله عليه وآله).. الخ. وتوجد بهذا المضمون خمس روايات فيها
صحيح السند، ففي كفاية الأثر/١٦٠: (عن هشام بن محمد، عن أبيه قال: لما قتل أمير
المؤمنين (عليه السلام) رقى الحسن بن علي (عليه السلام) فأراد الكلام فخنقته العبرة
فقعد ساعة ثم قام وقال: الحمد لله الذي كان في أوليته وحدانياً وفي أزليته
متعظماً... والحمد لله الذي أحسن الخلافة علينا أهل البيت، وعند الله نحتسب عزاءنا
في خير الآباء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعند الله نحتسب عزاءنا في أمير
المؤمنين (عليه السلام) وقد أصيب به الشرق والغرب، ولقد حدثني جدي رسول الله (صلى
الله عليه وآله) أن الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته، ما منا إلا
مقتول أو مسموم).
وفي كفاية الأثر/٢٢٦: (عن جنادة بن أبي أمية قال: دخلت على الحسن بن علي في مرضه
الذي توفي فيه وبين يديه طشت يقذف فيه الدم ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي
أسقاه معاوية لعنه الله فقلت: يا مولاي ما لك لا تعالج نفسك؟ فقال: يا عبد الله
بماذا أعالج الموت؟! قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم التفت إليَّ وقال: والله
إنه لعهد عهده إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن هذا الأمر يملكه اثنا عشر
إماماً من ولد علي وفاطمة، ما منا إلا مسموم أو مقتول! ثم رُفعت الطشت واتكأ صلوات
الله عليه فقلت: عظني يا ابن رسول الله. قال: نعم، استعد لسفرك وحصِّل زادك قبل
حلول أجلك، واعلم أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك، واعلم أنك لا تكسب من المال شيئاً
فوق قوتك إلا كنت فيه خازناً لغيرك، واعلم أن في حلالها حساباً وفي حرامها عقاباً
وفي الشبهات عتاباً، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك، فإن كان ذلك
حلالاً كنت قد زهدت فيها، وإن كان حراماً لم تكن قد أخذت من الميتة وإن كان العتاب
فإن العقاب يسير.. الخ.).
وفي أمالي الصدوق/١٢٠ وعيون أخبار الرضا (عليه السلام): ١/٢٨٧، عن أبي الصلت الهروي
قال: (سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: والله ما منا إلا مقتول شهيد. فقيل له: فمن
يقتلك
يا ابن رسول الله؟ قال: شر خلق الله في زماني يقتلني بالسم، ثم يدفنني في دار مضيعة
وبلاد غربة). وعنه أيضاً (عليه السلام) في: ١/٢٢٠: (وما منا إلا مقتول، وإني والله
لمقتول بالسم باغتيال من يغتالني! أعرف ذلك بعهد معهود إلي من رسول الله (صلى الله
عليه وآله) أخبره به جبرئيل عن رب العالمين (عزَّ وجلَّ). وأما قول الله (عزَّ وجلَّ):
(وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
سَبِيلاً)، فإنه يقول لن يجعل الله لكافر على مؤمن حجة، ولقد أخبر الله (عزَّ
وجلَّ) عن كفار قتلوا النبيين بغير الحق، ومع قتلهم إياهم لن يجعل لهم على أنبيائه
(عليهم السلام) سبيلاً من طريق الحجة).
وفي غيبة الطوسي/٣٨٨: (وأخبرني جماعة، عن أبي عبد الله محمد بن أحمد الصفواني قال:
حدثني الشيخ الحسين بن روح (رضي الله عنه) أن يحيى بن خالد سم موسى بن جعفر في إحدى
وعشرين رطبة، وبها مات، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) ما
ماتوا إلا بالسيف أو السم، وقد ذكر عن الرضا (عليه السلام) أنه سم وكذلك ولده وولد
ولده).
أقول: بهذا يتضح أن قاعدة شهادة المعصومين (عليهم السلام) بالقتل أو بالسم صحيحة،
وفي المسألة بحوث لا يتسع لها المجال.
* * *
جريمة كعب ورواة الخلافة في تشويه صورة المستقبل
ذكرنا في فصل الدجال بعض أعمال كعب وتلاميذه التخريبية، وأنهم نشروا في ثقافة
المسلمين من التلمود ومن خيالهم أكاذيب عما يكون بعد المهدي (عليه السلام)! فمزجوا
هرطقة اليهود وتصوراتهم بالبشارة النبوية بالمهدي ونزول عيسى (عليهما السلام)!
ووضعنا اليد على بعض مكذوباتهم في الدجال وفتح القسطنطينية، وأشراط الساعة! قال ابن
حماد: ٢/٤٥٧: (عن كعب قال: المنصور
مهدي يصلي عليه أهل السماء والأرض وطير السماء، يبتلي بقتال الروم والملاحم عشرين
سنة، ثم يقتل شهيداً في الملحمة العظمى هو وألفان معه كلهم أمير وصاحب راية، فلم
يصب المسلمون بمصيبة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعظم منها). انتهى.
وقال في: ١/٤٠١: (سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: الجابر، ثم المهدي، ثم
المنصور، ثم السلام، ثم أمير العصب، فمن استطاع أن يموت بعد ذلك فليمت)!
وقال في: ١/٣٨٧: (عن عبد الله بن عمر قال ثلاثة أمراء يتوالون تفتح الأرضون كلها
عليهم كلهم صالح: الجابر، ثم المفرح، ثم ذو العصب، يمكثون أربعين سنة، ثم لا خير في
الدنيا بعدهم). انتهى.
وزعم كعب أن مخزومياً ويمانياً يملكان بعد المهدي (عليه السلام)!
قال ابن حماد: ١/٣٧٩: (حدثنا عبد الله بن مروان عن سعيد بن يزيد التنوخي عن الزهري
قال: يموت المهدي موتاً ثم يصير الناس بعده في فتنة، ويقبل إليهم رجل من بني مخزوم
فيبايع له، فيمكث زماناً ثم يمنع الرزق فلا يجد من يغير عليه، ثم يمنع العطاء فلا
يجد أحداً يغير عليه، وهو ينزل بيت المقدس فيكون هو وأصحابه مثل العجاجيل المريبة،
وتمشي نساؤهم ببطيطات الذهب وثياب لا تواريهن فلا يجد من يغير عليه، فيأمر بإخراج
أهل اليمن قضاعة ومذحج وهمدان وحمير والأزد..).
وروى في: ١/٣٧٩، تحت عنوان: (ما يكون بعد المهدي. عن دينار بن دينار قال: بلغني أن
المهدي إذا مات صار الأمر هرجاً بين الناس ويقتل بعضهم بعضاً وظهرت الأعاجم واتصلت
الملاحم، فلا نظام ولا جماعة حتى يخرج الدجال... عن كعب قال: يموت المهدي موتاً ثم
يلي الناس بعده رجل من أهل بيته فيه خير وشر وشره أكثر من خيره، يغضب الناس يدعوهم
إلى الفرقة بعد الجماعة، بقاؤه قليل يثور به رجل من أهل بيته فيقتله فيقتتل الناس
بعده قتالاً شديداً وبقاء الذي قتله بعده قليل، ثم يموت موتاً ثم يليهم رجل من مضر
من الشرق، يكفر الناس ويخرجهم من
دينهم يقاتل أهل اليمن قتالاً شديداً فيما بين النهرين فيهزمه الله ومن معه).
انتهى.
أقول: أنظر كيف وجه كعب طعنته إلى البشارة النبوية بإقامة دولة العدل الإلهي وإنهاء
الظلم في العالم! فجعلها لعبةٌ بل كذبة! لأن هذا المهدي سرعان ما يقتل فيعود الظلم
والجور كما كان!
يماني كعب يكون بعد المهدي (عليه السلام) ويُبيد قريشاً
ابن حماد: ١/٤٠٢، حدثنا الحكم بن نافع، عن جراح، عن أرطأة قال: بلغني أن المهدي
يعيش أربعين عاماً، ثم يموت على فراشه، ثم يخرج رجل من قحطان مثقوب الأذنين على
سيرة المهدي، بقاؤه عشرين سنة ثم يموت قتلاً، ثم يخرج رجل من أهل بيت النبي (صلى
الله عليه وآله) مهدي حسن السيرة يفتح مدينة قيصر وهو آخر أمير من أمة محمد، ثم
يخرج في زمانه الدجال وينزل في زمانه عيسى بن مريم (عليه السلام)...
عن أرطأة قال: على يدي ذلك الخليفة اليماني الذي تفتح القسطنطينية ورومية على يديه،
يخرج الدجال في زمانه وينزل عيسى بن مريم (عليه السلام) في زمانه..). وفي/٤٠٥: عن
كعب قال: في ولاية القحطاني تقتتل قضاعة بحمص وحمير، وعليها يومئذ رجل من كندة،
فتقتله قضاعة ويعلق رأسه في شجرة في المسجد فتغضب له حمير، فيقتتلون بينهم قتالاً
شديداً حتى تهدم كل دار عند المسجد، كي تتسع صفوفهم للقتال).
أقول: لو سألت أرطاة أو الوليد: من أين بلغكم هذا الغيب؟ لقالوا من كعب! ولو سألت
كعباً: من أين تتكلم عن هذه السيناريوهات الغيبية؟ لقال: من كتب الله التي عندي!
ومعنى كتب الله عند كعب بن ماتع: التلمود وخيالاته! وقد أكثر منها ابن حماد في
كتابه، والمصيبة أنه صار حديثاً نبوياً في أصح مصادر أتباع الخلافة! فقد رواه عبد
الرزاق، وأحمد، وبخاري، ومسلم، وغيرهم، وعليه بصمة كعب، ونصه: (لا تقوم الساعة حتى
يسوق الناس رجل من قحطان). عبد الرزاق: ١١/٣٨٨، وابن حماد: ١/١٢١، و٣٨١، و٣٨٢،
وأحمد: ٣/٤١٧، وبخاري: ٩/٧٣، ومسلم: ٤/٢٢٣٢، والبدء والتاريخ: ٢/١٨٣، وجامع الأصول:
١١/٨٢.. إلى آخر ما كذبه كعب ونشرته الصحاح!
* * *
أما
أحاديث مصادرنا فتدل على أن الدولة الإلهية الموعودة تمتد قروناً على يد المهدي
(عليه السلام) ثم على يد المهديين من أبنائه، وأن الله تعالى وضع برنامجاً لتطوير
الحياة على الأرض، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) يرجعون
إلى الحياة الدنيا في زيارة أو يحكمون مدداً طويلة. وأن نزول عيسى يكون في زمن
المهدي (عليه السلام) ويبقى مدة غير طويلة ويتوفى، وأن الدجال يخرج في زمن المهدي
(عليه السلام) فيعالج ضلالته ويقتله. وأن الحياة تطول ما شاء الله، حتى تختم
بعلامات الساعة، ولعل أولها دابة الأرض التي تكلم الناس، وآخرها النفخ في الصور قبل
قيام القيامة.
يحكم بعد المهدي (عليه السلام) اثنا عشر من ولده
غيبة الطوسي/٢٨٥، عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل أنه
قال: يا أبا حمزة، إن منا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين (عليه السلام)).
ومثله منتخب الأنوار/٢٠١، وعنه مختصر البصائر/٣٨ و٤٩، والإيقاظ/٣٩٣، والبحار:
٥٣/١٤٥ و١٤٨.
كمال الدين: ٢/٣٥٨، عن أبي بصير قال: قلت للصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): يا
ابن رسول الله إني سمعت من أبيك (عليه السلام) أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر
مهدياً؟ فقال: إنما قال اثنا عشر مهدياً ولم يقل اثنا عشر إماماً، ولكنهم قوم من
شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا). ومثله مختصر البصائر/٢١١، وعنهما
البحار: ٥٣/١١٥ و١٤٥.
وفي مختصر البصائر/١٥٩، عن النبي (صلى الله عليه وآله) من حديث قال: يا علي إنه
سيكون بعدي اثنا عشر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً فأنت يا علي أول الاثني
عشر).
وفي/١٨٢: إن منا بعد القائم اثنا عشر مهدياً من ولد الحسين. وفي شرح الأخبار:
٣/٤٠٠، عن علي بن الحسين (عليه السلام): يقوم القائم منا(يعني المهدي) ثم يكون بعده
اثنا عشر مهدياً (يعني من الأئمة من ذريته). وفي غيبة الطوسي/١٥١، في حديث عن النبي
(صلى الله عليه وآله) في ذكر الأئمة من عترته (عليهم السلام) قال: (فذلك اثنا عشر
إماماً، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول
المقربين له ثلاثة
اسمي:
اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد والاسم الثالث المهدي، هو أول المؤمنين).
وفي المحاسن/٢٣٦، عن عبد الله بن سليمان العامري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: ما زالت الأرض ولله فيها حجة يعرف الحلال والحرام ويدعو إلى سبيل الله. ولا
تنقطع الحجة من الأرض إلا أربعين يوماً قبل يوم القيامة، فإذا رفعت الحجة أغلق باب
التوبة ولم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجة. وأولئك شرار من
خلق الله وهم الذين تقوم عليهم القيامة). ومثله البصائر/٤٨٤، وكمال الدين/٢٢٩،
ودلائل الإمامة/٢٢٩، والبحار: ٦/١٨ و: ٢٣/٤١.
الاحتجاج: ١/٨١، عن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث طويل عن خطبة النبي (صلى
الله عليه وآله) في الغدير جاء فيه: معاشر الناس: النور من الله (عزَّ وجلَّ) فيَّ
مسلوكٌ ثم في علي، ثم في النسل منه إلى القائم المهدي، الذي يأخذ بحق الله وبكل حق
هو لنا لأن الله (عزَّ وجلَّ) قد جعلنا حجة على المقصرين والمعاندين والمخالفين
والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين. ألا إن خاتم الأئمة منا القائم
المهدي، ألا إنه الظاهر على الدين، ألا إنه المنتقم من الظالمين، ألا إنه فاتح
الحصون وهادمها، ألا إنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك، ألا إنه مدرك بكل ثار لأولياء
الله، ألا إنه الناصر لدين الله، ألا إنه الغراف في بحر عميق، ألا إنه يسم كل ذي
فضل بفضله، وكل ذي جهل بجهله، ألا إنه خيرة الله ومختاره، ألا إنه وارث كل علم
والمحيط به، ألا إنه المخبر عن ربه (عزَّ وجلَّ)، والمنبه بأمر إيمانه، ألا إنه
الرشيد السديد، ألا إنه المفوض إليه، ألا إنه قد بشر به من سلف بين يديه، ألا إنه
الباقي حجة ولا حجة بعده ولا حق إلا معه ولا نور إلا عنده، ألا إنه لا غالب له ولا
منصور عليه، ألا وإنه ولي الله في أرضه، وحكمه في خلقه، وأمينه في سره وعلانيته.
ألا إن الحلال والحرام أكثر من أن أحصيهما وأعرفهما فآمر بالحلال وأنهى عن الحرام
في مقام واحد، فأمرت أن آخذ البيعة منكم والصفقة بقبول ما جئت به عن الله (عزَّ
وجلَّ) في
علي أمير المؤمنين والأئمة من بعده، الذين هم مني ومنه، أئمة قائمة، منهم المهدي إلى يوم القيامة الذي يقضي بالحق). وعنه العدد القوية/١٧٦، والصراط المستقيم: ١/٣٠٣، عن كتاب الولاية لأبي جعفر الطوسي، والبحار: ٣٧/٢١١.
* * *
وقد
روت مصادرهم ما يؤيد أحاديث أهل البيت (عليهم السلام):
قال ابن حجر في فتح الباري: ١٣/١٨٤: (فقال أبو الحسين بن المنادي في الجزء الذي
جمعه في المهدي: يحتمل في معنى حديث يكون اثنا عشر خليفة، أن يكون هذا بعد المهدي
الذي يخرج في آخر الزمان، فقد وجدت في كتاب دانيال: إذا مات المهدي ملك بعده خمسة
رجال من ولد السبط الأكبر ثم خمسة من ولد السبط الأصغر، ثم يوصي آخرهم بالخلافة
لرجل من ولد السبط الأكبر، ثم يملك بعده ولده، فيتم بذلك اثنا عشر ملكاً، كل واحد
منهم إمام مهدي... وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس: المهدي اسمه محمد بن عبد الله
وهو رجل ربعة مشرب بحمرة يفرج الله به عن هذه الأمة كل كرب ويصرف بعدله كل جور، ثم
يلي الأمر بعده اثنا عشر رجلاً، ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين، وآخر من
غيرهم، ثم يموت فيفسد الزمان)! انتهى.
وفي فيض القدير: ٢/٥٨٢: (وحمل بعضهم الحديث على من يأتي بعد المهدي لرواية: ثم يلي
الأمر بعده اثنا عشر رجلاً ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين وآخر من غيرهم،
لكن هذه الرواية ضعيفة جداً).
وفي عمدة القاري للعيني: ٢٤/٢٨٢: (وقيل: يحتمل أن يكون اثنا عشر بعد المهدي الذي
يخرج في آخر الزمان، وقيل: وجد في كتاب دانيال: إذا مات المهدي ملك بعده خمسة رجال
من ولد السبط الأكبر، ثم خمسة من ولد السبط الأصغر، ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من
ولد السبط الأكبر، ثم يملك بعده ولده فيتم بذلك اثنا عشر ملكاً كل واحد منهم إمام
مهدي. وعن كعب الأحبار: يكون اثنا عشر
مهدياً ثم ينزل روح الله فيقتل الدجال. وقيل: المراد من وجود اثني عشر خليفة في
جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحق وأن تتوالى أيامهم، ويؤيد هذا ما
أخرجه مسدد في مسنده الكبير من طريق أبي بحران أبا الجلد حدثه أنه لا يهلك هذه
الأمة حتى يكون منها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق، منهم رجلان من أهل
بيت محمد، يعيش أحدهما أربعين سنة، والآخر ثلاثين سنة).. الخ.
وقال ابن حجر في الصواعق: ٢/٤٧٨: (ورواية إنه: يلي الأمر بعد المهدي اثنا عشر رجلاً
ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين، وآخر من غيرهم، واهية جداً كما قاله شيخ
الإسلام والحافظ الشهاب ابن حجر، أي مع مخالفتها للأحاديث الصحيحة أنه آخر الزمان،
وأن عيسى يأتم به. ولخبر الطبراني: سيكون من بعدي خلفاء ثم من بعد الخلفاء أمراء ثم
من بعد الأمراء ملوك ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض
عدلاً كما ملئت جوراً، ثم يؤمَّر القحطاني فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه). انتهى.
أقول: تضعيفهم للسند باطل، لأن سند أبي صالح عن ابن عباس صحيح عندهم، لكنهم أشربوا
ثقافة كعب وزعمه أن الظلم سرعان ما يرجع بعد المهدي وتخرب الدنيا! أما روايتهم عن
كعب بأنه اعترف باثني عشر مهدياً ينزل عيسى على آخرهم (عليهم السلام)، فلا يقلل من
كذبته في أن المهدي (عليه السلام) يقتل سريعاً بيد الروم في فتح القسطنطينية، ويعود
الظلم والجور!
هذا، وقد وقع المرحوم البياضي العاملي (رحمه الله) في شبهتهم فردَّ حديث الاثني عشر
مهدياً بعد الإمام المهدي (عليه السلام) وناقش الشريف المرتضى في ذلك، قال في
الصراط المستقيم: ٢/١٥٢: (وفي بعضها: سيكون بعدي اثنا عشر إماماً أولهم أنت، ثم عد
أولاده، وأمر أن يسلمها كل إلى ابنه، قال: ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً. قلت: الرواية
بالاثني عشر بعد الاثني عشر شاذة ومخالفة للروايات الصحيحة المتواترة الشهيرة بأنه
ليس بعد القائم دولة، وأنه لم يمض من الدنيا إلا أربعين يوماً فيها
الهرج، وعلامة خروج الأموات وقيام الساعة. على أن البعدية في قوله من بعدهم، لا
تقتضي البعدية الزمانية كما قال تعالى: فمن يهديه من بعد الله، فجاز كونهم في زمان
الإمام وهم نوابه (عليه السلام). إن قلت: قال في الرواية: فإذا حضرته يعني المهدي
الوفاة فليسلمها إلى ابنه، ينفي هذا التأويل؟! قلت: لا يدل هذا على البقاء بعده،
ويجوز أن يكون لوظيفة الوصية لئلا يكون ميتة جاهلية، ويجوز أن يبقى بعده من يدعو
إلى إمامته، ولا يضر ذلك في حصر الاثني عشر فيه وفي آبائه. قال المرتضى: لا يقطع
بزوال التكليف عند موته (عليه السلام) بل يجوز أن يبقى حصر الاثني عشر فيه بعد أئمة
يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله، ولا يخرجنا هذا القول عن التسمية بالاثني عشرية،
لأنا كلفنا بأن نعلم إمامتهم إذ هو موضع الخلاف، وقد بينا ذلك بياناً شافياً فيهم،
ولا موافق لنا عليهم فانفردنا بهذا الاسم عن غيرنا من مخالفيهم. وأنا أقول: هذه
الرواية آحادية توجب ظناً ومسألة الإمامة علمية، ولأن النبي (صلى الله عليه وآله)
إن لم يبين المتأخرين بجميع أسمائهم، ولا كشف عن صفاتهم مع الحاجة إلى معرفتهم
فيلزم تأخير البيان عن الحاجة. وأيضاً فهذه الزيادة شاذة لا تعارض الشائعة الذائعة.
إن قلت: لا معارضة بينهما لأن غاية الروايات يكون بعدي اثنا عشر خليفة. الأئمة بعدي
عدد نقباء بني إسرائيل ونحوها. قلت: لو أمكن ذلك لزم العبث والتعمية في ذكر الاثني
عشر، ولأن في أكثر الروايات وتسعة من ولد الحسين، ويجب حصر المبتدأ في الخبر،
ولأنهم لم يذكروا في التوراة وأشعار قِسٍّ وغيرها ولا أخبر النبي (صلى الله عليه
وآله) برؤيتهم ليلة إسرائه إلى حضرة ربه، ولما عد الأئمة الاثني عشر قال للحسن: لا
تخلو الأرض منهم ويعني به زمان التكليف، فلو كان بعدهم أئمة لخلت الأرض منهم، ويبعد
حمل الخلو على أن المقصود به أولادهم لأنه من المجاز ولا ضرورة تحوج إليه). انتهى.
ومعنى كلامه (رحمه الله): أن الشريف المرتضى (رحمه الله) دافع عن روايات استمرار
التكليف والإمامة العامة بعد الإمام المهدي (عليه السلام) بأولاده المهديين، وقال
إن ذلك لا ينافي أن الأئمة (عليهم السلام) اثنا عشر لا أكثر، لأنهم الأصل والباقون
من فروعهم وامتدادهم. ولم يردَّ
هو كلام المرتضى (عليهم السلام) بأكثر من الاستبعاد والتكلف في تأويل حديث الاثني عشر مهدياً! أما قوله إنه خبر آحاد، فسببه أنه لم يطلع على الأخبار العديدة التي أوردناها وقد رأيت طرفاً منها في مصادر غيرنا أيضاً! وتصوره (رحمه الله) أن القيامة قريبة من دولة الإمام المهدي (عليه السلام) لم يأته من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، وكذا تفسيره الخاطئ لعدم وجود دولة بعد دولتهم، فلا نوافقه على أن ذلك يدل على قصر مدة دولتهم (عليهم السلام)!
ملاحظتان
قد يقال: إن أهل البيت (عليه السلام) امتنعوا عن الحديث عما يكون بعد المهدي (عليه
السلام) فقد روى المفيد (رحمه الله) في الإرشاد: ٢/٣٨٢: عن جابر الجعفي قال: سمعت
أبا جعفر (عليه السلام) قال: سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال:
أخبرني عن المهدي ما اسمه؟ فقال: أما اسمه فإن حبيبي (عليه السلام) عهد إليَّ ألا
أحدِّث به حتى يبعثه الله، قال: فأخبرني عن صفته؟ قال: هو شاب مربوع حسن الوجه حسن
الشعر، يسيل شعره على منكبيه، ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة
الإماء). ويأتي في غيبته (عليه السلام).
وفي كمال الدين: ١/٧٧، عن عبد الله بن الحارث قال قلت لعلي (عليه السلام): يا أمير
المؤمنين أخبرني بما يكون من الأحداث بعد قائمكم؟ قال: يا ابن الحارث ذلك شيء ذكره
موكول إليه وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عهد إلي أن لا أخبر به إلا الحسن
والحسين). وإثبات الهداة: ٣/٤٥٩، والبحار: ٦/٣١١، وسيأتي في ولادته (عليه السلام).
والجواب: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يحب أن يخبر عمر بالتفاصيل، وقد يكون
مقصوده بقوله: (حتى يبعثه الله) حتى يولد. ولا ينافي ذلك أن الأئمة (عليه السلام)
أخبرونا بتفاصيل عن المهدي (عليه السلام) وعلاماته حسب المصلحة التي يعرفونها.
* * *
الثانية: روى الخاتون آبادي في أربعينه/٢٠٣، عن الفضل بن شاذان بسند صحيح عن الإمام
الصادق (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: الإسلام
والسلطان العادل أخوان لا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه، الإسلام أس، والسلطان العادل
حارس، وما لا أس له فمنهدم، وما لا حارس له فضايع، فلذلك إذا رحل قائمنا، لم يبق
أثر من الإسلام، وإذا لم يبق أثر من الإسلام، لم يبق أثر من الدنيا). انتهى.
والجواب: أن القائم هنا ليس بمعنى الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) بل بمعنى
الحاكم من أهل البيت (عليهم السلام) في دولتهم التي يؤسسها المهدي (عليه السلام)،
فهذه الرواية لا تنفي استمرار دولتهم إلى يوم القيامة (عليهم السلام) بل تؤكده.
* * *
الفصل الثاني عشر: أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام)
١ - أصحابه الخاصون في غيبته: عمل الإمام المهدي (عليه السلام) في غيبته
في الكافي: ١/٣٤٠، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: لابد لصاحب هذا الأمر من
غيبة ولابد له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة، وما بثلاثين من وحشة).
والنعماني/١٨٨، وتقريب المعارف/١٩٠ وغيرهما. ونحوه في غيبة الطوسي/١٠٢، عن الإمام
الباقر (عليه السلام)، وفيه: ولابد في عزلته من قوة). وعنه البحار: ٥٢/١٥٣
وفي النعماني/١٧١، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)
قال: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين، إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات وبعضهم يقول قتل
وبعضهم يقول ذهب فلا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد
من وليٍّ ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره. قال النعماني: ولو لم يكن يروى في
الغيبة إلا هذا لكان فيه كفاية لمن تأمله). ومثله عقد الدرر/١٣٤، ومنتخب
الأنوار/٨١، وغيبة الطوسي/١٠٢، وفي/٤١، عن كتاب علي بن محمد الموسوي.. الخ.
أقول: معنى الغَيْبة التامة للإمام المهدي (عليه السلام) أن الناس حُرموا من نعمة
رؤيته وحضوره بينهم، حتى يأذن له الله تعالى بالظهور، فيبدأ مهمته التي ادَّخره
الله لها.
ومعناها أيضاً: أن الله تعالى كلفه في غيبته بمهمة من نوع آخر، ومعه أعوانه جنود
الله وهم أصحابه الخاصون الذين يلتقي بهم ومنهم الخضر، وربما إلياس (عليهم السلام).
ويدل قول الإمام الباقر (عليه السلام): ولا بد له في غيبته من عزلة، ولابد في عزلته
من قوة). (الغيبة للطوسي/١٠٢) على أنها ببرنامج وأعوان، لا مجرد اختفاء كما يتصوره
الجاهلون!
وإذا أردنا أن نأخذ صورة عن عمله في غيبته (عليه السلام) فلنقرأ آيات رحلة نبي الله
موسى مع الخضر (عليهما السلام)، وما رآه من عجائب عمله في يومين أو ثلاثة.
أصحاب المهمات الخاصة مع الإمام المهدي (عليه السلام)
معنى قوله الإمام الباقر (عليه السلام): (وما بثلاثين من وحشة): أن الإمام المهدي
(عليه السلام) يكون له في غيبته ثلاثون شخصاً يلتقي بهم على الأقل، وهم الأبدال،
لأنهم لا يمد في عمرهم كالمهدي والخضر (عليهما السلام) بل يعيش واحدهم عمره الطبيعي
وبعد موته يستبدل به غيره ولذا سموا الأبدال. أما كيف يتم اختيار البديل فإن الإمام
(عليه السلام) مهديٌّ من ربه في كل أموره ومنها اختيار أصحابه، بالأصول والقواعد
التي علمه الله إياها.
وقد نقل الثقاة قصة أحد الأبرار الذي أبلغوه أن الله اختاره ليكون من الأبدال،
وواعدوه ظهر اليوم الفلاني ليأخذوه، فتفرغ أحدهم لمراقبته كيف يأخذونه، ولما حان
الموعد افتقده من أمامه وهو ينظر اليه!
وهؤلاء الثلاثون يأخذون التوجيات والأوامر من الإمام المهدي (عليه السلام)، ويظهر
أن الله تعالى يمنح الواحد منهم قدرات منها قدرته على الحركة في أنحاء الأرض، وقد
يكون لكل منهم أعوان وجهاز!
وقد أخذ هذه الحقيقة المتصوفة فصاغوها بتصوراتهم، ومن ذلك ما ذكره المجلسي عن
الكفعمي، قال في بحار الأنوار: ٥٣/٣٠١: (قال الشيخ الكفعمي (رحمه الله) في
هامش جنته عند ذكر دعاء أم داود: (قيل إن الأرض لا تخلو من القطب وأربعة أوتاد
وأربعين أبدالاً وسبعين نجيباً وثلاثمائة وستين صالحاً، فالقطب هو المهدي (عليه
السلام)، ولا يكون الأوتاد أقل من أربعة لأن الدنيا كالخيمة والمهدي كالعمود وتلك
الأربعة أطنابها، وقد يكون الأوتاد أكثر من أربعة، والأبدال أكثر من أربعين،
والنجباء أكثر من سبعين والصلحاء أكثر من ثلاث مائة وستين والظاهر أن الخضر وإلياس،
من الأوتاد فهما ملاصقان لدائرة القطب. وأما صفة الأوتاد، فهم قوم لا يغفلون عن
ربهم طرفة عين ولا يجمعون من الدنيا إلا البلاغ، ولا تصدر منهم هفوات الشر ولا
يشترط فيهم العصمة من السهو والنسيان بل من فعل القبيح ويشترط ذلك في القطب.
وأما الأبدال فدون هؤلاء في المراقبة، وقد تصدر منهم الغفلة فيتداركونها بالتذكر،
ولا يتعمدون ذنبا. وأما النجباء فهم دون الأبدال. وأما الصلحاء، فهم المتقون
الموفون بالعدالة، وقد يصدر منهم الذنب فيتداركونه بالاستغفار والندم قال الله
تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ
مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف: ٢٠١)
جعلنا الله من القسم الأخير لأنا لسنا من الأقسام الأول، لكن ندين الله بحبهم
وولايتهم ومن أحب قوماً حشر معهم. وقيل: إذا نقص أحد من الأوتاد الأربعة وضع بدله
من الأربعين وإذا نقص أحد من الأربعين وضع بدله من السبعين، وإذا نقص أحد من
السبعين، وضع بدله من الثلاثمائة وستين، وإذا نقص أحد من الثلاثمائة وستين، وضع
بدله من سائر الناس). انتهى.
أقول: إن كل تصوراتنا عن هذا الجهاز من جنود الله تعالى وقدراتهم وأعمالهم تبقى
ناقصة ما لم يكشفها لنا المعصوم (عليه السلام). ففي كمال الدين: ٢/٤٨١، عن عبد الله
بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: إن لصاحب هذا
الأمر غيبة لابد منها، يرتاب فيها كل مبطل، فقلت: ولم جعلت فداك؟ قال: لأمر لم يؤذن
لنا في كشفه لكم؟ قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: وجه الحكمة في غيبته وجه
الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره، إن وجه الحكمة
في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر (عليه
السلام) من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام) إلى وقت
افتراقهما. يا ابن الفضل: إن هذا الأمر أمرٌ من أمر الله تعالى وسرٌّ من سر الله
وغيبٌ من غيب الله، ومتى علمنا أنه (عزَّ وجلَّ) حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة
وإن كان وجهها غير منكشف). ومثله علل الشرائع: ١/٢٤٥، والاحتجاج: ٢/٣٧٦، والصراط
المستقيم: ٢/٢٣٧، ومنتخب الأنوار/٨١، وإثبات الهداة: ٣/٤٨٨، والبحار: ٥٢/٩١،
والخرائج: ٢/٩٥٦، وفيه: صاحب هذا الأمر تغيب ولادته عن هذا الخلق لئلا يكون لأحد في
عنقه بيعة إذا خرج فيصلح الله أمره في ليلة، قيل له: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال:
إلى قوله: افتراقهما).
وفي الخرائج: ٢/٩٣٠، عن الإمام الباقر (عليه السلام): (إن ذا القرنين كان عبداً
صالحاً ناصح الله سبحانه فناصحه وسخر له السحاب وطويت له الأرض، وبسط له في النور
فكان يبصر بالليل كما يبصر بالنهار، وإن أئمة الحق كلهم قد سخر الله تعالى لهم
السحاب وكان يحملهم إلى المشرق والمغرب لمصالح المسلمين ولإصلاح ذات البين، وعلى
هذا حال المهدي (عليه السلام) ولذلك يسمى: صاحب المرأى والمسمع، فله نور يرى به
الأشياء من بعيد كما يرى من قريب، ويسمع من بعيد كما يسمع من قريب، وإنه يسيح في
الدنيا كلها على السحاب مرة وعلى الريح أخرى، وتطوى له الأرض مرة، فيدفع البلايا عن
العباد والبلاد شرقاً وغرباً).
هل لجبل رضوى علاقة بالإمام (عليه السلام) وأصحابه؟
في المحتضر/٢٠، عن كتاب القائم لابن شاذان إلى الإمام الصادق (عليه السلام) قال:
(إن أرواح المؤمنين ترى آل محمد (عليهم السلام) في جبال رضوى فتأكل من طعامهم وتشرب
من شرابهم وتتحدث معهم في مجالسهم حتى يقوم قائمنا أهل البيت، فإذا قام قائمنا
بعثهم الله تعالى وأقبلوا معه يلبون زمراً زمراً، فعند ذلك يرتاب المبطلون ويضمحل
المنتحلون وينجو المقربون. وهذا الحديث يدل على ما رويناه من القالب للروح بعد
خروجها من الأول كما يدل عليه أكلهم وشربهم وحديثهم).
وفي غيبة الطوسي/١٠٣، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: خرجت مع أبي عبد الله (عليه
السلام) فلما نزلنا الروحاء نظر إلى جبلها مطلاً عليها فقال لي: ترى هذا الجبل هذا
جبل يدعى رضوى من جبال فارس أحبنا فنقله الله إلينا، أما إن فيه كل شجرة مطعم، ونعم
أمان للخائف مرتين، أما إن لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين: واحدة قصيرة والأخرى طويلة)
وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٠٠، والبحار: ٥٢/١٥٣.
وفي البحار: ٥٢/٣٠٦، عن كتاب الغيبة للسيد علي بن عبد الحميد بإسناده عن الإمام زين
العابدين (عليه السلام) في خبر طويل في خروج الإمام المهدي (عليه السلام) أنه يجتمع
بالنبي (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) في جبل رضوى، جاء فيه: (ثم يأتي
إلى جبل رضوى، فيأتي محمد وعلي فيكتبان له عهداً منشوراً يقرؤه على الناس، ثم يخرج
إلى مكة والناس يجتمعون بها). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٨٢.
وفي معجم البلدان: ٣/٥١، في جبل رضوى: (وهو من ينبع على مسيرة يوم ومن المدينة على
سبع مراحل... وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية، ورأيته من ينبع أخضر، وأخبرني من طاف في
شعابه أن به مياهاً كثيرة وأشجاراً. وهو الجبل الذي يزعم الكيسانية أن محمد بن
الحنيفة به مقيم، حيٌّ يرزق).
وروى البلاذري في أنساب الأشراف/٢٠٢، والسمعاني: ١/٢٠٧، قول كثيِّر والسيد الحميري
وكانا أول أمرهما يعتقدان بمهدوية محمد بن الحنفية، قال كثير:
ألا
إن الأئمة من قريش * * * ولاة الحق أربعة سواءُُ
عليٌّ والثلاثة من بنية * * * هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبطٌ سبط إيمان وبر * * * وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا تراه العين حتى * * * يقود الخيل يقدمها اللواء
تغيب لا يرى فيهم زماناً * * * برضوى عنده عسل وماء
وقال السيد الحميري (رحمه الله):
أيا
شعب رضوى ما لمن بك لا يرى * * * ويهيج قلبي الصبابة أولقُ
حتى متى وإلى متى وكم المدى؟ * * * يا ابن الوصي وأنت حيٌّ ترزق).
وتقدم أن السيد الحميري (رحمه الله) رجع عن الكيسانية وصار إمامياً اثني عشرياً، وقال:
فلما
رأيت الناس في الدين قد غووا * * * تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا
وناديت باسم الله والله أكبرُ * * * وأيقنت أن الله يعفو ويغفرُ.. الخ.
والكيسانية نسبةً إلى كيسان من وزراء المختار، ونشأ ادعاؤهم من أحاديث النبي وآله
(صلى الله عليه وآله) في أن المهدي الموعود لا بد أن يغيب، فطبقوه على محمد بن
الحنفية بعد موته (رحمه الله) كما صرح بذلك السيد الحميري في قصائده. ويظهر أن
اختيارهم جبل رضوى مكاناً لغيبته، بسبب أحاديث عن النبي وآله (صلى الله عليه وآله)
أيضاً.
وتدل الأحاديث المتقدمة على أن لجبل رضوى موقعاً في عالم الأرواح!
وأصل وجود أمكنة في الأرض هي نقاطٌ لتجمع أرواح الأموات أمرٌ متفق عليه بين
المسلمين، فقد ورد ذلك في بيت المقدس وحضرموت اليمن ووادي السلام التي تسمى ظهر
الكوفة والنجف، وغيرها! ولا بد لنا أن نعترف بقلة معلوماتنا عن أماكن تحرك الأرواح
في الأرض، ونقاط نزول الملائكة وصعودها والأرواح والأعمال.. فما المانع أن يكون
لجبل رضوى موقع في عالم هو أعلى من عالمنا المنظور.
كما أن قول الإمام الصادق (عليه السلام) المتقدم عن جبل رضوى: (رضوى من جبال فارس
أحبنا فنقله الله إلينا) لا يصح رده لغرابته، بعد أن روى الجميع أن جبل الطائف من
جبال الشام، وقد نقله الله تعالى إلى الحجاز! كما روي أن الأرض دحيت من تحت الكعبة،
أي بدأ تدويرها وتسويتها من نقطة مكة والكعبة! فمعلوماتنا عن تكوين الأرض وجبالها
وتحرك أمكنتها قليلة أيضاً.
كما أن حب بعض بقاع الأرض وبغضها للنبي وآله (صلى الله عليه وآله) متفق عليه بين
المسلمين،
فقد
روى بخاري: ٢/١٣٣، قول النبي (صلى الله عليه وآله) عن جبل أحد: أُحُدٌ جبل يحبنا
ونحبه). وكرره في: ٣/٢٢٣، و٢٢٥، و: ٤/١١٨، و: ٥/٤٠، و١٣٦، و: ٦/٢٠٧، و: ٨/١٥٣.
وهذا أحد الأدلة التي أستدل بها على أنَّ للجمادات كالنبات والحيوان، شعوراً
وإحساساً وتكليفاً، كل بمستواه، فلا يوجد ميت بالكامل في الكون، بل الموت والحياة
نسبيان، كما قال تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ
السَّبْعُ وَالأرض وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شيء إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ
وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً)
(الإسراء: ٤٤)، ولا مجال للإفاضة في هذا البحث. وعليه، فإن ما ورد في دعاء الندبة
كما في إقبال الأعمال: ١/٥١٠: (السلام عليك يا ابن من دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو
أدنى واقترب من العلي الأعلى، ليت شعري أين استقرت بك النوى، أم أي أرض تقلك أم
ثرى، أبرضوى أم غيرها أم ذي طوى عزيز علي أن ترى الخلق ولا ترى، ولا يسمع لك حسيس
ولا نجوى، عزيز علي أن يرى الخلق ولا ترى، عزيز علي أن تحيط بك الأعداء، بنفسي أنت
من مغيب ما غاب عنا، بنفسي أنت من نازح ما نزح عنا).
يقصد التساؤل بشوق عن مكان الإمام (عليه السلام) الذي يتحرك في أرض الله تعالى
بهداية ربه، وله علاقة بجبل رضوى الذي هو مركز نزول للأرواح العلوية.
الخضر من أصحاب المهدي (عليهما السلام)
وأحاديث ذلك كثيرة في مصادر الجميع، وفيها صحيح السند، تجدها في قصص الأنبياء
(عليهم السلام) وفي تفسير آيات الخضر في سورة الكهف، قال تعالى: (وَإِذْ
قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ
أَمْضِىَ حُقُبًا. فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا
فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا. فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ
آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا. قَالَ أَرَأَيْتَ
إِذْ أَوَيْنَا إلى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا
الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا. قَالَ
ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى
آثَارِهِمَا قَصَصًا. فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا
آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا. قَالَ
لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا.
قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا. وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ
تُحِطْ بِهِ خُبْرًا. قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي
لَكَ أَمْرًا. قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شيء حَتَّى
أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا. فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ
خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا
إِمْرًا. قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. قَالَ لا
تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْري عُسْرًا. فَانْطَلَقَا
حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً
بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا. قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ
لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شيء بَعْدَهَا فَلا
تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا. فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا
أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا
فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ
لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا. قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ
سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا. أَمَّا
السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ
أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا. وَأَمَّا
الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا
طُغْيَانًا وَكُفْرًا. فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ
زَكَوةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا. وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ
فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا
فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ
تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا) (سورة الكهف: ٦٠ - ٨٢).
وهي تدل على أن الخضر من جنود الله أصحاب المهات الخاصة في الأرض، وقد ورد أنه كان
يظهر للنبي (صلى الله عليه وآله)، وأنه عزَّى أهل البيت بوفاته (صلى الله عليه
وآله) ثم كان يظهر لهم. ورويت أخبار ظهوره لعدد منهم (عليهم السلام)، وأنه جوال في
الأرض، ويصلي أحياناً في مسجد الكوفة والسهلة، وأنه مع الإمام المهدي (عليه السلام)
في غيبته.
ففي كمال الدين: ٢/٣٩٠، عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: إن الخضر (عليه السلام)
شرب من ماء الحياة فهو حيٌّ لا يموت حتى ينفخ في الصور، وإنه ليأتينا فيسلم فنسمع
صوته ولا
نرى
شخصه، وإنه ليحضر ما ذكر، فمن ذكره منكم فليسلم عليه، وإنه ليحضر الموسم كل سنة
فيقضي جميع المناسك ويقف بعرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين، وسيؤنس الله به وحشة
قائمنا في غيبته ويصل به وحدته). وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٨٠، وحلية الأبرار: ٢/٦٨٣،
والبحار: ٥٢/١٥٢.
وذكر في البحار: ١٣، ٣٠٣، أن اسم الخضر خضرويه، سمي به لأنه جلس على أرض بيضاء
فاهتزت خضراء، وأنه أطول الآدميين عمراً، واسمه إلياس بن ملكان بن عامر بن أرفخشد
بن سام بن نوح. لكن لا يمكن الأخذ بمثلها من روايات أنساب الأنبياء (عليهم السلام)
لتأثرها بالإسرائيليات التي يكثر فيها الكذب.
هذا، وسيأتي في غيبة الإمام (عليه السلام) ما يدل على حضور الخضر موسم الحج كل عام.
وربما كان نبي الله إلياس من أصحابه (عليهما السلام)
وردت في نبي الله إلياس (عليه السلام) وحياته، أحاديث وقصص في مصادر الطرفين لكنها
لا تبلغ في قوتها وصحتها أحاديث الخضر (عليه السلام). فقد روى في كمال الدين/٥٤٣،
قصة المعمر ابن أبي الدنيا، وأنه رأى في الجاهلية الخضر وإلياس وبشراه بالنبي (صلى
الله عليه وآله) وأخبراه أنه يعيش حتى يرى عيسى (عليه السلام). وروى في البحار:
١٣/٣١٩، ومستدرك الوسائل: ٥/٣٨٦، عن النبي (صلى الله عليه وآله) دعاءً للأمن من
السرق والغرق والحرق وأن الخضر (عليه السلام) وإلياس يلتقيان في كل موسم فإذا تفرقا
تفرقا عن هذه الكلمات: بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله، ما شاء الله، كل
نعمة فمن الله، ما شاء الله، الخير كله بيد الله، ما شاء الله، لا يصرف السوء إلا
الله).
وفي الكافي: ١/٢٢٧، عن مفضل بن عمر أنه دخل على الإمام الصادق وهو يقرأ دعاءً
بالسريانية ويبكي، وفسره لهم بأنه دعاء نبي الله إلياس (عليه السلام): (كان يقول في
سجوده: أتراك معذبي وقد أظمأت لك هواجري، أتراك معذبي وقد عفرت لك في التراب وجهي،
أتراك معذبي وقد اجتنبت لك المعاصي، أتراك معذبي وقد أسهرت
لك
ليلي؟ قال: فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير معذبك قال فقال: إن قلت لا أعذبك
ثم عذبتني ماذا؟ ألست عبدك وأنت ربي؟ قال: فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير
معذبك إني إذا وعدت وعداً وفيت به).
وفي المحاسن: ٢/٥١٥: (عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله): عليكم بالكرفس فإنه طعام إلياس واليسع ويوشع بن نون). والكافي: ٦/٣٦٦،
ومكارم الأخلاق/١٨٠.
وفي البحار: ١٣/٣٩٣، قصة نبي الله إلياس (عليه السلام) عن وهب بن منبه وابن عباس،
وحاصلها: أنه من أنبياء بني إسرائيل، بعثه الله إلى سبط بني إسرائيل في بعلبك وكان
بعد داود (عليه السلام) أي في حكم الرومان، وكانت زوجة ملكهم رومانية فاجرة وكانوا
يعبدون بعلاً، كما ورد في آيات إلياس (عليه السلام): (وَإِنَّ
إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ.
أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ. اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ
آبَائِكُمُ الأولينَ. فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. إِلا عِبَادَ اللهِ
الْمُخْلَصِينَ. وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ) (الصافات: ١٢٣ - ١٢٩)
فكذبوه وأهانوه وأخافوه وهموا بتعذيبه فهرب منهم ولحق بأصعب جبل فبقي فيه وحده سبع
سنين، يأكل من نبات الأرض وثمار الشجر، فابتلى الله قومه بالقحط ومرض ابن الملك حتى
يئس منه وكان أعز ولده إليه، فاستشفعوا إلى عبدة الصنم ليستشفعوا له فلم ينفع
فبعثوا إلى إلياس (عليه السلام) في الجبل أن يهبط إليهم ويشفع لهم، فنزل إلياس من
الجبل ودعا الله فشافى ابن الملك وأنزل المطر... وفي آخر الرواية: (ثم وصى إلياس
إلى اليسع وأنبت الله لإلياس الريش وألبسه النور ورفعه إلى السماء، وقذف بكسائه من
الجو على اليسع فنبأه الله على بني إسرائيل وأوحى إليه وأيده، فكان بنو إسرائيل
يعظمونه ويهتدون بهداه). ونقل عن الطبرسي قوله: (ورفعه الله تعالى من بين أظهرهم،
وقطع عنه لذة الطعام والشراب، وكساه الريش فصار إنسياً ملكياً أرضياً سماوياً، وسلط
الله على الملك وقومه عدواً لهم فقتل الملك وامرأته، وبعث الله اليسع رسولا فآمنت
به بنو إسرائيل وعظموه وانتهوا إلى أمره).
وروى في البحار: ١٣/٣٩٩، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أن ملك بني إسرائيل هويَ
امرأة
من قوم يعبدون الأصنام من غير بني إسرائيل فخطبها فقالت: على أن أحمل الصنم فأعبده
في بلدتك، فأبى عليها ثم عاودها مرة بعد مرة حتى صار إلى ما أرادت فحولها إليه
ومعها صنم، وجاء معها ثمان مائة رجل يعبدونه... وانتهت القصة بأن القحط أصابهم
فاستغاثوا بإليا، وتاب الملك توبة حسنة حتى لبس الشعر وأرسل الله إليهم المطر
والخصب). انتهى.
أقول: يؤخذ على هذه الروايات ضعف سندها إلى أهل البيت (عليهم السلام)، وأنها أشبه
بمبالغات الإسرائيليات في سياقها غير المنطقي في تعامل الله تعالى مع الأنبياء
(عليهم السلام)! ثم في ادعائها أن بني إسرائيل اهتدوا وآمنوا بإلياس واليسع (عليهما
السلام)، وزعمها أن اليهود كانوا يحكمون أنفسهم مع أنهم انوا تحت حكم الروم وكان
حكامهم منصوبين منهم! وقلعة بعلبك معبد الرومان الوثنيين وقول إلياس (عليه السلام):
(أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ)
(الصافات: ١٢٥) يدل على أنه بُعث إلى وثنيين من الرومان وأتباعهم اليهود. وروى في
الكافي: ١/٢٤٢، عن ابن الحريش عن الإمام محمد الجواد (عليه السلام) قال: قال أبو
عبد الله (عليه السلام): بينا أبي (عليه السلام) يطوف بالكعبة إذا رجل معتجر قد قيض
له فقطع عليه أسبوعه حتى أدخله إلى دار جنب الصفا، فأرسل إليَّ فكنا ثلاثة فقال:
مرحباً يا بن رسول الله، ثم وضع يده على رأسي وقال: بارك الله فيك يا أمين الله بعد
آبائه. يا أبا جعفر إن شئت فأخبرني وإن شئت فأخبرتك وإن شئت سلني وإن شئت سألتك،
وإن شئت فأصدقني وإن شئت صدقتك؟ قال: كل ذلك أشاء قال: فإياك أن ينطق لسانك عند
مسألتي بأمر تضمر لي غيره قال: إنما يفعل ذلك من في قلبه علمان يخالف أحدهما صاحبه،
وإن الله (عزَّ وجلَّ) أبي أن يكون له علم فيه اختلاف قال: هذه مسألتي وقد فسرت
طرفاً منها! أخبرني عن هذا العلم الذي ليس فيه اختلاف مَن يعلمه؟ قال: أما جملة
العلم فعند الله جل ذكره، وأما ما لابد للعباد منه فعند الأوصياء (عليهم السلام)،
قال: ففتح الرجل عجيرته واستوى جالساً وتهلل وجهه، وقال: هذه أردت ولها أتيت، زعمت
أن علم ما لا اختلاف فيه من العلم عند الأوصياء، فكيف
يعلمونه؟ قال: كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعلمه إلا أنهم لا يرون ما كان رسول الله يرى لأنه كان نبياً وهم محدثون، وإنه كان يفد إلى الله (عزَّ وجلَّ) فيسمع الوحي وهم لا يسمعون، فقال: صدقت يا ابن رسول الله.... سآتيك بمسألة صعبة: أخبرني عن هذا العلم ما له لا يظهر كما كان يظهر مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: فضحك أبي (عليه السلام) وقال: أبى الله (عزَّ وجلَّ) أن يطلع على علمه إلا ممتحناً للإيمان به كما قضى على رسول الله أن يصبر على أذى قومه ولا يجاهدهم إلا بأمره، فكم من اكتتام قد اكتتم به حتى قيل له: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)! وأيم الله أن لو صدع قبل ذلك لكان آمناً، ولكنه إنما نظر في الطاعة وخاف الخلاف فلذلك كفَّ، فوددت أن عينك تكون مع مهدي هذه الأمة، والملائكة بسيوف آل داود بين السماء والأرض تعذب أرواح الكفرة من الأموات، وتلحق بهم أرواح أشباههم من الأحياء، ثم أخرج سيفاً ثم قال: ها إن هذا منها، قال فقال أبي: إي والذي اصطفى محمداً على البشر، قال: فرد الرجل اعتجاره وقال: أنا إلياس، ما سألتك عن أمرك وبي منه جهالة، غير أني أحببت أن يكون هذا الحديث قوة لأصحابك... وجاء في آخر الحديث: فقال الرجل: أشهد أنكم أصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه ثم قام الرجل وذهب فلم أره). وعنه البحار: ٢٥/٧٤، ولعله أقوى نص في حياة إلياس (عليه السلام). لكن في هامش البحار: ١٣/٤٠٦: (والحسن بن العباس بن الحريش رجل ضعيف لا يلتفت إلى حديثه، فقد ذكره الشيخ النجاشي في رجاله/٤٥ وقال: ضعيف جداً، له كتاب إنا أنزلناه في ليلة القدر وهو كتاب ردي الحديث مضطرب الألفاظ اهـ: وفي الخلاصة: وقال ابن الغضائري: هو أبو محمد ضعيف، روى عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) فضل إنا أنزلناه كتاباً مصنفاً فاسد الألفاظ، تشهد مخائله على أنه موضوع، وهذا الرجل لا يلتفت إليه ولا يكتب حديثه). انتهى.
* * *
أما مصادر السنيين، فمروياتها تكاد تكون كلها إسرائيليات! ففي الجامع الصغير للسيوطي: ١/٦٣٦: الخضر في البحر، وإلياس في البر، يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج، ويحجان ويعتمران كل عام،
ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل).
وقال في شرحه في فيض القدير: ٣/٦٧٢: (الخضر في البحر) أي معظم إقامته فيه (وإلياس)
بكسر الهمزة من الأيس الخديعة والخيانة واختلاط العقل أو هو إفعال من قولهم رجل
أليس أي شجاع لا يفر، والأليس الثابت الذي لا يبرح كذا ذكره ابن الأنباري، قال
السهيلي: والأصح أن إلياس سمي بضد الرجاء ولامه للتعريف وهمزته همزة وصل وقيل قطع!
(وهو تكلف بارد في اسم عبري أصله من السريانية).
(في البر يجتمعان كل ليلة.. ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل) تمامه طعامهما
ذلك. اهـ. فكأنه سقط من قلم المصنف، وهذا حديث ضعيف لكنه يتقوى بوروده من عدة طرق
بألفاظ مختلفة، فمنها ما في المستدرك عن أنس كنا مع النبي (صلى الله عليه وآله) في
سفر فنزل منزلاً فإذا رجل في الوادي يقول اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة
المغفور لها المتاب عليها، فأشرفتُ على الوادي فإذا رجل طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع
فقال: من أنت؟ قلت: أنس خادم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: وأين هو؟ قلت: هو
ذا يسمع كلامك. قال: أقرئه السلام وقل له أخوك إلياس يقرؤك السلام فأتيته فأخبرته
فجاء حتى اعتنقه ثم قعدا يتحدثان فقال: يا رسول الله إني إنما آكل في السنة مرة
وهذا يوم فطري فآكل أنا وأنت، فنزلت عليهما مائدة من السماء عليها خبز وحوت وكرفس
وأكلا وصليا العصر ثم ودعته فرأيته مشى في السحاب نحو السماء اهـ. وأخرج الحاكم في
المستدرك أن إلياس اجتمع بالمصطفى وأكلا جميعاً وأن طوله ثلاثمائة ذراع وإنه لا
يأكل في السنة إلا مرة واحدة كما مر، وأورده الذهبي في ترجمة يزيد بن يزيد البلوي
وقال إنه خبر باطل. وفي البخاري: يذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس.
قال ابن حجر: أما قول ابن سعود فوصله عبد بن حميد وابن حاتم بإسناد حسن عنه، وأما
قول ابن عباس فوصله جويبر عن الضحاك عنه وإسناده ضعيف ولهذا لم يجزم به البخاري،
وقيل: إلياس إنما هو من بني إسرائيل). وضعفه في ضعيف الجامع/١٠٢.
وفي
الدر المنثور: ٤/٢٤٠: (وأخرج الحارث بن أبي أسمة في مسنده بسند واه عن أنس.. كما
تقدم، وقال: وأخرج ابن عساكر عن ابن أبي داود قال: إلياس والخضر يصومان شهر رمضان
في بيت المقدس ويحجان في كل سنة ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى مثلها من قابل.
وأخرج العقيلي والدارقطني في الافراد وابن عساكر عن ابن عباس عن النبي (صلى الله
عليه وآله) قال: يلتقي الخضر وإلياس كل عام في الموسم فيحلق كل واحد منهما رأس
صاحبه ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات... قال ابن عباس: من قالهن حين يصبح وحين يمسي
ثلاث مرات أمنه الله من الغرق والحرق والسرق ومن الشياطين والسلطان والحية
والعقرب). ورواه في الإصابة: ٢/٢٥١، عن أنس، وقال: قلت وعبد الرحيم وأبان متروكان).
وفي ربيع الأبرار/١٢٦: (مقاتل: من الأنبياء أربعة أحياء: اثنان في السماء عيسى
وإدريس، واثنان في الأرض: إلياس والخضر، فإلياس في البر والخضر في البحر، وهما
يجتمعان كل ليلة على ردم ذي القرنين يحرسانه، ويحجان كل عام ولا يراهما إلا من شاء
الله، وأكلهما الكرفس والكمأة).
وفي فردوس الأخبار: ٢/٢٠٢، عن أنس كما تقدم، ومثله كنز العمال: ١٢/٧١، عن مسند
الحارث. وفيه: الخضر هو الياس(ابن مردويه عن ابن عباس) إنما سمي الخضر خضراً لأنه
جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء (حم، ق (١)، ت - عن أبي هريرة).. إلياس
والخضر أخوان، أبوهما من الفرس وأمهما من الروم(فر عن أبي هريرة).. لما لقي موسى
الخضر جاء طير فألقى منقاره في الماء فقال الخضر لموسى: تدري ما يقول هذا الطائر؟
قال: وما يقول: قال: يقول: ما علمك وعلم موسى في علم الله إلا كما أخذ منقاري من
هذا الماء (ك عن أبي).. يلتقي الخضر وإلياس في كل عام في الموسم بمنى فيحلق كل واحد
منهما رأس صاحبه ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات: بسم الله ما شاء الله، لا يسوق الخير
إلا الله، ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ما شاء الله، ما كان من نعمة فمن
الله، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله،
من
قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات آمنه الله من الغرق والسرق ومن الشيطان
والسلطان ومن الحية والعقرب. (قط في الافراد وأبو إسحاق الذكي في فوائده، عق، عد
وابن عساكر عن ابن عباس وضعف، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات). وبعضه في فتح
الباري: ٦/٢٦٦، وقال في: ٧/٣٤٢: (وأغرب ابن التين فجزم أن إلياس ليس بنبي وبناه على
قول من زعم أنه أيضاً حي، وهو ضعيف أعني كونه حياً وأما كونه ليس بنبي فنفيٌ باطل
ففي القرآن العظيم: وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، فكيف يكون أحد من بني
آدم مرسلاً وليس بنبي). انتهى.
أقول: وشطحة ابن التين لها مثيلات منه، وهو مثلٌ لمن تستهويه الإسرائيليات فينسى نص
القرآن، أو يتحايل عليه! والنتيجة: أن أخبار إلياس (عليه السلام) حتى في مصادرنا
متأثرة بالإسرائيليات، لا يمكن الاعتماد على أمثالها ما لم يؤيده الخبر عن النبي
(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) وهو هنا قليل. وأما الخضر (عليه
السلام) فأحاديثه متوفرة وفيها الصحيح، وأنه حي يرزق، وأنه من أصحاب الإمام المهدي
(عليه السلام) في غيبته، ويظهر معه عند ظهوره.
أصحاب الكهف أعوان المهدي (عليه السلام)
قال الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ
وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا. إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إلى
الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئ لَنَا مِنْ
أَمْرِنَا رَشَدًا. فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عدداً.
ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا
أَمَدًا. نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ
آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى. وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ
قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرض لَنْ نَدْعُوَاْ مِنْ
دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا. هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ
دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا. وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا
يَعْبُدُونَ إِلا اللهَ فَاوُواْ إلى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ
رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا. وَتَرَى الشَّمْسَ
إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ
وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ
مِنْ آيَاتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ
تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا. وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ
وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ
ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ
فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا. وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا
بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ
بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ
بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إلى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا
فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا.
إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي
مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا. وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ
لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ
يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا
رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ
لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا. سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ
كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ
وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّى أَعْلَمُ
بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً
ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) (الكهف: ٩ - ٢٢).
وذكر المفسرون في سبب نزولها أن قبائل قريش بعثت إلى حاخامات اليهود ثلاثة من
أصدقائهم هم: العاص السهمي وابن معيط الأموي وابن كلدة العبدري، ليأتوهم بمسائل
يعجز عن جوابها النبي (صلى الله عليه وآله)! فجاؤوا بمسائل: منها متى تقوم الساعة،
وعن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين. (تفسير القمي: ١/٢٤٩، والطبري: ١٥/٢٨٥).
وفي تفسير القمي: ٢/٣١: (وهم فتية كانوا في الفترة بين عيسى بن مريم ومحمد (صلى
الله عليه وآله). وأما الرقيم فهما لوحان من نحاس مرقومان، أي مكتوب فيهما أمر
الفتية وأمر إسلامهم، وما أراد منهم دقيانوس الملك وكيف كان أمرهم وحالهم).
وفي تفسير العياشي: ٢/٣٢١، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (وكتب ملك ذلك
الزمان بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشايرهم في صحف من رصاص).
وفي الدر المنثور: ٤/٢١٥: وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس: قال رسول الله: إن
أهل
الكهف من أصحاب المهدي (عليه السلام). وأخرج الزجاجي في أماليه عن ابن عباس في
قوله: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ
وَالرَّقِيمِ)؟ قال: إن الفتية لما هربوا من أهليهم خوفاً على دينهم فقدوهم
فخبروا الملك خبرهم، فأمر بلوح من رصاص فكتب فيه أسماءهم وألقاه في خزانته وقال إنه
سيكون لهم شأن). والعطر الوردي/٧٠، كالدر المنثور عن تاريخ ابن الجوزي وقال: وحينئذ
فَسِرُّ تأخيرهم إلى هذا المدة إكرامهم بشرف دخولهم في هذه الأمة وإعانتهم لخليفة
الحق، كما نقله الصبان عن السيوطي. ونحوه في سبل الهدى: ٢/١٢٤، والفواكه الدواني:
١/٧٠، وفي فتح الباري: ٦/٣٦٥، عن حديث: أصحاب الكهف أعوان المهدي: (وسنده ضعيف، فإن
ثبت حمل على أنهم لم يموتوا بل هم في المنام إلى أن يبعثوا لإعانة المهدي). انتهى.
وفي الفواكه الدواني: ١/٧٠: (ويكون المهدي مع أصحاب الكهف الذين هم من أتباع المهدي
من جملة أتباعه، ويصلي عيسى وراء المهدي صلاة الصبح، وذلك لا يقدح في قدر نبوته،
ويسلم المهدي لعيسى الأمر ويقتل الدجال. ويموت المهدي ببيت المقدس وينتظم الأمر كله
لعيسى (عليه السلام) ويمكث في الأرض بعد نزوله أربعين سنة ثم يموت ويصلي عليه
المسلمون. وقيل يمكث سبع سنين بعد نزوله ليس يبقى بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله
الريح التي تقبض أرواح المؤمنين). انتهى.
وكلامه ترديد لأفكار كعب، كأنها أحاديث نبوية قطعية!
قصة البساط النبوي
روت مصادر السنة والشيعة حديثاً عجيباً، مفاده: أن بعض أصحاب النبي (صلى الله عليه
وآله) طلبوا منه أن يريهم أهل الكهف فأمرهم أن يركبوا على بساط، وبعث معهم علياً
(عليه السلام) فطار بهم البساط حتى وصلوا إلى أهل الكهف فرأوهم نائمين فكلموهم فلم
يجيبوهم وكلمهم علي (عليه السلام) فأجابوه (فقال أبو بكر: يا علي ما بالهم ردوا
عليك وما ردوا علينا؟ فقال لهم علي، فقالوا: إنا لا نردُّ بعد الموت إلا على نبي أو
وصى نبي). انتهى.
ورووا أن علياً (عليه السلام) استشهد بأنس بن مالك على هذه الكرامة، فأبى أن يشهد!
فدعا عليه فأصابه البرص والعمى! (راجع: عقد الدرر/١٤١، عن تفسير الثعلبي، وعنه
البرهان
للهندي/٨٧، ومناقب ابن المغازلي/٢٣٢، عن أنس، وسعد السعود لابن طاووس/١١٢، وقال:
فصل فيما نذكره من كتاب التفسير مجلد واحد، تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد
القزويني نذكر منه حديثاً واحداً من تفسير سورة الكهف، من الوجهة الأولة من القائمة
الثانية من الكراس الرابعة، بإسناده عن محمد بن أبي يعقوب الجوال الدينوري قال:
حدثني جعفر بن نصر بحمص قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ثابت عن أنس بن مالك
قال: أهدي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بساط من قرية يقال لها بهندف... هذا
الحديث رويناه من عدة طرق مذكورات وإنما ذكرناه هاهنا لأنه من رجال الجمهور وهم غير
متهمين فيما ينقلونه لمولانا علي (عليه السلام) من الكرامات.. والخرائج والجرائح:
١/٢١٠، والفضائل لابن شاذان/١٦٤، ومناقب ابن شهرآشوب: ٢/٣٣٧ و٣٣٨ بمعناه، عن جابر
وأنس.، والثاقب في المناقب/٧١، واليقين/١٣٣، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وإرشاد
القلوب/٢٦٨، وخلاصة عبقات الأنوار: ٣/٢٥٨، ونفحات الأزهار: ٣/٢٤١. والطرائف لابن
طاووس/٨٤ وقال: وزاد الثعلبي في هذا الحديث علي ابن المغازلي: قال فصاروا إلى
رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدي، فقال(ابن المغازلي): إن المهدي يسلم عليهم
فيحييهم الله (عزَّ وجلَّ) له، ثم يرجعون إلى رقدتهم فلا يقومون إلى يوم القيامة).
ملاحظات
١ - في الإرشاد: ٢/١١٧: (عن زيد بن أرقم أنه قال: مُرَّ به عليَّ (رأس الحسين (عليه
السلام)) وهو على رمح وأنا في غرفة، فلما حاذاني سمعته يقرأ: (أَمْ
حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا)،
فقفَّ والله شعري وناديت: رأسك والله يا ابن رسول الله أعجب وأعجب). (ومناقب آل أبي
طالب: ٣/٢١٨).
وفي مناقب ابن سليمان: ٢/٢٦٧: (عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو قال: رأيت رأس الحسين
على الرمح وهو يتلو هذه الآية: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ
أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا)! فقال
رجل من عرض الناس: رأسك يا بن رسول الله أعجب)!
٢ -
المتفق عليه في نصوص أصحاب الكهف أنهم من أصحاب المهدي (عليه السلام)، ويقوِّيه أن
الله تعالى جعل الذين ظهروا في عصرهم يكتبون قصتهم على رقيم حديدي ويبنون عليهم باب
الكهف، وأنه تعالى تكلم عن عددهم كثيراً ولم يبينه! وهذا يعني أن له فيهم قصداً في
المستقبل وهو دورهم في عصر الإمام المهدي (عليه السلام). لذلك من البعيد أن يقتصر
دورهم على تكليم الإمام (عليه السلام) ثم يموتون، كما تصور ابن المغازلي والثعلبي،
بل يعارضه ما رواه في الهداية/٣١: (يأتيه الله ببقايا قوم موسى (عليه السلام) ويجيء
له أصحاب الكهف ويؤيده الله بالملائكة). وفي الإرشاد/٣٦٥، عن المفضل بن عمر، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: (يخرج مع القائم (عليه السلام)... خمسة عشر من قوم
موسى (عليه السلام) الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع
بن نون... فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً). فقد نصت هذه الروايات وغيرها على
دورهم معه (عليه السلام)، ولا بد أن يكونوا عوناً له في إقامة الحجة على الروم
الذين هم منهم، والذين يحشدون نحو مليون جندي من جيوشهم في منطقة أنطاكية وقد يكون
الوفد الذي يرسله المهدي (عليه السلام) إلى أنطاكية هدفه الأساسي كشف أهل الكهف لكي
يحتجوا على الروم، ثم يلتحقون بالإمام (عليه السلام).
وقد نصت رواية فوائد الفكر/١٠٣، التالية على أنهم يكونون معه (عليه السلام) في
حركته نحو الشام والقدس: (عن حذيفة عن النبي (صلى الله عليه وآله): لا تحشر أمتي
حتى يخرج المهدي.... ثم يتوجه إلى الشام وجبريل على مقدمته وميكائيل على يساره،
ومعه أهل الكهف أعوان له فيفرح به أهل السماء والأرض).
٣ - ومما يتصل بأهل الكهف مكانة أنطاكية في حركة الإمام المهدي (عليه السلام) وأنه
سيكون لها شأن بصفتها مركزاً لحواريي المسيح (عليه السلام) ودعوته، وأنه يرسل وفداً
من أصحابه فيستخرج نسخ التوراة الأصلية من مكان فيها. ففي دلائل الإمامة/٢٤٩، عن
الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (إنما سمي المهدي مهدياً لأنه يهدي لأمر خفي يهدي
ما في
صدور
الناس، ويبعث إلى الرجل فيقتله لا يدرى في أي شيء قتله، ويبعث ثلاثة رَكْب، أما
ركبٌ فيأخذ ما في أيدي أهل الذمة من رقيق المسلمين فيعتقهم، وأما ركب فيظهر البراءة
من يغوث ويعوق في أرض العرب. وركب يخرج التوراة من مغارة بأنطاكية. ويعطى حكم
سليمان). والخرائج: ٢/٨٦٢، وغيره.
وفي غيبة النعماني/٢٣٧، عن عمرو بن شمر، عن جابر قال: دخل رجل على أبي جعفر الباقر
(عليه السلام) فقال له: عافاك الله إقبض مني هذه الخمسمائة درهم فإنها زكاة مالي
فقال له أبو جعفر (عليه السلام): خذها أنت فضعها في جيرانك من أهل الإسلام
والمساكين من إخوانك المؤمنين. ثم قال: إذا قام قائم أهل البيت قسم بالسوية وعدل في
الرعية فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله. وإنما سمي المهدي مهدياً
لأنه يهدي إلى أمر خفي، ويستخرج التوراة وسائر كتب الله (عزَّ وجلَّ) من غار
بأنطاكية، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة وبين أهل الإنجيل بالإنجيل وبين أهل
الزبور بالزبور وبين أهل القرآن بالقرآن. وتجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض
وظهرها فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء الحرام،
وركبتم فيه ما حرم الله (عزَّ وجلَّ)، فيعطي شيئاً لم يعطه أحد كان قبله، ويملؤ
الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً، كما ملئت ظلماً وجوراً وشراً). وعلل الشرائع/١٦١، وعقد
الدرر/٣٩ إلى قوله: أمر خفي.
قد يقال: لماذا لم يقبل الإمام الباقر (عليه السلام) زكاة ذلك الرجل ويضعها في
موضعها، مع أن الله تعالى أمر نبيه (صلى الله عليه وآله) بقبولها بقوله: (خُذْ
مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ
عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة:
١٠٣). والجواب: أن الأئمة (عليهم السلام) كانوا كجدهم (صلى الله عليه وآله) يقبلون
الصدقات والزكوات والأخماس من الناس، ولا بد أن للقصة ظروفاً لم ينقلها الراوي
أوجبت أن يتحدث الإمام الباقر (عليه السلام) عن إعادة توزيع الثروة وبسطها على
الناس في عصر الإمام المهدي (عليه السلام). على أن الإمام الباقر (عليه السلام) أمر
الشخص بصرفها في مواضعها، وهو نوع من القبول.
* * *
وفي
ابن حماد: ١/٣٥٥، عن كعب قال: المهدي يبعث بقتال الروم، يعطى فقه عشرة، يستخرج
تابوت السكينة من غار بأنطاكية فيه التوراة التي أنزل الله تعالى على موسى (عليه
السلام)، والإنجيل الذي أنزل الله (عزَّ وجلَّ) على عيسى (عليه السلام)، يحكم بين
أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم).
وفي العرائس للثعلبي/١١٨، عن تميم الداري قال: قلت يا رسول الله مررت بمدينة صفتها
كيت وكيت قريبة من ساحل البحر، فقال (صلى الله عليه وآله): تلك أنطاكية، أما إن في
غار من غيرانها رضاضاً من ألواح موسى، وما من سحابة شرقية ولا غربية تمر بها إلا
ألقت عليها من بركاتها، ولن تذهب الأيام والليالي حتى يسكنها رجل من أهل بيتي
يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً). والرضراض: القطع الصغيرة.
وفي تاريخ بغداد: ٩/٤٧١، عن تميم الداري قال قلت: يا رسول الله، ما رأيت للروم
مدينة مثل مدينة يقال لها أنطاكية، وما رأيت أكثر مطراً منها! فقال النبي (صلى الله
عليه وآله) نعم، وذلك أن فيها التوراة، وعصا موسى ورضراض الألواح، ومائدة سليمان بن
داود في غار من غيرانها، ما من سحابة تشرف عليها من وجه من الوجوه إلا فرغت ما فيها
من البركة في ذلك الوادي، ولا تذهب الأيام ولا الليالي حتى يسكنها رجل من عترتي
اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يشبه خلقه خلقي وخلقه خلقي، يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً
كما ملئت ظلماً وجوراً).
أقول: لا قيمة لما يقوله كعب وتميم ولا لما يرويانه، بعد أن ثبت تكذيب أهل البيت
(عليه السلام) لهما، خاصة إذا كان كلامهما عن مكانة منطقة تخص اليهود والنصارى. على
أن ابن الجوزي حكم بأن رواية تميم لا تصح وأنها موضوعة (الموضوعات: ٢/٥٧). لكن نقبل
مضمون هذا الكلام لأنه تقدم برواية غير تميم وكعب، على أن عدداً من الروايات نسبت
إليهما بعد عصرهما.
من أصحاب المهدي (عليه السلام) سبعة علماء من بلاد شتى
ابن
حماد: ١/٣٤٥، عن ابن مسعود ولم يسنده إلى النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (إذا
انقطعت التجارات والطرق وكثرت الفتن، خرج سبعة رجال علماًء من أفق شتى على غير
ميعاد، يبايع لكل رجل منهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، حتى يجتمعوا بمكة فيلتقي
السبعة فيقول بعضهم لبعض: ما جاء بكم؟ فيقولون: جئنا في طلب هذا الرجل الذي ينبغي
أن تهدأ على يديه هذه الفتن وتفتح له القسطنطينية، قد عرفناه باسمه واسم أبيه وأمه
وحليته، فيتفق السبعة على ذلك. فيطلبونه فيصيبونه بمكة: فيقولون له: أنت فلان بن
فلان، فيقول لا، بل أنا رجل من الأنصار، حتى يفلت منهم. فيصفونه لأهل الخبرة
والمعرفة به، فيقال هو صاحبكم الذي تطلبونه، وقد لحق بالمدينة، فيطلبونه بالمدينة
فيخالفهم إلى مكة، فيطلبونه بمكة فيصيبونه فيقولون: أنت فلان بن فلان وأمك فلانة
بنت فلان وفيك آية كذا وكذا، وقد أفلت منا مرة فمد يدك نبايعك فيقول: لست بصاحبكم
أنا فلان بن فلان الأنصاري، مروا بنا أدلكم على صاحبكم، حتى يفلت منهم، فيطلبونه
بالمدينة فيخالفهم إلى مكة فيصيبونه بمكة عند الركن فيقولون: إثمنا عليك ودماؤنا في
عنقك إن لم تمد يدك نبايعك، هذا عسكر السفياني قد توجه في طلبنا عليهم رجل من جرم،
فيجلس بين الركن والمقام فيمد يده فيبايع له، ويلقي الله محبته في صدور الناس،
فيسير مع قوم أسد بالنهار رهبان بالليل).
أقول: هذه القصة نموذج لفهم جمهور السنيين للبشارة النبوية بالمهدي (عليه السلام)
في القرن الثاني والثالث، وقد أسندوا روايتها إلى ابن مسعود (رحمه الله) الذي كان
يتحدث عن بشارة النبي (صلى الله عليه وآله) بالأئمة الاثني عشر وخاتمهم الإمام
المهدي (عليهم السلام)، وأدخلوا فيها عناصر تصوراتهم عن المهدي الموعود وتفسيرهم
لقول النبي (صلى الله عليه وآله) إنه يبايع وهو كاره، وأصل معناه أنه يبايع على غير
رغبة منه كما يرغب الطالبون للحكم. وأدخلوا فيها أمنيتهم بفتح القسطنطينية التي
استعصت على المسلمين وصارت عقدة عندهم مدة قرون، حتى فتحها أخيراً القائد التركي
محمد الفاتح.
لكنهم
حافظوا في القصة على هوية الإمام المهدي (عليه السلام) وعلى أن جيش السفياني السوري
يقصد مكة للقضاء على حركته فيخسف الله به، وحديث جيش الخسف مشهور عند المسلمين من
عهد النبي (صلى الله عليه وآله).
وشاهدنا أن الرواية حافظت على عدد أصحاب المهدي (عليه السلام) الثلاث مئة وثلاثة
عشر، الذين يجمعهم الله تعالى من بلاد شتى، وجعلت ممثليهم هؤلاء العلماء الباحثين
عن الإمام (عليه السلام). وقد روى ابن حماد في هؤلاء العلماء السبعة عدة روايات
طويلة وقصيرة، لكن ليس فيها رواية مسندة إلى النبي أو الأئمة (عليهم السلام). وعنه
عقد الدرر/١٣٢، والحاوي: ٢/٧٠، والسفاريني: ٢/١١، وغيرهم.
النفس الزكية الشهيد في ظهر الكوفة من علامات المهدي (عليه السلام)
في الإرشاد: ٢/٣٦٨: (جاءت الأخبار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي (عليه
السلام) وحوادث تكون أمام قيامه، وآيات ودلالات: فمنها: خروج السفياني، وقتل الحسني
واختلاف بني العباس في الملك الدنياوي، وكسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف
القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف بالبيداء، وخسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وركود
الشمس من عند الزوال إلى وسط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكية بظهر
الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام وهدم سور الكوفة).
ونحوه في روضة الواعظين/٢٦٢، وتاج المواليد/٧٠، والمستجاد/٢٥٣، والصراط المستقيم:
٢/٢٤٨.
أقول: تلاحظ أن فيها فروقات في عدد العلامات وترتيبها، ويظهر أن مقصود المفيد (رحمه
الله) سردها ولو بذكر المتأخر قبل المتقدم. وشاهدنا منها: (وقتل الحسني... وقتل نفس
زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهدم
سور الكوفة). ولم تعين الرواية بلد الحسني، أما الهاشمي الذي يذبح بين الركن
والمقام ففيه روايات صريحة ستأتي.
وأما
هدم سور الكوفة فيقصد به سور مسجدها من الجهة المقابلة للقبلة كما دلت الروايات.
وأما النفس الزكية التي تقتل في سبعين من الصالحين بظهر الكوفة، فأوضح من تنطبق
عليهم ممن قتلوا في النجف إلى الآن، هو الشهيد السيد محمد باقر الحكيم (قدّس سره)
فقد قتل في أكثر من سبعين، ومعناه أن سبعين منهم صالحون.
وتقدم من مختصر البصائر/١٩٩، الخطبة المروية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) التي
تسمى المخزون، جاء فيها: ألا يا أيها الناس، سلوني قبل أن تشرع برجلها فتنة شرقية
وتطأ في خطامها بعد موت وحياة أو تشب نار بالحطب الجزل غربي الأرض ورافعة ذيلها
تدعو يا ويلها بذحلة أو مثلها فإذا استدار الفلك قلتم مات أو هلك بأي واد سلك،
فيومئذ تأويل هذه الآية: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ
عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ
نَفِيراً). ولذلك آيات وعلامات أولهن إحصار الكوفة بالرصد والخندق وتحريق
الزوايا في سكك الكوفة وتعطيل المساجد أربعين ليلة، وتخفق رايات ثلاث حول المسجد
الأكبر يشبهن بالهدى، القاتل والمقتول في النار، وقتل كثير وموت ذريع، وقتل النفس
الزكية بظهر الكوفة في سبعين، والمذبوح بين الركن والمقام وقتل الأسبغ المظفر صبراً
في بيعة الأصنام مع كثير من شياطين الإنس). الخ.
وكلام الرواية عن الحجاز والعراق معاً، والرايات التي تتنازع حول المسجد الأكبر
تقصد المسجد الحرام. والقتل الذريع يحتمل أن يكون في البلدين، والنفس الزكية بظهر
الكوفة أي النجف. والأسبغ المظفر شخص يعتقل ويقتل صبراً أي يحكم عليه بالقتل، ولم
تعين بلده.
النفس الزكية الشهيد في المدينة من علامات المهدي (عليه السلام)
في ابن حماد: ١/٣٢٤، عن كعب قال: تستباح المدينة حينئذ وتقتل النفس الزكية. وفي/٩٠،
عن ابن مسعود قال: يبعث جيش إلى المدينة فيخسف بهم بين الحماوين،
تقتل
النفس الزكية). وعنه عقد الدرر/٦٦، وملاحم ابن طاووس/٥٧.
وفي الكافي: ١/٣٣٧، بعدة روايات عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: إن للغلام غيبة قبل أن يقوم، قال قلت: ولم؟ قال: يخاف وأومأ بيده إلى بطنه،
ثم قال: يا زرارة وهو المنتظر، وهو الذي يشك في ولادته، منهم من يقول مات أبوه بلا
خلف، ومنهم من يقول حمل، ومنهم من يقول إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين وهو المنتظر،
غير أن الله (عزَّ وجلَّ) يحبُّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا
زرارة. قال: قلت: جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل؟ قال: يا زرارة إذا
أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء: اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم
أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني
حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني. ثم قال: يا زرارة لابد من قتل غلام
بالمدينة، قلت: جعلت فداك أليس يقتله جيش السفياني؟ قال: لا، ولكن يقتله جيش آل بني
فلان، يجيء حتى يدخل المدينة فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً
لايمهلون، فعند ذلك توقع الفرج إن شاء الله). والنعماني/١٦٦، و١٧٧، بروايات، وكمال
الدين: ٢/٣٤٢ و٣٤٦ و٤٨١، بعدة طرق، ودلائل الإمامة/٢٩٣، كرواية كمال الدين الأخيرة
بتفاوت يسير، وغيبة الطوسي/٢٠٢، كرواية النعماني الأولى.. الخ.
وفي ابن حماد: ١/٣٢٣، عن علي (عليه السلام) قال: يكتب السفياني إلى الذي دخل الكوفة
بخيله، بعدما يعركها عرك الأديم، يأمره بالسير إلى الحجاز، فيسير إلى المدينة فيضع
السيف في قريش فيقتل منهم ومن الأنصار أربع مائة رجل، ويبقر البطون ويقتل الولدان،
ويقتل أخوين من قريش، رجل وأخته يقال لهما محمد وفاطمة ويصلبهما على باب المسجد
بالمدينة). وعنه ملاحم ابن طاووس/٥٦.
وفي ابن حماد: ١/٣٢٣، عن أبي رومان قال: يبعث بجيش إلى المدينة فيأخذون من قدروا
عليه من آل محمد، ويُقتل من بني هاشم رجال ونساء، فعند ذلك يهرب المهدي والمنصور من
المدينة إلى مكة فيبعث في طلبهما وقد لحقا بحرم الله وأمنه).
وتسمي
بعض الروايات هذا الغلام النفس الزكية، وهو غير النفس الزكية الذي يقتل في مكة قبيل
ظهور المهدي (عليه السلام). فعن الإمام الباقر (عليه السلام): ويظهر السفياني ومن
معه حتى لايكون له همة إلا آل محمد (صلى الله عليه وآله) وشيعتهم فيبعث بعثاً إلى
الكوفة فيصاب بأناس من شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله) قتلاً وصلباً. ويبعث
بعثاً إلى المدينة فيقتل بها رجلاً ويهرب المهدي والمنصور منها، ويؤخذ آل محمد
صغيرهم وكبيرهم لايترك منهم أحد إلا أخذ وحبس، ويخرج الجيش في طلب الرجلين، ويخرج
المهدي منها على سنة موسى خائفاً يترقب حتى يقدم مكة). (تفسير العياشي: ١/٦٥،
والبحار: ٥٢/٢٢٢).
النفس الزكية في مكة من أصحاب المهدي (عليه السلام)
في غيبة النعماني/٢٥٧: (قلنا له(للإمام الصادق (عليه السلام)): السفياني من
المحتوم؟ فقال: نعم وقتل النفس الزكية من المحتوم، والقائم من المحتوم، وخسف
البيداء من المحتوم، وكفٌّ تطلع من السماء من المحتوم، والنداء من السماء من
المحتوم. فقلت: وأي شيء يكون النداء؟ فقال: مناد ينادي باسم القائم واسم أبيه
(عليهما السلام)).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (ألا أخبركم بآخر ملك بني فلان؟ قلنا بلى أمير
المؤمنين. قال: قتل نفس حرام في بلد حرام عن قوم من قريش، والذي فلق الحبة وبرأ
النسمة ما لهم ملك بعده غير خمسة عشر ليلة). وعنه البحار: ٥٢/٢٣٤.
وفي النعماني/٢٦٤، عن حمران بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من
المحتوم الذي لابد أن يكون من قبل قيام القائم خروج السفياني، وخسف بالبيداء، وقتل
النفس الزكية، والمنادي من السماء). وعنه البحار: ٥٢/٢٩٤
وفي النعماني/٢٦٢، عن محمد بن الصامت، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له:
ما علامة بين يدي هذا الأمر؟ فقال: بلى، قلت: وما هي؟ قال: هلاك العباسي، وخروج
السفياني، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء، والصوت من السماء. فقلت: جعلت فداك
أخاف أن يطول هذا الأمر، فقال: لا إنما هو كنظام الخرز يتبع
بعضه
بعضاً). وعنه عقد الدرر/٤٩، والبرهان/١١٤... وقد تقدم أن معنى خروج الثلاثة كنظام
الخرز مع أنه في يوم واحد: أن أحداث خروجهم قد تكون متفرعة عن حدث واحد.
وفي كمال الدين: ٢/٦٤٩، عن صالح مولى بني العذراء قال: سمعت أبا عبد الله الصادق
(عليه السلام) يقول: ليس بين قيام قائم آل محمد وبين قتل النفس الزكية إلا خمس عشرة
ليلة). ومثله الإرشاد/٣٦٠، وغيبة الطوسي/٢٧١، وإعلام الورى/٤٢٧، وكشف الغمة:
٣/٢٥٠.. الخ.
وفي غيبة الطوسي/٢٧٨، عن عمار بن ياسر أنه قال: إن دولة أهل بيت نبيكم في آخر
الزمان ولها أمارات... وإذا رأيتم أهل الشام قد اجتمع أمرها على ابن أبي سفيان
فالحقوا بمكة، فعند ذلك تقتل النفس الزكية وأخوه بمكة ضيعة فينادي مناد من السماء:
أيها الناس إن أميركم فلان، وذلك هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت
ظلماً وجوراً). انتهى.
وفي غيبة الطوسي/٤٦٤، عن إبراهيم الجريري قال: النفس الزكية غلام من آل محمد اسمه:
محمد بن الحسن يقتل بلا جرم ولا ذنب، فإذا قتلوه لم يبق لهم في السماء عاذر ولا في
الأرض ناصر. فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمد في عصبة لهم أدق في أعين الناس من
الكحل، إذا خرجوا بكى لهم الناس، لا يرون إلا أنهم يُختطفون، يفتح الله لهم مشارق
الأرض ومغاربها، ألا وهم المؤمنون حقاً. ألا إن خير الجهاد في آخر الزمان). انتهى.
هذا، وقد ورد ذكر النفس الزكية في تجمع أصحابه (عليه السلام) في مكة، وفي بيعتهم
له، وخطبته عند الكعبة، كما سيأتي.
* * *
كما روت شهادة النفس الزكية بعض مصادر السنيين، كابن أبي شيبة: ٨/٦٧٩ أو: ١٥/١٩٩، عن مجاهد: قال فلان رجل من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله): إن المهدي لا يخرج حتى تقتل النفس الزكية، فإذا قتلت النفس الزكية غضب عليهم من في السماء ومن في الأرض، فأتى الناس المهدي فزفوه كما تزف العروس إلى زوجها ليلة عرسها، وهو يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وتخرج الأرض نباتها وتمطر المساء مطرها، وتنعم
أمتي
في ولايته نعمة لم تنعمها قط). والنفس الزكية، هنا صفة لشخص معين ممدوح كما تدل
عليه أحاديثه، وقد كان ذلك معروفاً عند الصحابة، ولذا حاول بعضهم تطبيقه على محمد
بن عبد الله بن الحسن المثنى، الذي سمي بالنفس الزكية، وغيره.
وابن حماد: ١/٣٣٩، مضافاً إلى ما تقدم: عن عمار بن ياسر (رضي الله عنه) قال: إذا
قتل النفس الزكية وأخوه يقتل بمكة ضيْعَةً نادى مناد من السماء إن أميركم فلان وذلك
المهدي الذي يملأ الأرض حقاً وعدلاً). وعنه عقد الدرر/٦٦، ١. والدر المنثور: ٦/٥٨،
والحاوي: ٢/٦٥، عن ابن أبي شيبة. و: ٢/٧٦، عن ابن حماد، والمغربي/٥٧٣، عن ابن أبي
شيبة. وملاحم ابن طاووس/٦١، عن ابن شيبة. وفي/١٧٩، عن عمرو بن قيس الماصر قال قلت
لمجاهد: عندك في شأن المهدي شيء فإن هؤلاء الشيعة لا نصدقهم؟ قال: نعم عندي فيه شيء
مثبت، حدثني رجل من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)... وذكر حديث النفس الزكية
المتقدم. وأورد ابن حماد: ١/١٩٣، و: ١/٣٢٤، و٣٢٩، و٣٣٠، و٣٣٩، عدة أحاديث حول النفس
الزكية الذي يقتل في المدينة، والنفس الزكية الذي يقتل في مكة، منها/٩٣: (إن المهدي
لا يخرج حتى تقتل النفس الزكية، فإذا قتلت النفس الزكية غضب عليهم من في السماء ومن
في الأرض، فأتى الناس المهدي فزفوه كما تزف العروس إلى زوجها ليلة عرسها، وهو يملأ
الأرض قسطاً وعدلاً، وتخرج الأرض نباتها وتمطر المساء مطرها، وتنعم أمتي في ولايته
نعمة لم تنعمها قط).
* * *
٢ - أصحاب المهدي (عليه السلام) الخاصون الثلاث مئة وثلاثة عشر: مقام أصحاب الإمام
المهدي (عليه السلام)
في نهج البلاغة: ٢/١٢٦: ألا بأبي وأمي، هم من عدة أسماؤهم في السماء معروفة وفي
الأرض مجهولة. ألا فتوقعوا ما يكون من إدبار أموركم وانقطاع وصلكم واستعمال صغاركم.
ذاك حيث تكون ضربة السيف على المؤمن أهون من الدرهم
من حله. ذاك حيث يكون المعطى أعظم أجراً من المعطي. ذاك حيث تسكرون من غير شراب، بل
من النعمة والنعيم، وتحلفون من غير اضطرار، وتكذبون من غير إحراج. ذاك إذا عضكم
البلاء كما يعض القتب غارب البعير. ما أطول هذا العناء، وأبعد هذا الرجاء). وابن
ميثم: ٤/١٨٢، ومنهاج البراعة: ١١/١٤١، وشرح النهج: ١٣/٩٥، وينابيع المودة/٤٣٧.
وفي كمال الدين: ٢/٦٥٤، عن عبد الله بن عجلان قال: ذكرنا خروج القائم (عليه السلام)
عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له: كيف لنا أن نعلم ذلك؟ فقال: يصبح أحدكم
وتحت رأسه صحيفة عليها مكتوب: طاعة معروفة). ومثله العدد القوية/٦٦، والبحار:
٥٢/٣٠٥، عن السيد علي بن عبد الحميد. وإثبات الهداة: ٣/٥٨٢، عن البحار.
وفي كمال الدين: ٢/٦٧٣، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كأني
بأصحاب القائم (عليه السلام) وقد أحاطوا بما بين الخافقين، فليس من شيء إلا وهو
مطيع لهم حتى سباع الأرض وسباع الطير، يطلب رضاهم في كل شيء حتى تفخر الأرض على
الأرض وتقول مرَّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم (عليه السلام)) وإثبات الهداة:
٣/٤٩٤، والبحار: ٥٢/٣٢٧.
وفي علل الشرائع/٨٩، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث جاء
فيه: فقال أبو بكر الحضرمي: جعلت فداك الجواب في المسألتين الأوليتين؟ فقال: يا أبا
بكر: (سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ)،
فقال: مع قائمنا أهل البيت وأما قوله: (وَمَنْ دَخَلَهُ
كَانَ آمِناً)، فمن بايعه ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقد أصحابه كان
آمناً). وعنه حلية الأبرار: ٢/١٤٨، والبحار: ٢/٢٩٢، عن علل الشرائع.
الاختصاص/٣٢٥، عن أبي بصير قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده رجل من
أهل خراسان وهو يكلمه بلسان لا أفهمه ثم رجع إلى شيء فهمته، فسمعت أبا عبد الله
(عليه السلام) يقول: أركض برجلك الأرض فإذا بحر تلك الأرض على حافتيها فرسان قد
وضعوا رقابهم على قرابيس سروجهم، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): هؤلاء أصحاب
القائم (عليه السلام)). ومثله دلائل الإمامة/٢٤٥، بتفاوت، وعنه البحار: ٤٧/٨٩.
لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون!
وفي المستدرك: ٤/٥٥٤، وصححه على شرط الشيخين، عن محمد بن الحنفية قال: كنا عند علي
(رضي الله عنه) فسأله رجل عن المهدي فقال علي: هيهات ثم عقد بيده سبعاً فقال: ذاك
يخرج في آخر الزمان، إذا قال الرجل الله الله قتل، فيجمع الله تعالى له قوماً قزع
كقزع السحاب، يؤلف الله بين قلوبهم، لا يستوحشون إلى أحد ولا يفرحون بأحد يدخل
فيهم، على عدة أصحاب بدر، لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون، وعلى عدد أصحاب
طالوت الذين جاوزوا معه النهر! قال أبو الطفيل: قال ابن الحنفية: أتريده؟ قلت: نعم.
قال: إنه يخرج من بين هذين الخشبتين. قلت: لا جرم والله لا أريمهما حتى أموت. فمات
بها يعني مكة حرسها الله تعالى). وعنه عقد الدرر/٥٩، وعقيدة أهل السنة في
المهدي/٣٠، وغيره.
بل ورد عندنا أنهم أفضل من أصحاب جميع الأنبياء (عليهم السلام)، ففي البصائر/١٠٤:
(عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم وعنده
جماعة من أصحابه: اللهم لقني إخواني مرتين، فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك
يا رسول الله؟ فقال: لا، إنكم أصحابي، وإخواني قوم من آخر الزمان آمنوا بي ولم
يروني، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم
وأرحام أمهاتهم، لأحدُهم أشدُّ بُقيَةً على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء،
أو كالقابض على جمر الغضا، أولئك مصابيح الدجى، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء
مظلمة).
ويؤيده ما في صحيح مسلم النيسابوري: ١/١٥٠: (وددت أنا قد رأينا إخواننا. قالوا:
أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد. فقالوا
كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر
محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول
الله. قال: فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض. ألا ليذادن
رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال! أناديهم ألا هلمَّ، فيقال إنهم قد بدلوا بعدك!
فأقول سحقاً سحقاً!). إلى آخر ما ورد وما أتي من خصائصهم وكراماتهم.
يجمعهم الله من أنحاء الأرض في ليلة واحدة
في غيبة الطوسي/٢٨٤، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه
السلام) يقول: لا يزال الناس ينقصون حتى لا يقال (الله) فإذا كان ذلك ضرب يعسوب
الدين بذنبه، فيبعث الله قوماً من أطرافها، يجيئون قزعاً كقزع الخريف. والله إني
لأعرفهم وأعرف أسمائهم وقبائلهم واسم أميرهم، وهم قوم يحملهم الله كيف شاء من
القبيلة الرجل والرجلين، حتى بلغ تسعة، فيتوافون من الآفاق ثلاثمائة وثلاثة عشر
رجلاً عدة أهل بدر، وهو قول الله: (أَيْنَ مَا تَكُونُوا
يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ). حتى أن
الرجل ليحتبي (يشد حزامه) فلا يحل حبوته حتى يبلغه الله ذلك). ومثله الأصول الستة
عشر/٦٤، وعنه البحار: ٥٢/٣٣٤، وقال: قال الزمخشري: الضرب بالذنب هاهنا مثل للإقامة
والثبات، يعني أنه يثبت هو ومن تبعه على الدين.
وفي العياشي: ١/٦٦، مرسلاً عن أبي سمينة عن مولى لأبي الحسن قال: سألت أبا الحسن
(عليه السلام) عن قوله: (أين مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ
اللهُ جميعاً)؟ قال: وذلك والله أن لو قد قام قائمنا يجمع الله إليه شيعتنا
من جميع البلدان). وفي مجمع البيان: ١/٢٣١: وروي في أخبار أهل البيت (عليهم السلام)
أن المراد به أصحاب المهدي في آخر الزمان، قال الرضا (عليه السلام).. كما في
العياشي. وإثبات الهداة: ٣/٥٢٤، عن مجمع البيان. وفي/٥٤٨، عن العياشي، وكذا البحار:
٥٢/٢٩١
وفي كمال الدين: ٢/٦٧٢، عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لقد
نزلت هذه الآية في المفتقدين من أصحاب القائم (عليه السلام)، قوله (عزَّ وجلَّ): (أين
مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جميعاً)، إنهم ليفتقدون عن فرشهم ليلاً
فيصبحون بمكة، وبعضهم يسير في السحاب يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه. قال قلت:
جعلت فداك أيهم أعظم
إيماناً؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً). ونحوه غيبة النعماني/٢٤١، وعنه إثبات
الهداة: ٣/٤٩٣، والبرهان: ١/١٦٢، والمحجة/٢١، والبحار: ٥٢/٢٨٦
وفي العياشي: ١/٦٧، عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا
أوذن الإمام دعا الله باسمه العبراني الأكبر فانتحيت له أصحابه الثلاثمائة والثلاثة
عشر قزعاً كقزع الخريف وهم أصحاب الولاية، ومنهم من يفتقد من فراشه ليلاً فيصبح
بمكة، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهاراً، يُعرف باسمه واسم أبيه وحسبه ونسبه،
قلت: جعلت فداك أيهم أعظم إيماناً؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً وهم المفقودون
وفيهم نزلت هذه الآية: (أين مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ
اللهُ جميعاً). ومثله النعماني/٣١٢، وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٤٨، والبحار:
٥٢/٣٦٨.. الخ.
وفي غيبة الطوسي/١١٠، عن ابن عباس في قوله تعالى: (وَفِي
السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ. فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأرض إِنَّهُ
لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُون)؟ قال: قيام القائم (عليه السلام)،
ومثله: (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً)،
قال: أصحاب القائم (عليه السلام) يجمعهم الله في يوم واحد). وعنه إثبات الهداة:
٣/٥٠١، والمحجة/٢١٠، والبحار: ٥١/٥٣.
وفي النعماني/٣١٦، عن سليمان بن هارون العجلي قال قال: سمعت أبا عبد الله يقول: إن
صاحب هذا الأمر محفوظ له أصحابه، لو ذهب الناس جميعاً أتى الله له بأصحابه وهم
الذين قال الله (عزَّ وجلَّ): (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا
هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ)،
وهم الذين قال الله فيهم: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ
يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى
الْكَافِرِينَ). وعنه البرهان: ١/٤٧٨، والبحار: ٥٢/٣٧٠.
النعماني/٣١٥، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر الباقر (عليهما السلام) قال: أصحاب
القائم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، أولاد العجم بعضهم يحمل في السحاب نهاراً، ويعرف
باسمه واسم أبيه ونسبه وحليته، وبعضهم نائم على فراشه، فيوافيه في مكة على غير
ميعاد): وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٤٧، والبحار: ٥٢/٣٦٩.
كمال الدين: ٢/٣٧٧، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: قلت لمحمد بن
علي بن موسى (عليهم السلام): إني لأرجو أن تكون القائم من، أهل بيت محمد الذي يملأ
الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فقال (عليه السلام): يا أبا القاسم: ما
منا إلا وهو قائم بأمر الله (عزَّ وجلَّ) وهاد إلى دين الله، ولكن القائم الذي يطهر
الله (عزَّ وجلَّ) به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملؤها عدلاً وقسطاً، هو الذي
تخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه ويحرم عليهم تسميته، وهو سميُّ رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وكنيه، وهو الذي تطوى له الأرض، ويذل له كل صعب، ويجتمع إليه
من أصحابه عدة أهل بدر: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض، وذلك قول الله
(عزَّ وجلَّ): (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ
جَمِيعاً)، إن الله على كلِّ شيء قَدِير، فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل
الإخلاص أظهر الله أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله (عزَّ
وجلَّ)، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله (عزَّ وجلَّ)، قال عبد العظيم:
فقلت له: يا سيدي وكيف يعلم أن الله (عزَّ وجلَّ) قد رضي؟ قال يلقي في قلبه الرحمة،
فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما) ومثله كفاية الأثر/٢٧٧، بتفاوت يسير،
وإعلام الورى/٤٠٩ والإحتجاج: ٢/٤٤٩.
ابن حماد: ١/٣٩٠، عن التيمي، عن علي (رضي الله عنه) قال: ينقض الدين حتى لا يقول
أحد لا إله إلا الله وقال بعضهم حتى لا يقال: الله الله، ثم يضرب يعسوب الدين بذنبه
ثم يبعث الله قوماً قزع كقزع الخريف، إني لأعرف اسم أميرهم ومناخ ركابهم). ومثله
ابن أبي شيبة: ١٥/٢٣، عن الحارس بن سويد، عن علي وفيه: فإذا فعل ذلك بعث قوم
يجتمعون كما يجتمع قزع الخريف.. والله إني لأعرف... وغريب الحديث للهروي: ١/١١٥،
بعضه، وتهذيب اللغة للأزهري: ١ /١٨٥ بعضه، وغريب الحديث لابن الجوزي: ٢/٢٤١، ولسان
العرب: ٨/٢٧١ وغيبة الطوسي/٢٨٤، عن أبي عبد الله (عليه السلام).. وفيه: لا يزال
الناس ينقصون حتى لا يقال الله فإذا كان ذلك ضرب.. فيبعث الله قوماً من أطرافها
يجيئون قزعاً.. لأعرفهم وأعرف أسماءهم وقبائلهم واسم أميرهم وهم قوم يحملهم الله
كيف شاء من القبيلة الرجل والرجلين حتى بلغ تسعة، فيتوافون من الآفاق ثلاثمائة
وثلاثة عشر رجلاً، عدة أهل بدر وهو قول الله: (أين مَا
تَكُونُوا
يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جميعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شيء
قَدِيرٌ). حتى أن الرجل ليحتبي فلا يحل حبوته حتى يبلغه الله ذلك. وابن
ميثم: ٥/٣٧٠، وقال: أومى بقوله ذلك إلى علامات ذكرها في آخر الزمان لظهور صاحب
الأمر، واستعار له لفظ اليعسوب. والبحار: ٥١/١١٣، الخ.
وفي شرح النهج: ١٩/١٠٤: (وهذا الخبر من أخبار الملاحم التي كان يخبر بها (عليه
السلام) وهو يذكر فيه المهدي الذي يوجد عند أصحابنا في آخر الزمان.. فإن قلت: فهذا
يشيد مذهب الإمامية في أن المهدي خائف مستتر ينتقل في الأرض، وأنه يظهر آخر الزمان،
ويثبت ويقيم في دار ملكه قلت: لا يبعد على مذهبنا أن يكون الإمام المهدي الذي يظهر
في آخر الزمان. مضطرب الأمر، منتشر الملك في أول أمره لمصلحة يعلمها الله تعالى ثم
بعد ذلك يثبت ملكه وتنتظم أموره).
وهم الأمة المعدودة في القرآن
في تفسير القمي: ١/٣٢٣، عن علي (عليه السلام) في قوله تعالى: (وَلَئِنْ
أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا
يَحْبِسُهُ)؟ قال: الأمة المعدودة أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر).
وعنه المحجة/١٠٢، والبرهان: ٢/٢٠٨، والبحار: ٥١/٤٤.
وفي تفسير العياشي: ٢/٥٧، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: أصحاب القائم (عليه
السلام) الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً، هم والله الأمة المعدودة التي قال الله في
كتابه: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إلى
أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ)، قال: يجمعون له في ساعة واحدة قزعا كقزع الخريف).
وفي تفسير القمي: ٢/٢٠٥، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال في تفسيرها: وهم والله
أصحاب القائم (عليه السلام) يجتمعون والله إليه في ساعة واحدة، فإذا جاء إلى
البيداء يخرج إليه جيش السفياني فيأمر الله الأرض فتأخذ أقدامهم وهو قوله: (وَلَوْ
تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيب)، يعني
بالقائم من آل محمد (عليهم السلام) (وَأَنَّى لَهُمُ
التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ..) إلى قوله: (وَحِيلَ
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ): يعني أن لا يعذبوا. (كَمَا
فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ): يعني من كان قبلهم من المكذبين هلكوا
من قبل، (إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ). وفي
النعماني/٢٤١، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: العذاب خروج القائم (عليه
السلام)، والأمة
المعدودة عدة أهل بدر. ونحوه العياشي: ٢/١٤٠ و١٤١. وتأويل الآيات: ١/٢٢٣، عن الإمام
الصادق (عليه السلام): العذاب هو القائم (عليه السلام) وهو عذاب على أعدائه، والأمة
المعدودة هم الذين يقومون معه بعدد أهل بدر). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٤١،
والمحجة/١٠٢، والبرهان: ٢/٢٠٨، والبحار: ٥١/٥٨.
وهم الموعودون بالإستخلاف والتمكين في الأرض
الكافي: ١/١٩٣، عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، عن قول
الله جل جلاله: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)؟ قال: هم الأئمة (عليهم السلام)). ومثله تأويل
الآيات: ١/٣٦٨، وفيه: نزلت في علي بن أبي طالب والأئمة من ولد (عليهم السلام) وعنى
به ظهور القائم (عليه السلام)). وعنه إثبات الهداة: ١/٨١.
وفي كفاية الأثر/٥٦، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخل جندب بن جنادة اليهودي
من خيبر، على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد أخبرني عما ليس لله،
وعما ليس عند الله، وعما لا يعلمه الله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما
ما ليس لله فليس لله شريك، وأما ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد، وأما ما
لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود إنه عزير ابن الله، والله لا يعلم له
ولدا، فقال جندب: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله حقا. ثم قال: يا رسول
الله إني رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران (عليه السلام) فقال لي: يا جندب أسلم
على يد محمد واستمسك بالأوصياء من بعده، فقد أسلمت فرزقني الله ذلك، فأخبرني
بالأوصياء بعدك لأتمسك بهم. فقال: يا جندب أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل.
فقال: يا رسول الله إنهم كانوا اثني عشر، هكذا وجدنا في التوراة، قال: نعم، الأئمة
بعدي اثنا عشر فقال: يا رسول الله كلهم في زمن واحد؟ قال: لا ولكنهم خلف بعد خلف،
فإنك لا تدرك منهم إلا ثلاثة، قال: فسمهم لي يا رسول الله، قال: نعم إنك تدرك سيد
الأوصياء ووارث الأنبياء وأبا الأئمة علي بن أبي طالب بعدي، ثم ابنه الحسن، ثم
الحسين، فاستمسك بهم من بعدي ولا يغرنك جهل الجاهلين. فإذا كانت وقت ولادة ابنه علي
بن الحسين سيد العابدين يقضي الله عليه (عليك) ويكون آخر زادك من الدنيا
شربة من لبن تشربه. فقال: يا رسول الله هكذا وجدت في التوراة اليانقطه؟ شبيراً
وشبيراً فلم أعرف اسميهم فكم بعد الحسين من الأوصياء وما اسميهم؟ فقال: تسعة من صلب
الحسين والمهدي منهم، فإذا انقضت مدة الحسين قام بالأمر بعده ابنه علي ويلقب بزين
العابدين، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد ابنه يدعى بالباقر، فإذا انقضت
مدة محمد قام بالأمر بعده ابنه جعفر يدعى بالصادق، فإذا انقضت مدة جعفر قام بالأمر
بعده ابنه موسى يدعى بالكاظم، ثم إذا انتهت مدة موسى قام بالأمر بعده ابنه علي يدعى
بالرضا، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد ابنه يدعى بالزكي، فإذا انقضت مدة
محمد قام بالأمر بعده علي ابنه يدعي بالنقي فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده
الحسن ابنه يدعى بالأمين، ثم يغيب عنهم إمامهم. قال: يا رسول الله هو الحسن يغيب
عنهم، قال: لا ولكن ابنه الحجة. قال يا رسول الله فما اسمه؟ قال: لا يسمى حتى يظهره
الله.
قال جندب: يا رسول الله قد وجدنا ذكرهم في التوراة، وقد بشرنا موسى بن عمران بك
وبالأوصياء بعدك من ذريتك. ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله): (وَعَدَ
اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ
فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ
دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ
أَمْناً)، فقال جندب: يا رسول الله فما خوفهم؟ قال: يا جندب في زمن كل واحد
منهم سلطان يعتريه ويؤذيه، فإذا عجل الله خروج قائمنا يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما
ملئت جوراً وظلماً. ثم قال (عليه السلام): طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمتقين
على محجتهم، أولئك وصفهم الله في كتابه وقال: (الَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)، وقال: (أُولَئِكَ حِزْبُ
اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُون). وعنه إثبات الهداة:
١/٥٧٧، والبرهان: ٣/١٤٦، وغاية المرام/٣٧٦ والمحجة/١٤٩، والبحار: ٣٦/٣٠٤. وتأتي
أحاديث أخرى، في فصل الآيات المفسرة.
وهم الموعودون بوراثة الأرض
في تأويل الآيات: ١/٣٣٢، عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ
كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ
الصَّالِحُونَ)، قال: الكتب كلها ذكر و(أَنَّ الأرض
يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ): قال: القائم (عليه السلام) وأصحابه).
وتفسير القمي: ٢/٧٧، مرسلاً، ومجمع البيان: ٤/٦٦، وإثبات الهداة: ٣/٥٢٥،
والمحجة/١٤١، والبحار: ٩/١٢٦.
وفي تفسير القمي: ٢/١٢٦، في قوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَا
دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ
الْحَدِيدَ) (سبأ: ١٠) قال: أعطى داود وسليمان ما لم يعط أحداً من أنبياء
الله من الآيات، علمهما منطق الطير، وألانَ لهما الحديد والصِّفر من غير نار، وجعلت
الجبال يسبِّحن مع داود، وأنزل الله عليه الزبور فيه توحيد وتمجيد ودعاء، وأخبار
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة من ذريتهما
(عليهم السلام). وأخبار الرجعة والقائم (عليه السلام) لقوله: (وَلَقَدْ
كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ
الصَّالِحُونَ) (الأنبياء: ١٠٥).
وهم القوم الموعودون في الآية: فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ..
العياشي: ١/٣٢٦، عن سليمان بن هارون، أنه قال للإمام الباقر (عليه السلام): إن بعض
هذه العجلة يزعمون أن سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند عبد الله بن الحسن،
فقال: والله ما رآه هو ولا أبوه بواحدة من عينيه إلا أن يكون رآه أبوه عند الحسين
(عليه السلام)، وإن صاحب هذا الأمر محفوظ له فلا تذهبن يميناً ولا شمالاً، فإن
الأمر والله واضح، والله لو أن أهل السماء والأرض اجتمعوا على أن يحولوا هذا الأمر
من موضعه الذي وضعه الله فيه ما استطاعوا، ولو أن الناس كفروا جميعاً حتى لا يبقى
أحد لجاء الله لهذا الأمر بأهل يكونون من أهله، ثم قال: أما تسمع الله يقول: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي
اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ
لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ
عَلِيمٌ). حتى فرغ من الآية وقال في آية أخرى: (فَإِنْ
يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا
بِكَافِرِينَ). ثم قال إن هذه الآية هم أهل تلك الآية).
ومثله البصائر/١٧٤ و١٧٧، عن سليمان بن هارون بتفاوت، والإرشاد/٢٧٤، وإعلام
الورى/٢٧٨، والاحتجاج: ٢/٣٧١، وكشف الغمة: ٢/٣٨٢، عن الإرشاد، وعنه البرهان: ١/٤٧٩،
والمحجة/٦٤، وعن النعماني، ونحوه الكافي: ١/٢٣٢، عن سعيد السمان، وعنه إثبات
الهداة: ٣/٤٤٠، آخره، وأشار إلى البصائر، والبحار: ٢٦/٢٠١، عن الإرشاد، والاحتجاج،
وأشار إلى روايتي البصائر.
وفي تفسير القمي: ١/١٧٠، قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ): قال: هو مخاطبة لأصحاب رسول
الله (صلى الله عليه وآله) الذين غصبوا آل محمد حقهم وارتدوا عن دين الله. (فَسَوْفَ
يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه): نزلت في القائم (عليه
السلام) وأصحابه (يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا
يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ). وعنه مجمع البيان: ٣/٢٠٨، وتأويل الآيات:
١/١٥٠.
وهم الركن الشديد للإمام المهدي (عليه السلام)
في العياشي: ٢/١٥٦، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قول الله: (قَالَ
لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ): قال قوة
القائم والركن الشديد: الثلاث مئة وثلاثة عشر أصحابه). ونحوه تفسير القمي: ١/٣٣٥،
وعنهما إثبات الهداة: ٣/٥٥١، والبحار: ١٢/١٥٨ و١٧٠.
وفي كمال الدين/٦٧٣، عن أبي بصير: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما كان قول لوط
(عليه السلام) لقومه: (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ
آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ)، إلا تمنياً لقوة القائم (عليه السلام)، ولا ذكر
إلا شدة أصحابه، وإن الرجل منهم ليعطى قوة أربعين رجلاً، وإن قلبه لأشد من زبر
الحديد، ولو مروا بجبال الحديد لقلعوها، ولا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله (عزَّ
وجلَّ)). وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٩٤، والبحار: ٥٢/٣٢٧.
وهم المظلومون المأذون لهم بالقتال
في النعماني/٢٤١، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (أُذِنَ
لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ
لَقَدِيرٌ): قال: هي في القائم (عليه السلام) وأصحابه). وعنه البحار: ٥١/٥٨،
ومثله تأويل الآيات: ١/٣٣٨، وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٦٣، والمحجة/١٤٢، والبحار:
٢٤/٢٢٧.
وهم وإمامهم (عليه السلام) وعد الآخرة لليهود
تفسير القمي: ٢/١٤: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ
لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ
الآخِرَةِ): يعني القائم صلوات الله عليه وأصحابه).
وعنه البرهان: ٢/٤٠٩، والبحار: ٥١/٤٥.
وفي الكافي: ٨/٢٥٥، عن الحجال، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
سألته عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً
فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ
كَانَ مَنْصُوراً): قال: نزلت في الحسين (عليه السلام)، لو قتل وليه أهل
الأرض به ما كان سرفاً). ومثله تأويل الآيات: ١/٢٨٠.
وهم المنتصرون في الآية
في تفسير فرات/١٥٠، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: (وَلَمَنِ
انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ): قال: القائم وأصحابه، قال الله: (فَأُولَئِكَ
مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ): القائم إذا قام انتصر من بني أمية والمكذبين
والنصاب وهو قوله: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ
يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ). ومثله
تفسير القمي: ٢/٢٧٨، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، وتأويل الآيات:
٢/٥٤٩، وعنهما إثبات الهداة: ٣/٥٥٣ و٥٦٥ و٥٦٧، والبحار: ٢٤/٢٢٩.
وهم من المتوسمين في الآية
في كمال الدين/٦٧١، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا قام
القائم لم يقم بين يديه أحد من خلق الرحمن إلا عرفه صالح هو أم طالح لأن فيه آية
لِلمتوَسِّمينَ وهي بسبيلٍ مُقيم). وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٩٣، والبحار: ٥٢/٣٢٥.
مناقب ابن شهرآشوب: ٤/٢٨٤، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى: (إِنَّ
فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ، وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ)،
قال: فكان رسول الله المتوسم والأئمة من ذريتي المتوسمون إلى يوم القيامة.
وَإِنَّهَا (لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ): فذلك السبيل
المقيم هو الوصي بعد النبي (صلى الله عليه وآله)). وعنه البحار: ٢٤/١٢٧.
وفي الإرشاد/٣٦٥: وروى عبد الله بن عجلان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا
قام قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) حكم بين الناس بحكم داود (عليه السلام) لا
يحتاج إلى بينة، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه ويخبر كل قوم بما استبطنوه، ويعرف
وليه من عدوه بالتوسم قال الله
سبحانه: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ،
وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ)، ونحوه روضة الواعظين/٢٦٦، وإعلام
الورى/٤٣٣، وكشف الغمة: ٣/٢٥٦، والبرهان: ٢/٣٥١، والبحار: ٥٢/٣٣٩.
وفي منتخب الأنوار/١٩٥، عن جابر عن الباقر (عليه السلام): كأني أنظر إلى القائم
(عليه السلام) وأصحابه في نجف الكوفة كأن على رؤوسهم الطير، فنيت أزوادهم وخلقت
ثيابهم متنكبين قسيهم؟ قد أثر السجود بجباههم، ليوث بالنهار ورهبان بالليل، كأن
قلوبهم زبر الحديد، يعطى الرجل منهم قوة أربعين رجلاً ويعطيهم صاحبهم التوسم، لا
يقتل أحد منهم إلا كافراً أو منافقاً، فقد وصفهم الله بالتوسم في كتابه: (إِنَّ
فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٨٥، والبحار:
٥٢/٣٨٦.
وفي البصائر/٣٥٦، عن معاوية الدهني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله
(عزَّ وجلَّ): (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ
فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ)، فقال: يا معاوية ما يقولون في
هذا؟ قال: قلت: يزعمون أن الله تبارك وتعالى يعرف المجرمين بسيماهم يوم القيامة
فيأمر بهم فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم ويلقون في النار. قال فقال لي: وكيف يحتاج
الجبار تبارك وتعالى إلى معرفة خلق أنشأهم وهو خلقهم؟ قال فقلت: فما ذاك جعلت فداك؟
قال: ذلك لو قد قام قائمنا أعطاه الله السيما فيأمر بالكافر فيؤخذ بنواصيهم
وأقدامهم ثم يخبط بالسيف خبطاً). ومثله في/٣٥٩، والاختصاص/٣٠٤، وعنه إثبات الهداة:
٣/٥٢١، وعنه المحجة/٢١٧، والبحار: ٥٢ /٣٢٠.
يجمعهم الله من المشرق والمغرب وأقاصي الأرض
في مختصر تاريخ دمشق: ١/١١٤، عن علي (عليه السلام): إذا قام قائم أهل محمد، جمع
الله له أهل المشرق وأهل المغرب، فيجتمعون كما يجتمع قزع الخريف، فأما الرفقاء فمن
أهل الكوفة، وأما الأبدال فمن أهل الشام). وعنه صواعق ابن حجر/١٦٥، والمغربي/٥٧٢،
وصححه. وينابيع المودة/٤٣٣، عن جواهر العقدين.
منهم أبدال الشام ونجباء مصر وعصائب العراق
في أمالي المفيد/٣٠، عن محمد بن سويد الأشعري قال: دخلت أنا وفطر بن خليفة على جعفر
بن محمد (عليهما السلام)، فقرب إلينا تمراً فأكلنا، وجعل يناول فطراً منه ثم قال
له: كيف الحديث الذي حدثتني عن أبي الطفيل (رحمه الله) في الأبدال؟ فقال فطر: سمعت
أبا الطفيل يقول: سمعت علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: الأبدال من أهل
الشام والنجباء من أهل الكوفة يجمعهم الله لشر يوم لعدونا. فقال جعفر الصادق: رحمكم
الله بنا يبدأ البلاء ثم بكم، وبنا يبدأ الرخاء ثم بكم، رحم الله من حببنا إلى
الناس ولم يكرهنا إليهم). وعنه البحار: ٥٢/٣٤٧
وفي غيبة الطوسي/٢٨٤، عن جابر الجعفي قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يبايع
القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدة أهل بدر. فيهم النجباء من أهل مصر،
والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم). وعنه
إثبات الهداة: ٣/٥١٧، والبحار: ٥٢/٣٣٤.
وفي الفائق: ١/٨٧، وتهذيب ابن عساكر: ١/٦٢، عن علي: قبة الإسلام بالكوفة، والهجرة
بالمدينة، والنجباء بمصر، والأبدال بالشام وهم قليل. وفي/٦٣: الأبدال من الشام،
والنجباء من أهل مصر، والأخيار من أهل العراق. وعن أبي الطفيل قال: خطبنا علي (رضي
الله عنه) فذكر الخوارج، فقام رجل فلعن أهل الشام، فقال له: ويحك لا تعم، إن كنت
لاعناً ففلاناً وأشياعه، فإن منهم الأبدال ومنهم النجباء).
أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) فيهم خمسون امرأة
توجد روايتان في ذلك، أولاهما في دلائل الإمامة/٢٥٩، عن مفضل بن عمر قال: سمعت أبا
عبد الله (عليه السلام) يقول: يكون مع القائم ثلاث عشرة امرأة، قلت: وما يصنع بهن؟
قال: يداوين الجرحى ويقمن على المرضى، كما كنَّ مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
قلت: فسمهن لي قال: القنواء بنت رُشَيْد، وأم أيمن، وحبابة الوالبية، وسمية أم عمار
بن ياسر، وزبيدة، وأم خالد الأحمسية، وأم سعيد الحنفية، وصبانة الماشطة، وأم خالد
الجهنية). وإثبات الهداة: ٣/٥٧٥، ملخصاً عن مسند فاطمة (عليه السلام) للطبري. فهي
تتحدث
عن نساء يُحْيَيْنَ من قبورهن، وقد سمَّت تسعاً منهن، وتنص على أن مهنتهن التمريض،
ولم تذكر أنهن من أصحابه أصحاب الدور الأكبر.
لكن الرواية الثانية في تفسير العياشي (رحمه الله): ١/٦٥، عن جابر الجعفي عن الإمام
الباقر (عليه السلام) تنص على أن من بين أصحابه الخاصين الثلاث مئة وثلاثة عشر
خمسين امرأة، وهي طويلة تضمنت معلومات هامة عن حركة الإمام أرواحنا فداه من المدينة
إلى مكة وبداية ظهوره المقدس، وخطبته في المسجد الحرام وحركته إلى المدينة والعراق
والشام، وهذا نصها الكامل: (يا جابر: إلزم الأرض ولا تحركن يدك ولا رجلك أبداً حتى
ترى علامات أذكرها لك في سنة، وترى منادياً ينادي بدمشق، وخسفاً بقرية من قراها،
ويسقط طائفة من مسجدها، فإذا رأيت الترك جازوها فأقبلت الترك حتى نزلت الجزيرة،
وأقبلت الروم حتى نزلت الرملة، وهي سنة اختلاف في كل أرض من أرض العرب، وإن أهل
الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: الأصهب والأبقع والسفياني، مع بني ذنب
الحمار مضر، ومع السفياني أخواله من كلب، فيظهر السفياني ومن معه على بني ذنب
الحمار، حتى يقتلوا قتلاً لم يقتله شيء قط، ويحضر رجل بدمشق فيقتل هو ومن معه قتلاً
لم يقتله شيء قط وهو من بني ذنب الحمار، وهي الآية التي يقول الله: (فَاخْتَلَفَ
الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ
عَظِيمٍ). ويظهر السفياني ومن معه حتى لا يكون له همة إلا آل محمد (صلى الله
عليه وآله) وشيعتهم، فيبعث بعثاً إلى الكوفة فيصاب بأناس من شيعة آل محمد بالكوفة
قتلاً وصلباً، وتقبل راية من خراسان حتى تنزل ساحل دجلة، ويخرج رجل من الموالي ضعيف
ومن تبعه فيصاب بظهر الكوفة. ويبعث بعثاً إلى المدينة فيقتل بها رجلاً ويهرب المهدي
والمنصور منها ويؤخذ آل محمد صغيرهم وكبيرهم لا يترك منهم أحد إلا حبس. ويخرج الجيش
في طلب الرجلين ويخرج المهدي منها على سنة موسى خائفاً يترقب حتى يقدم مكة. ويقبل
الجيش حتى إذا نزلوا البيداء وهو جيش الهملات خسف بهم فلا يفلت منهم إلا مخبر،
فيقوم القائم
بين الركن والمقام فيصلي وينصرف ومعه وزيره، فيقول: يا أيها الناس إنا نستنصر الله على من ظلمنا وسلب حقنا. من يحاجنا في الله فأنا أولى بالله. ومن يحاجنا في آدم فأنا أولى الناس بآدم. ومن حاجنا في نوح فأنا أولى الناس بنوح. ومن حاجنا في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم. ومن حاجنا بمحمد فأنا أولى الناس بمحمد (صلى الله عليه وآله). ومن حاجنا في النبيين فنحن أولى الناس بالنبيين. ومن حاجنا في كتاب الله فنحن أولى الناس بكتاب الله. إنا نشهد وكل مسلم اليوم أنا قد ظلمنا وطردنا وبغي علينا وأخرجنا من ديارنا وأموالنا وأهالينا وقهرنا. ألا إنا نستنصر الله اليوم وكل مسلم. ويجيء والله ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيهم خمسون امرأة، يجتمعون بمكة على غير ميعاد قزعاً كقزع الخريف يتبع بعضهم بعضاً، وهي الآية التي قال الله: (أين مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جميعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ). فيقول رجل من آل محمد (صلى الله عليه وآله) وهي القرية الظالمة أهلها. ثم يخرج من مكة هو ومن معه الثلاثمائة وبضعة عشر يبايعونه بين الركن والمقام، ومعه عهد نبي الله ورايته وسلاحه ووزيره معه، فينادي المنادي بمكة باسمه وأمره من السماء، حتى يسمعه أهل الأرض كلهم. اسمه اسم نبي. ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله (صلى الله عليه وآله) ورايته وسلاحه والنفس الزكية من ولد الحسين، فإن أشكل عليكم هذا فلا يشكل عليكم الصوت من السماء باسمه وأمره. وإياك وشذاذاً من آل محمد (صلى الله عليه وآله) فإن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات، فألزم الأرض ولا تتبع منهم رجلاً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين، ثم صار عند محمد بن علي، ويفعل الله ما يشاء، فألزم هؤلاء أبداً وإياك ومن ذكرت لك، فإذا خرج رجل منهم معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، ومعه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) عامداً إلى المدينة حتى يمر بالبيداء، حتى يقول هذا مكان القوم الذين يخسف بهم وهي الآية التي قال الله: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأرض أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي
تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ). فإذا قدم
المدينة أخرج محمد بن الشجري على سنة يوسف. ثم يأتي الكوفة فيطيل بها المكث ما شاء
الله أن يمكث حتى يظهر عليها. ثم يسير حتى يأتي العذراء هو ومن معه وقد لحق به ناسٌ
كثير والسفياني يومئذ بوادي الرملة، حتى إذا التقوا وهو يوم الأبدال يخرج أناس
كانوا مع السفياني من شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله)، ويخرج ناس كانوا مع آل
محمد (صلى الله عليه وآله) إلى السفياني فهم من شيعته حتى يلحقوا بهم ويخرج كل ناس
إلى رايتهم وهو يوم الأبدال.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ويقتل يومئذ السفياني ومن معه حتى لا يترك منهم
مخبر، والخايب يومئذ من خاب من غنيمة كلب. ثم يقبل إلى الكوفة فيكون منزله بها فلا
يترك عبداً مسلماً إلا اشتراه وأعتقه ولا غارماً إلا قضى دينه، ولا مظلمة لأحد من
الناس إلا ردها، ولا يقتل منهم عبداً إلا أدى ثمنه دية مسلمة إلى أهلها، ولا يقتل
قتيل إلا قضى عنه دينه وألحق عياله في العطاء، حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما
ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً، ويسكن هو وأهل بيته الرحبة (والرحبة إنما كانت مسكن
نوح وهي أرض طيبة) ولا يسكن رجل من آل محمد (عليهم السلام) ولا يقتل إلا بأرض طيبة
زاكية، فهم الأوصياء الطيبون). انتهى.
والإشكال على هذه الرواية بإرسالها في العياشي، يجبره أنها مسندة بعدة طرق فيها
الصحيح في غيبة النعماني وغيرها. قال النعماني في الغيبة/٢٧٩..... عن جابر بن يزيد
الجعفي قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام): يا جابر إلزم الأرض
ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها: أولها: اختلاف بني
العباس وما أراك تدرك ذلك، ولكن حدث به من بعدي عني.. الخ. وقد يشكل بأن رواية
النعماني المسندة لم تتضمن(فيهم خمسون امرأة)؟ والجواب عنه بتعويض السند،
وبالاطمئنان بالصدور، والله العالم. وهذه مصادر رواية جابر (رحمه الله): روى
العياشي أيضاً قسماً منها: ١/٢٤٤، وقسماً آخر: ٢/٢٦١، ومثله النعماني/٢٧٩،
بأسانيده، بأكثر ألفاظها ومعانيها بتفاوت، والاختصاص/٢٥٥، والإرشاد/٣٥٩، أولها
كالنعماني بتفاوت، ومثله غيبة الطوسي/٢٦٩، وإعلام الورى/٤٢٧،
والخرائج: ٣/١١٥٦، بتفاوت يسير، وعقد الدرر/٤٩، ومنتخب الأنوار/٣٣، عن الراوندي.
وإثبات الهداة: ٣/٥٤٨، والبحار: ٥١/٥٦، كلاهما عن العياشي وفي: ٥٢/٢١٢، عن الطوسي،
والإرشاد. وفي/٢٣٧، عن النعماني، والاختصاص، والعياشي.
ويأتي هنا سؤال: هل تجوز أن تكون المرأة حاكمة؟ والجواب: أن الأعم الأغلب من فقهاء
المذاهب يفتي بأنه لا يجوز للمرأة أن تتولى مقام القضاء والولاية، بل يختص ذلك
بالرجل، ويستدلون له بالنصوص، ويعللونه بسرعة تأثر المرأة واحتياج منصب القضاء
والولاية أي الوزارة فما فوقها إلى قدرة أكبر على التحكم بالمشاعر. لكن فتوى مراجع
التقليد التي هي تكليفنا اليوم، لا يصح أن نلزم بها الإمام المعصوم المهديّ من ربه
صلوات الله عليه. ووجود مؤمنات في وزرائه (عليه السلام) يعني أمرين:
الأول: أن المرأة يمكن أن تصل إلى مقام حمل الاسم الأعظم وتكون من الأصحاب الخاصين
للإمام (عليه السلام). والثاني: أن المرأة ستكون في عصره حاكمة لخمسين إقليماً في
العالم مضافاً إلى أدوارها الأخرى! وهو أمر لم تصل إليه في تاريخ المجتمعات وأنظمة
الحكم! لذلك نستطيع أن نقول إن الإمام المهدي صلوات الله عليه هو الذي سيرفع ظلامة
المرأة، ويعطيها مكانتها التي تستحقها في العالم، في جو رفيع من القيم واحترام
إنسانية الإنسان.
يتجمَّعون في المسجد الحرام
البصائر/٣١١، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): سيأتي من
مسجدكم هذا يعني مكة ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، يعلم أهل مكة أنه لم يلدهم آبائهم
ولا أجدادهم، عليهم السيوف مكتوب على كل سيف كلمة تفتح ألف كلمة، تبعث الريح فتنادي
بكل واد: هذا المهدي هذا المهدي، يقضي بقضاء آل داود ولا يسأل عليه بينة). وفي
النعماني/٢٤٤، عن عبد الله بن حماد، عن ابن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه
السلام) قال: إذا قام القائم نزلت سيوف القتال، على كل سيف اسم الرجل واسم
أبيه). وعنه البحار: ٥٢/٣٥٦، وبشارة الإسلام/٢١٥.
أقول: قد يكون نزول الأسياف كرامة لأصحاب المهدي (عليه السلام) مجازياً، بمعنى
القوة والإذن من الله تعالى بالقتال، أو يكون آلة تقوم مقام السلاح.
وفي النعماني/٣١٣، عن أبان بن تغلب قال: كنت مع جعفر بن محمد (عليهما السلام) في
مسجد بمكة وهو آخذ بيدي، فقال: يا أبان سيأتي الله بثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً في
مسجدكم هذا، يعلم أهل مكة أنه لم يخلق آباؤهم ولا أجدادهم بعد، عليهم السيوف مكتوب
على كل سيف اسم الرجل واسم أبيه وحليته ونسبه، ثم يأمر منادياً فينادي: هذا المهدي
يقضي بقضاء داود وسليمان، لا يسأل على ذلك بينة). ونحوه في/٣١٤، ومثله كمال الدين:
٢/٦٧١، والخصال/٦٤٩، بتفاوت يسير.
والنعماني/٣١٦، عن علي بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليهما
السلام): بينا شباب الشيعة على ظهور سطوحهم نيام إذ توافوا إلى صاحبهم في ليلة
واحدة على غير ميعاد، فيصبحون بمكة). وعنه البحار: ٥٢/٣٧٠.
يبايعون المهدي (عليه السلام) بين الركن والمقام
العياشي: ٢/٥٦، عن عبد الأعلى الحلبي قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يكون لصاحب
هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب، ثم أومأ بيده إلى ناحية ذي طوى، حتى إذا كان قبل
خروجه بليلتين انتهى المولى الذي يكون بين يديه حتى يلقى بعض أصحابه فيقول: كم أنتم
هاهنا؟ فيقولون نحو من أربعين رجلاً، فيقول: كيف أنتم لو قد رأيتم صاحبكم؟ فيقولون:
والله لو يأوي بنا الجبال لأويناها معه، ثم يأتيهم من القابلة فيقول لهم أشيروا إلى
ذوي أسنانكم وأخياركم عشرة فيشيرون له إليهم فينطلق بهم حتى يأتوا صاحبهم، ويعدهم
إلى الليلة التي تليها.
ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): والله لكأني أنظر إليه وقد أسند ظهره إلى الحجر، ثم
ينشد الله حقه ثم يقول: يا أيها الناس من يحاجني في الله فأنا أولى الناس بالله ومن
يحاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم، يا أيها الناس من يحاجني في نوح فأنا أولى
الناس بنوح، يا أيها الناس من يحاجني في إبراهيم فأنا أولى بإبراهيم، يا أيها الناس
من يحاجني في موسى فأنا أولى الناس بموسى، يا أيها الناس من يحاجني في عيسى فأنا
أولى الناس بعيسى، يا أيها الناس من يحاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد (صلى
الله عليه وآله)، يا أيها الناس من يحاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب
الله، ثم ينتهي إلى المقام فيصلي ركعتين، ثم ينشد الله حقه.
قال أبو جعفر (عليه السلام): هو والله المضطر في كتاب الله، وهو قول الله: (أَمَّنْ
يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ
الأرض)، وجبرئيل على الميزاب في صورة طاير أبيض فيكون أول خلق الله يبايعه
جبرئيل، ويبايعه الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً. قال: قال أبو جعفر (عليه السلام):
فمن ابتلي في المسير وافاه في تلك الساعة، ومن لم يبتل بالمسير فُقد عن فراشه، ثم
قال: هو والله قول علي بن أبي طالب (عليه السلام): المفقودون عن فرشهم، وهو قول
الله: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا
يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً): أصحاب القائم الثلاثمائة
وبضعة عشر رجلاً، قال: هم والله الأمة المعدودة التي قال الله في كتابه: (وَلَئِنْ
أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ)، قال: يجمعون في
ساعة واحدة قزعاً كقزع الخريف فيصبح بمكة فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى
الله عليه وآله) فيجيبه نفر يسير ويستعمل على مكة ثم يسير فيبلغه أن قد قتل عامله!
فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة لا يزيد على ذلك شيئاً يعني السبي، ثم ينطلق فيدعو
الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه عليه وآله السلام، والولاية لعلي بن أبي طالب (عليه
السلام) والبراءة من عدوه ولا يسمي أحداً حتى ينتهي إلى البيداء، فيخرج إليه جيش
السفياني فيأمر الله الأرض فيأخذهم من تحت أقدامهم، وهو قول الله: (وَلَوْ
تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ. وَقَالُوا
آمَنَّا بِهِ): يعني بقائم آل محمد (وَقَدْ كَفَرُوا
بِه)، يعني بقائم آل محمد إلى آخر السورة، ولا يبقى منهم إلا رجلان يقال
لهما وتر ووتير من مراد، وجوههما في أقفيتهما يمشيان القهقرى
يخبران الناس بما فعل بأصحابهما، ثم يدخل المدينة فتغيب عنهم عند ذلك قريش، وهو قول
علي بن أبي طالب (عليه السلام): والله لودَّت قريش أني عندها موقفاً واحداً جزر
جزور، بكل ما ملكت وكل ما طلعت عليه الشمس أو غربت! ثم يُحدث حدثاً فإذا هو فعل ذلك
قالت قريش: أخرجوا بنا إلى هذه الطاغية فوالله إن لو كان محمدياً ما فعل، ولو كان
علوياً ما فعل، ولو كان فاطمياً ما فعل! فيمنحه الله أكتافهم، فيقتل المقاتلة ويسبي
الذرية! ثم ينطلق حتى ينزل الشقرة فيبلغه أنهم قد قتلوا عامله فيرجع إليهم فيقتلهم
مقتلة ليس قتل الحرة إليها بشيء، ثم ينطلق يدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه
والولاية لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) والبراءة من عدوه، حتى إذا بلغ إلى
الثعلبية قام إليه رجل من صلب أبيه وهو من أشد الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه ما خلا
صاحب هذا الأمر، فيقول: يا هذا ما تصنع؟ فوالله إنك لتجفل الناس إجفال النعم أفبعهد
من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم بماذا؟ فيقول المولى الذي ولي البيعة: والله
لتسكتن أو لأضربن الذي فيه عيناك، فيقول له القائم (عليه السلام): أسكت يا فلان، إي
والله إن معي عهداً من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هات لي يا فلان العيبة أو
الطيبة أو الزنفليجة فيأتيه بها فيُقرئه العهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فيقول: جعلني الله فداك أعطني رأسك أقبله فيعطيه رأسه فيقبله بين عينيه ثم يقول:
جعلني الله فداك جدد لنا بيعة، فيجدد لهم بيعة.
قال أبو جعفر (عليه السلام): لكأني أنظر إليهم مصعدين من نجف الكوفة ثلاثمائة وبضعة
عشر رجلاً كأن قلوبهم زبر الحديد، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، يسير الرعب
أمامه شهراً وخلفه شهراً، أمدَّه الله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، حتى إذا صعد
النجف، قال لأصحابه: تعبدوا ليلتكم هذه فيبيتون بين راكع وساجد يتضرعون إلى الله
حتى إذا أصبح، قال: خذوا بنا طريق النخيلة وعلى الكوفة جند مجند قلت: جند مجند؟
قال: إي والله حتى ينتهي إلى مسجد إبراهيم (عليه السلام) بالنخيلة فيصلي فيه ركعتين
فيخرج إليه من كان بالكوفة من مرجئها وغيرهم من جيش السفياني فيقول لأصحابه:
استطردوا لهم ثم يقول كروا عليهم. قال أبو جعفر (عليه السلام):
ولا يجوز والله الخندق منهم مخبر.
ثم يدخل الكوفة فلا يبقى مؤمن إلا كان فيها أو حن إليها! وهو قول أمير المؤمنين
(عليه السلام). ثم يقول لأصحابه سيروا إلى هذه الطاغية، فيدعوه إلى كتاب الله وسنة
نبيه (صلى الله عليه وآله) فيعطيه السفياني من البيعة سلماً فيقول له كلب وهم
أخواله يا هذا ما صنعت؟ والله ما نبايعك على هذا أبداً، فيقول: ما أصنع؟ فيقولون:
استقبله فيستقيله ثم يقول له القائم (عليه السلام) خذ حذرك فإنني أديت إليك وأنا
مقاتلك، فيصبح فيقاتلهم فيمنحه الله أكتافهم ويأخذ السفياني أسيراً، فينطلق به
ويذبحه بيده، ثم يرسل جريدة خيل إلى الروم فيستحضرون بقية بني أمية، فإذا انتهوا
إلى الروم قالوا: أخرجوا إلينا أهل ملتنا عندكم فيأبون ويقولون والله لا نفعل،
فيقول الجريدة: والله لو أمرنا لقاتلناكم ثم ينطلقون إلى صاحبهم فيعرضون ذلك عليه
فيقول: انطلقوا فأخرجوا إليهم أصحابهم فإن هؤلاء قد أتوا بسلطان عظيم وهو قول الله:
(فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا
يَرْكُضُونَ. لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ
وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ): قال: يعني الكنوز التي كنتم
تكنزون. (قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ.
فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ).
لا يبقى منهم مخبر ثم يرجع إلى الكوفة فيبعث الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً إلى
الآفاق كلها، فيمسح بين أكتافهم وعلى صدورهم فلا يتعايون في قضاء ولا تبقى أرض إلا
نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً رسول الله، وهو
قوله: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض
طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ). ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية
كما قبلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو قول الله: (وَقَاتِلُوهُمْ
حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لله).
قال أبو جعفر (عليه السلام): يقاتلون والله حتى يُوحد الله ولا يُشرك به شيئاً وحتى
تخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب ولا ينهاها أحد، ويُخرج الله من الأرض
بذرها ويُنزل من السماء قطرها، ويخرج الناس خراجهم على رقابهم إلى المهدي (عليه
السلام) ويوسع الله على شيعتنا ولولا ما يدركهم من السعادة لبغوا، فبينا صاحب
هذا الأمر قد حكم ببعض الأحكام وتكلم ببعض السنن، إذ خرجت خارجة من المسجد يريدون
الخروج عليه، فيقول لأصحابه: انطلقوا فتلحقوا بهم في التمارين فيأتونه بهم أسرى
ليأمر بهم فيذبحون، وهي آخر خارجة تخرج على قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله)).
وفي العياشي: ٢/١٤٠، بعضه عن عبد الأعلى الحلبي، ومثله تفسير القمي: ٢/٢٠٥، بتفاوت،
عن أبي خالد الكابلي، وبعضه الكافي: ٨/٣١٣، والنعماني/١٨١، عن إسماعيل بن جابر، عن
أبي جعفر (عليه السلام)، وعنها إثبات الهداة: ٣/٤٥١ و٥٥٠، ٥٥٩ و٥٦٢، و٥٥٣. والبحار:
٥٢/٢٨٨، عن الكافي، وفي/٣١٥، عن تفسير القمي، وفي/٣٤١، بعضه عن العياشي والنعماني.
الخ.
الأذان الأكبر دعوة المهدي (عليه السلام) العالم إلى إمامته
العياشي: ٢/٧٦، عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: وأذان من الله
ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر؟ قال: خروج القائم وأذان دعوته إلى نفسه). وعنه
إثبات الهداة: ٣/٥٥٠، وغاية المرام/٣٦٤، والبحار: ٥١/٥٥.
وفي تأويل الآيات: ٢/٤٧٨، عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
يخرج القائم (عليه السلام) فيسير حتى يمر بمَرّ فيبلغه أن عامله قد قتل فيرجع إليهم
فيقتل المقاتلة، ولا يزيد على ذلك شيئاً، ثم ينطلق فيدعو الناس حتى ينتهى إلى
البيداء، فيخرج جيشان للسفياني فيأمر الله (عزَّ وجلَّ) الأرض أن تأخذ بأقدامهم،
وهو قوله (عزَّ وجلَّ): (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا
فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ، وَقَدْ كَفَرُوا بِه مِنْ قَبْل):
يعني بقيام القائم. (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ
بَعِيدٍ. وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ
بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ). وعنه
إثبات الهداة: ٣/٥٦٤، والبحار: ٥٢/١٨٧.
يبعث الإمام (عليه السلام) أصحابه حكاماً على العالم
في دلائل الإمامة/٢٤٩، عن أبان بن تغلب، عن أبي جعفر أنه قال: إذا قام قائمنا بعث
في أقاليم الأرض.. فيقول عهدك في كفك واعمل بما ترى). ومثله إثبات الهداة: ٣/٥٧٣،
عن مناقب فاطمة، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام).
وفي النعماني/٣١٩، عن الإمام الصادق (عليه السلام): إذا قام القائم بعث في أقاليم
الأرض
في كل إقليم رجلاً يقول: عهدك في كفك فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء
فيه فانظر إلى كفك، واعمل بما فيها، قال: ويبعث جنداً إلى القسطنطينية، فإذا بلغوا
الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على
الماء، قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء فكيف هو؟ فعند ذلك يفتحون لهم أبواب
المدينة فيدخلونها فيحكمون فيها ما يشاؤون). وعنه البحار: ٥٢/٣٦٥.
أقول: لابد أن يكون معنى يفتحون لهم المدينة: يسلمونهم مقاليد بلدهم.
٣ - أصحابه الذين يتحرك بهم من مكة
في كمال الدين: ٢/٦٥٤، عن أبي بصير قال: سأل رجل من أهل الكوفة أبا عبد الله (عليه
السلام): كم يخرج مع القائم (عليه السلام)؟ فإنهم يقولون: إنه يخرج معه مثل عدة أهل
بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً؟ قال: وما يخرج إلا في أولي قوة، وما تكون أولوا
القوة أقل من عشرة آلاف). وعنه العدد القوية/٦٥، وإثبات الهداة: ٣/٤٩١، والبحار:
٥٢/٣٢٣.
وفي تفسير العياشي: ١/١٣٤، عن حماد بن عثمان قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا
يخرج القائم في أقل من الفئة ولا تكون الفئة أقل من عشرة آلاف). وعنه إثبات الهداة:
٣/٥٤٨.
وفي الخصال/٤٢٤، عن العوام بن الزبير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يقبل
القائم (عليه السلام) في خمسة وأربعين من تسعة أحياء: من حيٍّ رجل، ومن حيٍّ رجلان
ومن حي ثلاثة، ومن حي أربعة، ومن حي خمسة، ومن حي ستة، ومن حي سبعة، ومن حي ثمانية،
ومن حي تسعة، ولا يزال كذلك حتى يجتمع له العدد). وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٩٦،
والبحار: ٥٢/٣٠٩.
وفي الكافي: ٥/٣٥٢، عن أبي الربيع الشامي قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام):
لا تشتر من السودان أحداً، فإن كان لابد فمن النوبة فإنهم من الذين قال الله (عزَّ
وجلَّ): (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى
أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ). أما إنهم
سيذكرون
ذلك الحظ وسيخرج مع القائم (عليه السلام) منا عصابة منهم). ومثله التهذيب: ٧/٤٠٥،
وعنه الوسائل: ١٤/٥٦، وإثبات الهداة: ٣/ ٤٥٢، والمحجة/٦٣.
أقول: قد يكون نهي الإمام (عليه السلام) عن شراء العبيد السود، لمصلحة تحريرهم.
حركة الإمام (عليه السلام) إلى العراق
البصائر/١٨٨، عن أبي سعيد الخراساني، عن أبي عبد الله قال: قال أبو جعفر (عليه
السلام): إذا قام القائم بمكة وأراد أن يتوجه إلى الكوفة نادى مناديه ألا لا يحمل
أحد منكم طعاماً ولا شراباً، ويحمل حجر موسى بن عمران، وهو وقر بعير، ولا ينزل
منزلاً إلا انبعث عين منه، فمن كان جائعاً شبع ومن كان ظمآن روي، فهو زادهم حتى
نزلوا النجف من ظهر الكوفة). ومثله الكافي: ١/٢٣١، ونحوه النعماني/٢٣٨، وكمال
الدين: ٢/٦٧٠، والخرائج: ٢/٦٩٠، وفيه: ويحمل معه حجر موسى بن عمران التي انبجست منه
اثنتا عشرة عيناً، فلا ينزل منزلاً إلا نصبه فانبعثت منه العيون انبعث منه الماء
واللبن دائماً فمن كان جائعاً شبع ومن كان عطشان رُوي). ونحوه منتخب الأنوار/١٩٩،
وإثبات الهداة: ٣/٤٤٠، عن الكافي، وكمال الدين، وفي/٥٤١، أوله، عن النعماني
الأولى.. إلى آخر المصادر.
أقول: يظهر أن الإمام (عليه السلام) يرسل قائداً من أصحابه مع قواته المتوجهة إلى
العراق، أما هو فيكون عنده برنامج آخر، ويدخل العراق جوّاً بسبع قباب مضيئة لا يعرف
في أيها هو! فعن الإمام الباقر (عليه السلام) عن جابر في تفسير قوله تعالى: (يَا
مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ
السَّمَاوَاتِ وَالأرض فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ)، وقوله
تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي
ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأمر وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ
الأُمُورُ)، قال: ينزل القائم يوم الرجفة بسبع قباب من نور لا يعلم في أيها
هو حتى ينزل ظهر الكوفة. وفي رواية: إنه نازل في قباب من نور حين ينزل بظهر الكوفة
على الفاروق، فهذا حين ينزل). (العياشي: ١/١٠٣).
ومضافاً إلى جانبه الاعجازي يدل على أن الوضع الأمني يستوجب من الإمام المهدي (عليه
السلام) هذا الاحتياط، فالوضع العالمي معاد له والعراق لم يتم تطهيره بعد.
ويظهر أنه ينزل في النجف، فينضم اليه جيشه الذي يأتي من المدينة.
تجري في أصحاب المهدي (عليه السلام) سنة أصحاب طالوت (عليه السلام)
في النعماني/٣١٦، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أصحاب طالوت
ابتلوا بالنهر الذي قال الله تعالى: (قَالَ إِنَّ اللهَ
مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ)، وإن أصحاب القائم (عليه السلام) يبتلون بمثل ذلك).
ومثله غيبة الطوسي/٢٨٢، وعنه إثبات الهداة: ٣/٥١٦، وعنهما البحار: ٥٢/٣٣٢.
امتحان الإمام المهدي (عليه السلام) لأصحابه!
في الكافي: ٨/١٦٧، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كأني بالقائم (عليه السلام)
على منبر الكوفة عليه قباء، فيخرج من وريان قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب،
فيفكه فيقرؤه على الناس فيجفلون عنه إجفال الغنم فلا يبقى إلا النقباء، فيتكلم
بكلام فلا يلحقون ملجأ حتى يرجعوا إليه، وإني لأعرف الكلام الذي يتكلم به)!
وفي كمال الدين: ٢/٦٧٢، عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة
عشر رجلاً عدة أهل بدر، وهم أصحاب الألوية وهم حكام الله في أرضه على خلقه، حتى
يستخرج من قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب، عهدٌ معهودٌ من رسول الله (صلى الله
عليه وآله) فيجفلون عنه إجفال النعم البُكم فلا يبقى منهم إلا الوزير وأحد عشر
نقيباً، كما بقوا مع موسى بن عمران (عليه السلام) فيجولون في الأرض ولا يجدون عنه
مذهباً فيرجعون إليه، والله إني لأعرف الكلام الذي يقوله لهم فيكفرون به)! وفي/٤٩٤،
بعضه، وعنه البحار: ١٩/٣٢٠، و: ٥٢/٣٢٦، وفي/٣٥٢، وإثبات الهداة: ٣/٤٥٠، عن الكافي.
وفي البحار: ٥٢/٣٨٩، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يقضي القائم
بقضايا ينكرها بعض أصحابه ممن قد ضرب قدامه بالسيف، وهو قضاء آدم (عليه السلام)
فيقدمهم فيضرب أعناقهم! ثم يقضي الثانية فينكرها قوم آخرون ممن قد ضرب قدامه بالسيف
وهو قضاء داود (عليه السلام) فيقدمهم فيضرب أعناقهم! ثم يقضي الثالثة فينكرها قوم
آخرون ممن قد ضرب قدامه بالسيف، وهو قضاء إبراهيم (عليه السلام) فيقدمهم فيضرب
أعناقهم! ثم يقضي الرابعة وهو قضاء محمد (صلى الله عليه وآله) فلا ينكرها أحد
عليه). وإثبات الهداة: ٣/٥٨٥.
أقول: يبدو أن هذا الامتحان لأصحابه (عليه السلام) لمدى يقينهم بالله تعالى،
وهدايته للإمام المهدي (عليه السلام)، وأنه كجده (صلى الله عليه وآله) لا ينطق عن
الهوى. وأن وقت هذا الامتحان يكون في العراق في المرحلة الثانية من حركته (عليه
السلام).
ومعنى قضائه (عليه السلام) بقضاء آل داود، أي يقضي بالواقع الذي طلب داود (عليه
السلام) من الله تعالى أن يريه إياه، فأراه منه نموذجاً وأمره أن يقضي بالظاهر.
وكذلك أمر نبينا (صلى الله عليه وآله) أن يقضي بين الناس بالبينات والأيْمان. أما
الإمام المهدي (عليه السلام) فيأمره أن يقضي بالواقع ولا يحتاج إلى بينه، ولا بد أن
يكون أصحابه الذين لا يتحملون الحكم بالواقع غير الثلاث مئة وثلاثة عشر. ويكون عمله
هذا تدريباً للناس على تقبل قضائه بالواقع.
٤ - أصحاب الإمام (عليه السلام) الذين يُحْيَوْنَ من قبورهم
بعض المؤمنين يُخْبَرون في قبورهم بظهور الإمام (عليه السلام)
دلائل الإمامة/٢٥٧، عن سيف بن عميرة قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): المؤمن
ليخبر في قبره فإذا قام القائم، فيقال له: قد قام صاحبك، فإن أحببت أن تلحق به
فالحق، وإن أحببت أن تقيم في كرامة الله فأقم).
وفي غيبة الطوسي/٢٧٦، عن المفضل بن عمر قال: ذكرنا القائم (عليه السلام) ومن مات من
أصحابنا تنتظره، فقال لنا أبو عبد الله (عليه السلام): إذا قام أتي المؤمن في قبره،
فيقال له: يا هذا إنه قد ظهر صاحبك، فإن تشأ أن تلحق به فالحق، وإن تشأ أن تقيم في
كرامة ربك فأقم). ومثله الخرايج: ٣/١١٦٦، عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، ومنتخب
الأنوار/٣٦، عن الراوندي. وعنه إثبات الهداة: ٣/٥١٥، وفي/٥٧٤، عن مناقب فاطمة
وولدها. والإيقاظ/٢٧١، والبحار: ٥٣/٩١.
دلائل الإمامة/٢٤٨، عن المفضل بن عمر: قال أبو عبد الله: يا مفضل، أنت وأربعة
وأربعون رجلاً تحشرون مع القائم، أنت على يمين القائم تأمر وتنهى، والناس إذ ذاك
أطوع لك منهم اليوم). وإثبات الهداة: ٣/٥٧٣، أوله، عن مناقب فاطمة وولدها.
وفي رجال الكشي/٤٠٢، عن أبي عبد الله البرقي رفعه قال: نظر أبو عبد الله (عليه
السلام) إلى داود الرقي وقد ولى، فقال: من سره أن ينظر إلى رجل من أصحاب القائم
(عليه السلام) فلينظر إلى هذا. وقال في موضع آخر: أنزلوه فيكم بمنزلة المقداد (رحمه
الله)). وخلاصة العلامة/٦٧، ملخصاً، وفي التحرير الطاووسي/٩٨: ورد في مدحه حديث عن
أبي عبد الله (عليه السلام) يأمرهم بأن ينزلوه منه منزلة المقداد من رسول الله (صلى
الله عليه وآله)، وحديث يشهد بأنه من أصحاب القائم.
وفي الكشي/٢١٧، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كأني بعبد الله بن شريك العامري
عليه عمامة سوداء وذؤابتاه بين كتفيه، مصعداً في لحف الجبل بين يدي قائمنا أهل
البيت في أربعة آلاف مكرون يكبرون). ورجال ابن داود/٢٠٦، ومجمع الرجال: ٤/٥. الخ.
رجعة ٢٧ رجلاً إلى الدنيا لنصرة الإمام (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)
في تفسير العياشي: ٢/٣٢، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا
قام قائم آل محمد استخرج من ظهر الكعبة سبعة وعشرين رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى
الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أصحاب الكهف، ويوشع وصي موسى، ومؤمن آل
فرعون، وسلمان الفارسي، وأبا دجانة الأنصاري، ومالك الأشتر). ودلائل الإمامة/٢٤٧،
عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله.. كما في العياشي، وفيه: إذا ظهر القائم من
ظهر هذا البيت بعث الله معه سبعة وعشرين..).
وفي الإرشاد/٣٦٥: (وروى المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يخرج مع
القائم (عليه السلام) من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً خمسة عشر من قوم موسى (عليه
السلام) الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون
وسلمان، وأبو دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه
أنصاراً وحكاماً). وعنه مجمع البيان: ٢/٤٨٩، وروضة الواعظين: ٢/٢٦٦، وإعلام
الورى/٤٣٣، وكشف الغمة: ٣/٢٥٦، والإيقاظ /٢٤٩، وإثبات الهداة: ٣/٥٢٨، عن إعلام
الورى. الخ.
سلمان الفارسي من أنصار المهدي (عليه السلام)
دلائل الإمامة/٢٣٧، عن سلمان، قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله
تعالى لم يبعث نبيا ولا رسولاً إلا جعل له اثني عشر نقيباً فقلت، يا رسول الله لقد
عرفت هذا من أهل الكتابين، فقال: هل علمت من نقبائي الاثني عشر الذين اختارهم للأمة
من بعدي، فقلت الله ورسوله أعلم. فقال: يا سلمان خلقني الله من صفوة نوره ودعاني
فأطعته، وخلق من نوري علياً ودعاه فأطاعه، وخلق من نور علي فاطمة ودعاها فأطاعته،
وخلق مني ومن علي وفاطمة الحسن ودعاه فأطاعه وخلق مني ومن علي وفاطمة الحسين ودعاه
فأطاعه. ثم سمانا بخمسة أسماء من أسماءه: فالله المحمود وأنا محمد، والله العلي
وهذا علي، والله الفاطر وهذه فاطمة، والله ذو الإحسان وهذا الحسن، والله المحسن
وهذا الحسين. ثم خلق منا ومن نور الحسين تسعة أئمة ودعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق سماء
مبنية وأرضاً مدحية ولا ملكاً ولا بشراً! وكنا نوراً نسبح الله ثم نسمع له ونطيع.
فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي فلمن عرف هؤلاء فقال: من عرفهم حق معرفتهم واقتدى
بهم ووالى وليهم وعادى عدوهم، فهو والله منا يرد حيث نرد، ويسكن حيث نسكن. فقلت: يا
رسول الله وهل يكون إيمان بهم بغير معرفة بأسمائهم وأنسابهم؟ فقال: لا. فقلت: يا
رسول الله: فأنى لي بهم، وقد عرفت إلى الحسين؟ قال: ثم سيد العابدين علي بن الحسين،
ثم ابنه محمد الباقر علم الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، ثم ابنه جعفر بن
محمد لسان الله الصادق، ثم ابنه موسى بن جعفر الكاظم الغيظ صبراً في الله، ثم ابنه
علي بن موسى الرضا لأمر الله، ثم ابنه محمد بن علي المختار لأمر الله، ثم ابنه علي
بن محمد الهادي إلى الله، ثم ابنه الحسن بن علي الصامت الأمين لسر الله، ثم ابنه
محمد بن
الحسن المهدي القائم بأمر الله. ثم قال: يا سلمان إنك مدركه، ومن كان مثلك، ومن
تولاه هذه المعرفة فشكرت الله وقلت: وإني مؤجل إلى عهده؟ فقرأ قوله تعالى: (فَإِذَا
جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ
شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً. ثُمَّ رَدَدْنَا
لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً). قال سلمان فاشتد بكائي وشوقي، وقلت: يا
رسول الله أبعهد منك؟ فقال إي والله الذي أرسلني بالحق، مني ومن علي وفاطمة والحسن
والحسين والتسعة وكل من هو منا ومعنا ومضام فينا، إي والله وليحضرن إبليس له
وجنوده، وكل من محض الإيمان محضاً، ومحض الكفر محضاً، حتى يؤخذ له بالقصاص والأوتار
ولا يظلم ربك أحداً، وذلك تأويل هذه الآية: (وَنُرِيدُ أَنْ
نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً
وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ
وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ). قال: فقمت من
بين يديه، وما أبالي لقيت الموت أو لقيني). والهداية الكبرى/٧٣ و٩٢، ومقتضب
الأثر/٦، وعنه إثبات الهداة: ١/٧٠٨، والبحار: ٢٥/٦.
رجعة المؤمنين الذين هم أهلٌ لنصرة الإمام المهدي (عليه السلام)
العياشي: ٢/٢٧٦، عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من
قرأ سورة بني إسرائيل في كل ليلة جمعة لم يمت حتى يدرك القائم ويكون من أصحابه).
ومثله ثواب الأعمال/١٣٣، ومجمع البيان: ٦/٣٩٣، وإثبات الهداة: ٣/٤٩٧، والبحار:
٩٢/٢٨١، عن ثواب الأعمال، وأشار إلى مثله عن العياشي.
مختصر البصائر/٣٢، من كتاب الواحدة، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر (عليه
السلام) قال: قال أميرالمؤمنين (عليه السلام): فيا عجباه وكيف لا أعجب من أموات
يبعثهم الله أحياء، يلبون زمرة زمرة بالتلبية: لبيك لبيك يا داعي الله، قد أطلوا
بسكك الكوفة قد شهروا سيوفهم على عواتقهم، لَيضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم
وأتباعهم من جبابرة الأولين والآخرين، حتى ينجز الله ما وعدهم في قوله (عزَّ
وجلَّ): (وَعَدَ اللهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ
مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)،
أي يعبدونني آمنين لا يخافون أحداً في عبادي، ليس عندهم تقية. وإن لي الكرة بعد
الكرة والرجعة بعد الرجعة وأنا صاحب الرجعات والكرات وصاحب الصولات والنقمات
والدولات العجيبات، وأنا قرن من حديد، وأنا عبد الله وأخو رسول الله (صلى الله عليه
وآله)). وعنه الإيقاظ/٢٨٠ والبحار: ٥٣/٤٧.
وفي كتاب الزهد للحسين بن سعيد/٨١، عن عمار بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه
السلام) يقول: منكم والله يقبل، ولكم والله يغفر، إنه ليس بين أحدكم وبين أن يغتبط
ويرى السرور وقرة العين إلا أن تبلغ نفسه ها هنا وأومأ بيده إلى حلقه، ثم قال: إنه
إذا كان ذلك واحتضر حضره رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة وعلي وجبرئيل وملك
الموت (عليه السلام) فيدنو منه جبرئيل فيقول لرسول الله (صلى الله عليه وآله): إن
هذا كان يحبكم أهل البيت فأحبه، فيقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا جبرئيل
إن هذا كان يحب الله ورسوله وآل رسوله فأحبه وارفق به، ويقول جبرئيل لملك الموت: إن
هذا كان يحب الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأحبه وارفق به، فيدنو منه ملك الموت فيقول
له: يا عبد الله أخذت فكاك رقبتك، أخذت أمان برائتك، تمسكت بالعصمة الكبرى في
الحياة الدنيا؟ قال: فيوفقه الله (عزَّ وجلَّ) فيقول له: وما ذاك؟ فيقول: ولاية علي
بن أبي طالب فيقول: صدقت أما الذي كنت تحذر فقد آمنك الله منه، وأما الذي كنت ترجو
فقد أدركته، أبشر بالسلف الصالح مرافقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة
والأئمة من ولده (عليهم السلام)، ثم يسل نفسه سلاً رفيقاً، ثم ينزل بكفنه من الجنة
وحنوطه حنوط كالمسك الأذفر، فيكفن ويحنط بذلك الحنوط، ثم يكسى حلة صفراء من حلل
الجنة، فإذا وضع في قبره فتح الله له باباً من أبواب الجنة يدخل عليه من روحها
وريحانها، ثم يفسح له عن أمامه مسيرة شهر وعن يمينه وعن يساره، ثم يقال له: نم نومة
العروس على فراشها، أبشر بروح وريحان وجنة نعيم ورب غير غضبان. ثم يزور آل محمد في
جنان رضوى فيأكل معهم من طعامهم ويشرب معهم من شرابهم ويتحدث معهم في مجالسهم حتى
يقوم قائمنا أهل البيت، فإذا قام قائمنا بعثهم الله فأقبلوا معه يلبون زمراً زمراً،
فعند ذلك يرتاب المبطلون ويضمحل المحلون، وقليل ما يكونون. هلكت المحاضير ونجا
المقربون. من أجل ذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): أنت
أخي وميعاد ما بيني وبينك وادي السلام.
قال: وإذا حضر الكافر الوفاة حضره رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي والأئمة
وجبرئيل وملك الموت (عليهم السلام) فيدنو منه جبرئيل فيقول: يا رسول الله إن هذا
كان مبغضاً لكم أهل البيت فأبغضه فيقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا جبرئيل
إن هذا كان يبغض الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه واعنف عليه، ويقول جبرئيل: يا
ملك الموت إن هذا كان يبغض الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه واعنف عليه، فيدنو
منه ملك الموت فيقول يا عبد الله أخذت فكاك رهانك، أخذت أمان براءتك، تمسكت بالعصمة
الكبرى في الحياة الدنيا؟ فيقول: لا! فيقول: أبشر يا عدو الله بسخط الله (عزَّ
وجلَّ) وعذابه والنار، أما الذي كنت ترجو فقد فاتك، وأما الذي كنت تحذر فقد نزل بك،
ثم يسل نفسه سلاً عنيفاً، ثم يوكل بروحه ثلاثمائة شيطان يبصقون في وجهه ويتأذى
بريحه، فإذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب النار فيدخل عليه من قيحها ولهبها).
ومثله الكافي: ٣/١٣١، بتفاوت عن الإمام الصادق (عليه السلام)، والمحتضر/٥، بعضه عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، وفيه: إن أرواح المؤمنين ترى آل محمد (عليهم السلام)
في جبال رضوى فتأكل من طعامهم وتشرب من شرابهم. والإيقاظ/٢٩٠ و٣١٩، بعضه، والبحار:
٦/١٩٧، عن الكافي، وأشار إلى مثله عن الزهد.
عجباً كل العجب بين جمادى ورجب
ينابيع المودة/٥١٢، عن كتاب صفين للمدائني: خطب علي (عليه السلام) بعد انقضاء أمر
النهروان، فذكر طرفاً من الملاحم فقال: ذلك أمر الله وهو كائن وقتاً مريحاً، فيا
ابن خيره الإماء متى تنتظر، أبشر بنصر قريب من رب رحيم، فبأبي وأمي من عدة قليلة
أسماؤهم في الأرض مجهولة، قد دان حينئذ ظهورهم؟!
يا عجباً كل العجب بين جمادى ورجب، من جمع شتات وحصد نبات، ومن أصوات بعد أصوات، ثم
قال: سبق القضاء سبق! وقال: قال رجل من أهل البصرة إلى رجل من أهل الكوفة في جنبه:
أشهد أنه كاذب! قال الكوفي: والله ما نزل علي من المنبر حتى فلج الرجل فمات من
ليلته)!
وفي نهج السعادة: ٣/٤٤٩: ومن كلام له (عليه السلام) قال المدائني في كتاب صفين:
وخطب علي (عليه السلام) بعد انقضاء أمر النهروان فذكر طرفاً من الملاحم قال: إذا
كثرت فيكم الأخلاط واستولت الأنباط، دنا خراب العراق، وذاك إذا بنيت مدينة ذات أثل
وأنهار فإذا غلت فيها الأسعار وشيد فيها البنيان وحكم فيها الفساق واشتد البلاء
وتفاخر الغوغاء، دنا خسوف البيداء وطاب الهرب والجلاء. وستكون قبل الجلاء أمور يشيب
منها الصغير ويعطب منها الكبير، ويخرس الفصيح ويبهت اللبيب! يعاجلون بالسيف صلتاً
وقد كانوا قبل ذلك في غضارة من عيشهم يمرحون. فيا لها من مصيبة حينئذ من البلاء
العقيم والبكاء الطويل، والويل والعويل وشدة الصريخ وفناء مريح! ذلك أمر الله وهو
كائن. فيا ابن خيرة الإماء متى تنتظر، أبشر بنصر قريب من رب رحيم! ألا فويل
للمتكبرين عند حصاد الحاصدين وقتل الفاسقين، عصاة ذي العرش العظيم. فبأبي وأمي من
عدة قليلة أسماؤهم في السماء معروفة وفي الأرض مجهولة، قد دان حينئذ ظهورهم. ولو
شئت لأخبرتكم بما يأتي ويكون من حوادث دهركم ونوائب زمانكم وبلايا أممكم وغمرات
ساعاتكم لفعلت، ولكن أفضيه إلى من أفضيه إليه مخافة عليكم، ونظراً لكم علماً مني
بما هو كائن وما تلقون من البلاء الشامل! ذلك عند تمرد الأشرار وطاعة أولي الخسار
أوان الحتف والدمار، ذاك عند إدبار أمركم وانقطاع أصلكم وتشتت أنفسكم. وإنما يكون
ذلك عند ظهور العصيان وانتشار الفسوق! حيث يكون الضرب بالسيف أهون على المؤمن من
اكتساب درهم حلال! حين لا تنال المعيشة إلا بمعصية الله في سمائه! حين تسكرون من
غير شراب وتحلفون من غير اضطرار، وتظلمون من غير منفعة، وتكذبون من غير إحراج!
تتفكهون بالفسوق وتبادرون بالمعصية! قولكم البهتان وحديثكم الزور وأعمالكم الغرور!
فعند ذلك لا تأمنون البيات! فيا له من بيات ما أشد ظلمته، ومن صائح ما أفظع صوته؟!
ذلك بيات لا يتمنى صباحه صاحبه! فعند ذلك تقتلون وبأنواع البلاء تضربون وبالسيف
تحصدون والى النار تصيرون! ويعضكم البلاء كما يعض الغارب القتب!
يا عجباً كل العجب بين جمادى ورجب، من جمع أشتات وحصد نبات نومن أصوات بعدها أصوات!
ثم قال (عليه السلام): سبق القضاء سبق القضاء). وشرح ابن أبي الحديد: ٢/٤٩.
وفي مصنف ابن أبي شيبة: ٨/٦٩٨، عن قيس بن السكن قال: قال علي على منبره: إني أنا
فقأت عين الفتنة، ولو لم أكن فيكم ما قوتل فلان وفلان وفلان أهل النهر وأيم الله
لولا أن تتكلوا فتدعوا العمل لحدثتكم بما سبق لكم على لسان نبيكم لمن قاتلهم مبصراً
لضلالتهم عارفاً بالذي نحن عليه! قال ثم قال: سلوني فإنكم لا تسألوني عن شيء فيما
بينكم وبين الساعة ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا حدثتكم ولا شيئها. قال: فقام
رجل فقال: يا أمير المؤمنين حدثنا عن البلاء، فقال أمير المؤمنين: إذا سأل سائل
فليعقل وإذا سئل مسؤول فليتثبت: إن من ورائكم أموراً جللاً وبلاءً مبلحاً مكلحاً،
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو قد فقدتموني ونزلت كرائه الأمور وحقائق البلاء لفشل
كثير من السائلين ولأطرق كثير من المسؤولين، وذلك إذا فصلت حربكم وكشفت عن ساق لها،
وصارت الدنيا بلاء على أهلها حتى يفتح الله لبقية الأبرار! قال: فقام رجل فقال: يا
أمير المؤمنين! حدثنا عن الفتنة فقال: إن الفتنة إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت أسفرت،
وإنما الفتن نحوم كنحوم الرياح يصبن بلداً ويخطئن آخر، فانصروا أقواماً كانوا أصحاب
رايات يوم بدر ويوم حنين تنصروا وتؤجروا.
ألا إن أخوف الفتنة عندي عليكم فتنة عمياء مظلمة، خصت فتنتها وعمت بليتها، أصاب
البلاء من أبصر فيها وأخطأ البلاء من عمي عنها، يظهر أهل باطلها على أهل
حقها حتى تملأ الأرض عدواناً وظلماً، وإن أول من يكسر عمدها ويضج جبروتها وينزع
أوتادها الله رب العالمين، ألا وإنكم ستجدون أرباب سوء لكم من بعدي، كالناب الضروس
تعض بفيها وتركض برجلها وتخبط بيدها وتمنع درها! ألا أنه لا يزال بلاؤهم بكم حتى لا
يبقى في مصر لكم إلا نافع لهم أو غير ضار! وحتى لا يكون نصرة أحدكم منهم إلا كنصرة
العبد من سيده!
وأيم الله لو فرقوكم تحت كل كوكب لجمعكم الله لشر يوم لهم! قال: فقام رجل فقال: هل
بعد ذلكم جماعة يا أمير المؤمنين؟ قال: إنها جماعة شتى غير أن أعطياتكم وحجكم
وأسفاركم واحد والقلوب مختلفة هكذا ثم شبك بين أصابعه! قال: مم ذاك يا أمير
المؤمنين؟ قال: يقتل هذا هذا! فتنة فظيعة جاهلية ليس فيها إمام هدى ولا علم يرى،
نحن أهل البيت منها بمنجاة ولسنا بدعاة. قال: وما بعد ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال:
يفرج الله البلاء برجل من أهل البيت تفريج الأديم، بأبي ابن خبره يسومهم الخسف،
ويسقيهم بكأس مصبره، ودت قريش بالدنيا وما فيها لو يقدرون على مقام جزر وجزور لأقبل
منهم بعض الذي أعرض عليهم اليوم، فيردونه ويأبى إلا قتلاً). وفي لسان العرب:
١٢/٣٩٤، والنهاية لابن الأثير: ٣/٢٠٠: وأصل العذم العض، ومنه حديث على: كالناب
الضروس تعذم يفيها وتخبط بيدها).
وروى الشريف الرضي (رحمه الله) في نهج البلاغة: ١/١٨٢، بعضه، قال: ومن خطبة له
(عليه السلام): أما بعد أيها الناس فأنا فقأت عين الفتنة ولم تكن ليجرأ عليها أحد
غيري بعد أن ماج غيهبها واشتد كلبها. فاسألوني قبل أن تفقدوني، فوالذي نفسي بيده لا
تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا أنبأتكم
بناعقها وقائدها وسائقها ومناخ ركابها ومحط رحالها، ومن يقتل من أهلها قتلاً ومن
يموت منهم موتاً! ولو قد فقدتموني ونزلت بكم كرائه الأمور وحوازب الخطوب لأطرق كثير
من السائلين وفشل كثير من المسؤولين. وذلك إذا قلصت حربكم وشمرت عن ساق، وضاقت
الدنيا عليكم ضيقاً تستطيلون معه أيام البلاء عليكم حتى يفتح الله لبقية
الأبرار منكم. إن الفتن إذا أقبلت شبَّهَتْ وإذا أدبرت نبهت، يُنكرن مقبلات ويُعرفن مدبرات، يَحُمْنَ حول الرياح يصبن بلداً ويخطئن بلداً. ألا إن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية فإنها فتنة عمياء مظلمة عمت خطتها وخصت بليتها، وأصاب البلاء من أبصر فيها وأخطأ البلاء من عمي عنها! وأيم الله لتجدن بني أمية لكم أرباب سوء بعدي كالناب الضروس تعذم بفيها وتخبط بيدها وتزبن برجلها وتمنع درها! لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعاً لهم أو غير ضائر بهم، ولا يزال بلاؤهم حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلا كانتصار العبد من ربه والصاحب من مستصحبه! ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشية وقطعاً جاهلية، ليس فيها منار هدى ولا علم يرى، نحن أهل البيت منها بمنجاة ولسنا فيها بدعاة. ثم يفرجها الله عنكم كتفريج الأديم بمن يسومهم خسفاً ويسوقهم عنفاً ويسقيهم بكأس مصبرة، لا يعطيهم إلا السيف ولا يحلسهم إلا الخوف! فعند ذلك تود قريش بالدنيا وما فيها لو يرونني مقاماً واحداً ولو قدر جزر جزور لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه فلا يعطونني).
* * *
٥ - للإمام المهدي أنصار من الكواكب الأخرى
البصائر/٤٩٠، عن هشام الجواليقي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لله مدينة
خلف البحر سعتها مسيرة أربعين يوماً، فيها قوم لم يعصوا الله قط، ولا يعرفون إبليس
ولا يعلمون خلق إبليس، نلقاهم في كل حين فيسألوننا عما يحتاجون إليه ويسألوننا
الدعاء فنعلمهم، ويسألوننا عن قائمنا حتى يظهر، وفيهم عبادة واجتهاد شديد،
ولمدينتهم أبواب ما بين المصراع إلى المصراع مائة فرسخ، لهم تقديس واجتهاد شديد لو
رأيتموهم لاحتقرتم عملكم! يصلي الرجل منهم شهراً لا يرفع رأسه من سجوده! طعامهم
التسبيح ولباسهم الورق، ووجوههم مشرقة بالنور! إذا رأوا منا واحداً لحسوه واجتمعوا
إليه وأخذوا من أثره إلى الأرض يتبركون به لهم دوي إذا صلوا أشد من دوي الريح
العاصف، فيهم جماعة لم يضعوا السلاح منذ كانوا ينتظرون قائمنا، يدعون أن يريهم إياه
وعمر أحدهم ألف سنة. إذا رأيتهم رأيت الخشوع والاستكانة وطلب ما يقربهم إليه! إذا
حبسنا ظنوا أن ذلك من سخط يتعاهدون الساعة التي نأتيهم فيها لا يسأمون ولا يفترون،
يتلون كتاب الله كما علمناهم، وإن فيما نعلمهم ما لو تلي على الناس لكفروا به
ولأنكروه! يسألوننا عن الشيء إذا ورد عليهم من القرآن ولا يعرفونه، فإذا أخبرناهم
به انشرحت صدورهم لما يسمعون منا، ويسألون الله طول البقاء وأن لا يفقدونا، ويعلمون
أن المنة من الله عليهم فيما نعلمهم عظيمة. ولهم خرجة مع الإمام إذا قاموا يسبقون
فيها أصحاب السلاح منهم، ويدعون الله أن يجعلهم ممن ينتصر به لدينهم، فيهم كهول
وشبان، وإذا رأى شاب منهم الكهل جلس بين يديه جلسة العبد لا يقوم حتى يأمره. لهم
طريق هم أعلم به من الخلق إلى حيث يريد الإمام، فإذا أمرهم الإمام بأمر قاموا أبداً
حتى يكون هو الذي يأمرهم بغيره، لو أنهم وردوا على ما بين المشرق والمغرب من
الخلق لأفنوهم في ساعة واحدة، لا يعمل الحديد فيهم ولهم سيوف من حديد غير هذا
الحديد، لو ضرب أحدهم بسيفه جبلاً لقده حتى يفصله، يغزو بهم الإمام الهند والديلم
والكرك والترك والروم وبربر، وما بين جابرسا إلى جابلقا، وهما مدينتان واحدة
بالمشرق وأخرى بالمغرب، لا يأتون على أهل دين إلا دعوهم إلى الله وإلى الإسلام وإلى
الإقرار بمحمد (صلى الله عليه وآله) ومن لم يسلم قتلوه، حتى لا يبقى بين المشرق
والمغرب وما دون الجبل أحد إلا أقر). وعنه المحتضر/١٠٣، وإثبات الهداة: ٣/٥٢٢،
ومختصر البصائر/١٠، بتفاوت وعنه البرهان: ١/٤٨، ومثله تبصرة الولي/٩٧، والبحار:
٢٧/٤١ و٥٧/٣٣٢.
نقد مقولة أن الإمام (عليه السلام) ينتظر وجود أصحابه
إن ظهور الإمام المهدي صلوات الله عليه من أمر الله المحتوم، وهو مرحلة كبرى في
خطته (عزَّ وجلَّ) لحياة آدم (عليه السلام) وأبنائه على الأرض، وتوقيته وظروفه من
تقدير الله تعالى في أصل خطة الكون، وقد أخبرنا بواسطة نبيه وآله (صلى الله عليه
وآله) بصفاته وعلاماته وأن ظهوره كالساعة يأتيكم بغتة، وأنه تعالى قدَّر له أصحاباً
خاصين يوافونه من أقاصي الأرض بمعجزة في ليلة واحدة، هم وزراؤه وحواريوه، وهذا لا
يعني أن ظهوره (عليه السلام) متوقف عليهم وأنه (عليه السلام) ينتظر أن يولدوا أو
يوجدوا، وأنهم لو كانوا قبل قرون لظهر من يوم وجودهم، بل هم أصحاب خاصون يكونون في
عصرهم، ولظهوره (عليه السلام) وقتٌ لا يُقرِّبه عجلة المستعجلين، ولا يُؤخره كُرْه
الكارهين!
ولعل أصل شبهة أن الإمام (عليه السلام) ينتظر أصحابه، جاء من بعض الأحاديث
المتشابهة كالذي رواه النعماني/٢٠٣، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه دخل عليه
بعض أصحابه فقال له: جعلت فداك إني والله أحبك وأحب من يحبك يا سيدي ما أكثر
شيعتكم، فقال له: أذكرهم، فقال: كثير، فقال: تحصيهم؟ فقال: هم أكثر من ذلك، فقال
أبو عبد الله (عليه السلام): أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان
الذي تريدون، ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه ولا شحناؤه بدنه ولا يمدح بنا
معلناً، ولا
يخاصم بنا قالياً، ولا يجالس لنا عايباً، ولا يحدث لنا ثالباً، ولا يحب لنا مبغضاً،
ولا يبغض لنا محباً. فقلت فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنهم
يتشيعون؟ فقال: فيهم التمييز وفيهم التمحيص وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنون تفنيهم
وسيف يقتلهم واختلاف يبددهم! إنما شيعتنا من لا يهر هرير الكلب، ولا يطمع طمع
الغراب، ولا يسأل الناس بكفه وإن مات جوعاً، قلت جعلت فداك فأين أطلب هؤلاء
الموصوفين بهذه الصفة؟ فقال: أطلبهم في أطراف الأرض، أولئك الخفيض عيشهم، المنتقلة
دارهم، الذين إن شهدوا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن
خطبوا لم يزوجوا، وإن ماتوا لم يشهدوا، أولئك الذين في أموالهم يتواسون، وفي قبورهم
يتزاورون، ولا تختلف أهواؤهم وإن اختلفت بهم البلدان). ونحوه في/٢٠٤، وفيه: وإن
رأوا مؤمناً أكرموه، وإن رأوا منافقاً هجروه، وعند الموت لا يجزعون وفي قبورهم
يتزاورون). وعنه البحار: ٦٨/١٦٤.
لكن قول الإمام الصادق (عليه السلام): (أمَا لو كمُلت العدة الموصوفة ثلاثمائة
وبضعة عشر كان الذي تريدون.. ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه.. الخ). إنما يدل
على علاقة بين ظهوره (عليه السلام) واكتمال عددهم، ولا يمكن الحكم بأنها علاقة
سببية، فقد تكون علاقة في التقدير، وتكون السببية في الظهور وليس في الأصحاب.
فالإمام الصادق (عليه السلام) ليس في مقام بيان نوع العلاقة، بل في مقام موعظة
الشيعة ليرفعوا مستوى إيمانهم، وأن الأصحاب الذين يظهر فيهم المهدي (عليه السلام)
من مستوى أرقى من معاصريه، المدعين استعداهم لنصرته (عليه السلام).
* * *
وقد
كانت هذه الشبهة في أذهان المخالفين، فكانوا يتصورون أن الشيعة وإمامهم ينتظرون
وجود٣١٣ مؤمناً كاملي الإيمان حتى يظهر إمامهم!
ففي رسائل في الغيبة للمفيد (رحمه الله): ٣/١١: (قال الشيخ المفيد (رحمه الله):
حضرت مجلس رئيس من الرؤساء فجرى كلام في الإمامة فانتهى إلى القول في الغيبة، فقال
صاحب
المجلس: أليست الشيعة تروي عن جعفر بن محمد: أنه لو اجتمع للإمام عدة أهل بدر
ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً لوجب عليه الخروج بالسيف؟
فقلت: قد روي هذا الحديث. قال: أو لسنا نعلم يقيناً أن الشيعة في هذا الوقت أضعاف
عدة أهل بدر، فكيف يجوز للإمام الغيبة مع الرواية التي ذكرناها؟ فقلت له: إن الشيعة
وإن كانت في وقتنا كثيراً عددها حتى تزيد على عدة أهل بدر أضعافاً مضاعفة، فإن
الجماعة التي عدتهم عدة أهل بدر إذا اجتمعت فلم يسع الإمام التقية ووجب عليه
الظهور، لم تجتمع في هذا الوقت ولا حصلت في هذا الزمان بصفتها وشروطها. وذلك أنه
يجب أن يكون هؤلاء القوم معلوم من حالهم الشجاعة والصبر على اللقاء والإخلاص في
الجهاد وإيثار الآخرة على الدنيا، ونقاء السرائر من العيوب وصحة العقول، وأنهم لا
يهنون ولا ينتظرون عند اللقاء ويكون العلم من الله تعالى بعموم المصلحة في ظهورهم
بالسيف. وليس كل الشيعة بهذه الصفة، ولو علم الله تعالى أن في جملتهم العدد المذكور
على ما شرطناه، لَظَهَر الإمام لا محالة ولم يغب بعد اجتماعهم طرفة عين، لكن
المعلوم خلاف ما وصفناه، فلذلك ساغ للإمام الغيبة على ما ذكرناه.
قال: ومن أين لنا أن شروط القوم على ما ذكرت، وإن كانت شروطهم هذه فمن أين لنا أن
الأمر كما وصفت؟ فقلت: إذا ثبت وجوب الإمامة وصحت الغيبة لم يكن لنا طريق إلى تصحيح
الخبر إلا بما شرحناه، فمن حيث قامت دلائل الإمامة والعصمة وصدق الخبر حكمنا بما
ذكرناه.
ثم قلت: ونظير هذا الأمر ومثاله ما علمناه من جهاد النبي (صلى الله عليه وآله) أهل
بدر بالعدد اليسير الذين كانوا معه وأكثرهم أعزل راجل، ثم قعد عليه وآله السلام في
عام الحديبية ومعه من أصحابه أضعاف أهل بدر في العدد، وقد علمنا أنه (صلى الله عليه
وآله) مصيبٌ في الأمرين جميعاً، وأنه لو كان المعلوم من أصحابه في عام الحديبية ما
كان المعلوم منهم في حال بدر لما وسعه القعود والمهادنة، ولوجب عليه الجهاد كما
وجب
عليه قبل ذلك ولو وجب عليه ما تركه لما ذكرناه من العلم بصوابه وعصمته على ما
بيناه. فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يوحى إليه فيعلم بالوحي
العواقب ويعرف الفرق من صواب التدبير وخطئه بمعرفة ما يكون، فمن قال في علم الإمام
بما ذكرت وما طريق معرفته بذلك؟
فقلت له: الإمام عندنا معهود إليه، موقَفٌ على ما يأتي وما يذكر، منصوب له أمارات
تدله على العواقب في التدبيرات والصالح في الأفعال، وإنما حصل له العهد بذلك عن
النبي (صلى الله عليه وآله) الذي يوحى إليه ويطلع على علم السماء، ولو لم نذكر هذا
الباب واقتصرنا على أنه متعبد في ذلك بغلبة الظن وما يظهر له من الصلاح لكفى وأغنى.
وقام مقام الإظهار على التحقيق كائنا ما كان بلا ارتياب، لا سيما على مذهب
المخالفين في الاجتهاد. وقولهم في رأي النبي (صلى الله عليه وآله) وإن كان المذهب
ما قدمناه. فقال: لمَ لا يظهر الإمام وإن أدى ظهوره إلى قتله فيكون البرهان له
والحجة في إمامته أوضح، ويزول الشك في وجوده بلا ارتياب؟
فقلت: إنه لا يجب ذلك عليه كما لا يجب على الله تعالى معاجلة العصاة بالنقمات
وإظهار الآيات في كل وقت متتابعات، وإن كنا نعلم أنه لو عاجل العصاة لكان البرهان
على قدرته أوضح، والأمر في نهيه أوكد، والحجة في قبح خلافه أبين، ولكان بذلك الخلق
عن معاصيه أزجر، وإن لم يجب ذلك عليه ولا في حكمته وتدبيره لعلمه بالمصلحة فيه على
التفضيل، فالقول في الباب الأول مثله على أنه لا معنى لظهور الإمام في وقت يحيط
العلم فيه بأن ظهوره منه فساد وأنه لا يؤول إلى إصلاح، وإنما يكون ذلك حكمة وصواباً
إذا كانت عاقبته الصلاح. ولو علم (عليه السلام) أن في ظهوره صلاحاً في الدين مع
مقامه في العالم أو هلاكه وهلاك جميع شيعته وأنصاره لما أبقاه طرفة عين، ولا فتر عن
المسارعة إلى مرضاة الله جل اسمه، لكن الدليل على عصمته كاشف عن معرفته لرد هذه
الحال عند ظهوره في هذا الزمان بما قدمناه من ذكر العهد إليه، ونصب الدلائل والحد
والرسم المذكورين له في الأفعال.
فقال:
لعمري إن هذه الأجوبة على الأصول المقررة لأهل الإمامة مستمرة، والمنازع فيها بعد
تسليم الأصول لا ينال شيئا ولا يظفر بطائل). انتهى.
أقول: قد يكون جواب المفيد (رحمه الله) مجاراة لذلك الرجل، أما إن قَصَدَ أن الإمام
(عليه السلام) هو الذي يعين وقت ظهوره وأنه ينتظر وجود هؤلاء الأصحاب، فلا يصح، لأن
الله تعالى يتولى أمره بالكامل ومن أهمه تعيين وقت ظهوره، وقد نصت على ذلك أحاديث
كثيرة، ومنها أنه (عليه السلام) يؤذن له فيدعو ويبدأ ظهوره.
فالأصح الجواب بما رواه الصدوق (رحمه الله) في أماليه/٥٣٩، وخلاصته: أن رجلاً
مهموماً جاء إلى الإمام زين العابدين (عليه السلام) وشكى له فقره وديناً أثقله فلم
يكن عند الإمام (عليه السلام) مال لأن الوليد كان صادر أمواله، فأعطاه قرصيه قوت
يومه وأمره أن يذهب إلى السوق ويشتري بهما شيئاً، فوجد سمكتين غير مرغوبتين
فاشتراهما فوجد في جوفها لؤلؤتين ثمينتين: (وباع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضى منه
دينه وحسنت بعد ذلك حاله. فقال بعض المخالفين: ما أشد هذا التفاوت! بينا علي بن
الحسين لا يقدر أن يسد منه فاقة إذ أغناه هذا الغناء العظيم كيف يكون هذا وكيف يعجز
عن سد الفاقة من يقدر على هذا الغناء العظيم؟ فقال الإمام السجاد (عليه السلام):
هكذا قالت قريش للنبي (صلى الله عليه وآله): كيف يمضي إلى بيت المقدس ويشاهد ما فيه
من آثار الأنبياء (عليهم السلام) من مكة ويرجع إليها في ليلة واحدة مَن لا يقدر أن
يبلغ من مكة إلى المدينة إلا في اثني عشر يوماً وذلك حين هاجر منها! ثم قال (عليه
السلام): جهلوا والله أمر الله وأمر أوليائه معه! إن المراتب الرفيعة لا تنال إلا
بالتسليم لله جل ثناؤه وترك الاقتراح عليه والرضا بما يدبرهم به! إن أولياء الله
صبروا على المحن والمكاره صبراً لمَّا يساوهم فيه غيرهم، فجازاهم الله (عزَّ وجلَّ)
عن ذلك بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم، لكنهم مع ذلك لا يريدون منه إلا ما يريده
لهم)!
أقول: يدل ذلك على أن إرادة المعصوم (عليه السلام) في هذا النوع من الأعمال تابعة
لإرادة
الله
تعالى، وأنه لا يتصرف من نفسه ولا يستعمل ولايته التكوينية بل ينتظر الإذن والأمر
من الله تعالى! فالأصل عنده أن يعمل ويعيش بالأسباب العادية، إلا إذا أبلغه الله
تعالى بهاتف أو إلهام أو أي طريق، أن يعمل شيئاً آخر أو يدعوه بشيء! وهذا معنى تفوق
النبي وآله (صلى الله عليه وآله) على غيرهم بأنهم لم يقترحوا على ربهم (عزَّ وجلَّ)
شيئاً. وظهوره (عليه السلام) من أهم الأمور التي لا يتقدم فيها أمر الله تعالى.
شبهة أن ظهوره متوقف على امتلاء الدنيا جوراً
كما توجد شبهة أخرى تقول: إن ظهوره (عليه السلام) لم يأت أوانه لأنه يكون بعد أن
تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً، ومعناه أنه لا يبقى خير في الأرض ولا عدل!
وجوابها: أن امتلاء الأرض جوراً وظلماً أمر عرفي، وقد امتلأت في عصرنا وقبله ظلماً
وجوراً حتى بحارها وأجواؤها! بل امتلأت من قديم، لقوله تعالى: (ظَهَرَ
الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ
لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:
٤١) وامتلأت من عصر الإمام الصادق (عليه السلام) بشهادته التي رواها في الكافي:
٣/٥٣٦ عن بريد بن معاوية قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: يا بريد لا
والله ما بقيت لله حرمة إلا انتهكت، ولا عمل بكتاب الله ولا سنة نبيه في هذا
العالم، ولا أقيم في هذا الخلق حد منذ قبض الله أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه
عليه، ولا عمل بشيء من الحق إلى يوم الناس هذا! ثم قال: أما والله لا تذهب الأيام
والليالي حتى يحيي الله الموتى ويميت الأحياء ويرد الله الحق إلى أهله ويقيم دينه
الذي ارتضاه لنفسه ونبيه، فأبشروا ثم أبشروا ثم أبشروا فوالله ما الحق إلا في
أيديكم). والتهذيب: ٤/٩٧، والبحار: ٤١/١٢٧.
هل صحيح أن أصحاب المهدي (عليه السلام) أكثرهم من غير العرب؟
ورد في مصادر السنة والشيعة أن أصحاب المهدي (عليه السلام) أكثرهم من الشباب، ففي
ملاحم
ابن المنادي/٦٤، عن علي (عليه السلام) أنه قال: (ولولا أن تستعجلوا وتستأخروا القدر
لأمر قد سبق في البشر، لحدثتكم بشباب من الموالي وأبناء العرب، ونبذ من الشيوخ
كالملح في الزاد وأقل الزاد الملح). وروى النعماني في الغيبة/٣١٥، عن أبي يحيى حكيم
بن سعد قال: سمعت عليا (عليه السلام) يقول: (إن أصحاب المهدي القائم شباب لا كهول
فيهم إلا كالكحل في العين أو كالملح في الزاد، وأقل الزاد الملح). وغيبة الطوسي/٢٨٤
كالنعماني، وعنه إثبات الهداة: ٣/٥١٧، والبحار: ٥٢/٣٣٣. وفي تاج المواليد/١٥١: (من
النجباء والأبدال والأخيار، كلهم شاب لا كهل فيهم). انتهى. والمقصود بأصحابه هنا:
الأصحاب والوزراء الخاصون، الثلاث مئة وثلاثة عشر.
وذكر بعض علماء السنة أن جميع أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) من الموالي وليس
فيهم عربي! قال ابن عربي في فتوحاته المكية: ٣/٣٢٨: (وهم على أقدام رجال من
الصحابة، صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وهم من الأعاجم ما فيهم عربي لكن لا يتكلمون
إلا بالعربية، لهم حافظ ليس من جنسهم ما عصى الله قط، هو أخص الوزراء وأفضل
الأمناء، فأعطاهم الله في هذه الآية التي اتخذوها هجيراً وفي ليلهم سميراً، أفضل
علم الصدق حالاً وذوقاً فعلموا إن الصدق سيف الله في الأرض، ما قام بأحد ولا اتصف
به إلا نصره الله لأن الصدق نعته والصادق اسمه، فنظروا بأعين سليمة من الرمد وسلكوا
بأقدام ثابتة في سبيل الرشد، فلم يروا الحق قيد مؤمناً من مؤمن، بل أوجب على نفسه
نصر المؤمنين). انتهى.
وروى ابن ماجة: ٢/١٣٦٩، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله): إذا وقعت
الملاحم بعث الله بعثاً من الموالي هم أكرم العرب فرساً وأجوده سلاحاً، يؤيد الله
بهم الدين.
وفي الحاكم: ٤/٥٤٨ وصححه على شرط بخاري، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه
وآله): إذا وقعت الملاحم خرج بعث من الموالي من دمشق هم أكرم العرب فرساً وأجوده
سلاحاً، يؤيد الله بهم الدين). انتهى.
وفي مصادرنا: روى الطوسي في الغيبة/٢٨٤، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: إتق العرب فإن لهم خبر سوء، أما إنه لا يخرج مع القائم منهم واحد). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥١٧، والبحار: ٥٢/٣٣٣. ولكنها معارضة بالروايات الكثيرة وبعضها صحيح عن حركة اليماني ونجباء مصر وأبدال الشام وعصائب العراق وغيرهم، وهي تنص على أنهم من أصحاب المهدي الخاصين وأنصاره. نعم هم قليلون بالنسبة إلى عدد العرب الكثير، كما رود عن الإمام الصادق (عليه السلام) في الكافي: ١/٣٧٠، قال: ويل لطغاة العرب من أمر قد اقترب، قلت: جعلت فداك كم مع القائم من العرب؟ قال نفر يسير، قلت: والله إن من يصف هذا الأمر منهم لكثير، قال: لابد للناس من أن يمحصوا ويميزوا ويغربلوا ويستخرج في الغربال خلق كثير).
* * *
أحاديث لم يثبت سندها تُسَمِّي أصحابه (عليه السلام) وبلدانهم
توجد أربع روايات تسمي أصحاب المهدي (عليه السلام) أو بلدانهم، لكن لم يصح سندها.
الرواية الأولى: في دلائل الإمامة/٣١١، قال أبو حسان سعيد بن جناح عن محمد بن مروان
الكرخي قال: حدثنا عبد الله بن داود الكوفي عن سماعة بن مهران قال: سأل أبو بصير
الصادق عن عدة أصحاب القائم فأخبره بعدتهم ومواضعهم، فلما كان العام القابل قال عدت
إليه فدخلت فقلت: ما قصة المرابط السائح قال: هو رجل من أصبهان من أبناء دهاقينها
له عمود فيه سبعون منا لا يقلُّهُ غيره، يخرج من بلده سياحاً في الأرض وطلب الحق
فلا يخلو بمخالف إلا أراح منه، ثم إنه ينتهي إلى طازبند وهو الحاكم بين أهل
الإسلام، فيصيب بها رجلاً من النصاب يتناول أمير المؤمنين ويقيم بها حتى يسرى به.
وأما الطوَّاف لطلب الحق فهو رجل من أهل يخشب وقد كتب الحديث وعرف الاختلاف بين
الناس فلا يزال يطوف بالبلدان لطلب العلم حتى يعرف صاحب الحق فلا يزال كذلك حتى
يأتيه الأمر وهو يسير من الموصل إلى الرها فيمضي حتى يوافي مكة.
وأما الهارب من عشيرته ببلخ فرجل من أهل المعرفة لا يزال يعلن أمره يدعو الناس إليه
وقومه وعشيرته، فلا يزال كذلك حتى يهرب منهم إلى الأهواز فيقيم في بعض قراها حتى
يأتيه أمر الله فيهرب منهم. وأما المتخلي بصقلية، فإنه رجل من أبناء الروم من قرية
يقال يسلم فيبنوا من الروم، ولا يزال يخرج إلى بلد الإسلام يجول بلدانها وينتقل من
قرية إلى قرية ومن مقالة إلى مقالة حتى يمن الله عليه بمعرفة هذا الأمر الذي أنتم
عليه، فإذا عرف ذلك وأيقنه أيقن أصحابه فدخل صقلية مع عبد الله حتى يسمع الصوت
فيجيبه.
وأما الهاربان إلى السروانية من الشعب رجلان أحدهما من أهل مدائن العراق والآخر من
حبايا بجرجان إلى مكة، فلا يزالان يتجران فيها ويعيشان حتى يتصل متجرهما بقرية يقال
لها الشعب فيصيران إليها ويقيمان بها حيناً من الدهر فإذا عرفهما أهل الشعب آذوهما
وأفسدوا كثيراً من أمرهما فيقول أحدهما لصاحبه يا أخي إنا قد أوذينا في بلادنا حتى
فارقنا مكة، ثم خرجنا إلى الشعب ونحن نرى أن أهلها ثائرة علينا من أهل مكة وقد
بلغوا بنا ما ترى، فلو سرنا في البلاد حتى يأتي أمر الله من عدل أو فتح أو موت
يريح، فيتجهزان ويخرجان إلى برقة ثم يتجهزان ويخرجان إلى سروانة ولا يزالان بها إلى
الليلة التي يكون بها أمر قائمنا.
وأما التاجران الخارجان من عانة إلى أنطاكية فهما رجلان يقال لأحدهما مسلم وللآخر
سليم ولهما غلام أعجمي يقال له سلمونة، يخرجون جميعاً في رفقة من التجار يريدون
أنطاكية فلا يزالون يسيرون في طريقهم حتى إذا كان بينهم وبين أنطاكية أميال يسمعون
الصوت فينصتون نحوه كأنهم لم يعرفوا شيئاً غير ما صاروا إليه من أمرهم ذلك الذي
دعوا إليه، ويذهلون عن تجارتهم ويصبح القوم الذين كانوا معهم من رفاقتهم وقد دخلوا
أنطاكية فيفقدونهم فلا يزالون يطلبونهم فيرجعون ويسألون عنهم من يلقون من الناس فلا
يقعون على أثر ولا يعلمون لهم خبراً، فيقول القوم بعضهم لبعض هل تعرفون منازلهم
فيقول بعضهم نعم، ثم يبيعون ما كان معهم من التجارة ويحملون إلى أهاليهم ويقتسمون
مواريثهم، فلا يلبثون بعد ذلك إلا ستة أشهر حتى يوافوا إلى أهاليهم على مقدمة
القائم فكأنهم لم يفارقوهم.
وأما المستأمنة من المسلمين إلى الروم فهم قوم ينالهم أذى شديد من جيرانهم وأهاليهم
ومن السلطان، فلا يزال ذلك بهم حتى أتوا ملك الروم فيقصون عليه قصتهم ويخبرونه بما
هم من أذى قومهم وأهل ملتهم، فيؤمنهم ويعطيهم أرضاً من أرض قسطنطينية فلا يزالون
بها حتى إذا كانت الليلة التي يسرى بهم فيها ويصبح جيرانهم وأهل الأرض التي كانوا
بها قد فقدوهم، فيسألون عنهم
أهل البلاد فلا يحسوا(ن) لهم أثراً ولا يسمعون لهم خبراً، ويخبرون ملك الروم بأمرهم وأنهم فقدوا فيوجه في طلبهم ويستقصى آثار هم وأخبارهم فلا يعود مخبر لهم يخبر، فيغتم طاغية الروم غماً شديداً ويطالب جيرانهم بهم ويحبسهم ويلزمهم إحضارهم ويقول: ما قدمتم على قوم آمنتهم وأوليتهم جميلاً! ويوعدهم القتل إن لم يأتوا بهم ويخبرهم وإلى أين صاروا، فلا يزال أهل مملكته في أذية ومطالبة ما بين معاقب ومحبوس ومطلوب، حتى يسمع بما هم فيه راهب قد قرأ الكتب فيقول لبعض من يحدثه حديثهم إنه ما بقي في الأرض أحد يعلم علم هؤلاء القوم غيري وغير رجل من يهود بابل، فيسألونه عن أحوالهم فلا يخبر أحداً من الناس حتى يبلغ ذلك الطاغية، فيوجه في حمله إليه فإذا حضره قال الملك: قد بلغني ما قلت، وقد ترى ما أنا فيه فأصدقني! إن كانوا مرتابين قتلت بهم من قتلهم ويخلص من سواهم من التهمة. قال الراهب: لا تعجل أيها الملك ولا تحزن على القوم، فإنهم لن يقتلوا ولن يموتوا ولا حدث بهم حدث يكرهه الملك، ولا هم ممن يرتاب بأمرهم ونالتهم غيلة، ولكن هؤلاء قوم حملوا من أرض الملك إلى أرض مكة إلى ملك الأمم، وهو الأعظم الذي تبشر به وتحدث عنه وتعد ظهوره وعدله وإحسانه. قال له الملك: من أين لك هذا؟ قال ما كنت لأقول إلا حقا، فإنه عندي في كتاب قد أتى عليه أكثر من خمسمائة سنة يتوارثه العلم آخر عن أول، فيقول له الملك: فإن كان ما نقول حقاً وكنت فيه صادقاً فأحضر الكتاب فيمضي في إحضاره ويوجه الملك معه نفراً من ثقاته فلا يلبث حتى يأتيه بالكتاب فيقرؤه فإذا فيه صفة القائم واسمه واسم أبيه وعدة أصحابه وخروجهم، وأنهم سيظهرون على بلاده فقال له الملك: ويحك أين كنت عن إخباري بهذا إلى اليوم؟ قال: لولا ما تخوفت إنه يدخل على الملك من الإثم في قتل قوم براء ما أخبرته بهذا العلم حتى يراه بعينه ويشاهده بنفسه. قال: أو تراني أراه؟ قال: نعم لا يحول الحول حتى تطأ خيله أواسط بلادك ويكون هؤلاء القوم أدلاء على مذهبكم، فيقول له الملك: أفلا أوجه إليهم من يأتيني بخبر منهم وأكتب إليهم كتاباً؟ قال له الراهب: أنت صاحبه الذي تسلم إليه وستتبعه وتموت فيصلي عليك رجل من أصحابه! والنازلون بسرانديب وسمندار أربعة رجال من تجار أهل فارس يخرجون عن تجاراتهم فيستوطنون سرانديب وسمندار حتى يسمعون الصوت ويمضون إليه! والمفقود من مركبه بسلاقط رجل من يهود أصبهان يخرج من سلاقط قافلة فبينا هو يسير في البحر في جوف الليل، إذ نودي فيخرج من المركب في أعلى الأرض أصلب من الحديد وأوطأ من الحرير، فيمضي الربان إليه وينظر إليه وينظر فينادي أدركوا صاحبكم فقد غرق فيناديه الرجل لا بأس عليَّ إني على جدد، فيحال بينهم وبينه وتطوى له الأرض فيوافي القوم حينئذ مكة لا
يتخلف منهم أحداً). وفي ملاحم ابن طاووس/٢٠١، عن كتاب يعقوب بن نعيم قرقارة الكاتب
لأبي يوسف قال: وحدثنا أحمد بن محمد الأسدي، عن محمد بن مروان، عن عبد الله بن
حماد، عن سماعة بن مهران قال: قال أبو بصير سألت جعفر بن محمد (عليه السلام) عن
أصحاب القائم (عليه السلام) فأخبرني بمواضعهم وعدتهم فلما كان العام الثاني عدت
إليه فقلت: جعلت فداك ما قصة المرابط والسياح؟ قال: - كما في دلائل الإمامة بتفاوت.
والمحجة/٣٤، كما في دلائل الإمامة، عن مسند فاطمة (عليها السلام) للطبري. وبشارة
الإسلام/٢٠٢، عن المحجة.
الرواية الثانية في دلائل الإمامة/٣٠٧: حدثني أبو الحسين محمد بن هارون قال حدثنا
أبي هارون بن موسى بن أحمد قال حدثنا أبو علي الحسن بن محمد النهاوندي قال حدثنا
أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن عبيد الله القمي القطان المعروف بابن
الخزاز قال حدثنا محمد بن زياد، عن أبي عبد الله الخراساني قال حدثنا أبو حسان سعيد
بن جناح، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله قال: قلت له: جعلت فداك
هل كان أمير المؤمنين يعلم أصحاب القائم كما كان يعلم عدتهم؟ قال أبو عبد الله:
حدثني أبي قال: والله لقد كان يعرفهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم رجلاً
فرجلاً، ومواضع منازلهم ومراتبهم، فكلما عرفه أمير المؤمنين عرفه الحسن، وكلما عرفه
الحسن فقد صار علمه إلى الحسين، وكلما عرفه الحسين فقد عرفه علي بن الحسين، وكلما
علمه علي بن الحسين فقد صار علمه إلى محمد بن علي، وكلما قد علمه محمد بن علي فقد
علمه وعرفه صاحبكم، يعني نفسه. قال أبو بصير: قلت مكتوب؟ قال فقال أبو عبد الله:
مكتوب في كتاب محفوظ في القلب، مثبت في الذكر لا ينسى. قال قلت جعلت فداك أخبرني
بعددهم وبلدانهم ومواضعهم فذاك يقتضي من أسمائهم. قال فقال إذا كان يوم الجمعة بعد
الصلاة فأتني، قال: فلما كان يوم الجمعة أتيته فقال: يا أبا بصير أتيتنا لما سألتنا
عنه؟ قلت: نعم جعلت فداك. قال إنك لا تحفظ فأين صاحبك الذي يكتب لك، فقلت أظن شغله
شاغل وكرهت أن أتأخر عن وقت حاجتي فقال لرجل في مجلسه: أكتب له هذا ما أملاه رسول
الله على أمير المؤمنين وأودعه إياه، من تسمية أصحاب المهدي وعدة من يوافيه من
المفقودين عن فرشهم وقبائلهم، والسائرين في ليلهم ونهارهم إلى مكة، وذلك عند استماع
الصوت في السنة التي يظهر فيها أمر الله (عزَّ وجلَّ)، وهم النجباء والقضاة والحكام
على الناس: من طاربند الشرقي رجل، وهو المرابط السياح، ومن الصامغان رجلان ومن أهل
فرغانة رجل، ومن أهل البريد رجلان، ومن الديلم أربعة رجال، ومن مرو الروذ رجلان،
ومن مرو إثنا عشر رجلاً، ومن بيروت تسعة رجال ومن طوس خمسة رجال، ومن القريات
رجلان، ومن سجستان ثلاثة رجال، ومن الطالقان أربعة وعشرون رجلاً، ومن الجبل الغرر ثمانية رجال، ومن نيسابور ثمانية عشر رجلاً، ومن هراة اثنا عشر رجلاً، ومن وشيج أربعة رجال، ومن الري سبعة رجال، ومن طبرستان تسعة رجال ومن قم ثمانية عشر رجلاً، ومن قرمس رجلان، ومن جرجان اثنا عشر رجلاً، ومن الرقة ثلاثة رجال، ومن الرافقة رجلان، ومن حلب ثلاثة رجال، ومن سلمية خمسة رجال، ومن طبرية رجل، ومن بافاد رجل، ومن بلبيس رجل، ومن دمياط رجل، ومن أسوان رجل، ومن الفسطاط أربعة رجال، ومن القيروان رجلان ومن كور كرمان ثلاثة رجال، ومن قزوين رجلان، ومن همدان أربعة رجال، ومن جوقان رجل، ومن البدو رجل، ومن خلاط رجل، ومن جابروان ثلاثة رجال، ومن النسوي رجل، ومن سنجار أربعة رجال، ومن طالقان رجل (كذا)، ومن سيمسياط رجل ومن نصيبين رجل ومن حران رجل، ومن باغه رجل، ومن قابس رجل، ومن صنعاء رجلان، ومن قارب رجل، ومن طرابلس رجلان، ومن القلزم رجلان، ومن العبثة رجل، ومن وادي القرى رجل، ومن خيبر رجل ومن بدا رجل، ومن الحار رجل، ومن الكوفة أربعة عشر رجلاً، ومن المدينة رجلان، ومن الري رجل، ومن الحيوان رجل، ومن كوثا رجل، ومن طهر رجل، ومن بيرم رجل، ومن الأهواز رجلان، ومن الأصطخر رجلان، ومن الموليان رجلان، ومن الدبيلة رجل، ومن صيدائيل رجل، ومن المدائن ثمانية رجال، ومن عكبرا رجل، ومن حلوان رجلان، ومن البصرة ثلاثة رجال، وأصحاب الكهف وهم سبعة، والتاجران الخارجان من عانة إلى أنطاكية وغلامهما وهم ثلاثة نفر، والمستأمنون إلى الروم من المسلمين وهم أحد عشر رجلاً، والنازلان بسرانديب رجلان، ومن سمند أربعة رجال، والمفقود من مركبه بسلاهط رجل، ومن شيراز أو قال سيراف الشك من مسعدة رجل، والهاربان إلى السروانية من الشعب رجلان، والمتخلي بصقيلية رجل، والطواف الطالب الحق من يخشب رجل، والهارب من عشيرته رجل، والمحتج بالكتاب على الناصب من سرخس رجل. فذلك ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، بعدد أهل البدر، يجمعهم الله إلى مكة في ليلة واحدة، وهي ليلة الجمعة فيتوافون في صبيحتها إلى المسجد الحرام، لا يتخلف منهم رجل واحد، وينتشرون بمكة في أزقتها يلتمسون منازل يسكنونها فينكرهم أهل مكة، وذلك أنهم لم يعلموا برفقة دخلت من بلد من البلدان لحج أو عمرة ولا تجارة، فيقول بعضهم لبعض إنا لنرى في يومنا هذا قوما لم نكن رأيناهم قبل يومنا هذا، وليس من بلد واحد ولا أهل بدو ولا معهم إبل ولا دواب. فبينما هم كذلك وقد ارتابوا بهم، قد أقبل رجل من بني مخزوم يتخطى رقاب الناس حتى يأتي رئيسهم فيقول لقد رأيت ليلتي هذه رؤيا عجيبة
وإني منها خائف وقلبي منها وجل، فيقول له أقصص رؤياك فيقول: رأيت كبة نار انقضت من عنان السماء، فلم تزل تهوي حتى انحطت على الكعبة فدارت فيها فإذا هي جراد ذوات خطر كالملاحف، فأطافت بالكعبة ما شاء الله، ثم تطايرت شرقا وغربا لا تمر ببلد إلا أحرقته، ولا بحضر إلا حطمته فاستيقظت وأنا مذعور القلب وجل، فيقولون لقد رأيت هؤلاء فانطلق بنا إلى الأقرع ليعبرها وهو رجل من ثقيف فقص عليه الرؤيا فيقول الأقرع لقد رأيت عجبا، ولقد طرقكم في ليلتكم جند من جنود الله لا قوة لكم بهم. فيقولون لقد رأينا في يومنا هذا عجبا، ويحدثونه بأمر القوم ثم ينهضون من عنده ويهمون بالوثوب عليهم، وقد ملا الله قلوبهم منهم رعبا وخوفاً. فيقول بعضهم لبعض وهم يتآمرون بذلك: يا قوم لا تعجلوا على القوم إنهم لم يأتوكم بعد بمنكر، ولا أظهروا خلافا، ولعل الرجل منهم يكون في القبيلة من قبائلكم، فإن بدا لكم منهم شر فأنتم حينئذ وهم. وأما القوم فإنا نراهم متنسكين وسيماهم حسنة، وهم في حرم الله تعالى الذي لا يباح من دخله حتى يحدث به حدثاً تجب محاربتهم. فيقول المخزومي وهو رئيس القوم وعميدهم: إنا لا نأمن أن يكون وراءهم مادة لهم، فإذا التأمت إليهم كشف أمرهم وعظم شأنهم فنهضتموهم وهم في قلة من العدد وغرة في البلد، قبل أن تأتيهم المادة فإن هؤلاء لم يأتوكم مكة إلا وسيكون لهم شأن. وما أحسب تأويل رؤيا صاحبكم إلا حقاً فخلوا لهم بلدكم وأجيلوا الرأي والأمر ممكن. فيقول قائلهم: إن كان من يأتيهم أمثالهم فلا خوف عليكم منهم، فإنه لا سلاح للقوم ولا كراع ولا حصن يلجؤون إليه وهم غرباء محتوون، فإن أتى جيش لهم ونهضتم إلى هؤلاء وهؤلاء، وكانوا كشربة الظمآن، فلا يزالون في هذا الكلام ونحوه حتى يحجز الليل بين الناس، ثم يضرب الله على آذانهم وعيونهم بالنوم، فلا يجتمعون بعد فراقهم إلى أن يقوم القائم (عليه السلام). وإن أصحاب القائم يلقى بعضهم بعضا كأنهم يقولون وإن افترقوا عشاء والتقوا غدوة، وذلك تأويل هذه الآية: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً). قال أبو بصير: قلت جعلت فداك ليس على الأرض يومئذ مؤمن غيرهم؟ قال: بلى، ولكن هذه التي يخرج الله فيها القائم، وهم النجباء والقضاة والحكام والفقهاء في الدين، يمسح الله بطونهم وظهورهم فلا يشتبه عليهم حكم). ورواه ابن طاووس في الملاحم/٢٠١، قال: (فيما رأيت من عدة أصحاب القائم (عليه السلام) وتعيين مواضعهم من كتاب يعقوب بن نعيم قرقارة الكاتب أبي يوسف، قال النجاشي الذي زكاه محمد بن النجار إن يعقوب بن نعيم المذكور روى عن الرضا (عليه السلام) وكان جليلا في أصحابنا ثقة، ورأينا ما ننقله في نسخة عتيقة لعلها كتبت في حياته وعليه خط السعيد فضل الله الراوندي قدس الله روحه فقال ما هذا لفظه: حدثني أحمد بن محمد الأسدي، عن سعيد بن
جناح، عن مسعدة، أن أبا بصير قال لجعفر بن محمد (عليه السلام) هل كان أمير المؤمنين
(عليه السلام) يعلم مواضع أصحاب القائم (عليه السلام) كما كان يعلم عدتهم؟ فقال
جعفر بن محمد (عليه السلام): إي والله. فقال جعلت فداك فكلما عرفه أمير المؤمنين..
كلما عرفه الحسين فقد صار علمه إليكم فأخبرني جعلت فداك؟ فقال جعفر (عليه السلام):
إذا كان يوم الجمعة بعد الصلاة فأتني فأتيته فقال أين صاحبك الذي يكتب لك.. أكتب
له: بسم الله الرحمن الرحيم وفي نصه تفاوت عن دلائل الإمامة). ومثله البرهان:
١/١٦٣، والمحجة/٢٨.
الرواية الثالثة: في دلائل الإمامة/٣١٤، عن أبي بصير أن الصادق سمى أصحاب القائم
لأبي بصير فيما بعد فقال: أما الذي في طازبند الشرقي بندار أحمد بن سكتة يدعى بازان
وهو السياح المرابط، ومن أهل الشام رجلين يقال لهما إبراهيم بن الصباح ويوسف بن
صريا فيوسف عطار من أهل دمشق وإبراهيم قصاب من قرية صويقان، ومن الصانعان أحمد بن
عمر الخياط من سكنة بزيع وعلي بن عبد الصمد التاجر من سكنة النجارين، ومن أهل
السراف سلم الكوسج البزاز من سكنة الباغ وخالد بن سعيد بن كريم الدهقان والكليب
الشاهد من دانشاه، ومرو رود جعفر الشاه الدقاق وجور مولى الخصيب ومن مرو اثنى عشر
رجلاً وهم بندار بن الخليل العطار ومحمد بن عمر الصيداني وعريب بن عبد الله بن كامل
ومولى قحطب وسعد الرومي وصالح بن الرحال ومعاذ بن هاني وكردوس الأزدي ودهيم بن جابر
بن حميد وطاشف بن علي القاجاني وقرعان بن سويد وجابر بن علي الأحمر وخوشب بن جرير،
ومن بارود تسعة رجال زياد بن عبد الرحمان بن جحدب والعباس بن الفضل بن قارب وسحيق
بن سليمان الحناط وعلي بن خالد وسلم بن سليم بن الفرات البزاز ومحموية بن عبد
الرحمان بن علي وجرير بن رستم بن سعد الكيساني وحرب بن صالح وعمارة بن معمر، ومن
طوس أربعة رجال شهمرد بن حمران وموسى بن مهدي وسليمان بن طليق من الواد وكان الواد
موضع قبر الرضا وعلي بن سندي الصيرفي، ومن الفارياب شاهويه بن حمزة وعلي بن كلثوم
من سكنة تدعى باب الجبل، ومن الطالقان أربعة وعشرين رجلاً المعروف بابن الرازي
الجبلي وعبد الله بن عمير وإبراهيم بن عمر وسهل بن رزق الله وجبريل الحداد وعلي بن
أبي علي الرواف وعبادة بن ممهور ومحمد بن جيهار وزكريا بن حبة وبهرام بن سرح وجميل
بن عامر بن خالد وخالد وكثير مولى جرير وعبد الله بن قرط بن سلام وفزارة بن بهرام
ومعاذ بن سالم بن جليد التمار وحميد بن إبراهيم بن جمعة الغزال وعقبة بن وفر بن
الربيع وحمزة بن العباس بن جنادة من دار الرزق وكائن بن حنيذ الصائغ وعلقمة بن مدرك
ومروان بن جميل بن ورقا وظهور مولى زرارة بن إبراهيم وجمهور بن الحسين الزجاج ورياش
بن سعيد بن نعيم ومن سجستان الخليل بن
نصر من أهل زنج وترك بن شبة وإبراهيم بن علي، ومن غرر ثمانية رجال محج بن خربوذ وشاهد بن بندار وداود بن جرير وخالد بن عيسى وزياد بن صالح وموسى بن داود وعرف الطويل ويركرد، ومن نيسابور ثمانية عشر رجلاً سمعان بن فاخر وأبو لبابة بن مدرك وإبراهيم بن يوسف القصير ومالك بن حرب بن سكين وزرود بن سوكن ويحيى بن خالد ومعاذ بن جبرئيل وأحمد بن عمر بن زفر وعيسى بن موسى السواق ويزيد بن درست ومحمد بن حماد بن شيت وجعفر بن طرخان وعلان ماهويه وأبو مريم وعمر بن عمير بن مطرف وبليل بن وهايد بن هو مرديار، ومن هرات أثنى عشر رجلاً سعيد بن عثمان الوراق وماسح بن عبد الله بن نبيل والمعروف بغلام الكندي وسمعان القصاب وهارون بن عمران وصالح بن جرير والمبارك بن معمر بن خالد وعبد الأعلى بن إبراهيم بن عبده ونزل بن حزم وصالح بن نعيم وارم بن علي وخالد القوانس ومن أهل بوسنج أربعة رجال طاهر بن عمرو بن طاهر المعروف بالأصلع هشام ومن الري سبعة رجال إسرائيل القطان وعلي بن جعفر بن حرزاد وعثمان بن علي بن درخت ومسكان بن جبلة بن مقاتل وكردين بن شيبان وحمدان بن كر وسليمان بن الديلمي ومن طبرستان أربعة رجال حرشام بن كردم وبهرام بن علي والعباس بن هاشم وعبد الله بن يحيى، ومن قم ثمانية عشر رجلاً غسان بن محمد عتبان وعلي بن أحمد بن بقرة بن نعيم بن يعقوب بن بلال وعمران بن خالد بن كليب وسهل بن علي بن صاعد وعبد العظيم بن عبد الله بن الشاه وحسكة بن هاشم بن الداية والأخوص بن محمد بن اسماعيل بن نعيم بن طريف وبليل بن مالك بن سعد بن طلحة بن جعفر بن أحمد بن جرير وموسى بن عمران بن لاحق والعباس بن بقر بن سليم والحويد بن بشر بن بشير ومروان بن علابة بن جرير المعروف بابن رأس الزق والصقر بن إسحاق بن إبراهيم وكامل بن هشام. ومن قومس رجلان محمود بن محمد بن أبي الشعب وعلي بن حموية بن صدقة من قرية الخرقان. ومن جرجان اثنى عشر رجلاً أحمد بن هارون بن عبد الله وزرارة بن جعفر والحسين بن علي بن مطر وحميد بن نافع ومحمد بن خالد بن قرة بن حوتة وعلا بن حميد بن جعفر بن حميد وإبراهيم بن إسحاق بن عمرو وعلي بن علقمة بن محمود وسلمان بن يعقوب والعريان بن الخفان الملقب بخال روت وشعبة بن علي وموسى بن كردويه. ومن موقان رجل وهو عبيد بن محمد بن مأجور. ومن السند رجلان سياب بن العباس بن محمد ونضر بن منصور يعرف بناقشت. ومن همدان أربعة رجال هارون بن عمران بن خالد وطيفور بن محمد بن طيفور وابان بن محمد بن الضحاك وعتاب بن مالك بن جمهور. ومن جابروان ثلاثة رجال كرد بن حنيف وعاصم بن خليط الخياط وزياد بن رزين. ومن الشورى رجل لقيط بن فرات. ومن أهل
خلاط وهب بن خربند بن سروين. ومن تفليس خمسة رجال جحدر بن الزيت وهاني العطاردي وجواد بن بدر وسليم بن وحيد والفضل بن عمير ومن باب الأبواب جعفر بن عبد الرحمان. ومن سنجار أربعة رجال عبد الله بن زريق وسميم بن مطر وهبة الله بن زريق بن صدقة وهبل بن كامل. ومن تأليف كردوس بن جابر. ومن سمياط موسى بن زرقان. ومن نصيبين رجلان داود بن المحق وحامد صاحب البواري. ومن الموصل رجل يقال له سليمان بن صبيح من القرية الحديثة. ومن يلمورق رجلان يقال لها بادصبا بن سعد بن السحير وأحمد بن حميد بن سوار. ومن بلد رجل يقال له بور بن زائدة بن ثوارن. ومن الرها رجل يقال له كامل بن عفير. ومن حران زكريا السعدي. ومن برقة ثلاثة رجال أحمد بن سليمان بن سليم ونوفل بن عمرو الأشعث بن مالك. ومن الرابعة عياص بن عاصم بن سمرة بن جحش ومليح بن سعد. ومن حلب أربعة رجال يونس بن يوسف وحميد بن قيس بن سحيم بن مدرك بن علي بن حرب بن صالح بن ميمون ومهدي بن هند بن عطارد ومسلم بن هو أمرد. ومن دمشق ثلاثة رجال نوح بن جوير وشعيب بن موسى وحجر بن عبد الله الفزاري. ومن فلسطين سويد بن يحيى. ومن بعلبك المنزل بن عمران. ومن الطبرية معاذ بن معاذ. ومن يافا صالح بن هارون. ومن قومس رياب بن الجلد والخليل بن السيد. ومن تيس يونس بن الصقر وأحمد بن مسلم بن سلم. ومن دمياط علي بن زائدة. ومن أسوان حماد بن جمهور. ومن الفسطاط أربعة رجال نصر بن حواس وعلي بن موسى الفزاري وإبراهيم بن صفير ويحيى بن نعيم. ومن القيروان علي بن موسى بن الشيخ وعنبرة بن قرطة. ومن باغة شرحبيل السعدي. ومن تلبيس علي بن معاذ. ومن بالسين همام بن الفرات. ومن صنعاء الفياض بن ضرار بن ثروان وميسرة بن غندر بن المبارك. ومن ملزن عبد الكريم بن غند. ومن طرابلس ذو النور بن عبيدة بن علقمة. ومن ابله رجلان يحيى بن بديل وحواشة بن الفضل. ومن وادي القرى الحر بن الزبرقان. ومن الجيزة رجل يقال له سليمان بن داود. ومن ريدار طلحة بن سعيد بن بهرام. ومن الجار الحارث بن ميمون. ومن المدينة رجلان حمزة بن طاهر وشرحبيل بن جميل. ومن الربذة حماد بن محمد بن نصير. ومن الكوفة أربعة عشر رجلاً ربيعة بن علي بن صالح وتميم بن إلياس بن أسد والعضرم بن عيسى ومطرف بن عمر الكندي وهارون بن صالح بن ميثم ووكايا بن سعد ومحمد بن رواية والحرب بن عبد الله بن ساسان وقودة الأعلم وخالد بن عبد القدوس وإبراهيم بن مسعود بن عبد الحميد وبكر بن خالد وأحمد بن ريحان بن حارث وغوث الأعرابي. ومن القلزم المرجئة بن عمرو وشبيب بن عبد الله ومن الحيرة بكر بن عبد الله بن عبد الواحد. ومن كرثا ربا بن حفص بن مروان. ومن الطاهي
الجاب بن سعيد وصالح بن طيفور. ومن الأهواز عيسى بن تمام وجعفر بن سعيد الضرير يعود
بصيرا. ومن الشام علقمة بن إبراهيم. ومن إصطخر المتوكل بن عبد الله وهشام بن فاخر.
ومن الموليان حيدر بن إبراهيم. ومن النيل شاكر بن عبدة. ومن القنديل عمرو بن فروة.
ومن المدائن ثمانية نفر الأخوين الصالحين محمد وأحمد ابني المنذر وتيمور بن الحرث
ومعاذ بن علي بن عامر بن عبد الرحمان بن معروف بن عبد الله والحرسي بن سعيد وزهير
بن طلحة ونصر ومنصور. ومن عكبرا زايدة بن هبة. ومن حلوان ماهان بن كثير وإبراهيم بن
محمد. ومن البصرة عبد الرحمان بن الأعطف بن سعد وأحمد بن مليح وحماد بن جابر.
وأصحاب الكهف سبعة نفر مكسيليان وأصحابه. والتاجران الخارجان من أنطاكية موسى بن
عون وسليمان بن حر وغلامهما الرومي. والمستأمنة إلى الروم أحد عشر رجلاً صهيب بن
العباس وجعفر بن... وحلال بن حميد وضرار بن سعيد وحميد القدوسي والمنادي ومالك بن
خليد وبكر بن الحر وحبيب بن حنان وجابر بن سفيان.
والنازلان بسرانديب وهما جعفر بن زكريا ودانيال بن داود. ومن سندرا أربعة رجال خور
بن طرخان وسعيد بن علي وشاه بن بزرج وحر بن جميل. والمفقود من مركبه بسلاهط اسمه
المنذر بن زيد. ومن سيراف وقيل شيراز الشك من مسعدة الحسين بن علوان. والهاربان إلى
سروانية السري بن أغلب وزيادة الله بن رزق الله. والمتخلي بصقلية أبو داود الشعشاع.
والطواف لطلب الحق من يخشب وهو عبد الله بن صاعد بن عقبة. والهارب من بلخ من عشيرته
أدس بن محمد. والمحتج بكتاب الله على الناصب من سرخس نجم بن عقبة بن داود. ومن
فرغانة ازدجاه بن الوابص. ومن البرية صخر بن عبد الصمد القنابلي ويزيد بن القادر.
فذلك ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعدد أهل بدر). والمحجة/٣٨، عن مسند فاطمة (عليها
السلام)، وبشارة الإسلام/٢٠٥، عن المحجة.
الرواية الرابعة: في ملاحم ابن طاووس/١٤٥، عن فتن السليلي، عن الأصبغ بن نباتة قال:
خطب أمير المؤمنين علي خطبة فذكر المهدي وخروج من يخرج معه وأسماءهم فقال له أبو
خالد الحلبي صفه لنا يا أمير المؤمنين؟ فقال علي: ألا إنه أشبه الناس خلقاً وخلقاً
وحسناً برسول الله (صلى الله عليه وآله)، ألا أدلكم على رجاله وعددهم؟ قلنا: بلى يا
أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أولهم
من البصرة وآخرهم من اليمامة وجعل علي يعدد رجال المهدي والناس يكتبون فقال: رجلان
من البصرة ورجل من الأهواز، ورجل من عسكر مكرم، ورجل من مدينة تستر، ورجل من دورق،
ورجل من الباستان واسمه علي، وثلاثة من اسمه: أحمد وعبد الله وجعفر، ورجلان عن عمان
محمد والحسن، ورجلان من سيراف شداد وشديد، وثلاثة من شيراز حفص ويعقوب وعلي،
وأربعة من أصفهان موسى وعلي وعبد الله وغلفان، ورجل من أبدح واسمه يحيى، ورجل من المرج واسمه داود، ورجل من الكرخ واسمه عبد الله، ورجل من بروجرد اسمه قديم، ورجل من نهاوند واسمه عبد الرزاق، ورجلان من الدينور عبد الله وعبد الصمد، وثلاثة من همدان جعفر وإسحاق وموسى، وعشرة من قم أسماؤهم على أسماء أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورجل من خراسان اسمه دريد، وخمسة من الذين أسماؤهم على أهل الكهف، ورجل من آمل، ورجل من جرجان، ورجل من هراة، ورجل من بلخ، ورجل من قراح، ورجل من عانة، ورجل من دامغان، ورجل من سرخس وثلاثة من السيار، ورجل من ساوة، ورجل من سمرقند، وأربعة وعشرون من الطالقان وهم الذين ذكرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي خراسان كنوز لا ذهب ولا فضة ولكن رجال يجمعهم الله ورسوله، ورجلان من قزوين، ورجل من فارس، ورجل من أبهر، ورجل من برجان من جموح، ورجل من شاخ، ورجل من صريح، ورجل من أردبيل، ورجل من مراد، ورجل من تدمر، ورجل من أرمينية، وثلاثة من المراغة، ورجل من خوى، ورجل من سلماس، ورجل من بدليس، ورجل من نسور، ورجل من بركري، ورجل من سرخيس، ورجل من منارجرد، ورجل من قلقيلا، وثلاثة من واسط، وعشرة من الزوراء، وأربعة من الكوفة، ورجل من القادسية، ورجل من سوراء، ورجل من السراة، ورجل من النيل، ورجل من صيداء ورجل من جرجان، ورجل من القصور، ورجل من الأنبار، ورجل من عكبرا، ورجل من الحنانة، ورجل من تبوك، ورجل من الجامدة، وثلاثة من عبادان، وستة من حديثة الموصل، ورجل من الموصل، ورجل من مغلثايا، ورجل من نصيبين، ورجل من كازرون، ورجل من فارقين، ورجل من آمد، ورجل من رأس العين، ورجل من الرقة، ورجل من حران، ورجل من بالس، ورجل من قبج، وثلاثة من طرطوس، ورجل من القصر، ورجل من أدنة، ورجل من خمرى، ورجل من عرار، ورجل من قورص، ورجل من أنطاكية، وثلاثة من حلب، ورجلان من حمص، وأربعة من دمشق، ورجل من سورية، ورجلان من قسوان، ورجل من قيموت، ورجل من صور، ورجل من كراز، ورجل من أذرح، ورجل من عامر، ورجل من دكار، ورجلان من بيت المقدس، ورجل من الرملة، ورجل من بالس، ورجلان من عكا، ورجل من صور، ورجل من عرفات، ورجل من عسقلان، ورجل من غزة، وأربعة من الفسطاط، ورجل من قرميس، ورجل من دمياط، ورجل من المحلة، ورجل من الإسكندرية، ورجل من برقة، ورجل من طنجة، ورجل من أفرنجة، ورجل من القيروان، وخمسة من السوس الأقصى، ورجلان من قبرص، وثلاثة من حميم، ورجل من قوص، ورجل من عدن، ورجل من
علالي، وعشرة من مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأربعة من مكة، ورجل من الطائف، ورجل من الدير، ورجل من الشيروان، ورجل من زبيد، وعشرة من مرو، ورجل من الأحساء، ورجل من القطيف، ورجل من هجر، ورجل من اليمامة، قال عليه الصلاة والسلام: أحصاهم لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعدد أصحاب بدر يجمعهم الله من مشرقها إلى مغربها في أقل مما يتم الرجل عيناه عند بيت الله الحرام فبينا أهل مكة كذلك فيقولون أهل مكة قد كبسنا السفياني فيشرئبون أهل مكة فينظرون إلى قوم حول بيت الله الحرام، وقد انجلى عنهم الظلام ولاح لهم الصبح وصاح بعضهم ببعض النجاة، وأشرف الناس ينظرون وأمراؤهم يفكرون، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) وكأني أنظر إليهم والزي واحد والقد واحد والجمال واحد واللباس واحد كأنما يطلبون شيئا ضاع منهم فهم متحيرون في أمرهم حتى يخرج إليهم من تحت ستار الكعبة في آخرها رجل أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) خلقاً وخلقاً وحسناً وجمالاً فيقولون أنت المهدي؟ فيجيبهم ويقول أنا المهدي فيقول بايعوا على أربعين خصلة واشترطوا عشرة خصال، قال الأحنف يا مولاي وما تلك الخصال؟ فقال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام يبايعون على ألا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا ولا يهتكوا حريما محرما ولا يسبوا مسلما ولا يهجموا منزلا ولا يضربوا أحداً إلا بالحق ولا يركبوا الخيل الهماليج ولا يتمنطقوا بالذهب ولا يلبسوا الخز ولا يلبسوا الحرير ولا يلبسوا النعال الصرارة ولا يخربوا مسجداً ولا يقطعوا طريقاً ولا يظلموا يتيماً ولا يخيفوا سبيلاً ولا يحتسبوا مكراً ولا يأكلوا مال اليتيم ولا يفسقوا بغلام ولا يشربوا الخمر ولا يخونوا أمانة ولا يخلفوا العهد ولا يحبسوا طعاماً من بر أو شعير ولا يقتلوا مستأمناً ولا يتبعوا منهزماً ولا يسفكوا دماً ولا يجهزوا على جريح، ويلبسون الخشن من الثياب ويوسدون التراب على الخدود ويأكلون الشعير ويرضون بالقليل ويجاهدون في الله حق جهاده ويشمون الطيب ويكرهون النجاسة. ويشرط لهم على نفسه ألا يتخذ صاحباً ويمشي حيث يمشون ويكون من حيث يريدون يرضى بالقليل ويملأ الأرض بعون الله عدلاً كما ملئت جوراً يعبد الله حق عبادته يفتح له خراسان ويطيعه أهل اليمن، وتقبل الجيوش أمامه من اليمن فرسان همدان وخولان وجده. يمده بالأوس والخزرج ويشد عضده بسليمان، على مقدمته عقيل وعلى ساقته الحرث، ويكثر الله جمعه فيهم ويشد ظهره بمضر يسيرون أمامه ويخالف بجيلة وثقيف ومجمع وغداف ويسير بالجيوش حتى يترك وادي الفتن. ويلحقه الحسني في اثني عشر ألفاً فيقول له أنا أحق بهذا الأمر منك، فيقول له هات علامات دالة فيومي إلى الطير فيسقط على كتفه ويغرس القضيب الذي بيده فيخضر ويعشوشب فيسلم إليه الحسني الجيش ويكون الحسني على مقدمته، وتقع الصيحة بدمشق إن أعراب الحجاز
قد جمعوا لكم فيقول السفياني لأصحابه: ما يقول هؤلاء القوم؟ فيقال له هؤلاء أصحاب
ترك وإبل ونحن أصحاب خيل وسلاح فاخرج بنا إليهم.
قال الأحنف: ومن أي قوم السفياني؟ قال أمير المؤمنين (عليه السلام): هو من بني أمية
وأخواله كلب وهو عنبسة بن مرة بن كليب بن سلمة بن عبد الله بن عبد المقتدر بن عثمان
بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس أشد خلق الله شرا وألعن خلق الله
حياً وأكثر خلق الله ظلماً، فيخرج بخيله وقومه ورجاله وجيشه، ومعه مائة ألف وسبعون
ألفاً فينزل بحيرة طبرية ويسير إليه المهدي عن يمينه وعن شماله وجبرئيل أمامه،
فيسير بهم في الليل ويكمن بالنهار والناس يتبعونه حتى يواقع السفياني على بحيرة
طبرية فيغضب الله على السفياني ويغضب خلق الله لغضب الله تعالى، فترشقهم الطير
بأجنحتها والجبال بصخورها والملائكة بأصواتها، ولا تكون ساعة حتى يهلك الله أصحاب
السفياني كلهم ولا يبقى على الأرض غيره وحده، فيأخذه المهدي (عليه السلام) فيذبحه
تحت الشجرة التي أغصانها مدلاة على بحيرة طبرية، ويملك مدينة دمشق. ويخرج ملك الروم
في مائة ألف صليب تحت كل صليب عشرة آلاف فيفتح طرسوساً بأسنة الرماح وينهب ما فيها
من الأموال والناس ويبعث الله جبرئيل (عليه السلام) إلى المصيصة ومنازلها وجميع ما
فيها فيعلقها بين السماء والأرض ويأتي ملك الروم بجيشه حتى ينزل تحت المصيصة،
فيقول: أين المدينة التي كان يتخوف الروم منها والنصرانية؟ فيسمع فيها صوت الديوك
ونباح الكلاب وصهيل الخيل فوق رؤوسهم، وذكر الحديث).
* * *
الفصل الثالث عشر: أحاديث الأبدال في مصادر أتباع الخلافة
تحريف رواة الخلافة لمفهوم الأبدال
الأبدال في أحاديث النبي وآله (صلى الله عليه وآله) صفة مدح لأصحاب المهدي (عليه
السلام) الثلاثين أو أكثر الذين يلتقي بهم ويعملون معه في غيبته. وربما وصف به
أصحابه الخاصون الثلاث مئة وثلاثة عشر، الذين يبايعونه عند ظهوره، فمنهم أبدال
الشام ونجباء مصر وعصائب العراق وغيرهم. هذا هو مفهوم الأبدال.
لكن تعالَ انظر ماذا فعل كعب الأحبار ورواة الخلافة بهذه الأحاديث! لقد وجدوا فيها
ضالتهم في مدح معاوية وأهل الشام، فأطلقوا خيالهم ونسجوا فضائل لأهل الشام بأنهم
أبدال الله في أرضه! ثم فصَّلها أتباعهم المتصوفة لشيوخهم فجعلوهم أولياء الله
الأبدال، بدل أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام)! وبهذا دخلت إلى مصادر المسلمين
أحاديث كثيرة عن الأبدال منسوبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) تزعم أن الأبدال
كلهم في الشام، ثم تنازلوا فجعلوا أكثرهم بالشام، وأعطوا جزءً منهم لمناطق المسلمين
الأخرى! أما عددهم فجعلوهم أول الأمر ثلاثين في كل عصر، ثم
زادوهم إلى أربعين، ثم إلى ستين وثمانين، وثلاث مئة، وخمس مئة.
كما أعطوهم مقام إبراهيم (عليه السلام) فقالوا إنهم مثله، ثم تواضعوا فجعلوهم
شبيهين به لأن قلوبهم سليمة كقلبه! قال أبو هريرة: لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل
إبراهيم خليل الرحمن بهم تُغاثون وبهم تُرزقون وبهم تُمطرون). (الجامع الصغير:
٢/٤٢٢) ووضعوا عدداً من رواياتهم على لسان علي (عليه السلام) ولسان عُبَادَة بن
الصامت المعروف بعدائه لعثمان ومعاوية وبني أمية حتى مات (رحمه الله)!
ففي تاريخ دمشق: ١/٢٩٦، عن علي (عليه السلام): والأبدال بالشام وهم قليل. قال كعب:
الأبدال ثلاثون. وفي فضائل الشام/٢٦، عن علي (عليه السلام) قال: مَهْ، لا تسب أهل
الشام جماً غفيراً فإن فيهم الأبدال. وفي الحاكم: ٤/٥٥٣، عن علي (عليه السلام): فلا
تسبوا أهل الشام وسبوا ظلمتهم فإن فيهم الأبدال). وروى أحمد: ٥/٣٢٢، عن عُبَادَة بن
الصامت، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: الأبدال في هذه الأمة ثلاثون مثل
إبراهيم خليل الرحمن، كلما مات رجل أبدل الله تبارك وتعالى مكانه رجلاً). ومجمع
الزوائد: ١٠/٦٢: ووثقه، ونوادر الأصول/٦٩، وتهذيب ابن عساكر: ١/٦١ ٦٢ والمقاصد
الحسنة/٨، والجامع الصغير: ١/٤٧٠، وصححه، وجمع الجوامع: ١/٦٦١، وكنز العمال:
١٢/١٨٥، وفيض القدير: ٣/١٦٨، وكشف الخفاء: ١/٢٤ وكرامات الأولياء/٣٢، ومسند الشاشي:
٣/٢١٥، وجامع المسانيد: ٧/١٣٥، والمسند الجامع: ٨/١١٢، والدرر المنتثرة/١٤٨.
ثم زادوو عددهم إلى أربعين وستين وثمانين
روى أحمد: ١/١١٢، عن علي (عليه السلام) قالوا له إلعن أهل الشام يا أمير المؤمنين
فقال: لا، إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: الأبدال يكونون بالشام
وهم أربعون رجلاً كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً. يُسقى بهم الغيث ويُنتصر بهم
على الأعداء ويُصرف عن أهل الشام بهم العذاب). والفردوس: ١/١١٩، عن أنس: الأبدال
أربعون رجلاً وأربعون امرأة، كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلاً وكلما ماتت
امرأة أبدل الله مكانها امرأة. والطبراني الكبير: ١٠/٢٢٤، وكرامات الأولياء/٤٤، عن
ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يزال أربعون رجل من أمتي
قلوبهم على قلب إبراهيم يدفع الله بهم عن أهل الأرض يقال لهم الأبدال. وتهذيب ابن
عساكر: ١/٦٣ مرسلاً، عن قتادة: لن تخلو الأرض من الأربعين... ومجمع الزائد: ١٠/٦٣
عن الطبراني. والجامع الصغير: ١/٤٧١، و: ٢/٤٢٢، وحسنه، وكنز العمال: ١٢/١٨٦.
وفي كشف الخفاء/٢٥ و٢٦، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
إن أبدال أمتي لم يدخلوا الجنة بالأعمال ولكن دخلوها برحمة الله تعالى وسخاوة النفس
وسلامة الصدر والرحمة لجميع المسلمين). وفي فضائل الشام/٤٢، عن علي بن أبي طالب قال
سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الأبدال؟ فقال: هم ستون رجلاً).
وفي نوادر الأصول للترمذي/٦٩، عن أنس قال: البدلاء أربعون رجلاً، اثنان وعشرون
بالشام، وثمانية عشر بالعراق، وكلما مات واحد بُدِّل بآخر، فإذا كان عند القيامة
ماتوا كلهم! وفي الطبراني الكبير: ١٨/٦٥: لا تسبوا أهل الشام، فإني سمعت رسول الله
يقول: فيهم الأبدال، وبهم تنصرون وبهم ترزقون. وتهذيب ابن عساكر: ١/٦٠.
وفي الجامع الصغير: ١/٤٧٠: الأبدال بالشام وهم أربعون رجلاً، كلما مات رجل أبدل
الله مكانه رجلاً. يُسقى بهم الغيث ويُنتصر بهم على الأعداء، ويُصرف عن أهل الشام
بهم العذاب. الأبدال أربعون رجلاً وأربعون امرأة، كلما مات رجل أبدل الله تعالى
مكانه رجلاً، وكلما ماتت امرأة أبدل الله تعالى مكانها امرأة). وفيض القدير: ٣/٢١٩.
ثم جعلوهم خمس مئة
في حلية الأولياء: ١/٨، عن ابن عمر قال: قال رسول الله: (صلى الله عليه وآله) خيار
أمتي في كل قرن خمسمائة، والأبدال أربعون، فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأربعون، كلما
مات رجل أبدل الله (عزَّ وجلَّ) من الخمسمائة مكانة وأدخل من الأربعين مكانهم.
قالوا: يا رسول الله دلنا على أعمالهم؟ قال: يعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء
إليهم ويتواسون فيما آتاهم الله (عزَّ وجلَّ)). وحلية الأولياء: ٣/١٧٢ عن الطبراني،
والقول المسدد/١٠٨، وكشف الخفاء/٢٥، عن ابن عمر، وفيه: وهم في الأرض كلها.
أما ابن عربي ففضل أن يبقي العدد مفتوحاً! قال في فتوحاته: ٢/١٣: (لكونهم
أربعين عند من يقول إن الأبدال أربعون نفساً، ومنهم من يقول سبعة أنفس، وسبب ذلك
أنهم لم يقع لهم التعريف من الله بذلك). انتهى. راجع الكثير الذي رووه فيهم وصححوه
وقالوه في تفسير قوله تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ
النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض). (البقرة: ٢٥١)، كما في
الدر المنثور: ١/٣٢٠.
كما انتقد بعض علمائهم بعض أحاديث الأبدال وحكموا بوضعها! قال الأميني (رحمه الله)
في: الوضاعون وأحاديثهم/٢٩: ولقد نفى الكثير من العلماء صحة هذه الأحاديث وهذه
الروايات وقالوا بأنها روايات باطلة سنداً ومتناً، كما أن أهل الحديث المحققين قد
تكلموا في أسانيد أحاديث الأبدال هذه، ومنهم الحافظ ابن الجوزي).
في كل تحريف إبحث عن كعب!
لا مبالغة في هذا القول بعد أن اطلعت على مزاعمه في الدجال وفي مدح معاوية والشام
وأهلها، وذم الحجاز وبقية البلاد! وقد علق الشيخ أبو رية في كتابه أضواء على السنة
النبوية/١٣٤، على تدخل كعب في حديث الأبدال الذي رواه ابن عساكر: ١/٢٩٦، فقال: (في
كل وادٍ أثرٌ من ثَعْلَبَهْ)!
ولكي تعرف نفوذ كعب وقداسة كلامه! يكفي أن تقرأ أنه أقنع عمر وكبار المسؤولين
بأكاذيب صريحة مفضوحة، فأخذوا فتواه بأن المحرم للحج الذي يحرم عليه صيد البر يجوز
له أن يصيد الجراد ويأكله، لأن الجراد حيوان بحري وليس برياً لأنه يولد من أنف
الحوت! فهو يعطس وينثره كل ستة أشهر مرة! روى عبد الرزاق في مصنفه: ٤/٤٣٥، أن كعباً
بعد (إسلامه) كان مع جماعة محرمين: (ثم لما كان ببعض الطريق طريق مكة مرَّت رِجْلٌ
من جراد فأمرهم كعب أن يأخذوا فيأكلوا، فلما قدموا على عمر ذكروا ذلك له فقال: ما
حملك على أن تفتيهم بهذا؟ قال: هو
من صيد البحر، قال: وما يدريك؟ قال: يا أمير المؤمنين! والذي نفسي بيده إن هو إلا
نَثرةُ حوت ينثرهُ في كل عام مرتين). وموطأ مالك: ١/٣٥٢.
ولم يكتفوا بالعمل بكذب كعب كفتوى دينية مقدسة، بل سرعان ما جعلوه حديثاً نبوياً،
رواه أبو داود، وابن ماجة: ٢/١٠٧٤، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (إن
الجراد نثرة الحوت في البحر)! وزاد الراوي أنه رأى شخصاً شهد أنه رأى الحوت يعطس
وينثر الجراد! قال ابن ماجه: (قال هاشم: قال زياد: فحدثني من رأى الحوت ينثره)!
وتمسك أئمتهم فأفتى به الشافعي وأحمد حنبل! (مغني ابن قدامه: ٣/٥٣٤).
هذه واحدة من هرطقات كعب تلمسها أنت اليوم، ويعلم الله كم لها من أخوات يهوديات لم
تنكشف لك! وما كانت لتؤثر لولا أنها تحولت على أيدي رواة السلطة الكذابين إلى
(أحاديث نبوية)!
أما أهل البيت (عليهم السلام) فقد وقفوا أمام هذا التحريف اليهودي وإن غضبت
الحكومات وغيبت مواقفهم! روى في الكافي: ٤/٣٩٣، أن أمير المؤمنين (عليه السلام):
(مرَّ على قوم يأكلون جراداً فقال: سبحان الله وأنتم محرمون؟! فقالوا: إنما هو من
صيد البحر! فقال لهم: إرمسوه في الماء إذاً)!!
وقالوا إن الأبدال خلفاء الأنبياء (عليهم السلام) وأنهم عجمٌ لا عربَ فيهم!
في تفسير القرطبي: ٣/٢٥٩: (واختلف العلماء في الناس المدفوع بهم الفساد من هم؟ فقيل
هم الأبدال وهم أربعون رجلاً كلما مات واحد بدل الله آخر، فإذا كان عند القيامة
ماتوا كلهم! اثنان وعشرون منهم بالشام وثمانية عشر بالعراق.
وخرج أيضاً عن أبي الدرداء قال: إن الأنبياء كانوا أوتاد الأرض، فلما انقطعت النبوة
أبدل الله مكانهم قوماً من أمة محمد (صلى الله عليه وآله) يقال لهم الأبدال!....
فهم خلفاء
الأنبياء قوم اصطفاهم الله لنفسه واستخلصهم بعلمه لنفسه، وهم أربعون صدِّيقاً منهم
ثلاثون رجلاً على مثل يقين إبراهيم خليل الرحمن... لا يموت الرجل منهم حتى يكون
الله قد أنشأ من يخلفه). انتهى.
قال أبو داود في سننه: ٢/٣٠، عن عنبسة بن عبد الواحد القرشي الأموي: (كنا نقول إنه
من الأبدال، قبل أن نسمع أن الأبدال من الموالي)!
وفي سؤالات الأجري لأبي داود: ١/٢٠٤: (سئل أبو داود عن عنبسة بن عبد الواحد القرشي،
قال: سمعت محمد بن عيسى يقول: كنا نرى أنه من الأبدال حتى سمعنا أن الأبدال من
الموالي. ثنا أبو داود، نا محمد بن عيسى بن الطباع، نا ابن فضيل عن أبيه عن الرحال
بن سالم عن عطاء قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الأبدال من الموالي ولا
يبغض الموالي إلا منافق). وتاريخ بغداد: ١٢/٢٧٩، وتهذيب الكمال: ٢٢/٤٢١، وإكمال
الكمال: ٤/٣٢، وغيرها!
وسبب كذبهم على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) أن أبا داود وعامة مؤلفي مصادر
الخلافة وأئمة مذاهبها من الموالي! ومعنى كلامه أنه كان يحسب عنبسة بن عبد الواحد
وهو من أولاد سعيد بن العاص الأموي من الأبدال لصلاحه وعبادته، لكن لما اطلع على
هذا الحديث النبوي! وعرف أن الأبدال كلهم من غير العرب، عدل عن رأيه!
وقد حاول في عون المعبود في شرح أبي داود: ٨/١٥١، أن يعكس المعنى ويفسر الموالي
بالشرفاء ويجعل بني أمية منهم! وهي محاولة فاشلة!
وقال المناوي في فيض القدير: ٣/٢٢٠: (الأبدال من الموالي): ظاهره أن ذا هو الحديث
بتمامه وليس كذلك بل بقيته عند مخرجه الحاكم: ولا يبغض الموالي إلا منافق. اهـ. وفي
بعض الروايات أن من علامتهم أيضاً أنه لا يولد لهم وأنهم لا يلعنون شيئاً! قال
الغزالي: إنما استتر الأبدال عن أعين الناس والجمهور لأنهم لا يطيقون النظر إلى
علماء الوقت، لأنهم عندهم جهال بالله وهم عند أنفسهم وعند الجهلاء علماء! (خاتمة):
قال ابن عربي الأوتاد الذين يحفظ الله بهم العالم أربعة فقط وهم أخص من الأبدال،
والإمامان أخص منهم، والقطب أخص الجماعة.
والأبدال لفظ مشترك يطلقونه على من تبدلت أوصافه المذمومة بمحمودة ويطلقونه على عدد
خاص وهم أربعون وقيل ثلاثون وقيل سبعة، ولكل وتد من الأوتاد الأربعة ركن من أركان
البيت، ويكون على قلب عيسى له اليماني، والذي على قلب نبي من الأنبياء. فالذي على
قلب آدم له الركن الشامي، والذي على قلب إبراهيم له العراقي، والذي على قلب محمد له
ركن الحجر الأسود، وهو لنا بحمد الله)! انتهى.
أقول: لاحظ أن ابن عربي يدعي أنه أفضل أهل الأرض وأنه إمام الأبدال وقد صرح في كتبه
أنه القطب الأكبر!
ثم قال المناوي: وإنما خالف المصنف(أي السيوطي) عادته باستيعاب هذه الطرق إشارة إلى
بطلان زعم ابن تيمية أنه لم يرد لفظ الأبدال في خبر صحيح ولا ضعيف إلا في خبر
منقطع، فقد أبانت هذه الدعوى عن تهوره ومجازفته وليته نفى الرواية بل نفى الوجود
وكذب من ادعى الورود... وهذه الأخبار وإن فرض ضعفها جميعها لكن لا ينكر تقوي الحديث
الضعيف بكثرة طرقه وتعدد مخرجيه إلا جاهل بالصناعة الحديثية أو معاند متعصب).
وقالوا علامة الواحد من الأبدال أن يكون عقيماً!
قال ابن حجر في لسان الميزان: ٢/٥٠٦: (قال الإمام أحمد (رضي الله عنه): من علامة
الأبدال أنه لا يولد لهم، وكان حماد بن سلمة من الأبدال ولم يولد له)!
وفي تهذيب الكمال: ٧/٢٦٤: (وقال شهاب بن المعمر البلخي: كان حماد بن سلمة يعد من
الأبدال، وعلامة الأبدال أن لا يولد لهم، تزوج سبعين امرأة فلم يولد له). وميزان
الاعتدال: ١/٥٩١، وأنساب السمعاني: ٢/٣٥٦، وعون المعبود: ٨/١٥١، وغيرها.
بل جعلوا ذلك حديثاً عن علي (عليه السلام)! ففي مغني المحتاج: ١/١١: (عن على رضى
الله تعالى عنه: الأبدال بالشام والنجباء بمصر والعصائب بالعراق، أي الزهاد، وعلامة
الأبدال أن لا يولد لهم). انتهى. وهو كلام نسخوه من اليهودية والنصرانية نسخاً!
في كلامهم عن الأبدال وقعوا في عقيدة الإمامة الربانية!
فرَّ أتباع الخلافة من عقيدة الإمامة الربانية، لكنهم وقعوا فيها في عقيدة الأبدال!
فمفهوم الأبدال لا يتحقق إلا بأن يكونوا منظومة إلهية من نخبة مختارة في كل عصر،
كلَّما مات منهم شخصٌ جعل الله بدله آخر! وقد أقرَّ العلماء السنيون بذلك، وأن
الأبدال سبب الرزق والمطر والنصر! ولم يخالفهم في ذلك إلا ابن تيمية الذي أنكر أصل
أحاديث الأبدال، فردوا عليه ورووا أحاديث في مقامهم وتأثيرهم، وتمسكوا بها!
وما دام الأبدال منظومة من تدبير الله العزيز الحكيم (عزَّ وجلَّ)، فلا بد أن يكون
لهم برنامج عمل يقومون به بتوجيه إمامهم المهدي من ربه (عليه السلام)، أو بأن
يكونوا هم أئمة في عصر واحد!
وهكذا، تجد جزاء من رفض قبول منظومة الأئمة الربانيين من العترة النبوية الطاهرة
(عليهم السلام) وخالف الأحاديث الصحيحة المتواترة فيهم! يلجؤه الله إلى الإيمان بمن
يسميهم الأبدال والأولياء والسحرة! وحتى ابن تيمية الذي أنكر الأئمة من العترة
(عليهم السلام) وأنكر الأبدال تراه أعطى مقامهم للأولياء وللسحرة وزعم أنهم يقدرون
على المعجزات، وأنه شخصياً عنده جني يتمثل به!
لقد أعجب القوم مفهوم الأبدال فسرقوه ووضعوه لأهل الشام! ثم وجدوا أنه يستبطن كونهم
منظومة إلهية لأنه لا معنى للبدلاء في كل عصر إلا بذلك! فزعموا أن الله تعالى جعل
منظومة الأبدال بعد انقطاع النبوة!
قال الترمذي في نوادر الأصول: ١/٢٦٣: (عن حذيفة بن اليمان قال: الأبدال بالشام
وهم ثلاثون رجلاً على منهاج إبراهيم (عليه السلام) كلما مات رجل أبدل الله مكانه
آخر، فالعصب بالعراق أربعون رجلاً، كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر، عشرون منهم
على اجتهاد عيسى بن مريم وعشرون منهم قد أوتوا مزامير آل داود، والعصب رجال تشبه
الأبدال... وروي في الخبر أن الأرض شكت إلى الله تعالى ذهاب الأنبياء وانقطاع
النبوة فقال لها: سوف أجعل على ظهرك صديقين أربعين فسكنت)!
وقال القيصري في شرح الفصوص/١٢٩: (وعند انقطاع النبوة أعني نبوة التشريع بإتمام
دائرتها وظهور الولاية من الباطن، انتقلت القطبية إلى الأولياء مطلقاً، فلا يزال في
هذه المرتبة واحد منهم قائم في هذا المقام لينحفظ به هذا الترتيب والنظام). انتهى.
وهكذا تمسكوا بالظني! ورفضوا القطعي وهو حديث النبي (صلى الله عليه وآله) الذي دلهم
على إمام الأبدال في كل عصر بقوله المتواتر (صلى الله عليه وآله): (إني أوشك أن
أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله (عزَّ وجلَّ) وعترتي كتاب الله حبل
ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن
يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروني بم تخلفوني فيهما). أحمد: ٣/١٧ و١٤ و٢٦ و٥٩.
وبذلك فرضوا على الله منظومة عباد خاصين لم ينزل بهم سلطاناً! وجعلوهم وسائط الرحمة
وجعلوا لهم خلافة الأنبياء (عليهم السلام) ومقامهم الرباني! ثم أرخصوا الوصول إلى
مقامهم فزعموا أن من قال كل يوم (اللهم ارحم أمة محمد) يكون من الأبدال ويصير خليفة
للنبي (صلى الله عليه وآله) به ترزق الأمة وتنصر وتحيا!
قال العجلوني في كشف الخفاء: ١/٢٨: فائدة: للأبدال علامات: منها ما ورد في حديث
مرفوع ثلاث من كن فيه فهو من الأبدال: الرضا بالقضاء، والصبر عن المحارم والغضب
لله. ومنها: ما نقل عن معروف الكرخي أنه قال: من قال اللهم ارحم أمة محمد في كل يوم
كتبه الله من الأبدال، وهو في الحلية لأبي نعيم بلفظ: من قال في كل يوم عشر مرات
اللهم أصلح أمة محمد، اللهم فرج عن أمة محمد
اللهم ارحم أمة محمد، كتب من الأبدال. ومنها: ما نقل عن بعضهم أنه قال: علامة الأبدال أنهم لا يولد لهم). انتهى. ولا نطيل في هذا البحث، بل نختمه بالشكر العميق لله تعالى الذي هدانا لولاية العترة الطاهرة (عليهم السلام) سفينة نجاة الأمة وأئمة الأبرار والأبدال، وأعاذنا من ولاية الأنداد من دون الله، الذين اخترعهم أحبار يهود، ورواة الحكومات.
* * *
الفصل الرابع عشر: ينصر الله الإمام المهدي بالملائكة (عليهم السلام)
ينادي جبرئيل باسم المهدي واسم أبيه (عليهما السلام)
روت أحاديث النداء مصادر الجميع، ومنها: (ينادي مناد من السماء باسم القائم، فيسمع
ما بين المشرق إلى المغرب، فلا يبقى راقد إلا قام، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا
قام على رجليه من ذلك الصوت، وهو صوت جبرئيل الروح الأمين). (غيبة الطوسي/٢٧٤،
وإعلام الورى/٤٢٨، وإثبات الهداة: ٣/٥٤٠).
ينصره الله بملائكة بدر
في النعماني/٢٤٤، عن علي بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا قام
القائم صلوات الله عليه نزلت ملائكة بدر وهم خمسة آلاف، ثلثٌ على خيول شهب وثلثٌ
على خيول بُلْق وثلث على خيول حُوّ، قلت: وما الحُوُّ؟ قال: هي الحمر). ومثله إعلام
الورى/٤٣١، بتفاوت يسير، وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٢٧، والبحار: ٥٢/٣٥٦.
وفي العياشي: ١/١٩٧، عن ضريس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الملائكة الذين
نصروا محمداً (صلى الله عليه وآله) يوم بدر في الأرض ما صعدوا بعد، ولا يصعدون حتى
ينصروا صاحب هذا الأمر، وهم خمسة آلاف). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٤٩، والبحار:
١٩/٢٨٤.
وفي النعماني/١٩٥، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال على المنبر: إذا هلك
الخاطب وزاغ صاحب العصر، وبقيت قلوب تتقلب فمن مخصب ومجدب، هلك المتمنون واضمحل
المضمحلون وبقي المؤمنون وقليل ما يكونون، ثلاثمائة أو يزيدون، تجاهد معهم عصابة
جاهدت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر لم تقتل ولم تَمُت).
وقال النعماني (رحمه الله): معنى قول أمير المؤمنين (عليه السلام) وزاغ صاحب العصر:
أراد صاحب هذا الزمان الغائب الزائغ عن أبصار هذا الخلق لتدبير الله الواقع... ثم
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) تجاهد معهم عصابة جاهدت مع رسول الله (صلى الله
عليه وآله) يوم بدر لم تقتل ولم تمت: يريد أن الله (عزَّ وجلَّ) يؤيد أصحاب القائم
(عليه السلام) هؤلاء الثلاثمائة والنيف الخُلَّص بملائكة بدر وهم أعدادهم).
والبحار: ٥٢/١٣٧.
مختصر البصائر/٢١٢، عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول: لو
قد خرج قائم آل محمد لينصره الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين
والكروبين. يكون جبرئيل (عليه السلام) أمامه وميكائيل عن يمينه وإسرافيل عن يساره،
والرعب مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله، والملائكة المقربون حذاءه. أول
ما يبايعه محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي صلوات الله عليه الثاني، معه
سيف مخترط، يفتح الله له الروم والصين والترك والديلم والسند والهند وكابل شاه
والخزر. يا أبا حمزة لا يقوم القائم إلا على خوف شديد وزلازل وفتنة وبلاء يصيب
الناس، وطاعون قبل ذلك وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد بين الناس وتشتت في دينهم
وتغير من حالهم، حتى يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساء من عظم ما يرى من كلب الناس
وأكل بعضهم بعضاً.
وخروجه إذا خرج عند الإياس والقنوط. فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره، والويل كل
الويل لمن ناواه وخالف أمره وكان من أعدائه. ثم قال: يقوم بأمر جديد وكتاب جديد
وسنة جديدة وقضاء جديد على العرب شديد، ليس شأنه إلا القتل لا يستتيب أحداً ولا
تأخذه في الله لومة لائم). ونحوه النعماني/٢٣٤.
وفي أمالي الشجري: ٢/٨٤، عن مسيب بن خيثمة عن علي (عليه السلام) قال في حديث:
(والله
ليظهرن عليكم هؤلاء باجتماعهم على باطلهم وتخاذلكم عن حقكم، حتى يستعبدوكم كما
يستعبد الرجل عبداً، إذا شهد جزمه وإذا غاب سبه، حتى يقوم الباكيان الباكي لدينه
والباكي لدنياه، وأيم الله لو فرقوكم تحت كل حجر لجمعكم لشر يوم لهم، والذي خلق
الحبة وبرأ النسمة لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يملك الأرض
رجل مني يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، فإذا كان ذلك لم تطعنوا
فيه برمح ولم تضربوا فيه بسيف، ولم ترموا فيه بسهم ولم ترموا فيه بحجر فاحمدوا
الله، فإذا كان ذلك ورأيتم الرجل من بني أمية غرق في البحر فطأوه على رأسه، فوالذي
خلق الحبة وبرأ النسمة لو لم يبق منهم إلا رجل واحد لبغى لدين الله (عزَّ وجلَّ)
شراً).
أول من يبايعه جبرئيل (عليهما السلام) ثم تأتيه أجناد الملائكة
الإرشاد/٣٦٣، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إذا أذن الله تعالى للقائم في
الخروج صعد المنبر فدعى الناس إلى نفسه وناشدهم بالله ودعاهم إلى حقه، وأن يسير
فيهم بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويعمل فيهم بعمله، فيبعث الله جل جلاله
جبرئيل (عليه السلام) حتى يأتيه فينزل على الحطيم يقول: إلى أي شيء تدعو؟ فيخبره
القائم (عليه السلام) فيقول جبرئيل: أنا أول من يبايعك، أبسط يدك فيمسح على يده،
وقد وافاه ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً، فيبايعونه ويقيم بمكة حتى يتم أصحابه عشرة
آلاف نفس، ثم يسير منها إلى المدينة).
ومثله روضة الواعظين: ٢/٢٦٥، وإعلام الورى/٤٣١، وفيه: فدعا الناس إلى الله (عزَّ
وجلَّ) وخوفهم بالله.. ثم يقول له: مد كفك فيمسح على يديه). وكشف الغمة: ٣/٢٥٤،
والبحار: ٥٢/٣٣٧، وإثبات الهداة: ٣/٥٢٧، أوله عن إعلام الورى.
وفي العياشي: ٢/٢٥٤، عن أبي عبد الله (عليه السلام): إن أول من يبايع القائم جبرئيل
(عليه السلام) ينزل عليه في صورة طير أبيض فيبايعه، ثم يضع رجلاً على البيت الحرام
ورجلاً على بيت المقدس، ثم ينادي بصوت رفيع يسمعه الخلائق: (أَتَى
أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ).
وكمال الدين/٦٧١، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وفيه: ثم ينادي بصوت طلق تسمعه
الخلائق.. وفي دلائل الإمامة/٢٥٢، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، كالعياشي
بتفاوت، وفيه: إذا أراد الله قيام القائم بعث.. قال فيحضر القائم فيصلي عند مقام
إبراهيم ركعتين ثم ينصرف وحواليه أصحابه وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، إن فيهم
لمن يسري من فراشه ليلاً فيخرج. ومعه الحجر فيلقيه فتعشب الأرض).
وفي غيبة النعماني/٢٠٤ ونحوه٢٥١، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله الله (عزَّ
وجلَّ): (أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ)،
قال: هو أمرنا، أمر الله (عزَّ وجلَّ) أن لا يُستعجل به حتى يؤيده الله بثلاثة
أجناد: الملائكة، والمؤمنين، والرعب. وخروجه (عليه السلام) كخروج رسول الله (صلى
الله عليه وآله) وذلك قوله تعالى: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ
مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ). وإثبات الهداة: ٣/٤٩٢، أوله عن كمال الدين،
وفي/٥٥١، عن العياشي. والبرهان: ٢/٣٥٩، كدلائل الإمامة، عن مسند فاطمة للطبري.
وفي/٣٦٠، عن كمال الدين، وتأويل الآيات: ١/٢٥٢، كالنعماني، وإثبات الهداة: ٣/٥٦٢،
والبحار: ٥٢/٢٨٥ و٣٥٦.
وفي النعماني/٣١٤، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: (أَمَّنْ
يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ)، قال: نزلت في القائم (عليه السلام)
وكان جبرئيل (عليه السلام) على الميزاب في صورة طير أبيض فيكون أول خلق الله مبايعة
له أعني جبرئيل ويبايعه الناس الثلاثمائة وثلاثة عشر، فمن كان ابتلي بالمسير وافى
في تلك الساعة، ومن لم يبتل بالمسير فُقد من فراشه، وهو قول أمير المؤمنين (عليه
السلام): المفقودون من فرشهم وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (فَاسْتَبِقُوا
الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلَى
كُلِّ شيء قَدِيرٌ) قال: الخيرات الولاية لنا أهل البيت). وعنه إثبات
الهداة: ٣/٥٤٦. والبحار: ٥٢/٣٦٩.
وفي دلائل الإمامة/٤٧٢، عن عمر بن أبان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا
أراد الله قيام القائم بعث جبرئيل في صورة طائر أبيض فيضع إحدى رجليه على الكعبة
والأخرى على بيت المقدس ثم ينادي بأعلى صوته: أتى أمر الله فلا تستعجلوه قال: فيحضر
القائم فيصلي عند مقام إبراهيم (عليه السلام) ركعتين، ثم ينصرف وحواليه أصحابه وهم
ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، إن فيهم لمن يسري من فراشه ليلا، فيخرج ومعه
الحجر فيلقيه فتعشب الأرض). ومثله منتخب الأنوار/١٨٩، والبحار: ٥٢/٣٨٥، وإثبات
الهداة: ٣/٥٨٣.
الكافي: ٤/١٨٤، عن بكير بن أعين قال، سألت أبا عبد الله (عليه السلام): لأي علة وضع
الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يوضع في غيره، ولأي علة يقبل، ولأي علة أخرج من
الجنة؟ ولأي علة وضع الميثاق والعهد فيه ولم يوضع في غيره؟ وكيف السبب في ذلك،
تخبرني جعلني الله فداك فإن تفكري فيه لعجب؟
قال فقال: سألت وأعضلت في المسألة واستقصيت فافهم الجواب، وفرغ قلبك وأصغ سمعك،
أخبرك إن شاء الله: إن الله تبارك وتعالى وضع الحجر الأسود وهي جوهرة أخرجت من
الجنة إلى آدم (عليه السلام) فوضعت في ذلك الركن لعلة الميثاق، وذلك أنه لما أخذ من
بني آدم من ظهورهم ذريتهم حين أخذ الله عليهم الميثاق في ذلك المكان، وفي ذلك
المكان ترائى لهم، ومن ذلك المكان يهبط الطير على القائم (عليه السلام)، فأول من
يبايعه ذلك الطائر وهو والله جبرئيل (عليه السلام)، وإلى ذلك المقام يسند القائم
ظهره وهو الحجة والدليل على القائم، وهو الشاهد لمن وافاه في ذلك المكان، والشاهد
على من أدى إليه الميثاق والعهد الذي أخذ الله (عزَّ وجلَّ) على العباد). وعلل
الشرائع/٤٩٢، بتفاوت، ومختصر البصائر/٢٢٠، وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٤٨، وعنهما
البحار: ٢٦/٢٦٩ و: ٥٢/٢٧٩.
وفي الهداية للحضيني/٣١، عن مدلج بن هارون بن سعيد، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه
السلام) يقول لعمر، في كلام طويل إلى أن قال: فبكى عمر وقال: إني أعوذ بالله مما
تقول، قال: فهل لذلك علامة؟ قال: نعم، قتل فظيع وموت سريع وطاعون شنيع ولا يبقى من
الناس في ذلك الوقت إلا ثلثهم، وينادي مناد من السماء باسم رجل من ولدي، وتكثر
الآيات حتى يتمنى الاحياء الموت مما يرون من الأهوال، فمن هلك استراح، ومن يكون له
عند الله خير نجا، ثم يظهر رجل من ولدي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً
وجوراً، يأتيه الله ببقايا قوم موسى (عليه السلام) ويجيء له
أصحاب الكهف، ويؤيده الله بالملائكة والجن وشيعتنا المخلصين، وينزل من السماء
قطرها، وتخرج الأرض نباتها). ومثله إرشاد القلوب/٢٨٦، بتفاوت يسير.
ينصره الله بالملائكة الذين نزلوا لنصرة الحسين (عليه السلام)
في الكافي: ١/٤٦٥، عن محمد بن حمران قال قال أبو عبد الله (عليه السلام): لما كان
من أمر الحسين (عليه السلام) ما كان، ضجت الملائكة إلى الله بالبكاء وقالت: يفعل
هذا بالحسين صفيك وابن نبيك؟ قال فأقام الله لهم ظل القائم (عليه السلام) وقال:
بهذا أنتقم لهذا). وأمالي الطوسي: ٢/٣٣، وعنه إثبات الهداة: ٣/٥١٨، والإيقاظ/٢٤٥،
والبحار: ٤٥/٢٢١.
وفي الكافي: ١/٥٣٤، عن كرَّام قال: حلفت فيما بيني وبين نفسي ألا آكل طعاماً بنهار
أبداً حتى يقوم قائم آل محمد، فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) قال فقلت له:
رجل من شيعتكم جعل لله عليه ألا يأكل طعاماً بنهار أبداً حتى يقوم قائم آل محمد؟
قال: فصم إذا يا كرام ولا تصم العيدين ولا ثلاثة التشريق ولا إذا كنت مسافراً ولا
مريضاً، فإن الحسين (عليه السلام) لما قتل عجَّت السماوات والأرض ومن عليهما
والملائكة فقالوا: يا ربنا إئذن لنا في هلاك الخلق حتى نجدهم عن جديد الأرض بما
استحلوا حرمتك وقتلوا صفوتك! فأوحى الله إليهم: يا ملائكتي ويا سماواتي ويا أرضي
اسكنوا، ثم كشف حجاباً من الحجب فإذا خلفه محمد (صلى الله عليه وآله) واثنا عشر
وصياً له (عليهم السلام)، وأخذ بيد فلان القائم من بينهم فقال: يا ملائكتي ويا
سماواتي ويا أرضي بهذا أنتصر لهذا. قالها ثلاث مرات). ونحوه في: ٤/١٤١، والفقيه:
٢/١٢٧، بعضه، والنعماني/٩٤، والاستبصار: ٢/٧٩، والتهذيب: ٤/١٨٣. الخ.
كامل الزيارات/٨٤، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وكَّل الله تعالى بالحسين
(عليه السلام) سبعين ألف ملك يصلون عليه كل يوم، شعثاً غبراً منذ يوم قتل إلى ما
شاء الله، يعني بذلك قيام القائم (عليه السلام)). ومثله/١١٩، وفيه: ويدعون لمن زاره
ويقولون: يا رب هؤلاء زوار الحسين (عليه السلام) إفعل بهم وافعل بهم. ومثله ثواب
الأعمال/١١٣، بتفاوت يسير. والفقيه: ٢/٥٨١، والتهذيب: ٦/٤٧، وعنه وسائل الشيعة:
١٠/٣٢٣.. الخ.
عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ١/٢٣٣، عن الريان بن شبيب قال: دخلت على الرضا
(عليه السلام) في أول يوم من المحرم.. فقال من حديث: ولقد نزل إلى الأرض من
الملائكة أربعة آلاف لنصره فلم يؤذن لهم، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم
(عليه السلام) فيكونون من أنصاره، وشعارهم يا لثارات الحسين). ومثله أمالي
الصدوق/١١٢، وإثبات الهداة: ٣/٤٥٦. الخ.
علل الشرايع/١٦٠، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي قال: سألت أبا جعفر محمد بن
علي الباقر (عليه السلام): يا ابن رسول الله لم سمي علي (عليه السلام) أمير
المؤمنين وهو اسم ما سمي به أحد قبله، ولا يحل لأحد بعده؟ قال: لأنه ميرة العلم
يمتار منه ولا يمتار من أحد غيره، قال فقلت: يا ابن رسول الله فلم سمي سيفه ذا
الفقار؟ فقال (عليه السلام): لأنه ما ضرب به أحد من خلق الله إلا أفقره من هذه
الدنيا من أهله وولده وأفقره في الآخرة من الجنة. قال فقلت: يا ابن رسول الله فلستم
كلكم قائمين بالحق؟ قال: بلى قلت: فلم سمي القائم قائماً؟ قال: لما قتل جدي الحسين
(عليه السلام) ضجت عليه الملائكة إلى الله تعالى بالبكاء والنحيب وقالوا: إلهنا
وسيدنا أتغفل عمن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك؟ فأوحى الله (عزَّ وجلَّ)
إليهم: قروا ملائكتي فوعزتي وجلالي لأنتقمن منهم ولو بعد حين. ثم كشف الله (عزَّ
وجلَّ) عن الأئمة من ولد الحسين (عليه السلام) للملائكة فسرت الملائكة بذلك، فإذا
أحدهم قائم يصلي فقال الله (عزَّ وجلَّ): بذلك القائم أنتقم منهم). وعنه دلائل
الإمامة/٢٣٩، والإيقاظ/٢٤٢، والبحار: ٣٧/٢٩٤.
ينصره الله بثلاثة عشر ألف من الملائكة
في كامل الزيارات/١١٩، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كأني
بالقائم على نجف الكوفة وقد لبس درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فينتفض هو بها
فتستدير عليه فيغشيها بحداجة من استبرق، ويركب فرساً أدهم بين عينيه شمراخ، فينتفض
به انتفاضة لا يبقي أهل بلد إلا وهم يرون أنه معهم في بلادهم فينشر راية رسول الله
(صلى الله عليه وآله) عمودها من عمود العرش وسائرها من نصر الله، لا يهوي بها إلى
شيء أبداً إلا هتكه الله، فإذا هزها لم يبق مؤمن إلا صار قلبه كزبر الحديد، ويعطى
المؤمن قوة أربعين رجلاً، ولا يبقى مؤمن إلا دخلت عليه تلك الفرحة في قبره، وذلك
حين يتزاورون في قبورهم ويتباشرون بقيام القائم، فينحط عليه ثلاثة عشر ألف ملك
وثلاثمائة وثلاثة عشر ملكاً، قلت: كل هؤلاء الملائكة؟ قال: نعم، الذين كانوا مع نوح
في السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم حين ألقي في النار، والذين كانوا مع موسى حين
فلق البحر لبني إسرائيل، والذين كانوا مع عيسى حين رفعه الله إليه، وأربعة آلاف ملك
مع النبي (صلى الله عليه وآله) مسومين وألف مردفين، وثلاثمائة وثلاثة عشر ملائكة
بدريين، وأربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين (عليه السلام) فلم يؤذن لهم
في القتال، فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة، ورئيسهم ملك يقال له
منصور، فلا يزوره زائر إلا استقبلوه، ولا يودعه مودع إلا شيعوه، ولا يمرض مريض إلا
عادوه، ولا يموت ميت إلا صلوا على جنازته واستغفروا له بعد موته، وكل هؤلاء في
الأرض ينتظرون قيام القائم (عليه السلام) إلى وقت خروجه). ونحوه في/١٩٢،
والنعماني/٣٠٩ و٣١٠، وكمال الدين: ٢/٦٧١، ودلائل الإمامة/٢٤٣، وإثبات الهداة:
٣/٤٩٣، والبحار: ١١/٦٩.
مع المهدي (عليه السلام) راية النبي (صلى الله عليه وآله) وملائكتها
النعماني/٣٠٧، عن أبي بصير: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا يخرج القائم حتى
يكون تكملة الحلقة قلت: وكم الحلقة؟ قال: عشرة آلاف، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن
يساره، ثم يهز الراية ويسير بها، فلا يبقى أحد في المشرق ولا في المغرب إلا لعنها
وهي راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزل بها جبرئيل يوم بدر. ثم قال: يا أبا
محمد وما هي والله قطن ولا كتان ولا قز ولا حرير، قلت: فمن أي شيء هي؟ قال: من ورق
الجنة، نشرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر ثم لفها ودفعها إلى علي (عليه
السلام) لم تزل عند علي حتى إذا كان يوم البصرة نشرها أمير المؤمنين (عليه السلام)
ففتح الله عليه ثم لفها وهي عندنا
هناك لا ينشرها أحد حتى يقوم القائم، فإذا هو قام نشرها فلم يبق أحد في المشرق
والمغرب إلا لعنها، ويسير الرعب قدامها شهراً ووراءها شهراً وعن يمينها شهراً وعن
يسارها شهراً! ثم قال: يا أبا محمد إنه يخرج موتوراً غضبان أسفاً لغضب الله على هذا
الخلق، يكون عليه قميص رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي عليه يوم أحد،
وعمامته السحاب ودرعه السابغة وسيفه ذو الفقار، يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر
يقتل هرجاً، فأول ما يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ويعلقها في الكعبة وينادي مناديه:
هؤلاء سراق الله، ثم يتناول قريشاً، فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف
ولا يخرج القائم (عليه السلام) حتى يقرأ كتابان كتاب بالبصرة، وكتاب بالكوفة
بالبراءة من علي (عليه السلام)). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٤٥، وحلية الأبرار: ٢/٦٣٣،
بتفاوت، والبحار: ٥٢/٣٦٧، وفيه: يجتمعون قزعاً كقزع الخريف من القبائل ما بين
الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة والخمسة والستة والسبعة والثمانية والتسعة
والعشرة).
في مقدمته جبرئيل وفي ساقته إسرافيل (عليهم السلام)
الاختصاص/٢٠٨، عن حذيفة يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إذا كان
عند خروج القائم، ينادي مناد من السماء أيها الناس قطع عنكم مدة الجبارين، وولي
الأمر خير أمة محمد، فالحقوا بمكة. فيخرج النجباء من مصر والأبدال من الشام وعصائب
العراق، رهبان بالليل ليوث بالنهار كأن قلوبهم زبر الحديد، فيبايعونه بين الركن
والمقام. قال عمران بن الحصين: يا رسول الله، صف لنا هذا الرجل قال: هو رجل من ولد
الحسين كأنه من رجال شنوءة عليه عباءتان قطوانيتان، اسمه اسمي، فعند ذلك تفرح
الطيور في أوكارها والحيتان في بحارها، وتمد الأنهار وتفيض العيون، وتنبت الأرض ضعف
أكلها، ثم يسير مقدمته جبرئيل وساقته إسرافيل، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت
جوراً وظلماً). ومجمع البيان: ٤/٣٩٨ بعضه، وقال: أورده الثعلبي في تفسيره. وإثبات
الهداة: ٣/٥٥٧ أوله، عن الاختصاص، وفي/٦٢١، عن تذكرة القرطبي.
والبحار: ٥٢/١٨٦، عن مجمع البيان. وفي/٣٠٤، عن الاختصاص.
هذا، وقد روت مصادرهم عدداً من هذه المضامين، منها ما في ابن حماد: ١/٣٦٦، عن علي
بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: المهدي مولده بالمدينة من أهل بيت النبي (صلى الله
عليه وآله) اسمه اسم نبي ومهاجره بيت المقدس، كثُّ اللحية أكحل العينين براق
الثنايا، في وجهه خال أقنى أجلى في كتفه علامة النبي (صلى الله عليه وآله). يخرج
براية النبي من مرط مخملة سوداء مربعة فيها حجر، لم تنشر منذ توفي رسول الله (صلى
الله عليه وآله) ولا تنشر حتى يخرج المهدي، يمده الله بثلاثة آلاف من الملائكة
يضربون وجوه من خالفهم وأدبارهم، يبعث وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين). وعنه
الشافعي/٥١٥، وعقد الدرر/٣٧ والحاوي: ٢/٧٣، وجمع الجوامع: ٢/١٠٤، وصواعق ابن
حجر/١٦٧، أوله.
وفي ابن حماد: ١/٣٥٦: (عن كعب قال: قادة المهدي خير الناس، أهل نصرته وبيعته من أهل
كوفان واليمن وأبدال الشام، مقدمته جبريل وساقته ميكائيل محبوب في الخلائق يطفئ
الله تعالى الفتنة العمياء وتأمن الأرض حتى إن المرأة لتحج في خمس نسوة ما معهن رجل
لا تتقي شيئاً إلا الله تعطي الأرض زكاتها والسماء بركتها).
وفي تذكرة القرطبي: ٢/٧٠٠: عن النبي (صلى الله عليه وآله): فلو لم يبق من الدنيا
إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يأتيهم رجل من أهل بيتي، تكون الملائكة بين
يديه يظهر الإسلام). والترمذي: على ما في تحفة الأشراف: ٩/٤٢٨، في غير سننه.
* * *
الفصل الخامس عشر: فضل المؤمنين الثابتين في غيبته (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)
أيها المستعجلون: إن الله لا يعجل لعجلة العباد!
إن مشروع إنهاء الظلم على الأرض وإقامة دولة العدل الإلهي مشروعٌ ضخمٌ وهو جزءٌ
أساسي من المخطط الرباني لحياة الإنسان ومستقبله، لكنه يحتاج في استيعابه إلى رقيٍّ
فكري، وفي تحمله إلى رسوخِ إيمان وقوة أعصاب.
ولذلك كانت مشكلة الناس في الأديان أنهم يستعجلون نصر الله تعالى وعقوبته للظالمين،
بينما بنى الله (عزَّ وجلَّ) فعله على قوانين وحِكم خاصة. ولذلك اهتم النبي (صلى
الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) بتربية المؤمنين على توسيع أفقهم العقلي
والذهني والشعوري وضبط أعصابهم، والتسليم لأمر الله تعالى وانتظار الفرج.
في الكافي: ١/٣٦٩، عن مُهزَّم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ذكرنا عنده ملوك
آل فلان فقال: إنما هلك الناس من استعجالهم لهذا الأمر، إن الله (عزَّ وجلَّ) لا
يعجل لعجلة العباد، إن لهذا الأمر غاية ينتهي إليها، فلو قد بلغوها لم يستقدموا
ساعة ولم يستأخروا). ومثله النعماني/٢٩٦، وعنه البحار: ٥٢/١١٨، وشبيهه الكافي:
٨/٢٧٤.
وفي سنن الترمذي: ٥/٥٦٥، عن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
سلوا الله
من فضله، فإن الله (عزَّ وجلَّ) يحب أن يسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج).
والطبراني الكبير: ١٠/١٢٤، عن أبي الأحوص عن عبد الله، ومسند الشهاب: ١/٦٢، عن ابن
عمر: انتظار الفرج بالصبر عبادة. وفي/٦٣، عن ابن عباس، وتاريخ بغداد: ٢/١٥٤، عن
أنس: انتظار الفرج عبادة. وتلخيص المتشابه: ١/٢٢٨، كتاريخ بغداد، ومصابيح البغوي:
٢/١٤٠، كالترمذي، من حسانه، ومثله جامع الأصول: ٥/١٩، والترغيب: ٢/٤٨٢، والجامع
الصغير: ١/٤١٦ كتاريخ بغداد. وجمع الجوامع: ١/٥٤٧، عن الترمذي والطبراني، والمنهاج
في شعب الإيمان: ٣/٣٧٦، كالشهاب، وفيض القدير: ٣/٥١ و/٥٢ و: ٤/١٠٨، عن الجامع
الصغير. والمسند الجامع: ١٢/٧٤، وكشف الخفاء: ١/٥٥٨، عن ابن مسعود، وتفسير
الماوردي: ١/٤٧٨، وجمع الفوائد: ٣/٣٤١، والمعجم الأوسط: ٦/٧٩، وجامع الأحاديث/١٨٥،
والوسيط: ٢/٤٤، والكشف والبيان: ٣/٣٠٠.
النبي (صلى الله عليه وآله): بعدي يجيء زمن الصبر!
في الطبراني الكبير: ١٠/٢٢٥، عن ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن
من ورائكم زمان صَبْرٍ للمتمسك فيه أجر خمسين شهيداً، فقال عمر: يا رسول الله منا
أو منهم؟ قال: منكم). ومسند الشاميين: ١/٣، والزوائد: ٧/٢٨٢، وفيه: قالوا: يا نبي
الله أوَ منهم؟ قال: بل منكم، قالوا: يا نبي الله أوَمنهم؟ قال: بل منكم، ثلاث مرات
أو أربع. وجمع الجوامع: ١/٢٧٦، ونحوه مسند البزار: ٥/١٧٨، وأبو داود: ٤/١٢٣، وابن
ماجة: ٢/١٣٣٠، والترمذي: ٥/٢٥٧، وفيه: قيل: يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم؟
قال: بل أجر خمسين منكم، وكشف الخفاء: ٢/٥٣٥، وكنز العمال: ١١/١١٨.
ومن مصادرنا: غيبة الطوسي/٢٧٥، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سيأتي قوم من بعدكم، الرجلُ الواحد منهم
له أجر خمسين منكم، قالوا: يا رسول الله نحن كنا معك ببدر وأحد وحنين ونزل فينا
القرآن! فقال: إنكم لو تُحَمَّلون ما حُمِّلوا لم تصبروا صبرهم). وعنه الخرائج/٢٨٤.
وفي كمال الدين: ١/٣٢٣، عن عمرو بن ثابت قال: قال علي بن الحسين سيد العابدين (عليه
السلام): من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله (عزَّ وجلَّ) أجر ألف شهيد
من شهداء بدر وأحد). وعنه إعلام الورى/٤٠٢، بتفاوت يسير وإثبات الهداة: ٣/٤٦٦،
والبحار: ٥٢/١٢٥، وكشف الغمة: ٣/٣١٢، عن إعلام الورى.
وفي كمال الدين: ١/٢٨٨، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له رسول الله (صلى الله
عليه وآله) في حديث طويل، قال: يا علي واعلم أن أعجب الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً
قوم يكونون في آخر الزمان، لم يلحقوا النبي، وحجبتهم الحجة، فآمنوا بسواد على بياض.
وفي رواية: وحجبت عنهم الحجة، وهو الصحيح، أي لم يدركوا نبيهم، وغاب عنهم إمامهم).
بسواد على بياض: أي آمنوا بما وصل إليهم مكتوباً من القرآن والسنة الشريفة.
والفقيه: ٤/٣٦٦، بسندين، ومثله جامع الأخبار/١٨٠، ومكارم الأخلاق/٤٤٠، بتفاوت يسير.
كمال الدين: ٢/٢٨٧ و٦٤٤، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه سيد العابدين علي
بن الحسين، عن أبيه سيد الشهداء الحسين بن علي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:
قال رسول الله: (صلى الله عليه وآله) أفضل العبادة انتظار الفرج). وعيون أخبار
الرضا: ٢/٣٥، بثلاثة أسانيده عن الإمام الرضا عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي
(صلى الله عليه وآله).
الكافي: ٤/٢٦٠ و: ٥/٢٢، عن محمد بن عبد الله قال: قلت للرضا (عليه السلام): جعلت
فداك إن أبي حدثني عن آبائك (عليهم السلام) أنه قيل لبعضهم: إن في بلادنا موضع رباط
يقال له: قزوين، وعدوا يقال له: الديلم فهل من جهاد أو هل من رباط؟ فقال: عليكم
بهذا البيت فحجوه، ثم قال: فأعاد عليه الحديث ثلاث مرات كل ذلك يقول: عليكم بهذا
البيت فحجوه، ثم قال في الثالثة: أما يرضى أحدكم أن يكون في بيته ينفق على عياله
ينتظر أمرنا فإن أدركه كان كمن شهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بدراً، وإن
لم يدركه كان كمن كان مع قائمنا في فسطاطه هكذا وهكذا، وجمع بين سبابتيه، فقال أبو
الحسن (عليه السلام): صدق، هو على ما ذَكَر). وعنه الوسائل: ٨/٨٦ و: ١١/٣٣.
أمالي الطوسي: ٢/١٩، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: قال رسول الله: (صلى
الله عليه وآله) من رضي من الله بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل،
وانتظار الفرج عبادة).
وفي تحف العقول/٤٠٣، عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) في حديث طويل: أفضل
العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج). وعنه البحار: ٧٨/٣٢٦.
وفي غيبة الطوسي/٢٧٦، عن الحسن بن الجهم قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن شيء
من الفرج، فقال: أو لست تعلم أن انتظار الفرج من الفرج؟ قلت: لا أدري إلا أن
تعلمني، فقال: نعم انتظار الفرج من الفرج). وعنه البحار: ٥٢/١٣٠.
وفي مناقب ابن شهرآشوب: ٤/٤٢٥: ومما كتب (عليه السلام) إلى أبي الحسن علي بن الحسين
بن بابويه القمي: اعتصمت بحبل الله، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب
العالمين، والعاقبة للمتقين والجنة للموحدين والنار للملحدين ولا عدوان إلا على
الظالمين، ولا إله إلا الله أحسن الخالقين، والصلاة على خير خلقه محمد وعترته
الطاهرين. منها: عليك بالصبر وانتظار الفرج، قال النبي (صلى الله عليه وآله): أفضل
أعمال أمتي انتظار الفرج، ولايزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولده الذي بشر به النبي
(صلى الله عليه وآله) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. فاصبر يا
شيخي يا أبا الحسن علي وأمر جميع شيعتي بالصبر، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من
عباده والعاقبة للمتقين، والسلام عليك وعلى جميع شيعتنا ورحمة الله وبركاته).
والبحار: ٥٠/٣١٧.
وفي الكشي/١٣٨، عن محمد بن عبد الله بن زرارة وابنيه الحسن والحسين، عن عبد الله بن
زرارة قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): اقرأ على والدك السلام وقل له: إني
إنما أعيبك دفاعا مني عنك، فإن الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه
لإدخال الأذى فيمن نحبه ونقربه، ويرمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا ويرون إدخال
الأذى عليه وقتله، ويحمدون كل من عبناه. ولو أذن لنا لعلمتم أن الحق في الذي
أمرناكم به فردوا إلينا الأمر وسلموا لنا واصبروا لأحكامنا وارضوا بها، والذي فرق
بينكم فهو راعيكم الذي استرعاه الله خلقه، وهو أعرف بمصلحة غنمه في فساد أمرها فإن
شاء فرق بينها لتسلم ثم يجمع بينهما ليأمن من فسادها وخوف عدوها، في آثار ما يأذن
الله ويأتيها بالأمن من مأمنه والفرج من عنده. عليكم بالتسليم والرد
إلينا وانتظار أمرنا وأمركم وفرجنا وفرجكم، ولو قد قام قائمنا وتكلم متكلمنا ثم
استأنف بكم تعليم القرآن وشرائع الدين والأحكام والفرائض كما أنزله الله على محمد
(صلى الله عليه وآله) لأنكر أهل البصائر فيكم ذلك اليوم إنكاراً شديداً، ثم لم
تستقيموا على دين الله وطريقه إلا من تحت حد السيف فوق رقابكم. إن الناس بعد نبي
الله (عليه السلام) ركب الله بهم سنة من كان قبلكم فغيروا وبدلوا وحرفوا وزادوا في
دين الله ونقصوا منه، فما من شيء عليه الناس اليوم إلا وهو منحرف عما نزل به الوحي
من عند الله، فأجب رحمك الله من حيث تدعى إلى حيث تدعى حتى يأتي من يستأنف بكم دين
الله استينافاً). وإثبات الهداة: ٣/٥٦٠، والبحار: ٢/٢٤٦.
روح الانتظار والأمل.. من الفرج
الكافي: ١/٣٧١، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك متى
الفرج؟ فقال: يا أبا بصير وأنت ممن يريد الدنيا؟ من عرف هذا الأمر فقد فرج عنه
لانتظاره). وعنه النعماني/٣٣٠، والبحار: ٥٢/١٤٢.
العياشي: ٢/٢٠، عن أحمد بن محمد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سمعته
يقول: ما أحسن الصبر وانتظار الفرج، أما سمعت قول العبد الصالح: فـ (انْتَظِرُوا
إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ). أو ليس تعلم أن انتظار الفرج من
الفرج؟ ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: (وَارْتَقِبُوا
إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ). ومثله: ٢/١٥٩، وعنه البرهان: ٣/٢٣٢، والبحار:
١٢/٣٧٩.
العياشي: ٢/١٣٨، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سألته
عن شيء في الفرج فقال: أو ليس تعلم أن انتظار الفرج من الفرج، إن الله يقول: (انْتَظِرُوا
إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ). ومثله كمال الدين: ٢/٦٤٥، وعنهما
البحار: ٥٢/١٢٨.
تفسير القمي: ١/٣٨٤، عن الإمام الباقر (عليه السلام): وقوله: (هَلْ
يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ):
من العذاب والموت وخروج القائم، (كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا
ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
وقوله: (فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ
بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ): من العذاب في الرجعة). وعنه
الإيقاظ/٢٥٣.
الخطأ في الأمل لا يضر.. واليأس كله خطأ
في الكافي: ١/٣٦٩، عن علي بن يقطين: قال لي أبو الحسن (عليه السلام): الشيعة تربى
بالأماني منذ مئتي سنة، قال: وقال يقطين لابنه علي بن يقطين: ما بالنا قيل لنا فكان
وقيل لكم فلم يكن؟ قال فقال له علي: إن الذي قيل لنا ولكم كان من مخرج واحد، غير أن
أمركم حضر فأعطيتم محضه فكان كما قيل لكم، وإن أمرنا لم يحضر فعللنا بالأماني، فلو
قيل لنا: إن هذا الأمر لا يكون إلى مئتي سنة أو ثلاث مائة سنة لقست القلوب ولرجع
عامة الناس عن الإسلام، ولكن قالوا: ما أسرعه وما أقربه تألفاً لقلوب الناس
وتقريباً للفرج). ومثله غيبة الطوسي/٢٠٧، وعنه النعماني/٢٩٥، وعنهما البحار:
٥٢/١٠٢.
فضل المؤمنين المنتظرين لظهوره (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)
كمال الدين/٣٥٧، عن أبي بصير قال: قال الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) في قول
الله (عزَّ وجلَّ): (يَوْمَ يأتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا
يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي
إِيمَانِهَا خَيْرًا)، يعني خروج القائم المنتظر منا، ثم قال (عليه السلام):
يا أبا بصير طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته والمطيعين له في ظهوره،
أولئك أولياء الله: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٧٥، والمحجة/٦٩،
والبحار: ٥٢/١٤٩، و: ٦٤/٣٣.
كمال الدين: ٢/٦٥٦، عن المفضل بن عمر قال: سألت الصادق جعفر بن محمد (عليهما
السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَالْعَصْرِ إِنَّ
الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ)؟ قال: العصر عصر خروج القائم. (إِنَّ
الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ): يعني أعداءنا. (إِلا
الَّذِينَ آمَنُوا): يعني بآياتنا. (وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ): يعني بمواساة الإخوان. (وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ): يعني بالإمامة. (وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ):
يعني في الفترة). وعنه العدد القوية/٦٧، وإثبات الهداة: ٣/٤٩٢، والمحجة/٢٥٨،
والبحار: ٢٤/٢١٤ و: ٦٧/٥٩، و: ٦٩/٢٧٠.
الكافي: ١/٤٢٩، عن أبي عبيدة الحذاء قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله: (لَهُمُ
الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ...) فقال: الإمام
يبشرهم بقيام القائم وبظهوره وقتل أعدائهم وبالنجاة في الآخرة والورود على محمد
(صلى الله عليه وآله) والصادقين على الحوض).
تأويل الآيات: ٢/٥٨٥، عن محمد الحلبي قال: قرأ أبو عبد الله (عليه السلام): (فَهَلْ
عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرض وَتُقَطِّعُوا
أَرْحَامَكُمْ)، ثم قال: نزلت هذه الآية في بني عمنا بني العباس وبني أمية.
ثم قرأ: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ
فَأَصَمَّهُمْ): عن الدين (وَأَعْمَى أَبْصَارَهُم)
عن الوصي! ثم قرأ: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى
أَدْبَارِهِمْ): بعد ولاية علي، (مِنْ بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ).
ثم قرأ: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا): بولاية علي (زَادَهُمْ
هُدىً): حيث عرَّفهم الأئمة من بعده والقائم (عليه السلام)، (وَآتَاهُمْ
تَقْوَاهُمْ): أماناً من النار). وعنه البرهان: ٤/١٩٠، والبحار: ٢٤/٣٢٠.
الأئمة يهدئون اندفاع شيعتهم ويعلمونهم انتظار الفرج
أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تيأسوا من رَوْح الله
الخصال: ٢/٦١٠، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
حدثني أبي عن جدي عن آبائي (عليهم السلام) أن أمير المؤمنين علم أصحابه في مجلس
واحد أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه... جاء فيها: انتظروا الفرج ولا
تيأسوا من روح الله فإن أحب الأعمال إلى الله (عزَّ وجلَّ) انتظار الفرج ما دام
عليه العبد المؤمن، والمنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله). وكمال الدين:
٢/٦٤٥، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، آخره، وعنه البحار: ٥٢/١٢٣، وتحف العقول/١٠٦،
كما في الخصال.
مختصر إثبات الرجعة/٨، عن أبي خالد الكابلي، قال: دخلت على سيدي علي
بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) فقلت: يا ابن رسول الله، أخبرني
بالذين فرض الله طاعتهم ومودتهم وأوجب على عباده الإقتداء بهم بعد رسول الله؟ (صلى
الله عليه وآله) فقال: يا كابلي إن أولي الأمر الذين جعلهم الله (عزَّ وجلَّ) أئمة
الناس وأوجب عليهم طاعتهم: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم الحسن
عمي، ثم الحسين أبي، ثم انتهى الأمر إلينا. ثم سكت. فقلت له: يا سيدي روي لنا عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) أن الأرض لا تخلو من حجة لله تعالى على عباده، فمن
الحجة والإمام بعدك؟ قال: ابني محمد واسمه في صحف الأولين باقر، يبقر العلم بقراً،
هو الحجة والإمام بعدي، ومن بعد محمد ابنه جعفر واسمه عند أهل السماء الصادق، قلت:
يا سيدي فكيف صار اسمه الصادق وكلكم صادقون؟ قال: حدثني أبي عن أبيه عن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) قال: إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب فسموه الصادق، فإن الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدعي الإمامة اجتراء على
الله وكذباً عليه فهو عند الله (جعفر الكذاب) المفتري على الله تعالى والمدعي لما
ليس له بأهل، المخالف لأبيه والحاسد لأخيه! وذلك الذي يروم كشف ستر الله (عزَّ
وجلَّ) عند غيبة ولي الله، ثم بكى علي بن الحسين (عليه السلام) بكاء شديداً ثم قال:
كأني بجعفر الكذاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله والمغيب في حفظ
الله، والتوكيل بحرم أبيه جهلاً منه برتبته، وحرصاً منه على قتله إن ظفر به، طمعاً
في ميراث أخيه حتى يأخذه بغير حق. فقال أبو خالد: فقلت: يا ابن رسول الله وإن ذلك
لكائن؟! فقال: إي وربي إن ذلك مكتوب عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي
تجري علينا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)! فقال أبو خالد فقلت: يا ابن رسول
الله ثم يكون ماذا؟ قال: ثم تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله
(صلى الله عليه وآله) والأئمة بعده.
يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل
زمان، فإن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة
عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي
رسول الله بالسيف، أولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله (عزَّ
وجلَّ) سراً وجهراً. وقال (عليه السلام): انتظار الفرج من أعظم الفرج). وكمال
الدين: ١/٣١٩، عن أبي خالد الكابلي، كمختصر إثبات الرجعة، بتفاوت يسير. ونحوه
في/٣٢٠، ومثله إعلام الورى/٣٨٤، وقصص الأنبياء/٣٦٥، والاحتجاج: ٢/٣١٧، والخرايج:
١/٢٦٨، بعضه، وإثبات الهداة: ١/٥١٤ و: ٣/٩، عن كمال الدين، والبحار: ٣٦/٣٨٦، و:
٥٠/٢٢٧، و: ٥٢/١٢٢، عن الاحتجاج، وكمال الدين.
وفي كمال الدين: ١/٣٢٨، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته
يقول: إن أقرب الناس إلى الله (عزَّ وجلَّ) وأعلمهم به وأرأفهم بالناس محمد (صلى
الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) فادخلوا أين دخلوا وفارقوا من فارقوا، عنى
بذلك حسيناً وولده (عليهم السلام) فإن الحق فيهم وهم الأوصياء وهم الأئمة، فأينما
رأيتموهم فاتبعوهم، وإن أصبحتم يوماً لا ترون منهم أحداً فاستغيثوا بالله (عزَّ
وجلَّ)، وانظروا السنة التي كنتم عليها واتبعوها، وأحبوا من كنتم تحبون، وابغضوا من
كنتم تبغضون، فما أسرع ما يأتيكم الفرج). وعنه البحار: ٥١/١٣٦.
الإمام الباقر (عليه السلام): المنتظر المحتسب كالمجاهد مع الإمام (عليه السلام)
مجمع البيان: ٩/٢٣٨، عن العياشي عن الحرث بن المغيرة قال: كنا عند أبي جعفر (عليه
السلام) فقال: العارف منكم هذا الأمر المنتظر له المحتسب فيه الخير، كمن جاهد والله
مع قائم آل محمد (عليه السلام) بسيفه. ثم قال الثالثة: بل والله كمن استشهد مع رسول
الله (صلى الله عليه وآله) في فسطاطه. وفيكم آية من كتاب الله. قلت: وأي آية جعلت
فداك؟ قال: قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَالَّذِينَ آمَنُوا
بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ)
ثم قال: صرتم والله صادقين شهداء عند ربكم). وتأويل الآيات: ٢/٦٦٥، وإثبات الهداة:
٣/٥٢٥.
وفي الكافي: ٢/٢١، عن أبي الجارود قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) يا بن رسول
الله هل تعرف مودتي لكم وانقطاعي إليكم وموالاتي إياكم؟ قال فقال: نعم، قال: فقلت
فإني أسألك مسألة تجيبني فيها فإني مكفوف البصر قليل المشي ولا أستطيع زيارتكم كل
حين قال: هات حاجتك، قلت: أخبرني بدينك الذي تدين الله (عزَّ وجلَّ) به أنت وأهل
بيتك لأدين الله (عزَّ وجلَّ) به؟ قال: إن كنت أقصرت الخطبة فقد أعظمت المسألة،
والله لأعطينك ديني ودين آبائي الذي ندين الله (عزَّ وجلَّ) به، شهادة أن لا إله
إلا الله وأن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإقرار بما جاء من عند الله،
والولاية لولينا، والبراءة من عدونا، والتسليم لأمرنا، وانتظار قائمنا، والاجتهاد
والورع). ورواه في دعوات الراوندي/١٣٥، وفيه: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إني
امرؤ ضرير البصر كبير السن، والشقة فيما بيني وبينكم بعيدة؟ وأنا أريد أمراً أدين
الله به وأتمسك به وأبلغه من خلفت. قال: فأعجب بقولي فاستوى جالساً فقال: يا أبا
الجارود كيف قلت رُدَّ عليَّ، قال: فرددت عليه، فقال: نعم يا أبا الجارود: شهادة
ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء
الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت، وولاية ولينا، وعداوة عدونا، والتسليم لأمرنا
وانتظار قائمنا، والورع والاجتهاد). وعنه غاية المرام/٦٢٤، والبحار: ٦٩/١٣.
وفي المحاسن/١٧٣، عن عبد الحميد الواسطي قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أصلحك
الله والله لقد تركنا أسواقنا انتظاراً لهذا الأمر حتى أوشك الرجل منا يسأل في
يديه! فقال: يا عبد الحميد أترى من حبس نفسه على الله لا يجعل الله له مخرجاً؟ بلى
والله ليجعلن الله له مخرجاً، رحم الله عبداً حبس نفسه علينا، رحم الله عبدا أحيا
أمرنا. قال فقلت: فإن مت قبل أن أدرك القائم؟ فقال: القائل منكم إن أدركت القائم من
آل محمد نصرته كالمقارع معه بسيفه، والشهيد معه له شهادتان). ومثله كمال الدين:
٢/٦٤٤، وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٩٠، والبحار: ٥٢/١٢٦. ونحوه الكافي: ٨/٨٠، وفيه: قلت:
أصلحك الله إن هؤلاء المرجئة يقولون ما علينا أن نكون على الذي نحن عليه حتى إذا
جاء ما تقولون كنا نحن وأنتم سواء! فقال: يا عبد الحميد صدقوا من تاب تاب الله
عليه، ومن أسر نفاقاً فلا يرغم الله إلا بأنفه، ومن أظهر أمرنا أهرق الله دمه،
يذبحهم الله على الإسلام كما يذبح القصاب شاته! قلت: فنحن يومئذ والناس فيه سواء؟
قال: لا أنتم يومئذ سنام الأرض وحكامها، لا يسعنا في ديننا إلا ذلك، قلت: فإن مت
قبل أن أدرك القائم (عليه السلام)؟ قال: إن القائل منكم إذا قال: إن أدركت قائم آل
محمد).
المنتظر المخلص في ولائه من أهل الجنة
الكافي: ٨/٧٦، عن الحكم بن عتيبة قال: بينا أنا مع أبي جعفر (عليه السلام) والبيت
غاص بأهله، إذ أقبل شيخ يتوكأ على عنزة له حتى وقف على باب البيت فقال: السلام عليك
يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ثم سكت، فقال أبو جعفر (عليه السلام): وعليك
السلام ورحمة الله وبركاته، ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال: السلام عليكم،
ثم سكت حتى أجابه القوم جميعاً وردوا (عليه السلام)، ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر
(عليه السلام) ثم قال: يا ابن رسول الله أدنني منك جعلني الله فداك فوالله إني
لأحبكم وأحب من يحبكم، ووالله ما أحبكم وأحب من يحبكم لطمع في دنياً. والله إني
لأبغض عدوكم وأبرأ منه، ووالله ما أبغضه وأبرأ منه لوتر كان بيني وبينه، والله إني
لأحل حلالكم وأحرم حرامكم وأنتظر أمركم، فهل ترجو لي جعلني الله فداك؟ فقال أبو
جعفر (عليه السلام): إليَّ إليَّ، حتى أقعده إلى جنبه ثم قال: أيها الشيخ إن أبي
علي بن الحسين (عليهما السلام) أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه فقال له أبي
(عليه السلام): إن تمت ترد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى علي والحسن
والحسين وعلي بن الحسين ويثلج قلبك ويبرد فؤادك وتقر عينك وتستقبل بالروح والريحان
مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسك هاهنا، وأهوى بيده إلى حلقه، وإن تعش تَرَ ما
يقر الله به عينك وتكون معنا في السنام الأعلى، فقال الشيخ: كيف قلت: يا أبا جعفر؟
فأعاد عليه الكلام فقال الشيخ: الله أكبر يا أبا جعفر إن أنا مت أرد على رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين (عليهم السلام) وتقر
عيني ويثلج قلبي ويبرد فؤادي وأستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد
بلغت نفسي إلى هاهنا، وإن أعش أر ما يقر الله به عيني فأكون معكم في السنام الأعلى،
ثم أقبل الشيخ ينتحب، ينشج ها ها ها حتى لصق بالأرض، وأقبل أهل البيت ينتحبون
وينشجون لما يرون من حال الشيخ، وأقبل أبو جعفر (عليه السلام) يمسح بأصبعه الدموع
من حماليق عينه
وينفضها، ثم رفع الشيخ رأسه فقال لأبي جعفر (عليه السلام): يا ابن رسول الله ناولني
يدك جعلني الله فداك فناوله يده فقبلها ووضعها على عينيه وخده، ثم حسر عن بطنه
وصدره فوضع يده على بطنه وصدره، ثم قام فقال: السلام عليكم، وأقبل أبو جعفر (عليه
السلام) ينظر في قفاه وهو مدبر ثم أقبل بوجهه على القوم فقال: من أحب أن ينظر إلى
رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، فقال الحكم بن عتيبة لم أر مأتماً قط يشبه ذلك
المجلس). وعنه البحار: ٤٦/٣٦١.
الإمام الصادق (عليه السلام): طوبى لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا
كمال الدين: ٢/٣٥٨، عن أبي بصير قال: قال الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام):
طوبى لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية، فقلت له جعلت فداك
وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة أصلها في دار علي بن أبي طالب (عليه السلام) وليس من
مؤمن إلا وفي داره غصن من أغصانها، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): طوبى لهم وحسن
مآب). ومثله معاني الأخبار/١١٢، وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٥٧، أوله. وقال: ورواه في
كتاب كمال الدين بهذا السند مثله والبحار: ٥٢/١٢٣، عن كمال الدين ومعاني الأخبار.
الإيمان في دولة الباطل أفضل منه في دولة الحق
الكافي: ١/٣٣٣، عن عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أيما أفضل:
العبادة في السر مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل، أو العبادة في ظهور الحق
ودولته، مع الإمام منكم الظاهر؟ فقال: يا عمار الصدقة في السر والله أفضل من الصدقة
في العلانية، وكذلك والله عبادتكم في السر مع إمامكم المستتر في دولة الباطل
وتخوفكم من عدوكم في دولة الباطل وحال الهدنة، أفضل ممن يعبد الله (عزَّ وجلَّ)
ذكره في ظهور الحق مع إمام الحق الظاهر في دولة الحق، وليست العبادة مع الخوف في
دولة الباطل مثل العبادة والأمن في دولة الحق، واعلموا أن من صلى منكم اليوم صلاة
فريضة في جماعة مستتراً بها من عدوه في وقتها فأتمها كتب الله له
خمسين صلاة فريضة في جماعة، ومن صلى منكم صلاة فريضة واحدة مستتراً بها من عدوه في
وقتها فأتمها كتب الله (عزَّ وجلَّ) بها له خمساً وعشرين صلاة فريضة وحدانية، ومن
صلى منكم صلاة نافلة لوقتها فأتمها كتب الله له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم
حسنة كتب الله (عزَّ وجلَّ) له بها عشرين حسنة، ويضاعف الله (عزَّ وجلَّ) حسنات
المؤمن منكم إذا أحسن أعماله، ودان بالتقية على دينه وإمامه ونفسه وأمسك من لسانه،
أضعافاً مضاعفة، إن الله (عزَّ وجلَّ) كريم.
قلت: جعلت فداك قد والله رغبتني في العمل وحثثتني عليه، ولكن أحب أن أعلم كيف صرنا
نحن اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام الظاهر منكم في دولة الحق ونحن على دين
واحد؟ فقال: إنكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله (عزَّ وجلَّ) إلى الصلاة والصوم
والحج وإلى كل خير وفقه وإلى عبادة الله عز ذكره سراً من عدوكم مع إمامكم المستتر،
مطيعين له صابرين معه منتظرين لدولة الحق، خائفين على إمامكم وأنفسكم من الملوك
الظلمة، تنظرون إلى حق إمامكم وحقوقكم في أيدي الظلمة، قد منعوكم ذلك واضطروكم إلى
حرث الدنيا وطلب المعاش، مع الصبر على دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف مع
عدوكم، فبذلك ضاعف الله (عزَّ وجلَّ) لكم الأعمال فهنيئاً لكم. قلت: جعلت فداك فما
ترى إذا أن نكون من أصحاب القائم ويظهر الحق ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل
أعمالاً من أصحاب دولة الحق والعدل؟ فقال: سبحان الله أما تحبون أن يظهر الله تبارك
وتعالى الحق والعدل في البلاد، ويجمع الله الكلمة ويؤلف الله بين قلوب مختلفة، ولا
يعصون الله (عزَّ وجلَّ) في أرضه، وتقام حدوده في خلقه، ويرد الله الحق إلى أهله
فيظهر حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق؟! أما والله يا عمار لا يموت
منكم ميت على الحال التي أنتم عليها إلا كان أفضل عند الله من كثير من شهداء بدر
وأحد، فأبشروا). ومثله كمال الدين: ٢/٦٤٥، وعنه البحار: ٥٢/١٢٧.
وفي الاختصاص/٢٠، عن أمية بن علي، عن رجل قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
أيما أفضل نحن أو أصحاب القائم (عليه السلام)؟ قال: فقال لي: أنتم أفضل من أصحاب
القائم وذلك أنكم تمسون وتصبحون خائفين على إمامكم وعلى أنفسكم من أئمة الجور، إن
صليتم فصلاتكم في تقية، وإن صمتم فصيامكم في تقية، وإن حججتم فحجكم في تقية، وإن
شهدتم لم تقبل شهادتكم، وعد أشياء من نحو هذا مثل هذه فقلت: فما نتمنى القائم (عليه
السلام) إذا كان على هذا؟ قال فقال لي: سبحان الله أما تحب أن يظهر العدل وتأمن
السبل وينصف المظلوم). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٥٧، والبحار: ٥٢/١٤٤.
وفي ثواب الأعمال/٢٣٣، عن ميسر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ولدٌ واحدٌ
يقدمه الرجل أفضل من سبعين ولد يبقون بعده يدركون القائم). ومثله جامع الأخبار/١٠٥،
ودعوات الراوندي/٢٨٥، والبحار: ٨٢/١١٦، وفي/١٢٣، عن دعوات الراوندي.
أقول: الأفضلية في هذا الباب تعني أفضلية الثواب بسبب الظروف المحيطة!
الأرض لا تخلو من مؤمنين كاملين كأصحاب الإمام (عليه السلام)
في الأصول الستة عشر/٦، عن زيد الزراد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): نخشى
أن لا نكون مؤمنين! قال: ولم ذاك؟ فقلت: وذلك أنا لا نجد فينا من يكون أخوه عنده
آثر من درهمه وديناره، ونجد الدينار والدرهم آثر عندنا من أخ قد جمع بيننا وبينه
موالاة أمير المؤمنين (عليه السلام)! فقال: كلا، إنكم مؤمنون ولكن لا تكملون
إيمانكم حتى يخرج قائمنا فعندها يجمع الله أحلامكم فتكونون مؤمنين كاملين. ولو لم
يكن في الأرض مؤمنون كاملون إذا لرفعنا الله إليه وأنكرتكم الأرض وأنكرتكم السماء.
بل والذي نفسي بيده إن في الأرض في أطرافها مؤمنين، ما قدر الدنيا كلها عندهم تعدل
جناح بعوضة). والبحار: ٦٧/٣٥٠، عن كتاب زيد الزراد.
هذا، وسيأتي في التطور في عصره (عليه السلام) أن المؤمنين يرون الملائكة ويتحدثون
معهم، وأن المؤمن يستنزل الطير من السماء، ويحيي الموتى بإذن الله تعالى.
لا فرق على المؤمن إن مات قبل ظهور الإمام (عليه السلام) أو بعده
الكافي: ١/٣٧١، أن أبا بصير سأل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: تراني أدرك
القائم (عليه السلام)؟ فقال: يا أبا بصير ألست تعرف إمامك؟ فقال: إي والله وأنت هو
وتناول يده فقال: والله ما تبالي يا أبا بصير ألا تكون محتبياً بسيفك في ظل رواق
القائم صلوات الله عليه).
وعنه النعماني/٣٣٠، والبحار: ٥٢/١٤٢.
وفي الكافي: ٨/١٤٦، عن مالك الجهني قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا
مالك أما ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفوا وتدخلوا الجنة؟ يا مالك إنه
ليس من قوم ائتموا بإمام في الدنيا إلا جاء يوم القيامة يلعنهم ويلعنونه إلا أنتم
ومن كان على مثل حالكم، يا مالك إن الميت والله منكم على هذا الأمر لشهيد بمنزلة
الضارب بسيفه في سبيل الله). ومثله فضائل الشيعة/٣٨، وتأويل الآيات: ٢/٦٦٦،
والبحار: ٧/١٨٠، و: ٦٨/٦٨.
الكافي: ١/٣٧٢، عن علي بن هاشم، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ما ضر من
مات منتظراً لأمرنا ألا يموت في وسط فسطاط المهدي وعسكره).
تأويل الآيات الظاهرة: ٢/٦٦٥، عن الحسين بن أبي حمزة، عن أبيه قال: قلت لأبي عبد
الله (عليه السلام): جعلت فداك قد كبر سني ودق عظمي واقترب أجلي وقد خفت أن يدركني
قبل هذا الأمر الموت! قال: فقال لي: يا أبا حمزة أو ما ترى الشهيد إلا من قتل؟ قلت:
نعم جعلت فداك، فقال لي: يا أبا حمزة من آمن بنا وصدق حديثنا وانتظر أمرنا كان كمن
قتل تحت راية القائم، بل والله تحت راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)). وعنه
البرهان: ٤/٢٩٣، وغاية المرام/٤١٧، والبحار: ٢٧/١٣٨ و: ٦٨/١٤١.
وفي النعماني/٢٠٠، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال ذات يوم:
ألا أخبركم بما لا يقبل الله (عزَّ وجلَّ) من العباد عملاً إلا به؟ فقلت: بلى،
فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، والإقرار بما أمر الله،
والولاية لنا والبراءة
من أعدائنا يعني الأئمة خاصة والتسليم لهم، والورع والاجتهاد والطمأنينة والانتظار
للقائم (عليه السلام). ثم قال: إن لنا دولة يجيء الله بها إذا شاء، ثم قال: من سره
أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات
وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا، هنيئاً لكم
أيتها العصابة المرحومة). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٣٦، ملخصاً، والبحار: ٥٢/١٤٠. وفي
غيبة الطوسي/٢٧٧، عن عبد الله بن عجلان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من عرف
بهذا الأمر ثم مات قبل أن يقوم القائم كان له أجر مثل من قتل معه). وإثبات الهداة:
٣/٥١٥، والبحار: ٥٢/١٣١.
المؤمن شهيد وإن مات على فراشه
أمالي الطوسي: ٢/٢٨٨، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كل مؤمن شهيد، وإن مات على
فراشه فهو شهيد، وهو كمن مات في عسكر القائم. قال: أيحبس نفسه على الله ثم لا يدخله
الجنة). وعنه البحار: ٥٢/١٤٤.
الكافي: ٢/٦٢٠، عن جابر قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من قرأ المسبحات
كلها قبل أن ينام لم يمت حتى يدرك القائم، وإن مات كان في جوار محمد النبي (صلى
الله عليه وآله)) ومثله ثواب الأعمال/١٤٦، عن جابر، بتفاوت يسير، وعنهما وسائل
الشيعة: ٤/٨٧٠، والبحار: ٧٦/٢٠١ و: ٩٢/٣١٢، وعنه مجمع البيان: ٩/٢٢٩.
إعلام الدين/٤٥٩: (سأله أبو بصير عن قول الله تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ
فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً، ما عنى بذلك؟ فقال: معرفة الإمام واجتناب
الكبائر، ومن مات وليس في رقبته بيعة لإمام مات ميتة جاهلية، ولا يعذر الناس حتى
يعرفوا إمامهم فمن مات وهو عارف بالإمامة لم يضره تقدم هذا الأمر أو تأخر، فكان كمن
هو مع القائم في فسطاطه. قال: ثم مكث هنيئة ثم قال: لا بل كمن قاتل معه، ثم قال: لا
بل والله كمن استشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)). وعنه البحار: ٢٧/١٢٦.
وفي المحاسن/١٧٣، عن ابن سيابة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من مات منكم
على أمرنا
هذا فهو بمنزلة من ضرب فسطاطه إلى رواق القائم (عليه السلام) بل بمنزلة من يضرب معه
بسيفه، بل بمنزلة من استشهد معه، بل بمنزلة من استشهد مع رسول الله (صلى الله عليه
وآله)). ونحوه في/١٧٢، عن مالك بن أعين، وفي/١٧٣، عن السندي قال قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): ما تقول فيمن مات على هذا الأمر منتظراً له؟ قال: هو بمنزلة من كان
مع القائم (عليه السلام) في فسطاطه... ونحوه في/١٥٠، والنعماني/٢٠٠، عن العلاء بن
سيابة كالمحاسن،، وكمال الدين: ٢/٣٣٨، عن المفضل بن عمر، وفي/٦٤٤، عن العلاء بن
سيابة، كالمحاسن. وعنه وعن المحاسن إثبات الهداة: ٣/٤٧١ و٤٨٩، و٥١٩، والبحار:
٥٢/١٢٥.
الكافي: ١/٣٧١، ونحوه ٣٧٢، عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن قول الله تبارك وتعالى: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ
بِإِمَامِهِمْ)؟ فقال: يا فضيل إعرف إمامك فإنك إذا عرفت إمامك لم يضرك تقدم
هذا الأمر أو تأخر، ومن عرف إمامه ثم مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر، كان بمنزلة
من كان قاعداً في عسكره، لا بل بمنزلة من قعد تحت لوائه! قال: وقال بعض أصحابه:
بمنزلة من استشهد مع رسول الله). ومثله النعماني/٣٢٩، وغيبة الطوسي/٢٧٦، وعنهما
إثبات الهداة: ٣/٥١٥، والبحار: ٥٢/١٣١، و١٤١ و١٤٢.
المنتظرون له هم الصادقون في الآية
كتاب سليم بن قيس: ١٨٩، في حديث طويل عن علي (عليه السلام) قال فيه: أنشدكم الله هل
تعلمون أن الله جل اسمه أنزل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)؟ فقال سلمان يا رسول
الله أعامة أم خاصة؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما المؤمنون فعامة لأن
جماعة المؤمنين أمروا بذلك، وأما الصادقون فخاصة، علي بن أبي طالب وأوصيائي من بعده
إلى يوم القيامة). وفي غاية المرام/٢٤٨: روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه
السلام) أن الصادقين هاهنا هم الأئمة الطاهرون من آل محمد (صلى الله عليه وآله)).
نَفَسُ المهموم لنا تسبيح
الكافي: ٢/٢٢٦، عن عيسى بن أبي منصور قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
نفس المهموم لنا المغتم لظلمنا تسبيح، وهمه لأمرنا عبادة، وكتمانه لسرنا جهاد في
سبيل
الله. قال لي محمد بن سعيد: أكتب هذا بالذهب فما كتبت شيئاً أحسن منه). وعنه وسائل
الشيعة: ١١/٤٩٤، والبحار: ٧٥/٨٣.
وفي أمالي الطوسي: ١/٢٣٦، عن جابر قال: دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي (عليهما
السلام) ونحن جماعة بعد ما قضينا نسكنا فودعناه، وقلنا له: أوصنا يا بن رسول الله
فقال: ليعن قويكم ضعيفكم، وليعطف غنيكم على فقيركم، ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه،
واكتموا أسرارنا ولا تحملوا الناس على أعناقنا، وانظروا أمرنا وما جاءكم عنا فإن
وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقا فردوه، وإن اشتبه الأمر عليكم
فيه فقفوا عنده وردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا. وإذا كنتم كما
أوصيناكم لم تعدوا إلى غيره فمات منكم ميت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيدا، ومن أدرك
منكم قائمنا فقتل معه كان له أجر شهيدين، ومن قتل بين يديه عدوا لنا كان له أجر
عشرين شهيداً). ونحوه الكافي: ٢/٢٢٢، وفي آخره: ومن أدرك قائمنا فخرج معه فقتل
عدونا كان له مثل أجر عشرين شهيداً، ومن قتل مع قائمنا كان له مثل أجر خمسة وعشرين
شهيداً). وعنه بشارة المصطفى/١١٣، وإثبات الهداة: ٣/٥٢٩، والبحار:: ٧٥/٧٣، وفي:
٢/١٢٢، و٢٣٥، و: ٧٨/١٨٢، عن أمالي الطوسي.
قلة عدد المؤمنين في زمن الغيبة
دلائل الإمامة/٢٩٢، عن يعقوب بن شعيب، قال سمعت أبا عبد الله يقول: إن الناس ما
يمدون أعناقهم إلى أحد من ولد عبد المطلب إلا هلك، حتى يستوي ولد عبد المطلب لا
يدرون أياً من أي، فيمكثون بذلك سنين من دهرهم، ثم يبعث لهم صاحب هذا الأمر).
وفي رسائل المفيد/٤٠٠: (كيف بكم إذا التفتم يميناً فلم تروا أحداً، والتفتم شمالاً
فلم تروا أحداً، واستوت بنو عبد المطلب ورجع عن هذا الأمر كثير ممن يعتقده، يمسي
أحدكم مؤمناً ويصبح كافراً، فالله الله في أديانكم، هنالك فانتظروا الفرج).
وفي ملاحم ابن طاووس/١٨٥: (ومن المجموع عن الصادق (عليه السلام) أنه قال لشيعته:
كيف أنتم إذا بقيتم سبتاً من دهركم لا ترون إماماً، واستوت أقدام بني عبد المطلب
كأسنان المشط، فبينما أنتم كذلك إذ أطلع الله لكم نجمكم، فاحمدوا الله واشكروه).
وفي كمال الدين: ٢/٤٠٩، عن موسى بن جعفر بن وهب البغدادي قال: سمعت أبا محمد الحسن
بن علي (عليهما السلام) يقول: كأني بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف مني، أما إن
المقر بالأئمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنكر لولدي كمن أقر بجميع
أنبياء الله ورسله ثم أنكر نبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمنكر لرسول الله
(صلى الله عليه وآله) كمن أنكر جميع الأنبياء (عليهم السلام)، لأن طاعة آخرنا كطاعة
أولنا والمنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا. أما إن لولدي غيبة يرتاب فيها الناس، إلا من
عصمه الله (عزَّ وجلَّ)). ونحوه كفاية الأثر/٢٩١، وإعلام الورى/٤١٤، وكشف الغمة:
٣/٣١٧، وإثبات الهداة: ٣/٤٨٢، والبحار: ٥١/١٦٠.
وفي كمال الدين: ٢/٤٠٨، عن محمد بن أحمد المدائني، عن أبي غانم قال: سمعت أبا محمد
الحسن بن علي (عليهما السلام) يقول: في سنة مائتين وستين تفترق شيعتي! وقال الصدوق
(رحمه الله): ففيها قبض أبو محمد (عليه السلام) وتفرقت الشيعة وأنصاره فمنهم من
انتمى إلى جعفر، ومنهم من تاه، ومنهم من شك، ومنهم من وقف على تحيره، ومنهم من ثبت
على دينه بتوفيق الله (عزَّ وجلَّ)). ومثله كفاية الأثر/٢٩٠، وعنه البحار: ٥٠/٣٣٤
و١٦١.
وفي كمال الدين: ٢/٥٢٤، عن الحسن بن محمد بن صالح البزاز قال: سمعت الحسن بن علي
العسكري (عليهما السلام) يقول: إن ابني هو القائم من بعدي، وهو الذي يجري فيه سنن
الأنبياء بالتعمير، والغيبة حتى تقسو القلوب لطول الأمد، فلا يثبت على القول به إلا
من كتب الله (عزَّ وجلَّ) في قلبه الإيمان وأيده بروح منه). ومثله الخرائج: ٢/٩٦٤،
وعنه الصراط المستقيم: ٢/٢٣٨، وإثبات الهداة: ٣/٤٨٨، والبحار: ٥١/٢٢٤.
فأولئك معنا ونحن منهم
تحف العقول/٥١٤، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: افترق الناس فينا على ثلاث
فرق:
فرقة أحبونا انتظار قائمنا ليصيبوا من دنيانا، فقالوا وحفظوا كلامنا وقصروا عن
فعلنا، فسيحشرهم الله إلى النار. وفرقة أحبونا وسمعوا كلامنا ولم يقصروا عن فعلنا،
ليستأكلوا الناس بنا! فيملؤ الله بطونهم ناراً ويسلط عليهم الجوع والعطش. وفرقة
أحبونا وحفظوا قولنا وأطاعوا أمرنا، ولم يخالفوا فعلنا، فأولئك منا ونحن منهم).
وعنه البحار: ٧٨/٣٨٢.
ذلك من رفقائي وذوي مودتي
كمال الدين: ١/٢٨٦، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو يأتم به في غيبته قبل قيامه، ويتولى
أولياءه ويعادي أعداءه، ذلك من رفقائي وذوي مودتي، وأكرم أمتي علي يوم القيامة).
ومثله غيبة الطوسي/٢٧٥.
كرواية كمال الدين الثانية، بتفاوت يسير.
رجعة بعض المؤمنين إلى الدنيا
العياشي: ٢/١١٢، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سألته عن قول الله: (إِنَّ
اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ
الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً
عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى
بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ
وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)؟ قال: يعني في الميثاق، قال ثم قرأت
عليه: (التَّائِبُونَ العَابِدُون)، فقال أبو جعفر:
لا، ولكن اقرأها: التائبين العابدين.. وقال: إذا رأيت هؤلاء، فعند ذلك هؤلاء اشترى
منهم أنفسهم وأموالهم يعني في الرجعة). وفي/١١٣، عن البرقي، وفيه: ما من مؤمن إلا
وله ميتة، من مات بعث حتى يقتل، ومن قتل بعث حتى يموت. ومختصر البصائر/٢١،
والإيقاظ/٢٧٥، مختصراً، وعنهما البحار: ٥٣/٧١.
العياشي: ٢/١١٢، عن زرارة قال: كرهت أن أسأل أبا جعفر (عليه السلام) في الرجعة،
فاحتلت مسألة لطيفة أبلغ فيها حاجتي، فقلت: جعلت فداك أخبرني عمن قتل مات؟ قال:
الموت موتٌ والقتل قتل، قال: فقلت له: ما أحد يقتل إلا مات! قال: فقال: يا
زرارة قول الله أصدق من قولك، قد فرق بينهما في القرآن، قال: (أَفَإِنْ
مَاتَ أَوْ قُتِلَ). وقال: (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ
قُتِلْتُمْ لإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ). ليس كما قلت يا زرارة، الموت موت
والقتل قتل، وقد قال الله: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ..)
الآية، قال فقلت له إن الله يقول: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ
الْمَوْتِ)، أفرأيت من قتل لم يذق الموت؟ قال فقال: ليس من قتل بالسيف كمن
مات على فراشه، إن من قتل لا بد من أن يرجع إلى الدنيا حتى يذوق الموت)! وفي:
١/٢٠٢، كروايته الأولى بتفاوت، ومختصر البصائر/١٩، كرواية العياشي الثانية، وعنه
الإيقاظ/٢٧٣، وأشار إلى رواية العياشي. وعنهما البحار: ٥٣/٦٥.
رجعة بعض الشهداء والمؤمنين إلى الدنيا
مختصر البصائر/١٧، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ليس من مؤمن
إلا وله قتلة وموتة، إنه من قتل نشر حتى يموت، ومن مات نشر حتى يقتل، ثم تلوت على
أبي جعفر (عليه السلام) هذه الآية: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ
الْمَوْتِ)؟ فقال: ومنشورة. قلت: قولك ومنشورة ما هو؟ فقال: هكذا أنزل بها
جبرئيل (عليه السلام) على محمد (صلى الله عليه وآله) كل نفس ذائقة الموت ومنشورة،
ثم قال: ما في هذه الأمة أحد بر ولا فاجر إلا وينشر، أما المؤمنون فينشرون إلى قرة
أعينهم، وأما الفجار فينشرون إلى خزي الله إياهم. ألم تسمع أن الله تعالى يقول: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ
مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ)، وقوله: (يَا
أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ)، يعني بذلك محمداً (صلى الله عليه
وآله)، قيامه في الرجعة ينذر فيها. وقوله: (إِنَّهَا
لإِحْدَى الْكُبَرِ نَذِيراً لِلْبَشَر)، يعني محمداً (صلى الله عليه وآله)
نذيراً للبشر في الرجعة. وقوله: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ
رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ
كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، قال: يظهره الله (عزَّ وجلَّ) في الرجعة. وقوله: (حَتَّى
إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ) هو علي بن أبي طالب
صلوات الله عليه إذا رجع في الرجعة. قال جابر قال أبو جعفر (عليه السلام): قال أمير
المؤمنين (عليه السلام) في قوله (عزَّ وجلَّ): (رُبَمَا
يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا
مُسْلِمِينَ)، قال: هو أنا إذا خرجت أنا وشيعتي
وخرج.... وشيعته ونقتل بني أمية، فعندها يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين). وعنه
الإيقاظ/٣٥٧، مختصراً، والبحار: ٥٣/٦٤.
تأويل الآيات: ٢/٧٦٤، عن أبي اسمة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول
الله (عزَّ وجلَّ): (كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ).
إلى أن قال قلت: ما معنى قوله: (ثُمَّ إِذَا شَاءَ
أَنْشَرَهُ)، قال: يمكث بعد قتله ما شاء الله، ثم يبعثه الله، وذلك قوله: (إِذَا
شَاءَ أَنْشَرَهُ). وقوله لما يقض ما أمره في حياته بعد قتله في الرجعة).
وعنه البرهان: ٤/٤٢٨، والبحار: ٥٣/٩٩.
وفي مختصر البصائر/١٩، عن صفوان بن يحيى عن الرضا (عليه السلام) قال سمعته يقول في
الرجعة: من مات من المؤمنين قتل ومن قتل منهم مات). وعنه الإيقاظ/٢٧٢ والبحار:
٥٣/٦٦.
أقول: هذا من غرائب الأحاديث التي تقول بأن المؤمن لا بد أن يكون شهيداً في سبيل
الله تعالى، فإن لم يقتل في حياته الأولى يرد في الرجعة حتى يستشهد وقد ورد مثلها
روايات أخر عن أهل البيت (عليهم السلام)، ومنها في تفسير قوله تعالى: (وَلا
تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ..). ختم الله لنا
بخيرها عاقبة.
أهمية الإستعداد حتى الشكلي لنصرة الإمام المهدي (عليه السلام)
النعماني/٣٢٠، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ليُعِدَّنَّ
أحدُكم لخروج القائم ولو سهماً، فإن الله تعالى إذا علم ذلك من نيته، رجوت أن ينسئ
في عمره حتى يدركه، فيكون من أعوانه وأنصاره). وعنه البحار: ٥٢/٣٦٦. يعلمنا بذلك
(عليه السلام) أن الأمل بظهوره (عليه السلام) عمل إيجابي ولو طال الانتظار عصوراً
لأنه مظهر اليقين بوعد الله تعالى.
فلاح السائل/١٩٩: عن يحيى بن الفضل النوفلي قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر
(عليه السلام) ببغداد حين فرغ من صلاة العصر فرفع يديه إلى السماء، وسمعته يقول:
أسألك باسمك المكنون المخزون الحي القيوم الذي لا يخيب من سألك به، أن تصلي على
محمد وآله، وأن تعجل فرج المنتقم لك من أعدائك، وأنجز له ما وعدته، يا ذا الجلال
والإكرام). ومصباح المتهجد/٦٥، والكفعمي/٣٣، والبلد الأمين/١٩،
والبحار: ٨٦/٨٠.
سنة الله في غربلة أجيال المؤمنين وتصفية الشيعة
النعماني/٢٠٩، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (كونوا كالنحل في الطير،
ليس شيء من الطير إلا وهو يستضعفها، ولو علمت الطير ما في أجوافها من البركة لم
تفعل بها ذلك، خالطوا الناس بألسنتكم وأبدانكم، وزايلوهم (انفصلوا عنهم) بقلوبكم
وأعمالكم، فوالذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى
يسمي بعضكم بعضاً كذابين، وحتى لا يبقى منكم أو قال من شيعتي إلا كالكحل في العين
والملح في الطعام، وسأضرب لكم مثلاً، وهو مثل رجل كان له طعام فنقَّاه وطيبه، ثم
أدخله بيتاً وتركه فيه ما شاء الله ثم عاد إليه فإذا هو قد أصابه السوس فأخرجه
ونقاه وطيبه، ثم أعاده إلى البيت فتركه ما شاء الله ثم عاد إليه فإذا هو قد أصابته
طائفة من السوس فأخرجه ونقاه وطيبه وأعاده، ولم يزل كذلك حتى بقيت منه رزمة كرزمة
الأندر لا يضره السوس شيئاً! وكذلك أنتم تميزون حتى لا يبقى منكم إلا عصابة لا
تضرها الفتنة شيئاً). والأندر: بضم الهمزة كدس سنابل الحنطة. تاج العروس: ٦/٦٥.
ابن حماد: ١/٣٣٣، عن علي قال: لا يخرج المهدي حتى يبصق بعضكم في وجه بعض). وعنه جمع
الجوامع: ٢/١٠٣، والحاوي: ٢/٦٨، وكنز العمال: ١٤/٥٨٧، والمغربي/٥٧٨.
النعماني/١٠٩، وطبعة/٢٠٥، عن عميرة بنت نفيل قالت: سمعت الحسين بن علي (عليهما
السلام) يقول: لا يكون الأمر الذي ينتظر حتى يبرأ بعضكم من بعض ويتفل بعضكم في وجوه
بعض فيشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً! فقلت له ما في ذلك الزمان من
خير، فقال الحسين (عليه السلام): الخير كله في ذلك الزمان يقوم قائمنا، ويدفع ذلك
كله). وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٢٦، والبحار: ٥٢/٢١١.
غيبة الطوسي/٢٠٧، عن عباية الأسدي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: كيف أنتم
إذا
بقيتم بلا إمام هدى ولا علم يرى، يبرأ بعضكم من بعض). وعنه ثبات الهداة: ٣/٥١٠،
والبحار: ٥١/١١١، ومثله الخرائج: ٣/١١٥٣، وعقد الدرر/٦٣، ومنتخب الأنوار/٣٠.
النعماني/١٩١ و١٩٢، عن عبد الله بن عقبة عن علي (عليه السلام): كأني بكم تجولون
جولان الإبل تبتغون مرعى ولا تجدونها يا معشر الشيعة). ونحوه كمال الدين: ١/٣٠٢، عن
أمير المؤمنين (عليه السلام). وفي/٣٠٣، عن الحسين (عليه السلام) عن أمير المؤمنين
(عليه السلام): وفيه: للقائم منا غيبة أمدها طويل كأني بالشيعة يجولون جولان النعم
في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقس قلبه لطول
أمد غيبة إمامه، فهو معي في درجتي يوم القيامة. وعنه إعلام الورى/٤٠٠، وإثبات
الهداة: ٣/٤٦٣، و٤٦٤، والبحار: ٥١/١٠٩، و١١٤.
تفسير القمي: ٢/٢٠٤: عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: (قُلْ
هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ):
هو الدخان والصيحة. (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ):
وهو الخسف. (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً): وهو اختلاف
في الدين وطعن بعضكم على بعض. (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ
بَعْضٍ): وهو أن يقتل بعضكم بعضاً! وكل هذا في أهل القبلة). والبحار: ٩/٢٠٥.
غيبة الطوسي/٢٠٦، عن جابر الجعفي قال: قلت لأبي جعفر: متى يكون فرجكم؟ فقال: هيهات
هيهات، لا يكون فرجنا حتى تغربلوا ثم تغربلوا ثم تغربلوا، يقولها ثلاثاً حتى يذهب
الله تعالى الكدر ويبقي الصفو). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥١٠، والبحار: ٥٢/١١٣. وفي
النعماني/٢٠٥، عن أبي بصير، عن الإمام الباقر (عليه السلام): والله لتميزن، والله
لتمحصن، والله لتغربلن كما يغربل الزوان من القمح). وعنه البحار: ٥٢/١١٤.
النعماني/٢٠٧، عن مهزم بن أبي بردة الأسدي وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنه قال: والله لتكسرن تكسر الزجاج وإن الزجاج ليعاد فيعود كما كان. والله لتكسرن
تكسر الفخار فإن الفخار ليتكسر فلا يعود كما كان، والله لتغربلن والله لتميَّزُنَّ
والله لتمحصن حتى لايبقى منكم إلا الأقل، وصعَّر كفه). وغيبة الطوسي/٢٠٦، وعنه
البحار: ٥٢/١٠١.
النعماني/١٥٦ و١٥٧، عن عبد الكريم قال: ذكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) القائم
فقال: أنى يكون ذلك ولم يستدر الفلك حتى يقال: مات أو هلك، في أي واد سلك؟ فقلت:
وما استدارة الفلك؟ فقال: اختلاف الشيعة بينهم... إذا استدار الفلك فقيل مات أو هلك
في أي واد سلك؟ قلت: جعلت فداك ثم يكون ماذا؟ قال: لايظهر إلا بالسيف). وعنه
البحار: ٥٢/٢٢٧، و: ٥١/١٤٨.
كمال الدين: ٢/٣٤٧، عن عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه
قال: كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم يرى يتبرأ بعضكم من بعض، فعند ذلك
تميزون وتمحصون وتغربلون، وعند ذلك اختلاف السيفين وأمارة من أول النهار، وقتل وخلع
من آخر النهار). وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٧٣، والبحار: ٥٢/١١٢.
النعماني/٢٠٨، عن إبراهيم بن هلال قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك
مات أبي على هذا الأمر وقد بلغت من السنين ما قد ترى، أموت ولا تخبرني بشيء، فقال:
يا أبا إسحاق أنت تعجل فقلت: إي والله أعجل وما لي لا أعجل وقد كبر سني وبلغت أنا
من السن ما قد ترى، فقال: أما والله يا أبا إسحاق، ما يكون ذلك حتى تميزوا وتمحصوا
وحتى لا يبقى منكم إلا الأقل، ثم صعر كفه: لولا أن يقع عند غيركم كما قد وقع غيره
لأعطيتكم كتاباً لا تحتاجون إلى أحد حتى يقوم القائم). وعنه البحار: ٢/٢١٣، ونحوه
البصائر/٤٧٨، عن عنبسة بن مصعب.
وفي غيبة الطوسي/٢٠٤، عن ابن أبي نصر قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): والله لا
يكون الذي تمدون إليه أعينكم حتى تميزوا وتمحصوا حتى لايبقى منكم إلا الأندر ثم
تلا: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ
اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا
رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥١٠،
والبحار: ٥٢/١١٣.
تفسير العياشي: ٢/٢١٥، عن أيوب بن نوح قال: قال لي أبو الحسن العسكري (عليه
السلام)، وأنا واقف بين يديه بالمدينة ابتداءً من غير مسألة: يا أيوب إنه ما نبأ
الله من نبي إلا بعد أن يأخذ عليه ثلاث خصال: شهادة أن لا إله إلا الله، وخلع
الأنداد من دون الله، وأن لله لمشية يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء. أما إنه إذا جرى
الاختلاف بينهم لم يزل
الاختلاف بينهم إلى أن يقوم صاحب هذا الأمر). وعنه البرهان: ٢/٢٩٩، البحار: ٤/١١٨.
الكافي: ١/٣٧٠، عن منصور الصيقل قال: كنت أنا والحارث بن المغيرة وجماعة من أصحابنا
جلوسا وأبو عبد الله (عليه السلام) يسمع كلامنا، فقال لنا: في أي شيء أنتم؟ هيهات
هيهات، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تغربلوا، لا والله لا يكون ما
تمدون إليه أعينكم حتى تمحصوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تميزوا،
لا والله ما يكون ما تمدون إليه أعينكم إلا بعد إياس، لا والله لا يكون ما تمدون
إليه أعينكم حتى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد). وفي/٣٧٠: يا منصور إن هذا الأمر لا
يأتيكم إلا بعد إياس، ولا والله حتى تميزوا، ولا والله حتى تمحصوا. وغيبة
الطوسي/٢٠٣، والنعماني/٢٠٨، كالكافي الأولى. وكمال الدين: ٢/٣٤٦، كالثانية. وعنهما
إثبات الهداة: ٣/٥١٠، والبحار: ٥٢/١١١.
التقية واجبة إلى ظهور الإمام (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)
جامع الأخبار للطبرسي/٩٥، عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): من ترك تقية قبل
خروج قائمنا فليس منا). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٦٧، والبحار: ٧٥/٤١١.
وفي المحاسن/٢٥٩ عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كلما تقارب
هذا الأمر كان أشد للتقية). والكافي: ٢/٢٢٠، وجامع الأخبار/٩٦، والوسائل: ١١/٤٦٢،
والبحار: ٧٥/٣٩٩.
الهداية/٤٧، عن الصادق (عليه السلام): الرياء في داره مع المنافق عبادة ومع المؤمن
شرك والتقية واجبة لا يجوز تركها إلى أن يخرج القائم، فمن تركها فقد دخل في نهي
الله (عزَّ وجلَّ) ونهي رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة صلوات الله عليهم).
وعنه البحار: ٧٥/٤٢١.
* * *
الفصل السادس عشر: بلاد العرب في عصر ظهور المهدي (عليه السلام)
مدح العرب وذمهم في مصادر الحديث
وردت في مصادر الحديث السنية والشيعية أحاديث تمدح العرب وبلادهم، وأحاديث تذمهم،
ولا بد من التثبت في كل ما روي في مدح البلاد والأقوام أو ذمهم، لأن الكذب فيها كثر
بسبب الصراعات التاريخية بين الأقوام والأقاليم والمناطق. فلا بد من فحص الظروف
والأحداث والقرائن التي تتصل بالنص وفحض النصوص الأخرى المشابهة، فذلك أهم من السند
على أهميته.
ومن الأحاديث السنية التي تذم العرب الحديث المشهور: (ويلٌ للعرب من شر قد اقترب!
فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسى كافراً، يبيع قوم دينهم بعرض من
الدنيا قليل، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر أو قال على الشوك). رواه أحمد:
٢/٣٩٠، بهذا اللفظ وغيره، واشتهرت رواية أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت: استيقظ النبي
(صلى الله عليه وآله) من نومه وهو محمرٌّ وجهه وهو يقول: لا إله إلا الله
ويل للعرب من شر قد اقترب! فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلَّق (عمل
بأصابعه حلقة) قلت: يا رسول الله أنهلكُ وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث).
وأحمد في: ٦/٤٢٨ و٤٢٩، وبخاري في عدة مواضع من صحيحه: ٤/١٠٩ و١٧٦ و: ٨/٨٨ و١٠٤،
ومسلم: ٨/١٦٦، وغيرهم.
وهي برأيي أحاديث مكذوبة في أصلها، أو مناسبتها، فقد أخفى راويها السبب الذي جعل
النبي (صلى الله عليه وآله) يقوم من نومه مُحْمَرَاً وجهه! وقد استعملها الأمويون
للتهويل بمقتل عثمان على يد الصحابة، واعتبروه نكسة للعرب وويلاً حلَّ بهم! وراويه
كما رأيت أم حبيبة بنت أبي سفيان وأخت معاوية!
ومما يوجب الشك في الرواية ما زعمته من انفتاح كوة في ردم يأجوج، وهو أمر غير معقول
أو غير مفهوم، لأن الآية تقول: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يأجوج
وَمأجوج وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ. وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ
فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا
فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ) (الأنبياء: ٩٦ - ٩٧) فتضيف
الفتح إلى نفس يأجوج ومأجوج، ولم يرد تعبير فتح السد أو الردم أبداً، بل نص القرآن
على أن دك السد من علامات الساعة: (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ
مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي
حَقّاً) (الكهف: ٩٨) ومن البعيد أن يبدأ دكه بفتح كوة فيه في عهد النبي (صلى
الله عليه وآله)، ثم يتم دكه قبيل القيامة بعد ألوف السنين! ومما يوجب ضعف الحديث
أن أبا هريرة استعمله بعكس هذا المعنى، فقد روى بمعناه عندما ساءت علاقته مع بني
أمية بعد وقعة الحرة! فقد روى بخاري: ٨/٨٨، عن حفيد سعيد بن العاص قال: (كنت جالساً
مع أبي هريرة في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) بالمدينة ومعنا مروان قال أبو
هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: هَلَكةُ أمتي علي يدي غِلْمَةٍ من قريش! فقال
مروان: لعنةُ الله عليهم غِلمة! فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان
لفعلت! فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام فإذا رآهم غلماناً أحداثاً
قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم! قلنا أنت أعلم)!
وروى الحاكم وصححه على شرط الشيخين: ١/١٠٨، أن أبا هريرة كان (يقوم يوم الجمعة إلى
جانب المنبر فيطرح أعقاب نعليه في ذراعيه ثم يقبض على رمانة المنبر يقول: قال أبو
القاسم (صلى الله عليه وآله)، قال محمد (صلى الله عليه وآله)، قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله)، قال الصادق المصدوق (صلى الله عليه وآله) ثم يقول في بعض ذلك: ويل
للعرب من شر قد اقترب! فإذا سمع حركة باب المقصورة بخروج الإمام جلس)! انتهى.
لاحظ أن مفاد حديث أم حبيبة كأن النبي (صلى الله عليه وآله) أنذر من ويل العرب
لظلمهم بني أمية، وفي حديث أبي هريرة صار ويل العرب من ظلم بني أمية!
وفي مصنف عبد الرزاق: ١١/٣٧٣، عن أبي هريرة: ويل للعرب من شر قد اقترب! على رأس
الستين تصير الأمانة غنيمة والصدقة غريمة والشهادة بالمعرفة والحكم بالهوى). وعنه
ابن شيبة: ٨/٦١١: (ويل للعرب من شر قد اقترب: إمارة الصبيان، إن أطاعوهم أدخلوهم
النار، وإن عصوهم ضربوا أعناقهم)!
وفي فتن ابن حماد: ١/٢٠٤، عن أبي هريرة أيضاً: ويل للعرب بعد الخمس والعشرين
والمائة، ويل لهم من هرج عظيم! الأجنحة وما الأجنحة والويل في الأجنحة رياح قفا
هبوبها، ورياح تحرك هبوبها، ورياح تراخى هبوبها! ألا ويل لهم من الموت السريع
والجوع الفظيع والقتل الذريع! يسلط الله عليها البلاء بذنوبها فيكفر صدورها ويهتك
ستورها ويغير سرورها! ألا وبذنوبها تنتزع أوتادها، وتقطع أطنابها وتكدر رياحها،
ويتحير مراقها! ألا ويل لقريش من زنديقها يحدث أحداثاً يكدر دينها ويهدم عليها
خدورها ويقلب عليها جيوشها! ثم تقوم النائحات الباكيات باكية تبكي على دنياها،
وباكية تبكي على ذل رقابها، وباكية تبكي من استحلال فروجها، وباكية تبكي أولادها في
بطونها، وباكية من جوع أولادها! وباكية تبكي من ذلها بعد عزها وباكية تبكي على
رجالها، وباكية تبكي خوفاً من جنودها، وباكية تبكي شوقاً إلى قبورها). انتهى.
ومقصوده بالأجنحة: القصور التي لها شرفات
كالأجنحة، فقد كانت جديدة على العرب حتى عدوها من علامات الساعة، أو علامات هلاك
العرب!
ومن نوع هذه الأحاديث المكذوبة ما رووه من أن الكعبة ستهدم ومكة ستخرب! وأن العرب
ستفنى وتعود فلولها إلى صحرائها وأباعرها! وهي أساطير نشرها اليهود بين المسلمين
وألبسوها ثوباً دينياً، واستطاع كعب أن يُقنع بها بعض كبار الصحابة ويُحولها إلى
أحاديث نبوية! وما زالت تسكن في صحاح الخلافة، كما تقدم في أحاديث الدجال! وقد
بحثنا في المجلد الأول من(ألف سؤال وإشكال) نظرتهم إلى مستقبل الإسلام وأنه سينتهي،
فقد رووا عن عمر قوله: (إن الإسلام بدأ جذعاً ثم ثنياً ثم رباعياً ثم سديسياً ثم
بازلاً! فما بعد البزول إلا النقصان)! (مسند أحمد: ٣/٤٦٣) فكان عمر يرى أن الإسلام
في عصره سديسياً لست سنين ولا بد أن يهرم وينتهي! وكان يقول: (سيخرج أهل مكة ثم
لايعبر بها إلا قليل، ثم تمتلئ وتبنى ثم يخرجون منها فلا يعودون فيها أبداً)!
(أحمد: ١/٢٣. وحسنه الهيثمي: ٣/٢٩٨).
أما بخاري فعقد باباً في: ٢/١٥٩، بعنوان: (باب هدم الكعبة!) روى فيه حديث أحمد
المتقدم ثم قال: (عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يُخَرِّبُ
الكعبةَ ذو السويقتين (الرِّجْلين النحيفتين) من الحبشة)! ورواه مسلم: ٨/١٨٣، ثم
روى حديثين آخرين في أحدهما: كأني به أسود أفحج يقلعها حجراً حجراً! فالخط البياني
لمستقبل الإسلام عند أتباع الخلافة خطاً نزولي كما أقنعهم كعب! والصحابة عندهم خير
الأمة وعصرهم أفضل عصورها وبعدهم ستضعف وتنهار الأمة، ويفنى العرب، وتخرب مكة،
وتهدم الكعبة!
* * *
أما أهل البيت (عليهم السلام)، فقد كانوا من جهة يجهرون بانحراف الأمة وتحالف قبائل قريش على غصب الخلافة منهم ومخالفة وصية النبي (صلى الله عليه وآله)، ومن جهة أخرى كانوا ينشرون في الأمة بشارة النبي (صلى الله عليه وآله) بأن الإسلام كحديقة أطعم منها فوج عاماً وفوج
عاماً، ولعل فوجها الأخير أينع ثمراً، وأعم خيراً!
روى الصدوق في الخصال/٤٧٥: (عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليهم
السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أبشروا ثم أبشروا، ثلاث مرات
إنما مثل أمتي كمثل غيث لا يدرى أوله خير أم آخره، إنما مثل أمتي كمثل حديقة أطعم
منها فوج عاماً، ثم أطعم منها فوج عاماً، لعل آخرها فوجاً يكون أعرضها بحراً
وأعمقها طولاً وفرعاً، وأحسنها جنىً! وكيف تهلك أمة أنا أولها واثنا عشر من بعدي من
السعداء وأولي الألباب، والمسيح عيسى بن مريم آخرها؟! ولكن يهلك بين ذلك نتج الهرج،
ليسوا مني ولست منهم)! وكمال الدين/٢٦٩، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام): ٢/٥٦.
وفي إقبال الأعمال/٥٨٢، عن أبان بن محمد المعروف بالسندي نقلناه من أصله قال: كان
أبو عبد الله (عليه السلام) تحت الميزاب وهو يدعو وعن يمينه عبد الله بن الحسن وعن
يساره حسن بن حسن، وخلفه جعفر بن حسن، قال فجاءه عباد بن كثير البصري قال فقال له:
يا أبا عبد الله، قال: فسألت عنه حتى قالها ثلاثاً، قال ثم قال له: يا جعفر، فقال
له: قل ما تشاء يا أبا كثير، قال: إني وجدت في كتاب لي، علم هذه البنية رجل ينقضها
حجراً حجراً، قال فقال له: كذب كتابك يا أبا كثير ولكن كأني والله بأصفر القدمين
حمش الساقين ضخم البطن رقيق العنق ضخم الرأس على هذا الركن، وأشار بيده إلى الركن
اليماني، يمنع الناس من الطواف حتى يتذعروا منه، قال: ثم يبعث الله له رجلاً مني
وأشار بيده إلى صدره فيقتله قتل عاد وثمود وفرعون ذي الأوتاد. قال فقال له عند ذلك
عبد الله بن الحسن: صدق والله أبو عبد الله، حتى صدقوه كلهم جميعاً). وعنه البحار:
٤٧/٣٠٣، و: ٥١/١٤٨.
* * *
والذي يدخل في غرضنا مباشرة: مدح العرب أو ذمهم في عصر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، وأحاديثه متشابهة في مصادر الطرفين: فمنها ما يمدح بلاد العرب: كما في مسند أحمد: ٢/٣٧٠، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة
حتى
تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً، وحتى يسير الراكب بين العراق ومكة لا يخاف ضلال
الطريق وحتى يكثر الهرج. قالوا وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل. ومسلم: ٢/٧٠١،
عن أبي هريرة، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا تقوم الساعة حتى يكثر
المال ويفيض حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحداً يقبلها منه، وحتى تعود أرض
العرب مروجاً وأنهاراً). والحاكم: ٤/٤٧٧، أوله، وصححه. ومصابيح البغوي: ٣/٤٨٨، كما
في مسلم، من صحاحه، ومجمع الزوائد: ٧/٣٣١، عن أحمد، وصححه، والدر المنثور: ٦/٥١
أوله، وقال: وأخرج مسلم، والحاكم وصححه عن أبي هريرة، والأحاديث الصحيحة/١٠، وقال:
رواه مسلم وأحمد والحاكم من حديث أبي هريرة، والجمع بين الصحيحين/١٨٣، والمسند
الجامع: ١٨/٤١٣، وفيه: وحتى يسير الراكب بين العراق ومكة لا يخاف ضلال الطريق).
انتهى.
ومن القرائن المؤيدة لارتباط هذا الحديث بعصر ظهور المهدي (عليه السلام) أحاديث أهل
البيت (عليهم السلام) التي وصفت الرخاء في عصره (عليه السلام) وأن تحول الصحاري
القاحلة إلى مروج يحتاج إلى معجزة أو إمكانات عظيمة جداً، لا تتوفر إلا في عصر
المهدي (عليه السلام).
ومنها ما يمدح الشام ويذم بعض بلاد العرب: ففي أحمد: ٢/١١٨، عن ابن عمر أن النبي
(صلى الله عليه وآله) قال: اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا،
قالوا: وفي نجدنا، قال: اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا:
وفي نجدنا، قال: هنالك الزلازل والفتن، منها أو قال بها يطلع قرن الشيطان). وأحمد
٢/٤٠ و٥٠، عن عبد الله بن عمر، وفي/٩٠، عن ابن عمر، أن رسول الله (صلى الله عليه
وآله) قال: اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا مرتين، فقال رجل: وفي مشرقنا يا رسول
الله؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هنالك يطلع قرن الشيطان لها تسعة
أعشار الشر. ونحوه في/١٢١. وفي الموطأ: ٢/٩٧٥، وعبد الرزاق: ١١/٤٦٣، كرواية أحمد
الثانية بتفاوت يسير، عن ابن عمر. ونحوه بخاري: ٩/٦٧، بروايتين في الثانية: قالوا:
يا رسول الله، وفي نجدنا، فأظنه قال في الثالثة! ومسلم: ٤/٢٢٢٨، كرواية أحمد
الثانية.
وفي الترمذي: ٤/٥٣٠، والطبراني الصغير: ٢/٣٦، عن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه
وآله) استقبل مطلع الشمس فقال: من ها هنا يطلع قرن الشيطان، من ها هنا الزلازل
والفتن والفدادون وغلظ القلوب. والطبراني الأوسط: ١/٢٤٧، كرواية مسلم الأولى،
والطبراني الكبير: ١٢/٣٨٤، عن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: اللهم
بارك
لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، فقالها مراراً فلما كان في الثالثة أو
الرابعة، قالوا: يا رسول الله، وفي عراقنا، قال: إن بها الزلازل والفتن، وبها يطلع
قرن الشيطان. وحلية الأولياء: ٦/٣٤٨، كرواية أحمد الثانية بتفاوت يسير.
وفي تهذيب ابن عساكر: ١/٣٤، عن ابن عمر، وفيه. اللهم بارك لنا في مكتنا، وبارك لنا
في مدينتنا وبارك لنا في شامنا وبارك لنا في يمننا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في
مُدنا، فقال رجل يا رسول الله، وفي عراقنا؟ فأعرض عنه فرددها ثلاثاً، كل ذلك يقول
الرجل وفي عراقنا، فيعرض عنه فقال: بها الزلازل والفتن، وفيها يطلع قرن الشيطان.
وفي رواية وفي نجدنا بل وفي عراقنا وقال: رواه الحاكم بلفظ: فقال رجل: يا رسول الله
العراق ومصر؟ فقال: هناك ينبت قرن الشيطان وثَم الزلازل والفتن. وفي رواية: وفي
مشرقنا، قال: من هناك يطلع قرن الشيطان وبه تسعة أعشار الشر. لكن رواه أيضاً عن
معاذ بن جبل واستثنى العراق فقط! ولفظه: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم
بارك لنا في صاعنا وفي مُدِّنا وفي شامنا وفي يمننا وفي حجازنا، فقام إليه رجل
فقال: يا رسول الله وفي عراقنا، فأمسك عنه، فلما كان في اليوم الثاني قال مثل ذلك،
فقال إليه الرجل فأعاد مقالته، فأمسك عنه فولى وهو يبكي فدعاه النبي (صلى الله عليه
وآله) وقال: أمن العراق أنت؟ قال: نعم. فقال: إن أبي إبراهيم (عليه السلام) أراد أن
يدعو عليهم فأوحى الله إليه: لا تفعل فإني جعلت خزائن علمي فيهم وأسكنت الرحمة
قلوبهم)!
وفي مسند الشاميين للطبراني: ٢/٢٤٦، عن ابن عمر عن أبيه أن رسول الله قال: اللهم
بارك لنا في مكتنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في شامنا، وبارك لنا في يمننا،
اللهم بارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مُدنا، فقال: رجل يا رسول الله وعراقنا؟
فأعرض عنه فرددها ثلاثاً، وكان ذلك الرجل يقول: وعراقنا؟ فيعرض عنه)!
أقول: أمام هذا التفاوت والتهافت، فإن غاية ما يمكنك أن تحكم به أن النبي (صلى الله
عليه وآله) قال شيئاً في فتنة! وتتوقف في الباقي! ولعل أصل الحديث لا ذكر فيه للشام
ولا أي بلد! كالذي رواه ابن شيبة: ٨/٦١١، وغيره: (ويل للعرب من شر قد اقترب: إمارة
الصبيان، إن أطاعوهم أدخلوهم النار، وإن عصوهم ضربوا أعناقهم)!
* * *
وفي أحمد: ٤/١١٠، عن ابن حوالة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيصير الأمر إلى أن تكون
جنود
مجندة، جند بالشام وجند باليمن، وجند بالعراق. فقال ابن حوالة: خِرْ لي يا رسول
الله إن أدركت ذاك، قال: عليك بالشام فإنه خيرة الله من أرضه، يجتبي إليه خيرته من
عباده، فإن أبيتم فعليكم بيمنكم واستقوا من غدركم، فإن الله (عزَّ وجلَّ) قد توكل
لي بالشام وأهله). ونحوه في: ٥/٣٣ و٢٩٩، وتاريخ بخاري: ٥/٣٣، وحلية الأولياء:
٢/٣/٨٧، وكلها عن ابن حوالة قال: كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله) فشكونا إليه
الفقر والعري وقلة الشيء، فقال: أبشروا فوالله لأنا من كثرة الشيء أخوف عليكم من
قلته، والله لايزال هذا الأمر فيكم حتى تفتح لكم أرض فارس والروم وأرض حمير، وحتى
تكونوا أجناداً ثلاثة، جند بالشام وجند بالعراق وجند باليمن، وحتى يعطى الرجل
المائة دينار فيتسخطها.
وفي سنن البيهقي: ٩/١٧٩: قال ابن حوالة: فقلت يا رسول الله إختر لي إن أدركني ذلك،
قال: إني أختار لك الشام فإنه صفوة الله من بلاده، وإليه تجتبى صفوته من عباده، يا
أهل اليمن عليكم بالشام فإن من صفوة الله من أرضه الشام، ألا فمن أبي فليستبق في
غدر اليمن، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله).
أما في جامع الأحاديث القدسية: ٣/٢٩٢، فقد حول ابن حوالة مدح الشام إلى حديث قدسي!
قال: قال: عليك بالشام ثلاثاً فلما رأى النبي (صلى الله عليه وآله) كراهيتي للشام
قال: هل تدرون ما يقول ما يقول الله (عزَّ وجلَّ) في الشام؟ يقول: يا شام يا شام
يدي عليك، يا شام أنت صفوتي من بلادي، أدخل فيك خيرتي من عبادي أنت سيف نقمتي وسوط
عذابي أنت الأنذر وإليك المحشر! ورأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤ تحمله
الملائكة، قلت: ما تحملون؟ قالوا: عمود الإسلام أمرنا أن نضعه بالشام وبينا أنا
نائم رأيت كتاباً وفي لفظ عمود الكتاب اختلس من تحت وسادتي فظننت أن الله قد تخلى
عن أهل الأرض فاتبعته بصري فإذا هو نور ساطع بين يدي حتى وضع بالشام! فقال: ابن
حواله يا رسول الله خر لي! فقال عليك بالشام، فمن أبى أن يلحق بالشام فليلحق بيمنه
وليستق من غدره، فإن الله تكفل لي بالشام وأهله). انتهى.
وقد
روي هذا الحديث القدسي المزعوم، عن كعب الأحبار افتراءً على الله تعالى!
وقال ابن قدامة في الشرح الكبير: ١٠/٣٧٦: (وقد جاء في حديث مصرحاً به: لا تزال
طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم بالشام.
وفي حديث مالك بن يخامر عن معاذ قال: وهم بالشام، رواه البخاري وروى في تاريخه عن
أبي هريرة عنه عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لا تزال طائفة بدمشق ظاهرين، وقد
روي في الشام أخبار كثيرة منها حديث عبد الله بن حوالة الأزدي أن النبي (صلى الله
عليه وآله) قال.. فإن الله تكفل لي بالشام وأهله، رواه أبو داود بمعناه، وكان أبو
إدريس إذا روى هذا الحديث قال ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه)! ونحوه أبو داود:
٣/٤، والطبراني الكبير: ٤/٢٧٥، عن أبي طلحة الخولاني، وفي: ٢٢/٥٥، عن واثلة بن
الأسقع بتفاوت. وفي/٥٨: ١٣٧، عن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله (صلى الله
عليه وآله) وهو يقول لحذيفة بن اليمان ومعاذ بن جبل وهما يستشيرانه في المنزل،
فأومى إلى الشام، ثم سألاه فأومى إلى الشام، ثم سألاه فأومى إلى الشام، قال: عليكم
بالشام فإنها صفوة بلاد الله يسكنها خيرته من خلقه!! إلى آخره.
هذا، وقد روت عشرات المصادر أن أهل الشام هم الطائفة الظاهرة! كالسنن في الفتن:
٤/٩٤٣، وكشف الخفاء: ١/٥٤٤، ومختصر زوائد البزار: ٢/٣٨٥، والمعجم الكبير: ٤/٢٧٥،
وفضائل الشام/٣٢، ومشكل الآثار: ٢/٣٥، ومسند الشاميين: ١/١٧٢، و١٩٢، و٣٢٣، والمسند
الجامع: ٨/٢٥٠!
أقول: من الواضح أن هذه الأحاديث كلها موظفة لمدح الشام في مقابل الحجاز والعراق،
وفيها كرهٌ واضح لأهل اليمن، وهي تعكس الصراع بين اليمانية والحجازية الذي حدث زمن
معاوية! وأشهر رواتها وربما أولهم: ابن حوالة الذي كان متعصباً لعثمان، لكن ظهر ذلك
منه بعد موت عثمان وسيطرة معاوية! أما في حياة عثمان فلعله كان مع المحاصرين له!
روى عنه ابن عاصم في السنة/٥٧٧، أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال له: كيف تصنع في
فتنة في أقطار الأرض كأنها صياصي البقر، والتي بعدها كنفخة أرنب؟ فقال: ما خار الله
لي ورسوله! فقال لي: إتبع هذا فإنه يومئذ ومن اتبعه على الحق. قال: فلحقت الرجل
فأخذت بمنكبيه فلفته فقلت: يا رسول الله هذا؟ قال: نعم فإذا هو عثمان ابن عفان).
وروى عنه أحمد: ٤/١١٠و: ٥/٢٨٨، أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال له: من نجا من
ثلاث فقد نجا ثلاث مرات: موتي والدجال وقتل خليفة مصطبر بالحق).
انتهى.
فقد كان ابن حوالة إذن يرى أن خروج الدجال قريب، وذلك على مذهب اليهود الذي نشره
كعب الأحبار، وكذلك (حديثه القدسي!) في مدح الشام هو قول كعب.
* * *
الفصل السابع عشر: مصر في عصر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)
وردت
عدة أحاديث عن مصر في عصر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) لكن فيها الضعيف، وفيها
ما يتعلق بحركة الفاطميين ودخولهم إلى مصر وبلاد الشام، وقد خلطها بعض الرواة
بأحاديث خروج السفياني وظهور المهدي (عليه السلام). وبعض أحاديثها صحيح يمدح أهل
مصر ونجباءها الذين هم من الأصحاب الخاصين للإمام المهدي (عليه السلام) ويخبر أن
الإمام المهدي (عليه السلام) سيجعل مصر منبراً عالمياً للإسلام، وهذه خلاصتها:
تقدم من فتح الباري: ١٣/٢٧٧: (وأخرج أبو نعيم أيضاً من طريق كعب الأحبار أن الدجال
تلده أمه بقوص من أرض مصر، قال: وبين مولده ومخرجه ثلاثون).
أقول: يريد كعب بهذا قول الباطل، أن الدجال الذي هو عندهم ملك اليهود، يولد في مصر
كموسى (عليه السلام) ويقود بني إسرائيل! وقد تقدم ذلك في فصل الدجال.
وروى الحاكم: ٤/٤٦٢، عن كعب الأحبار أيضاً نبوءة مكذوبة عن خراب مصر قال: (الجزيرة
آمنة من الخراب حتى تخرب أرمينية، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب الجزيرة، والكوفة
آمنة من الخراب حتى تخرب مصر، ولا تكون الملحمة حتى تخرب الكوفة، ولا تفتح مدينة
الكفر حتى تكون الملحمة، ولا يخرج الدجال حتى
تفتح
مدينة الكفر). انتهى.
أقول: هذا من مكذوبات كعب، وقد بينا أنه أشاع في المسلمين أنهم بمجرد أن يفتحوا
القسطنطينية سيخرج الدجال، وتخرب مكة والمدينة، وتخرب مصر وبلاد المسلمين! وقد نشط
كعب في نشر كذبه في مدح الشام وذم الحجاز ومصر والعراق، وتحولت أقواله على يد
تلاميذه إلى أحاديث نبوية! منها حديث ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
دخل إبليس العراق فقضى حاجته، ثم دخل الشام فطردوه، ثم دخل مصر فباض فيها وفرخ،
وبسط عَبْقَريَّه)! وبَسَطَ عَبقريه: أي فرش بساطه، وفي رواية ابن عساكر: واتكأ!
ورواه الطبراني في الأوسط: ٦/٢٨٦، والكبير: ١٢/٢٦٢ ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق:
١/٩٩، عن إياس بن معاوية: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله تعالى قد
تكفل لي بالشام وأهله وأن إبليس أتى العراق فباض فيها وفرخ، وإلى مصر فبسط عبقريه
واتكأ. وقال: جبل الشام جبل الأنبياء. وفي/٣١٧ و٣١٨: ثم دخل الشام فطردوه حتى بلغ
بساق). ووثقه في الزوائد: ١٠/٦٠، وتعقبه ابن الجوزي في الموضوعات: ٢/٥٧، وضعفه.
وعقبة بُساق: كما في معجم البلدان: ١/٤١٣، بضم الباء في طريق الذاهب إلى مصر.
* * *
ذكرنا
في جواهر التاريخ: ٢/٣٩٠، أن رواة الخلافة الذين تربوا على التعصب للشام وبني أمية،
لم يقبلوا حديث الصحابي الجليل عمرو بن الحمق الخزاعي في مدح مصر، رغم تصحيح
علمائهم له، ففي مستدرك الحاكم: ٤/٤٤٨: (عن عمرو بن الحمق عن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) قال: ستكون فتنة أسلم الناس فيها أو قال: لخير الناس فيها الجند الغربي،
فلذلك قدمت مصر). وأوسط الطبراني: ٨/٣١٥، وبخاري في تاريخه الكبير: ٦/٣١٣.. الخ.
فالصحيح عندهم قول معاوية وكعب الأحبار بتفضيل الشام وأهلها على العالمين!
قال السيوطي في شرحه لمسلم: ٤/٥١٣: (روى الطبراني والحاكم وصححه، عن عمرو بن الحمق
قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تكون فتنة أسلم الناس فيها الجند الغربي.
قال ابن الحمق: فلذلك قدمت عليكم مصر. وأخرجه محمد بن الربيع الجيزي في مسند
الصحابة الذين دخلوا مصر، وزاد فيه: وأنتم الجند الغربي، فهذه منقبة لمصر
في
صدر الملة واستمرت قليلة الفتن معافاة طول الملة لم يعترها ما اعترى غيرها من
الأقطار وما زالت معدن العلم والدين، ثم صارت في آخر الأمر دار الخلافة ومحط
الرحال، ولا بلد الآن في سائر الأقطار بعد مكة والمدينة يظهر فيها من شعائر الدين
ما هو ظاهر في مصر). انتهى.
نجباء مصر من وزراء الإمام المهدي (عليه السلام)
في غيبة الطوسي/٢٨٤، عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (يبايع
القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدة أهل بدر. فيهم النجباء من أهل مصر،
والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم). وعنه
إثبات الهداة: ٣/٥١٧، والبحار: ٥٢/٣٣٤.
وفي الفائق للزمخشري: ١/٨٧، وتهذيب ابن عساكر: ١/٦٢، عن علي (عليه السلام): (قبة
الإسلام بالكوفة، والهجرة بالمدينة، والنجباء بمصر، والأبدال بالشام وهم قليل).
وفي/٦٣: الأبدال من الشام، والنجباء من أهل مصر، والأخيار من أهل العراق).
أقول: هذا فضيلة كبيرة لمصر وأهلها، لأن أصحاب المهدي (عليه السلام) الثلاث مئة
وثلاثة عشر لهم مقام عظيم، فهم ممدوحون على لسان النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل
بيته (عليهم السلام). وهم في دولة العدل الإلهي حكام العالم.
بل تدل رواية في مصادرنا على أن رايات المصريين تأتي إلى الإمام (عليه السلام)
عندما يصل إلى الشام فتبايعه، أي بعد انتصاره في معركة القدس أو قبلها!
ففي الإرشاد/٣٦٠، عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: كأني برايات من مصر مقبلات
خضر مصبغات حتى تأتي الشامات فتؤدى إلى ابن صاحب الوصيات). وعنه كشف الغمة: ٣/٢٥١،
والصراط المستقيم: ٢/٢٥٠.
الإمام المهدي (عليه السلام) يدخل مصر ويجعلها مركز إعلامه العالمي
روت مصادرنا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (لأبنين بمصر منبراً، ولأنقضن
دمشق
حجراً
حجراً، ولأخرجن اليهود من كل كور العرب، ولأسوقن العرب بعصاي هذه. فقال الراوي وهو
عباية الأسدي: قلت له يا أمير المؤمنين كأنك تخبر أنك تحيا بعدما تموت؟ فقال: هيهات
ياعباية ذهبت غير مذهب. يفعله رجل مني، أي المهدي (عليه السلام)). (معاني الأخبار:
٤٠٦، والإيقاظ/٣٨٥، والبحار: ٥٣/٦٠). وهذا يدل على أن المهدي (عليه السلام) يحتل
دمشق بعد معركة مدمرة مع السفياني، ويكون اليهود متواجدين في عصره في بلاد العرب
فيخرجهم منها، وأنه يجعل مصر مركز إعلامياً للعالم.
بل تصف الرواية التالية على أن المهدي (عليه السلام) يدخل مصر فيستقبله أهلها، ففي
مختصر البصائر/٢١٠، عن علي (عليه السلام) أنه وصف المهدي في إحدى خطبه فقال: (ويسير
الصديق الأكبر براية الهدى... ثم يسير إلى مصر فيعلو منبره ويخطب الناس فتستبشر
الأرض بالعدل، وتعطي السماء قطرها، والشجر ثمرها، والأرض نباتها، وتتزين لأهلها،
وتأمن الوحوش حتى ترتعي في طرف الأرض كأنعامهم، ويقذف في قلوب المؤمنين العلم فلا
يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من العلم، فيومئذ تأويل هذه الآية: (يُغْنِ
اللهُ كُلاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعاً حَكِيماً)) وبشارة
الإسلام/٧١.
* * *
ومنها رواية ذكرت أن للمهدي (عليه السلام) في هرمي مصر كنوزاً وذخائر من العلوم وغيرها، رواها الصدوق في كتابه كمال الدين/٥٦٤، عن أحمد بن محمد الشعراني الذي هو من ولد عمار بن ياسر (رضي الله عنه)، عن محمد بن القاسم المصري، أن ابن أحمد بن طولون شغَّل ألف عامل في البحث عن باب الهرم سنة، فوجدوا صخرة مرمر وخلفها بناء لم يقدروا على نقضه، وأن أُسْقُفاً من الحبشة قرأها وكان فيها عن لسان أحد الفراعنة قوله: (وبنيت الأهرام والبراني، وبنيت الهرمين وأودعتهما كنوزي وذخائري) فقال ابن طولون: هذا شيء ليس لأحد فيه حيلة إلا القائم من آل محمد (صلى الله عليه وآله). ورُدَّت البلاطة كما كانت مكانها). انتهى. وفي الرواية نقاط ضعف قد تكون من إضافة بعض الرواة، ولكن فيها نقاط قوة تستوجب الإلتفات.
* * *
كما
روى ابن حماد في كتابه الفتن روايات عن كعب وغيره حول علاقة مصر بأحداث خروج
السفياني، تذكر دخول أهل المغرب إلى مصر والشام وهي روايات غير مسندة، ولو صحت فهي
تنطبق على دخول جيش المغرب الفاطمي إلى مصر والشام. قال ابن حماد: ١/٢٢٢، عن عمار
بن ياسر قال: علامة المهدي إذا انساب عليكم الترك، ومات خليفتكم الذي يجمع الأموال،
ويستخلف بعده ضعيف فيخلع بعد سنتين من بيعته، ويخسف بغربي مسجد دمشق. وخروج ثلاثة
نفر بالشام، وخروج أهل المغرب إلى مصر، وتلك أمارة السفياني). وابن المنادي/٤٤،
والداني/٧٨.
وقال ابن حماد: ١/٢٨٥: (عن أرطاة قال: إذا اجتمع الترك والروم، وخسف بقرية بدمشق
وسقط طايفة من غربي مسجدها، رُفع بالشام ثلاث رايات: الأبقع والأصهب والسفياني،
ويحصر بدمشق رجل فيقتل ومن معه، ويخرج رجلان من بني أبي سفيان فيكون الظفر للثاني،
فإذا أقبلت مادة الأبقع من مصر ظهر السفياني بجيشه عليهم فيقتل الترك والروم
بقرقيسيا حتى تشبع سباع الأرض من لحومهم). والأبقع: في وجهه بقع. والأصهب: اسم
للأسد، والأصفر الوجه. ومادة الأبقع: أنصاره.
ومن نوعها ما رواه الطوسي في الغيبة/٢٧٨، بنفس سند ابن حماد عن عمار بن ياسر أنه
قال: (إن دولة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان، ولها أمارات، فالزموا الأرض وكفوا حتى
تجيء أمارتها، فإذا استثارت عليكم الروم والترك وجهزت الجيوش، ومات خليفتكم الذي
يجمع الأموال، واستخلف بعده رجل صحيح فيخلع بعد سنين من بيعته، ويأتي هلاك ملكهم من
حيث بدأ، ويتخالف الترك والروم وتكثر الحروب في الأرض وينادي مناد من سور دمشق: ويل
لأهل الأرض من شر قد اقترب، ويخسف بغربي مسجدها حتى يخر حائطها، ويظهر ثلاثة نفر
بالشام كلهم يطلب الملك: رجل أبقع ورجل أصهب ورجل من أهل بيت أبي سفيان، يخرج في
كلب ويحصر الناس بدمشق، ويخرج أهل الغرب إلى مصر، فإذا دخلوا فتلك أمارة السفياني).
أقول: هذه الرواية واضحة الإنطباق على حركة الفاطميين،
لكن بعضهم خلطها برواية السفياني، فلا يكن أن نثبت بها أن للسفياني علاقة بمصر.
* * *
وهناك
روايات أخرى تتحدث عن مصر في عصر الظهور ليست مسندة أو ترتبط بعصور وأحداث مضت،
كروايات الأزمة الإقتصادية في الحجاز بسبب منع المواد التموينية عنها من مصر، وهي
إن صحت تخص القرون الأولى عندما كانت مصر مصدر تموين الحجاز، لكن الرواة خلطوها
بأحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) كرواية أحمد: ٢/٢٦٢، عن أبي هريرة: قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): مَنَعت العراق قفيزها ودرهمها، ومَنَعت الشام مدها
ودينارها، ومَنَعت مصر إرْدَبَّها، ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم (ثلاثاً)! وقال:
يشهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه)! والقفيز والمد والإردب: مكاييل للغلات في العراق
والشام ومصر. ورواه بنحوه مسلم: ٤/٢٢٢٠، وأبو داود: ٣/١٦٦، والبيهقي في سننه:
٩/١٣٧، وفي دلائل النبوة: ٦/٣٢٩، كلها عن أبي هريرة. إلى آخر المصادر.
وهي رواية ترتبط بقطع تموين عرب الجزيرة يومذاك من العراق والشام ومصر.
وفي ملاحم ابن المنادي/٣٣، عن أبي ذر (رحمه الله) قال عن النبي (صلى الله عليه
وآله): سيكون رجل من بني أمية بمصر يلي سلطاناً ثم يغلب على سلطانه أو ينزع منه ثم
يفر إلى الروم فيأتي بالروم إلى أهل الإسلام، فذلك أول الملاحم). وتهذيب ابن عساكر:
٤/١٤٧، وقال: ورواه غيره عن الوليد، فأدخل بين حسان وأبي ذر أبا النجم، وزاد فيه:
سيكون بمصر رجل من بني أمية. والجامع الصغير: ٢/٦٣، عن الروياني وابن عساكر
والحاوي: ٢/٩١ والمعجم الأوسط: ٩/٥٦.
أقول: مضافاً إلى الإشكال في سنده، فقد يكون حدثاً وقع وانتهى، ولا ينافي ذلك قوله:
فذلك أول الملاحم الذي يستعمل بمعنى أحداث ظهور المهدي (عليه السلام).
* * *
الفصل الثامن عشر: بلاد الشام في عصرالظهور
بلاد الشام وحركة السفياني
يطلق اسم بلاد الشام أو الشامات، في مصادر التاريخ والحديث الشريف على المنطقة التي
تشمل سوريا الفعلية ولبنان، ويسمى جبل لبنان وبرَّ الشام. كما تشمل الأردن وقد تشمل
فلسطين. وقد يعبر عن المنطقة كلها ببلاد الشام وفلسطين. كما أن الشام أيضاً اسم
لدمشق عاصمة بلاد الشام.
وأحاديث بلاد الشام وأحداثها وشخصياتها في عصر الظهور كثيرة، ومحورها الأساسي حركة
السفياني الذي يسارع بعد تصفية خصومه والسيطرة على بلاد الشام، إلى إرسال قواته إلى
العراق. كما يرسل قوات إلى الحجاز لمساعدة حكومته على ضبط الأمن والقضاء على حركة
المهدي (عليه السلام)، وهناك تقع معجزة الموعودة في جيشه فيخسف بهم قرب المدينة وهم
في طريقهم إلى مكة. وأكبر معارك السفياني معركته ضد المهدي (عليه السلام) عندما
يتوجه إلى سوريا لفتح فلسطين ويكون وراء السفياني فيها اليهود والروم، وتنتهي
بهزيمته وانتصار المهدي (عليه السلام) وفتحه فلسطين ودخوله القدس.
السفياني يخرج سنة ظهور المهدي (عليه السلام)
النعماني/٢٦٧، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) أنه قال:
السفياني والقائم في سنة واحدة). وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٣٧، والبحار: ٥٢/٢٣٩.
وفي الإرشاد/٣٦٠: (خروج الثلاثة الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر
واحد في يوم واحد، فليس فيها راية بأهدى من راية اليماني، تهدي إلى الحق). ومختصر
إثبات الرجعة/١٧، عن بكر الأزدي.. وفيه: لأنه يدعو إلى الحق، ومثله غيبة
الطوسي/٢٧١، وعنه الخرائج: ٣/١١٦٣، وإثبات الهداة: ٣/٧٢٨، والبحار: ٥٢/٢١٠، وإعلام
الورى/٤٢٩، كالإرشاد.
بداية حركته بعد خروج الأبقع على الأصهب وزلزال
النعماني/٣٠٥، عن المغيرة بن سعيد عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال أمير
المؤمنين (عليه السلام): إذا اختلف الرمحان بالشام لم تنجلِ إلا عن آية من آيات
الله. قيل: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: رجفة تكون بالشام يهلك فيها أكثر من مائة
ألف، يجعلها الله رحمة للمؤمنين وعذاباً على الكافرين، فإذا كان ذلك فانظروا إلى
أصحاب البراذين الشهب المحذوفة، والرايات الصفر تقبل من المغرب حتى تحل بالشام،
وذلك عند الجزع الأكبر والموت الأحمر. فإذا كان ذلك فانظروا خسف قرية من دمشق يقال
لها حرستا، فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، حتى يستوي على
منبر دمشق، فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي (عليه السلام)).
وغيبة الطوسي/٢٧٧، بنحو النعماني، ومثله العدد القوية/٧٦ بتفاوت يسير، وفيه:
فانتظروا ابن آكلة الأكباد بالوادي اليابس، ثم تظلكم فتنة مظلمة عمياء منكشفة
لاينجو منها إلا النُّوَمة، قيل: وما النومة؟ قال: الذي لا يعرف الناس ما في نفسه.
ومنتخب الأنوار/٢٩، عن الخرائج، وإثبات الهداة: ٣/٧٣٠، عن غيبة الطوسي، وكذا
البحار: ٥٢/٢١٦. والبراذين الشهب المحذوفة: وصف لوسائل ركوب المغاربة أو الغربيين
بأنها شهباء الألوان، ومقطعة الآذان! وابن آكلة الأكباد: ابن هند زوجة أبي سفيان،
لأن السفياني من أولاد معاوية. والوادي اليابس يمتد من حوران إلى الأردن وفلسطين.
وفي البدء والتاريخ: ٢/١٧٧: وفيما خُبِّرَ عن علي بن أبي طالب في ذكر الفتن بالشام
قال: فإذا كان
ذلك خرج ابن آكلة الأكباد على أثره ليستولي على منبر دمشق فإذا كان ذلك فانتظروا
خروج المهدي. وقد قال بعض الناس إن هذا قد مضى وذلك خروج زياد بن عبد الله بن خالد
بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بحلب وبيضوا ثيابهم وأعلامهم وادعوا الخلافة، فبعث
أبو العباس عبد الله (بن محمد) بن علي بن عبد الله بن عباس أبا جعفر إليهم
فاصطلموهم عن آخرهم. ويزعم آخرون أن لهذا الموعود شاباً وصفه لم يوجد لزياد بن عبد
الله، ثم ذكروا أنه من ولد يزيد بن معاوية بوجهه آثار الجدري، وبعينه نكتة بياض،
يخرج من ناحية دمشق ويثيب خيله وسراياه في البر والبحر فيبقرون بطون الحبالى
وينشرون الناس بالمناشير ويطبخونهم في القدور، ويبعث جيشاً له إلى المدينة فيقتلون
ويأسرون ويحرقون ثم ينبشون عن قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وقبر فاطمة (عليها
السلام)، ثم يقتلون كل من اسمه محمد وفاطمة ويصلبونهم على باب المسجد فعند ذلك يشتد
غضب الله عليهم فيخسف بهم الأرض، وذلك قوله تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا
فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ. أي من تحت أقدامهم). ومثله خريدة
العجائب/٢٥٨.
وتقدم في فصل أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) من غيبة النعماني وتفسير العياشي:
١/٦٥، وغيرهما من المصادر، النص الكامل للحديث المهم عن الإمام الباقر (عليه
السلام) الذي ينص على تسلسل الأحداث في بداية حركة السفياني، وفيه: (يا جابر: إلزم
الأرض ولا تحركن يدك ولا رجلك أبداً حتى ترى علامات أذكرها لك في سنة، وترى منادياً
ينادي بدمشق وخسفاً بقرية من قراها، ويسقط طائفة من مسجدها... وإن أهل الشام
يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: الأصهب والأبقع والسفياني، مع بني ذنب الحمار مضر،
ومع السفياني أخواله من كلب، فيظهر السفياني ومن معه على بني ذنب الحمار، حتى
يقتلوا قتلاً لم يقتله شيء قط، ويحضر رجل بدمشق فيقتل هو ومن معه قتلاً لم يقتله
شيء قط وهو من بني ذنب الحمار، وهي الآية التي يقول الله: (فَاخْتَلَفَ
الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ
عَظِيمٍ). ويظهر
السفياني ومن معه حتى لا يكون له همة إلا آل محمد (صلى الله عليه وآله) وشيعتهم..).
وحشُ الوجه ضخم الهامة أحمر أزرق
كمال الدين: ٢/٦٥١، عن عمر بن أذينة قال: قال أبو عبد الله: قال أبي: قال أمير
المؤمنين (عليهم السلام): يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، وهو رجل ربعة
وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر جدري، إذا رأيته حسبته أعور، اسمه عثمان، وأبوه
عنبسة، وهو من ولد أبي سفيان، حتى يأتي أرضا ذات قرار ومعين فيستوي على منبرها).
ومثله إعلام الورى/٤٢٨، وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٢١، وفيه: خشن الوجه.. والبحار:
٥٢/٢٠٥.
النعماني/٣٠٦، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: السفياني
أحمر أشقر أزرق لم يعبد الله قط، ولم ير مكة ولا المدينة قط، يقول يا رب ثاري
والنار، يا رب ثاري والنار) وكمال الدين: ٢/٦٥١، وفيه: إنك لو رأيت السفياني لرأيت
أخبث الناس، أشقر أحمر أزرق، يقول يا رب ثاري ثاري ثم النار، وقد بلغ من خبثه أنه
يدفن أم ولد له وهي حية، مخافة أن تدل عليه. وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٢١، والبحار:
٥٢/٢٠٥.
وفي الإرشاد/٣٥٩، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (وخسف قرية من قرى الشام
تسمى الجابية ونزول الترك الجزيرة ونزول الروم الرملة. واختلاف كثير عند ذلك في كل
أرض حتى تخرب الشام، ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها: راية الأصهب وراية
الأبقع وراية السفياني). وغيبة الطوسي/٢٧٨، عن بشر بن غالب قال: يقبل السفياني من
بلاد الروم متنصراً في عنقه صليب. وهو صاحب القوم). انتهى.
وهذا يدل على أن السفياني نصراني، أو نشأ في مجتمعهم وتأثر بهم.
السفياني من أولاد معاوية
كتاب سُليم بن قيس/١٩٧، من كتاب علي (عليه السلام) إلى معاوية جاء فيه: يا معاوية
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أخبرني أن بني أمية سيخضبون لحيتي من دم رأسي
وأني مستشهد وستلي الأمة من بعدي، وأنك ستقتل ابني الحسن غدراً بالسم! وأن ابنك
يزيد سيقتل
ابني الحسين يلي ذلك منه ابن زانية. وأن الأمة سيليها من بعدك سبعة من ولد أبي
العاص وولد مروان بن الحكم وخمسة من ولده، تكملة اثني عشر إماماً قد رآهم رسول الله
(صلى الله عليه وآله) يتواثبون على منبره تواثب القردة، يرُدُّون أمته عن دين الله
على أدبارهم القهقرى، وأنهم أشد الناس عذاباً يوم القيامة! وأن الله سيخرج الخلافة
منهم برايات سود تقبل من الشرق يذلهم الله بهم ويقتلهم تحت كل حجر. وإن رجلاً من
ولدك مشوم ملعون، جلفٌ جاف، منكوس القلب، فظٌّ غليظ، قد نزع الله من قلبه الرأفة
والرحمة، أخواله من كلب، كأني أنظر إليه، ولو شئت لسميته ووصفته وابن كم هو، فيبعث
جيشاً إلى المدينة فيدخلونها، فيسرفون فيها في القتل والفواحش، ويهرب منهم رجل من
ولدي، زكيٌّ نقي، الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وإني لأعرف
اسمه وابن كم هو يومئذ وعلامته، وهو من ولد ابني الحسين الذي يقتله ابنك يزيد، وهو
الثائر بدم أبيه فيهرب إلى مكة، ويقتل صاحب ذلك الجيش رجلاً من ولدي زكياً برياً
عند أحجار الزيت، ثم يسير ذلك الجيش إلى مكة، وإني لأعلم اسم أميرهم وأسمائهم وسمات
خيولهم، فإذا دخلوا البيداء واستوت بهم الأرض خسف الله بهم. قال الله (عزَّ وجلَّ):
(وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ
مَكَانٍ قَرِيبٍ)، قال: من تحت أقدامهم، فلا يبقى من ذلك الجيش أحد غير رجل
واحد يقلب الله وجهه من قبل قفاه! ويبعث الله للمهدي أقواماً يجمعون من الأرض قزعاُ
كقزع الخريف، والله إني لأعرف أسماءهم واسم أميرهم ومناخ ركابهم فيدخل المهدي
الكعبة ويبكى ويتضرع.. الخ.).
السفياني من المحتومات التي لابد منها
معاني الأخبار/٣٤٦، عن الحكم بن سالم عمن حدثه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
إنا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله! قلنا صدق الله وقالوا كذب الله! قاتل
أبو سفيان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقاتل معاوية علي بن أبي طالب (عليه
السلام)! وقاتل يزيد بن معاوية
الحسين بن علي (عليهما السلام)، والسفياني يقاتل القائم (عليه السلام)). وعنه
البحار: ٥٢/١٩٠، وأمالي الطوسي.
الكافي: ٨/٣١٠، عن عمر بن حنظلة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: خمس
علامات قبل قيام القائم: الصيحة، والسفياني، والخسف، وقتل النفس الزكية، واليماني.
فقلت: جعلت فداك إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه؟ قال: لا، فلما
كان من الغد تلوت هذه الآية: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ
عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)،
فقلت له: أهي الصيحة؟ فقال: أما لو كانت خضعت أعناق أعداء الله (عزَّ وجلَّ)).
ونحوه النعماني/٢٥٢، عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليه السلام): للقائم خمس
علامات: السفياني واليماني والصيحة من السماء وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء
ومثله كمال الدين: ٢/٦٤٩، عن ميمون البان وعمر بن حنظلة، والخصال/٣٠٣، ودلائل
الإمامة/٢٦١، بعضه، وفيه: والمرواني وشعيب بن صالح وكف تقول هذا هذا؟! وغيبة
الطوسي/٢٦٧، كالكافي، وإثبات الهداة: ٣/٧٢٠، عن كمال الدين، وغيبة الطوسي، وإعلام
الورى، والنعماني، والكافي. وكذا البحار: ٥٢/٢٠٣.
النعماني/٢٥٢، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: النداء
من المحتوم والسفياني من المحتوم، واليماني من المحتوم، وقتل النفس الزكية من
المحتوم، وكف يطلع من السماء من المحتوم، قال وفزعةٌ في شهر رمضان توقظ النائم
وتفزع اليقظان وتخرج الفتاة من خدرها). وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٣٥، والبحار: ٥٢/٢٣٣.
الكافي: ٨/٣١٠، عن محمد بن علي الحلبي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
اختلاف بني العباس من المحتوم، والنداء من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم قلت:
وكيف النداء؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن علياً وشيعته هم
الفائزون قال: وينادي مناد في آخر النهار: ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون).
كمال الدين: ٢/٦٥٢، عن أبي حمزة الثمالي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن
أبا جعفر كان يقول: إن خروج السفياني من الأمر المحتوم؟ قال: نعم. واختلاف ولد
العباس من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائم (عليه السلام) من
المحتوم
فقلت له: كيف يكون النداء؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن الحق في
علي وشيعته، ثم ينادي إبليس لعنه الله في آخر النهار: ألا إن الحق في السفياني
وشيعته، فيرتاب عند ذلك المبطلون). ومثله غيبة الطوسي/٢٧٤، وفي /٢٦٦، بتفاوت،
والخرائج: ٣/١١٦١، وإثبات الهداة: ٣/٤٥١ والبحار: ٥٢/٢٠٦، كلاهما بعدة روايات.
وفي قرب الإسناد/١٦٤، عن زيد القمي، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: يقوم
قائمنا لموافاة الناس سنة، قال: يقوم القائم بلا سفياني؟ إن أمر القائم حتم من الله
وأمر السفياني حتم من الله، ولا يكون القائم إلا بسفياني، قلت: جعلت فداك فيكون في
هذه السنة؟ قال: ما شاء الله، قلت: يكون في التي تليها؟ قال: يفعل الله ما يشاء).
وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٣٠، والبحار: ٥٢/١٨٢. ولعل معنى: يقوم قائمنا لموافاة الناس
سنة: أنه يوافيهم سنة ظهوره في الحج، فسأله الراوي: هل يكون بدون سفياني فأجابه:
لا. ويتصل بذلك ماروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): يظهر في شبهة ليستبين أمره.
النعماني/٣٠٢، عن أبي هاشم قال: كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما
السلام) فجرى ذكر السفياني وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي
جعفر (عليه السلام) هل يبدو له في المحتوم؟ قال: نعم، قلنا له: فنخاف أن يبدو لله
في القائم، فقال: إن القائم من الميعاد والله لا يخلف الميعاد). وإثبات الهداة:
٣/٥٤٤، والبحار: ٥٢/٢٥٠.
النعماني/٣٠١، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) في قوله
تعالى: (ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ)؟
فقال: إنهما أجلان: أجل محتوم وأجل موقوف فقال له حمران: ما المحتوم؟ قال: الذي لله
فيه المشيئة، قال حمران: إني لأرجو أن يكون أجل السفياني من الموقوف، فقال أبو جعفر
(عليه السلام): لا والله إنه لمن المحتوم).
النعماني/٣٠١، عن عبد الملك بن أعين، قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فجرى ذكر
القائم (عليه السلام)، فقلت له: أرجو أن يكون عاجلاً ولا يكون سفياني، فقال: لا
والله إنه لمن المحتوم الذي لابد منه. وفيها: عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه
السلام) قال: إن من
الأمور أموراً موقوفة وأموراً محتومة، وإن السفياني من المحتوم الذي لابد منه).
وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٣٩، والبحار: ٥٢/٢٤٩.
كمال الدين: ٢/٥١٦، حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب قال: كنت بمدينة السلام في
السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري قدس الله روحه، فحضرته قبل وفاته
بأيام، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم. يا علي بن محمد
السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا
توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن
الله (عزَّ وجلَّ)، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي
شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب
مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من
عنده، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيك من بعدك؟
فقال: لله أمر هو بالغه. ومضى (رضي الله عنه)، فهذا آخر كلام سمع منه). ومثله غيبة
الطوسي/٢٤٢، وإعلام الورى/٤١٧، والإحتجاج: ٢/٤٧٨، والخرائج: ٣/١١٢٨، وثاقب
المناقب/٢٦٤، وكشف الغمة: ٣/٣٢٠، وتاج المواليد/١٤٤، والصراط المستقيم: ٢/٢٣٦،
وفيه: فنسخت هذا التوقيع وقضى في اليوم السادس وقد كانت غيبته القصرى أربعة وستين
سنة. ومنتخب الأنوار /١٣٠، وفيه: وقال: كانت وفاة الشيخ علي السمري المذكور في
النصف من شعبان سنة٣٢٨، وعنها إثبات الهداة: ٣/٦٩٣، والبحار: ٥١/٣٦١، و: ٥٢/١٥١.
السفياني يحكم سوريا والأردن نحو سنة
النعماني/٢٩٩، عن عيسى بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: السفياني من
المحتوم وخروجه في رجب، ومن أول خروجه إلى آخره خمسة عشر شهراً، ستة أشهر يقاتل
فيها، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر، ولم يزد عليها يوماً). والنعماني/٣٠٤،
عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا استولى السفياني على
الكور
الخمس فعُدُّوا له تسعة أشهر. وزعم هشام أن الكور الخمس: دمشق وفلسطين والأردن وحمص
وحلب. والنعماني/٣٠٠، عن معلى بن خنيس، وفيه: ومن المحتوم خروج السفياني في رجب،
وفي/٣٠٢، عن خلاد الصائغ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: السفياني لابد
منه، ولا يخرج إلا في رجب، فقال له رجل: يا أبا عبد الله إذا خرج فما حالنا؟ قال:
إذا كان ذلك فإلينا. وكمال الدين: ٢/٦٥١، عن عبد الله بن أبي منصور البجلي قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اسم السفياني فقال: وما تصنع باسمه؟ إذا ملك
كور الشام الخمس: دمشق وحمص وفلسطين والأردن وقنسرين، فتوقعوا عند ذلك الفرج، قلت:
يملك تسعة أشهر؟ قال: لا، ولكن يملك ثمانية أشهر لايزيد يوماً. وإعلام الورى/٤٢٨،
كرواية كمال الدين، وكذا منتخب الأنوار /١٧٧، وإثبات الهداة: ٣/٧٢١، والبحار:
٥٢/٢٠٦. وفي كمال الدين: ٢/٦٥٠، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أمر
السفياني من الأمر المحتوم وخروجه في رجب، وجامع الأخبار/١٤٢، وعنه إثبات الهداة:
٣/٧٢١، والبحار: ٥٢/٢٠٤. وفي غيبة الطوسي/٢٧٨، عن عمار الدهني، قال أبو جعفر (عليه
السلام): كم تعدون بقاء السفياني فيكم؟ قال قلت: حمل امرأة تسعة أشهر، قال: ما
أعلمكم يا أهل الكوفة). ومثله الخرائج: ٣/١١٥٩، وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٣٠، والبحار:
٥٢/٢١٦. وفي غيبة الطوسي/٢٧٣، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه
السلام) يقول: إن السفياني يملك بعد ظهوره على الكور الخمس حمل امرأة، ثم قال:
أستغفر الله حمل جمل، وهو من الأمر المحتوم الذي لابد منه). وإثبات الهداة: ٣/٧٢٩،
والبحار: ٥٢/٢١٥.
أقول: أشكل صاحب إثبات الهداة على التردد في هذا النص وهو محق، لأن التردد والتحير
فيه واضح، ولا يصدر ذلك عن المعصوم (عليه السلام)، كما أن الجَمَل حسب قول اللغويين
اسم لمذكر الإبل خاصة، وقيل هو البازل المتقدم في السن.
الناجون من اتِّبَاع السفياني في بلاد الشام
النعماني/٣٠٠، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول:
إتقوا الله واستعينوا على ما أنتم عليه بالورع والاجتهاد في طاعة الله، فإن أشد ما
يكون أحدكم اغتباطاً بما هو فيه من الدين لو قد صار في حد لآخرة وانقطعت الدنيا
عنه، فإذا صار في ذلك الحد عرف أنه قد استقبل النعيم والكرامة من الله والبشرى
بالجنة،
وأمن مما كان يخاف، وأيقن أن الذي كان عليه هو الحق، وأن من خالف دينه على باطل
وأنه هالك. فأبشروا ثم أبشروا بالذي تريدون، ألستم ترون أعداءكم يقتتلون في معاصي
الله ويقتل بعضهم بعضاً على الدنيا دونكم، وأنتم في بيوتكم آمنون في عزلة عنهم.
وكفى بالسفياني نقمة لكم من عدوكم، وهو من العلامات لكم، مع أن الفاسق لو قد خرج
لمكثتم شهراً أو شهرين بعد خروجه لم يكن عليكم بأس حتى يقتل خلقاً كثيراً دونكم.
فقال له بعض أصحابه: فكيف نصنع بالعيال إذا كان ذلك؟ قال: يتغيب الرجال منكم عنه
فإن حنقه وشرهه إنما هي على شيعتنا، وأما النساء فليس عليهن بأس إن شاء الله تعالى،
قيل: فإلى أين مخرج الرجال يهربون منه؟ فقال: من أراد منهم أن يخرج يخرج إلى
المدينة أو إلى مكة أو إلى بعض البلدان، ثم قال: ما تصنعون بالمدينة وإنما يقصد جيش
الفاسق إليها، ولكن عليكم بمكة فإنها مجمعكم وإنما فتنته حمل امرأة: تسعة أشهر، ولا
يجوزها إن شاء الله). والبحار: ٥٢/١٤٠.
النعماني/٣٠٤، عن الحارث الهمداني، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: المهدي
أقبل جعد، بخده خال، يكون مبدؤه من قبل المشرق، وإذا كان ذلك خرج السفياني فيملك
قدر حمل امرأة تسعة أشهر، يخرج بالشام فينقاد له أهل الشام إلا طوائف من المقيمين
على الحق يعصمهم الله من الخروج معه. ويأتي المدينة بجيش جرار، حتى إذا انتهى إلى
بيداء المدينة خسف الله به وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه: ولو ترى إذ فزعوا
فلا فوت وأخذوا من مكان قريب). وعنه البحار: ٥٢/٢٥٢، وينابيع المودة/٤٢٧، مختصراً،
عن المحجة. ومعنى ذلك أن حملة السفياني على الشيعة في الشام تبدأ في شهر رمضان بعد
شهرين من خروجه.
فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا
الكافي: ٨/٢٧٤، عن الفضل الكاتب قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فأتاه
كتاب أبي
مسلم فقال: ليس لكتابك جواب أخرج عنا، فجعلنا يسارُّ بعضنا بعضاً، فقال: أي شيء
تسارُّون؟ يا فضل إن الله عز ذكره لا يعجل لعجلة العباد، ولإزالة جبل عن موضعه أيسر
من زوال ملك لم ينقض أجله! ثم قال: إن فلان بن فلان حتى بلغ السابع من ولد فلان،
قلت: فما العلامة فيما بيننا وبينك جعلت فداك؟ قال: لا تبرح الأرض يا فضل حتى يخرج
السفياني، فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا، يقولها ثلاثاً وهو من المحتوم). وعنه
وسائل الشيعة: ١١/٣٧، والبحار: ٤٧/٢٩٧.
إثبات الوصية/٢٢٦، عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لا يكون ما
ترجون حتى يخطب السفياني على أعوادها، فإذا كان ذلك انحدر عليكم قائم آل محمد من
قبل الحجاز). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٨٠.
الكافي: ٨/٢٦٤، عن عيص بن القاسم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: عليكم
بتقوى الله وحده لا شريك له وانظروا لأنفسكم، فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها
الراعي فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجيء بذلك الرجل الذي
هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها! والله لو كانت لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها
ثم كانت الأخرى باقية فعمل على ما قد استبان لها! ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت فقد
والله ذهبت التوبة، فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم. إن أتاكم آت منا، فانظروا على أي
شيء تخرجون؟ ولا تقولوا خرج زيد فإن زيداً كان عالماً وكان صدوقاً ولم يدعكم إلى
نفسه، إنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد (عليهم السلام) ولو ظهر لوفى بما دعاكم
إليه، إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه، فالخارج منا اليوم إلى أي شيء يدعوكم؟ إلى
الرضا من آل محمد (عليهم السلام)؟ فنحن نشهدكم أنا لسنا نرضى به! وهو يعصينا اليوم
وليس معه أحد، وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا يسمع منا، إلا مع من
اجتمعت بنو فاطمة معه، فوالله ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه. إذا كان رجب فأقبلوا
على اسم الله (عزَّ وجلَّ)، وإن أحببتم أن تتأخروا إلى شعبان فلا ضير، وإن أحببتم
أن تصوموا في أهاليكم فلعل ذلك أن يكون أقوى لكم
وكفاكم بالسفياني علامة).
وفي علل الشرائع/٥٧٧، عن العيص بن القاسم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: اتقوا الله وانظروا لأنفسكم فإن أحق من نظر لها أنتم، لو كان لأحدكم نفسان
فقدم إحداهما وجرب بها واستقبل التوبة بالأخرى كان! ولكنها نفس واحدة إذا ذهبت فقد
ذهبت والله التوبة، إن أتاكم منا آت يدعوكم إلى الرضا منا فنحن ننشدكم أنا لا نرضى،
إنه لا يطيعنا اليوم وهو وحده فكيف يطيعنا إذا ارتفعت الرايات والأعلام)! وعنه
البحار: ٤٦/١٧٨، وفي: ٥٢/٣٠١، عن الكافي.
الكافي: ٨/٢٦٤، عن سدير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا سدير الزم بيتك
وكن حلساً من أحلاسه واسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغك أن السفياني قد خرج
فارحل إلينا ولو على رجلك). وعنه وسائل الشيعة: ١١/٣٦، والبحار: ٥٢/٣٠٣، و٢٧٠،
ورواه برواية أخرى فيها: قلت: جعلت فداك هل قبل ذلك شيء؟ قال: نعم وأشار بيده بثلاث
أصابعه إلى الشام، وقال: ثلاث رايات: راية حسنية، وراية أموية، وراية قيسية، فبينا
هم إذ قد خرج السفياني فيحصدهم حصد الزرع ما رأيت مثله قط)!
محاولاتهم إحراج الإمام الصادق والإمام الرضا (عليهما السلام)
في النعماني/٢٥٣، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قبل هذا الأمر السفياني
واليماني والمرواني وشعيب بن صالح، فكيف يقول هذا هذا؟!) وإثبات الهداة: ٣/٧٣٥،
والبحار: ٥٢/٢٣٣.
وفي الكافي: ٨/٣٣١، عن المعلى بن خنيس قال: ذهبت بكتاب عبد السلام بن نعيم وسدير،
وكتب غير واحد إلى أبي عبد الله (عليه السلام) حين ظهرت المسودة قبل أن يظهر ولد
العباس، بأنا قد قدرنا أن يؤول هذا الأمر إليك فما ترى؟ قال: فضرب بالكتب الأرض ثم
قال: أفٍّ أف ما أنا لهؤلاء بإمام أما علموا أنه إنما يقتل السفياني).
والإيقاظ/٢٦٥، والبحار: ٤٧/٢٩٧ و٣٥١، و: ٥٢/٢٦٦، والكشي/٣٥٣، وفيه: ما أنا لهؤلاء
بإمام أما علموا أن صاحبهم السفياني)!
أقول: ينبغي الالتفات إلى الضغوط التي كان الأئمة (عليهم السلام) يواجهونها من
شيعتهم ومن الطامعين في الحكم، الذين يريدون الإذن منهم بالعمل السياسي والثورة
باسمهم (عليهم السلام) بحجة أن النبي (صلى الله عليه وآله) بشر بالمهدي (عليه
السلام) ودولته! فكانوا يرفضون ذلك ويوضحون للأمة أن من شروط المهدي (عليه السلام)
خروج السفياني قبله!
تأثير أحاديث السفياني على أتباع الأمويين
من الطبيعي أن يبادر الأمويون وأتباعهم بعد سقوط دولتهم، إلى استغلال أحاديث
السفياني، بحجة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أخبر بظهور هذا الحاكم القوي، ولا
يهمهم أن يكون طاغية ملعوناً! وبالفعل فقد ادعى كثيرون من بني أمية وغيرهم أنه
السفياني الموعود وقاد عدد منهم حركات ضد العباسيين وكان لهم أتباع مقاتلون!
وقد ذكر صاحب كتاب خطط الشام عدة ثورات باسم السفياني: منها: ١/١٥٤، ثورة علي بن
عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، الذي خرج في الشام سنة١٩٥، في
خلافة الأمين وكان يعرف بأبي العميطر. ومنها: ثورة سعيد بن خالد الأموي بعد أبي
العميطر. ومنها: ما ذكره/١٦٤، ثورة المبرقع بالشام أيضاً سنة٢٢٧، في خلافة المعتصم.
وفي: ٢/١٨٥، ثورة عثمان بن ثقالة الذي ثار في عجلون بالأردن سنة٨١٦، وادعى أنه
السفياني الموعود. وفي: ١/١٦١، قول المأمون العباسي وأما قضاعة فسادتها تنتظر
السفياني وخروجه فتكون من أشياعه! إلى غير ذلك من ادعاء السفيانية.
من ناحية ثانية، نلاحظ على أحاديث المصادر السنية أن فيها مبالغات في شخصية
السفياني حتى زعم بعضها له صفات غيبية وكأنه مبعوث من الله تعالى كما فعلوا في
أحاديث الدجال! فقد روى ابن حماد: ٢/٦٩٩، و١/٢٧٩، و٢٨٣عن علي (عليه السلام) أنه
قال: السفياني من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان رجل ضخم الهامة بوجهه آثار جدري
وبعينه نكتة بياض، يخرج من ناحية مدينة دمشق في واد يقال له وادي اليابس يخرج في
سبعة نفر، مع رجل منهم لواء معقود يعرفون في لوائه النصر يسير الرعب بين يديه على
ثلاثين ميلاً، لا يرى ذلك العلم أحد يريده إلا انهزم).
ومن مبالغاتهم في السفياني وإعطائه صفات غيبية زعمهم أن السفياني: (يؤتى في منامه
فيقال له قم، وأنه يحمل بيده ثلاث قصبات لا يقرع بهن أحداً إلا مات.. يؤتى السفياني
في منامه فيقال له: قم فاخرج، فيقوم فلا يجد أحداً! ثم يؤتى الثانية فيقال له مثل
ذلك ثم يقال له الثالثة: قم فاخرج فانظر من على باب دارك، فينحدر في الثالثة على
باب داره فإذا هو بسبعة نفر أو تسعة نفر معهم لواء، فيقولون نحن أصحابك فيخرج فيهم
ويتبعه ناس من قريات وادي اليابس، فيخرج إليه صاحب دمشق ليلقاه ويقاتله، فإذا نظر
إلى رايته انهزم ووالي دمشق يومئذ وال لبني العباس! (ابن حماد: ١/٢٨٠). هذا وقال
بعض أهل الخبرة: الوادي اليابس: يمتد من درعا قرب حدود سوريا مع الأردن إلى قرب
نابلس داخل فلسطين.
والملاحظة الثالثة، أن أحاديثهم عن السفياني أكثرها مراسيل من أقوال تابعين،
وغالباً ما تكون محرفة عن أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين
(عليهم السلام)، ويضيفون إليها عناصرهم الخيالية! وهذه مجموعة منها:
ابن حماد: ١/٢٧٨، و٢٧٩، ٢٨٨، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يملك السفياني حمل
امرأة. وعقد الدرر/٨٦. وفي/٧٦، عن أرطأة قال: إذا اجتمع الترك والروم وخسف بقرية
بدمشق وسقط طايفة من غربي مسجدها رفع بالشام ثلاث رايات: الأبقع والأصهب والسفياني
ويحصر بدمشق رجل فيقتل ومن معه، ويخرج رجلان من بني أبي سفيان فيكون الظفر للثاني،
فإذا أقبلت مادة الأبقع من مصر ظهر السفياني بجيشه عليهم فيقتل الترك والروم
بقرقيسيا حتى تشبع سباع الأرض من لحومهم).
وفي/٧٦، عن أبي قبيل قال: السفياني شر ملك، يقتل العلماء وأهل الفضل ويفنيهم يستعين
بهم، فمن أبى عليه قتله. وفي/٨٠ قال: يقتل السفياني من عصاه، وينشرهم بالمناشير
ويطبخهم بالقدور، ستة أشهر! وفي/٨٤، عن ابن عباس قال: يخرج السفياني فيقتل حتى يبقر
بطون النساء ويغلي الأطفال في المراجل). والمراجل: القدور الكبيرة، الأبقع: في وجهه
بقع. الأصهب: اسم للأسد والأصفر الوجه. مادة الأبقع: أنصاره.
معركة قرقيسيا
قرقيسيا، مدينة صغيرة عند مصب نهر الخابور في نهر الفرات، وهي اليوم أطلال قرب
مدينة دير الزور السورية، وتقع عند الحدود السورية العراقية، وهي قريبة نسبياً من
الحدود السورية التركية. وفي معجم البلدان للحموي: ٤/٣٢٨: (قيل سميت بقرقيسيا بن
طهمورث الملك. قال حمزة الأصبهاني: قرقيسيا معرب كركيسيا وهو مأخوذ من كركيس وهو
اسم لإرسال الخيل المسمى بالعربية الحلبة، وكثيراً ما يجيء في الشعر مقصوراً).
انتهى. وقد وردت روايات عن معركة عظيمة تقع فيها، وبعضها حددت وقتها بأنها بين بني
العباس وبني أمية، وبعضها ربطتها بالسفياني الذي يكون في زمن الإمام المهدي (عليه
السلام)، وبعضها ذكرت أن سببها كنز يظهر في مجرى الفرات ويقع الخلاف عليه بين
السفياني والأتراك..
ومن رواياتها: في الكافي: ٨/٢٩٥: أن الإمام الباقر (عليه السلام) قال لمُيَسَّر: يا
مُيَسَّرُ كم بينكم وبين قرقيسا؟ قلت: هي قريب على شاطئ الفرات فقال: أما إنه سيكون
بها وقعة لم يكن مثلها منذ خلق الله تبارك وتعالى السماوات والأرض، ولا يكون مثلها
ما دامت السماوات والأرض مأدبة للطير، تشبع منها سباع الأرض وطيور السماء، يهلك
فيها قيس ولا يدعى لها داعية. قال: وروى غير واحد وزاد فيه وينادي مناد هلموا إلى
لحوم الجبارين). وفي/٢٧٨: عن حذيفة بن منصور عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:
إن لله مائدة وفي رواية مأدبة، بقرقيسياء يطلع مطلع من السماء فينادي يا طير السماء
ويا سباع الأرض هلموا إلى الشبع من لحوم الجبارين).
وفي/٣٠٣، عن عبد الله بن أبي يعفور قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): إن لولد
العباس والمرواني لوقعة بقرقيسياء، يشيب فيها الغلام الحَزَوَّر، يرفع الله عنهم
النصر ويوحي إلى طير السماء وسباع الأرض إشبعي من لحوم الجبارين، ثم يخرج
السفياني). وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٣٩، والبحار: ٥٢/٢٤٦ و٢٥١.
ومن رواياتها التي ربطتها بخروج السفياني وظهور الإمام المهدي (عليه السلام): ما
رواه المفيد (رحمه الله) في الاختصاص/٢٥٥: عن جابر الجعفي قال: قال لي أبو جعفر
(عليه السلام): يا جابر إلزم الأرض ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكرها
لك إن أدركتها: أولها اختلاف ولد فلان، وما أراك تدرك ذلك ولكن حدث به بعدي، ومناد
ينادي من السماء، ويجيؤكم الصوت من ناحية دمشق بالفتح، ويخسف بقرية من قرى الشام
تسمى الجابية وتسقط طائفة من مسجد دمشق الأيمن، ومارقة تمرق من ناحية الترك،
ويعقبها مرج الروم، وستقبل إخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة، وستقبل مارقة الروم حتى
تنزل الرملة، فتلك السنة يا جابر فيها اختلاف كثير في كل أرض من ناحية المغرب، فأول
أرض تخرب الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية
السفياني، فيلقى السفياني الأبقع فيقتتلون فيقتله ومن معه ويقتل الأصهب، ثم لا يكون
همه إلا الإقبال نحو العراق ويمر جيشه بقرقيسا فيقتلون بها مائة ألف رجل من
الجبارين.
ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة وعدتهم سبعون ألف رجل، فيصيبون من أهل الكوفة
قتلاً وصلباً وسبياً، فبيناهم كذلك إذ أقبلت رايات من ناحية خراسان تطوى المنازل
طياً حثيثاً ومعهم نفر من أصحاب القائم، وخرج رجل من موالي أهل الكوفة فيقتله أمير
جيش السفياني بين الحيرة والكوفة.
ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة فينفر المهدي منها إلى مكة، فيبلغ أمير جيش
السفياني أن المهدي قد خرج من المدينة، فيبعث جيشاً على أثره فلا يدركه، حتى يدخل
مكة خائفاً يترقب على سنة موسى بن عمران (عليه السلام)، وينزل أمير جيش السفياني
البيداء فينادي مناد من السماء يا بيداء أبيدي القوم، فيخسف بهم البيداء فلا يفلت
منهم إلا ثلاثة، يحول الله وجوههم في أقفيتهم وهم من كلب! وفيهم نزلت هذه الآية: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا
مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا...)
الآية.. قال: والقائم يومئذ بمكة، قد أسند ظهره إلى
البيت الحرام مستجيراً به ينادي: يا أيها الناس إنا نستنصر الله ومن أجابنا من
الناس فإنا أهل بيت نبيكم ونحن أولى الناس بالله وبمحمد... الخ).
ونقل ابن حماد: ١/٢٨٥، قولاً لأرطاة ربط معركة قرقيسيا بالسفياني وجعل أطرافها
الترك والروم! قال: إذا اجتمع الترك والروم وخسف بقرية بدمشق وسقط طائفة من غربي
مسجدها، رفع بالشام ثلاث رايات الأبقع والأصهب والسفياني، ويحصر بدمشق رجل فيقتل
ومن معه ويخرج رجلان من بني أبي سفيان فيكون الظفر للثاني. فإذا أقبلت مادة الأبقع
من مصر ظهر السفياني بجيشه عليهم فيقتل الترك والروم بقرقيسيا حتى تشبع سباع الأرض
من لحومهم). لكن هذه الرواية مجرد كلام مقطوع!
كما يوجد عدة روايات ربطتها بالكنز المختلف عليه، من أوضحها: ما رواه ابن حماد:
١/٢٣٩، ونحوه/٣٣٥، و: ٢/٦١١، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ينحسر الفرات عن
جبل من ذهب وفضة فيقتل عليه من كل تسعة سبعة. فإن أدركتموه فلا تقربوه... الفتنة
الرابعة ثمانية عشر عاماً، ثم تنجلي حين تنجلي وقد انحسر الفرات عن جبل من ذهب،
تنكب عليه الأمة فيقتل من كل تسعة سبعة).
وفي/٨٢: عن علي: (يظهر السفياني على الشام، ثم يكون بينهم وقعة بقرقيسيا حتى تشبع
طير السماء وسباع الأرض من جيفهم، ثم يفتق عليهم فتق من خلفهم فتقبل طائفة منهم حتى
يدخلوا أرض خراسان، وتقبل خيل السفياني في طلب أهل خراسان فيقتلون شيعة آل محمد
بالكوفة، ثم يخرج أهل خراسان في طلب المهدي). وعنه الحاكم: ٤/٥٠١، وعقد الدرر/٨٧،
عن الحاكم بتفاوت، وكنز العمال: ١١/٢٨٤.
أقول: لا يعرف المقصود بالفتنة الرابعة في هذا الحديث، لأن روايات عدد الفتن
متعارضة، نعم يسهل تمييز الفتنة الأخيرة المتصلة بظهور المهدي (عليه السلام). أما
نصوص هذه المعركة فأكثرها مراسيل وأقوال أشخاص وليست أحاديث نبوية! لكن إن صحت
فيحتمل أن يكون الكنز المذكور مصدر نفط أو منجم ذهب وفضة تكتشف
هناك، وتكون موضع خلاف بين الدول الثلاث. أما الطرف المقابل للسفياني في هذه
المعركة فأكثر الأحاديث تذكر أنه الترك ويمكن أن يكونوا أهل تركيا الفعلية، لأن
النزاع على ثروة عند حدود سوريا وتركيا، وقد ذكرت بعض الروايات أنهم قبل خروج
السفياني ينزلون الجزيرة التي هي جزيرة ربيعة أو ديار بكر القريبة من قرقيسيا وقد
يكون المقصود بهم الروس أو غيرهم الذين يسمَّوْن أمم الترك.
كما روي أن أول لواء يعقده المهدي (عليه السلام) يكون لقتال الترك. والمقصود
بالجزيرة هنا المنطقة الواقعة قرب الموصل، وتسمى أيضاً ديار ربيعة. أما الرملة التي
تنزل فيها قوات الروم فقد تكون رملة فلسطين، أو رملة مصر. والله العالم.
* * *
الفصل التاسع عشر: الحجاز في عصر الظهور
أحداث الحجاز قبل ظهور المهدي (عليه السلام)
وردت أحاديث وآثار عديدة في أحداث تقع في الحجاز قبل ظهور الإمام المهدي (عليه
السلام) وعند ظهوره، وبعده، ونلاحظ في المصادر السنية كثرة المبالغات في أحداث موسم
الحج قرب ظهوره (عليه السلام)، وما يتبعها من صراع القبائل.
اختلاف بني فلان والهدة بين الحرمين
قرب الإسناد/١٦٤، عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: إن قدام هذا الأمر علامات،
حدث يكون بين الحرمين، قلت: ما الحدث؟ قال: عصبة تكون، ويقتل فلان من آل فلان خمسة
عشر رجلاً). وفي الإرشاد/٣٦٠، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: لا يكون ما
تمدون إليه أعناقكم حتى تميزوا، وتمحصوا فلا يبقى منكم إلا القليل. ثم قرأ: (ألم
أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)،
ثم قال: إن من علامات الفرج حدثاً بين المسجدين ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر
كبشاً من العرب. ومثله الخرائج: ٣/١١٧٠، وغيبة الطوسي/٢٧٢، وفيه/٢٧١: لا يكون فساد
ملك بني فلان حتى يختلف سيفا بني فلان، فإذا اختلفا كان عند ذلك فساد ملكهم). وعنه
الخرائج: ٣/١١٦٤، والبحار: ٥٢/٢١٠.
وفي النعماني/١٥٩، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: يأتي
على الناس زمان يصيبهم فيها سبطة يأرز العلم فيها كما تأرز الحية في جحرها، فبينما
هم كذلك إذ طلع عليهم نجم، قلت: فما السبطة؟ قال: الفترة، قلت: فكيف نصنع فيما بين
ذلك؟ فقال: كونوا على ما أنتم عليه حتى يطلع الله لكم نجمكم).
وفي النعماني/١٦٠، عن أبان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: يا أبان يصيب
العالم سبطة يأرز العلم بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها، قلت: فما السبطة؟
قال: دون الفترة، فبينما هم كذلك إذ طلع لهم نجمهم، فقلت: جعلت فداك فكيف نصنع وكيف
يكون ما بين ذلك؟ فقال لي: ما أنتم عليه حتى يأتيكم الله بصاحبها).
وفي كمال الدين: ٢/٣٤٩، عن أبان قال قال لي أبو عبد الله: (عليه السلام) يأتي على
الناس زمان يصيبهم فيه سبطة يأرز العلم فيها بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها،
يعني بين مكة والمدينة، فبينما هم كذلك إذ أطلع الله (عزَّ وجلَّ) لهم نجمهم، قال:
قلت: وما السبطة؟ قال: الفترة والغيبة لإمامكم، قال: قلت: فكيف نصنع فيما بين ذلك؟
فقال: كونوا على ما أنتم عليه حتى يطلع الله لكم نجمكم). وإثبات الهداة: ٣/٥٣٤،
والبحار: ٥٢/١٣٤.
وفي الكافي: ١/٣٤٠، عن أبان بن تغلب: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كيف أنت إذا
وقعت البطشة بين المسجدين فيأرز العلم كما تأرز الحية في جحرها، واختلفت الشيعة
وسمى بعضهم بعضاً كذابين وتفل بعضهم في وجوه بعض؟ قلت: جعلت فداك ما عند ذلك من
خير، فقال لي: الخير كله عند ذلك ثلاثاً). ومثله النعماني/١٥٩. وفي/٢٠٦، عن أبي عبد
الله (عليه السلام) قال: لا يكون ذلك الأمر حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يلعن
بعضكم بعضاً وحتى يسمى بعضكم بعضاً كذابين). وعنه البحار: ٥٢/١٣٤.
وفي النعماني/١٧٢، عن أبي بصير: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كان أبو جعفر
(عليه السلام) يقول: لقائم آل محمد غيبتان إحداهما أطول من الأخرى؟ فقال: نعم ولا
يكون ذلك حتى يختلف سيف بني فلان وتضيق الحلقة ويظهر السفياني، ويشتد البلاء ويشمل
الناس موت وقتل يلجؤون فيه إلى حرم الله وحرم رسوله (صلى الله عليه وآله)). ومثله
دلائل الإمامة/٢٩٣، وإعلام
الورى/٤١٦، عن كتاب المشيخة لابن محبوب، وفيه: نعم يا أبا بصير إحداهما أطول من
الأخرى ثم لا يكون ذلك يعني ظهوره حتى يختلف ولد فلان.. وكشف الغمة: ٣/٣١٩، عن
إعلام الورى، وإثبات الهداة: ٣/٥٢٦، والبحار: ٥٢/١٥٦، عن النعماني.
وفي النعماني/٢٦٧، عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
يشمل الناس موت وقتل حتى يلجأ الناس عند ذلك إلى الحرم، فينادي مناد صادق من شدة
القتال فيم القتل والقتال؟ صاحبكم فلان). والبحار: ٥٢/٢٩٦.
وفي مختصر البصائر/١٩٩: (ووقفت على كتاب خطب لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)
وعليه خط السيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاوس ما صورته هذا الكتاب
ذكر كاتبه رجلين بعد الصادق (عليه السلام) فيمكن أن يكون تأريخ كتابته بعد المائتين
من الهجرة لأنه (عليه السلام) انتقل بعد سنة مائة وأربعين من الهجرة، وقد روى بعض
ما فيه عن أبي روح فرج بن فروة عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد وبعض ما فيه عن
غيرهما، ذكر في الكتاب المشار إليه خطبة لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) تسمى
المخزون ثم ذكر الخطبة بطولها جاء فيها: ألا يا أيها الناس سلوني قبل أن تشرع
برجلها فتنة شرقية وتطأ في خطامها بعد موت وحياة أو تشب نار بالحطب الجزل غربي
الأرض ورافعة ذيلها تدعو يا ويلها بذحلة أو مثلها فإذا استدار الفلك قلتم مات أو
هلك بأي واد سلك، فيومئذ تأويل هذه الآية: (ثُمَّ رَدَدْنَا
لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً). ولذلك آيات وعلامات أولهن إحصار الكوفة
بالرصد والخندق وتحريق الزوايا في سكك الكوفة وتعطيل المساجد أربعين ليلة، وتخفق
رايات ثلاث حول المسجد الأكبر يشبهن بالهدى، القاتل والمقتول في النار، وقتل كثير
وموت ذريع وقتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين، والمذبوح بين الركن والمقام
وقتل الأسبع المظفر صبراً في بيعة الأصنام مع كثير من شياطين الإنس وخروج السفياني
براية خضراء وصليب من ذهب أميرها رجل من كلب واثني عشر ألف عنان من خيل يحمل
السفياني، متوجهاً إلى مكة
والمدينة، أميرها أحد من بني أمية يقال له خزيمة أطمس العين الشمال، على عينه طرفة،
تميل بالدنيا فلا ترد له راية حتى ينزل المدينة فيجمع رجالاً ونساء من آل محمد
فيحبسهم في دار بالمدينة يقال لها دار أبي الحسن الأموي). الخ.
موت حاكم في موته فرج الناس جميعاً
في النعماني/٢٦٧، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: بينا الناس وقوف
بعرفات إذ أتاهم راكب على ناقة ذعلبة يخبرهم بموت خليفة يكون عند موته فرج آل محمد
(صلى الله عليه وآله) وفرج الناس جميعاً). وفي النعماني/٢٥٧، عن الحسين بن المختار
قال: أمسك بيدك: هلاك الفلاني اسم رجل من بني العباس (فلان) وخروج السفياني وقتل
النفس، وجيش الخسف والصوت. قلت: وما الصوت أهو المنادي؟ فقال: نعم وبه يعرف صاحب
هذا الأمر ثم قال: الفرج كله هلاك الفلاني). وإثبات الهداة: ٣/٧٣٦، والبحار:
٥٢/٢٣٤.
وفي غيبة الطوسي/٢٧١، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من
يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم، ثم قال: إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس
بعده على أحد، ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله، ويذهب ملك السنين،
ويصير ملك الشهور والأيام، فقلت يطول ذلك؟ قال: كلا). والخرائج: ٣/١١٦٣، أوله، كما
في غيبة الطوسي، والعدد القوية/٧٧، وفيه: أضمن له قيام القائم، وإثبات الهداة:
٣/٧٢٨، عن غيبة الطوسي، والبحار: ٥٢/٢١٠، عن النعماني.
نارٌ في شرقي الحجاز
النعماني/٢٦٢، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا رأيتم ناراً من
المشرق شبه الهردي العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعة، فتوقعوا فرج آل محمد (عليهم
السلام) إن شاء الله (عزَّ وجلَّ) إن الله عزيز حكيم). الهردي: الثوب المصبوغ
بالأخضر والأحمر. والهرد: صبغ الكركم الأصفر، ويضعون معه طيناً أحمر وعروق شجر.
وفي النعماني/٢٦٧، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إذا رأيتم علامة في السماء
ناراً عظيمة من قبل المشرق تطلع ليالي، فعندها فرج الناس وهي قدام القائم (عليه
السلام) بقليل). وعنه عقد الدرر/١٠٦، وإثبات الهداة: ٣/٧٣٧، والبحار: ٥٢/٢٤٠.
وفي ابن حماد: ١/٢٣٢، عن ابن معدان قال: إذا رأيتم عموداً من نار من قبل المشرق في
شهر رمضان في السماء فأعدوا ما استطعتم من الطعام، فإنها سنة جوع).
أقول: يحتمل أن تكون هذه النار بركاناً طبيعياً، أو حريقاً نفطياً كبيراً. وهي غير
النار التي روي أنها تظهر في عدن وأنها من علامات القيامة، ومن أحاديثها ما رواه
الطيالسي/١٤٣، عن حذيفة بن أسيد الغفاري من أهل الصفة قال: اطلع علينا رسول الله
(صلى الله عليه وآله) ونحن نتذاكر الساعة فقال: إن الساعة لا تقوم حتى يكون عشر
آيات: الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها، وثلاث خسوف: خسف بالمشرق،
وخسف المغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونزول عيسى بن مريم، وفتح يأجوج ومأجوج ونار تخرج
من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر). ونحوه الحميدي: ٢/٣٦٤، وابن شيبة: ١٥/١٣٠،
وأحمد: ٤/٦، ومسلم: ٤/٢٢٢٥، و/٢٢٢٦، وابن ماجة: ٢/١٣٤١، والترمذي: ٤/٤٧٧، والطبراني
الكبير: ٣/١٨٩، وفي الدر المنثور: ٣/٦٠: ابن أبي شيبة، وأحمد، وأبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجة، وابن مردويه، والبيهقي في البعث، عن حذيفة بن أسيد).
ومن مصادرنا: الخصال: ٢/٤٤٦، عن حذيفة بن أسيد: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله)
يقول: عشر آيات بين يدي الساعة خمس بالمشرق وخمس بالمغرب، فذكر الدابة والدجال
وطلوع الشمس من مغربها وعيسى بن مريم (عليه السلام) ويأجوج ومأجوج، وأنه يغلبهم
ويغرقهم في البحر). وفي غيبة الطوسي/٢٦٧، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): عشر قبل الساعة لا بد منها: السفياني، والدجال،
والدخان، والدابة، وخروج القائم، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى (عليه السلام)،
وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر).
ونحوه الخرائج: ٣/١١٤٨، والإيقاظ/٣١١، و/٣٥٦.. إلى آخر المصادر.
وفي الصراط المستقيم: ٢/٢٥٨، عن عجائب البلدان مرسلاً أن عليا (عليه السلام) قال:
إذا وقعت النار في حجازكم وجرى الماء بنجفكم فتوقعوا ظهور قائمكم). وإثبات الهداة:
٣/٥٧٨.
جيش السفياني في الحجاز
روت مصادر الجميع عن النبي (صلى الله عليه وآله) أحاديث(جيش الخسف)، وأنه آية
ربانية موعودة فاعاً عن الكعبة وعن الإمام المهدي (عليه السلام) عندما يعوذ بالبيت
ويعلن مشروعه الرباني، فيقصده جيش السفياني من المدينة ليقضي على حركته فيخسف الله
بجيشه كله في بيداء المدينة! وتبلغ طرقه وتصحيحات العلماء له أكثر من مئة صفحة!
وأكثرها إبهاماً وإيهاماً رواية بخاري: ٢/١٥٩، فقد وضعه تحت عنوان: (باب هدم
الكعبة) وروى فيه عن عائشة قالت: قال النبي (صلى الله عليه وآله): يغزو جيش الكعبة
فيخسف بهم. عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يُخَرِّبُ الكعبةَ ذو
السويقتين من الحبشة)!
ورواه في: ٣/١٩، أيضاً: قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يغزو جيش الكعبة
فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم. قالت قلت: يا رسول الله كيف يخسف
بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟! قال: يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على
نياتهم). انتهى. فالذي فعله بخاري أنه حذف ركن الحديث الأساسي وهو الإمام المهدي
(عليه السلام) العائذ بالبيت، ثم أوْهَمَ أن هذا الحديث مرتبط بحديث ذي السويقة
الحبشي الذي زعم اليهود أنه يهدم الكعبة ويخرب مكة فلا يسكنها أحد!
والذي فعلته عائشة أنها أبهمت وأوهمت وفتحت المجال لأن يكون ابن أختها ابن الزبير
هو العائذ بالبيت، وأنه يخسف بجيش الشام الذي يقصده!
وفضح الحاكم ما حذفه بخاري من النص الصحيح على شرطه، فروى في: ٤/٥٢٠، عن أبي هريرة
عن النبي (صلى الله عليه وآله): يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق وعامة من
يتبعه من كلب، فيقتل حتى يبقر بطون النساء ويقتل الصبيان، فتجمع لهم قيس فيقتلها
حتى لا يمنع ذئب تلعة. ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة فيبلغ السفياني
فيبعث إليه جنداً من جنده فيهزمهم فيسير إليه السفياني بمن معه حتى إذا صار ببيداء
من الأرض خسف بهم فلا ينجو منهم إلا المخبر عنهم). حتى لا يمنع ذنب تلعة: مثلٌ
للسيل إذا زاد فلا تمتنع منه الأرض العالية. والتلعة: مسيل الماء من أعلاه.
أما مسلم بن الحجاج فكان أكثر أمانة حيث روى في صحيحه: ٨/١٦٦، عن عبيد الله بن
القبطية قال: دخل الحارث بن أبي ربيعة وعبد الله بن صفوان وأنا معهما على أم سلمة
أم المؤمنين فسألاها عن الجيش الذي يخسف به، وكان ذلك في أيام ابن الزبير؟ فقالت:
قال رسول الله: (صلى الله عليه وآله) يعوذ عائذ بالبيت فيُبعث إليه بعث، فإذا كانوا
ببيداء من الأرض خسف بهم! فقلت: يا رسول الله فكيف بمن كان كارهاً؟ قال: يخسف به
معهم ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته). ثم روى عن ابن رفيع قال: فلقيت أبا جعفر
(الإمام الباقر (عليه السلام)) فقلت إنها إنما قالت ببيداء من الأرض، فقال أبو
جعفر: كلا والله، إنها لَبيداء المدينة. ثم روى مسلم عن حفصة قالت: قال النبي (صلى
الله عليه وآله): لَيُؤُمَّنَّ هذا البيت جيش يغزونه حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض
يخسف بأوسطهم وينادى أولهم آخرهم ثم يخسف بهم فلا يبقى إلا الشريد الذي يخبر عنهم!
فقال رجل: أشهد عليك أنك لم تكذب على حفصة وأشهد على حفصة أنها لم تكذب على النبي
(صلى الله عليه وآله).
ثم روى عن عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: سيعوذ بهذا البيت يعني
الكعبة قوم ليست لهم منعة ولا عدد ولا عدة، يبعث إليهم جيش حتى إذا كانوا ببيداء من
الأرض خسف بهم! قال يوسف: وأهل الشام يومئذ يسيرون إلى مكة، فقال عبد الله بن
صفوان: أما والله ما هو بهذا الجيش)! انتهى. وكأنه يرد بذلك على عائشة!
وأخيراً، قالت عائشة إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: العجب أن ناساً من أمتي
يؤمون بالبيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم! فقلنا
يارسول الله إن الطريق قد يجمع الناس، قال: نعم فيهم المستبصر والمجبور وابن
السبيل، يَهلكون مهلكاً واحداً ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم).
والمستبصر: المتعمد، وابن السبيل: العابر. وفي رواية: فيهم المنتفر والمجبور
والمكره، أي المستنفر باختياره، والمجبور بالقهر، والمشارك باختياره لكن لظروف
أكرهته.
ويدل ذلك على أن الصحابة كانوا يعرفون الحديث وينتظرون وقوع تأويله، وأن الثائر
العائذ بالبيت ركن أساسي فيه! وفي روايتهم تفاصيل لم يوردها مسلم فضلاً عن بخاري.
راجع: الجمع بين الصحيحين للحميدي: ٤/٢٣٨ و/٢٤٥، وابن شيبة: ١٥/٤٣ وأحمد: ٦/٣١٦،
وأبا داود: ٤/١٠٧، وتهذيب ابن عساكر: ٣/٤٥٠، وجامع الأصول: ١٠/١٧٩، وجمع الفوائد:
١/٥٥، والمسند الجامع: ٢٠/٧٩٥، وتاريخ بخاري: ٥/١١٨، وابن ماجة: ٢/١٣٥٠، والنسائي:
٥/٢٠٧، والطبراني الكبير: ٢٣/٢٠٢، و: ٢٤/٧٥، والحاكم: ٤/٤٢٩، وصححه على شرط
الشيخين، وعبد الرزاق: ١١/٣٧١، وفيه: يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من
المدينة فيأتي مكة فيستخرجه الناس من بيته وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام،
فيبعث إليه جيش من الشام حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فيأتيه عصائب العراق
وأبدال الشام فيبايعونه، فيستخرج الكنوز ويقسم المال، ويلقي الإسلام بجرانه إلى
الأرض).
ورواه أحمد بروايات في: ٦/٣١٦، و: ٦/٢٨٥: عن أم سلمة أن رسول الله (صلى الله عليه
وآله) استيقظ من منامه وهو يسترجع، قالت قلت: يا رسول الله ما شأنك؟ قال: طائفة من
أمتي يخسف بهم، ثم يبعثون إلى رجل فيأتي مكة فيمنعه الله منهم ويخسف بهم مصرعهم
وأحد ومصادرهم شتى، قالت قلت: يا رسول الله كيف يكون مصرعهم وأحداً ومصادرهم شتى؟
قال: إن منهم من يكره فيجيء مكرهاً. وفي ابن حماد: ١/٣٢٧، عن عبد الله بن عمرو
يقول: علامة خروج المهدي خسف يكون بالبيداء بجيش، هو علامة خروجه).
وفي المعجم الأوسط: ٦/٢٢٢، عن أم سلمة، وفيه: (فيعوذ عائذ بالحرم فيجتمع الناس إليه
كالطائر الوارد المتفرقة حتى يجتمع إليه ثلاث مائة وأربعة عشر، فيهم نسوة فيظهر على
كل جبار وابن جبار، ويظهر من العدل ما يتمنى له الأحياء أمواتهم). ومجمع الزوائد:
٧/٣١٥.
وفي البدء والتاريخ: ٢/١٧٨: (وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لتتركن
المدينة أحسن ما كانت حتى يجيء الكلب فيشغر على سارية المسجد، قالوا: فلمن تكون
الثمار يومئذ
يا رسول الله قال: لعوافي السباع والطير، قالوا في الخبر: ثم تسير خيل السفياني
تريد مكة، تنتهي إلى موضع يقال له بيداء فينادي مناد من السماء: يا بيداء بيدي بهم
فيخسف بهم فلا ينجو منهم إلا رجلان من كلب تقلب وجوههما في أقفيتهما يمشيان القهقرى
على أعقابهما حتى يأتيا السفياني فيخبرانه، ويأتي البشير المهدي وهو بمكة فيخرج معه
إثنا عشر ألفاً فهم الأبدال والأعلام حتى يأتي المباء ويأسر السفياني ويغير على كلب
لأنهم أتباعه ويسبي نساءهم، قالوا: فالخائب يومئذ من خاب عن غنائم كلب). ونحوه في
دلائل الإمامة/٢٤٨، ولا يخلو من مبالغة.
وروى ابن حماد فيكتابه (الفتن) مضامين أحاديث الإمام الباقر (عليه السلام) وغيره من
أهل البيت (عليهم السلام)، وأضاف إليها أساطير الإسرائيليات أو من خياله، وبعض
رواياته معقولة كروايته: ١/٣٢٥، عن أبي جعفر(أي الإمام الباقر (عليه السلام)) قال:
فيبلغ أهل المدينة مخرج الجيش إليهم فيهرب منها من كان من آل محمد (صلى الله عليه
وآله) إلى مكة يحمل الشديد الضعيف والكبير الصغير فيدركون نفساً من آل محمد
فيذبحونه عند أحجار الزيت). وعنه عقد الدرر/٦٦، بتفاوت يسير. وفي/٩٠، عن أبي جعفر
قال: يخسف بهم فلا ينجو منهم إلا رجلان من كلب اسمهما وبر ووبير، تقلب وجوههما في
أقفيتهما). وفي/٩٠، عن أبي جعفر قال: سيكون عائذ بمكة يبعث إليه سبعون ألفاً، عليهم
رجل من قيس حتى إذا بلغوا الثنية دخل آخرهم ولم يخرج منها أولهم نادى جبرئيل: يا
بيداء يا بيداء، يسمع مشارقها ومغاربها، خذيهم فلا خير فيهم! فلا يظهر على هلاكهم
أحد إلا راعي غنم في الجبل ينظر إليهم حين ساخوا فيخبر بهم! فإذا سمع العائذ بهم
خرج).
* * *
أما
مصادرنا فروت حديث جيش الخسف ولم تظلم منه شيئاً!
ففي الاختصاص/٢٥٥، وغيبة الطوسي/٢٦٩، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: ويبعث
السفياني بعثاً إلى المدينة فينفر المهدي منها إلى مكة، فيبلغ أمير جيش السفياني أن
المهدي قد خرج إلى مكة فيبعث جيشاً على أثره، فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفاً يترقب
على سنة موسى بن عمران (عليه السلام). قال: فينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي
مناد من السماء: يا بيداء أبيدي القوم! فيخسف بهم فلا يفلت منهم إلا ثلاثة نفر يحول
الله
وجوههم إلى أقفيتهم وهم من كلب وفيهم نزلت هذه الآية: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا
مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا..)
الآية. قال: والقائم يومئذ بمكة قد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيراً به فينادي:
يا أيها الناس إنا نستنصر الله، فمن أجابنا من الناس فإنا أهل بيت نبيكم محمد ونحن
أولى الناس بالله وبمحمد (صلى الله عليه وآله). فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس
بآدم ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس
بإبراهيم، ومن حاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد، ومن حاجني في النبيين فأنا
أولى الناس بالنبيين! أليس الله يقول في محكم كتابه: (إِنَّ
اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى
الْعَالَمِينَ. ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
فأنا بقية من آدم وذخيرة من نوح ومصطفى من إبراهيم، وصفوة من محمد (صلى الله عليه
وآله). ألا فمن حاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله، ألا ومن حاجني في
سنة رسول الله فأنا أولى الناس بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأنشد الله من
سمع كلامي اليوم لما بلغ الشاهد الغائب، وأسألكم بحق الله وحق رسوله (صلى الله عليه
وآله) وبحقي فإن لي عليكم حق القربي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا
أعنتمونا ومنعتمونا ممن يظلمنا فقد أُخفنا وظُلمنا وطُردنا من ديارنا وأبنائنا
وبُغيَ علينا ودُفعنا عن حقنا وافترى أهل الباطل علينا، فالله الله فينا لاتخذلونا
وانصرونا ينصركم الله تعالى.
قال: فيجمع الله عليه أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً يجمعهم الله له على غير
ميعاد قزعاً كقزع الخريف، وهي يا جابر الآية التي ذكرها الله في كتابه: (أَيْنَ
مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ)،
فيبايعونه بين الركن والمقام ومعه عهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد
توارثته الأبناء عن الآباء، والقائم يا جابر رجل من ولد الحسين يصلح الله له أمره
في ليلة فما أشكل على الناس من ذلك يا جابر فلا يشكلنَّ عليهم ولادته من رسول الله
(صلى الله عليه وآله) ووراثته العلماء عالماً بعد عالم فإن أشكل هذا كله عليهم فإن
الصوت من السماء لا يشكل عليهم إذا نودي باسمه واسم أبيه وأمه).
عدد جيش السفياني ومكان الخسف به
تصف أحاديث المصادر السنية دخول جيش السفياني إلى المدينة المنورة عن طريقين، من
العراق والشام، بأنه دخول كاسح، لا يستطيع أهل المدينة مقاومته وأنه يستعمل نفس
طريقته الوحشية في العراق مع أنصار المهدي وشيعة أهل البيت (عليهم السلام) في القتل
والإبادة للكبير والصغير والرجال والنساء! بل ذكرت أن بطشه في المدينة يكون أشد،
ففي ابن حماد: ١/٣٢٣، عن ابن شهاب قال: يكتب السفياني إلى الذي دخل الكوفة بخيله
بعد ما يعركها عرك الأديم، يأمره بالسير إلى الحجاز، فيسير إلى المدينة فيضع السيف
في قريش، فيقتل منهم ومن الأنصار أربع مائة رجل، ويبقر البطون، ويقتل الولدان،
ويقتل أخوين من قريش رجل وأخته يقال لهما فاطمة ومحمد، ويصلبهما على باب مسجد
المدينة).
وفي مستدرك الحاكم: ٤/٤٤٢، وغيره، أن أهل المدينة يخرجون منها أمام حملة السفياني،
ولا تذكر الأحاديث أماكن أخرى يدخلها جيش السفياني غير المدينة. وفي/٢٥٢، أنه يأتي
المدينة بجيش جرار. وفي ابن حماد: ١/٣٢٨، وفي أخرى: اثنا عشر ألفاً. وفي عقد
الدرر/٧٦، أن عدده سبعون ألفاً، وفي الكشاف: ٣/٤٦٧، ثمانون ألفاً!
أقول: يظهر أن مدة بقاء جيشه في المدينة وجيزة، ثم يتجه إلى مكة فتقع الآية
الموعودة ويخسف بهم في البيداء قرب المدينة. فعن حنان بن سدير أنه سأل الإمام
الصادق (عليه السلام) عن خسف البيداء فقال: أَمَا صِهْرا على البريد، على اثني عشر
ميلاً من البريد الذي بذات الجيش). (البحار: ٥٢/١٨١). والبيداء منتهى الجبال وبداية
الأرض المستوية للمسافر من المدينة إلى مكة (ذات الجيش من المدينة على بريد). (معجم
ما استعجم: ٢/٤٠٩) (هي الشُّرف الذي قدَّام ذي الحليفة في طريق مكة، وذات الجيش هي
على بريد من المدينة). (السيوطي على النسائي: ١/١٦٢). وقد سلك النبي (صلى الله عليه
وآله) إلى بدر على نقب المدينة ثم على العقيق ثم على ذي الحليفة ثم على... ذات
الجيش). (ابن هشام: ٣/١٦٠).
وفي فقه أهل البيت (عليهم السلام): يكره الصلاة في أماكن، منها البيداء لأنها محل
خسف
وغضب،
قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي: لا تصل في جلد ما لا
تشرب لبنه ولا تأكل لحمه، ولا تصل في ذات الجيش، ولا في ذات الصلاصل، ولا في
ضجنان). (من لا يحضره الفقيه: ٤/٣٦٦). وفي المحاسن لأحمد بن محمد بن خالد البرقي
(رحمه الله): ٢/٣٦٥: (عن أحمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن
الصلاة في البيداء؟ فقال: البيداء لا يصلى فيها، قلت: وأين حد البيداء؟ قال: أما
رأيت ذلك الرفع والخفض؟ قلت: إنه كثير فأخبرني أين حده؟ فقال: كان أبو جعفر (عليه
السلام) إذا بلغ ذات الجيش جد في السير ثم لم يصل حتى يأتي معرس النبي (صلى الله
عليه وآله) قلت: وأين ذات الجيش؟ قال: دون الحفيرة بثلاثة أميال). أيضاً: الحدائق
الناضرة: ٧/٢١٣، والكافي: ٣/٣٨٩، والتهذيب: ٢/٣٧٥، ومكارم الأخلاق/٤٤١، وفتح
الباري: ١/٣٦٥، و: ٣/٩٥٧، وشرح السيوطي: ١/١٦٢، وشرح الزرقاني: ١/٤٢٢).
الآيات النازلة في معجزة الخسف بالجيش
في الدر المنثور: ٥/٢٤٠: (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس
في قوله: (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ
وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ)، قال: هو جيش السفياني، قال: من أين أخذ؟
قال: من تحت أرجلهم).
وفي تفسير الطبري: ٢٢/٧٢، عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله) وذكر فتنة بين أهل المشرق والمغرب: فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم السفياني من
الوادي اليابس في فوره ذلك، حتى ينزل دمشق، فيبعث جيشين جيشاً إلى المشرق وجيشاً
إلى المدينة حتى ينزلوا بأرض بابل في المدينة الملعونة والبقعة الخبيثة، فيقتلون
أكثر من ثلاثة آلاف ويبقرون بها أكثر من مائة امرأة، ويقتلون بها ثلاثمائة كبش من
بني العباس، ثم ينحدرون إلى الكوفة، فيخربون ما حولها ثم يخرجون متوجهين إلى الشام،
فتخرج راية هدى من الكوفة، فتلحق ذلك الجيش منها على الفئتين فيقتلونهم لا يفلت
منهم مخبر، ويستنقذون ما في أيديهم من السبى والغنائم. ويخلو جيشه الثاني بالمدينة
فينتهبونها ثلاثة أيام ولياليها، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة، حتى إذا كانوا
بالبيداء بعث الله سبحانه جبرئيل فيقول يا جبرائيل إذهب فأبدهم،
فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم فذلك قوله (عزَّ وجلَّ) في سورة سبأ: (وَلَوْ
تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ)، فلا
ينفلت منهم إلا رجلان أحدهما بشير والآخر نذير، وهما من جهينة، فلذلك جاء القول
فعند جهينة الخبر اليقين). والكشاف: ٣/٤٦٧، وتذكرة القرطبي: ٢/٦٩٣، وتفسيره:
١٤/٣١٤، وعقد الدرر/٧٤، والبحر المحيط: ٧/٢٩٣، ونوادر الأخبار/٢٥٧، والإستيعاب:
٣/٩٢٨، وأبو الفتوح: ٩/٢٢٦، ومجمع البيان: ٤/٣٩٨، والبحار: ٥٢/١٨٦.
وفي ابن حماد: ١/٣٢٩، عن علي (رضي الله عنه) قال: إذا نزل جيش في طلب الذين خرجوا
إلى مكة، فنزلوا البيداء خسف بهم ويباد بهم، وهو قوله (عزَّ وجلَّ): (وَلَوْ
تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ). من تحت
أقدامهم).
وروى السلمي في عقد الدرر/٧٦، عن الإمام أبي بكر محمد بن الحسن النقاش المقري في
تفسيره قال: نزلت يعني هذه الآية في السفياني، وذلك أنه يخرج من الوادي اليابس في
أخواله، وأخواله من كلب يخطبون على منابر الشام، فإذا بلغوا عين التمر محا الله
تعالى الإيمان من قلوبهم، فتجوز حتى ينتهوا إلى جبل الذهب فيقاتلون قتالاً شديداً
فيقتل السفياني سبعين ألف رجل، عليهم السيوف المحلاة والمناطق المفضضة. ثم يدخل
الكوفة فيصير أهلها ثلاث فرق، فرقة تلحق به وهم أشر خلق الله تعالى، وفرقة تقاتله
وهم عند الله تعالى شهداء، وفرقة تلحق الأعراب وهم العصاة... ثم ذكر فظائع السفياني
في العراق، ثم في البصرة، ثم دخول جيشه إلى المدينة، وقال: ويقتل رجل من أهل بيت
النبي (صلى الله عليه وآله) وامرأة واسم الرجل محمد ويقال اسمه علي والمرأة فاطمة
فيصلبونهما عراة! فعند ذلك يشتد غضب الله تعالى عليهم، ويبلغ الخبر إلى ولي الله
تعالى، فيخرج من قرية من قرى جرش في ثلاثين رجلاً فيبلغ المؤمنين خروجه فيأتونه من
كل أرض يحنِّون إليه كما تحن الناقة إلى فصيلها، فيجيء فيدخل مكة وتقام الصلاة
فيقولون: تقدم يا ولي الله. فيقول: لا أفعل..) الخ. ثم ذكر آية خسف البيداء، والخلط
والإضافة في الرواية واضحان.
* * *
كما استفاضت روايتها في مصادرنا أيضاً، ففي تفسير العياشي: ٢/٢٦١: عن أبي جعفر
(عليه
السلام) قال: إن عهد نبي الله (صلى الله عليه وآله) صار عند علي بن الحسين (عليه
السلام) ثم صار عند محمد بن علي، ثم يفعل الله ما يشاء، فالزم هؤلاء فإذا خرج رجل
منهم معه ثلاثمائة رجل ومعه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) عامداً إلى
المدينة حتى يمر بالبيداء فيقول: هذا مكان القوم الذين خسف الله بهم وهي الآية التي
قال الله: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ
أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأرض أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا
يَشْعُرُونَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ).
وفي تفسير القمي: ٢/٢٠٥: (عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: وَلَوْ تَرَى إِذْ
فَزِعُوا، قال: من الصوت وذلك الصوت من السماء. (وَأُخِذُوا
مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ)، قال: من تحت أقدامهم خسف بهم). وعنه البحار: ٥٢/١٨٥.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (المهدي أقبل، جعد، بخده خال، يكون مبدؤه من
قبل المشرق، فإذا كان ذلك خرج السفياني فيملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر، يخرج بالشام
فينقاد له أهل الشام إلا طوائف مقيمين على الحق يعصمهم الله من الخروج معه، ويأتي
المدينة بجيش جرار حتى إذا انتهى إلى بيداء المدينة خسف الله به، وذلك قول الله
(عزَّ وجلَّ): (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ
وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ)). (غيبة النعماني/١٦٣، والمحجة
للبحراني/١٧٧).
والكافي: ٨/١٦٦، عن الطيار عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله (عزَّ
وجلَّ): (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي
أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ). قال: خسف وقذف،
قال قلت: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ)؟ قال: دع ذا،
ذاك قيام القائم). وإثبات الهداة: ٣/٤٥٠، والبحار: ٥٢/٣٠٣.
وفي الكافي: ٨/٣٨١، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (عزَّ
وجلَّ): (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي
أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)؟ قال: يريهم في
أنفسهم المسخ ويريهم في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم، فيرون قدرة الله (عزَّ وجلَّ)
في أنفسهم وفي الآفاق. قلت له: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ
أَنَّهُ الْحَقُّ)؟ قال: خروج القائم هو الحق من عند الله (عزَّ وجلَّ) يراه
الخلق، لا بد منه). وعنه البحار: ٥١/٦٢.
وفي
الإرشاد/٣٥٩، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، في قوله (عزَّ وجلَّ): (سَنُرِيهِمْ
آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ
الْحَقُّ)؟ قال: الفتن في الآفاق، والمسخ في أعداء الحق). وعنه البحار:
٥٢/٢٢١. وفي تأويل الآيات: ٢/٥٧١، بسنده عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام)
عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا
السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً)؟ قال: هي ساعة القائم تأتيهم بغتة).
وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٦٥، والبحار: ٢٤/١٦٤.
الغلام أو النفس الزكية الذي يقتل في المدينة
تقدمت روايته في فصل أصحاب الإمام (عليه السلام)، وذكرت بعض الروايات أن هذا السيد
وأخته هم أبناء عم النفس الزكية الذي يرسله الإمام المهدي (عليه السلام) في مكة
فيقتلونه في المسجد الحرام قبيل ظهوره (عليه السلام)، وأنهما يكونان فارَّين من
العراق من جيش السفياني، ويدلهم عليهما جاسوس يكون معهما من العراق.
النداء السماوي من مصادر السنيين
بعض أحاديث النداء السماوي في مصادر السنيين يتفق مع أحاديث أهل البيت (عليهم
السلام)، وبعضها أضيف اليه مبالغات وتخيلات الرواة.
ابن حماد: ١/٣٣٧: عن سعيد بن المسيب قال: تكون فتنة كان أولها لعب الصبيان، كلما
سكنت من جانب طمت من جانب، فلا تتناهى حتى ينادي مناد من السماء: ألا إن الأمير
فلان! وفتل ابن المسيب يديه حتى إنهما لتنتفضان فقال: ذلكم الأمير حقاً ثلاث
مرات... عن جابر عن أبي جعفر قال: ينادي مناد من السماء: ألا إن الحق في آل محمد،
وينادي مناد من الأرض: ألا إن الحق في آل عيسى أو قال العباس، أنا أشك فيه، وإنما
الصوت الأسفل من الشيطان ليلبس على الناس. شك أبو عبد الله نعيم).
ابن حماد: ١/٣٣٩، عن علي (رضي الله عنه) قال: بعد الخسف ينادي مناد من السماء إن
الحق في آل محمد في أول النهار، ثم ينادي مناد في آخر النهار إن الحق في ولد عيسى،
وذلك نخوة من الشيطان... عن سعيد بن يزيد التنوخي عن الزهري قال:
إذا
التقى السفياني والمهدي للقتال يومئذ يسمع صوت من السماء: ألا إن أولياء الله أصحاب
فلان يعني المهدي، قال الزهري: وقالت اسماء بنت عميس: إن أمارة ذلك اليوم أن كفاً
من السماء مدلاةً ينظر إليها الناس). وعنه ملاحم ابن طاووس/١٣٣، والحاوي: ٢/٧٥،
والفتاوى الحديثية/٣١، والصراط المستقيم: ٢/٢٢٥، وفي: ٢/٢٥٩، عن أخبار المهدي لأبي
العلاء الهمداني، وفيه: وفي آخر النهار: الحق في ولد عيسى، وذلك نخوةٌ من الشيطان،
ويظهر المهدي على أفواه الناس ويُشربون حبه). وعنه إثبات الهداة: ٣/٦١٥.
ملاحظة: يشير الحديث إلى أن(آل عيسى) هم الذين يدبرون أمر النداء الأرضي المكذوب في
آخر النهار لإبطال تأثير النداء السماوي في أول النهار! ومعناه أن الغربيين يقومون
بإنتاج هذه الكذبة ونشرها! وستأتي رواية النعماني/٢٦٤ عن الإمام الصادق (عليه
السلام) (إن الشيطان لا يدعهم حتى ينادي كما نادى برسول الله يوم العقبة)!
في ابن حماد: ١/٢٢٨، عن ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إذا كانت
صيحة في رمضان فإنه يكون معمعة في شوال، وتمييز القبائل في ذي القعدة، وتسفك الدماء
في ذي الحجة! والمحرم وما المحرم، يقولها ثلاثاً، هيهات هيهات، يقتل الناس فيها
هرجاً مرجاً! قال قلنا: وما الصيحة يا رسول الله؟ قال: هدة في النصف من رمضان ليلة
الجمعة، فتكون هدة توقظ النائم وتقعد القائم وتخرج العواتق من خدورهن في ليلة جمعة
في سنة كثيرة الزلازل، فإذا صليتم الفجر من يوم الجمعة، فأدخلوا بيوتكم وأغلقوا
أبوابكم وسدوا كواكم ودثروا أنفسكم وسدوا آذانكم فإذا أحسستم بالصيحة فخروا لله
سجداً وقولوا: سبحان القدوس سبحان القدوس ربنا القدوس، فإنه من فعل ذلك نجا من لم
يفعل ذلك هلك).
وفيه: عن ابن حوشب: عن النبي (صلى الله عليه وآله): في المحرم ينادي مناد من
السماء: ألا إن صفوة الله من خلقه فلاناً فاسمعوا له وأطيعوا، في سنة الصوت
والمعمعة).
* * *
وفي البدء والتاريخ: ٢/١٧٢، عن فيروز الديلمي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: يكون هدة في رمضان توقظ النائم وتفزع اليقظان، هذا في رواية قتادة، وفي رواية الأوزاعي:
يكون
صوت في رمضان في نصف من الشهر يصعق فيه سبعون ألفاً، ويعمى فيه سبعون ألفاً، ويصم
سبعون ألفاً، ويخرس سبعون ألفاً، ويتفلق له سبعون ألف باكرة! قال: ثم يتبعه صوت
آخر، فالأول صوت جبرئيل (عليه السلام) والثاني صوت إبليس عليه اللعنة! قال: الصوت
في رمضان والمعمعة في شوال، وتميز القبائل في ذي القعدة، ويغار على الحاج في ذي
الحجة، والمحرم أوله بلاء وآخره فرج. قالوا: يا رسول الله من يسلم منه؟ قال: من
يلزم بيته ويتعوذ بالسجود). ونحوه عقد الدرر/١٠١، عن الداني.
وفي عقد الدرر/١٠٥، عن ملاحم ابن المادي، عن شهر بن حوشب قال: (كان يقال: في شهر
رمضان صوت، وفي شوال همهمة، وفي ذي القعدة تميز القبائل، وفي ذي الحجة تسفك الدماء،
وينهب الحاج في المحرم. قيل له: وما الصوت؟ قال: هاد من السماء يوقظ النائم ويفزع
اليقظان ويخرج الفتاة من خدرها ويسمعه الناس كلهم، فلا يجيء رجل من أفق من الآفاق
إلا حدث أنه سمعه).
وفي الآحاد والمثاني: ٥/١٤٣، عن فيروز الديلمي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): صوت يكون في رمضان، قالوا: يا رسول الله يكون في أوله أو في وسطه أو في آخره
قال: لا بل في النصف من رمضان، إذا كان ليلة النصف ليلة الجمعة يكون صوت من السماء
يصعق له سبعون ألفاً ويخرس له سبعون ألفاً ويعمي سبعون ألفاً ويفيق سبعون ألفاً
ويصم سبعون ألفاً قالوا: يارسول الله فمن السالم من أمتك؟ قال: من لزم بيته وتعوذ
بالسجود وجهر بالتكبير لله (عزَّ وجلَّ) ثم يتبعه صوت آخر فالصوت الأول صوت جبريل
(عليه السلام) والثاني صوت شيطان. والصوت في شهر رمضان والمعمعة في شوال، وتميز
القبائل في ذي القعدة ويغار على الحاج في ذي الحجة، وفي المحرم وما المحرم؟ أوله
بلاء على أمتي وآخره فرج لأمتي. الراحلة في ذلك الزمان بعينها ينجو عليها المؤمن
خير من دسكرة تغل مائة ألف).
* * *
ابن حماد: ١/٣٤٥، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ثم يظهر المهدي بمكة عند العشاء، ومعه
راية
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقميصه وسيفه وعلامات ونور وبيان، فإذا صلى العشاء
نادى بأعلى صوته يقول: أذكركم الله أيها الناس ومقامكم بين يدي ربكم، فقد اتخذ
الحجة وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب وأمركم أن لا تشركوا به شيئاً، وأن تحافظوا على
طاعته وطاعة رسوله، وأن تحيوا ما أحيا القرآن وتميتوا ما أمات، وتكونوا أعواناً على
الهدى ووزراً على التقوى، فإن الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها وآذنت بالوداع، فإني
أدعوكم إلى الله وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله) والعمل بكتابه وإماتة الباطل
وإحياء سنته. فيظهر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر على غير ميعاد، قزعاً
كقزع الخريف، رهبانٌ بالليل أسدٌ بالنهار، فيفتح الله للمهدي أرض الحجاز، ويستخرج
من كان في السجن من بني هاشم وتنزل الرايات السود الكوفة، فتبعث بالبيعة إلى
المهدي، فيبعث المهدي جنوده في الآفاق، ويميت الجور وأهله وتستقيم له البلدان،
ويفتح الله على يديه القسطنطينية). وعنه عقد الدرر/١٤٥ والحاوي: ٢/٧١، والبرهان
للهندي/١٤١، ولوائح السفاريني: ٢/١١، أوله، والصراط المستقيم: ٢/٢٦٢، وإثبات
الهداة: ٣/٦١٤.
ابن حماد: ١/٣٤٥، عن الزهري قال: إذا التقى السفياني والمهدي للقتال، يومئذ يسمع
صوت من السماء: ألا إن أولياء الله أصحاب فلان يعني المهدي. قال الزهري: وقالت
أسماء بنت عميس: إن إمارة ذلك اليوم أن كفاً من السماء مدلاةً ينظر إليها الناس).
وعنه عقد الدرر/١٠٦، والصراط المستقيم: ٢/٢٥٩، وإثبات الهداة: ٣/٦١٥.
ابن حماد: ١/٣٤٤، عن أبي رومان، عن علي (رضي الله عنه) قال: إذا نادى مناد من
السماء إن الحق في آل محمد، فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس، ويُشرَبون حبه
ولا يكون لهم ذكر غيره). وعنه بيان الشافعي/٥١٢، وعقد الدرر/٥٢، و١٠٦، و١٣٦، عن
الطبراني وأبي نعيم في مناقب المهدي، والحاوي: ٢/٦٨، وجمع الجوامع: ٢/١٠٣،
والمغربي/٥٦١.
النداء السماوي في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)
هو الآية التي تظل أعناقهم لها خاضعين!
النعماني/٢٥١، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن
قوله تعالى: فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ، فقال: إنتظروا الفرج من
ثلاث، فقيل: يا أمير المؤمنين وما هن؟ فقال: اختلاف أهل الشام بينهم، والرايات
السود من خراسان والفزعة في شهر رمضان. فقيل: وما الفزعة في شهر رمضان؟ فقال: أو ما
سمعتم قول الله (عزَّ وجلَّ) في القرآن: (إِنْ نَشَأْ
نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا
خَاضِعِينَ): هي آية تخرج الفتاة من خدرها وتوقظ النائم وتفزع اليقظان).
ومثله عقد الدرر/١٠٤، وتأويل الآيات: ١/٣٨٧، بتفاوت يسير، وعنه حلية الأبرار: ٢/٦١١
البرهان: ٣/١٧٩، والمحجة/١٦٠، عن تأويل الآيات، والبحار: ٥٢/٢٢٩، عن النعماني و/٢٨٥
عن تأويل الآيات.
تأويل الآيات: ١/٣٨٦، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله (عزَّ وجلَّ): (إِنْ
نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا
خَاضِعِينَ)، قال: هذه نزلت فينا وفي بني أمية، تكون لنا دولة تذل أعناقهم
لنا بعد صعوبة وهوان بعد عز). ومثله مختصر البصائر/٢٠٦، والمحجة/١٥٩، والبحار:
٥٢/٢٨٤.
تأويل الآيات: ١/٣٨٦، عن حنان بن سدير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن
قول الله (عزَّ وجلَّ): (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ
مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)؟ قال:
نزلت في قائم آل محمد صلوات الله عليهم، ينادي باسمه من السماء). وعنه إثبات
الهداة: ٣/٥٦٣، والمحجة/١٥٩، وحلية الأبرار: ٢/٦١٣، والبحار: ٥٢/٢٨٤.
النعماني/٢٦٠، عن عبد الله بن سنان بروايتين، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه
السلام) فسمعت رجلاً من همدان يقول له: إن هؤلاء العامة يعيروننا ويقولون لنا: إنكم
تزعمون أن منادياً ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر، وكان متكئاً فغضب وجلس، ثم
قال: لا تروه عني وارووه عن أبي ولا حرج عليكم في ذلك، أشهد أني قد سمعت أبي (عليه
السلام) يقول: والله إن ذلك في كتاب الله (عزَّ وجلَّ) لبين حيث يقول: (إِنْ
نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا
خَاضِعِينَ)، فلا يبقى في الأرض
يومئذ
أحد إلا خضع وذلت رقبته لها، فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء ألا إن
الحق في علي بن أبي طالب (عليه السلام) وشيعته! قال: فإذا كان من الغد صعد إبليس في
الهواء حتى يتوارى عن أهل الأرض، ثم ينادي: ألا إن الحق في عثمان بن عفان وشيعته
فإنه قتل مظلوماً فاطلبوا بدمه، قال: فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت على
الحق وهو النداء الأول، ويرتاب يومئذ الذين في قلوبهم مرض، والمرض والله عداوتنا،
فعند ذلك يتبرؤون منا ويتناولوننا فيقولون: إن المنادي الأول سحرٌ من سحر أهل هذا
البيت، ثم تلا أبو عبد الله (عليه السلام) قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَإِنْ
يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)). وعنه البرهان:
٣/١٧٩، والمحجة/١٥٧، والبحار: ٥٢/٢٩٢.
وفي النعماني/٢٥٣، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) من حديث طويل فيه كثير
من الأحداث والعلامات، قال (عليه السلام): إذا رأيتم ناراً من قبل المشرق شبه
الهردي العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمد (عليهم السلام) إن شاء
الله (عزَّ وجلَّ)، إن الله عزيز حكيم. ثم قال: الصيحة لا تكون إلا في شهر رمضان
شهر الله هي صيحة جبرئيل (عليه السلام) إلى هذا الخلق! ثم قال: ينادي مناد من
السماء باسم القائم (عليه السلام) فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلا
استيقظ ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت! فرحم
الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب، فإن الصوت الأول هو صوت جبرئيل الروح الأمين (عليه
السلام). ثم قال (عليه السلام): يكون الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة ليلة ثلاث
وعشرين، فلا تشكوا في ذلك واسمعوا وأطيعوا، وفي آخر النهار صوت الملعون إبليس ينادي
ألا إن فلاناً قتل مظلوماً ليشكك الناس ويفتنهم! فكم في ذلك اليوم من شاك متحير قد
هوى في النار، فإذا سمعتم الصوت في شهر رمضان فلا تشكوا فيه إنه صوت جبرئيل، وعلامة
ذلك أنه ينادي باسم القائم واسم أبيه حتى تسمعه العذراء في خدرها فتحرض أباها
وأخاها على الخروج. وقال (عليه السلام): لابد من هذين الصوتين قبل خروج القائم
(عليه السلام): صوت من السماء وهو صوت جبرئيل باسم صاحب هذا الأمر واسم أبيه،
والصوت الثاني من
الأرض، وهو صوت إبليس اللعين ينادي باسم فلان أنه قتل مظلوماً يريد بذلك الفتنة،
فاتبعوا الصوت الأول وإياكم والأخير أن تفتنوا به).
وفي تفسير القمي: ٢/١١٨، عن هشام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في تفسير: (إِنْ
نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا
خَاضِعِينَ). قال: تخضع رقابهم يعني بني أمية وهي الصيحة من السماء باسم
صاحب الأمر). وإثبات الهداة: ٣/٥٥٢، والبحار: ٩/٢٢٨.
وفي النعماني/٢٦٣، عن فضيل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: أما إن النداء
من السماء باسم القائم في كتاب الله لبين، فقلت: فأين هو أصلحك الله؟ فقال: في طسم،
تلك آيات الكتاب المبين، قوله: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ
عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ).
قال: إذا سمعوا الصوت أصبحوا وكأنما على رؤوسهم الطير). وعنه البرهان: ٣/١٨٠،
والبحار: ٥٢/٢٩٣.
وفي النعماني/٢٥١، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: سئل أمير المؤمنين (عليه
السلام) عن قوله تعالى: (فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ
بَيْنِهِمْ)؟ فقال: انتظروا الفرج من ثلاث، فقيل: يا أمير المؤمنين وما هن؟
فقال: اختلاف أهل الشام بينهم، والرايات السود من خراسان، والفزعة في شهر رمضان.
فقيل: وما الفزعة في شهر رمضان؟ فقال: أو ما سمعتم قول الله (عزَّ وجلَّ) في
القرآن: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ
آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)، هي آية تخرج الفتاة من
خدرها وتوقظ النائم وتفزع اليقظان). ومثله عقد الدرر/١٠٤، وتأويل الآيات: ١/٣٨٧،
وعنهما إثبات الهداة: ٣/٧٣٤ والبحار: ٥٢/٢٢٩، و٢٨٥.
الإرشاد للمفيد/٣٥٩، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في قوله
تعالى شأنه: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ
السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ): قال: سيفعل
الله ذلك لهم، قلت: ومن هم؟ قال: بنو أمية وشيعتهم، قلت: وما الآية؟ قال:، ركود
الشمس ما بين زوال الشمس إلى وقت العصر، وخروج صدر رجل ووجه في عين الشمس يعرف
بحسبه ونسبه وذلك في زمان السفياني، وعندها يكون بواره وبوار قومه). وعنه إعلام
الورى/٤٢٨، وإثبات الهداة: ٣/٧٣٢، والبحار: ٥٢/٢٢١.
وفي
غيبة الطوسي/١١٠، عن الحسن بن زياد الصيقل قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد
(عليهما السلام) يقول: إن القائم لا يقوم حتى ينادي مناد من السماء يُسمع الفتاة في
خدرها ويُسمع أهل المشرق والمغرب، وفيه نزلت هذه الآية: (إِنْ
نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا
خَاضِعِينَ). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٠٢، والبحار: ٥٢/٢٨٥.
وفي مجمع البيان: ٤/١٨٤: (وذكر أبو حمزة الثمالي في هذه الآية: أنها صوت يسمع من
السماء في النصف من شهر رمضان، وتخرج له العواتق من البيوت). وعقد الدرر/١٠١.
أبو جعفر المنصور يروي حديث النداء!
الكافي: ٨/٢٠٩، عن اسماعيل بن الصباح قال: سمعت شيخاً يذكر عن سيف بن عميرة قال:
كنت عند أبي الدوانيق فسمعته يقول ابتداء من نفسه: يا سيف بن عميرة: لابد من مناد
ينادي باسم رجل من ولد أبي طالب، قلت: يرويه أحد من الناس؟ قال: والذي نفسي بيده
لسمعتْ أذني منه يقول: لابد من مناد ينادي باسم رجل. قلت: يا أمير المؤمنين، إن هذا
الحديث ما سمعت بمثله قط، فقال لي: يا سيف إذا كان ذلك فنحن أول من يجيبه، أما إنه
أحد بني عمنا! قلت: أي بني عمكم؟ قال: رجل من ولد فاطمة (عليها السلام)، ثم قال: يا
سيف لولا أني سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقوله، ثم حدثني به أهل الأرض ما قبلته
منهم، ولكنه محمد بن علي!). ومثله الإرشاد/٣٥٨، وغيبة الطوسي/٢٦٥، والخرائج:
٣/١١٥٧، وإثبات الهداة: ٣/٧٢٥، والبحار: ٥٢/٢٨٨ و٣٠٠.
أقول: سبب يقين المنصور بالإمام الباقر (عليه السلام) أنه يعلم بأنه إمام رباني فقد
لمس صحة ما يخبر به عن المستقبل! وكان الإمام والإمام الصادق (عليهما السلام) أخبرا
الحسنيين والعباسيين بنجاح ثورتهم على الأمويين، وأنهم سيختلفون ويحكم السفاح ثم
المنصور!
النداء من المحتومات الإلهية
كمال الدين: ٢/٦٥٢، عن أبي حمزة الثمالي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن
أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: إن خروج السفياني من المحتوم، قال لي: نعم
واختلاف ولد
العباس من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم. فقلت
له: كيف يكون ذلك النداء؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن الحق في
علي وشيعته، ثم ينادي إبليس لعنه الله في آخر النهار: ألا إن الحق في السفياني
وشيعته فيرتاب عند ذلك المبطلون). والإرشاد/٣٥٨، عن أبي حمزة الثمالي.. وفيه: قلت:
وكيف يكون النداء؟ قال: ينادى من السماء أول النهار ألا إن الحق مع علي وشيعته، ثم
ينادي إبليس في آخر النهار من الأرض: ألا إن الحق مع عثمان وشيعته، فعند ذلك يرتاب
المبطلون).
وفي غيبة الطوسي/٢٦٦، عن أبي حمزة الثمالي قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن
أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: خروج السفياني من المحتوم، والنداء من المحتوم،
وطلوع الشمس من المغرب من المحتوم، وأشياء كان يقولها من المحتوم. وفيه: واختلاف
بني فلان من المحتوم.. يسمعه كل قوم بألسنتهم.. في عثمان). وفي/٢٧٤، بعضه، ومثله
إعلام الورى/٤٢٦، والخرائج/٢٨٦، بعضه.
يسمعه جميع الناس بلغاتهم!
النعماني/٢٥٧، عن شرحبيل قال: قال أبو جعفر، وقد سألته عن القائم (عليه السلام):
إنه لا يكون حتى ينادي مناد من السماء، يسمعه أهل المشرق والمغرب حتى تسمعه الفتاة
في خدرها). وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٣٦. وفي/٢٧٤، عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): النداء حق؟ قال: إي والله حتى يسمعه كل قوم بلسانهم). وعنه البحار:
٥٢/٢٤٤.
النداء هو الصيحة بالحق
تفسير القمي: ٢/٣٢٧: قوله: (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ
الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ): قال: ينادي المنادي باسم القائم (عليه
السلام) واسم أبيه (عليه السلام). قوله: (يَوْمَ يَسْمَعُونَ
الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوج): قال: صيحة القائم من
السماء ذلك يوم الخروج، قال: هي الرجعة). وعنه المحجة/٢٠٩، والبرهان: ٤/٢٢٩.
يأتي في ظروف ضاغطة على المسلمين
النعماني/١٨١، عن داود الرقي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك قد
طال هذا الأمر
علينا
حتى ضاقت قلوبنا، ومتنا كمداً! فقال: إن هذا الأمر آيس ما يكون منه وأشده غماً
ينادي مناد من السماء باسم القائم واسم أبيه فقلت: جعلت فداك ما اسمه؟ قال: اسمه
اسم نبي واسم أبيه اسم وصي). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٣٥، والبحار: ٥١/٣٨.
وفي ظروف شديدة على الشيعة
النعماني/١٤٢، عن عمرو بن سعد، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه
قال يوماً لحذيفة بن اليمان، في حديث طويل: حتى إذا غاب المتغيب من ولدي عن عيون
الناس، وماج الناس بفقده أو بقتله أو بموته، اطلعت الفتنة ونزلت البلية والتحمت
العصبية، وغلا الناس في دينهم، وأجمعوا على أن الحجة ذاهبة والإمامة باطلة، ويحج
حجيج الناس في تلك السنة من شيعة علي ونواصبه للتحسس والتجسس عن خلف الخلف فلا يرى
له أثر، ولا يعرف له خبر ولا خلف، فعند ذلك سبت شيعة علي سبها أعداؤها، وظهرت عليها
الأشرار والفساق باحتجاجها، حتى إذا بقيت الأمة حيارى، وتدلهت وأكثرت في قولها إن
الحجة هالكة والإمامة باطلة، فورب علي إن حجتها عليها قائمة ماشية في طرقها، داخلة
في دورها وقصورها جوالة في شرق هذه الأرض وغربها، تسمع الكلام وتسلم على الجماعة،
ترى ولا ترى إلى الوقت والوعد ونداء المنادي من السماءألا ذلك يوم فيه سرور ولد علي
وشيعته). وعنه البحار: ٢٨/٧٢.
يكون النداء على أثر قتال في الحجاز
النعماني/٢٦٦، عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنه
ينادي باسم صاحب هذا الأمر مناد من السماء، ألا إن الأمر لفلان بن فلان، ففيم
القتال؟ وفيها: عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا
يكون هذا الأمر الذي تمدون إليه أعناقكم حتى ينادي مناد من السماء: ألا إن فلانا
صاحب الأمر، فعلام القتال؟). وعنه حلية الأبرار: ٢/٦١٥، والبحار: ٥٢/٢٩٦.
أقول:
يدل هذا الحديث أن النداء السماوي يكون على أثر قتال، وتؤيده الأحاديث الدالة على
حدوث فراغ سياسي وصراع على السلطة في الحجاز.
ويؤمر الإمام (عليه السلام) في النداء بالقيام
النعماني/٢٧٩، عن أبي بصير قال: حدثنا أبو عبد الله (عليه السلام) وقال: ينادى باسم
القائم يا فلان بن فلان قم). وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٣٩، والبحار: ٥٢/٢٤٦.
معنى أن الإمام (عليه السلام) يبايع على كره منه
النعماني/٢٦٣، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ينادى
باسم القائم فيؤتى وهو خلف المقام فيقال له: قد نودي باسمك فما تنتظر؟ ثم يؤخذ بيده
فيبايع. قال قال لي زرارة: الحمد لله قد كنا نسمع أن القائم (عليه السلام) يبايع
مستكرهاً، فلم نكن نعلم وجه استكراهه فعلمنا أنه استكراهٌ لا إثم فيه). وعنه
البحار: ٥٢/٢٩٤.
النداء في سنة زوجية في ليلة ٢٣ رمضان
كمال الدين: ٢/٦٥٠ و٦٥٢، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
الصيحة التي في شهر رمضان تكون ليلة الجمعة لثلاث وعشرين مضين من شهر رمضان). وعنه
إثبات الهداة: ٣/٧٢١، والبحار: ٥٢/٢٠٤.
النعماني/٢٨٩، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك
متى خروج القائم (عليه السلام)؟ فقال: يا أبا محمد إنا أهل بيت لا نوقت وقد قال
محمد (صلى الله عليه وآله) كذب الوقاتون. يا أبا محمد إن قدام هذا الأمر خمس
علامات: أولاهن النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني، وقتل النفس
الزكية، وخسف بالبيداء. ثم قال: يا أبا محمد: إنه لابد أن يكون قدام ذلك الطاعونان:
الطاعون الأبيض والطاعون الأحمر، قلت: جعلت فداك وأي شيء هما؟ فقال: أما الطاعون
الأبيض فالموت الجارف، وأما الطاعون الأحمر فالسيف، ولا يخرج القائم حتى ينادى
باسمه من جوف السماء في ليلة ثلاث وعشرين (في شهر رمضان) ليلة جمعة،
قلت:
بم ينادى؟ قال: باسمه واسم أبيه: ألا إن فلان بن فلان قائم آل محمد فاسمعوا له
وأطيعوه، فلا يبقى شيء خلق الله فيه الروح إلا يسمع الصيحة، فتوقظ النائم ويخرج إلى
صحن داره، وتخرج العذراء من خدرها، ويخرج القائم مما يسمع، وهي صيحة جبرئيل (عليه
السلام)). وعنه البحار: ٥٢/١١٩، وبشارة الإسلام/١٥٠.
علامة ظهوره (عليه السلام): سراج يطفأ ويشع بدله نوره (عليه السلام)!
إثبات الوصية/٢٢٦، عن أبي نصر عن أبي جعفر (عليه السلام): لصاحب هذا الأمر بيتٌ
يقال له بيت الحمد، فيه سراجٌ يزهر منذ يومَ ولد إلى أن يقوم بالسيف). وعنه عيون
المعجزات/١٤٥، وغيبة الطوسي/٢٨٠، عن سلام بن أبي عميرة، وإعلام الورى/٤٣١، عن محمد
بن عطاء، وعنها إثبات الهداة: ٣/٥١٥ و٥٢٧ و٥٨٠، والبحار: ٥٢/١٥٨. والنعماني/٢٣٩، عن
المفضل قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن لصاحب هذا الأمر بيتاً يقال
له بيت الحمد فيه سراجٌ يزهر منذ يوم ولد إلى يوم يقوم بالسيف لا يطفأ). وعنه حلية
الأبرار: ٢/٦٨٤، والبحار: ٥٢/١٥٨.
تكون قبل النداء آية في رجب
النعماني/٢٥٢، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: العام
الذي فيه الصيحة، قبله الآية في رجب، قلت: وما هي؟ قال: وجه يطلع في القمر ويدٌ
بارزة). وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٣٥، والبحار: ٥٢/٢٣٣.
بعد نداء جبرئيل (عليه السلام) ينادي الشيطان بنداء مضاد
النعماني/٢٦٥، عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: هما
صيحتان صيحة في أول الليل، وصيحة في آخر الليلة الثانية، قال: فقلت: كيف ذلك؟ قال:
فقال: واحدة من السماء وواحدة من إبليس، فقلت: وكيف نعرف هذه من هذه؟ فقال: يعرفها
من كان سمع بها قبل أن تكون). وعنه البحار: ٥٢/٢٩٥.
كمال الدين: ٢/٦٥٠، عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ينادي مناد باسم
القائم. قلت: خاص أو عام؟ قال: عام يسمعه كل قوم بلسانهم، قلت: فمن يخالف القائم
وقد نودي باسمه؟ قال: لا يدعهم إبليس حتى ينادي ويشكك الناس). وعنه إثبات
الهداة: ٣/٧٢١، والبرهان: ٢/١٨٥، والبحار: ٥٢/٢٠٥.
كمال الدين: ٢/٦٥٠، عن ميمون البان قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) في فسطاطه
فرفع جانب الفسطاط فقال: إن أمرنا لو قد كان لكان أبين من هذه الشمس. ثم قال: ينادى
مناد من السماء فلان بن فلان هو الإمام باسمه. وينادي إبليس لعنه الله من الأرض كما
نادى برسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة). ومثله منتخب الأنوار /٣٤
والخرائج: ٣/١١٦٠، مثله بتفاوت يسير، وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٢٠، والبحار: ٥٢/٢٠٤.
كمال الدين: ٢/٦٥٢، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: صوت جبرئيل من السماء وصوت
إبليس من الأرض، فاتبعوا الصوت الأول وإياكم والأخير أن تفتنوا به). وعنه إثبات
الهداة: ٣/٧٢٢، والبحار: ٥٢/٢٠٦.
النعماني/٢٦٤، عن زرارة بن أعين قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ينادي
مناد من السماء: إن فلاناً هو الأمير، وينادي مناد: إن علياً وشيعته هم الفائزون.
قلت: فمن يقاتل المهدي بعد هذا؟ فقال: إن الشيطان ينادي: إن فلاناً وشيعته هم
الفائزون لرجل من بني أمية. قلت: فمن يعرف الصادق من الكاذب؟ قال: يعرفه الذين
كانوا يروون حديثنا ويقولون إنه يكون قبل أن يكون، ويعلمون أنهم هم المحقون
الصادقون). وعنه البحار: ٥٢/٢٩٤، وإثبات الهداة: ٣/٧٣٦.
النعماني/٢٦٤، عن ناجية القطان أنه سمع أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن المنادي
ينادي إن المهدي من آل محمد فلان بن فلان، باسمه واسم أبيه، فينادي الشيطان: إن
فلاناً وشيعته على الحق، يعني رجلاً من بني أمية). وعنه البحار: ٥٢/٢٩٤.
النعماني/٢٦٥، عن هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن الجريدي
أخا إسحق يقول لنا: إنكم تقولون هما نداءان فأيهما الصادق من الكاذب؟ فقال أبو عبد
الله (عليه السلام): قولوا له إن الذي أخبرنا بذلك وأنت تنكر أن هذا يكون، هو
الصادق). والبحار: ٥٢/٢٩٥.
الكافي: ٨/٢٠٨، عن ابن مسلمة الجريري قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
يوبخونا ويكذبونا إنا نقول: إن صيحتين تكونان، يقولون: من أين تعرف المحقة من
المبطلة
إذا
كانتا؟ قال: فماذا تردون عليهم؟ قلت: ما نرد عليهم شيئاً قال: قولوا: يصدق بها إذا
كانت من كان يؤمن بها من قبل، إن الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (أَفَمَنْ
يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ
يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون). ومثله النعماني/٢٦٦، وعنهما
المحجة/٩٩، والبرهان: ٢/١٨٥، والبحار: ٥٢/٢٩٦ و٢٩٩.
الكافي: ٨/٢٠٩، عن داود بن فرقد قال: سمع رجل من العجلية هذا الحديث قوله: ينادي
مناد ألا إن فلان بن فلان وشيعته هم الفائزون أول النهار، وينادي آخر النهار ألا إن
عثمان وشيعته هم الفائزون، قال: وينادي أول النهار منادٍ آخر النهار. فقال الرجل:
فما يدرينا أيما الصادق من الكاذب؟ فقال: يصدقه عليها من كان يؤمن بها قبل أن ينادي
إن الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ
أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى). وعنه
المحجة/١٠٠، والبحار: ٥٢/٣٠٠.
تأويل الآيات: ٢/٧٣٢، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قوله (عزَّ
وجلَّ): فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ: قال: الناقور هو النداء من السماء: ألا إن
وليكم فلان بن فلان القائم بالحق ينادي به جبرئيل في ثلاث ساعات من ذلك اليوم.
فَذلك يَوْمٌ عَسير على الكافرين غَيْرُ يُسير. يعني بالكافرين: المرجئة الذين
كفروا بنعمة الله، وبولاية علي بن أبي طالب). وعنه البرهان: ٤/٤٠٠، والمحجة/٢٣٨.
وهو غير الصوت الذي يأتي من قِبَل الشام
النعماني/٢٧٩، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: توقعوا الصوت
يأتيكم بغته من قبل دمشق فيه لكم فرج عظيم). وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٣٩، والبحار:
٥٢/٢٩٨.
أقول: هذه الصيحة ليست النداء السماوي، فقد تكون كناية عن حدث بالشام كالهزة.
ويحتمل ضعيفاً أن يقصد بها النداء وأنه يسمع كأنه آت من قبل الشام.
ملاحظات على أحاديث النداء السماوي عند الطرفين
نلاحظ أولاً، أن حجم أحاديث المصادر السنية في ظروف ظهور الإمام المهدي
(عليه
السلام) ومنها النداء السماوي أضعاف مضاعفة عما رويناه عن أهل البيت (عليهم السلام)
وما أوردناه قسم قليل منها، والباقي يشبه ما أوردناه ولا يخرج عنه.
ونلاحظ ثانياً، أن مصادرهم روت كثيراً منها عن أهل البيت (عليهم السلام)، خاصة عن
أمير المؤمنين والإمام الباقر (عليهما السلام)، وشمل ما رووه أكثر المضامين التي
وردت في مصادرنا لكنهم جردوها من خصوصية العصمة والربانية، أو خففوا لونها.
ونلاحظ ثالثاً، أن أحاديث السنة ركزت على الصراع والقتل عند انتهاء موسم الحج، أكثر
من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام).
رابعاً، مع أن عنصر الإعجاز متشابه في الطرفين، لكن مصادرهم اختصت بعناصر أسطورية
ومنطق بعضها يشبه منطق الإسرائيليات، والذي اخترناه منها أقلها مبالغة وأسطورة.
وسترى هذه العناصر والمنطق جاريين في موت حاكم الحجاز وصراع القبائل بعده على
الحكم، وبقية الأحداث!
خامساً، من الأمور الأساسية التي نلاحظها في أحاديث المصادر السنية أنها تصور ظهور
الإمام المهدي (عليه السلام) كأنه صدفة، وأنهم بعد موت حاكم الحجاز وصراع القبائل
أن المسلمين يُهرعون إلى الإمام (عليه السلام) لأنهم يعرفون صلاحه ويجبرونه على
قبول بيعتهم، فيقود الأمة في الحجاز ثم يتوجه إلى العراق وسوريا والقدس فيفتح الله
عليه.
أما أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) فتنص على أن جميع ذلك خطة إلهية معدة بدقة،
وأن أهم عناصرها: الإمام (عليه السلام) ولي الله وخاتم الأوصياء المعصومين (عليهم
السلام) المذخور لإصلاح العالم وإنهاء الظلم فيه إلى الأبد، وأنه مهديُّ من ربه في
كل أموره، وحركته موعودة ومُعَدَّة وموجَّهة من الله تعالى، وشخصيته قيادية فريدة
يمنحها الله تعالى قدرات خاصة جداً ومصيرية.
ثم أصحابه المذخورون له، الذين أعدهم الله له جهازاً قيادياً وإدارياً فريداً،
والذين يوافونه من أقاصي العالم، في مكة في اليوم المطلوب.
ثم
الظروف المهيأة لظهوره، عربياً وعالمياً، ومنها انهيار حكم الحجاز، والوضع المشابه
في العراق، ووجود دولتين مواليتين له هما اليمن وإيران والوضع السياسي العالمي..
الخ. وهي مفردات واضحة في أحداث ظهوره (عليه السلام).
في البحار: ٥٢/٣٨٩، عن أبي الجارود قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك
أخبرني عن صاحب هذا الأمر قال: يمسي من أخوف الناس ويصبح من آمن الناس، يوحى إليه
هذا الأمر ليله ونهاره. قال قلت: يوحى إليه يا أبا جعفر؟ يا أبا جارود إنه ليس وحي
نبوة ولكنه يوحي إليه كوحيه إلى مريم بنت عمران وإلى أم موسى وإلى النحل. يا أبا
الجارود: إن قائم آل محمد لأكرم عند الله من مريم بنت عمران وأم موسى والنحل). وعنه
إثبات الهداة: ٣/٥٨٥.
الفصل العشرون: شريط حركة الظهور المقدس
تدل
الأحاديث الشريفة على أن حركة الإمام المهدي وثورته المقدسة أرواحنا فداه، تتم في
ستة عشر شهراً، وأنه يكون في الستة أشهر الأولى خائفاً يترقب، يوجه الأحداث سراً
بواسطة أصحابه، ثم يكون شهرين أو أكثر في مكة، ثم يتوجه إلى المدينة فيبى مدة
قليلة، ثم يتوجه إلى العراق، ثم إلى الشام والقدس.
ويخوض معاركه مع أعدائه في ثمانية أشهر، فيحقق انتصارات كاسحة، ويوحد العالم
الإسلامي تحت حكمه، ثم يعقد هدنة مع الغربيين بمساعدة عيسى (عليهما السلام).
ويقع حادثان قبل حركة ظهوره (عليه السلام) بنحو ستة أشهر، يكونان إشارة إلهية له:
الأول: انقلاب في بلاد الشام بقيادة عثمان السفياني، يتخيل فيه اليهود والغربيون
أنه إنجاز مهم في ضبط المنطقة المحيطة بفلسطين بيد زعامة قوية موالية لهم، تقف في
وجه تهديدات العرب وإيران للقدس. أما الذين يعرفون أحاديث السفياني وأن خروجه مقدمة
لظهور المهدي الموعود (عليه السلام) فيقولون صدق الله ورسوله: (سُبْحَانَ
رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً)، ويستعدون لنصرته (عليه
السلام).
والثاني: النداء السماوي إلى شعوب العالم يسمعونه جميعاً، أهل كل لغة بلغتهم، قوياً
نازلاً من السماء آتياً من كل صوب.. فلا يبقى نائم إلا استيقظ ولا قاعد إلا نهض
يخرج
الناس من صيحته من بيوتهم لينظروا ما الخبر؟! وهو يدعوهم إلى وضع حد للظلم والصراع
وسفك الدماء، ويأمرهم باتباع الإمام المهدي (عليه السلام) ويسميه باسمه واسم أبيه!
عندها يتحقق تأويل قوله تعالى: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ
عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)،
وتخضع أعناق البشر لهذه الآية الإلهية! ويعم العالم سؤال يلهج به الناس: من هو
المهدي وأين هو؟ لكن الشيطان لا يترك أتباعه حتى يشككوا الناس بمعجزة النداء
وينشطوا لقتل الإمام المهدي (عليه السلام)! بينما يزداد المؤمنون إيماناً بأنه
النداء الحق الموعود بالإمام المهدي (عليه السلام)، ويتوافدون لنصرته.
هنا يبدأ الإمام (عليه السلام) بالظهور تدريجياً كما وصف أمير المؤمنين (عليه
السلام): (يظهر في شبهة ليستبين، فيعلو ذكره ويظهر أمره). (البحار: ٥٢/٣). أي حتى
يتضح أمره للناس ويستبين، أو ليختبر استجابة الناس له ويستبين ذلك.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (لا يقوم القائم حتى يقوم اثنا عشر رجلاً
كلهم يجمع على قول إنهم قد رأوه فيكذبونهم). (النعماني/٢٧٧). ويبدو أنهم صادقون
بقرينة تعجب من تكذيب الناس لهم! وتكون رؤيتهم له (عليه السلام) في تلك الفترة
الحساسة (يظهر في شبهة ليستبين أمره). ويقوم الإمام (عليه السلام) في هذه المدة
بتوجيه دولة الممهدين اليمانيين والإيرانيين، ويتصل بأنصاره في شتى بلاد المسلمين.
وتتركز أنظار العالم في تلك الفترة على الحجاز باحثةً عن المهدي (عليه السلام) حيث
يُعرف أنه من أهل المدينة وأن حركته ستبدأ من مكة. ويقوم جيش السفياني باعتقال كثير
من بني هاشم في المدينة على أمل أن يكون المهدي (عليه السلام) منهم!
ويرافق ذلك موجة تعم الشعوب الإسلامية في الحديث عن المهدي (عليه السلام) وكراماته
ونداء جبرئيل (عليه السلام) باسمه فيكون ذلك تمهيداً مناسباً لظهوره. ولكنها تكون
فترة خصبة للكذابين والمشعوذين لادعاء المهدية ومحاولة تضليل الناس! فقد ورد أن
عدداً يدعون المهدية قبل ظهوره (عليه السلام) وأن اثني عشر شخصاً من آل أبي طالب
يدعو إلى نفسه، وكلها رايات ضلال ومحاولات لاستغلال تطلع العالم إلى ظهوره (عليه
السلام).
فعن
الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إياكم والتنويه! أما والله ليغيبن إمامكم سبتاً
من دهركم، ولتمحصن حتى يقال مات أو هلك بأي واد سلك! ولتدمعن عليه عيون المؤمنين،
ولتكفؤن كما تكفأ السفن أمواج البحر فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه
الإيمان وأيده بروح منه. ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يُدرى أيٌّ من أي! قال
المفضل: فبكيت، فقال ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ فقلت: كيف لا أبكي وأنت تقول ترفع
اثنتا عشرة راية لا يدرى أيٌّ من أي، فكيف نصنع؟ قال فنظر إلى شمس داخلة في الصفة
فقال: يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس؟ قلت: نعم. قال: والله لأمرنا أبين من هذه
الشمس). النعماني/١٥١، والبحار: ٥٢/٢٨١. أي لا تخشوا أن يشتبه عليكم أمر المدعين،
لأن أمر المهدي (عليه السلام) أوضح من الشمس بآياته وشخصيته التي لا تقاس بالمدعين
والكذابين.
بيعة المهدي (عليه السلام) على أثر موت الحاكم وصراع القبائل
عبد الرزاق: ١١/٣٧١، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يكون اختلاف عند موت
خليفة، فيخرج رجل من المدينة فيأتي مكة فيستخرجه الناس من بيته وهو كاره فيبايعونه
بين الركن والمقام، فيبعث إليه جيش من الشام، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم،
فيأتيه عصائب العراق وأبدال الشام فيبايعونه، فيستخرج الكنوز ويقسم المال، ويلقي
الإسلام بجرانه إلى الأرض، يعيش في ذلك سبع سنين، أو قال تسع سنين).
وفي ابن حماد: ١/٨٦، و٣٤٦، و٣٥٨، عن النبي (صلى الله عليه وآله): إنه يستخرج
الكنوز، ويقسم المال، ويلقي الإسلام بجرانه). والعصائب: الجماعات القليلة العدد.
يلقي بجرانه: أي يتمكن في الأرض ويقوى.
ابن أبي شيبة: ١٥/٤٥، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يبايع
لرجل بين الركن والمقام كعدة أهل بدر، فتأتيه عصائب العراق وأبدال الشام، فيغزوهم
جيش من أهل الشام، حتى إذا كانوا بالبيداء يخسف بهم، ثم يغزوهم رجل من قريش أخواله
كلب فيلتقون فيهزمهم الله، فكان يقال: الخائب من خاب من غنيمة كلب).
وأحمد: ٦/٣١٦، عن أم سلمة، وفيه: من المدينة هارب إلى مكة، فيأتيه ناس من
أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه. فيبعث إليهم جيش من الشام فيخسف بهم بالبيداء، فإذا رأى الناس ذلك أتته أبدال الشام وعصائب العراق فيبايعونه. ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليه المكي بعثاً فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب. فيقسم المال ويعمل في الناس سنة نبيهم (صلى الله عليه وآله). يمكث تسع سنين.. قال حرمي: أو سبع). وأبو داود: ٤/١٠٧، كأحمد عن أم سلمة. وفي/١٠٨، عن قتادة، وأم سلمة وقال: وحديث معاذ أتم. وأبو يعلى: ١/٣٢٢، وابن المنادي/٤١، والطبراني الكبير: ٢٣/٢٩٥ و٣٨٩، كابن شيبة بتفاوت يسير، عن أم سلمة، والحاكم: ٤/٤٣١ كابن شيبة بتفاوت يسير، عن أم سلمة، ومصابيح البغوي: ٣/٤٩٣، كأبي داود بتفاوت من حسانه، عن أم سلمة، وتهذيب ابن عساكر: ١/٦٢، كما في أبي داود.. إلى آخر المصادر، وفيها الصحيح السند والحسن كما في المنار المنيف/١٤٤، وقال في مجمع الزوائد: ٧/٣١٤: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. وقال الحافظ ابن الصديق المغربي في رده على ابن خلدون/٥٠٤: (قد أغنانا بإقراره أن رجال الحديث رجال الصحيحين، وأنه لا مطعن فيهم ولا مغمز عن إيراد أقوال أهل النقد فيهم وعن تقرير ما يثبت صحة الحديث، إذ أعلى الصحيح ما رواه الشيخان أو كان على شرطهما وإن لم يخرجاه كهذا الحديث). انتهى.
* * *
ابن
حماد: ١/٣٤٠: (عن أرطاة قال: إذا كان الناس بمنى وعرفات نادى مناد بعد أن تَحَازَبَ
وهو القبائل: ألا إن أميركم فلان، ويتبعه صوت آخر: ألا إنه قد كذب! ويتبعه صوت آخر:
ألا إنه قد صدق، فيقتتلون قتالاً شديداً فجلُّ سلاحهم البراذع وهو جيش البراذع!
وعند ذلك ترون كفاً معلمةً في السماء ويشتد القتال حتى لا يبقى من أنصار الحق إلا
عدة أهل بدر، فيذهبون حتى يبايعوا صاحبهم). ثم عقد ابن حماد باب بعنوان: اجتماع
الناس بمكة وبيعتهم للمهدي فيها وما يكون تلك السنة بمكة من الاختلاط والقتال
وطلبهم المهدي بعد القتال واجتماعهم عليه:
حدثنا أبو يوسف المقدسي، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): في ذي القعدة تحازب القبائل وعامئذ
قبل
ينتهب
الحاج فتكون ملحمة بمنى فيكثر فيها القتلى وتسفك فيها الدماء حتى تسيل دماؤهم على
عقبة الجمرة، حتى يهرب صاحبهم فيؤتى به بين الركن والمقام فيبايع وهو كاره، ويقال
له إن أبيت ضربنا عنقك فيبايعه مثل عدة أهل بدر، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض.
عن عبد الله بن عمرو قال: يحج الناس معاً ويعرفون معاً على غير إمام فبينما هم نزول
بمنى إذ أخذهم كالكَلَب فثارت القبائل بعضهم إلى بعض فاقتتلوا حتى تسيل العقبة
دماً، فيفزعون إلى خيرهم فيأتونه وهو ملصق وجهه إلى الكعبة يبكي كأني أنظر إليه
وإلى دموعه فيقولون هلمَّ فلنبايعك، فيقول ويحكم كم من عهد قد نقضتموه وكم من دم قد
سفكتموه! فيبايع كرهاً فإن أدركتموه فبايعوه فإنه المهدي في الأرض والمهدي في
السماء.... إلى آخر رواياته العديدة من هذا النوع عن عبد الله وسعيد بن المسيب،
وابن عباس، وابن حوشب، وغيرهم.
عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: تكون آية في شهر رمضان، ثم تظهر
عصابة في شوال، ثم تكون معمعة في ذي القعدة، ثم يسلب الحاج في ذي الحجة، ثم تنتهك
المحارم في المحرم، ثم يكون صوت في صفر، ثم تنازع القبائل في شهري ربيع. ثم العجب
كل العجب بين جمادى ورجب، ثم ناقة مقتبة خير من دسكرة تغل مائة ألف). ومعنى ناقة
مُقَتَّبة: أن الأمن يفقد حتى تكون وسيلة السفر والفرار المجهزة خيراً من الأملاك
الثابتة. والدسكرة: المزرعة. وفي الطبراني الأوسط: ١/٣١٣، عن أبي هريرة، وفيه: في
شهر رمضان الصوت، وفي ذي القعدة تميز القبائل، وفي ذي الحجة يسلب الحاج. وفي
الحاكم: ٤/٥١٧ كرواية نعيم الأولى، بتفاوت يسير، وفيه: تكون هدة. توقظ النائم وتفزع
اليقظان ثم تظهر. ثم معمعة في ذي الحجة، ثم تنتهك. ثم يكون موت في صفر، ثم تتنازع
القبائل في الربيع.
* * *
وتلاحظ أنهم صرحوا في بعض أحاديثهم بأن الشخص المبايع هو المهدي (عليه السلام) كما في جامع الأحاديث: ٨/٢٦ و: ٩/٥٨٤، والمعجم الأوسط: ٢/٨٩ عن أم سلمة، وابن حماد: ١/٣٤١، لكن أكثرهم أبهمه فقال يبايعون رجلاً من أهل المدينة أو من بني
هاشم،
كما في جامع المسانيد: ١٦/٢٩٢! وهذه طريقتهم في التعتيم بغضاً أو خوفاً.!
وقد أشار السلمي في عقد الدرر/١٣، إلى أن بعض الرواة حذف ذلك من الحديث النبوي!
قال: (وعن حذيفة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو لم
يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله فيه رجلاً اسمه اسمي وخلقه خلقي يكنى أبا عبد
الله أخرجه الحافظ أبو نعيم في صفة المهدي. وروي من حديث أبي الحسن الربعي المالكي
أتم من هذا عن حذيفة أيضاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: لو لم يبق
من الدنيا إلا يوم واحد، لبعث الله فيه رجلاً اسمه اسمي وخلقه خلقي يكنى أبا عبد
الله، يبايع له الناس بين الركن والمقام يرد الله به الدين ويفتح له فتوح فلا يبقى
على وجه الأرض إلا من يقول: لا إله إلا الله. فقام سلمان فقال: يا رسول الله من أي
ولدك؟ قال: من ولد ابني هذا، وضرب بيده على الحسين).
* * *
وقد
تقدمت رواية موت حاكم الحجاز من مصادرنا في الفتن المتصلة بظهوره (عليه السلام) وفي
أحاديث النداء السماوي كالذي رواه النعماني/٢٦٧، عن الإمام الصادق (عليه السلام)
قال: بينا الناس وقوفٌ بعرفات إذ أتاهم راكب على ناقة ذعلبة يخبرهم بموت خليفة يكون
عند موته فرج آل محمد (صلى الله عليه وآله) وفرج الناس جميعاً). وعقد الدرر/١٠٦،
وإثبات الهداة: ٣/٧٣٧، والبحار: ٥٢/٢٤٠. والذعلبة: الخفيفة السريعة كناية عن
الإسراع في إيصال الخبر إلى الحجاج. والظاهر أن أسلوب إيصال الخبر مقصود في
الرواية. وفي رواية أنهم يقتلون الرجل الذي ينشر الخبر في عرفات.
وفي النعماني/٢٦٢، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا اختلفت بنو
أمية وذهب ملكهم، ثم يملك بنو العباس فلا يزالون في عنفوان من الملك وغضارة من
العيش حتى يختلفوا فيما بينهم، فإذا اختلفوا ذهب ملكهم، واختلف أهل المشرق وأهل
المغرب، نعم وأهل القبلة. ويلقى الناس جهد شديد مما يمر بهم من الخوف، فلا يزالون
بتلك الحال حتى ينادي مناد من السماء، فإذا نادى فالنفر النفر، فوالله لكأني أنظر
إليه بين الركن والمقام يبايع الناس بأمر جديد، وكتاب جديد، وسلطان
جديد
من السماء. أما إنه لا تُردُّ له راية أبداً حتى يموت). انتهى.
وذكرت بعض الروايات أن سبب قتل ذلك الحاكم مسألة أخلاقية وأن الذي يقتله أحد خدمه
ويهرب! فعن الإمام الباقر (عليه السلام): (يكون سبب موته أنه ينكح خصياً له فيقوم
فيذبحه ويكتم موته أربعين يوماً، فإذا سارت الركبان في طلب الخصي لم يرجع أول من
يخرج حتى يذهب ملكهم)! (كمال الدين/٦٥٥، والخرائج: ٣/١١٦٠).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (ولذلك آيات وعلامات أولهن إحصار الكوفة بالرصد
والخندق، وخفق رايات حول المسجد الأكبر تهتز القاتل والمقتول في النار).
(مختصر البصائر/١٩٩، والبحار: ٥٢/٢٧٣). فالرايات المتصارعة تتنازع حول المسجد
الأكبر المسجد الحرام، أي في الحجاز، وليس فيها راية هدى.
وقد تقدم قول الإمام الصادق (عليه السلام) من غيبة الطوسي/٢٧١، من يضمن لي موت عبد
الله أضمن له القائم، ثم قال: إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحد ولم
يتناهَ هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله، ويذهب ملك السنين ويصير ملك الشهور
والأيام! فقلت يطول ذلك؟ قال: كلا).
* * *
يصلح الله أمر المهدي (عليه السلام) في ليلة
ابن أبي شيبة: ١٥/١٩٧، بروايتين عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله): المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة). ومثله أحمد: ١/٨٤، ونحوه
ابن حماد: ١/٣٦٢، بروايتين وتاريخ بخاري: ١/٣١٧، كرواية ابن حماد الثانية، عن علي
(عليه السلام)، وابن ماجة: ٢/١٣٦٧، كابن شيبة، عن علي (عليه السلام)، وأبو يعلى:
١/٣٥٩، عن ابن شيبة، وحلية الأولياء: ٣/١٧٧ كما في ابن شيبة، بتفاوت يسير، عن علي
(عليه السلام)، وأخبار إصبهان: ١/١٧٠، وقال الشافعي في البيان/٤٨٧: وانضمام هذه
الأسانيد بعضها إلى بعض، وإيداع الحفاظ ذلك في كتبهم يوجب القطع بصحته. ومال ابن
كثير في الفتن: ١/٣٨ إلى توثيقه، وقال السيوطي في الدر المنثور: ٦/٥٨: وأخرج ابن
أبي شيبة وأحمد وابن ماجة. ورواه الجامع الصغير: ٢/٦٧٢، وحسنه. ومرقاة المفاتيح:
٥/١٨٠، وفيه: من أهل البيت، وقال: أي يصلح أمره ويرفع قدره في ليلة واحدة أو في
ساعة واحدة من الليل، حيث يتفق على خلافته أهل الحل والعقد فيها. والمغربي/٥٣٣،
وقال: وهو حديث حسن كما قال الحفاظ، وقد وهم بعضهم فظن أن ياسين هو ابن معاذ الزيات
لأنه وقع في سنن ابن ماجة غير منسوب، فحكم بضعفه بناء على وهمه، وظنه أن ياسين هو
الزيات لا العجلي، أما العجلي فثقة).
ورواه من مصادرنا: دلائل الإمامة/٢٤٧، عن علي (عليه السلام) كما في ابن أبي شيبة.
وفي كمال الدين: ١/١٥٢، عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): المهدي منا أهل البيت يصلح الله له أمره في ليلة، وفي رواية أخرى: يصلحه
الله في ليلة. فروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال لبعض أصحابه: كن لما لا ترجو
أرجى منك لما ترجو، فإن موسى بن عمران (عليه السلام) خرج ليقتبس لأهله ناراً فرجع
إليهم وهو رسول نبي، فأصلح الله تبارك وتعالى أمر عبده ونبيه موسى (عليه السلام) في
ليلة، وهكذا يفعل الله تبارك وتعالى بالقائم الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام)،
يصلح أمره في ليلة كما أصلح أمر نبيه موسى ويخرجه من الحيرة والغيبة إلى نور الفرج
والظهور). وعنه البحار: ١٣/٤٢.
أقول: اتضح لك أن معنى (يصلح الله أمره أو يصلحه في ليلة) أنه يهيئ له أسباب نصره
وأداء مهمته الكبرى، وهذا يشمل تهيئة وضع الأمة والأوضاع العالمية، والفيض الرباني
المتناسب مع مقامه ومهمته (عليه السلام)، وقد اشتبه المعنى على بعضهم فتخيل أن
المهدي (عليه السلام) لا يكون صالحاً قبل تلك الليلة فيتوب الله تعالى عليه فيها!
وهذه سذاجة وتسطيح بدون دليل، فقد أجمع المسلمون على أن النبي (صلى الله عليه وآله)
سماه(المهدي) وهو يدل على عصمته الكاملة وسمو شخصيته، بينما يجعله تفسيرهم العامي
ضالاً فاسقاً إلى ليلة ظهوره!
يوم المهدي (عليه السلام) أحد أيام الله الثلاثة
تفسير القمي: ١/٣٦٧، في قوله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى
بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ
بِأَيَّامِ اللهِ): قال: أيام الله ثلاثة: يوم القائم، يوم الموت ويوم
القيامة). ومثله الخصال/١٠٨، ومعاني الأخبار/٣٦٥، وروضة الواعظين/ ٣٩٢، ومختصر
البصائر/١٨، و٤١، وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٥٧، والبحار: ٧/٦١ و٥٣/٦٣، و: ١٣/١٢،
وتأويل الآيات: ٢/٥٧٦.
مشارق أنوار اليقين/١٥٩، عن كتاب الواحدة عن عمار عن أمير المؤمنين (عليه السلام):
الغيب: يوم الرجعة ويوم القيامة ويوم القائم وهي أيام آل محمد، وإليها الإشارة
بقوله: وذكرهم بأيام الله، فالرجعة لهم ويوم القيامة لهم، ويوم القائم لهم، وحكمه
إليهم، ومعول المؤمنين فيه عليهم). وفي مختصر البصائر/١٨، عن موسى الحناط قال: سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أيام الله ثلاثة: يوم يقوم القائم (عليه السلام)،
ويوم الكرة، ويوم القيامة). وعنه البحار: ٥٣/٦٣.
لقاء الإمام (عليه السلام) بأصحابه الأبرار
تقدم في الفصل الخاص بأصحابه (عليه السلام) أحاديث مجيئهم إلى مكة قزعاً كقزع
الخريف ولقائهم بالإمام (عليه السلام)، ومنها من تفسير العياشي: ٢/٥٦، عن الإمام
الباقر (عليه السلام) قال: (يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب وأشار إلى
ناحية ذي طوى (وهي من شعاب مكة ومداخلها) حتى إذا كان قبل خروجه بليلتين انتهى
المولى الذي يكون بين يديه حتى يلقى بعض أصحابه فيقول: كم أنتم هاهنا؟ فيقولون: نحو
من أربعين رجلاً فيقول كيف أنتم لو قد رأيتم صاحبكم؟ فيقولون: والله لو يأوي الجبال
لأوينا معه! ثم يأتيهم من القابلة فيقول لهم: أشيروا إلى ذوي أسنانكم وأخياركم عشرة
فيشيرون له إليهم فينطلق بهم حتى يأتوا صاحبهم، ويعدهم إلى الليلة التي تليها).
وفي النعماني/٣١٦، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إن صاحب هذا الأمر محفوظةٌ
له أصحابه، لو ذهب الناس جميعاً أتى الله بأصحابه وهم الذين قال فيهم الله (عزَّ
وجلَّ): (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا
بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِين). وهم الذين قال الله فيهم: (فَسَوْفَ
يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: منهم من يفقد عن فراشه ليلاً فيصبح بمكة،
ومنهم من يرى يسير في السحاب نهاراً يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه. قلت: جعلت
فداك أيهم أعظم إيماناً؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً). (النعماني/٣١٢ وعنه
البحار: ٥٢/٣٦٨).
أقول: معنى سيرهم في السحاب نهاراً أن الله تعالى ينقلهم إلى مكة بالسحاب على نحو
الكرامة والإعجاز، وقد يكون معناه مجيؤهم بالطائرات مثلاً كسائر المسافرين، بجوازات
سفر بأسمائهم وأسماء آبائهم.
وفي دلائل الإمامة/٣٠٧: يجمعهم الله إلى مكة في ليلة واحدة وهي ليلة الجمعة
فيتوافون في صبيحتها إلى المسجد الحرام، لا يتخلف منهم رجل واحد). انتهى. وهذا
ينسجم مع رواية الفريقين أن الله تعالى يصلح أمره (عليه السلام) في ليلة، وأن ظهوره
مساء يوم الجمعة التاسع من محرم.
الحركة الاختبارية شهادة النفس الزكية
تكون القوى الفاعلة في مكة عند ظهور المهدي (عليه السلام) كما يفهم من الروايات:
الحكومة الحجازية التي تجمع قواها رغم ضعفها لمواجهة ظهوره الذي يتطلع إليه
المسلمون من مكة ويشغلهم في موسم الحج. ومخابرات جيش السفياني الذي يتعقب الفارين
من قبضته من المدينة، ويستطلع الوضع لدخول مكة عندما يقتضي الأمر لضرب أي حركة
منها. ومخابرات الدول الكبرى التي تعمل لمساعدة حكومة الحجاز وقوات السفياني وترصد
الوضع في مكة خاصة. كما يكون لليمانيين دور في مكة لأن دولتهم الممهدة تكون قامت
قبل بضعة شهور.
في مثل هذا الجو المعادي يتحرك الإمام المهدي أرواحنا فداه ويبدأ من الحرم الشريف
ويسيطر على مكة. ومن الطبيعي أن لا تذكر الروايات تفاصيل حركته، عدا تلك التي تنفع
في إنجاح الثورة المقدسة أو لا تضر بها. وأبرز ما تذكره أنه (عليه السلام) يرسل
شاباً من أصحابه وأرحامه في الرابع والعشرين أو الثالث والعشرين من ذي الحجة، أي
قبل ظهوره بخمسة عشر ليلة، لكي يلقي بيانه في المسجد الحرام، وما أن يقف بعد الصلاة
ويقرأ رسالة الإمام (عليه السلام) أو فقرات منها حتى يثبوا إليه ويقتلوه
بوحشية بين الركن والمقام، ويكون لشهادته المفجعة أثر في الأرض وفي السماء! وتكون
شهادته حركة اختبارية ذات فوائد متعددة، فهي تكشف للناس وحشية السلطة، وتمهد لحركة
المهدي (عليه السلام) التي لا تتأخر عنها أكثر من أسبوعين، وقد تبعث التراخي في
أجهزة السلطة بسبب هذا الإقدام الوحشي السريع.
وأخبار شهادة هذا الشاب الزكي عديدة في مصادر الفريقين، وكثيرة في مصادرنا وتسميه
الغلام، والنفس الزكية، ويسميه بعضها محمد بن الحسن، وقد تقدمت أحاديثه في فصل
أصحاب المهدي (عليه السلام). وفي رواية طويلة عن أبي بصير عن الإمام الباقر (عليه
السلام) قال: (يقول القائم لأصحابه: يا قوم إن أهل مكة لا يريدونني ولكني مرسل
إليهم لأحتج عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم. فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له:
امض إلى أهل مكة فقل: يا أهل مكة أنا رسول فلان إليكم وهو يقول لكم: إنا أهل بيت
الرحمة ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرية محمد (صلى الله عليه وآله) وسلالة
النبيين، وإنا قد ظلمنا واضطهدنا وقهرنا وابتُز منا حقنا منذ قبض نبينا إلى يومنا
هذا، فنحن نستنصركم فانصرونا! فإذا تكلم الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين
الركن والمقام وهي النفس الزكية. فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه: أما أخبرتكم أن
أهل مكة لا يريدوننا! فلا يدعونه حتى يخرج فيهبط من عقبة طوى في ثلاث مئة وثلاثة
عشر رجلاً عدة أهل بدر حتى يأتي المسجد الحرام فيصلي عند مقام إبراهيم أربع ركعات،
ويسند ظهره إلى الحجر الأسود ثم يحمد الله ويثني عليه ويذكر النبي ويصلي عليه
ويتكلم بكلام لم يتكلم به أحد من الناس). (البحار: ٥٢/٣٠٧). وطُوى: أحد مداخل مكة،
وما ورد فيها عن النفس الزكية قوي في نفسه، لكن المرجح أنه وأصحابه يدخلون المسجد
فرادى.
يظهر الإمام (عليه السلام) في وتر من السنين
في النعماني ج عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (يقوم القائم (عليه
السلام) في وتر من السنين: تسع، واحدة، ثلاث، خمس).
وفي الإرشاد/٣٦١، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يخرج القائم
إلا في وتر من السنين، سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع). وفي غيبة
الطوسي/٣٧٤، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يخرج القائم إلا في وتر من
السنين، تسع وثلاث وخمس وإحدى). وروضة الواعظين: ٢/٢٦٣، وإعلام الورى/٤٢٩،
والخرائج: ٣/١١٦١، ومنتخب الأنوار/٣٥، وعنها العدد القوية/٧٦، وأخبار الدول/١١٨،
كالإرشاد، وإثبات الهداة: ٣/٥١٤، والبحار: ٥٢/٢٣٥، و٢٩١.
بداية ظهور (عليه السلام) يوم الجمعة تاسع محرم
الخصال: ٢/٣٩٤، عن محمد بن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: السبت لنا، والأحد لشيعتنا، والاثنين لأعدائنا، والثلاثاء لبني أمية،
والأربعاء يوم شرب الدواء، والخميس تقضى فيه الحوائج، والجمعة للتنظف والتطيب، وهو
عيد المسلمين وهو أفضل من الفطر والأضحى، ويوم الغدير أفضل الأعياد، وهو ثامن عشر
من ذي الحجة وكان يوم الجمعة، ويخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة، وتقوم القيامة
يوم الجمعة، وما من عمل يوم الجمعة أفضل من الصلاة على محمد وآله). وعنه روضة
الواعظين: ٢/٣٩٢، وعنهما إثبات الهداة: ٣/٤٩٦ و٥٦٠، ووسائل الشيعة: ٥/٦٦، والبحار:
٧/٥٩ و: ٥٢/٢٧٩ و: ٥٩/٢٦. وتقدم في الرواية الطويلة عن الإمام الباقر (عليه
السلام): فيهبط من عقبة طوى في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر حتى يأتي
المسجد الحرام، فيصلي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات، ويسند ظهره إلى الحجر
الأسود، ثم يحمد الله ويثني عليه ويذكر النبي (صلى الله عليه وآله) ويصلي عليه
ويتكلم بكلام لم يتكلم به أحد من الناس فيكون أول من يضرب على يده ويبايعه جبرئيل
وميكائيل، ويقوم معهما رسول الله وأمير المؤمنين فيدفعان إليه كتابا جديداً هو على
العرب شديد بخاتم رطب، فيقولون له: إعمل بما فيه ويبايعه الثلاثمائة وقليل من أهل
مكة. ثم يخرج من مكة حتى يكون في مثل الحلقة قلت: وما الحلقة؟ قال: عشرة آلاف رجل،
جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله، ثم
يهز الراية الجلية وينشرها وهي راية رسول الله السحاب ودرع رسول الله (صلى الله
عليه وآله) السابغة ويتقلد بسيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذي الفقار).
البحار: ٥٢/٣٠٧، وإثبات الهداة: ٣/٥٨٢.
يظهر (عليه السلام) يوم عاشوراء يوم سبت
كمال الدين: ٢/٦٥٣، عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يخرج القائم
(عليه السلام) يوم السبت يوم عاشوراء اليوم الذي قتل فيه الحسين (عليه السلام)).
وفي التهذيب: ٤/٣٠٠، عن كثير النوا، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لزقت السفينة
يوم عاشورا على الجودي فأمر نوح (عليه السلام) من معه من الجن والإنس أن يصوموا ذلك
اليوم. وقال أبو جعفر (عليه السلام): أتدرون ما هذا اليوم؟ هذا اليوم الذي تاب الله
(عزَّ وجلَّ) فيه على آدم وحوا (عليهما السلام)، وهذا اليوم الذي فلق الله فيه
البحر لبني إسرائيل فأغرق فرعون ومن معه، وهذا اليوم الذي غلب فيه موسى (عليه
السلام) فرعون، وهذا اليوم الذي ولد فيه إبراهيم (عليه السلام)، وهذا اليوم الذي
تاب الله فيه على قوم يونس (عليه السلام)، وهذا اليوم الذي ولد فيه عيسى بن مريم
(عليه السلام)، وهذا اليوم الذي يقوم فيه القائم (عليه السلام)). وعنه وسائل
الشيعة: ٧/٣٣٨، ومثله إقبال الأعمال/٥٥٨، وعنه البحار: ٩٨/٣٤.
وفي الإرشاد/٣٦١، عن أبي بصير: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ينادى باسم القائم
(عليه السلام) في ليلة ثلاث وعشرين ويقوم في يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي قتل فيه
الحسين بن علي (عليهما السلام). لكأني به في يوم السبت العاشر من المحرم قائماً بين
الركن والمقام جبرئيل (عليه السلام) عن يمينه ينادي البيعة لله، فتصير إليه شيعته
من أطراف الأرض تطوى لهم طياً حتى يبايعوه، فيملأ الله به الأرض عدلاً كما ملئت
جوراً وظلماً).
وفي غيبة الطوسي/٢٧٤، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كأني بالقائم يوم عاشوراء يوم
السبت قائماً بين الركن والمقام، بين يديه جبرئيل ينادي: البيعة لله، فيملؤها عدلاً
كما ملئت ظلماً وجوراً). والنعماني/٢٨٢، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه
السلام) قال: يقوم القائم يوم عاشوراء. ونحوه التهذيب: ٤/٣٣٣، عن الإمام الباقر
(عليه السلام) وفيه: اليوم الذي قتل فيه
الحسين (عليه السلام) ويقطع أيدي بني شيبة ويعلقها في الكعبة. وروضة الواعظين/٢٦٣،
وإعلام الورى/٤٣٠، كالإرشاد، وفيه: في يوم ست وعشرين من شهر رمضان.. ينادي بالبيعة
له. وملاحم ابن طاووس/١٩٤، كالنعماني. وكشف الغمة: ٣/٢٥٢، عن الإرشاد. وفي/٣٢٤، عن
إعلام الورى. والخرائج: كغيبة الطوسي بتفاوت يسير، وفيه: يد جبرئيل على يده. والعدد
القوية/٦٥، مثل كمال الدين، وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٩١ وفي/٥١٤، عن غيبة الطوسي
بتفاوت يسير، والبحار: ٥٢/٢٨٥، عن كمال الدين، وفي/٢٩٠، عن غيبة الطوسي، وفي/٩٨،
١٩٠، عن العدد القوية. والفصول المهمة/٣٠٢، كالإرشاد بتفاوت، وفيه: وشخص قائم على
يده ينادي البيعة البيعة.. ثم يسير من مكة حتى يأتي الكوفة.. فيصير إليه أنصاره
فينزل نجفها ثم يفرق الجنود منها إلى الأمصار. وإثبات الهداة: ٣/٥١٤، عن غيبة
الطوسي. والبحار: ٥٢/٢٩٧، عن النعماني.
رواية أن يوم عاشوراء يصادف يوم النوروز
روى في المهذب البارع: ١/١٩٤، عن المعلى بن خنيس عن الإمام الصادق (عليه السلام):
رواية عن يوم النوروز جاء فيها: وهو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت وولاة
الأمر، ويظفره الله تعالى بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة، وما من يوم نوروز إلا
ونحن نتوقع فيه الفرج لأنه من أيامنا، حفظه الفرس وضيعتموه). وعنه إثبات الهداة:
٣/٥٧١، والبحار: ٥٢/٢٧٦، و: ٥٩/٩١. أقول: تواتر عن أهل البيت (عليهم السلام) أن يوم
ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) يكون يوم عاشوراء، وفي عدد منها يوم سبت، ويفهم
من بعضها أنه يكون في الصيف أو الخريف، فيشكل مصادفته يوم النوروز الذي هو شهر
آذار.
بيان الإمام الأول إلى أهل مكة
ذكرت الروايات فقرات من خطبته (عليه السلام)، أو بيانه الأول الذي يلقيه على أهل
مكة مساء يوم الجمعة، وبيانه الثاني الذي يوجهه في اليوم التالي إلى المسلمين
والعالم. من ذلك ما رواه ابن حماد: ١/٣٤٥، قال: حدثنا سعيد أبو عثمان، عن جابر عن
أبي جعفر قال: ثم يظهر المهدي بمكة عند العشاء ومعه راية رسول الله (صلى الله عليه
وآله) وقميصه وسيفه وعلامات ونور وبيان، فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته يقول:
أذكركم الله
أيها الناس ومقامكم بين يدي ربكم، فقد اتخذ الحجة وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب،
وأمركم أن لا تشركوا به شيئاً، وأن تحافظوا على طاعته وطاعة رسوله، وأن تحيوا ما
أحيا القرآن وتميتوا ما أمات وتكونوا أعواناً على الهدى ووزراً على التقوى، فإن
الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها وآذنت بالوداع. فإني أدعوكم إلى الله وإلى رسوله
والعمل بكتابه وإماتة الباطل وإحياء سنته. فيظهر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة
أهل بدر على غير ميعاد قزعاً كقزع الخريف، رهبانٌ بالليل أسدٌ بالنهار، فيفتح الله
للمهدي أرض الحجاز ويستخرج من كان في السجن من بني هاشم، وتنزل الرايات السود
الكوفة فتبعث بالبيعة إلى المهدي، ويبعث المهدي جنوده في الآفاق، ويميت الجور
وأهله، وتستقيم له البلدان ويفتح الله على يديه القسطنطينية). وقَزَع الخريف: غيومه
التي تكون متفرقة ثم تجتمع وأول من شبه تجمع أصحاب المهدي (عليه السلام) بذلك أمير
المؤمنين (عليه السلام) كما في نهج البلاغة خطبة رقم١٦٦، ولا بد أنه أخذ ذلك من
النبي (صلى الله عليه وآله). ويحتمل أن يكون ظهور المهدي (عليه السلام) وتجمع
أصحابه في مكة في فصل الخريف، أو آخر الصيف كما أشرنا.
وذكرت بعض الروايات أن رجلاً من أصحابه (عليه السلام) يقف أولاً في المسجد الحرام
فيعرِّفُه للناس ويدعوهم إلى إجابته ثم يأتي هو (عليه السلام) ويلقي خطبته، ففي
بحار الأنوار: ٥٢/٣٠٥: (وروى السيد علي بن عبد الحميد بإسناده إلى كتاب الفضل بن
شاذان عن ابن محبوب رفعه إلى أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا خسف بجيش السفياني..
إلى أن قال: والقائم يومئذ بمكة عند الكعبة مستجيراً بها يقول: أنا ولي الله أنا
أولى بالله وبمحمد (صلى الله عليه وآله) فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم،
ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس
بإبراهيم، ومن حاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد، ومن حاجني في النبيين فأنا
أولى الناس بالنبيين. إن الله تعالى يقول: (إِنَّ اللهَ
اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ.
ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). فأنا بقية آدم
وخيرة نوح ومصطفى
إبراهيم وصفوة محمد، ألا ومن حاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله، ألا
ومن حاجني في سنة رسول الله فأنا أولى الناس بسنة رسول الله وسيرته، وأنشد الله من
سمع كلامي لما يبلغ الشاهد الغائب. فيجمع الله له أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً
فيجمعهم الله على غير ميعاد قزع كقزع الخريف، ثم تلا هذه الآية: (أَيْنَ
مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً)، فيبايعونه بين الركن والمقام،
ومعه عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد تواترت عليه الآباء فان أشكل عليهم من
ذلك شيء فإن الصوت من السماء لا يشكل عليهم إذا نودي باسمه واسم أبيه.
وبالإسناد المذكور يرفعه إلى علي بن الحسين (عليهما السلام): في ذكر القائم (عليه
السلام) في خبر طويل قال: فيجلس (عليه السلام) تحت شجرة سمرة فيجيئه جبرئيل (عليه
السلام) في صورة رجل من كلب، فيقول: يا عبد الله ما يجلسك ههنا؟ فيقول: يا عبد الله
إني أنتظر أن يأتيني العشاء فأخرج في دبره إلى مكة، وأكره أن أخرج في هذا الحر، قال
فيضحك فإذا ضحك عرفه أنه جبرئيل، قال: فيأخذ بيده ويصافحه ويسلم عليه ويقول له: قم
ويجيئه بفرس يقال له البراق فيركبه ثم يأتي إلى جبل رضوى، فيأتي محمد وعلي فيكتبان
له عهداً منشوراً يقرؤه على الناس، ثم يخرج إلى مكة والناس يجتمعون بها قال: فيقوم
رجل منه فينادي: أيها الناس هذا طلبتكم قد جاءكم، يدعوكم إلى ما دعاكم إليه رسول
الله (صلى الله عليه وآله) قال: فيقومون، قال: فيقوم هو بنفسه فيقول: أيها الناس
أنا فلان بن فلان أنا ابن نبي الله، أدعوكم إلى ما دعاكم إليه نبي الله، فيقومون
إليه ليقتلوه فيقوم ثلاثمائة ونيف على الثلاثمائة فيمنعونه، منهم خمسون من أهل
الكوفة وسائرهم من أفناء الناس، لا يعرف بعضهم بعضاً اجتمعوا على غير ميعاد).
وبالإسناد يرفعه إلى أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن القائم ينتظر من
يومه ذي طوى في عدة أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً حتى يسند ظهره إلى الحجر
ويهز الراية المغلبة. قال علي بن أبي حمزة: ذكرت ذلك لأبي إبراهيم (عليه السلام)
قال: وكتاب منشور).
رجل منه: أي من نسبه. فيقومون: فيقفون ليروا المهدي (عليه السلام)، أو يقفون
ويأخذون بالانصراف خوفاً من السلطة، فالذين يقومون ليقتلوه لابد أنهم من سلطة
الحجاز.
والرواية تصور حالة المسلمين في الشوق إلى المهدي (عليه السلام) وبحثهم عنه وخوفهم
من إرهاب أعدائه! وفي مثل ذلك الجو المتوتر المعادي، وبعد بطش أعدائه بالنفس الزكية
بوحشية لمجرد أنه قال أنا رسول المهدي (عليه السلام) وبلغهم عنه كلمات!
وفي ذلك الجو لابد أن يكون الإمام (عليه السلام) قد أعد عدته بالأسباب الطبيعية
مضافاً إلى الأسباب الغيبية، وأن يكون أصحابه وأنصاره من اليمانيين والإيرانيين
والحجازيين قد سيطروا على الحرم الشريف ثم على مكة. بل ذكرت الروايات أنه يبايعه
عدد من المكيين أنفسهم. وهؤلاء هم القوة البشرية الذين يقومون بالأعمال والمهام
المتعددة الضرورية لإنجاح حركته المقدسة والإمساك بزمام الأمر في مكة، وتحويل
التيار الشعبي المؤيد له إلى حالة ثورة متكاملة. ولا بد أن يكون أصحابه الخاصون
الثلاث مئة وثلاثة عشر القادة الموجهين لفعاليات الأنصار، ولا يعني ذلك أن حركة
ظهوره (عليه السلام) تكون دموية، فالروايات لا تذكر حدوث أي معركة أو قتل في المسجد
الحرام ولا في مكة. وكنت سمعت من بعض العلماء أن أصحاب المهدي (عليه السلام) يقتلون
إمام المسجد الحرام في تلك الليلة، لكن غاية ما وجدته ما نقله صاحب إلزام الناصب
(رحمه الله) في: ٢/١٦٦، عن بعض العلماء قال: (وفي اليوم العاشر من المحرم يخرج
الحجة يدخل المسجد الحرام يسوق أمامه عنيزات ثمان عجاف(ثماني عجافاً) ويقتل خطيبهم
فإذا قتل الخطيب غاب عن الناس في الكعبة، فإذا جنة الليل ليلة السبت صعد سطح الكعبة
ونادى أصحابه الثلاثة مائة وثلاثة عشر، فيجتمعون عنده من مشرق الأرض ومغربها، فيصبح
يوم السبت ويدعو الناس إلى بيعته). انتهى.
ولكنه نصٌّ غير مسند إلى معصوم (عليهم السلام) مضافاً إلى ضعف متنه. لهذا نرجح أن
حركة ظهوره (عليه السلام) تكون بيضاء لا تسفك فيها دماء بسبب الإمداد الغيبي وإلقاء
الرعب في قلوب أعدائه، ثم بسبب الخطة المتقنة للسيطرة على الحرم وعلى المواقع
الهامة في
مكة بدون سفك دماء، فذلك أمرٌ مقصودٌ منه (عليه السلام) قصداً لحفظ حرمة المسجد
الحرام ومكة المكرمة وقدسيتها.
في تلك الليلة المباركة تتنفس مكة الصعداء، وترفُّ عليها راية الإمام المهدي
الموعود صلوات الله عليه، وتشعُّ منها أنواره إلى أرجاء العالم. بينما يبذل الأعداء
وإعلامهم العالمي غاية جهودهم للتعتيم على نجاح حركته المقدسة، ثم يصورونها بعد
ظهور خبرها بأنها حركة أحد المتطرفين المدعين للمهدية، الذي سبق أن قتل عدد منهم في
مكة وغيرها! ويحشدون طاقتهم لضرب الحركة، وأولها قوات السفياني التي تتوجه بسرعة
إلى مكة.
وفي اليوم التالي لظهوره (عليه السلام) ويكون يوم عاشوراء يوم سبت كما تذكر
الرواية، يدخل الإمام المهدي (عليه السلام) المسجد الحرام ليخاطب شعوب المسلمين
كلها وشعوب العالم بلغاتها، ويطلب منهم النصرة على الكافرين والظالمين.
بيان الإمام (عليه السلام) العالمي يوم عاشوراء
وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ
روت مصادر الشيعة والسنة فقرات من خطبته (عليه السلام) وبيانه الأول إلى العالم،
وقد تقدم بعضه. ومنها ما رواه العياشي: ٢/٥٦، عن عبد الأعلى الحلبي قال: قال أبو
جعفر (عليه السلام): والله لكأني أنظر إليه وقد أسند ظهره إلى الحجر، ثم ينشد الله
حقه ثم يقول: يا أيها الناس من يحاجني في الله فأنا أولى الناس بالله، ومن يحاجني
في آدم فأنا أولى الناس بآدم، يا أيها الناس من يحاجني في نوح فأنا أولى الناس
بنوح، يا أيها الناس من يحاجني في إبراهيم فأنا أولى بإبراهيم، يا أيها الناس من
يحاجني في موسى فأنا أولى الناس بموسى، يا أيها الناس من يحاجني في عيسى فأنا أولى
الناس بعيسى، يا أيها الناس من يحاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد (صلى الله
عليه وآله). يا أيها الناس من يحاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله.
ثم ينتهي إلى المقام فيصلي ركعتين، ثم ينشد الله حقه. قال أبو جعفر (عليه السلام):
هو والله المضطر في كتاب الله وهو قول الله: (أَمَّنْ
يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ
الأرض)، وجبرئيل على الميزاب في صورة طاير أبيض، فيكون أول خلق الله يبايعه
جبرئيل، ويبايعه الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً.
قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): فمن ابتلي في المسير وافاه في تلك الساعة، ومن لم
يبتل بالمسير فُقد عن فراشه ثم قال: هو والله قول علي بن أبي طالب (عليه السلام):
المفقودون عن فرشهم، وهو قول الله: (فَاسْتَبِقُوا
الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً)، أصحاب
القائم الثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، قال: هم والله الأمة المعدودة التي قال الله في
كتابه: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إلى
أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ)، قال: يجمعون في ساعة واحدة قزعاً كقزع الخريف فيصبح
بمكة فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) فيجيبه نفر يسير
ويستعمل على مكة ثم يسير فيبلغه أن قد قتل عامله). وتقدمت رواية الاختصاص/٢٥٥،
وغيبة الطوسي/٢٦٩، في الخسف بجيش السفياني، وفيها قوله (عليه السلام): يا أيها
الناس: إنا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس، وإنا أهل بيت نبيكم محمد (صلى الله
عليه وآله) ونحن أولى الناس بمحمد، فأنا بقية من آدم وذخيرة من نوح ومصطفىً من
إبراهيم وصفوةٌ من محمد. ألا ومن حاجني من سنة رسول الله، فأنا أولى الناس بسنة
رسول الله. فيجمع الله عليه أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر، يجمعهم على غير ميعاد
فيبايعونه بين الركن والمقام ومعه عهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد
توارثته الأبناء عن الآباء).
ولك أن تقدر كيف سيهتز العالم لهذا الحدث الكبير المفاجئ! وكيف ستفرح الشعوب
الإسلامية المضطهدة وتعبر عن فرحتها بظهور قائدها الموعود على لسان نبيها (صلى الله
عليه وآله) بمظاهرات ملايينها، وتحفرزها وإعلانها الاستعداد لنصرته.
* * *
يمكث الإمام (عليه السلام) في مكة طويلاً ثم يسير إلى المدينة
تدل الروايات على أن الإمام (عليه السلام) يقيم في مكة فترة، ثم في الكوفة فترة:
فيقيم في مكة ما شاء الله أن يقيم). (البحار: ٥٢/٣٣٤). وفي البحار: ٥٢/٣٠٨: (يخرج
إلى المدينة فيقيم بها ما شاء ثم يخرج إلى الكوفة). وفي غيبة الطوسي/٢٨٤: (فيقيم ما
شاء الله أن يقيم).
والروايات عن مدة بقائه (عليه السلام) في مكة وعمله فيها قليلة، ولا بد أن يكون من
أول أعماله (عليه السلام) مخاطباته للشعوب الإسلامية والعالم، وإعلان مشروعه
العالمي.
وتذكر إحدى الروايات أنه يقيم الحد على سراق الكعبة الشريفة، وقد يكون المقصود بهم
الحكام السراق! وأنه يخبر بالمعجزة الموعودة من جده (صلى الله عليه وآله) وهي الخسف
بالجيش الذي يقصده، فينتظرون أن يتوجه الجيش السوري إلى مكة للقضاء على حركته فيخسف
الله بهم! ولا يخرج الإمام (عليه السلام) من مكة إلا بعد أن تحصل معجزة الخسف بجيش
السفياني، ويمر في طريقه على مكان الخسف ويقف عنده.
ففي تفسير العياشي (رحمه الله): ٢/٢٦١، عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر (عليه
السلام)، من حديث قال: (فالزم هؤلاء أبداً وإياك ومن ذكرت لك(أي إلزم الأئمة
المعصومين (عليهم السلام) وإياك وغيرهم من الثائرين) فإذا خرج رجل منهم معه
ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ومعه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) عامداً إلى
المدينة حتى يمرَّ بالبيداء حتى يقول: هذا مكان القوم الذين خسف بهم! وهي الآية
التي قال الله: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا
السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأرض أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ
حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ
بِمُعْجِزِينَ...) الخ.
وذكرت بعض الروايات أن جيش السفياني يدخل المدينة في شهر رمضان، والإمام (عليه
السلام) يظهر في محرم، وعليه قد يكون تحرك جيش السفياني إلى مكة في ربيع الأول أو
الثاني، فيخسف الله بهم قبل أن يصلوا إليها، وتكون حركة الإمام (عليه السلام) إلى
المدينة بعد ذلك بأيام في أوائل شهر ربيع الثاني مثلاً!
وتدل الروايات على أنه (عليه السلام) يعين والياً على مكة ويتوجه إلى المدينة بجيشه
من
عشرة آلاف أو خمسة عشر ألفاً، وقد تقدم ذلك في فصل أصحابه (عليه السلام) وفصل نصره
بالملائكة (عليهم السلام)، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): ويقيم بمكة حتى يتم
أصحابه عشرة آلاف نفس، ثم يسير منها إلى المدينة). (الإرشاد/٣٦٣، ومثله روضة
الواعظين: ٢/٢٦٥).
وعنه (عليه السلام): (وما يخرج إلا في أولي قوة، وما تكون أولوا القوة أقل من عشرة
آلاف). (كمال الدين: ٢/٦٥٤، وعنه العدد القوية/٦٥، وإثبات الهداة: ٣/٤٩١).
وفي التهذيب لابن عساكر: ٤/٥٣٨، عن علي (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه
وآله) قال: (يوشك أن يرسل على أهل الشام سبب من السماء فيغرق جماعتهم حتى لو قاتلهم
الثعالب غلبتهم، فعند ذلك يخرج خارج من أهل بيتي في ثلاث رايات المكثر يقول: هم
خمسة عشر ألفاً والمقل يقول هم أثنا عشر ألفاً، أمارتهم: أمتْ أمتْ يأتون بسبع
رايات تحت كل راية منها رجل يطلب الملك فيقتلهم الله جميعاً، ويرد الله إلى
المسلمين ألفتهم ونعمتهم وقاصيهم ودانيهم). ورواه العديد من مصادرهم كما تقدم.
* * *
وذكرت
عدة أحاديث أن أهل مكة ينقلبون على الإمام (عليه السلام) بعد مسيره إلى المدينة
فيقتلون عامله فيرجع إليهم، وكذلك يحدث مع أهل المدينة! فعن الإمام الباقر (عليه
السلام) قال: (يبايع القائم بمكة على كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله)
ويستعمل على مكة ثم يسير نحو المدينة فيبلغه أن عامله قتل. فيرجع إليهم فيقتل
المقاتلة ولا يزيد على ذلك...).
وفي رواية أخرى: ويستعمل على مكة، ثم يسير نحو المدينة فيبلغه أن عامله قتل فيرجع
إليهم فيقتل المقاتلة ولا يزيد على ذلك). (البحار: ٥٢/٣٠٨).
وفي البحار: ٥٣/١١، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (يدعوهم (أهل مكة) بالحكمة
والموعظة الحسنة فيطيعونه ويستخلف عليهم رجلاً من أهل بيته ويخرج يريد المدينة،
فإذا سار منها وثبوا عليه فيرجع إليهم فيأتونه مهطعين مقنعي رؤوسهم يبكون ويتضرعون
ويقولون: يا مهدي آل محمد التوبة التوبة! فيعظهم وينذرهم ويحذرهم، ويستخلف عليهم
منهم خليفة ويسير). ولا تذكر أنهم يقتلون واليه على مكة.
أما الرواية التالية في الكافي: ٨/٢٢٤، عن الإمام الصادق (عليه السلام): (ويهرب
يومئذ من كان
بالمدينة من ولد علي (عليه السلام) إلى مكة فيلحقون بصاحب هذا الأمر، ويقبل صاحب
هذا الأمر نحو العراق، ويبعث جيشاً إلى المدينة فيأمن أهلها ويرجعون إليها). فتدل
على أنه (عليه السلام) يرسل جيشاً إلى المدينة، وقد يكون قبل دخوله إليها، أو بعد
مغادرتها وانقلاب أهلها على عامله، كما يأتي.
ماذا يفعل الإمام (عليه السلام) في المدينة؟
تذكر الروايات أن الإمام (عليه السلام) يخوض معركتين في المدينة المنورة، على عكس
الأمر في مكة. فعن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث طويل: (يدخل المدينة فتغيب
عنه عند ذلك قريش، وهو قول علي بن أبي طالب (عليه السلام): والله لودَّتْ قريش أن
لي عندها موقفاً واحداً جزرَ جزور، بكل ما ملكته وكل ما طلعت عليه الشمس. ثم يحدث
حدثاً، فإذا هو فعل ذلك قالت قريش: أخرجوا بنا إلى هذا الطاغية، فوالله لو كان
محمدياً ما فعل، ولو كان علوياً ما فعل، ولو كان فاطمياً ما فعل! فيمنحه الله
أكتافهم فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية، ثم ينطلق حتى ينزل الشقرة فيبلغه أنهم قد
قتلوا عامله فيرجع إليهم فيقتلهم مقتله ليس قتل الحرة إليها بشيء! ثم ينطلق يدعو
الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)). (العياشي: ٢/٥٦، وتقدمت
مصادره في فصل أصحابه (عليه السلام)).
فهذه الرواية تذكر معركتين في المدينة: الأولى، بعد الحدث الذي يحدثه فيها فتنكره
قريش، ويبدو أنه يتعلق بهدم مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) وقبره الشريف وإعادة
بنائهما، فيتخذ أعداؤه ذلك ذريعة لتحريك الناس عليه وقتاله، فيقاتلهم ويقتل منهم
مئات كما في بعض الروايات. وعندها يتمنى القرشيون أي أتباع الخلافة القرشية لو أن
علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) كان حاضراً ولو بمقدار جزر جزور، أي بمقدار ذبح
ناقة لكي يردَّ عنهم انتقام المهدي (عليه السلام)، لأن سياسة أمير المؤمنين (عليه
السلام) فيهم كانت الحلم والعفو.
والمعركة الثانية، بعد أن يسيطر على المدينة ويعين عليها حاكماً ويخرج متوجهاً إلى
العراق وينزل(هو أو قائد جيشه) في منطقة الشقرة أو الشقرات وهي في الحجاز في
الطريق إلى العراق، فيقوم أهل المدينة بانقلاب على واليه مرة أخرى ويقتلونه، فيرجع
إليهم الإمام (عليه السلام) ويقتل منهم أكثر مما قتل منهم الجيش الأموي في وقعة
الحرة المشهورة، ويخضع المدينة مجدداً لسلطته. وعدد قتلى الحرة كما ذكرت المصادر
بضعة عشر الفاً وكانت ثورتهم على يزيد بعد شهادة الإمام الحسين (عليه السلام)، فهي
ثورة مشروعة، وتشبيه معركتهم مع المهدي (عليه السلام) بها إنما هو من حيث كثرة
القتلى فقط.
يطرح الإمام المهدي (عليه السلام) في المدينة قضية أبي بكر وعمر
يفهم من عدد من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) أن الإمام المهدي (عليه السلام)
يطرح في المدينة موقفه من أبي بكر وعمر، ويعلن للمسلمين أنهما اتفقا مع الطلقاء على
مخالفة وصية النبي (صلى الله عليه وآله) في علي والعترة الطاهرة، وأخذوا منهم
الخلافة فلتةً في السقيفة وأجبروهم على بيعتهم، فوضعوا الأمة بذلك في مسار خطير من
الصراع على السلطة كان حذرهم منه رسول الله (صلى الله عليه وآله)! وحرموا الأمة من
قيادة أهل البيت (عليهم السلام) وتطبيق المشروع الإلهي الفريد فيهم! كما يطرح موضوع
دفنهما قرب قبر النبي (صلى الله عليه وآله) ويعيد بناء المسجد النبوي الشريف ويفصل
قبرهما عنه.. الخ. ومن الطبيعي أن يسبب هذا الموقف غضب الكثير من أتباعهما الذين
استبشروا بالإمام المهدي (عليه السلام) في أرجاء العالم الإسلامي، وخرجوا في
تظاهرات حاشدة معلنين تأييدهم له واستعدادهم لنصرته!
لكن الإمام (عليه السلام) لا يعبأ بتأييد المؤيدين ولا بنقمة الناقمين، ولا يهمه أن
يرضي هذه الفئة أو تلك، لأن التقية تنتهي كلياً بظهوره المقدس، فلا تقية عنده مع
أحد!
ومن الطبيعي أن يشغل هذا الموضوع العالم ويكون حاداً في أسابيعه الأولى، وأن يستعمل
الإمام (عليه السلام) أدوات إقناع علمية وإعجازية، وقد يكون منها مشاهد مصورة من
التاريخ وسيرة النبي (صلى الله عليه وآله) يخرجها بما علمه الله ويعرضها على
العالم.
وقد تقدم في الرواية الصحيحة في فصل أصحابه (عليه السلام) من تفسير العياشي: ٢/٥٦
وبقية المصادر عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: فيصبح بمكة فيدعو الناس إلى
كتاب الله وسنة
نبيه
(صلى الله عليه وآله) فيجيبه نفر يسير ويستعمل على مكة ثم يسير فيبلغه أن قد قتل
عامله فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة لا يزيد على ذلك شيئاً يعني السبي، ثم ينطلق
فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه عليه وآله السلام، والولاية لعلي بن أبي طالب
(عليه السلام) والبراءة من عدوه ولا يسمي أحداً... ثم يدخل المدينة فتغيب عنهم عند
ذلك قريش، وهو قول علي بن أبي طالب (عليه السلام): والله لودت قريش أن عندها موقفاً
واحداً جزر جزور بكل ما ملكت وكل ما طلعت عليه الشمس أو غربت!
ثم يُحدث حدثاً فإذا هو فعل ذلك قالت قريش: أخرجوا بنا إلى هذه الطاغية، فوالله إن
لو كان محمدياً ما فعل، ولو كان علوياً ما فعل، ولو كان فاطمياً ما فعل فيمنحه الله
أكتافهم فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية!
ثم ينطلق حتى ينزل الشقرة فيبلغه أنهم قد قتلوا عامله فيرجع إليهم فيقتلهم مقتلة
ليس قتل الحرة إليها بشيء، ثم ينطلق يدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه والولاية
لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) والبراءة من عدوه، حتى إذا بلغ إلى الثعلبية قام
إليه رجل من صلب أبيه وهو من أشد الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه ما خلا صاحب هذا الأمر،
فيقول: يا هذا ما تصنع؟ فوالله إنك لتجفل الناس إجفال النعم أفبعهد من رسول الله
(صلى الله عليه وآله) أم بماذا؟ فيقول المولى الذي ولي البيعة: والله لتسكتن أو
لأضربن الذي فيه عيناك، فيقول له القائم (عليه السلام): أسكت يا فلان، إي والله إن
معي عهداً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) هات لي يا فلان العيبة أو الطيبة أو
الزنفليجة فيأتيه بها فيُقرؤه العهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقول:
جعلني الله فداك أعطني رأسك أقبله فيعطيه رأسه فيقبله بين عينيه ثم يقول: جعلني
الله فداك جدد لنا بيعة، فيجدد لهم بيعة). انتهى.
وهذا الحديث وأمثاله يدل على أن عمله (عليه السلام) يكون صدمة لموروثات الكثيرين
وهزةً لوعي المؤمنين. وقد يكون هذا المعترض من أصحابه الخاصين أصابته الهزة فوقع في
قلبه الشك أو يكون متعمداً لهذا الموقف ليُخرج الإمام (عليه السلام) إلى العالم
العهد المعهود عنده من النبي (صلى الله عليه وآله) الذي يأمره فيه بإعلان موقفه من
أبي بكر وعمر.
وفي
كمال الدين: ٢/٣٧٧، عن عبد العظيم الحسني عن الجواد (عليه السلام) قال: (ويجتمع
إليه من أصحابه عدة أهل بدر: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض، وذلك قول
الله (عزَّ وجلَّ): (أين مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ
جميعاً إنَّ اللهَ على كلِّ شيء قدير)، فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل
الإخلاص أظهر الله أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله (عزَّ
وجلَّ)، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله (عزَّ وجلَّ)، قال عبد العظيم:
فقلت له: يا سيدي وكيف يعلم أن الله (عزَّ وجلَّ) قد رضي؟ قال يلقي في قلبه الرحمة
فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما).
ومثله كفاية الأثر/٢٧٧، وإعلام الورى/٤٠٩، والاحتجاج: ٢/٤٤٩.
وإن صح هذا الحديث فمعنى إحراقه اللات والعزى أنه يعلن التوحيد الخالص ويمنع عبادة
المسلمين لشخصياتهم التي لم ينزل بها الله سلطاناً، واتخاذهم إياهم أنداداً من دون
الله، كما قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ
مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا
أَشَدُّ حُبّاً للهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ
أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) (البقرة:
١٦٥).
ردة فعل النواصب والبترية على عمل الإمام (عليه السلام)
ويدل عليه أن البترية الخوارج على الإمام (عليه السلام) في العراق يسارعون إلى
اتخاذ الموقف منه (عليه السلام) ومحاولة منع دخوله إلى العراق بسبب موقفه في
المدينة!
ففي دلائل الإمامة/٢٤١، عن الإمام الباقر (عليه السلام) عن أبي الجارود وفيه: (ثم
يبايعه من الناس ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، يسير إلى المدينة فيسير الناس حتى يرضى
الله (عزَّ وجلَّ) فيقتل ألفاً وخمسمائة قرشي ليس فيهم إلا فرخ زنية.... ويسير إلى
الكوفة فيخرج منها ستة عشر ألفاً من البترية شاكين في السلاح قراء القرآن فقهاء في
الدين قد قرحوا جباههم وسمَّروا ساماتهم (وقفوا في صلاتهم) وعمهم النفاق وكلهم
يقولون: يا ابن فاطمة ارجع لا حاجة لنا فيك! فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية
الاثنين من العصر إلى العشاء فيقتلهم أسرع من جزر جزور، فلا يفوت منهم رجل ولا يصاب
من أصحابه أحد، دماؤهم قربانٌ إلى الله! ثم يدخل الكوفة فيقتل مقاتليها حتى يرضى
الله. قال: فلم أعقل المعنى فمكثت قليلاً ثم قلت: جعلت فداك وما يدريه جعلت فداك
متى يرضى الله (عزَّ وجلَّ)؟ قال: يا أبا الجارود إن الله أوحى إلى أم موسى وهو خير
من أم موسى، وأوحى الله إلى النحل وهو خير من النحل، فعقلت المذهب! فقال لي: أعقلت
المذهب؟ قلت نعم). وفي رواية أخرى/٤٥٥، وفيها: (إن القائم (عليه السلام) ليملك
ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أصحاب الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما
ملئت ظلماً وجوراً، ويفتح الله عليه شرق الأرض وغربها). انتهى.
وبهذا تعرف أن حزب البترية الذين يكونون أول الخوارج على الإمام (عليه السلام) في
العراق، يتحركون بردة فعل على موقفه في المدينة! ومعنى البترية أنهم يتبنون الولاية
بدون البراءة، وأول من سماهم بذلك زيد بن علي (رحمه الله) وقال لهم: أتتبرؤون من
فاطمة (عليها السلام)، بترتم أمرنا، بتركم الله)! (الفقيه: ٤/٤٤٥، والبحار: ٣٧/٣١).
وقد يكون الحديث التالي ناظراً إلى التحول في الولاءات عند ظهوره (عليه السلام)،
ففي النعماني/٣١٧، عن إبراهيم بن عبد الحميد قال: أخبرني من سمع أبا عبد الله (عليه
السلام) يقول: إذا خرج القائم (عليه السلام) خرج من هذا الأمر من كان يرى أنه من
أهله، ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر). وعنه البحار: ٥٢/٣٦٣، وبشارة الإسلام/٢٢٢.
* * *
الفصل الحادي والعشرون: العراق في عصر الظهور
العراق عاصمة دولة العدل الإلهية
الأحاديث حول العراق كثيرة في علامات ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وحركة ظهوره
ذلك أن الله (عزَّ وجلَّ) قدر وقضى أن يكون العراق عاصمة دولة العدل الإلهي
العالمية التي يقيمها الإمام (عليه السلام). ويصعب تقسيم الروايات المتعلقة بالعراق
قبل الظهور، فمنها ما يذكر الحكام فيه، أو يمدح بعض بلدانه أو يذمها، أو يتحدث عن
نقص في الثمرات، وخوف يشمل أهله لا يقر لهم معه قرار.. الخ.
وقد أورد المفيد (رحمه الله) مجموعة علامات لظهور الإمام المهدي (عليه السلام)
وأحداثاً تكون في العراق وغيره، قال في الإرشاد: ٢/٣٦٨: (قد جاءت الآثار بذكر
علامات لزمان قيام القائم المهدي (عليه السلام) وحوادث تكون أمام قيامه، وآيات
ودلالات: فمنها خروج السفياني وقتل الحسني، واختلاف بني العباس في الملك الدنياوي،
وكسوف الشمس في النصف من رمضان وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف
بالبيداء وخسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وركود الشمس من عند الزوال إلى أوسط أوقات
العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح
رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهدم حائط مسجد الكوفة،
وإقبال رايات سود من قبل خراسان، وخروج اليماني وظهور المغربي بمصر وتملكه الشامات،
ونزول الترك الجزيرة ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر ثم
ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه، وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها، ونار تظهر
بالمشرق طويلاً وتبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام، وخلع العرب أعنتها وتملكها
البلاد وخروجها عن سلطان العجم، وقتل أهل مصر أميرهم، وخراب الشام، واختلاف ثلاث
رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر، ورايات كندة إلى خراسان، وورود خيل من
قبل الغرب حتى تربط بفناء الحيرة، وإقبال رايات سود من المشرق نحوها، وبثق في
الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة، وخروج ستين كذاباً كلهم يدعي النبوة، وخروج
اثني عشر من آل أبي طالب كلهم يدعي الإمامة لنفسه، وإحراق رجل عظيم القدر من بني
العباس بين جلولاء وخانقين، وعقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة السلام، وارتفاع ريح
سوداء بها في أول النهار، وزلزلة حتى ينخسف كثير منها، وخوف يشمل أهل العراق
وبغداد، وموت ذريع فيه ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وجراد يظهر في أوانه وفي
غير أوانه حتى يأتي على الزرع والغلات، وقلة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من
العجم وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعات ساداتهم وقتلهم مواليهم،
ومسخ لقوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير، وغلبة العبيد على بلاد السادات،
ونداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض كل أهل لغة بلغتهم، ووجه وصدر يظهران للناس في
عين الشمس، وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون ويتزاورون. ثم
يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتصل فتحيا بها الأرض بعد موتها وتعرف بركاتها، ويزول
بعد ذلك كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدي (عليه السلام) فيعرفون عند ذلك
ظهوره بمكة فيتوجهون نحوه لنصرته كما جاءت بذلك الأخبار.
وجملة من هذه الأحداث محتومة ومنها مشروطة، والله أعلم بما يكون، وإنما
ذكرناها على حسب ما ثبت في الأصول، وتضمنها الأثر المنقول). انتهى.
أقول: ما ذكره (قدّس سره) تعدادٌ مجملٌ لعلامات الظهور البعيدة والقريبة، ولا يقصد
به أنها متسلسلة حسب ما ذكرها، فمنها علامات قريبة لا يفصلها عن ظهوره الإمام (عليه
السلام) أكثر من أسبوعين كقتل النفس الزكية بين الركن والمقام، بل هو في الحقيقة
جزء من حركة الظهور لأنه رسول المهدي (عليه السلام). ومنها ما يفصله عن ظهوره (عليه
السلام) قرون عديدة كاختلاف بني العباس فيما بينهم، وظهور المغربي في مصر وتملكه
الشامات في حركة الفاطميين. وقصده (رحمه الله) بالمحتوم والمشروط منها: أن منها
حتمي الوقوع على كل حال، كما ورد في السفياني واليماني وقتل النفس الزكية والنداء
السماوي والخسف بجيش السفياني وغيرها. ومنها مشروط بأحداث أخرى في علم الله سبحانه
ومقاديره، ولله الأمر من قبل ومن بعد، فيها وفي غيرها.
وقد تقدمت أحاديث النفس الزكية في العراق والمدينة ومكة. ونورد فيما يلي أبرز هذه
الأحاديث المتعلقة بالعراق تحت عناوين مناسبة:
ضعف رواية جفاف الفرات
عبد الرزاق: ١١/٣٧٣، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: شكيَ إلى ابن مسعود الفرات
فقالوا: نخاف أن ينفتق علينا فلو أرسلت من يُسَكِّرُه، فقال عبد الله: لا نُسكره،
فوالله ليأتين على الناس زمان لو التمستم فيه ملء طست من ماء ما وجدتموه، وليرجعن
كل ماء إلى عنصره، ويكون بقية الماء والمسلمين بالشام). ونحوه ابن المنادي/٦٣، وفي
الحاكم: ٤/٥٠٤، وفيه: ينزوي كل ماء إلى عنصره، فيكون في الشام بقية المؤمنين والماء
وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه).
أقول: لا أصل لهذا الجفاف المزعوم في الفرات أو في مياه الأرض، وقد ورد عن أهل
البيت (عليهم السلام) أن سنة ظهور المهدي (عليه السلام) تكون سنة غيداقة كثيرة
المطر حتى تفسد الثمار ويفيض الفرات في الكوفة. ففي الإرشاد/٣٦١، عن جعفر بن سعد،
عن أبيه،
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سنة الفتح ينبثق الفرات حتى يدخل في أزقة
الكوفة). ومثله غيبة الطوسي/٢٧٣، وإعلام الورى/٤٢٩، والخرائج: ٣/١١٦٤، وإثبات
الهداة: ٣/٧٣٣، والبحار: ٥٢/٢١٧.
وفي الإرشاد/٣٦١، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن قدام القائم (عليه السلام)
لسنة غيداقة يفسد فيها الثمار والتمر في النخل فلا تشكُّوا في ذلك). ونحوه غيبة
الطوسي/٢٧٢ وإعلام الورى/٤٢٨، والخرائج: ٣/١١٦٤، وإثبات الهداة: ٣/٧٢٨، والبحار:
٥٢/٢١٤.
ضعف روايات خراب بغداد
في ملاحم ابن المنادي/٤٣، عن جرير بن عبد الله البجلي: قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله): تبنى مدينة بين دجلة ودجيل والصراة وقطربل، تجبى إليها كنوز الأرض يخسف
بها فلهي أسرع ذهاباً في الأرض من الحديدة المحماة في الأرض الخوارة). وتذكرة
القرطبي: ٢/٦٨١ و٦٩٧، والكشف والبيان: ٨/٣٠٢، وجامع السيوطي: ٤/٧٧٢، وموضوعات ابن
الجوزي: ٢/٦١.
أقول: من تتبعي لروايات خسف بغداد وزوالها، ترجَّحَ عندي أن يكون أساسها من وضع
أتباع بني أمية، لأن بغداد سرعان ما حلت محل الشام. ولأن أمير المؤمنين (عليه
السلام) أخبر عن خراب الشام بيد ولده المهدي (عليهما السلام)! لذلك لا يمكن
الاعتماد عليها، خاصة أنهم ذكرت أن دمار بغداد على يد السفياني!
ففي تاريخ بغداد: ١/٣٨، عن أبي أسود الدؤلي: قال علي بن أبي طالب: سمعت حبيبي
محمداً (صلى الله عليه وآله) يقول: سيكون لبني عمي مدينة من قبل المشرق بين دجلة
ودجيل وقطربل والصراة، يشيد فيها بالخشب والآجر والجص والذهب، يسكنها شرار خلق الله
وجبابرة أمتي، أما إن هلاكها على يد السفياني، كأني بها والله قد صارت خاوية على
عروشها). انتهى. فالرواية تقول إن بني أمية سيعودون وينتقمون من بني عباس، ويكفي
ذلك للدلالة على أنها موضوعة من المحبين لبني أمية!
روايات الفريقين حول البصرة
أبو داود: ٤/١١٣، عن صالح بن درهم قال: انطلقنا حاجين فإذا رجل فقال لنا: إلى
جنبكم قرية يقال لها الأبلة؟ قلنا نعم، قال: من يضمن لي منكم أن يصلي لي في مسجد
العشار ركعتين أو أربعاً ويقول هذه لأبي هريرة؟ سمعت خليلي أبا القاسم (صلى الله
عليه وآله) يقول: إن الله يبعث من مسجد العشار يوم القيامة شهداء، لا يقوم مع شهداء
بدر غيرهم. وقال أبو داود: هذا مسجد مما يلي النهر). والأبُلَّة: بفتح الهمزة وضم
الباء وتشديد اللام، محلة قرب البصرة، واليوم جزء منها. وملاحم ابن المنادي/٤٠،
ومصابيح البغوي: ٣/٤٨٦ من حسانه، وكلاهما كأبي داود، وجامع الأصول: ١٠/٢١٩، وكنز
العمال: ١٢/٢٨٥، كلاهما عن أبي داود.
أبو داود: ٤/١١٣، عن أنس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال له: يا أنس، إن
الناس يمصرون أمصاراً، وإن مصراً منها يقال له البصرة أو البصيرة، فإن أنت مررت بها
أو دخلتها فإياك وسباخها وكلاها وسوقها وباب أمرائها وعليك بضواحيها، فإنه يكون بها
خسف وقذف ورجف، وقوم يبيتون يصبحون قردة وخنازير). سِباخها: أرضها الملحية التي لا
تكاد تنبت. كَلاها: أي مراعيها.
وفي ملاحم ابن المنادي/٣٨، عن أبي بكرة أخ زياد بن أبيه: قال النبي (صلى الله عليه
وآله): إن أناساً من أمتي ينزلون حائطاً يقال له البصرة وعنده نهر له يقال له دجلة،
وتكون من أمصار المهاجرين، فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطورا قوم عراض الوجوه
صغار الأعين حتى ينزلون بشاطئ النهر، فيفترق أهلها على ثلث فرق، فأما فرقة فيأخذون
بأذناب الإبل والبرية فيهلكون. وقال: وفيه كلام انقطع عن عارم من الفضل. وقد روى
هذا الحديث عبد الصمد عبد الوارث عن أئمة: وفرقة آخذون لأنفسهم وهلكوا، وفرقة
يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلون وهم شهداء).
وفي المعجم الأوسط: ٧/٥٦١، عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله): إن المسلمين
يمصرون بعدي أمصاراً، مما يمصرون مصراً يقال لها البصيرة فإن أنت وردتها فإياك
ومقصفها وسوقها وباب سلطانها فإنها سيكون بها خسف ومسخ وقذف. آية ذلك الزمان أن
يموت العدل ويفشو فيها الجور ويكثر فيها الزنا ويفشو فيها شهادة الزور). ونحوه جمع
الفوئد: ٣/٣١٧، وفيه: وعليك بضواحيها فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف، وقوم يبيتون
فيصبحون قردة وخنازيز). انتهى.
أقول: لا يمكن الاعتماد على هذه الروايات، بعد أن شهد أهل البيت (عليهم السلام)
بعدم وثاقة أنس، وكذا أبو بكرة وهو أخ زياد بن أبيه، كما أن البغوي حكم بوضع الحديث
الأخير، وكذا ابن الجوزي، ودافع عنه ابن حجر. قال في هامش مصابيح البغوي: ٣/٤٨٦:
وهذا الحديث مما استخرجه الإمام القزويني من كتاب المصابيح وقال إنه موضوع، وقد
أجاب الحافظ ابن حجر عنه في أجوبته عن أحاديث المصابيح الحديث الخامس عشر فقال: قلت
أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم من طريق موسى الحناط قال: لا أعلمه إلا عن موسى بن
أنس، عن أنس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا أنس إن الناس يمصرون...
ورجاله ثقات ليس فيه إلا قول موسى الحناط لا أعلمه إلا عن موسى بن أنس، ولا يلزم من
شكه في شيخه الذي حدثه به أن يكون شيخه فيه ضعفاً، فضلاً عن أن يكون كذاباً وتفرد
به، والواقع لم يتفرد به، بل أخرج أبو داود أيضاً لأصله شاهداً بسند صحيح من حديث
سفينة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله)). انتهى.
أقول: ومع ذلك لا يمكننا الأخذ به، لأن دواعي الوضع فيه قوية!
إخبار أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ثورة الزنج بالبصرة
وقد أوردنا في الفصل الثاني الخطبة المنسوبة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، التي
رواها ابن ميثم البحراني في شرح نهج البلاغة: ١/٢٨٩، خطبة ١٣، وهي مرسلةً وفيها ذم
البصرة وإخبار عن أحداث ستقع فيها مثل قوله: (كأني أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها
الماء حتى ما يرى منها إلا شُرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر! فقام إليه الأحنف
بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين ومتى يكون ذلك؟ قال: يا أبا بحر إنك لن تدرك ذلك
الزمان وإن بينك وبينه لقروناً، ولكن ليبلغ الشاهد منكم الغائب عنكم لكي يبلغوا
إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحولت أخصاصها دوراً وآجامها قصوراً فالهرب الهرب
فإنه لا بصيرة لكم يومئذ. ثم التفت عن يمينه فقال: كم بينكم وبين الأبلة؟ فقال له
المنذر بن الجارود: فداك أبي وأمي، أربعة فراسخ، قال له: صدقت فوالذي بعث محمداً
وأكرمه بالنبوة وخصه بالرسالة وعجل بروحه إلى الجنة لقد سمعت منه كما تسمعون مني أن
قال: يا علي هل علمت أن بين التي تسمى البصرة
والتي تسمى الأبلة أربعة فراسخ، وقد يكون في التي تسمى الأبلة موضع أصحاب العشور
يقتل في ذلك الموضع من أمتي سبعون ألفاً شهيدهم يومئذ بمنزلة شهداء بدر! فقال له
المنذر: يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم فداك أبي وأمي؟ قال: يقتلهم إخوان الجن وهم
جيل كأنهم الشياطين، سود ألوانهم منتنة أرواحهم شديد كلبهم قليل سلبهم، طوبى لمن
قتلهم وطوبى لمن قتلوه، ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلة عند المتكبرين من
أهل ذلك الزمان مجهولون في الأرض معروفون في السماء، تبكي السماء عليهم وسكانها
والأرض وسكانها، ثم هملت عيناه بالبكاء، ثم قال: ويحك يا بصرة من جيش لا رهج له ولا
حس!
قال له المنذر: يا أمير المؤمنين وما الذي يصيبهم من قبل الغرق مما ذكرت، وما
الويح، وما الويل؟ فقال: هما بابان فالويح باب الرحمة والويل باب العذاب، يا ابن
الجارود نعم، ثارات عظيمة منها عصبة يقتل بعضها بعضاً، ومنها فتنة تكون بها خراب
منازل وخراب ديار وانتهاك أموال، وقتل رجال وسبي نساء يذبحن ذبحاً، يا ويل أمرهن
حديث عجب). الخ.. وبعضها في الاحتجاج: ١/٢٥٠، عن ابن عباس.
وقلنا إنها خطبة مرسلة لا سند لها، فلا يمكن الأخذ بها، ما عدا القسم الأول إلى
قوله (عليه السلام): (كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر) فهو مشهور رواه المحدثون
والمؤرخون، ويؤيده كلامه (عليه السلام) الذي يذكر فيه ثورة الزنج. وقد شهد الرواة
والمؤرخون أن أمير المؤمنين (عليه السلام) وصفها قبل وقوعها بثلاثة قرون، ومن ذلك
خطبته في نهج البلاغة شرح الصالح/١٤٨ خطبة١٠٢، قال فيها: (فتن كقطع الليل المظلم،
لا تقوم لها قائمة، ولا ترد لها راية، تأتيكم مزمومة مرحولة، يحفزها قائدها ويجهدها
راكبها، أهلها قوم شديد كلبهم قليل سلبهم، يجاهدهم في سبيل الله قوم أذلة عند
المتكبرين، في الأرض مجهولون وفي السماء معروفون، فويل لك يا بصرة عند ذلك، من جيش
من نقم الله لا رهج له ولا حس، وسيبتلى أهلك بالموت الأحمر، والجوع الأغبر). وشرح
عبدة/١٩٦ خطبة ٩٨، وابن أبي الحديد: ٧/١٠٢.
قال الشريف الرضي (رحمه الله): يومئ بذلك إلى صاحب الزنج، ثم قال (عليه السلام):
ويل لسكككم العامرة والدور المزخرفة التي لها أجنحة كأجنحة النسور وخراطيم كخراطيم
الفيلة، من أولئك الذين لا يندب قتيلهم ولا يفقد غائبهم). انتهى.
وكان قائد ثورة الزنج القرمطي ادعى أنه علوي وانطبقت عليها الأوصاف التي وصفه بها
أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكانت ثورتهم ردة فعل على الظلم والترف واضطهاد
العبيد، وعامة جيشه من الزنوج الحفاة الذين لاخيل لهم.
روايات غرق البصرة
أما غرق البصرة فقال (عليه السلام) في الخطبة رقم١٣: (كنتم جند المرأة، وأتباع
البهيمة، رغا فأجبتم، وعقر فهربتم. أخلاقكم دقاق، وعهدكم شقاق، ودينكم نفاق، وماؤكم
زعاق. المقيم بينكم مرتهن بذنبه، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه. كأني بمسجدكم
كجؤجؤ سفينة، وقد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها، وغرق من في ضمنها).
وتنطبق الأحداث التي ذكرت فيها على غرق البصرة الذي مضى. قال في شرح النهج: ١/٢٥٣:
(فأما إخباره (عليه السلام) أن البصرة تغرق ما عدا المسجد الجامع بها، فقد رأيت من
يذكر أن كتب الملاحم تدل على أن البصرة تهلك بالماء الأسود ينفجر من أرضها، فتغرق
ويبقى مسجدها. والصحيح أن المخبر به قد وقع. فإن البصرة غرقت مرتين، مرة في أيام
القائم بأمر الله غرقت بأجمعها ولم يبق منها إلا مسجدها الجامع بارزاً بعضه كجؤجؤ
الطائر حسب ما أخبر به أمير المؤمنين (عليه السلام)! جاءها الماء من بحر فارس من
جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس، ومن جهة الجبل المعروف بجبل السنام، وخربت
دورها وغرق كل ما في ضمنها، وهلك كثير من أهلها، وأحد هذين الغرقين معروفة عند أهل
البصرة يتناقله خلفهم عن سلفهم). انتهى.
روايات خراب البصرة
روايات خراب البصرة ثلاثة أنواع: خرابها بالغرق، وخرابها بثورة الزنج، وخرابها
بالخسف والتدمير. وقد وقع الخرابان الأولان في زمن العباسيين. أما خرابها الذي عدوه
من علامات ظهور المهدي (عليه السلام) فعمدة رواياته اثنتان: الأولى: ما رواه المفيد
(رحمه الله) في الإرشاد/٣٦١، عن الصادق (عليه السلام): (يزجر الناس قبل قيام القائم
(عليه السلام) عن معاصيهم بنار تظهر في السماء وحمرة تجلل السماء، وخسف ببغداد،
وخسف ببلدة البصرة ودماء تسفك بها وخراب دورها وفناء يقع في أهلها، وشمول أهل
العراق خوف لا يكون لهم معه قرار). ومثله إعلام الورى/٤٢٩، وعنهما إثبات الهداة:
٣/٧٣٣، و/٧٤٢، وفيه: وخسف بمنارة البصرة، وهو يدل على أنه الخسف محدود بمكان فيها،
فهو غير ائتفاكها وانقلاب أسفلها أعلاها).
فإن صحت فهي تدل على أن الخسف الذي هو من علامات الظهور في مكان منها.
والثانية: أن البصرة من المؤتفكات المذكورة في القرآن، أي المدن المنقلبات بأهلها
بالخسف والعقاب الإلهي، وأنها ائتفكت ثلاث مرات وبقيت الرابعة. ففي البحار: ٦٠/٢٢٤،
وغيره أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في خطبته في البصرة: (يا منذر، إن للبصرة
ثلاثة أسماء سوى البصرة في زبر الأول، لا يعلمها إلا العلماء، منها الخريبة ومنها
تدمر ومنها المؤتفكة... إلى أن قال: يا أهل البصرة، إن الله لم يجعل لأحد من أمصار
المسلمين خطة شرف ولا كرم إلا وقد جعل فيكم أفضل من ذلك، وزادكم من فضله بمنه ما
ليس لهم. أنتم أقوم الناس قبلة قبلتكم على المقام حيث يقوم الإمام بمكة، وقارؤكم
أقرأ الناس، وزاهدكم أزهد الناس وعابدكم أعبد الناس، وتاجركم أتجر الناس وأصدقهم في
تجارته ومتصدقكم أكرم الناس صدقة، وغنيكم أشد الناس بذلاً وتواضعاً، وشريفكم أكرم
الناس خلقاً، وأنتم أكثر الناس جواراً وأقلهم تكلفاً لما لايعنيه، وأحرصهم على
الصلاة في جماعة، ثمرتكم أكثر الثمار وأموالكم أكثر الأموال، وصغاركم أكيس الأولاد،
ونساؤكم أمنع الناس وأحسنهن تبعلاً، سخر لكم الماء يغدو عليكم ويروح صلاحاً
لمعاشكم، والبحر سبباً لكثرة
أموالكم، فلو صبرتم واستقمتم لكانت شجرة طوبى لكم مقيلاً وظلاً ظليلاً، غير أن حكم
الله ماض وقضاءه نافذ لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب، يقول الله: (وَإِنْ
مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ
مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً).
إلى أن قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لي يوماً وليس معه غيري: إن
جبرئيل الروح الأمين حملني على منكبه الأيمن حتى أراني الأرض ومن عليها وأعطاني
أقاليدها، وعلمني ما فيها وما قد كان على ظهرها، وما يكون إلى يوم القيامة، ولم
يكبر ذلك على كما لم يكبر على أبي آدم، علمه الأسماء كلها ولم تعلمها الملائكة
المقربون. وإني رأيت على شاطئ البحر قرية تسمى البصرة، فإذا هي أبعد الأرض من
السماء وأقربها من الماء، وإنها لأسرع الأرض خراباً، وأخشنها تراباً وأشدها عذاباً.
ولقد خسف بها في القرون الخالية مراراً، وليأتين عليها زمان وإن لكم يا أهل البصرة
وما حولكم من القرى من الماء ليوماً عظيما بلاؤه. وإني لأعلم موضع منفجره من قريتكم
هذه. ثم أمور قبل ذلك تدهمكم عظيمة أخفيت عنكم وعلمناها، فمن خرج عنها عند دنو
غرقها فبرحمة من الله سبقت له. ومن بقي فيها غير مرابط فبذنبه، وما الله بظلام
للعبيد).
وروى في الكافي: ٨/١٧٩، أ، أبا بصير سأل الإمام الصادق (عليه السلام) عن قوله (عزَّ
وجلَّ): (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى)؟ فقال: هم أهل
البصرة هي المؤتفكة قلت: (وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ
رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ)؟ قال: أولئك قوم لوط ائتفكت عليهم انقلبت
عليهم).
وفي تفسير القمي: ٢/٣٨٣: (المؤتفكات البصرة، والخاطئة فلانة).
وقد روت ائتفاك البصرة المصادر السنية، ففي الأربعين البلدانية لابن عساكر: ١/٤٣٦،
ومعجم البلدان: ١/٤٣٦: (لما قدم أمير المؤمنين البصرة بعد وقعة الجمل ارتقى منبرها
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أهل البصرة يا بقايا ثمود يا أتباع البهيمة يا جند
المرأة رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم! أما إني ما أقول ما أقول رغبة ولا رهبة منكم إني
سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: تفتح أرض يقال لها البصرة أقْوَمُ
أرض الله قبلةً، قارؤها أقرأ الناس وعابدها أعبد الناس وعالمها أعلم الناس،
ومتصدقها أعظم الناس صدقة. منها إلى قرية يقال لها الأبلة أربعة فراسخ، يستشهد عند
مسجد جامعها وموضع عشورها ثمانون ألف شهيد، الشهيد يومئذ كالشهيد يوم بدر معي. وهذا
الخبر بالمدح أشبه. وفي رواية أخرى أنه رقي المنبر فقال:
يا أهل البصرة ويا بقايا ثمود، يا أتباع البهيمة ويا جند المرأة، رغا فاتبعتم وعقر
فانهزمتم، دينكم نفاق وأحلامكم دقاق وماؤكم زعاق، يا أهل البصرة والبصيرة والسبخة
والخريبة، أرضكم أبعد أرض الله من السماء وأقربها من الماء وأسرعها خراباً وغرقاً.
ألا إني سمعت رسول الله يقول: أما علمت أن جبريل حمل جميع الأرض على منكبه الأيمن
فأتاني بها، ألا إني وجدت البصرة أبعد بلاد الله من السماء وأقربها من الماء
وأخبثها تراباً وأسرعها خراباً، ليأتين عليها يوم لا يرى منها إلا شرفات جامعها
كجوجؤ السفينة في لجة البحر.
ثم قال: ويحك يا بصرة ويلك من جيش لا غبار له! فقيل يا أمير المؤمنين: ما الويح وما
الويل؟ فقال: الويح والويل بابان فالويح رحمة والويل عذاب.
وفي رواية أن علياً رضي الله لما فرغ من وقعة الجمل دخل البصرة فأتى مسجدها الجامع
فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه
وآله) ثم قال: أما بعد فإن الله ذو رحمة واسعة فما ظنكم يا أهل البصرة! يا أهل
السبخة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثاً وعلى الله الرابعة. يا جند المرأة..
ثم ذكر الذي قبله ثم قال: انصرفوا إلى منازلكم وأطيعوا الله وسلطانكم وخرج حتى صار
إلى المربد والتفت وقال: الحمد لله الذي أخرجني من شر البقاع تراباً وأسرعها
خراباً).
وفي شرح مسلم للنووي: ١/١٥٣: (قال صاحب المطالع: ويقال لها تدمر ويقال لها
المؤتفكة، لأنها ائتفكت بأهلها في أول الدهر).
وفي الفايق في غريب الحديث: ٣/٢٦٠: (أنس: البصرة إحدى المؤتفكات فأنزل في ضواحيها
وإياك والملكة). مَلك الطريق ومَلَكتُه ومَلاكه ومَمْلكته: وسطه.
وفي الأربعين البلدانية: ٥/٢١٩: (المؤتفكة... وفي كلام أمير المؤمنين في ذم أهل
البصرة أنه صعد منبر البصرة بعد وقعة الجمل فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد
فإن الله ذو رحمة واسعة وعذاب أليم، فما ظنكم يا أهل البصرة يا أهل السبخة يا أهل
المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثاً وعلى الله الرابعة. فهذا يدل على أن الائتفاك
الانقلاب وليس بعلم لموضع بعينه، إلا أن يكون لما انقلبت المؤتفكة سمي كل منقلب
مؤتفكا ً، وصح من الاسم الصريح فعلاً). ونحوه البدء والتاريخ/٤٣٦، ونثر الدرر/١٤٢.
تفسير القمي: ٢/٣٣٩: (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى،
قال: المؤتفكة البصرة والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام): يا أهل
البصرة ويا أهل المؤتفكة يا جند المرأة وأتباع البهيمة، رغا فأجبتم وعقر فهربتم،
ماؤكم زعاق وأحلامكم رقاق وفيكم ختم النفاق ولُعنتم على لسان سبعين نبياً! إن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) أخبرني أن جبرئيل أخبره أنه طُويَت له الأرض فرأى البصرة
أقرب الأرضين من الماء وأبعدها من السماء وفيها تسعة أعشار الشر والداء العضال،
المقيم فيها مذنب والخارج منها متدارك برحمة، وقد ائتفكت بأهلها مرتين وعلى الله
تمام الثالثة وتمام الثالثة في الرجعة). والإيقاظ/٢٦٠، والبرهان: ٤/٢٥٦.
وبالتأمل في أمر هذه النصوص وغيرها، يطمئن الإنسان بأن مضمونها صدر عن أمير
المؤمنين (عليه السلام) وأن البصرة اتئفكت في الماضي مرتين أو أكثر وستأتفك مرة
أخرى، لكن لم يرد في أي نص منها أن ذلك من علامات ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)
ولا حددت وقته، إلا رواية تفسير القمي حددته بأنه في الرجعة، والرجعة قد تكون بعد
دولة الإمام المهدي (عليه السلام) بقرون طويلة.
ويؤيده ما قلناه أن بعض رواياتها ذكرت أنه الخسف هو الموعود بقوله تعالى: (وَإِنْ
مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ
مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً).
وهذا أمرٌ عام قد يكون في الرجعة قبل القيامة ولا يختص بالبصرة.
الشيصباني طاغية العراق قبل السفياني
النعماني/٣٠٢، عن جابر الجعفي قال: سألت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) عن السفياني
فقال: وأنى لكم بالسفياني حتى يخرج قبله الشيصباني، يخرج من أرض كوفان، ينبع كما
ينبع الماء، فيقتل وفدكم، فتوقعوا بعد ذلك السفياني وخروج القائم (عليه السلام)).
وعنه البحار: ٥٢/٢٥٠. والشيصباني: الشيطاني، وهو تعبير يستعمله الأئمة (عليهم
السلام) للطواغيت والأشرار. وأرض كوفان: العراق ينبع كما ينبع الماء. أي يكون حكمه
بنحو غير متوقع: ومعنى الحديث أنه يكون طاغية سفاكاً. يقتل وفدكم: أي وجهاء
المؤمنين الذين يتقدمون الوفد عادة، يقال وفد القبيلة ووفد المدينة بمعنى وجهائها
ورهطها. ويكون قبل السفياني بقليل بدليل قوله (عليه السلام): فتوقعوا بعد ذلك
السفياني.
وهذه الصفات تنطبق على صدام، فإن ظهر بعده السفياني في الشام بدون فاصلة طويلة،
يكون هو شيصباني العراق الموعود. والله العالم.
الحسني الموعود
ورد ذكر الحسني في عدة أحاديث، فبعضها ذكر الحسني النفس الزكية، وعرفت أن النفس
الزكية ثلاثة أشخاص: في ظهر الكوفة والمدينة ومكة. وبعضها ذكر حسنياً يقتل، وقد
يكون نفس الحسني في ظهر الكوفة، وبعضها ذكر حسني المدينة وحسني مكة. وتسمي روايات
مصادر السنة الخراساني بالحسني، وهو الذي يدخل العراق ويبايع المهدي (عليه السلام)
ويسلمه راية إيران.
قال المفيد في الإرشاد: ٢/٣٦٨: (فمنها (العلامات): خروج السفياني وقتل الحسني). فهو
يدل على قتل زعيم حسني ولم يعين بلده، ويحتمل أن يكون من العراق.
وروى الطوسي في الغيبة/٢٨٠، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل أن الحسني يخرج
من الحجاز عند حركة الإمام المهدي (عليه السلام) إلى العراق، ويدَّعي أنه هو المهدي
(عليه السلام) ثم يعترف به ويسير معه، قال: يدخل المهدي الكوفة... ويخطب ولا يدري
الناس وهو قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): كأني بالحسني والحسيني وقد قاداها
فيسلمها إلى الحسيني فيبايعونه. فإذا كانت الجمعة الثانية قال الناس: يا ابن رسول
الله الصلاة
خلفك تضاهي الصلاة خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمسجد لا يسعنا...).
وقال ابن طاووس في الملاحم/١٤٥: (ويلحقه الحسني في اثني عشر ألفاً فيقول له أنا أحق
بهذا الأمر منك، فيقول له هات علامات دالة فيومي إلى الطير فيسقط على كتفه ويغرس
القضيب الذي بيده فيخضر ويعشوشب، فيسلم إليه الحسني الجيش ويكون الحسني على مقدمته،
وتقع الصيحة بدمشق إن أعراب الحجاز قد جمعوا لكم). ونحوه في رواية مرسلة في عقد
الدرر/٩٠، قال: وتسير الجيوش حتى تصير بوادي القرى في هدوء ورفق، ويلحقه هناك ابن
عمه الحسني في اثني عشر ألف فارس فيقول: يا ابن عم أنا أحق بهذا الجيش منك، أنا ابن
الحسن وأنا المهدي. فيقول المهدي (عليه السلام): بل أنا المهدي. فيقول الحسني: هل
لك من آية فنبايعك؟ فيومئ المهدي (عليه السلام) إلى الطير فتسقط على يده، ويغرس
قضيباً في بقعة من الأرض فيخضر ويورق، فيقول له الحسني: يا ابن عم هي لك. ويسلم
إليه جيشه ويكون على مقدمته، واسمه على اسمه).
ونحوه في إلزام الناصب: ٢/١٧٨، من خطبة البيان جاء فيها: ثم يسير بالجيوش، حتى يصير
إلى العراق والناس خلفه وأمامه، على مقدمته رجل اسمه عقيل، وعلى ساقته رجل اسمه
الحارث، فيلحقه رجل من أولاد الحسن في اثني عشر ألف فارس، ويقول: يا ابن العم أنا
أحق منك بهذا الأمر لأني من ولد الحسن وهو أكبر من الحسين فيقول المهدي: إني أنا
المهدي. فيقول له: هل عندك آية أو معجزة أو علامة؟ فينظر المهدي إلى طير في الهواء
فيومئ إليه فيسقط في كفه، فينطق بقدرة الله تعالى ويشهد له بالإمامة، ثم يغرس
قضيباً يابساً في بقعة من الأرض ليس فيها ماء فيخضر ويورق، ويأخذ جلموداً كان في
الأرض من الصخر، فيفركه بيده ويعجنه مثل الشمع، فيقول الحسني: الأمر لك، فيسلم
وتسلم جنوده). انتهى.
فهذا كل ما ورد في الحسني، وقد ضخم بعضهم رواياته بما لا تتحمل نصوصه! بل ادعى
بعضهم في العراق أنه الحسني الموعود، وأنه وزير الإمام المهدي (عليه السلام) أو
وكيله، واتبعه بعض الجهال وأصحاب الهوى.
عوف السلمي الذي يخرج قبل السفياني
أما عوف السلمي فقد ورد فيه رواية في غيبة الطوسي/٢٧٠، عن حذلم بن بشير
قال: (قلت لعلي بن الحسين (عليه السلام) صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته
فقال: يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له عوف السلمي بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكريت
وقتله بمسجد دمشق. ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند، ثم يخرج السفياني الملعون
من الوادي اليابس، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي،
ثم يخرج بعد ذلك) (ومثله الخرائج: ٣/١١٥٥، ومنتخب الأنوار /٣١، وعنه إثبات الهداة:
٣/٧٢٧ والبحار: ٥٢/٢١٣).
أقول: قد يكون عوف السلمي هذا خارجاً على الحكومة السورية وليس العراقية، وإن صحت
روايته فهو قبل السفياني بمدة غير طويلة. أما الجزيرة التي هي مركز حركته فهي اسم
لمنطقة عند الحدود العراقية السورية فهو المعنى المفهوم للجزيرة في كتب التاريخ
والحديث عندما تطلق بدون إضافة. وتسمى أيضاً جزيرة ربيعة أو ديار بكر، ولا يفهم
منها جزيرة العرب إلا بالإضافة.
والظاهر أن معنى مأواه تكريت أنها تكون ملجأه في فراره، وهي قرية معروفة في العراق.
ويؤيد ذلك أنها قريبة من مركز حركته في الجزيرة.
والموجود في البحار وغيبة الطوسي (تكريت) فيكون ما ورد في بعض النسخ بدلها (ومأواه
بكريت أو بكويت) مصحفاً عن تكريت. وتشير الرواية إلى أنه بعد ذلك يقتل في مسجد
دمشق، أي يقبض عليه أو يقتل عنده. وعلى هذا يكون خروجه من أحداث بلاد الشام، وله
صلة بأحداث العراق.
أزمة الجوع والخوف الذريع والقتل الفظيع قبيل ظهوره (عليه السلام)
أحمد: ٢/٢٦٢، عن أبي هريرة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): منعت العراق
قفيزها ودرهمها، ومنعت الشام مدها ودينارها، ومنعت مصر إردبها، ودينارها وعدتم من
حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم! وقال: يشهد على ذلك لحم أبي
هريرة ودمه، قال أبو عبد الرحمن سمعت يحيى بن معين وذكر أبا كامل فقال:
كنت آخذ منه ذا الشأن وكان أبو كامل بغدادياً من الأمناء). ونحوه مسلم: ٤/٢٢٢٠،
وأبو داود: ٣/١٦٦، والبيهقي: ٩/١٣٧، وفي دلائل النبوة: ٦/٣٢٩، كلها عن أبي هريرة.
الخ. والقفيز والمُد والإردَبّ: مكاييل للغلات في العراق والشام ومصر.
وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي: ٢/٣٨٦، عن أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد الله
فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم، قلنا من أين ذلك؟ قال: من
قبل العجم يمنعون ذاك. ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مد. قلنا
من أين ذاك؟ قال من قبل الروم).
وفي السنن في الفتن: ٦/١١١٨، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها
ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم! ثلاث مرات). انتهى.
ومعنى ذلك أنه ستحدث أزمة اقتصادية ومالية في العراق والشام ومصر، فتمنع جهة من
الجهات المعادية للمسلمين وصول المواد التموينية منها أو إليها ويضطر المسلمون إلى
أن يرجعوا إلى الحجاز. وإذا صحَّ الحديث فهو يتكلم عن ذلك العصر الذي كان تموين
الحجاز فيه من مصر العراق ومصر والشام!
ولعل سبب ربطهم الموضوع بالإمام المهدي (عليه السلام) أنه ورد في رواية مسلم وأحمد
في كلام جابر، ثم تكلم بعده عن الإمام المهدي (عليه السلام). قال أحمد في مسنده:
٣/٣١٦: (عن أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد الله قال: يوشك أهل العراق أن لا
يجبى إليهم قفيز ولا درهم! قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل العجم يمنعون ذلك! ثم
قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مد! قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل
الروم يمنعون ذاك! قال: ثم أمسك هنيهة ثم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
يكون في آخر أمتي خليفة يحثو المال حثواً لا يعده عداً. قال الجريري فقلت لأبي نضرة
وأبي العلاء: أتريانه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا: لا). ومثله في مسلم: ٨/١٨٥. لكن لا
دليل فيه على ارتباط هذه الأزمة بالإمام المهدي (عليه السلام)، خاصة مع قول الراوي:
أمسك هنيهة فهو كالنص على أن
كلامه بعد السكوت مستأنف!
على أن الحاكم رواه: ٤/٤٥٤، بدون ذكر المهدي (عليه السلام) وفي آخره: والذي نفسي
بيده ليعودن الأمر كما بدأ ليعودن كل إيمان إلى المدينة كما بدأ منها، حتى يكون كل
إيمان بالمدينة ثم قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يخرج رجل من المدينة
رغبة عنها إلا أبدلها الله خيراً منه، وليسمعن ناس برخص من أسعار وريف فيتبعونه،
والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذه
السياقة، إنما أخرج مسلم حديث داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي:
(صلى الله عليه وآله) يكون في آخر الزمان خليفة يعطي المال لا يعده عداً، وهذا له
علة).
* * *
لكن
أحاديث مصادرنا روت هذه الأزمة بشكل آخر، ففي العياشي: ١/٦٨، عن أبي حمزة الثمالي
قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيء مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) قال: ذلك جوع خاص وجوع عام، فأما بالشام
فإنه عام، وأما الخاص بالكوفة يخص ولا يعم، ولكنه يخص بالكوفة أعداء آل محمد
فيهلكهم الله بالجوع. وأما الخوف فإنه عام بالشام وذاك الخوف إذا قام القائم (عليه
السلام) وأما الجوع فقبل قيام القائم (عليه السلام) وذلك قوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ). والنعماني/٢٥١، عن جابر الجعفي قال:
سألت أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) عن قول الله تعالى: (ولنبلونكم
بشيء من الخوف والجوع)، الآية، فقال.. كما في العياشي، بتفاوت، وفيه: وأما
الخوف فبعد قيام القائم (عليه السلام). وإثبات الهداة: ٣/٧٣٤ و٧٤٠، عن النعماني
والعياشي بتفاوت يسير، وكذا البحار: ٥٢/٢٢٩.
ولم أعرف معنى اختصاص الجوع بأعداء أهل البيت (عليهم السلام) في العراق، إلا أن
يكون أزمة تعاني منها مناطق دون مناطق. والخوف المذكور في بلاد الشام بعد ظهور
المهدي (عليه السلام) لا ينفي وجوده قبل ظهوره، وقد تقدمت الرواية التي نصت على أنه
يكون شديداً في العراق قبل الظهور، فعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (يزجر
الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر لهم في السماء وحمرة تجلل السماء، وخسف
ببغداد، وخسف ببلدة البصرة، ودماء تسفك بها وخراب دورها وفناء يقع في أهلها.
وشمول
أهل العراق خوف لا يكون معه قرار).
وفي كمال الدين: ٢/٦٤٩، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: إن قدام القائم علامات تكون من الله (عزَّ وجلَّ) للمؤمنين، قلت: ما هي جعلني
الله فداك؟ قال ذلك قول الله (عزَّ وجلَّ):
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ: يعني المؤمنين قبل خروج القائم (عليه السلام). (بِشَيءٍ
مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ): قال: يبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في
آخر سلطانهم، والجوع بغلاء أسعارهم. (وَنَقْصٍ مِنَ
الأَمْوَالِ): قال: كساد التجارات وقلة الفضل. ونقص من الأنفس، قال: موت
ذريع. ونقص من الثمرات، قال: قلة ريع ما يزرع. (وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ): عند ذلك بتعجيل خروج القائم (عليه السلام). ثم قال لي: يا
محمد هنا تأويله إن الله تعالى يقول: (وَمَا يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ). ومثله
النعماني/٢٥٠، عن محمد بن مسلم، وفيه: بلوى من الله تعالى لعباده المؤمنين، ودلائل
الإمامة/٢٥٩، والإرشاد/٣٦١، وإعلام الورى/٤٢٧، والخرائج: ٣/١١٥٣.
وفي النعماني/٢٥٠، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لابد أن يكون
قدام القائم سنة يجوع فيها الناس ويصيبهم خوف شديد من القتل، ونقص من الأموال
والأنفس والثمرات، فإن ذلك في كتاب الله لبين، ثم تلا هذه الآية: (نَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ
وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ). وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٣٤،
والبحار: ٥٢/٢٢٨، بتفاوت يسير.
وتقدم في العلامات التي عدها المفيد: (وخوف يشمل أهل العراق وبغداد، وموت ذريع فيه،
ونقص من الأموال والأنفس والثمرات). وفي حديث الإمام الباقر (عليه السلام): (وشمول
أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار).
نزول قوات الروم الغربية في العراق
في غيبة الطوسي/٢٧٨، عن عمار بن ياسر أنه قال: إن دولة أهل بيت نبيكم في آخر
الزمان، ولها أمارات، فالزموا الأرض وكفوا حتى تجيء أمارتها، فإذا استثارت
عليكم
الروم والترك وجهزت الجيوش، ومات خليفتكم الذي يجمع الأموال، واستخلف بعده رجل صحيح
فيخلع بعد سنين من بيعته، ويأتي هلاك ملكهم من حيث بدأ، ويتخالف الترك والروم وتكثر
الحروب في الأرض وينادي مناد من سور دمشق: ويل لأهل الأرض من شر قد اقترب، ويخسف
بغربي مسجدها حتى يخر حائطها، ويظهر ثلاثة نفر بالشام كلهم يطلب الملك: رجل أبقع
ورجل أصهب ورجل من أهل بيت أبي سفيان، يخرج في كلب ويحصر الناس بدمشق، ويخرج أهل
الغرب إلى مصر، فإذا دخلوا فتلك أمارة السفياني، ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمد
(عليهم السلام) وتنزل الترك الحيرة وتنزل الروم فلسطين، ويسبق عبد الله عبد الله
حتى يلتقي جنودهما بقرقيسيا على النهر ويكون قتال عظيم، ويسير صاحب المغرب فيقتل
الرجال ويسبي النساء، ثم يرجع في قيس حتى ينزل الجزيرة السفياني، فيسبق اليماني
ويحوز السفياني ما جمعوا ثم يسير إلى الكوفة فيقتل أعوان آل محمد (صلى الله عليه
وآله) ويقتل رجلاً من مسميهم. ثم يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح. وإذا رأيتم
أهل الشام قد اجتمع أمرها على ابن سفيان فالحقوا بمكة، فعند ذلك تقتل النفس الزكية
وأخوه بمكة ضيعة فينادي مناد من السماء: أيها الناس إن أميركم فلان، وذلك هو المهدي
الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً). انتهى.
أقول: لم يسندوا كلام عمار إلى النبي (صلى الله عليه وآله) كما أن صحة السند إلى
عمار محل إشكال. وإن صح فهو يدل على أن تحرك الروم والترك من أمارات ظهور المهدي
(عليه السلام). ومعنى: استثارت: تحركت ذاتياً على بلادنا الإسلامية طمعاً فيها.
وكذا تعبير: ويتحالف الترك والروم، وذلك في صراعهم على النفوذ والسيطرة بعد أن
كانوا متخالفين، ولكنهم متفقون في الطمع ببلاد المسلمين.
وتكثر الحروب في الأرض: أي في مناطقها المختلفة، وهذا موجود في عصرنا وقبله، فلا
تخلو قارة من حرب أو أكثر، ولا تهدأ حرب حتى تنفتح حروب، كل
ذلك
بسبب استثارة الروم، واليهود يحركونهم ويشعلون فتيل الحروب.
هذا، وقد عدَّ المفيد (رحمه الله) من علامات الظهور أن خيل المغرب تربط بفناء
الحيرة أي تستقر قرب الكوفة والنجف قال (رحمه الله): وورود خيل من قبل الغرب حتى
تربط بفناء الحيرة، فيحتمل أن تكون هذه القوات غربية تدخل العراق لمعاونة السفياني،
أو تكون قبل السفياني. ورايات المشرق هي الرايات السود الخراسانية التي تدخل مع
قوات اليماني لموافاة الإمام المهدي (عليه السلام) عندما يدخل العراق. أما بثق
الفرات وفيضانه في الكوفة، فقد تقدم أنه يكون في سنة الظهور.
هدم سور مسجد الكوفة
عدَّه المفيد (رحمه الله) في علامات الظهور، ورواه النعماني/٢٧٦، عن خالد القلانسي،
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا هدم حائط مسجد الكوفة من مؤخره مما يلي دار
ابن مسعود، فعند ذلك زوال ملك بني فلان، أما إن هادمه لا يبنيه). ومثله الإرشاد/٣٦٠
عن الحسين بن المختار، بتفاوت، وفيه: وعند زواله خروج القائم (عليه السلام). وغيبة
الطوسي/٢٧١، وعنهما إثبات الهداة: ٣/٥٥٤ و: ٣/٧٢٨، والبحار: ٥٢/٢١٠، ومثله الخرائج:
٣/١١٦٣.
وفي غيبة الطوسي/٢٨٣، عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام): حتى
انتهى إلى مسجد الكوفة وكان مبنياً بخزف ودنان وطين فقال: ويل لمن هدمك، وويل لمن
سهَّل هدمك، وويل لبانيك بالمطبوخ، المغير قبلة نوح، طوبى لمن شهد هدمك مع قائم أهل
بيتي، أولئك خيار الأمة مع أبرار العترة). وإثبات الهداة: ٣/٥١٦، والبحار: ٥٢/٣٣٢.
أقول: هذه العلامة محددة، ونصها صريح باتصالها بظهور الإمام صلوات الله عليه.
قوات السفياني أو القوات السورية في العراق
من أبرز الأمور في العراق في أحاديث ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) الفراغ
الأمني والصراعات الداخلية في العراق والحجاز معاً، مما يدل على أن ضعف النظام أو
انهياره في هذين البلدين شرطٌ لظهور الإمام (عليه السلام)! فقد ورد أن العراق يكون
منقسماً
قبل
دخول الإمام (عليه السلام) إليه على ثلاث رايات! (يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد
اضطربت فتصفو له. ويدخل حتى يأتي المنبر فلا يدري الناس ما يقول من البكاء).
(الإرشاد للمفيد/٣٦٢). والكوفة في هذا الحديث وأمثاله بمعنى العراق.
والسفياني هو حاكم سوريا، ويُطلب منه أن يرسل قواته إلى العراق لحفظ الأمن ثم إلى
الحجاز لنفس الغرض، لكنه يكون طرفاً ضد الإمام المهدي (عليه السلام)! فجيش السفياني
في أحاديث عصر المهدي (عليه السلام) يعني الجيش السوري المنتدب لحفظ الأمن، ولا
تذكر الروايات من الذي ينتدبه، ولعلها الدول الكبرى!
وأحاديث هذين الجيشين كثيرة جداً في مصادر الطرفين، تذكر تفاصيل نشاطهما وما يحدث
لهما. وستأتي في حركة السفياني في الشام ودوره في العراق والحجاز، ثم حربه مع
الإمام المهدي (عليه السلام) في معركة الشام وفتح القدس. أما وقت دخول جيشه إلى
العراق، فتحدده الأحاديث بعد نجاح ثورته في الشام وحكمه سوريا مباشرةً الذي يبدأ في
رجب. وتصف تنكيل جيش السفياني بأهل العراق من شيعة المهدي وأهل البيت (عليهم
السلام) خاصة. ومنها: ما رواه النعماني/٣٠٦، عن يونس بن أبي يعفور قال: سمعت أبا
عبد الله (عليه السلام) يقول: (إذا خرج السفياني يبعث جيشاً إلينا وجيشاً إليكم،
فإذا كان كذلك فأتونا على كل صعب وذلول). ومثله دلائل الإمامة/٢٦١، وعنه البحار:
٥٢/٢٥٣.
ابن حماد: ٢/٧٠٠، عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): (يبعث السفياني على جيش
العراق رجلاً من بني حارثة له غديرتان، يقال له نمر (أو قمر) بن عباد، رجلاً جسيماً
على مقدمته رجل من قومه قصير أصلع عريض المنكبين، فيقاتله من بالشام من أهل المشرق،
وفي موضع يقال له البنية (الثنية) وأهل حمص في حرب المشرق وأنصارهم، وبها يومئذ
منهم جند عظيم تقاتلهم فيما يلي دمشق، كل ذلك يهزمهم. ثم ينحاز من دمشق وحمص مع
السفياني، ويلتقون وأهل المشرق في موضع يقال له المدين مما يلي شرق حمص، فيقتل بها
نيف وسبعون ألفاً، ثلاثة أرباعهم من أهل المشرق. ثم تكون الدبرة عليهم، ويسير الجيش
الذي بعث إلى المشرق حتى
ينزلوا الكوفة، فكم من دم مهراق وبطن مبقور ووليد مقتول ومال منهوب ودم مستحل! ثم
يكتب إليه السفياني أن يسير إلى الحجاز، بعد أن يعركها عرك الأديم).
أقول: عنصر الأسطورة واضح في روايات ابن حماد هذه، مع ضعف أسانيدها.
ابن حماد: ١/٣٠٤، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): إذا ظهر السفياني على الأبقع
وعلى المنصور والكندي والترك والروم، خرج وصار إلى العراق، ثم يطلع القرن ذو الشفا
فعند ذلك هلاك عبد الله. ويخلع المخلوع ويتسبب أقوام في مدينة الزوراء على جهل
فيظهر الأخوص على مدينة عنوة فيقتل بها مقتلة عظيمة وتقتل ستة أكبش من آل العباس،
ويذبح فيها ذبحاً صبراً ثم يخرج إلى الكوفة).
وفي/٧٨، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام فتكون
بينهم ملحمة عظيمة، ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون فيقاتلهما جميعاً فيظهر عليهما
جميعاً، ثم يسير إليهم منصور اليماني من صنعاء بجنوده وله فورة شديدة يستقل الناس
قبل الجاهلية، فيلتقي هو والأخوص وراياتهم صفر وثيابهم ملونة، فيكون بينهما قتال
شديد، ثم يظهر الأخوص السفياني عليه، ثم يظهر الروم وخروج إلى الشام، ثم يظهر
الأخوص، ثم يظهر الكندي في شارة حسنة، فإذا بلغ تل سما فأقبل ثم يسير إلى العراق.
وترفع قبل ذلك ثنتا عشرة راية بالكوفة معروفة منسوبة. ويقتل بالكوفة رجل من ولد
الحسن أو الحسين يدعو إلى أبيه، ويظهر رجل من الموالي فإذا استبان أمره وأسرف في
القتل قتله السفياني). انتهى.
أقول: أوردنا هذه الرواية ليتضح منها تخريبهم لما رووه عن أهل البيت (عليهم السلام)
بالزيادة والإسقاط والخلط. ومثلها غيرها في هذا الموضوع وغيره.
هل الزرقاوي هو صاحب السفياني؟
غيبة الطوسي/٢٧٣، أو/٤٥٠، عن عمر بن أبان الكلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: كأني بالسفياني أو بصاحب السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة فنادى
مناديه: من جاء برأس شيعة علي فله ألف درهم، فيثب الجار على جاره ويقول هذا منهم،
فيضرب عنقه ويأخذ ألف درهم! أما إن إمارتكم يومئذ لا تكون إلا لأولاد البغايا،
وكأني أنظر إلى صاحب البرقع! قلت: ومن صاحب البرقع؟ فقال: رجل منكم يقول بقولكم،
يلبس البرقع فيحوشكم فيعرفكم ولا تعرفونه فيغمز بكم رجلاً رجلاً، أما إنه لا يكون
إلا ابن بغي)! وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٢٩، والبحار: ٥٢/٢١٥. وفي هامش غيبة الطوسي:
(في البحار ونسخ خطية من غيبة الطوسي: بصاحب السفياني).
أقول: معنى صاحب السفياني أنه مقدمة له في عمله وعدائه لأتباع أهل البيت (عليهم
السلام)، ولا يلزم أن يكون زمن خروجه متصلاً بخروج السفياني، فقد يكون قبله بفترة.
لكن الفقرة التالية من الحديث تصف حالة الحكومة والأمراء الذين يساندون صاحب
السفياني، وهذا يضعف انطباق الحديث على الزرقاوي لأن أولاد البغايا الذين يساندونه
خارج العراق، وليسوا ظاهرين في العراق.
ضعف رواية دخول جيش السفياني إلى إيران
ابن حماد: ١/٣٠٨، عن أرطاة قال: يدخل السفياني الكوفة فيسبيها ثلاثة أيام ويقتل من
أهلها ستين ألفاً، ثم يمكث فيها ثماني عشرة ليلة، يقسم أموالها. ودخوله مكة بعد ما
يقاتل الترك والروم بقرقيسيا، ثم ينفتق عليهم خلفهم فتق فيرجع طائفة منهم إلى
خراسان فتقبل خيل السفياني وتهدم الحصون حتى تدخل الكوفة وتطلب أهل خراسان، ويظهر
بخراسان قوم يدعون إلى المهدي، ثم يبعث السفياني إلى المدينة فيأخذ قوماً من آل
محمد حتى يرد بهم الكوفة. ثم يخرج المهدي ومنصور من الكوفة هاربين ويبعث السفياني
في طلبهما، فإذا بلغ المهدي ومنصور مكة نزل جيش السفياني البيداء فيخسف بهم، ثم
يخرج المهدي حتى يمر بالمدينة فيستنقذ من كان فيها من بني هاشم. وتقبل الرايات
السود حتى تنزل على الماء، فيبلغ من بالكوفة من أصحاب السفياني نزولهم فيهربون، ثم
ينزل الكوفة حتى يستنقذ من فيها من بني هاشم. ويخرج قوم من سواد الكوفة يقال لهم
العصب ليس معهم سلاح إلا قليل،
وفيهم
نفر من أهل البصرة فيدركون أصحاب السفياني فيستنقذون ما في أيديهم من سبي الكوفة.
وتبعث الرايات السود بالبيعة إلى المهدي). وعنه الحاوي للسيوطي: ٢/٦٧.
ابن حماد: ١/٣٢١، عن شريح بن عبيد وراشد بن سعد وضمرة بن حبيب ومشايخهم قالوا: يبعث
السفياني خيله وجنوده، فيبلغ عامة الشرق من أرض خراسان وأرض فارس فيثور بهم أهل
المشرق فيقاتلونهم، ويكون بينهم وقعات في غير موضع، فإذا طال عليهم قتالهم إياه
بايعوا رجلاً من بني هاشم، وهم يومئذ في آخر الشرق فيخرج بأهل خراسان على مقدمته
رجل من بني تميم مولى لهم أصفر قليل اللحية، يخرج إليه في خمسة آلاف إذا بلغه
خروجه، فيبايعه فيصيره على مقدمته، لو استقبله الجبال الرواسي لهدها، فيلتقي هو
وخيل السفياني فيهزمهم ويقتل منهم مقتلة عظيمة ثم تكون الغلبة للسفياني ويهرب
الهاشمي، ويخرج شعيب بن صالح مختفياً إلى بيت المقدس يوطئ للمهدي منزله، إذا بلغه
خروجه إلى الشام).
ضعف رواية معركة اصطخر قرب الأهواز
ابن حماد: ١/٣٠٢، عن أبي رومان، عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، قال: إذا خرجت
خيل السفياني إلى الكوفة، بعث في طلب أهل خراسان، ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي،
فيلتقي هو والهاشمي برايات سود، على مقدمته شعيب بن صالح، فيلتقي هو وأصحاب
السفياني بباب إصطخر، فتكون بينهم ملحمة عظيمة فتظهر الرايات السود وتهرب خيل
السفياني، فعند ذلك يتمنى الناس المهدي ويطلبونه). ونحوه في/٨٨، وفيه: يلتقي
السفياني والرايات السود، فيهم شاب من بني هاشم في كفه اليسرى خال، وعلى مقدمته رجل
من بني تميم يقال له شعيب بن صالح بباب إصطخر، فتكون بينهم ملحمة. وعقد الدرر/١٢٧،
والحاوي: ٢/٦٩، عن رواية ابن حماد الأولى، وكذا جمع الجوامع: ٢/١٠٣. والفتاوى
الحديثية/٢٩، كما في رواية ابن حماد الثانية، والمغربي/٥٣٢ و٥٧٩، عن الأولى، وقال:
فانظر إلى حديث الرايات، كم له من طريق، بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها ضعيف،
ثم
تأمل هل يمكن أن يحكم عليه بأنه لا أصل له مع وجود هذه الطرق الكثيرة المتباينة
المخارج).
أقول: على كثرة الروايات في جيش السفياني فلم تذكر رواية غيرها أنه يدخل إيران بل
حصرت مهمته في العراق والحجاز، فتفردها وضعف سندها كافيان لردها.
وفي مختصر البصائر/١٩٩: (وقفت على كتاب خطب لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)
وعليه خط السيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس ما صورته: هذا
الكتاب ذكر كاتبه رجلين بعد الصادق (عليه السلام) فيمكن أن يكون تاريخ كتابته بعد
المائتين من الهجرة لأنه (عليه السلام) انتقل بعد سنة مائة وأربعين من الهجرة، وقد
روى بعض ما فيه عن أبي روح فرج بن فروة، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد (عليه
السلام).. وبعض ما فيه عن غيرهما ذكر في الكتاب المشار إليه خطبة لمولانا أمير
المؤمنين (عليه السلام) تسمى المخزون... وهي رواية طويلة من نوع روايات ابن حماد
وأقوال الوليد أو أرطاة أو أبي قبيل، ومنها: (ويبعث السفياني مائة وثلاثين ألفاً
إلى الكوفة فينزلون بالروحاء والفاروق وموضع مريم وعيسى (عليهما السلام) بالقادسية،
ويسير منهم ثمانون ألفاً حتى ينزلوا الكوفة، موضع قبر هود (عليه السلام) بالنخيلة،
فيهجموا عليه يوم زينة، وأمير الناس جبار عنيد يقال له الكاهن الساحر، فيخرج من
مدينة يقال لها الزوراء في خمسة آلاف من الكهنة، ويقتل على جسرها سبعين ألفاً حتى
يحتمي الناس الفرات ثلاثة أيام من الدماء ونتن الأجسام، ويسبي من الكوفة أبكاراً لا
يكشف عنها كف ولا قناع حتى يوضعن في المحامل يزلف بهن الثوية وهي الغريين، ثم يخرج
عن الكوفة مائة ألف بين مشرك ومنافق حتى يضربوا دمشق لا يصدهم عنها صاد، وهي إرم
ذات العماد. وتقبل رايات شرقي الأرض ليست بقطن ولا كتان ولا حرير، مختمة في رؤوس
القنا بخاتم السيد الأكبر يسوقها رجل من آل محمد (صلى الله عليه وآله) يوم تطير
بالمشرق يوجد ريحها بالمغرب كالمسك الإذفر، يسير الرعب أمامها شهراً. ويخلف أبناء
سعد السقاء بالكوفة طالبين بدماء آبائهم، وهم أبناء الفسقة حتى تهجم عليهم خيل
الحسين يستبقان كأنهما فرسا رهان، شعثٌ غبرٌ أصحاب بواكي وقوارح...).
ولا
يمكن الاعتماد على هذه الرواية، لكثرة الإشكالات على متنها وسندها.
فتح الإمام المهدي (عليه السلام) العراق واتخاذه عاصمة له
وأحاديثه كثيرة في مصادر الجميع، وأنه يحرر العراق من بقايا قوات السفياني ومجموعات
الخوارج المتعددة، ويتخذه قاعدة له وعاصمة لدولته. ولم أجد تحديداً دقيقاً لوقت
دخوله (عليه السلام) إلى العراق، لكنه يكون بعد بضعة شهور من ظهوره المقدس بعد
تحرير الحجاز.
وتصف بعض الروايات دخوله إلى العراق جواً وكأنه بسرب من الطائرات! فقد تقدم عن
الإمام الباقر (عليه السلام): (ينزل القائم يوم الرجفة بسبع قباب من نور لا يعلم في
أيها هو، حتى ينزل ظهر الكوفة. وفي رواية: إنه نازل في قباب من نور حين ينزل بظهر
الكوفة على الفاروق، فهذا حين ينزل). (تفسير العياشي: ١/١٠٣)
وتقدم في فصل أصحابه (عليه السلام) أن قواته تدخل إلى العراق مشياً في جو معجزة:
(قال أبو جعفر (عليه السلام): إذا قام القائم بمكة وأراد أن يتوجه إلى الكوفة نادى
مناديه ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً، ويحمل حجر موسى بن عمران وهو وقر
بعير، ولا ينزل منزلا إلا انبعث عين منه، فمن كان جائعاً شبع، ومن كان ظمآن روي،
فهو زادهم حتى نزلوا النجف من ظهر الكوفة). البصائر/١٨٨، ومثله الكافي: ١/٢٣١،
ونحوه النعماني/٢٣٨، كما في روايته الأولى، بتفاوت يسير، وكمال الدين: ٢/٦٧٠، كما
في رواية النعماني الثانية، بتفاوت يسير، والخرائج: ٢/٦٩٠، مرسلاً، وفيه: ويحمل معه
حجر موسى بن عمران التي انبجست منه اثنتا عشرة عيناً، فلا ينزل منزلاً إلا نصبه
فانبعثت منه العيون.. انبعث منه الماء واللبن دائماً فمن كان جائعاً شبع ومن كان
عطشان رُوي. ومثله منتخب الأنوار /١٩٩،، وإثبات الهداة: ٣/٤٤٠، عن الكافي، وكمال
الدين. وفي/٥٤١، أوله عن رواية النعماني الأولى... الخ.
أقول: الجمع بين الروايات بأنه يرسل أحد أصحابه في قيادة جيشه براً إلى العراق
ومعهم
حجر موسى (عليه السلام)، ويدخل هو (عليه السلام) جواً في سبع قباب من نور.
البحار: ٥٢/٣٨٧، عن الكابلي عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: يقتل القائم (عليه
السلام) من أهل المدينة حتى ينتهي إلى الأجفر، ويصيبهم مجاعة شديدة، قال فيصبحون
وقد نبتت لهم ثمرة يأكلون منها ويتزودون منها، وهو قوله تعالى شأنه: (وَآيَةٌ
لَهُمُ الأرض الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ
يَأْكُلُونَ)، ثم يسير حتى ينتهي إلى القادسية وقد اجتمع الناس بالكوفة
وبايعوا السفياني).
يدخل العراق وفيه ثلاث رايات قد اضطربت فيما بينها
تذكر الأحاديث أنه يدخل الكوفة، أي العراق، وفيه ثلاث اتجاهات متضاربة وهي الاتجاه
المؤيد له (عليه السلام) والاتجاه المؤيد للسفياني، والثالث قد يكون الاتجاه
الموالي للغرب علناً، فعن عمرو بن شمر عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال ذكر
المهدي (عليه السلام) فقال: (يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له.
ويدخل حتى يأتي المنبر فلا يدري الناس ما يقول من البكاء، فإذا كانت الجمعة الثانية
سأله الناس أن يصلي بهم يوم الجمعة، فيأمر أن يخط له مسجد على الغري ويصلي بهم هناك
ثم يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين (عليه السلام) نهراً يجري إلى الغريين حتى ينزل
الماء في النجف، ويعمل على فوهته القناطير والأرحاء، فكأني بالعجوز على رأسها مكتل
فيه برتأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلاكرى). (الإرشاد للمفيد/٣٦٢).
وفي غيبة الطوسي/٢٨٠، عن ثابت، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل جاء فيه
قوله (عليه السلام): يدخل المهدي الكوفة.. ويخطب ولا يدري الناس وهو قول رسول الله
(صلى الله عليه وآله) كأني بالحسني والحسيني وقد قاداها فيسلمها إلى الحسيني
فيبايعونه، فإذا كانت الجمعة الثانية قال الناس: يا ابن رسول الله الصلاة خلفك
تضاهي الصلاة خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمسجد لا يسعنا، فيقول: أنا
مرتادٌ لكم فيخرج إلى الغري فيخط مسجداً له ألف باب يسع الناس عليه أصيص، ويبعث
فيحفر من خلف قبر الحسين (عليه السلام) لهم نهراً يجري إلى الغريين حتى ينبذ في
النجف، ويعمل على فوهته
قناطر
وأرحاء في السبيل، وكأني بالعجوز وعلى رأسها مكتل فيه بر حتى تطحنه بكربلاء). وروضة
الواعظين: ٢/٢٦٣، كالإرشاد، وفيه: يجري إلى الغري، وإعلام الورى/٤٣٠، كالإرشاد،
وكشف الغمة: ٣/٢٥٣ عن الإرشاد، وكذا مستجاد الحلي/٥٥٤، والبحار: ٥٢/٣٣٠، عن غيبة
الطوسي، وإعلام الورى، والإرشاد. وفي: ١٠٠/٣٨٥، عن السيد علي بن عبد الحميد من كتاب
الفضل بن شاذان، وبإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) وفيه: فيجري خلف قبر الحسين
(عليه السلام) نهراً يجري إلى الغري حتى يجري في النجف ويعمل هو على فوهة النهر
قناطر وأرحاء في السبيل). إلى آخر المصادر.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: يبني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، وتتصل
بيوت الكوفة بنهري كربلاء والحيرة، حتى يخرج الرجل على بغلة سفواء يريد الجمعة فلا
يدركها). (الغيبة للطوسي/٢٨٠). والسفواء: الخفيفة السريعة، أي يركب وسيلة خفيفة
سريعة فلا يدرك صلاة الجمعة، لأنه لا يجد موقفاً فارغاً ومحلاً للصلاة.
أقول: لا بد أن يكون الكلام في هذا الحديث وأمثاله عن الأرحاء أي المطاحن التي
ينشؤها الإمام المهدي (عليه السلام) على النهر الذي يجريه إلى النجف، من تصور
الراوي الذي سمع تعبيراً من الإمام (عليه السلام) عن الرخاء والأمان، فنقله حسب
عصره!
أمالي الصدوق/١٨٩ مجلس/٤٠، عن الأصبغ بن نباتة قال: بينا نحن ذات يوم حول أمير
المؤمنين (عليه السلام) في مسجد الكوفة إذ قال: يا أهل الكوفة: لقد حباكم الله
(عزَّ وجلَّ) بما لم يحب به أحداً، ففضل مصلاكم وهو بيت آدم وبيت نوح وبيت إدريس
ومصلى إبراهيم الخليل ومصلى أخي الخضر ومصلاي. وإن مسجدكم هذا أحد الأربعة المساجد
التي اختارها الله (عزَّ وجلَّ) لأهلها، وكأني به يوم القيامة في ثوبين أبيضين شبيه
بالمحرم يشفع لأهله ولمن صلى فيه فلا ترد شفاعته. ولا تذهب الأيام حتى ينصب فيه
الحجر الأسود. وليأتين عليه زمان يكون مصلى المهدي من ولدي، ومصلى كل مؤمن، ولا
يبقى على الأرض مؤمن إلا كان به أو حن قلبه إليه، فلا تهجروه وتقربوا إلى الله
(عزَّ وجلَّ) بالصلاة فيه، وارغبوا إليه في قضاء حوائجكم، فلو يعلم الناس ما فيه من
البركة لأتوه من أقطار الأرض ولو حبواً على الثلج). ومثله الفقيه: ١/٢٣١، وروضة
الواعظين: ٢/٣٣٧، بتفاوت يسير، ووسائل الشيعة: ٣/٥٢٦، عن الفقيه، وأمالي
الصدوق وإثبات الهداة: ٣/٤٥٢، بعضه عن الفقيه وأمالي الصدوق، وعنه البحار: ١٠٠/٣٨٩.
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: ١٠/١٣: (ومن عجيب ما وقفت عليه من ذلك قوله في
الخطبة التي يذكر فيها الملاحم، وهو يشير إلى القرامطة: ينتحلون لنا الحب والهوى
ويضمرون لنا البغض والقلى، وآية ذلك قتلهم وراثنا وهجرهم أحداثنا! وصح ما أخبر به
لأن القرامطة قتلت من آل أبي طالب (عليه السلام) خلقاً كثيراً. وفي هذه الخطبة قال
وهو يشير إلى السارية التي كان يستند إليها في مسجد الكوفة: كأني بالحجر الأسود
منصوباً ها هنا، ويحهم إن فضيلته ليست في نفسه بل في موضعه وأسه، يمكث ها هنا برهةً
ثم ها هنا برهة وأشار إلى البحرين، ثم يعود إلى مأواه وأم مثواه! ووقع الأمر في
الحجر الأسود بموجب ما أخبر به (عليه السلام)).
ينزل الإمام (عليه السلام) في النجف أولاً
من الأمور الملفتة أن الأحاديث تذكر أن الإمام المهدي (عليه السلام) عندما يدخل
العراق، يدخل إلى النجف ثم يتجه إلى مسجد السهلة، وقد أوردنا في الفصل الثاني عشر
في نصره (عليه السلام) بالملائكة، حديث كامل الزيارات/١١٩، والعياشي: ٢/٥٦. وفي
البحار: ٥٢/٣٠٨، عن الكابلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يبايع القائم بمكة على
كتاب الله وسنة رسوله، ويستعمل على مكة، ثم يسير نحو المدينة فيبلغه أن عامله قتل،
فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة ولا يزيد على ذلك، ثم ينطلق فيدعوا الناس بين المسجدين
إلى كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله) والولاية لعلي بن أبي طالب،
والبراءة من عدوه، حتى يبلغ البيداء فيخرج إليه جيش السفياني فيخسف الله بهم. وفي
خبر آخر: يخرج إلى المدينة فيقيم بها ما شاء، ثم يخرج إلى الكوفة ويستعمل عليها
رجلاً من أصحابه، فإذا نزل الشفرة جاءهم كتاب السفياني إن لم تقتلوه لأقتلنَّ
مقاتليكم ولأسبينَّ ذراريكم، فيقبلون على عامله فيقتلونه، فيأتيه الخبر فيرجع إليهم
فيقتلهم ويقتل قريشاً حتى لا يبقى منهم إلا أكلة كبش، ثم يخرج إلى الكوفة،
ويستعمل رجلاً من أصحابه فيقبل وينزل النجف). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٨٣.
وفي دلائل الإمامة/٢٤٣، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (كأنني به قد عبر من وادي
السلام إلى مسجد السهلة على فرس محجل له شمراخٌ يزهر، ويدعو ويقول في دعائه: لا إله
إلا الله حقاً حقاً لا إله إلا الله إيماناً وصدقاً، لا إله إلا الله تعبداً ورقاً
اللهم معين كل مؤمن وحيد، ومذل كل جبار عنيد، أنت كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق
عليَّ الأرض بما رحبت، اللهم خلقتني وكنت عن خلقي غنياً، ولولا نصرك إياي لكنت من
المغلوبين. يا مُبَعْثِرَ الرحمة من مواضعها، ومخرج البركات من معادنها، ويا من خص
نفسه بشموخ الرفعة فأولياؤه بعزه يتعززون، يا من وضعت له الملوك نير المذلة على
أعناقها فهم من سطوته خائفون، أسألك باسمك الذي قصرت عنه خلقك فكل لك مذعنون، أسألك
أن تصلي على محمد وعلى آل محمد وأن تنجز لي أمري، وتعجل لي الفرج، وتكفيني
وتعافيني، وتقضي حوائجي، الساعة الساعة الليلة الليلة، إنك على كل شيء قدير).
والعدد القوية/٧٥، وإثبات الهداة: ٣/٥٧٣، والبحار: ٥٢/٣٩١.
وفي تفسير العياشي: ١/١٠٣، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يا أبا
حمزة، كأني بقائم أهل بيتي قد علا نجفكم، فإذا علا فوق نجفكم نشر راية رسول الله
(صلى الله عليه وآله)، فإذا نشرها انحطت عليه ملائكة بدر).
وفي النعماني/٣٠٨، عن أبي حمزة الثمالي: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): يا ثابت
كأني بقائم أهل بيتي قد أشرف على نجفكم هذا، وأومأ بيده إلى ناحية الكوفة، فإذا
أشرف على نجفكم نشر راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإذا هو نشرها انحطت عليه
ملائكة بدر قلت: وما راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: عمودها من عمد عرش
الله ورحمته، وسايرها من نصر الله، لا يهوي بها إلى شيء إلا أهلكه الله! قلت:
فمخبوءة عندكم حتى يقوم القائم (عليه السلام) أم يؤتى بها؟ قال: لا بل يؤتى بها،
قلت: من يأتيه بها؟ قال: جبرئيل (عليه السلام)). وكمال الدين: ٢/٦٧٢، عن أبي حمزة،
وعنه البحار: ٥٢/٣٢٦، وعنها إثبات الهداة: ٣/٤٩٣، و/٥٤٥، و/٥٤٨.
وفي
أمالي المفيد/٤٥ عن أبي خالد الكابلي قال: قال لي علي بن الحسين (عليهما السلام):
يا أبا خالد لتأتين فتن كقطع الليل المظلم لا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه، أولئك
مصابيح الهدى وينابيع العلم، ينجيهم الله من كل فتنة مظلمة. كأني بصاحبكم قد علا
فوق نجفكم بظهر كوفان، في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن
شماله وإسرافيل أمامه، معه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد نشرها، لا يهوي
بها إلى قوم إلا أهلكهم الله (عزَّ وجلَّ)). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٥٦، بعضه،
والبحار: ٥١/١٣٥.
وفي الإرشاد/٣٦٢، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر (عليه السلام): كأني بالقائم على
نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة، جبرئيل عن يمينه
وميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يفرق الجنود في البلاد). وإعلام
الورى/٤٣٠، كالإرشاد، وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٢٦، بتفاوت يسير.
وفي غيبة الطوسي/٢٧٥، عن أبي جعفر (عليه السلام): إذا دخل القائم الكوفة لم يبق
مؤمن إلا وهو بها أو يجيء إليها، وهو قول أمير المؤمنين (عليه السلام) ويقول
لأصحابه: سيروا بنا إلى هذه الطاغية فيسير إليه). وعنه منتخب الأنوار/١٩٠، وإثبات
الهداة: ٣/٥١٤، والبحار: ٥٢/٣٣٠.
ملاحظات
من الملفت في أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) عند دخوله النجف الأشرف:
أولاً: دخوله العراق (عليه السلام) في سبع قباب من نور كأنه سرب طائرات. وإرساله
جيشه مشياً ومعهم حجر موسى (عليه السلام)، وإظهار المعجزة في تموينهم.
ثانياً: ظهوره (عليه السلام) من النجف على العالم بوسائل حرب جديدة ومعجزات! فقد
تقدم في الحديث الصحيح من كامل الزيارات/١١٩، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:
(كأني بالقائم على نجف الكوفة وقد لبس درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فينتفض
هو بها فتستدير عليه فيغشيها بحداجة من استبرق، ويركب فرساً أدهم بين عينيه شمراخ،
فينتفض به انتفاضة لا يبقي أهل بلد إلا وهم يرون أنه معهم في بلادهم، فينشر راية
رسول
الله
(صلى الله عليه وآله) عمودها من عمود العرش وسائرها من نصر الله، لا يهوي بها إلى
شيء أبداً إلا هتكه الله، فإذا هزها لم يبق مؤمن إلا صار قلبه كزبر الحديد). انتهى.
وتقدم نحوه من مصادر أخرى، وفيه إشارة إلى أن نشْر راية النبي (صلى الله عليه وآله)
كان لآخر مرة بيد أمير المؤمنين (عليه السلام) في حرب الجمل البصرة، وأن الله تعالى
شاء أن يكون نشرها بيد المهدي (عليه السلام) عند قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)
المظلوم الأول في العالم ومعها وسائل قوة متطورة والملائكة!
ثالثاً: أن الإمام (عليه السلام) يستخرج أسلحة وتجهيزات خاصة به من أرض النجف
والكوفة أو يؤتى بها له إلى هناك، وقد تقدم أن جبرئيل يأتيه براية النبي (صلى الله
عليه وآله)!
وتقدم من ملاحم ابن المنادي/٦٤، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (وإني لأعلم
إلى من تخرج الأرض ودايعها وتسلم إليه خزائنها، ولو شئت أن أضرب برجلي فأقول أخرجوا
من هاهنا بيضاً(خوذ) ودروعاً)! وفي الاختصاص/٣٣٤، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن
الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إذا قام القائم أتى رحبة الكوفة فقال برجله هكذا
أو أومأ بيده إلى موضع، ثم قال: احفروا ههنا فيحفرون فيستخرجون اثني عشر ألف درع
(واثني عشر ألف درع) واثني عشر ألف سيف، واثني عشر ألف بيضة لكل بيضة وجهان، ثم
يدعو اثني عشر ألف رجل من الموالي من العرب والعجم فيلبسهم ذلك، ثم يقول: من لم يكن
عليه مثل ما عليكم فاقتلوه).
وسيأتي في الخوارج البترية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (ثم خرج يمشي حتى انتهى
إلى باب قصر الأمارة بالكوفة فركض رجله فتزلزلت الأرض ثم قال: أما والله لقد علمت
ما ههنا، أما والله لو قد قام قائمنا لأخرج من هذا الموضع اثني عشر ألف درع واثني
عشر ألف بيضة لها وجهان، ثم ألبسها اثني عشر رجلاً من ولد العجم، ثم ليأمرهم ليقتلن
كل من كان على خلاف ما هم عليه، وإني أعلم ذلك وأراه كما أعلم هذا اليوم). وعنه
إثبات الهداة: ٣/٥٥٨، والبحار: ٥٢/٣٧٧، وبشارة الإسلام/٢٢٩.
ويبدو أن هذه الأسلحة والتجهيزات عطاء إلهي على نحو الإعجاز، وقد يكون
بعضها
يؤتى به للإمام (عليه السلام) من مصانعها الخاصة به في العالم.
رابعاً: وصفت الأحاديث ناراً تقع بالكوفة عند ظهور المهدي (عليه السلام)، فقد تكون
ناراً حقيقية أو قوة متميزة تضرب أعداءه (عليه السلام)، ففي النعماني/٢٧٢، عن صالح
بن سهل، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) قوله تعالى: سأل سائل بعذاب
واقع، قال: تأويلها فيما يأتي: عذاب يقع في الثوية يعني ناراً حتى ينتهي إلى
الكناسة كناسة بني أسد حتى تمر بثقيف، لا تدع وتراً لآل محمد إلا أحرقته، وذلك قبل
خروج القائم (عليه السلام)). وعنه المحجة/٢٣٣، والبرهان: ٤/٣٨٢، والبحار: ٥٢/٢٤٣.
وفيها: عن جابر قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): كيف تقرؤون هذه السورة؟ قلت: وأية
سورة؟ قال سورة: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ؟ فقال: ليس هو سأل سائل بعذاب
واقع، إنما هو سال سيل وهي نار تقع في الثوية ثم تمضي إلى كناسة بني أسد، ثم تمضي
إلى ثقيف، فلا تدع وتراً لآل محمد إلا أحرقته). وعنه المحجة/ ٢٣٣، والبحار: ٥٢/٢٤٣.
وفي تفسير القمي: ٢/٣٨٥: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِع. قال: سئل أبو جعفر (عليه
السلام) عن معنى هذا فقال: نار تخرج من المغرب، وملك يسوقها من خلفها حتى تأتي دار
بني سعد بن همام عند مسجدهم، فلا تدع داراً لبني أمية إلا أحرقتها وأهلها، ولا دار
فيها وتر لآل محمد إلا أحرقتها. وذلك المهدي (عليه السلام)). وإثبات الهداة: ٣/٥٥٣،
والبحار: ٥٢/١٨٨.
أقول: إن صحت هذه الروايات فالمرجح أن تلك النار أو الأحداث النارية على أعدائه
(عليه السلام) تكون عند دخول الإمام (عليه السلام) إلى العراق. أما دار سعد بن همام
فهي محلة بالكوفة مما يشير إلى أن الأسماء الباقية محلات أيضاً، ففي تاريخ
الكوفة/٤٥٤: (حدثني أبو عبد الله بن الحجاج وكان من رواة الحديث أنه قد جمع من روى
الحديث من آل أعين فكانوا ستين رجلاً، وحدثني أبو جعفر أحمد بن محمد بن لاحق
الشيباني عن مشايخه: أن بني أعين بقوا أربعين سنة أربعين رجلاً لا يموت منهم رجل
إلا ولد فيهم غلام، وهم على ذلك يستولون على دور بني شيبان في خطة بني سعد بن همام،
ولهم مسجد الخطة يصلون فيه، وقد دخله سيدنا أبو عبد
الله
جعفر بن محمد (عليه السلام) وصلى فيه). والفوائد الرجالية: ١/٢٢٩. فدار سعد بن همام
هنا حي في الكوفة، وسعد هذا يروي عن أبي هريرة (التحقيق في أحاديث الخلاف لابن
الجوزي: ١/٤٢٥) لكن يبدو أن المقصود بدار سعد هنا أعداء الإمام المهدي (عليه
السلام) في عصره بعد ظهوره أو قريباً منه، لأن أبناء سعد بن همام كانوا مضرب المثل
في الشر! قال البغدادي في خزانة الأدب: ٧/٤١٥: (وهي أم سيار وسمير وعبد الله وعمرو
أولاد سعد بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان. وهم سيارة مَرَدَة، ليس يأتون على شيء
إلا أفسدوه).
الإمام المهدي (عليه السلام) هو الآخذ بثأر الحسين (عليه السلام)
كامل الزيارات/٣٣٦، عن الحلبي، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): لما قتل
الحسين (عليه السلام) سمع أهلنا قائلاً يقول بالمدينة: اليوم نزل البلاء على هذه
الأمة فلا ترون فرحاً حتى يقوم قائمكم فيشفي صدوركم ويقتل عدوكم، وينال بالوتر
أوتاراً). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٣١، والبحار: ٤٥/١٧٢.
كامل الزيارات/٦٣، عن محمد بن سنان، عن رجل قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
في قوله تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا
لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً)؟
قال: ذلك قائم آل محمد يخرج فيقتل بدم الحسين (عليه السلام) فلو قتل أهل الأرض لم
يكن مسرفاً، وقوله: (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ):
لم يكن ليصنع شيئاً يكون سرفاً. ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): يقتل والله
ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائها). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٣٠،
والمحجة/١٢٧، والبحار: ٤٥/٢٩٨.
غيبة الطوسي/١١٥، عن الفضيل بن الزبير قال سمعت زيد بن علي يقول: هذا المنتظر من
ولد الحسين بن علي في ذرية الحسين وفي عقب الحسين (عليه السلام). وهو المظلوم الذي
قال الله تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا
لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً): قال وليه رجل من ذريته من عقبه ثم قرأ: (وَجَعَلَهَا
كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ... فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ): قال:
سلطانه حجته على جميع من خلق الله تعالى، حتى يكون له الحجة على الناس، ولا يكون
لأحد عليه حجة). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٠٤، والبحار: ٥١/٣٥.
تفسير
القمي: ٢/٨٤، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: (أُذِنَ
لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا): قال: إن العامة يقولون نزلت
في رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أخرجته قريش من مكة، وإنما هي للقائم (عليه
السلام) إذا خرج يطلب بدم الحسين (عليه السلام)، وهو قوله: نحن أولياء الدم وطلاب
الدية). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٥٢، والبحار: ٥١/٤٧.
مناقب ابن شهرآشوب: ٤/٨٥، عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في قصة قتل الملك
الروماني ليحيى بن زكريا (عليهما السلام) وكيف سلط الله عليهم من قتل منهم على دمه
سبعين ألفاً! جاء فيه قول الحسين (عليه السلام): يا ولدي يا علي والله لايسكن دمي
حتى يبعث الله المهدي فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفاً). وعنه
البحار: ٤٥/٢٩٩.
تفسير العياشي: ٢/٢٩٠، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: (وَمَنْ
قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي
الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً): قال: هو الحسين بن علي (عليه السلام)
قتل مظلوماً ونحن أولياؤه، والقائم منا إذا قام طلب بثأر الحسين فيَقتل حتى يقال قد
أسرف في القتل. وقال: المقتول الحسين (عليه السلام) ووليه القائم، والإسراف في
القتل: أن يقتل غير قاتله. (إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً):
فإنه لا يذهب من الدنيا حتى ينتصر برجل من آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يملأ
الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٥٢، والبرهان:
٢/٤١٩.
وفي الكافي: ٤/١٧٠، عن رزين قال قال أبو عبد الله (عليه السلام): لما ضرب الحسين بن
علي (عليهما السلام) بالسيف فسقط ثم ابتدر ليقطع رأسه، نادى مناد من بطنان العرش:
ألا أيتها الأمة المتحيرة الضالة بعد نبيها، لا وفقكم الله لأضحى ولا لفطر. قال ثم
قال أبو عبد الله (عليه السلام): فلا جرم والله ما وفقوا ولا يوفقون حتى يثأر ثائر
الحسين (عليه السلام)). ونحوه الفقيه: ٢/٨٩، وأمالي الصدوق/١٤٢، وفيه: حتى يقوم
ثائر الحسين، وعلل الشرائع: ٢/٣٨٩، وعنهما البحار: ٩١/١٣٤.
تفسير فرات/١٢٢، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: (وَمَنْ
قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي
الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً): قال: سمى الله المهدي المنصور كما
سمى
أحمد محمداً وكما سمى عيسى المسيح (عليه السلام)). وعنه البحار: ٥١/٣٠.
تفسير القمي: ٢/٨٧: (وَمَنْ عَاقَبَ): يعني رسول الله
(صلى الله عليه وآله) (بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ):
يعني حسيناً أرادوا أن يقتلوه. (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ
لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ): يعني بالقائم من ولده). وعنه المحجة/١٤٤، والبرهان:
٣/١٠٣، والبحار: ٥١/٤٧.
الخوارج على الإمام المهدي (عليه السلام)
تدل الأحاديث على أن الحركات المضادة للإمام (عليه السلام) تكون كثيرة من جماعات
السفياني وغيرهم، وأنه (عليه السلام) يستعمل سياسة الشدة والقتل لمن يقف في وجهه،
تنفيذاً للعهد المعهود إليه من جده رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ففي النعماني/٢٣١، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: صالح من
الصالحين سمه لي أريد القائم (عليه السلام)، فقال: اسمه اسمي، قلت: أيسير بسيرة
محمد (صلى الله عليه وآله)؟ قال: هيهات هيهات يازرارة ما يسير بسيرته! قلت: جعلت
فداك لم؟ قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سار في أمته بالمنِّ كان يتألف
الناس والقائم يسير بالقتل، بذاك أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ولا يستتيب
أحداً، ويلٌ لمن ناواه). وعقد الدرر/٢٢٦، وعنه البحار: ٥٢/٣٥٣، وإثبات الهداة:
٣/٥٣٩، وقال: ورواه أيضاً بإسناد آخر. ولم نجده فيه بسند آخر.
النعماني/٢٩٩، عن يعقوب السراج قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ثلاث
عشرة مدينة وطائفة يحارب القائم أهلها ويحاربونه: أهل مكة وأهل المدينة، وأهل
الشام، وبنو أمية، وأهل البصرة، وأهل دست ميسان، والأكراد والأعراب وضبة وغني،
وباهلة، وأزد، وأهل الري). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٤٤، والبحار: ٥٢/٣٦٣.
وقد يكون المعنى أن أهل هذه البلاد كانوا معادين لأهل البيت (عليهم السلام) في عصر
صدور النص، وأن أعداء الإمام المهدي (عليه السلام) يكونون مثلهم.
البتريون أول الخوارج على الإمام (عليه السلام)
أول
خارجة على الإمام المهدي (عليه السلام) في العراق، البترية الذين يزعمون أنهم
يتولون أهل البيت (عليهم السلام) وظالميهم معاً! ففي دلائل الإمامة/٢٤١، عن أبي
الجارود أنه سأل الإمام الباقر (عليه السلام): متى يقوم قائمكم؟ قال: يا أبا
الجارود لا تدركون! فقلت: أهل زمانه؟ فقال: ولن تدرك أهل زمانه! يقوم قائمنا بالحق
بعد إياس من الشيعة يدعو الناس ثلاثاً فلا يجيبه أحد، فإذا كان اليوم الرابع تعلق
بأستار الكعبة فقال: يا رب انصرني، ودعوته لا تسقط، فيقول تبارك وتعالى للملائكة
الذين نصروا رسول الله يوم بدر ولم يحطوا سروجهم ولم يضعوا أسلحتهم فيبايعونه، ثم
يبايعه من الناس ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً! يسير إلى المدينة فيسير الناس... ويسير
إلى الكوفة فيخرج منها ستة عشر ألفاً من البترية شاكين في السلاح قراء القرآن فقهاء
في الدين قد قرحوا جباههم وسمروا ساماتهم وعمهم النفاق وكلهم يقولون: يا بن فاطمة
ارجع لا حاجة لنا فيك، فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية الاثنين من العصر إلى
العشاء فيقتلهم أسرع من جزر جزور، فلا يفوت منهم رجل ولا يصاب من أصحابه أحد!
دماؤهم قربان إلى الله! ثم يدخل الكوفة فيقتل مقاتليها حتى يرضى الله تعالى. قال:
فلم أعقل المعنى فمكثت قليلاً ثم قلت: جعلت فداك وما يدريه جعلت فداك متى يرضى الله
(عزَّ وجلَّ)؟ قال: يا أبا الجارود إن الله أوحى إلى أم موسى وهو خير من أم موسى،
وأوحى الله إلى النحل وهو خير من النحل، فعقلت المذهب فقال لي: أعقلت المذهب؟ قلت:
نعم). وقد تقدم مع مصادره في مدة ملكه (عليه السلام).
وفي الإرشاد/٣٦٤: (وروى أبو الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل أنه
قال: إذا قام القائم (عليه السلام) سار إلى الكوفة، فيخرج منها بضعة عشر ألفاً
يدعون البترية عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني
فاطمة، فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم. ثم يدخل الكوفة فيقتل بها كل منافق
مرتاب ويهدم قصورها، ويقتل مقاتلها حتى يرضى الله عز وعلا). ومثله روضة الواعظين:
٢/٢٦٥، وإعلام الورى/٤٣١، وكشف الغمة: ٣/٢٥٥، والصراط المستقيم: ٢/٢٥٤، وإثبات
الهداة: ٣/٥٢٨، عن إعلام الورى، وفي/٥٥٥، عن الإرشاد، وبشارة الإسلام/٢٢١، عن
الإرشاد.
وفي البحار: ٥٢/٣٨٧، من كتاب الفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يقدم القائم
(عليه السلام) حيت يأتي النجف فيخرج إليه من الكوفة جيش السفياني وأصحابه والناس
معه وذلك يوم الأربعاء، فيدعوهم ويناشدهم حقه، ويخبرهم أنه مظلوم مقهور ويقول: من
حاجني في الله فأنا أولى الناس بالله، إلى آخر ما تقدم من هذا، فيقولون: ارجع من
حيث شئت لا حاجة لنا فيك قد خبرناكم واختبرناكم، فيتفرقون من غير قتال. فإذا كان
يوم الجمعة يعاود، فيجيء سهم فيصيب رجلاً من المسلمين فيقتله فيقال: إن فلاناً قد
قتل، فعند ذلك ينشر راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا نشرها انحطت عليه
ملائكة بدر، فإذا زالت الشمس هبَّت الريح له فيحمل عليهم هو وأصحابه، فيمنحهم الله
أكتافهم ويولون فيقتلهم حتى يدخلهم أبيات الكوفة وينادي مناديه: ألا لا تتبعوا
مولياً ولا تجهزوا على جريح، ويسير بهم كما سار علي (عليه السلام) يوم البصرة).
وإثبات الهداة: ٣/٥٨٥.
أقول: يبدو أن أكثر هؤلاء البترية أصلهم شيعة، وأنهم يخطِّئون الإمام (عليه السلام)
لأنه أعلن موقفه من أبي بكر وعمر، فذلك برأيهم يسبب للإمام (عليه السلام) خسارة
شعبيته في المخالفين. وقد تقدم بعض حديثهم.
آخر خارجة تخرج عليه من المقدادية في بعقوبة!
تدل الأحاديث على أن خوارج رميلة الدسكرة يكونون أخطر فئات الخوارج على المهدي
(عليه السلام) وآخرهم، وأن قائدهم من الموالي ويكون فرعوناً وشيطاناً!
ففي مروج الذهب: ٢/٤١٨: (باب ذكر حروبه (عليه السلام) مع أهل النهروان: ثم ركب
ومرَّ بهم وهم صرعى، فقال: لقد صرعكم من غرَّكم، قيل ومن غرَّهم؟ قال: الشيطان
وأنفس السوء، فقال أصحابه: قد قطع الله دابرهم إلى آخر الدهر، فقال: كلا والذي نفسي
بيده وإنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء، لا تخرج خارجة إلا خرجت بعدها مثلها،
حتى تخرج خارجة بين الفرات ودجلة مع رجل يقال له الأشمط، يخرج إليه
رجل
منا أهل البيت فيقتله، ولا تخرج بعدها خارجة إلى يوم القيامة). الأشمط: الذي شعر
رأسه بياض وسواد، وقد تقال للطويل.
وفي ابن أبي شيبة: ٨/٦٧٣: (عن عبيد الله بن بشير بن جرير البجلي: قال علي: إن آخر
خارجة تخرج في الإسلام بالرميلة رميلة الدسكرة، فيخرج إليهم ناس فيقتلون منهم ثلثاً
ويدخل ثلث ويتحصن ثلث في الدير دير مرمار فمنهم الأشمط، فيحصرهم الناس فينزلونهم
فيقتلونهم فهي آخر خارجة تخرج في الإسلام). وكنز العمال: ١١/٢٦٠.
وفي البصائر/٣٣٦، عن يونس بن ظبيان عن الإمام الصادق (عليه السلام): أول خارجة خرجت
على موسى بن عمران بمرج دابق وهو بالشام، وخرجت على المسيح بحرَّان وخرجت على أمير
المؤمنين (عليه السلام) بالنهروان، وتخرج على القائم بالدسكرة دسكرة الملك. ثم قال
لي: كيف مالح دير بين ماكي مالح، يعني عند قريتك وهو بالنبطية، وذاك أن يونس كان من
قرية دير بين ما، يقال: الدسكرة التي عند دير بين ما). والبحار: ٤٧/٨٤. أقول: لعله
سقط من الحديث وصفهم بأنهم آخر خارجة. ودسكرة الملك: في محافظة بعقوبة بالعراق قرب
المقدادية، بل يبدو أنها المقداديةنفسها. وفي أنساب السمعاني: ٢/٤٧٦: (يقال لها
دسكرة الملك، وهي قرية كبيرة تنزلها القوافل، نزلت بها في التوجه والانصراف وبتُّ
بها ليلتين). وفي معجم البلدان: ٢/٤٥٥: قرية في طريق خراسان قريبة من شهرابان، وهي
دسكرة الملك، كان هرمز بن سابور بن أردشير بن بابك يكثر المقام بها فسميت بذلك).
وفي غيبة الطوسي/٢٨٣، عن الفضل بن شاذان عن أبي بصير، عن الإمام الصادق (عليه
السلام) قال: إذا قام القائم دخل الكوفة وأمر بهدم المساجد الأربعة حتى يبلغ أساسها
ويصيرها عريشاً كعريش موسى، وتكون المساجد كلها جَمَّاء لا شُرَفَ لها كما كانت على
عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويوسع الطريق الأعظم فيصير ستين ذراعاً، ويهدم
كل مسجد على الطريق، ويسد كل كوة إلى الطريق وكل جناح وكنيف وميزاب إلى الطريق،
ويأمر الله الفلك في زمانه فيبطئ في دوره حتى يكون اليوم في
أيامه
كعشرة من أيامكم، والشهر كعشرة أشهر والسنة كعشر سنين من سنينكم، ثم لا يلبث إلا
قليلاً حتى يخرج عليه مارقة الموالي برميلة الدسكرة عشرة آلاف شعارهم: يا عثمان يا
عثمان، فيدعو رجلاً من الموالي فيقلده سيفه فيخرج إليهم فيقتلهم حتى لا يبقى منهم
أحد، ثم يتوجه إلى كابل شاه وهي مدينة لم يفتحها أحد قط غيره فيفتحها، ثم يتوجه إلى
الكوفة فينزلها وتكون داره، ويبهرج سبعين قبيلة من قبائل العرب.. تمام الخبر. وفي
خبر آخر: يفتح قسطنطينية والرومية وبلاد الصين). ومنتخب الأنوار/١٩٤، وعنه البحار:
٥٢/٣٣٣. ومارقة الموالي: أي من غير العرب، أو قائدهم غير عربي.
وقد ذكرت رواية أن آخر خارجة على الإمام (عليه السلام) تكون في الكوفة، ففي تفسير
العياشي: ٢/٥٦، عن عبد الأعلى الحلبي، عن الإمام الباقر (عليه السلام) من حديث
طويل: (والله لكأني أنظر إليه وقد أسند ظهره إلى الحجر، ثم ينشد الله حقه ثم يقول:
يا أيها الناس: من يحاجني في الله فأنا أولى الناس بالله ومن يحاجني في آدم فأنا
أولى الناس بآدم. يا أيها الناس: من يحاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، يا أيها
الناس: من يحاجني في إبراهيم فأنا أولى بإبراهيم، يا أيها الناس: من يحاجني في موسى
فأنا أولى الناس بموسى، يا أيها الناس: من يحاجني في عيسى فأنا أولى الناس بعيسى،
يا أيها الناس: من يحاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد (صلى الله عليه وآله). يا
أيها الناس: من يحاجني في كتاب الله فأنا أولى بكتاب الله، ثم ينتهى إلى المقام...
قال أبو جعفر (عليه السلام): يقاتلون والله حتى يُوَحَّدَ الله ولا يُشرك به شيئاً،
وحتى تخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب ولا ينهاها أحد، ويخرج الله من
الأرض بذرها، وينزل من السماء قطرها... فبينا صاحب هذا الأمر قد حكم ببعض الأحكام
وتكلم ببعض السنن، إذ خرجت خارجة من المسجد يريدون الخروج عليه، فيقول لأصحابه:
انطلقوا فتلحقوا بهم في التمارين فيأتونه بهم أسرى ليأمر بهم فيذبحون، وهي آخر
خارجة تخرج على قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله)). انتهى. لكن يمكن أن يكون هؤلاء
جزءً من خوارج بعقوبة فيقبض عليهم قبل أن يصلوا إليهم. وتوجد احتمالات
أخرى.
تصفية الإمام (عليه السلام) للعراق وتطهيره من أعدائه
بعد القضاء على آخر خارجة في التاريخ، يتنفس العراق الصعداء في ظل سلطة الإمام
المهدي (عليه السلام)، ويدخل حياة جديدة بصفته عاصمة الإمام (عليه السلام) ومحط
أنظار العالم ومقصد وفوده. ثم تصبح الكوفة والسهلة والحيرة والنجف وكربلاء محلات
لمدينة واحدة، يتردد ذكرها على ألسنة شعوب العالم وفي قلوبهم، ويقصدها القاصدون من
أقاصي المعمورة ليلة الجمعة، ويبكرون لأداء صلاة الجمعة خلف المهدي (عليه السلام)
في مسجده العالمي ذي الألف باب، فلا يكاد المسلم يجد موضعاً للصلاة بين عشرات
الملايين القاصدة.
والأحاديث عن التطور المادي والمعنوي في مركز عاصمته (عليه السلام) كثيرة لا يتسع
لها المجال. وبتصفيته العراق وضمه إلى دولته واتخاذه عاصمة لها، تكون دولته (عليه
السلام) شملت اليمن والحجاز وإيران والعراق، ومعها بلاد الخليج. وبذلك يتفرغ
لأعدائه الخارجيين، فيبدأ أولاً بالترك فيرسل لهم جيشاً فيهزمهم كما ذكرت رواية
مرسلة، ثم يتوجه على رأس جيشه إلى الشام حتى ينزل مرج عذراء قرب دمشق استعداداً
لخوض المعركة مع السفياني واليهود والروم، معركة فتح القدس الكبرى، كما يأتي في
أحداث حركة ظهوره (عليه السلام).
عاصمته (عليه السلام) الكوفة، ويكون لكربلاء شأن عظيم
في بحار الأنوار: ٥٣/١١: (قال المفضل: قلت يا سيدي فأين تكون دار المهدي ومجتمع
المؤمنين؟ قال: دار ملكه الكوفة ومجلس حكمه جامعها، وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين
مسجد السهلة، وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريين. قال المفضل: يا مولاي كل
المؤمنين يكونون بالكوفة؟ قال: إي والله لا يبقى مؤمن إلا
كان
بها أو حواليها (يحن إليها)، وليبلغن مجالة فرس منها ألفي درهم، وليودن أكثر الناس
أنه اشترى شبراً من أرض السبع بشبر من ذهب (السبع من خطط همدان) ولتصيرن الكوفة
أربعة وخمسين ميلاً وليجاورن قصورها كربلاء، وليصيِّرن الله كربلاء معقلاً ومقاماً
تختلف فيه الملائكة والمؤمنون وليكونن لها شأن من الشأن، وليكونن فيها من البركات
ما لو وقف مؤمن ودعا ربه بدعوة لأعطاه الله بدعوته الواحدة مثل ملك الدنيا ألف
مرة). انتهى. مجلس حكمه: مجلس المراجعات والحكم بين الناس في مسجد الكوفة الفعلي أو
مسجد الجمعة الكبير الذي يبنيه (عليه السلام). وموضع خلواته الذكوات البيض: موضع
اعتكافه للعبادة الربوات البيضاء قرب النجف. وأربعة وخمسين ميلاً: نحو ثمانين
كيلومتر. وفي غيبة الطوسي/٢٧٣، عن عبد الله بن الهذيل قال: لا تقوم الساعة حتى
يجتمع كل مؤمن بالكوفة. وابن سعد: ٦/١٠، عن عبد الله بن عمرو قال: إن أسعد الناس
بالمهدي أهل الكوفة. وابن شيبة: ١٢/١٨٨، عن عبد الله بن عمر قال: يا أهل الكوفة،
أنتم أسعد الناس بالمهدي).
وفي التهذيب: ٣/٢٥٣، عن حبة العرني قال: خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى
الحيرة فقال: لتصلن هذه بهذه وأومأ بيده إلى الكوفة والحيرة، حتى يباع الذراع فيما
بينهما بدنانير، وليبنين بالحيرة مسجد له خمسمائة باب يصلي فيه خليفة القائم، لأن
مسجد الكوفة ليضيق عنهم، وليصلين فيه اثنا عشر إماماً عدلاً، قلت: يا أمير المؤمنين
ويسع مسجد الكوفة هذا الذي تصف الناس يومئذ؟ قال: تبنى له أربع مساجد مسجد الكوفة
أصغرها وهذا ومسجدان في طرفي الكوفة من هذا الجانب وهذا الجانب، وأومأ بيده نحو
البصريين والغريين). وعنه ملاذ الأخيار: ٥/٤٧٨. وخليفة القائم: نائبه في الصلاة.
وفي كامل الزيارات/٣٠، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أو عن
أبي جعفر (عليه السلام) قال قلت له: أيُّ بقاع الأرض أفضل بعد حرم الله (عزَّ
وجلَّ) وحرم رسوله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: الكوفة يا أبا بكر، هي الزكية
الطاهرة، فيها قبور النبيين المرسلين وقبور غير المرسلين والأوصياء الصادقين، وفيها
مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبياً إلا وقد صلى فيه، ومنها يظهر عدل الله، وفيها
يكون قائمه والقوام من
بعده،
وهي منازل النبيين والأوصياء والصالحين). ومثله التهذيب: ٦/٣١، وعنه البحار:
١٠٠/٤٤٠ ووسائل الشيعة: ٣/٥٢٤ و: ١٠/٢٨٢، عن التهذيب.
الكافي: ٣/٤٩٥، عن صالح بن أبي الأسود قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) وذكر
مسجد السهلة فقال: أما إنه منزل صاحبنا إذا قدم بأهله). ومثله الإرشاد/٣٦٢،
والتهذيب: ٣/٢٥٢، وغيبة الطوسي/٢٨٢، وعنها إثبات الهداة: ٣/٤٣٥، والبحار: ٥٢/٣٣١.
وفي الكافي: ٤/٥٧١، عن أبان بن تغلب قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فمر
بظهر الكوفة فنزل فصلى ركعتين، ثم تقدم قليلاً فصلى ركعتين، ثم سار قليلاً فنزل
فصلى ركعتين ثم قال: هذا موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، قلت: جعلت فداك
والموضعين اللذين صليت فيهما؟ قال: موضع رأس الحسين (عليه السلام) وموضع منزل
القائم). ومثله كامل الزيارات/٣٤، بتفاوت يسير، وفيه: منبر القائم (عليه السلام)،
والتهذيب: ٦/٣٤، بسند آخر، عن مبارك الخباز قال: قال لي أبو عبد الله (عليه
السلام): أسرجوا البغل والحمار في وقت ما قدم وهو في الحيرة قال: فركب وركبت حتى
دخل الجرف، ثم نزل فصلى ركعتين ثم تقدم قليلا آخر فصلى ركعتين، ثم تقدم قليلا آخر
فصلى ركعتين، ثم ركب ورجع فقلت له: جعلت فداك ما الأوليتين والثانيتين والثالثتين؟
قال: الركعتين الأوليتين موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، والركعتين
الثانيتين موضع رأس الحسين (عليه السلام) والركعتين الثالثتين موضع منبر القائم
(عليه السلام)). ونحوه فرحة الغري/٥٦، بعدة روايات.. الخ.
وفي دلائل الإمامة/٢٤٤، عن فرات بن الأحنف قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام)
ونحن نريد زيارة قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلما صرنا إلى الثوية نزل فصلى
ركعتين فقلت: يا سيدي ما هذه الصلاة؟ فقال: هذا موضع منبر القائم أحببت أن أشكر
الله في هذا الموضع، ثم مضى ومضيت معه حتى انتهى إلى القائم الذي على الطريق فنزل
فصلى ركعتين، فقلت: ما هذه الصلاة؟ قال: هاهنا نزل القوم الذين كان معهم رأس الحسين
(عليه السلام) في صندوق فبعث الله (عزَّ وجلَّ) طيراً فاحتمل الصندوق بما فيه فمر
بهم جمَّال فأخذوا رأسه فجعلوه في الصندوق وحملوه، فنزلت وصليت هاهنا. ثم مضى ومضيت
معه حتى انتهى إلى موضع فنزل وصلى ركعتين وقال: هاهنا قبر أمير المؤمنين، أما إنه
لا تذهب الأيام حتى يبعث الله رجلاً ممتحناً في نفسه بالقتل يبني
عليه
حصناً فيه سبعون طاقاً، قال حبيب بن الحسين: سمعت هذا الحديث قبل أن يبنى على
الموضع شيء، ثم إن محمد بن زيد وجه فبنى على، فلم تمض الأيام حتى امتحن محمد في
نفسه بالقتل). وحلية الأبرار: ٢/٦٣٨، عن مسند فاطمة (عليه السلام).
بيت الإمام (عليه السلام) الشخصي في منطقة مسجد السهلة
قصص الراوندي/٨٠، عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): (يا أبا محمد كأني
أرى نزول القائم في مسجد السهلة بأهله وعياله، قلت: يكون منزله؟ قال: نعم هو منزل
إدريس (عليه السلام) وما بعث الله نبياً إلا وقد صلى فيه، والمقيم فيه كالمقيم في
فسطاط رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما من مؤمن ولا مؤمنة إلا وقلبه يحن إليه
وما من يوم ولا ليلة إلا والملائكة يأوون إلى هذا المسجد يعبدون الله فيه. يا أبا
محمد أما إني لو كنت بالقرب منكم ما صليت صلاة إلا فيه. ثم إذا قام قائمنا انتقم
الله لرسوله ولنا أجمعين). وعنه البحار: ٥٢/٣١٧ و٣٨١، و: ١٠٠/٤٣٥، وإثبات الهداة:
٣/٥٨٣.
* * *
الفصل الثاني والعشرون: قسوة أعداء الإمام المهدي (عليه السلام) وشدته عليهم
لا بدَّ من استئصال الغُدد السرطانية
يبدو بالنظرة الأولى أن تطهير الأرض من الظلم واستئصال الطواغيت والظالمين أمر غير
ممكن، فقد تعودت الأرض وأهلها على أنين المظلومين وآهاتهم حتى لا يبدو لاستغاثتهم
مجيب، وتعودوا على وجود الظالمين المشؤوم حتى لا يخلو منهم عصر من العصور. فهم
كالشجرة الخبيثة المستحكمة الجذور ما أن يقطع منها فرع حتى تُنبت فروعاً! غير أن
العليم الحكيم الذي الذي أقام الحياة على قانون صراع الحق والباطل والخير والشر،
جعل لكل شيء حداً، وجعل للظلم على الأرض نهاية. جاء في تفسير قوله تعالى: (يُعْرَفُ
الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ)
(الرحمن: ٤١) عن الصادق (عليه السلام) قال: (الله يعرفهم! ولكن نزلت في القائم
يعرفهم بسيماهم فيخبطهم بالسيف هو وأصحابه خبطاً). (غيبة النعماني/١٢٧).
وقد يرى البعض في سياسة الإمام المهدي (عليه السلام) في قتل الظالمين وإبادتهم أنها
قسوة وإسراف في القتل، ولكنها عملية جراحية ضرورية لتطهير مجتمعات العالم منهم،
وبدونها لا يمكن إنهاء الظلم عن الأرض ولا إزالة بذور المؤامرات الجديدة التي
سيقومون بها لو استعمل معهم الإمام (عليه السلام) اللين والعفو! فالظالمون الطغاة
غدة سرطانية لابد من استئصالها لإنقاذ الحياة. والأمر الذي يوجب الاطمئنان أن هذه
السياسة بعهد معهود من النبي الرؤوف الرحيم (صلى الله عليه وآله) وأن الله تعالى
يعطي الإمام
المهدي (عليه السلام) العلم بالناس، فهو مهديٌّ من ربه ينظر بنور الله تعالى فيعرف
ما هو الشخص وما دواؤه، ولا يُخاف أن يقتل أحداً من الذين يؤمل اهتداؤهم وصلاحهم،
فهو كالخضر الذي قال الله فيه: (آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ
عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً)، بل الخضر يظهر معه
(عليهما السلام) ويكون وزيراً له.
وقد نصت الأحاديث الشريفة على أنه لابد للإمام المهدي (عليه السلام) من الحرب لأنه
لا يمكن اجتثاث الظلم بدونها، ولأن الخوارج عليه سرعان ما يتحركون بشراسة! ففي
النعماني/٢٨٤، عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وقد ذكر
القائم (عليه السلام) فقلت: إني لأرجو أن يكون أمره في سهولة، فقال: لا يكون ذلك
حتى تمسحوا العلق والعرق). ونحوه في/٢٨٥، وفيه: أنتم اليوم أرخى بالاً منكم يومئذ،
قالوا: وكيف؟..). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٤٣، والبحار: ٥٢/٣٥٨. و/٢٨٤، عن بشير
النبال، وفيه: كلا والذي نفسي بيده لو استقامت لأحد عفواً لاستقامت لرسول الله (صلى
الله عليه وآله) حين أدميت رباعيته وشُجَّ في وجهه! كلا والذي نفسي بيده حتى نمسح
نحن وأنتم العرق والعلق، ثم مسح جبهته. وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٤٣، والبحار: ٥٢/٣٥٦.
وفي النعماني/٢٩٧، عن الصادق (عليه السلام): يلقى في حربه ما لم يلق رسول الله (صلى
الله عليه وآله)! إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاهم وهم يعبدون حجارة منقورة
وخشباً منحوتة وإن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلونه عليه).
وفي النعماني/٢٩٦، عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشد مما استقبله رسول الله (صلى الله عليه
وآله) من جهال الجاهلية، قلت: وكيف ذاك؟ قال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتى
الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام
أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله يحتج عليه به، ثم قال أما والله ليدخلن عليهم
عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقَرّ). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٤٤، والبحار:
٥٢/٣٦٢.
شدة الإمام (عليه السلام) على القساة المعاندين
غيبة النعماني/٢٣١، عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن علياً
(عليه السلام) قال:
كان لي أن أقتل المولي وأجهز على الجريح، ولكني تركت ذلك للعاقبة من أصحابي إن
جُرحوا لم يُقتلوا، والقائم له أن يقتل المولي ويجهز على الجريح). وعنه البحار:
٥٢/٣٥٣.
وفي الكافي: ٨/٢٣٣، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا
تمنى أحدكم القائم فليتمنه في عافية فإن الله بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) رحمة
ويبعث القائم نقمة). وعنه البحار: ٥٢/٣٧٥، وبشارة الإسلام/٢٢٨.
غيبة الطوسي/١١٥، عن يحيى بن العلاء الرازي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: ينتج الله تعالى في هذه الأمة رجلاً مني وأنا منه يسوق الله تعالى به بركات
السماوات والأرض، فتنزل السماء قطرها وتخرج الأرض بذرها، وتأمن وحوشها وسباعها،
ويملا الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويقتل حتى يقول الجاهل لو كان هذا
من ذرية محمد (صلى الله عليه وآله) لرحم). وإثبات الهداة: ٣/٥٠٤، والبحار: ٥١/١٤٦.
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: ٧/٥٨: (وهذه الخطبة ذكرها جماعة من أصحاب السير
وهي متداولة منقولة مستفيضة، خطب بها علي (عليه السلام) بعد انقضاء أمر النهروان،
وفيها ألفاظ لم يوردها الرضي (رحمه الله)، منها: فانظروا أهل بيت نبيكم فإن لبدوا
فالبدوا، وإن استنصروكم فانصروهم، فليفرجن الله الفتنة برجل منا أهل البيت، بأبي
ابن خيرة الإماء لا يعطيهم إلا السيف هرجاً هرجاً، موضوعاً على عاتقه ثمانية أشهر
حتى تقول قريش: لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا، يغريه الله ببني أمية حتى يجعلهم
حطاماً ورفاتاً، (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا
وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً، سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ
تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً)). وينابيع المودة/٤٩٨، والبحار: ٣٤/١١٨
و: ٥١/١٢١.
وروى ابن حماد: ١/٣٥٠، عن علي (عليه السلام) قال: (يفرج الله الفتن برجل منا،
يسومهم خسفاً، لا يعطيهم إلا السيف، يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجاً، حتى
يقولوا والله ما هذا من ولد فاطمة، لو كان من ولدها لرحمنا. يغريه الله ببني العباس
وبني أمية). وعنه الحاوي: ٢/٧٣، وكنز العمال: ١٤/٥٨٩، وملاحم ابن طاووس/٦٦، وإثبات
الهداة: ٣/٥٣٩،
عن غيبة النعماني.
النعماني/١٦٩، عن عبد الله بن عطاء قال: قلت لأبي جعفر الباقر (عليه السلام):
أخبرني عن القائم (عليه السلام)، فقال: والله ما هو أنا، ولا الذي تمدون إليه
أعناقكم ولا تعرف ولادته. قلت: بما يسير؟ قال: بما سار به رسول الله (صلى الله عليه
وآله)، هدر ما قبله واستقبل). ومثله عقد الدرر/٢٢٦، وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٣٤،
والبحار: ٥١/١٣٨.
* * *
الكافي: ١/٤٣١، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (حَتَّى
إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ
فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً): ما يوعدون
فهو خروج القائم (عليه السلام) وهو الساعة. (فَسَيَعْلَمُونَ):
ذلك اليوم وما نزل بهم من عذاب الله على يدي قائمه فذلك قوله: (مَنْ
هُوَ شَرٌّ مَكَاناً): يعني عند القائم، (وَأَضْعَفُ
جُنْداً). قلت: قوله: (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ
اهْتَدَوْا هُدىً)؟ قال: يزيدهم ذلك اليوم هدى على هدى باتباعهم القائم حيث
لا يجحدونه ولا ينكرونه). وعنه تأويل الآيات: ١/٣٠٦، وإثبات الهداة: ٣/٤٤٧،
والبحار: ٢٤/٣٣٢.
وفي النعماني/٢٨٣، عن بشير بن أبي أراكة النبال، ولفظ الحديث على رواية ابن عقدة
قال: لما قدمت المدينة انتهيت إلى منزل أبي جعفر الباقر (عليه السلام) فإذا أنا
ببغلته مسرجة بالباب فجلست حيال الدار، فخرج فسلمت عليه فنزل عن البغلة وأقبل نحوي
فقال: ممن الرجل؟ فقلت: من أهل العراق، قال من أيها؟ قلت: من أهل الكوفة، فقال: من
صحبك في هذا الطريق؟ قلت: قوم من المحدثة، فقال: وما المحدثة؟ قلت: المُرْجِئة،
فقال: ويحُ هذه المرجئة إلى من يلجؤون غداً إذا قام قائمنا؟ قلت: إنهم يقولون: لو
قد كان ذلك كنا وأنتم في العدل سواء، فقال: من تاب تاب الله عليه، ومن أسرَّ نفاقاً
فلا يبعد الله غيره، ومن أظهر شيئاً أهرق الله دمه. ثم قال: يذبحهم والذي نفسي بيده
كما يذبح القصاب شاته، وأومأ بيده إلى حلقه. قلت: إنهم يقولون إنه إذا كان ذلك
استقامت له الأمور فلا يهريق محجمة دم، فقال: كلا والذي نفسي بيده حتى نمسح وأنتم
العرق والعلق، وأومأ بيده إلى جبهته).
وفي
الكافي: ١/٤٣٢، عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: سألته.. في حديث: قلت: (حَتَّى
إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ
فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً)؟ قال: يعني
بذلك القائم وأنصاره). وعنه تأويل الآيات: ٢/٧٣٠، والبحار: ٢٤/٣٣٦.
حلية الأبرار: ٢/٥٩٧، محمد بن الحسن الشيباني في كشف البيان قال: روي في أخبارنا عن
أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام): إن هذه مخصوصة بصاحب الأمر الذي يظهر في
آخر الزمان، ويبيد الجبابرة والفراعنة، ويملك الأرض شرقاً وغرباً، فيملؤها عدلاً
كما ملئت جوراً). وعنه البرهان: ٣/٢٢٠.
يبدأ الإمام (عليه السلام) بقتل كذَّابي الشيعة!
رجال الكشي/٢٩٩، عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لو
قام قائمنا لبدأ بكذابي الشيعة فقتلهم). وإثبات الهداة: ٣/٥٦١. وفي الإيضاح/٢٠٨، عن
الإمام الباقر (عليه السلام) قال: لو قد قام قائمنا بدأ بالذين ينتحلون حبنا فيضرب
أعناقهم). وفي النعماني/٢٠٦، عن مالك بن ضمرة: قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
(يا مالك بن ضمرة كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا؟ وشبَّك أصابعه وأدخل بعضها في
بعض. فقلت يا أمير المؤمنين ما عند ذلك من خير! قال: الخير كله عند ذلك، يا مالك
عند ذلك يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله ورسوله فيقتلهم، ثم يجمعهم
الله على أمر واحد). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٣٧، والبحار: ٥٢/١١٥، وبشارة
الإسلام/٤٨.
وفي غيبة الطوسي/٢٧٣، عن أبي بصير: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لينصرن الله
هذا الأمر بمن لا خلاق له، ولو قد جاء أمرنا لقد خرج منه من هو اليوم مقيم على
عبادة الأوثان). وعنه البحار: ٥٢/٣٢٩.
أقول: يظهر أن هؤلاء أصل الفتنة والاختلاف داخل الشيعة، ولا يبعد أن يكونوا من
علماء السوء المضلين والسياسيين المنحرفين!
هيبة الإمام (عليه السلام) ورعب أعدائه منه
روى النعماني/٢٣٩، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: بينا الرجل على رأس
القائم يأمره وينهاه إذ قال: أديروه، فيديرونه إلى قدامه فيأمر بضرب عنقه، فلا يبقى
في الخافقين شيء إلا خافه). ومعناه أن عقوبة الإمام (عليه السلام) تشمل المنافقين
المتسترين، الذين قد يكون
بعضهم
من حاشيته فيعرفهم بالنور الذي جعله الله تعالى في قلبه، وينفذ حكم الله فيهم ومثله
في/٢٣٩، عن هشام بن سالم، وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٤١، والبحار: ٥٢/٣٥٥.
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): يقوم القائم بأمر جديد وقضاء جديد، على العرب
شديد ليس شأنه إلا السيف ولا يستتيب أحداً، ولا تأخذه في الله لومة لائم). (البحار:
٥٢/٣٥٤).
والأمر الجديد: هو الإسلام الذي ابتعد عنه المسلمون، فيحييه المهدي (عليه السلام)
فيكون ذلك شديداً على الذين يطيعون حكامهم المعادين له، فيحاربونه (عليه السلام).
النعماني/٢٣٦، عن سدير الصيرفي، عن رجل من أهل الجزيرة كان قد جعل على نفسه نذراً
في جارية وجاء بها إلى مكة، قال فلقيت الحجبة فأخبرتهم بخبرها وجعلت لا أذكر لأحد
منهم أمرها إلا قال جئني بها وقد وفى الله نذرك. فدخلني من ذلك وحشة شديدة، فذكرت
ذلك لرجل من أصحابنا من أهل مكة فقال لي: تأخذ عني؟ فقلت: نعم، فقال: أنظر الرجل
الذي يجلس بحذاء الحجر الأسود وحوله الناس وهو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين
(عليهم السلام) فأته فأخبره بهذا الأمر فانظر ما يقول لك فاعمل به، قال فأتيته
فقلت: رحمك الله إني رجل من أهل الجزيرة ومعي جارية جعلتها عليَّ نذراً لبيت الله
في يمين كانت علي، وقد أتيت بها وذكرت ذلك للحجبة وأقبلت لا ألقى منهم أحداً إلا
قال جئني بها وقد وفى الله نذرك فدخلني من ذلك وحشة شديدة، فقال: يا عبد الله إن
البيت لا يأكل ولا يشرب، فبع جاريتك واستقص وانظر أهل بلادك ممن حج هذا البيت فمن
عجز منهم عن نفقته فأعطه حتى يقوى على العود إلى بلادهم، ففعلت ذلك ثم أقبلت لا
ألقى أحداً من الحجبة إلا قال ما فعلت بالجارية؟ فأخبرتهم بالذي قال أبو جعفر (عليه
السلام) فيقولون: هو كذاب جاهل لا يدري ما يقول، فذكرت مقالتهم لأبي جعفر (عليه
السلام) فقال: قد بلغتني، تبُلغ عني؟ فقلت: نعم، فقال: قل لهم قال لكم أبو جعفر:
كيف بكم لو قد قطعت أيديكم وأرجلكم وعلقت في الكعبة، ثم يقال لكم نادوا نحن سراق
الكعبة! فلما ذهبت لأقوم قال: إنني لست أنا أفعل ذلك وإنما يفعله رجل مني). وعنه
البحار: ٥٢/٣٤٩.
وفي
البحار: ٥٢/٣٨٧، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يقتل القائم (عليه السلام) حتى
يبلغ السوق قال: فيقول له رجل من ولد أبيه: إنك لتجفل الناس إجفال النعم، فبعهد من
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو بماذا؟ قال وليس في الناس رجل أشد منه بأساً،
فيقوم إليه رجل من الموالي فيقول له: لتسكتنَّ أو لأضربنَّ عنقك! فعند ذلك يخرج
القائم (عليه السلام) عهداً من رسول الله (صلى الله عليه وآله)). وعنه إثبات
الهداة: ٣/٥٨٥. من وُلد أبيه: أي علوي النسب. إجفال النعم: تخويف الغنم. حتى يبلغ
السوق: سوق المدينة، أو مكان اسمه السوق.
وفي رواية أن الذي يأمر السيد المعترض بالسكوت هو (المولى الذي يتولى البيعة) أي
المسؤول عن أخذ البيعة من الناس للإمام المهدي (عليه السلام). فعن الإمام الباقر
(عليه السلام) قال: (حتى إذا بلغ الثعلبية قام إليه رجل من صلب أبيه وهو من أشد
الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه ما خلا صاحب هذا الأمر، فيقول: يا هذا ما تصنع؟ فوالله
إنك لتجفل الناس إجفال النعم أفبعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم بماذا؟
فيقول المولى الذي ولي البيعة: والله لتسكتن أو لأضربن الذي فيه عيناك. فيقول له
القائم: أسكت يا فلان. إي والله إن معي عهداً من رسول الله (صلى الله عليه وآله)
هات يا فلان العَيْبة أو الزنفيلجة، فيأتيه بها فيقرؤه العهد من رسول الله (صلى
الله عليه وآله) فيقول: جعلني الله فداك أعطني رأسك أقبله فيعطيه رأسه فيقبل بين
عينيه ثم يقول: جعلني الله فداك جدد لنا بيعة، فيجدد لهم بيعة). (البحار: ٥٢/٣٤٣).
العيْبة والزنفيلجة: الصندوق الصغير. الثعلبية: مكان بالعراق من جهة الحجاز.
البصائر/٧٨، عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) في حديث في تفسير عدة
آيات إلى أن قال: وأما قوله: (حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا
أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) يعني قيام
القائم). وتفسير القمي: ١/٢٠٠، وفيه: حتى كأنهم لم يكن لهم سلطان قط. وعنه إثبات
الهداة: ٣/٥٢٠، والبحار: ٣٥/٣٧١.
ذل أعداء الإمام المهدي (عليه السلام)
تفسير التبيان: ١/٤٢٠، عن السدي في قوله تعالى: (وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ
يُذْكَرَ فِيهَا اسمهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا
كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ
وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ): خزيهم في الدنيا أنهم إذا قام
المهدي وفتحت قسطنطينية قتلهم). وخريدة العجائب/٢٦٠، وملاحم ابن طاووس/١٤٣، عن
الطبري عن السدي، وليس فيه: وفتح القسطنطينية. وتقدم في الخطبة المسماة بالمخزون
لأمير المؤمنين (عليه السلام) عن مختصر البصائر/٢٠٠، أن أعداء المهدي (عليه السلام)
يفرون منه إلى الروم، وسيأتي بعضها في فصل الروم. وتقدم في بيعة أصحاب المهدي له
(عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا أَحَسُّوا
بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلى مَا
أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ). قال: يعني
الكنوز التي كنتم تكنزون. (قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا
كُنَّا ظَالِمِينَ. فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ
حَصِيداً خَامِدِينَ). لا يبقى منهم مخبر.. لا تبقى منهم عين تطرف). (تأويل
الآيات: ١/٣٢٦، وتفسير القمي: ٢/٦٨).
وفي النعماني/٢٣٣، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لو يعلم
الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه، مما يقتل من الناس. أما إنه لا
يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف، حتى يقول كثير من
الناس ليس هذا من آل محمد ولو كان من آل محمد لرحم). ومثله عقد الدرر/٢٢٧، وعنه
إثبات الهداة: ٣/٥٣٩، والبحار: ٥٢/٣٥٤.
وفي الكافي: ٨/٢٢٧، عن سلام بن المستنير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يحدث:
إذا قام القائم عرض الإيمان على كل ناصب، فإن دخل فيه بحقيقة وإلا ضرب عنقه أو يؤدي
الجزية كما يؤديها اليوم أهل الذمة، ويشد على وسطه الهميان، ويخرجهم من الأمصار إلى
السواد). وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٥٠، والبحار: ٥٢/٣٧٥.
وفي مختصر البصائر/٢١٢، عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليهما
السلام) يقول: لو قد خرج قائم آل محمد لينصره الله بالملائكة المسومين والمردفين
والمنزلين والكروبين، يكون جبرئيل أمامه وميكائيل عن يمينه وإسرافيل عن يساره
والرعب مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله، والملائكة المقربون حذائه أول
ما يبايعه محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي صلوات الله عليه الثاني معه
سيف مخترط يفتح الله له الروم والصين والترك والديلم والسند والهند وكابل شاه
والخزر. يا أبا
حمزة
لا يقوم القائم إلا علي خوف شديد وزلازل وفتنة وبلاء يصيب الناس وطاعون قبل ذلك،
وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد بين الناس وتشتت في دينهم وتغير من حالهم، حتى
يتمنى المتمني الموت صباحا ومساء من عظم ما يرى من كلب الناس وأكل بعضهم بعضاً.
وخروجه إذا خرج عند الإياس والقنوط، فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره، والويل كل
الويل لمن ناواه وخالف أمره وكان من أعدائه. ثم قال: يقوم بأمر جديد وكتاب جديد
وسنة جديدة وقضاء جديد، على العرب شديد، ليس شأنه إلا القتل! لا يستتيب أحداً ولا
تأخذه في الله لومة لائم).
تأويل الآيات: ٢/٥٥٠، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قوله (عزَّ
وجلَّ): (وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ
الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ): يعني إلى القائم (عجل الله
فرجه)). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٦٥، والمحجة/١٩٧، والبحار: ٢٤/٢٢٩.
تأويل الآيات: ٢/٧٢٦، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله (عزَّ وجلَّ): (خَاشِعَةً
أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ):
قال: يعني يوم خروج القائم (عليه السلام)). والبحار: ٥٣/١٢٠.
فرات الكوفي/١٩٤، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: (فِي
جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ، مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا
لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ): يعني: لم يكونوا من شيعة علي بن أبي طالب
(عليه السلام)، (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا
نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ): فذلك
يوم القائم وهو يوم الدين، (حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ:
أيام القائم، فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ): فما تنفعهم
شفاعة لمخلوق ولن يشفع فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة). وعنه
البحار: ٥١/٦١.
خط بني أمية وبني العباس يستمر إلى ظهور المهدي (عليه السلام)
ينبغي الالفات إلى أن كل الأحاديث التي تذكر أن الإمام المهدي (عليه السلام) يقاتل
بني أمية أو بني العباس، تقصد أتباعهم وخطهم في ظلم أهل البيت (عليهم السلام) ونصب
العداوة
لهم.
وتوجد قرائن عديدة معنوية ولفظية على هذا المعنى، منها ما يلي:
النعماني/٣٠٢، عن علي بن أبي حمزة قال: زاملت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما
السلام) بين مكة والمدينة فقال لي يوماً: يا علي لو أن أهل السماوات والأرض خرجوا
على بني العباس لسقيت الأرض بدمائهم حتى يخرج السفياني، قلت له: يا سيدي أمره من
المحتوم؟ قال: نعم، ثم أطرق هنيئة، ثم رفع رأسه وقال: ملك بني العباس مكر وخدع،
ويذهب حتى يقال لم يبق منه شيء، ثم يتجدد حتى يقال ما مر به شيء). وعنه إثبات
الهداة: ٣/٧٤٠، والبحار: ٥٢/٢٥٠.
والنعماني/٣٠٣، عن الحسن بن الجهم قال: قلت للرضا (عليه السلام): أصلحك الله إنهم
يتحدثون أن السفياني يقوم وقد ذهب سلطان بني العباس فقال: كذبوا إنه ليقوم وإن
سلطانهم لقائم). وعنه البحار: ٥٢/٢٥١، وبشارة الإسلام/١٥٦.
الإرشاد/٣٦٤: (وروى عبد الله بن المغيرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا
قام القائم من آل محمد صلوات الله عليهم أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثم
أقام خمسمائة فضرب أعناقهم، ثم خمسمائة أخرى، حتى يفعل ذلك ست مرات! قلت ويبلغ عدد
هؤلاء هذا؟ قال: نعم منهم ومن مواليهم). وروضة الواعظين: ٢/٢٦٥، وإعلام الورى/٤٣١،
وكشف الغمة: ٣/٢٥٥، والصراط المستقيم: ٢/٢٥٣، ملخصاً بمعناه، والبحار: ٥٢/٣٣٨، كلها
عن الإرشاد. وإثبات الهداة: ٣/٥٢٧، عن إعلام الورى.
النعماني/٢٣٥، عن بشر بن غالب الأسدي قال: قال لي الحسين بن علي (عليهما السلام):
يا بشر ما بقاء قريش إذا قدم القائم المهدي منهم خمسمائة رجل فضرب أعناقهم صبراً،
ثم قدم خمسمائة فضرب أعناقهم صبراً ثم خمسمائة فضرب أعناقهم صبراً؟! قال فقلت له:
أصلحك الله أيبلغون ذلك؟ فقال الحسين بن علي (عليهما السلام): إن مولى القوم منهم
قال: فقال لي بشير بن غالب أخو بشر بن غالب: أشهد أن الحسين بن علي (عليهما السلام)
على أخي ست عدات. على اختلاف الرواية). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٤٠، أوله، والبحار:
٥٢/٣٤٩.
وفي غيبة الطوسي/١١٦، عن عبيد الله بن شريك، في حديث له اختصرناه قال: مرَّ
الحسين (عليه السلام) على حلقة من بني أمية وهم جلوس في مسجد الرسول (صلى الله عليه
وآله)، فقال: أما والله لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله مني رجلاً يقتل منكم ألفاً
ومع الألف ألفاً ومع الألف ألفاً، فقلت: جعلت فداك إن هؤلاء أولاد كذا وكذا لا
يبلغون هذا! فقال: ويحك في ذلك الزمان يكون الرجل من صلبه كذا وكذا رجلاً، وإن مولى
القوم من أنفسهم). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٠٥، والبحار: ٥١/١٣٤.
وفي النعماني/٢٤٩، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: ملك بني العباس عسرٌ لا
يسر فيه لو اجتمع عليهم الترك والديلم والسند والهند والبربر والطيلسان لن يزيلوه،
ولا يزالون في غضارة من ملكهم حتى يشذ عنهم مواليهم وأصحاب دولتهم، ويسلط الله
عليهم علجاً يخرج من حيث بدأ ملكهم، لا يمر بمدينة إلا فتحها، ولا ترفع له راية إلا
هدها، ولا نعمة إلا أزالها. ألويل لمن ناواه، فلا يزال كذلك حتى يظفر ويدفع بظفره
إلى رجل من عترتي يقول الحق ويعمل به). وعقد الدرر/٤٧.
وفي مقاتل الطالبين/٤٣، عن عدة رواة واللفظ لأبي عبيدة قال: أتيت الحسن بن علي حين
بايع معاوية فوجدته بفناء داره وعنده رهط فقلت: السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال:
عليك السلام يا سفيان، إنزل، فنزلت فعقلت راحلتي ثم أتيته فجلست إليه فقال: كيف قلت
يا سفيان؟ فقلت: السلام عليك يا مذل رقاب المؤمنين. فقال: ما جرَّ هذا منك إلينا؟
فقلت: أنت والله بأبي أنت وأمي أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة وسلمت
الأمر إلى اللعين بن اللعين بن آكلة الأكباد، ومعك مائة ألف كلهم يموت دونك، وقد
جمع الله لك أمر الناس! فقال: يا سفيان، إنا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسكنا به،
وإني سمعت علياً (عليه السلام) يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا
تذهب الليالي والأيام حتى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع السرم ضخم البلعوم يأكل
ولا يشبع، لا ينظر الله إليه ولا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر ولا في الأرض
ناصر، وإنه لمعاوية، وإني عرفت أن الله بالغ أمره.
ثم أذن المؤذن فقمنا على حالب يحلب ناقة فتناول الإناء فشرب قائماً ثم سقاني،
فخرجنا نمشي إلى المسجد فقال لي: ما جاءنا بك يا سفيان؟ قلت: حبكم والذي بعث محمداً
(صلى الله عليه وآله) بالهدى ودين الحق، قال: فأبشر يا سفيان فإني سمعت علياً يقول:
سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: يرد عليَّ الحوض أهل بيتي ومن أحبهم من
أمتي كهاتين يعني السبابتين، ولو شئت لقلت هاتين يعني السبابة والوسطى إحداهما تفضل
على الأخرى. أبشر يا سفيان فإن الدنيا تسع البر والفاجر حتى يبعث الله إمام الحق من
آل محمد (صلى الله عليه وآله). هذا لفظ أبي عبيد وفي حديث محمد بن الحسين وعلي بن
العباس بعض هذا الكلام موقوفاً عن الحسن غير مرفوع إلى النبي (صلى الله عليه وآله)
إلا في ذكر معاوية فقط). وشرح النهج: ١٦/٤٤، وابن طاووس/١٠٩، ملخصاً، والبحار:
٤٤/٥٩.
يقيم الإمام (عليه السلام) حدَّ الله تعالى على كثير من المنافقين
التهذيب: ٦/١٧٢، عن أبي حمزة: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لن تبقى إلا وفيها
منا عالم يعرف الحق من الباطل قال: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغت
التقية الدم فلا تقية، وأيم الله لو دعيتم لتنصرونا لقلتم لا نفعل إنما نتقي ولكانت
التقية أحب إليكم من آبائكم وأمهاتكم. ولو قد قام القائم (عليه السلام) ما احتاج
إلى مساءلتكم عن ذلك ولأقام في كثير منكم من أهل النفاق حد الله). وعنه وسائل
الشيعة: ١١/٤٨٣.
أقول: معنى أنه يقيم الحد في كثير من المنافقين: أنه يترك بعض المنافقين! فلا وجه
لما يتصوره البعض من أنه (عليه السلام) يقيم الحد على كل عاص!
* * *
الفصل الثالث والعشرون: الإيرانيون في عصر الظهور
كثرة الأحاديث السُّنِّية في مدح الإيرانيين
من الأمور الملفتة أن مصادر المذاهب السنية مليئة بالأحاديث النبوية في مدح الفرس،
حتى أنك تستطيع أن تؤلف كتاباً في الأحاديث الصحيحة من مصادر السنة في مناقب
الإيرانيين وتفضيلهم على العرب! بينما تراها في مصادرنا قليلة! وسببها أن الفرس
كانوا مع السلطة القوة عسكرية والفكرية البارزة، وهم الذين أسسوا المذاهب في مقابل
مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، ودونوا مصادر المذاهب!
* * *
ومن أشهر أحاديث مدح الفرس في مصادرهم، حديث: (الغنم السود والبيض): الذي رواه الحافظ أبو نعيم في الأصفهاني في كتابه ذكر أصبهان، بعدة طرق عن أبي هريرة، والنعمان بن بشير، ومطعم بن جبير، وأبي بكر، وابن أبي ليلى، وحذيفة، عن النبي (صلى الله عليه وآله) واللفظ لحذيفة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني رأيت الليلة كأن غنماً سوداً تتبعني ثم أردفها غنم بيض، حتى لم أرَ السود فيها! فقال أبو بكر: هذه الغنم السود العرب تتبعك، وهذه الغنم البيض هي العجم تتبعك فتكثر حتى لا ترى العرب فيها! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) هكذا عَبَّرها الملَك).
* * *
وحديث: (لأنا أوثق بهم منكم): الذي رواه أبو نعيم في المصدر المذكور/١٢ عن أبي هريرة قال: ذكرت الموالي أو الأعاجم عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: والله لأنا أوثق بهم منكم أو من بعضكم)! وقوله: (أو من بعضكم) إضافة من الراوي لحفظ ماء وجه العرب!
* * *
وحديث: (لو كان العلم والإيمان في الثريا) رواه عبد الرزاق: ١١/٦٦، عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو كان الدين عند الثريا لذهب إليه رجل
أو قال رجال من أبناء فارس حتى يتناولوه). ونحوه ابن شيبة: ١٢/٢٠٦، ومثله أحمد:
٢/٢٩٦ و٣٠٨.
وفي مسند أحمد/٤١٧، عن أبي هريرة قال: كنا جلوساً عند النبي (صلى الله عليه وآله)
إذ نزلت عليه سورة الجمعة، فلما قرأ: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ
لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ)، قال رجل: من هؤلاء يا رسول الله؟ فلم يراجعه
(صلى الله عليه وآله) حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثاً، وفينا سلمان الفارسي قال:
فوضع النبي (صلى الله عليه وآله) يده على سلمان وقال: لو كان الإيمان عند الثريا
لناله رجال من هؤلاء). وفي/٤٢٠، و٤٢٢، و٤٦٩، بأسانيد عن أبي هريرة. وبخاري: ٦/١٨٨،
كرواية أحمد الثالثة بسندين عن أبي هريرة. ومسلم: ٤/١٩٧٢، كرواية عبد الرزاق،
بتفاوت يسير، وكرواية أحمد الثالثة، والترمذي: ٥/٣٨٤، عن أبي هريرة، وفيه: قال ناس
من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله من هؤلاء الذين ذكر الله إن
تولينا استبدلوا بنا ثم لم يكونوا أمثالنا؟ قال وكان سلمان بجنب رسول الله (صلى
الله عليه وآله) قال: فضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخذ سلمان وقال هذا
وأصحابه، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس).
وفي/٤١٣، و٧٢٥.. إلى آخر المصادر التي تبلغ عدة صفحات!!
* * *
وحديث: (ليصيرن أسداً لا يفرون). رواه عبد الرزاق: ١١/٣٨٥، عن الحسن البصري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لتملأن أيديكم من العجم، ثم ليصيرن أسداً لا يفرون، ثم ليضربن أعناقكم وليأكلن فيئكم). والعجم: اسم لكل الشعوب غير العرب لكن يغلب إطلاقه على الفرس، والمعنى أنكم سوف تأسرون منهم كثيراً وتستعبدونهم، ثم يتحولون إلى فرسان ضدكم. وأحمد: ٥/١١ و١٧ و٢١، والروياني/١١٢ و١٥٤، والطبراني الكبير: ٧/٢٦٨، كرواية أحمد الأولى، والحاكم: ٤/٥١٢، بنحو رواية أحمد الثالثة. وكذا حلية الأولياء: ٣/٢٤.. الخ.
* * *
وحديث: (يساقون إلى الجنة)، رواه أحمد: ٥/٣٣٨، عن سهل بن سعد الساعدي
قال: كنت مع النبي (صلى الله عليه وآله) بالخندق، فأخذ الكِرْزِين فحفر به فصادف حجراً فضحك، قيل: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ضحكت من ناس يؤتى بهم من قبل المشرق في النكول يساقون إلى الجنة). والروياني/٢٠٢، والطبراني الكبير: ٦/١٥٧، كأحمد، ومجمع الزوائد: ٥/٣٣٣، ووثقه، والجامع الصغير: ٢/١٢٣، وجمع الجوامع: ١/٥٦٥، الخ. والنكول والأنكال: جمع نِكل بكسر النون: القيود، والحديث بشارة بفتح فارس وهزيمة كسرى ودخول الأسرى الفرس في الإسلام.
* * *
وحديثهم (أن الفرس عصبة بني هاشم). عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله) وذكرت عنده فارس: فارس عصبتنا أهل البيت). انتهى.
وأهل البيت في هذا الحديث لابد أن يكونوا بالمعنى اللغوي، ويقصد بهم ابن عباس أو
الراوي: العباسيين، لأن ثورة العباسيين قامت بجهود الفرس وقيادتهم. أما أهل البيت
(عليهم السلام) في مذهبنا فهم مصطلح نبوي حددهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في
حديث الكساء المتواتر وبلغ الأمة ولايتهم فقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي) وهم: علي
وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين خاتمهم المهدي (عليهم السلام).
* * *
وحديث الضياطرة.. رواه في شرح النهج: ٢٠/٢٨٤، قال: جاء الأشعث إليه(إلى علي (عليه السلام)) فجعل يتخطى الرقاب حتى قَرُب منه، ثم قال له: يا أمير المؤمنين غلبتنا هذه الحَمْراء على قربك، يعني العجم، فركض المنبر برجله حتى قال صعصعة بن صوحان: ما لنا وللأشعث! ليقولن أمير المؤمنين اليوم في العرب قولاً لايزال يذكر. فقال (عليه السلام): من عذيري من هؤلاء الضياطرة، يتمرغ أحدهم على فراشه تمرغ الحمار، ويهجر قوما للذكر! أفتأمرني أن أطردهم؟! ما كنت لأطردهم فأكون من الجاهلين. أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ليضربنكم على الدين عوداً كما ضربتموهم عليه بدءاً). انتهى.
* * *
والذي يخص موضوعنا دور الفرس في عصر الظهور وحركة الإمام المهدي (عليه السلام)، وقد وردت فيه أحاديث في مصادر الطرفين بتسعة عناوين: قوم سلمان. أهل المشرق. أهل خراسان. أصحاب الرايات السود. الفرس. أهل قم. أهل الطالقان.
والمقصود فيها جميعاً الإيرانيون، إلا بقرينة.
الإيرانيون أول ثلاث فئات ممهدة للمهدي (عليه السلام)
تتفق مصادر الحديث كافة على ظهور حركة تمهد للمهدي (عليه السلام) من أهل المشرق،
أصحاب الرايات السود، وأنهم أبكر الممهدين لدولته الموطئين لسلطانه (عليه السلام)،
وتضيف مصادرنا ممهدين آخرين لدولة المهدي (عليه السلام) هم اليمانيون وحركة أو
حركات أخرى ثائرة على اليهود تقوم قبل ظهوره (عليه السلام) كما في تفسير قوله
تعالى: (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ
شَدِيدٍ)، وأنهم قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم فلا يدعون وتراً لآل محمد
(صلى الله عليه وآله) إلا قتلوه). (الكافي: ٨/٢٠٦) ففي العياشي: ٢/٢٨١: عن صالح بن
سهل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: (وَقَضَيْنَا
إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ):
قتل علي وطعن الحسن. (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا):
قتل الحسين. (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا): إذا
جاء نصر دم الحسين. (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا
أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ): قوم يبعثهم الله قبل
خروج القائم لا يدعون وتراً لآل محمد إلا حرقوه. (وَكَانَ
وَعْدًا مَفْعُولاً): قبل قيام القائم. (ثُمَّ
رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا): خروج الحسين في الكرة في سبعين رجلاً
من أصحابه الذين قتلوا معه عليهم البيض المذهب لكل بيضة وجهان، يؤدون إلى الناس أن
الحسين قد خرج في أصحابه حتى لا يشك فيه المؤمنون وأنه ليس بدجال ولا شيطان، الإمام
الذي بين أظهر الناس يومئذ. فإذا استقر عند المؤمن أنه الحسين لا يشكون فيه، وبلغ
عن الحسين الحجة القائم بين أظهر الناس، وصدقه المؤمنون بذلك، جاء الحجة الموت
فيكون الذي يلي غسله، وكفنه وحنوطه وإيلاجه في حفرته الحسين، ولا يلي الوصي إلا
الوصي، وزاد إبراهيم في حديثه: ثم يملكهم الحسين حتى يقع حاجباه على عينيه). ومثله
الكافي: ٨/٢٠٦، عن عبد الله بن القاسم البطل، وكامل الزيارات/٦٢ و٦٤، أوله بسند
آخر، ومختصر البصائر/٤٨، وتأويل الآيات: ١/٢٧٧، والإيقاظ/٣٠٩، كلها عن الكافي.
وإثبات الهداة: ٣/٥٥٢، بعضه عن العياشي. والبحار: ٤٥/٢٩٧، عن كامل الزيارات.
وفي: ٥١/٥٦، عن العياشي، وفي: ٥٣/٩٣، عن الكافي.
* * *
وحديث
أبان بن تغلب عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل
المشرق وأهل المغرب، أتدري لم ذاك؟ قلت: لا، قال: للذي يلقى الناس من أهل بيته قبل
خروجه). النعماني/٢٩٨ عن أبان بن تغلب، وفي/٢٩٩، عن منصور بن حازم، وفيه: قلت له:
مم ذلك؟ قال: مما يلقون من بني هاشم). وعنه البحار: ٥٢/٣٦٣. فهو يدل على أن أهل
بيته (عليه السلام) من بني هاشم وأتباعهم تكون لهم حركة قبله. وقد نقل صاحب كتاب
يوم الخلاص الحديث القائل: (يأتي ولله سيف مخترط) وذكر له خمسة مصادر لم نجده فيها،
وإنما الموجود (ومعه سيف مخترط)! وفي كتابه موارد مشابهة!
فأحاديث التمهيد إذن ثلاث مجموعات: أحاديث دولة أصحاب الرايات السود المتفق عليها
عند الفريقين. وأحاديث دولة اليماني الواردة في مصادرنا خاصة. والأحاديث الدالة على
ظهور ممهدين قبل ظهوره (عليه السلام) بدون تحديدهم، وتنطبق على من يقاتل اليهود
لأنها في تفسير قوله تعالى: (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا
لَنَا).
وقد حددت الأحاديث الشريفة زمان قيام دولة اليمانيين الممهدين بأنه في سنة ظهور
المهدي (عليه السلام) مقارنٌ لخروج السفياني المعادي للمهدي (عليه السلام) في بلاد
الشام.
أما دولة الممهدين الإيرانيين فهي قبل ذلك، فهم أبكر الممهدين للإمام (عليه
السلام)، لكن قيامهم لنصرته يكون في سنة الظهور. والمرجح أن بداية حركتهم تكون على
يد رجل من قم، فعن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: (رجل من قم يدعو الناس إلى
الحق، يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد، لا تزلهم الرياح العواصف لا يملون من
الحرب ولا يجبنون وعلى الله يتوكلون والعاقبة للمتقين). (البحار: ٥٧/٢١٥). ولم تذكر
الرواية متى يكون هذا الرجل المبشر به ولا مناسبة كلام الإمام (عليه السلام)،
والرواية مرسلة وعنصر القوة فيها أنها من كتاب تاريخ قم للأشعري الذي ألفه سنة٣٧٨
هجرية.
ويفهم من حديث الإمام الباقر (عليه السلام) الصحيح عن حركة أهل المشرق، أن حركة
الإيرانيين تمرُّ بخمس مراحل، آخرها قيامهم لنصرة الإمام (عليه السلام) في سنة
ظهوره.
وتذكر
أحاديث الطرفين ظهور شخصيتين فيهم هما: الخراساني، وقائد قواته شعيب بن صالح أو
صالح بن شعيب، ولا تحدد مصادرنا الفاصل بين ظهورهما وظهور الإمام (عليه السلام)،
بينما تذكر مصادر السنة أنهما قبل ظهوره (عليه السلام) بست سنوات، ففي فتن ابن
حماد: ١/٢٧٨ و٣١٠، عن محمد بن الحنفية (رحمه الله) قال: تخرج راية سوداء لبني
العباس، ثم تخرج من خراسان سوداء أخرى قلانسهم سود وثيابهم بيض، على مقدمتهم رجل
يقال له شعيب بن صالح أو صالح بن شعيب من بني تميم، يهزمون أصحاب السفياني حتى تنزل
ببيت المقدس توطئ للمهدي سلطانه يمد إليه ثلاث مائة من الشام، يكون بين خروجه وبين
أن يسلم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهراً).
وفي/٣١٠، بنفس السند، ونصه: بين خروج الراية السوداء من خراسان وشعيب بن صالح وخروج
المهدي، وبين أن يسلم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهراً. وملاحم ابن المنادي/٤٧،
كرواية ابن حماد الثانية، وسنن الداني/٩٨، عن محمد بن الحنفية كابن حماد مختصراً.
وعقد الدرر/١٢٦، عن الداني. والحاوي: ٢/٦٧ ٦٨، والفتاوى الحديثية/٣١، كلاهما عن ابن
حماد، وفرائد فوائد الفكر/١٢٤، عن محمد بن الحنفية، بنحو رواية ابن حماد الأولى.
والقول المختصر/٣٤، وفيه: تخرج رايات سود من خراسان وتأتي صحبة المهدي إلى بيت
المقدس).
وفي/٧٣، عن محمد بن الحنفية أبي القاسم أنه قال: بين خروج الراية السوداء من خراسان
وشعيب بن صالح وخروج المهدي وبين أن الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهراً. وفي/٨٨، بنحو
رواية ابن حماد الأولى مختصراً. وفي المسند الجامع: ١٨/٣٨٩، عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): تخرج من خراسان رايات سود لا يردها شيء حتى تنصب
بإلياء). وفي السنن في الفتن: ٥//١٠٥٥، عن محمد بن الحنفية، بنحو رواية ابن حماد
الأولى مختصراً. وملاحم ابن طاووس/٤٩، عن روايتي ابن حماد.
وفي غيبة النعماني/٢٥٣، عن ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قبل
هذا الأمر السفياني واليماني والمرواني وشعيب بن صالح فكيف يقول هذا هذا؟). وعنه
إثبات الهداة: ٣/٧٣٥، والبحار: ٥٢/٢٣٣.
وتدل روايات مصادرنا الصحيحة على أن حركة الخراساني وشعيب اللذين يسلمان الراية
للإمام (عليه السلام) تكون مقارنة لظهور اليماني والسفياني، كرواية النعماني/٢٥٣،
عن
أبي بصير، عن أبي جعفر (عليهما السلام) من حديث طويل ذكر فيه عدداً من الأحداث
والعلامات، جاء فيه: (خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة في شهر واحد
في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن
ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني هي راية هدى لأنه يدعو إلى
صاحبكم). ومثله الإرشاد/٣٦٠، ونحوه إثبات الرجعة/١٧، ومثله إعلام الورى/٤٢٩، وغيبة
الطوسي/٢٧١، وعنه الخرائج: ٣/١١٦٣، وإثبات الهداة: ٣/٧٢٨، والبحار: ٥٢/٢١٠. وقد
تقدم أن معنى خروج الثلاثة كنظام الخرز مع أنه في يوم واحد: أن أحداث خروجهم قد
تكون متفرعة عن حدث واحد.
حديث أن أمر المهدي (عليه السلام) يبدأ من إيران
رواه الفريقان ونص على أن بداية أمر المهدي (عليه السلام) تكون من المشرق، ففي
مختصر النعماني/٣٠٤، عن الحارث الهمداني، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:
(المهدي أقبل جعد بخده خال، يكون مبدؤه من قبل المشرق، وإذا كان ذلك خرج السفياني
فيملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر، يخرج بالشام فينقاد له أهل الشام إلا طوائف من
المقيمين على الحق يعصمهم الله من الخروج معه). وعنه البحار: ٥٢/٢٥٢.
وإنما فسرنا (مبدؤه من قبل المشرق) بأنه مبدأ أمره، لأن ظهوره (عليه السلام) من مكة
قطعي، فلا بد أن يكون معناه مبدأ أمره وحركة أنصاره من جهة المشرق. وقد تصور
الوهابيون أن المهدي نفسه (عليه السلام) يأتي من المشرق، فادعوا المهدية لنجدي من
غير بني هاشم وأخذوه إلى مفتيهم ابن باز فأعجبه، ثم أخذوه إلى أفغانستان والشيشان،
ليأتي من المشرق وينطبق عليه الحديث!
ويدل حديث الإمام الباقر (عليه السلام) أيضاً على أن هذه البداية تكون قبل خروج
السفياني وتشير إلى أنه يكون بينها وبين السفياني مدة ليست قصيرة ولا طويلة كثيراً،
حيث عطفت خروج السفياني عليها بالواو وليس الفاء أو ثُم: (وإذا كان ذلك خرج
السفياني). بل تشير أيضاً إلى علاقة سببية بين بداية التمهيد له (عليه السلام) من
إيران وبين خروج السفياني، وكأن حركة السفياني ردة فعل على هذا المد الممهد للمهدي
(عليه السلام).
حديث أصحاب الرايات السود وأهل المشرق
روته مصادر السنة كثيراً ومصادرنا، ويعرف بحديث الرايات السود، وحديث أهل المشرق،
وحديث ما يلقى أهل بيته (صلى الله عليه وآله) بعده. رووه عن ابن مسعود وغيره من
الصحابة بفروق في بعض ألفاظه، ونص عدد من علمائهم على صحته.
ومن أقدم من رواه ابن حماد: ١/٣١٠، عن عبد الله بن مسعود قال: بينما نحن عند رسول
الله (صلى الله عليه وآله) إذ جاء فتية من بني هاشم فتغير لونه! قلنا: يا رسول الله
ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه، فقال: إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على
الدنيا، وإن أهل بيتي هؤلاء سيلقون بعدي بلاء وتطريداً وتشريداً حتى يأتي قوم من ها
هنا من نحو المشرق أصحاب رايات سود يسألون الحق فلا يعطونه، مرتين أو ثلاثاً،
فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلوه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي،
فيملؤها عدلاً كما ملؤوها ظلماً، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج،
فإنه المهدي). وابن أبي شيبة: ١٥/٢٣٥، بنحوه. وابن ماجة: ٢/١٣٦٦، ومسند الصحابة
لابن كليب/٤١، وفيه: بينا نحن عند رسول الله إذ قال: يجيء قوم من ها هنا وأشار بيده
نحو المشرق أصحاب رايات سود يسألون الحق.. وملاحم ابن المنادي/٤٤، والحاكم: ٤/٤٦٤،
وفيه: أتينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج إلينا مستبشراً يعرف السرور في
وجهه، فما سألناه عن شيء إلا أخبرنا به ولا سكتنا إلا ابتدأنا، حتى مرت فتية من بني
هاشم فيهم الحسن والحسين، فلما رآهم التزمهم وانهملت عيناه، فقلنا: ما نزال نرى في
وجهك شيئاً نكرهه، قال: إنا أهل بيت اختار لنا الله الآخرة على الدنيا، وإنه سيلقى
أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد، حتى ترتفع رايات سود من المشرق
فيسألون الحق فلا يعطونه ثم يسألونه فلا يعطونه ثم يسألونه فلا يعطونه، فيقاتلون
فينصرون. فمن أدركه منكم أو من أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي ولو حبواً على الثلج،
فإنها رايات هدى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي،
فيملك الأرض فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً). والبزار: ٤/٣١٠، و٣٥٤،
والداني/٩٢، كابن شيبة بتفاوت يسير، ونحوه جامع السيوطي: ٣/١٠١، وزوائد ابن
ماجة/٥٢٧، والمعجم الأوسط: ٦/٣٢٧، والسنن في الفتن: ٥/١٠٢٩، بروايتين، وفيه: بينما
نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ قال: يجيء قوم من هاهنا وأشار بيده نحو
المشرق أصحاب رايات سود يسألون الحق فلا يعطونه، مرتين أو ثلاثاً، فيقاتلون فينصرون
فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها عدلاً كما
ملؤوها ظلماً. فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج).
ورواه من مصادرنا: دلائل الإمامة/٢٣٣ و٢٣٥، بعدة روايات عن ابن مسعود، كابن حماد
بتفاوت يسير، وفيه: ولا يزالون كذلك حتى يأتي.. فمن أدركه فليأته. ومناقب أمير
المؤمنين لمحمد بن سليمان: ٢/١١٠، بنحوه عن ابن مسعود، وملاحم ابن طاووس/٥٢، عن ابن
حماد، وفي/١٦١، عن فتن زكريا، وكشف الغمة: ٣/٢٦٢، عن أربعين أبي نعيم. وفي/٢٦٨، عن
البيان للشافعي. والعدد القوية/٩٠، كرواية دلائل الإمامة الثانية بتفاوت يسير،
والثالثة، وإثبات الهداة: ٣/٥٩٥، عن كشف الغمة، والبحار: ٥١/٨٢، عن كشف الغمة، و:
٥١/٨٣، عن أربعين الحافظ أبي نعيم،.. الخ.
لكن أدق نصوصه حديث الإمام الباقر (عليه السلام) الذي رواه النعماني/٢٧٣، عن أبي
خالد الكابلي، عنه (عليه السلام) قال: كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا
يعطونه ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيعطون ما
سألوه فلا يقبلونه حتى يقوموا، ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم. قتلاهم شهداء. أما إني
لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر). وعنه البحار: ٥٢/٢٤٣.
ويستفاد منه أمور: الأول: أنه متواتر بالمعنى، لأنه روي عن صحابة متعددين بطرق
متعددة يعلم منها أن هذا المضمون صدر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنه أخبر
عن مظلومية أهل بيته (عليهم السلام) من بعده، وأن ظلامتهم ستستمر حتى يكون يأتي قوم
من المشرق يمهدون لدولة مهديهم (عليهم السلام) الذي يظهر بعد قيام دولة هؤلاء
بفترة، فيسلمونه رايتهم ويظهر الله به الإسلام على العالم، فيملأ الأرض قسطاً
وعدلاً.
الثاني: أن المقصود بقوم من المشرق وأصحاب الرايات السود: الإيرانيون، وهو أمر
متسالمٌ عليه عند جيل الصحابة الذين رووا الحديث، وجيل التابعين الذين تلقوه منهم،
وأجيال من بعدهم عبر العصور، حيث لم يذكر أحد منهم حتى بنحو الشذوذ
أن
المقصود بهؤلاء القوم وبهذه الرايات أهل تركيا الفعلية مثلاً، أو أفغانستان، أو
الهند، أو غيرها من البلاد! بل نص عدد من أئمة الحديث والمؤلفين على أنهم
الإيرانيون. بل ورد تسميتهم باسم الخراسانيين في عدة صيغ أو فقرات رويت من الحديث
وعرف بحديث رايات خراسان. وعليه، فإن تفسير الوهابيين لرايات المشرق بأهل أفغانستان
والطالبان والشيشان شذوذٌ عن فهم كل المسلمين!
الثالث: أن حركتهم تواجه عداء من العالم وحرباً، وتكون في أولها خروجاً على حاكمهم،
ثم تكون قرب ظهور المهدي (عليه السلام) قياماً لنصرته وتسليم راية بلدهم له.
الرابع: يدل قول الإمام الباقر (عليه السلام) (فيعطون ما سألوه فلا يقبلونه حتى
يقوموا، ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم) على أنه سيكون بينهم خلاف في سنة الظهور في
تسليم راية بلدهم إلى الإمام المهدي (عليه السلام) وأن أنصاره ينتصرون على من
خالفهم، ويتجهون إلى الحدود الإيرانية، نحو الإمام المهدي (عليه السلام) الذي ظهر
في الحجاز ويستعدون لنصرته وتنفيذ أمره. ففي غيبة الطوسي/٢٧٤: إذا خرجت الرايات
السود إلى السفياني التي فيها شعيب بن صالح تمنى الناس المهدي فيطلبونه، فيخرج من
مكة ومعه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيصلي ركعتين بعد أن ييأس الناس من
خروجه لما طال عليهم من البلايا، فإذا فرغ من صلاته انصرف فقال: يا أيها الناس
ألحَّ البلاء بأمة محمد وبأهل بيته خاصة، فهو باغ بغى علينا).
الخامس: أن حديث الرايات السود من أخبار المغيبات الدالة على نبوته (صلى الله عليه
وآله) حيث تحقق ما أخبر به (صلى الله عليه وآله) من ظلامة أهل بيته (عليهم السلام)
واضطهادهم وتشريدهم في البلاد قروناً طويلة، حتى وصلوا إلى أربع جهات العالم، فلا
نجد أسرة في العالم جرى عليهم من الاضطهاد والتشريد والتطريد كأهل بيت النبي (صلى
الله عليه وآله) وذرياتهم وشيعتهم.
كما أنه تحقق ما أخبر به النبي (صلى الله عليه وآله) من حركة أتباعهم أهل المشرق.
السادس: وصف حديث الإمام الباقر (عليه السلام) حركتهم وصفاً دقيقاً، فقال (عليه
السلام): (كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق) يدل على أنه حدثٌ من وعد الله المقدر
المحتوم وهو
ما
يعبر عنه النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) بـ (كأني بالشيء
الفلاني، أو الأمر الفلاني) ويعني حتميته ووضوحه عندهم ويقينهم به حتى كأنهم يرونه
(عليهم السلام). بل يدل على رؤيتهم له بالبصيرة التي خصهم الله بها المتناسبة مع
مقام النبي (صلى الله عليه وآله) ومقام أهل بيته (عليهم السلام). كما يدل على مراحل
حركة الإيرانيين هذه من بدايتها إلى عصر الظهور، وانتهائها بالقيام لله تعالى لنصرة
المهدي (عليه السلام)!
وأخيراً، يدل قول الإمام الباقر (عليه السلام): (أما إني لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي
لصاحب هذا الأمر). (البحار: ٥٢/٢٤٣) على أن المدة بين قيام دولة أهل المشرق وبين
ظهوره (عليه السلام) لا يزيد عن عمر إنسان.
أحاديث نظن أنها أجزاءٌ من حديث الرايات السود
يظهر أن الحديث الذي رواه أحمد وابن ماجة وغيرهم: (يخرج ناس من المشرق يوطؤون
للمهدي سلطانه) جزءٌ منه، وكذلك ما رواه ابن حماد: ١/٣١٣، عن الحسن البصري أن رسول
الله (صلى الله عليه وآله): ذكر بلاء يلقاه أهل بيته حتى يبعث الله راية من المشرق
سوداء من نصرها نصره الله، ومن خذلها خذله الله حتى يأتوا رجلاً اسمه كاسمي فيولونه
أمرهم فيؤيده الله وينصره). وعنه عقد الدرر/١٣٠، وابن طاووس/٥٤، والحاوي: ٢/٦٨.
كما يحتمل أن يكون جزءً منه ما رواه الطبراني في الكبير: ٤/٢٢٩، عن خالد بن عرفطة
أنه قال يوم قتل الحسين (عليه السلام): هذا ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه
وآله) سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنكم ستبتلون في أهل بيتي من
بعدي). وعنه كشف الهيثمي: ٣/٢٣٣، وكنز العمال: ١١/١٢٤. وفي مجمع الزوائد: ٩/١٩٤:
رواه الطبراني والبزار ورجال الطبراني رجال الصحيح غير عمارة، وعمارة وثقه ابن
حبان.
كما يحتمل أن يكون الأحاديث الأربعة التالية جزء منه أيضاً، وهي:
١ - حديث: يخرج ناس من المشرق يوطئون للمهدي (عليه السلام)، رواه ابن ماجة: ٢/١٣٦٨
عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
يخرج ناس من المشرق، فيوطئون للمهدي). ومعنى وطأ له الأمر: جهزه وهيأه. ومثله
الطبراني في الأوسط: ١/٢٠٠، بتفاوت يسير. وعنه بيان الشافعي/٤٩٠، وقال: هذا حديث
حسن صحيح روته الثقاة والإثبات، وعقد الدرر/١٢٥، وتذكرة القرطبي/٦٩٩، وفرائد
السمطين: ٢/٣٣٣، وخريدة العجائب/٢٥٧، وتحفة الأشراف: ٤/٣٠٧، والمنار المنيف/١٤٥،
وفتن ابن كثير: ١/٤١ والحافظ المغربي/٥٥٥، وقال: الحديث صحيح، ومحمد بن مروان ثقة
ما نقله الطاعن(ابن خلدون) عن يحيى بن معين وأبي داود وابن حبان على اختلاف عبارتهم
وتنوعها في توثيقه. وقول أبي زرعة غير مقبول، إذ لم يبين سببه مع ثبوت العدالة
التوثيق له من غيره، بل ممن هو أشد منه في الرجال وهو يحيى بن معين، وكذا ترك عبد
الله بن أحمد الرواية عنه، وأما قول البزار لا نعلم أنه تابعه عليه أحد فإن كان
مراده المتابعة التامة عن شيخه فيمكن، وإن كان مراده مطلق المتابعة فغير مسلم ما
ادعاه فقد توبع على ذلك.. إلى آخر كلامه والمصادر.
٢ - حديث رايات خراسان إلى القدس، روته عدد من مصادرهم كالترمذي: ٣/٣٦٢، وأحمد في
مسنده، وابن كثير في نهايته، والبيهقي في دلائله، وغيرهم. وصححه ابن الصديق المغربي
في رسالته في الرد على ابن خلدون، ونصه: تخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شيء
حتى تنصب بإيلياء. وشبيهٌ به مصادرنا كابن طاووس/٤٣ و٥٨، ويحتمل أن يكون جزء من
الحديث المتقدم لأنه يتحدث عن حركة عسكرية وجيش يزحف من إيران نحو القدس التي تسمى
إيلياء وبيت إيل، وهي حركة الإمام المهدي (عليه السلام). قال في مجمع البحرين: (إيل
بالكسر فالسكون: اسم من اسمائه تعالى عبراني أو سرياني. وقولهم جبرئيل وميكائيل
وإسرافيل بمنزلة عبد الله وتيم الله ونحوهما. وإيل: هو البيت المقدس وقيل بيت الله
لأن إيل بالعبرانية الله). وقال في شرح القاموس: (إيلياء: بالكسر يمد ويقصر، ويشدد
فيهما).
وفي حديث رايات إيلياء بشارة بوصول الرايات السود إلى هدفها، رغم العقبات التي
تعترض طريقها، ولم تذكر الرواية زمنها، لكن قائدها صالح بن شعيب الموعود هو قائد
جيش المهدي (عليه السلام) في حملته لتحرير الشام والقدس.
٤ - وحديث كنوز الطالقان. روته مصادر السنة عن علي (عليه السلام) كالحاوي للسيوطي:
٢/٨٢، وكنز العمال: ٧/٢٦٢، قال: (ويحاً للطالقان، فإن الله (عزَّ وجلَّ) بها كنوزاً
ليست
من ذهب ولا فضة، ولكنَّ بها رجالاً عرفوا الله حق معرفته، وهم أنصار المهدي آخر
الزمان). وفي رواية ينابيع المودة/٤٤٩: بخٍ بخ للطالقان).
وروته مصادرنا الشيعية بلفظ آخر كما في البحار: ٥٢/٣٠٧، عن كتاب سرور أهل الإيمان
لعلي بن عبد الحميد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (له كنز بالطالقان ما هو
بذهب ولا فضة وراية لم تنشر مذ طويت، ورجال كأن قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شك في
ذات الله، أشد من الجمر لو حملوا على الجبال لأزالوها! لا يقصدون براياتهم بلدة إلا
خربوها، كأن على خيولهم العقبان، يتمسحون بسرج الإمام يطلبون بذلك البركة ويحفون به
يقونه بأنفسهم في الحروب، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم! رهبان
بالليل، ليوث بالنهار. هم أطوع من الأمة لسيدها، كالمصابيح كأن في قلوبهم القناديل
وهم من خشيته مشفقون، يدعون بالشهادة ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله. شعارهم يا
لثارات الحسين، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر، يمشون إلى المولى أرسالاً،
بهم ينصر الله إمام الحق). انتهى.
أقول: حتى لو كان الراوي وصف هؤلاء الأنصار من محيط عصره، فالرواية تدل على أنهم
جنود مميزون بإيمانهم وشجاعتهم. وقد كنت أتصور أن المقصود بالطالقان في هذه
الأحاديث المنطقة الواقعة في سلسلة جبال آلبرز، على نحو مئة كلم شمال غرب طهران.
وهي منطقة مؤلفة من عدة قرى تعرف باسم (الطالقان) ليس فيها مدينة ويعرف أهلها
بالتقوى وقراءة القرآن وتعليمه من قديم. لكن بعد التأمل ترجح عندي أن المقصود بأهل
الطالقان أهل إيران لاخصوص منطقة الطالقان، وأن الأئمة (عليهم السلام) سموهم أهل
الطالقان، لأن بلادهم كانت تسمى جبال الطالقان وخراسان والمشرق.
٤ - حديث سيصيب ولد عبد المطلب بلاء شديد، رواه فرات في تفسيره: ١٦٤ عن أنس: أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتى ذات يوم ويده في يد علي بن أبي طالب ولقيه رجل
إذ قال له: يا فلان لا تسبوا علياً فإنه من سبه فقد سبني ومن سبني فقد سب الله
إنه
والله يا فلان لا يؤمن بما يكون من علي في آخر الزمان إلا ملك مقرب أو عبد قد امتحن
الله قلبه للإيمان! يا فلان إنه سيصيب ولد عبد المطلب بلاء شديد وإثرةٌ وقتل
وتشريد، فالله الله يا فلان في أصحابي وذريتي وذمتي فإن لله يوماً ينتصف فيه
للمظلوم من الظالم). والبحار: ٢٨/٧٨.
الخراساني قائد إيران وشعيب قائد جيشها
ذكرت الأحاديث أن هاتين الشخصيتين يشاركان في حركة ظهور الإمام المهدي (عليه
السلام). ولا يوجد نص في أن الإيرانيين يرسلون قوة لمساعدته (عليه السلام) في
الحجاز، لكنهم يدخلون العراق لتسليمه راية بلادهم ويبايعونه، والظاهر أن ذلك يكون
بعد دخول الإمام (عليه السلام) إلى العراق: (تنزل الرايات السود التي تخرج من
خراسان إلى الكوفة، فإذا ظهر المهدي بعثت إليه بالبيعة). رواه ابن حماد: ١/٣١٣، عن
أبي جعفر (عليه السلام)، وعنه عقد الدرر/١٢٩، والحاوي: ٢/٦٩، والخرائج: ٣/١١٥٨،
وملاحم ابن طاووس/٥٥، ونحوه غيبة الطوسي/٢٧٤، عن ابن حماد، وعنه إثبات الهداة:
٣/٧٢٩، والبحار: ٥٢/٢١٧.
وتذكر بعض الروايات أن قواتهم تدخل العراق قبل ذلك لرد هجمة السفياني: ابن حماد:
١/٣١٤، عن عمار بن ياسر قال: إذا بلغ السفياني الكوفة وقتل أعوان آل محمد خرج
المهدي على لوائه شعيب بن صالح). وعنه ملاحم ابن طاووس/٥٣، والحاوي: ٢/٦٨، والقول
المختصر/٧، وفيه: صاحب رايته الفتى التميمي الذي يقبل من المشرق.
وفي ابن حماد/٨٤، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (يخرج شاب من بني هاشم بكفه
اليمنى خال من خراسان برايات سود، بين يديه شعيب بن صالح، يقاتل أصحاب السفياني
فيهزمهم). وعنه عقد الدرر/١٢٨، والحاوي: ٢/٦٨، وملاحم ابن طاووس/٥٣.
وفي ابن حماد: ١/٣٧٢، عن عبد الله بن عمر قال: يخرج رجل من ولد الحسين من قبل
المشرق، لو استقبلته الجبال لهدمها واتخذ فيها طرقاً). ومثله وعنه تلخيص المتشابه:
١/٤٠٧، وبيان الشافعي/٥١٣، وعقد الدرر/١٢٧، والقول المختصر/١٥، وملاحم ابن
طاووس/٨٥، والصراط المستقيم: ٢/٢٢٤، وإثبات الهداة: ٣/٦١٤، عن الصراط المستقيم.
وفي ابن حماد: ١/٣١٤، عن علي قال: تخرج رايات سود تقاتل السفياني، فيهم
شاب
من بني هاشم، في كتفه اليسرى خال، وعلى مقدمته رجل من بني تميم، يدعى شعيب بن صالح،
فيهزم أصحابه). وعنه الحاوي: ٢/٦٩، وجمع الجوامع: ٢/١٠٣.
وفي ابن حماد/٨٤، عن الحسن البصري قال: يخرج بالري رجل ربعة اسمر مولى لبني تميم
كوسج يقال له شعيب بن صالح، في أربعة آلاف ثيابهم بيض وراياتهم سود يكون على مقدمة
المهدي لا يلقاه أحد إلا فله). ربعة: مربوع القامة. كوسج: أكوس اللحية. فلَّه: ضربه
وهزمه. وعنه عقد الدرر/١٣٠، والحاوي: ٢/٦٨، والفتاوى الحديثية/٣٠.
وفي ابن حماد/٨٥، عن سفيان الكعبي قال: يخرج على لواء المهدي غلام حدث السن خفيف
اللحية، أصفر، لو قاتل الجبال لهزها حتى ينزل إيليا). وعنه الحاوي: ٢/٦٨، والقول
المختصر/٢٢، وفوائد الفكر/١٨. والمعجم الأوسط: ٤/٣٢٣، عن أبي هريرة: قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله): يخرج من خراسان رايات سود لا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء).
والأحوذي: ٩/١٢٣
وفي مجمع الزوائد: ٧/٣١٧، عن ابن عمر قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
جالساً في نفر من المهاجرين والأنصار وعلي بن أبي طالب عن يساره والعباس عن يمينه،
إذ تلاحى العباس ورجل من الأنصار فأغلظ الأنصاري للعباسي، فأخذ النبي بيد العباس
ويد علي فقال: سيخرج من صلب هذا فتى يملأ الأرض جوراً وظلماً، وسيخرج من هذا فتى
يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فإذا رأيتم ذلك فعليكم بالفتى التميمي فإنه يقبل من قبل
المشرق، وهو صاحب راية المهدي). والمعجم الأوسط: ٥/٧٩، وجامع الأحاديث للسيوطي:
٨/٧٥٩، والحاوي: ٢/٦٢، والفتاوى الحديثية/٢٧، والمغربي/٥٥٩.
ابن حماد/٨٦، عن أبي جعفر قال: (يبث السفياني جنوده في الآفاق بعد دخوله الكوفة
وبغداد فيبلغه فزعة من راء النهر من أهل خراسان فيقتل أهل المشرق عليهم قتلا ويذهب
جهم. فإذا بلغه ذلك بعث جيشا عظيما إلى إصطخر عليهم رجل من بني أمية، فتكون لهم
وقعة بقومش، ووقعة بدولات الري، ووقعة بتخوم زرع، فعند ذلك يأمر السفياني بقتل أهل
الكوفة وأهل المدينة، وعند ذلك تقبل الرايات السود من خراسان على جميع الناس شاب من
بني هاشم بكفه اليمنى خال، يسهل الله أمره
وطريقه، ثم تكون له وقعة بتخوم خراسان، ويسير الهاشمي في طريق الري فيسرح رجلاً من
بني تميم من الموالي يقال له شعيب بن صالح إلى إصطخر إلى الأموي، فيلتقي هو والمهدي
والهاشمي ببيضاء إصطخر، فتكون بينهما ملحمة عظيمة حتى تطأ الخيل الدماء إلى أرصاغها
ثم تأتيه جنود من سجستان عظيمة عليهم رجل من بني عدي فيظهر الله أنصاره وجنوده. ثم
تكون وقعة بالمدائن بعد وقعتي الري، وفي عاقر قوفا وقعة صيلمية يخبر عنها كل ناج.
ثم يكون بعدها ذبح عظيم ببَاكل، ووقعة في أرض من أرض نصيبين، ثم يخرج على الأخوص
قوم من سوادهم، وهم العصب، عامتهم من الكوفة والبصرة حتى يستنقذوا ما في يديه من
سبي كوفان). وعنه الحاوي: ٢/٦٩، وغيره.
أقول: لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية الأخيرة، والمؤكد أن الخراساني وشعيباً
يسلِّمان الراية إلى الإمام المهدي (عليه السلام) ويكونان من أصحابه الخاصين، ثم
يكون شعيب القائد العام لجيش الإمام (عليه السلام)، وتكون قوات الخراسانيين
واليمانيين الثقل الأساس في جيشه (عليه السلام) في تصفية الوضع الداخلي في العراق
من الخوارج، ثم في زحفه لفتح القدس وفلسطين. نعم لا يبعد أن يأمر الإمام (عليه
السلام) وهو في العراق القوات الإيرانية بأن تدخل قبله إلى العراق، لتواجه قوات
السفياني وتوقف ذبحهم لشيعته، ويدل عليه ما تقدم من غيبة الطوسي/٢٧٤: (إذا خرجت
الرايات السود إلى السفياني التي فيها شعيب بن صالح تمنى الناس المهدي فيطلبونه
فيخرج من مكة ومعه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)..).
ضعف رواية دخول الإمام المهدي (عليه السلام) إيران قبل العراق؟
الأمر المتفق عليه في أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) أن منطلقه من مكة وهدفه
القدس، وأنه فيما بين ذلك يقوم بترتيب أوضاع دولته الجديدة في الحجاز والعراق،
وإعداد جيشه للزحف إلى القدس. وتنفرد رواية أو اثنتان في فتن ابن حماد بأنه (عليه
السلام) يأتي أولاً إلى جنوب إيران، حيث يبايعه الإيرانيون وقائدهم الخراساني
وقائد
جيشه شعيب بن صالح، ثم يخوض بهم معركة ضد السفياني في منطقة البصرة ثم يدخل العراق.
روى ابن حماد/٨٦، (عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: إذا خرجت خيل السفياني
إلى الكوفة بعث في طلب أهل خراسان ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي، فيلتقي هو
والهاشمي برايات سود على مقدمته شعيب بن صالح، فيلتقي هو وأصحاب السفياني بباب
إصطخر فيكون بينهم ملحمة عظيمة، فتظهر الرايات السود وتهرب خيل السفياني. فعند ذلك
يتمنى الناس المهدي ويطلبونه). انتهى. واصطخر مدينة في جنوب إيران، لكن الرواية
ضعيفة ومعارضة بغيرها، نعم لايبعد دخول قوات الخراسانيين إلى العراق لمواجهة قوات
السفياني بأمر الإمام المهدي (عليه السلام)، وذلك قبيل دخوله إلى العراق.
روايات مصادرنا في الخراسانيين وأصحاب الرايات السود
تقدم بعضها، ومنها ما رواه في عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ٢/٥٩، عن الحسين بن
علي قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): لا تقوم
الساعة حتى يقوم قائم للحق منا وذلك حين يأذن الله (عزَّ وجلَّ) له، ومن تبعه نجا
ومن تخلف عنه هلك. الله الله عباد الله فأتوه ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة الله
(عزَّ وجلَّ)). وكفاية الأثر/١٠٦، وفيه. إيتوه ولو على الثلج. قلنا يا رسول الله
متى يقوم قائمكم؟ قال: إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً، وهو التاسع من صلب الحسين.
ودلائل الإمامة/٢٣٩، كالعيون بتفاوت يسير، والصراط المستقيم: ٢/١١٦، ككفاية الأثر،
بعض أجزائه، وإثبات الهداة: ٣/٥٢٣، عن كفاية الأثر، وفي/٥٧٢، أوله كدلائل الإمامة،
عن مناقب فاطمة وولدها. والبحار: ٣٦/٣٢٢، عن كفاية الأثر، وفي: ٥١/٦٥، عن عيون
أخبار الرضا.
وهو يتعلق بالإيرانيين بدليل (فأتوه ولو حبواً على الثلج) لأن بلادهم ثلجية.
بعض ما جاء في فضل قم
ورد في فضلها ومستقبلها أحاديث عن أهل البيت (عليهم السلام) يظهر منها أن قمّاً
مشروع أسسه الأئمة في وسط إيران على يد تلاميذ الإمام زين العابدين (عليه السلام)
سنة٧٣ هجرية،
ثم
رعاها الأئمة (عليهم السلام) رعاية خاصة وأخبروا بما عندهم من علم رسول الله (صلى
الله عليه وآله) أنها سيكون لها شأن عظيم في المستقبل، ويكون أهلها أنصار المهدي
المنتظر أرواحنا فداه. وتنص بعض الأحاديث على أن تسميتها بقم جاءت متناسبة مع اسم
المهدي القائم بالحق أرواحنا فداه، وقيام أهلها ومنطقتها في نصرته (عليه السلام).
فعن عفان البصري عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (قال لي: أتدري لم سمي قم؟
قلت الله ورسوله أعلم. قال: إنما سمي قم لأن أهله يجتمعون مع قائم آل محمد صلوات
الله عليه ويقومون معه، ويستقيمون عليه وينصرونه). (البحار: ٥٧/٢١٥).
وقد أعطى الأئمة (عليهم السلام) لقم مفهوماً أوسع من مدينتها وتوابعها، فاستعملوها
بمعنى خط قم ونهجها في ولاية أهل البيت (عليهم السلام) والقيام مع مهديهم الموعود.
فقد دخل جماعة من أهل الري على أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): (وقالوا: نحن من
أهل الري فقال: مرحباً بإخواننا من أهل قم. فقالوا: نحن من أهل الري، فقال: مرحباً
بإخواننا من أهل قم. فقالوا: نحن من أهل الري. فأعاد الكلام! قالوا ذلك مراراً
وأجابهم بمثل ما أجاب به أولاً، فقال: إن لله حرماً وهو مكة، وإن لرسوله حرماً وهو
المدينة، وإن لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم، وستدفن
فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة، فمن زارها وجبت له الجنة. قال الراوي: وكان هذا
الكلام منه (عليه السلام) قبل أن يولد الكاظم (عليه السلام)). (البحار: ٥٧/٢١٧).
ومعناه أن قم حرم الأئمة من أهل البيت إلى المهدي (عليهم السلام)، وأهل الري وغيرها
هم من أهل قم لأنهم على خطها ونهجها. لذلك قلنا إن المقصود بأهل قم في الروايات
ونصرتهم للمهدي (عليه السلام) كل أهل إيران الذين هم على خطهم. ومعنى قول الراوي:
وكان هذا الكلام منه قبل أن يولد الكاظم (عليهما السلام)، أنه (عليه السلام) أخبر
عن ولادة حفيدته فاطمة بنت موسى بن جعفر قبل ولادة أبيها الكاظم (عليهم السلام) أي
قبل سنة١٢٨ للهجرة، وأخبر أنها ستدفن في قم، ثم تحقق ذلك بعد أكثر من سبعين سنة.
ومن الأعاجيب أن إعداد الأئمة (عليهم السلام) لأهل قم لنصرة المهدي المنتظر أرواحنا
فداه
كان
من أول تأسيسها، وأن حب القميين للمهدي (عليه السلام) كان معروفاً عنهم قبل ولادته!
فعن صفوان بن يحيى قال: (كنت يوماً عند أبي الحسن (عليه السلام) (الإمام الرضا
(عليه السلام)) فجرى ذكر أهل قم وميلهم إلى المهدي (عليه السلام) فترحم عليهم وقال:
(رضي الله عنهم) ثم قال: إن للجنة ثمانية أبواب واحد منها لأهل قم، وهم خيار شيعتنا
من بين سائر البلاد، خمر الله تعالى ولايتنا في طينتهم). (البحار: ٥٧/٢١٨). وقد
يكون المقصود به باب الصدِّيقين المؤمنين بالغيب، وقد حافظ حب أهل قم للمهدي (عليه
السلام) على حيويته إلى عصرنا.
وقد تحدثت روايتان عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن مستقبل قم ودورها قرب ظهور
المهدي (عليه السلام) إلى أن يظهر، رواهما في البحار: ٥٧/٢١٣، عن تاريخ قم:
تقول الأولى: (إن الله احتج بالكوفة على سائر البلاد، وبالمؤمنين من أهلها على
غيرهم من أهل البلاد، واحتج ببلدة قم على سائر البلاد، وبأهلها على جميع أهل المشرق
والمغرب من الجن والإنس، ولم يَدَع قم وأهله مستضعفاً بل وفقهم وأيدهم ثم قال: إن
الدين وأهله بقم ذليل، ولولا ذلك لأسرع الناس إليه فخرب قم وبطل أهله، فلم يكن حجة
على سائر البلاد. وإذا كان كذلك لم تستقر السماء والأرض ولم ينظروا طرفة عين، وإن
البلايا مدفوعة عن قم وأهله، وسيأتي زمان تكون بلدة قم وأهلها حجة على الخلائق وذلك
في زمان غيبة قائمنا إلى ظهوره، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها. وإن الملائكة لتدفع
البلايا عن قم وأهله وما قصده جبار بسوء إلا قصمه قاصم الجبارين، وشغله عنه بداهية
أو مصيبة أو عدو، وينسي الله الجبارين في دولتهم ذكر قم وأهله، كما نسوا ذكر الله).
وتقول الثانية: (ستخلو كوفة من المؤمنين، ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في
جُحْرها، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم وتصير معدناً للعلم والفضل حتى لا يبقى
في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الحجال، وذلك عند قرب ظهور قائمنا فيجعل
الله قم وأهل قائمين مقام الحجة، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها ولم يبق في الأرض
حجة، فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق
والمغرب، فتتم حجة الله على الخلق حتى لا يبقى أحد لم يبلغ إليه الدين والعلم، ثم
يظهر القائم (عليه السلام) ويصير سبباً لنقمة الله وسخطه على العباد، لأن الله لا
ينتقم من العباد إلا بعد إنكارهم حجة).
وفي البحار: ٦٠/٢١٨، عن تاريخ قم، عن أبي مسلم العبدي، عن أبي عبد الله الصادق
(عليه السلام) قال: تربة قم مقدسة وأهلها منا ونحن منهم، لا يريدهم جبار بسوء إلا
عجلت عقوبته ما لم يخونوا إخوانهم(يحولوا أحوالهم) فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم
جبابرة سوء! أما إنهم أنصار قائمنا ودعاة حقنا. ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم
اعصمهم من كل فتنة ونجهم من كل هلكة).
وفي الاختصاص/١٠١، عن الإمام العسكري عن أمير المؤمنين (عليهما السلام) قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): لمَّا أسري بي إلى السماء الرابعة نظرت إلى قبة من
لؤلؤ لها أربعة أركان وأربعة أبواب كلها من إستبرق أخضر، قلت: يا جبرئيل ما هذه
القبة التي لم أر في السماء الرابعة أحسن منها؟ فقال: حبيبي محمد هذه صورة مدينة
يقال لها قم، يجتمع فيها عباد الله المؤمنون ينتظرون محمداً وشفاعته للقيامة
والحساب، يجري عليهم الغم والهم والأحزان والمكاره. قال: فسألت علي بن محمد العسكري
(عليه السلام) متى ينتظرون الفرج؟ قال: إذا ظهر الماء على وجه الأرض). وتاريخ
قم/٩٦، أوله، عن نقيب الري قال: سمعت أبا الحسن علي بن محمد العسكري (عليه السلام)
قال.، وعنه البحار: ٦٠/٢٠٧.
والمقصود ظهور الماء على وجه الأرض في قم، أو على شكل آية في العالم.
حديث: أتاح الله لأمة محمد (صلى الله عليه وآله) برجل منا أهل البيت
عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: يا أبا محمد ليس ترى أمة محمد
(صلى الله عليه وآله) فرجاً أبداً ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم. فإذا
انقرض ملكهم أتاح الله لأمة محمد (صلى الله عليه وآله) برجل منا أهل البيت يسير
بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرُّشا، والله إني لأعرفه باسمه واسم أبيه.
ثم يأتينا الغليظ القصرة، ذو الخال
والشامتين، القائد العادل الحافظ لما استودع، يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملأها الفجار
ظلماً وجوراً). (البحار: ٥٢/٢٦٩). وهو حديث ملفت لكنه ناقص، فقد نقله صاحب البحار
(قدّس سره) عن كتاب الإقبال لابن طاووس (قدّس سره) وذكر في الإقبال/٥٩٩، أنه رآه في
سنة اثنتين وستين وستماية في كتاب الملاحم للبطائني ونقله منه، لكنه نقله ناقصاً
وقال في آخره: (ثم ذكر تمام الحديث) والبطائني من أصحاب الإمام الصادق (عليه
السلام) وكتابه الملاحم مفقود. وهو يدل على أنه يظهر سيدٌ من ذرية أهل البيت (عليهم
السلام) يحكم قبل ظهور المهدي (عليه السلام) ويمهد لدولته. أما بنو فلان في قوله:
(ما دام لولد بني فلان ملك) فلا يلزم أن يكونوا بني العباس كما فهمه ابن طاووس
(رحمه الله) وكذلك الأحاديث العديدة التي عبر فيها الأئمة (عليهم السلام) ببني فلان
وآل فلان، فأحياناً يقصدون بها بني العباس وأحياناً يقصدون العوائل والأسر التي
تحكم قبل ظهور المهدي (عليه السلام). فالأحاديث التي تذكر الخلاف بين آل فلان من
حكام الحجاز وأن الخلاف يقع بين قبائل الحجاز قبيل ظهور المهدي (عليه السلام)، إنما
تقصد آخر عائلة تحكم الحجاز عند ظهوره (عليه السلام).
وكذلك الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قتل آل فلان للنفس الزكية قبل ظهور
الإمام (عليه السلام) بأسبوعين: (ألا أخبركم بآخر ملك بني فلان؟ قلنا بلى أمير
المؤمنين قال: قتل نفس حرام في بلد حرام، عن قوم من قريش(كذا) والذي فلق الحبة وبرأ
النسمة ما لهم ملك بعده غير خمسة عشر ليلة). (البحار: ٥٢/٢٣٤).
ومثله الأحاديث التي تذكر اختلاف بني فلان أو هلاك حاكم منهم قبيل ظهور المهدي
(عليه السلام)، فإنه لا بد من تفسيرها بغير بني العباس، لأن زوال ملك هؤلاء متصل
بظهور المهدي (عليه السلام). بل لابد من التثبت في الروايات التي ذكرت بني العباس
صراحة فقد تكون صدرت عن الأئمة (عليهم السلام) بتعبير(بني فلان) و(آل فلان) ورواها
الراوي بني العباس، اعتقاداً منه أنهم المقصودون ببني فلان.
بل حتى لو تضمن الحديث اسم بني عباس صراحةً في أحاديث الظهور، فينبغي التأمل في
المقصود به هل أشخاصهم أم خطهم المعادي للأئمة (عليهم السلام)، فإن جميع
فعاليات العداء لأهل البيت (عليه السلام) بعد المنصور العباسي ترجع إليه، بصفته مؤسس ذلك!
* * *
هذا، وروى في الفتوح: ٢/٧٨، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) خبراً في مدح خراسان، وفتحها على يد الإمام المهدي (عليه السلام)، وأموراً عن بخارى، وخوارزم، والشاشان، وأبيجاب، وبلخ، وطالقان، والترمذ، واشجردة، وسرخس، ويا سوج، وجرجان، وقومس، وسمنان، وطبرستان.. وغيرها، وفيه مدح لبعضها وذم لأخرى، وأثر الوضع عليه ظاهر ولا يوجد ما يؤيده إلا ما يتعلق بالطالقان والري! وعنه أو مثله: البيان للشافعي/٤٩١، وعقد الدرر/١٢٢، وجمع الجوامع: ٢/١٠٤، والحاوي: ٢/٨٢، وإثبات الهداة: ٣/٥٩٩، والبحار: ٥١/٨٧.
* * *
الفصل الرابع والعشرون: اليمانيون في حركة ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)
مدح اليمانيين في مصادر المسلمين
روى الجميع مدح النبي (صلى الله عليه وآله) لليمانيين وصححوا حديثه، ومن أشهر
أحاديثه: ما رواه مسلم: ٢/١٠٠٥، وأحمد: ٢/٤٥٧، عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله
عليه وآله) قال: الإيمان يمانٍ والكفر من قبل المشرق، وإن السكينة في أهل الغنم،
وإن الرياء والفخر في الفدَّادين أهل الوبر وأهل الخيل). ورواه الترمذي: ٤/٥١٥،
والبغوي: ٣/٥٠٤، وصححاه. والفدَّادون: بتشديد الدال: الذين تشتد أصواتهم في مواشيهم
وزرعهم. والفدَادين بتخفيف الدال: جمع فَدَّان، وهي البقر التي يحرث عليها، وحينئذ
يقال: أهل الفدَادين.
والكافي: ٨/٦٩، عن الإمام الباقر (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال
في حديث: (بل رجال أهل اليمن أفضل، الإيمان يماني والحكمة يمانية ولولا الهجرة لكنت
امرءً من أهل اليمن الجفا والقسوة في الفدادين أصحاب الوبر).
وفي كمال الدين: ٢/٥٤١، عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): (من أحب أهل اليمن فقد أحبني، ومن أبغض أهل اليمن فقد أبغضني).
وفي النعماني/٣٩، عن جابر قال: وفَدَ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أهل اليمن
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): جاءكم أهل اليمن يَبُسُّون بَسيساً. فلما دخلوا
على رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال من حديث طويل: قوم رقيقةٌ قلوبهم راسخٌ
إيمانهم، ومنهم المنصور يخرج في سبعين
ألف، ينصر خلفي وخلف وصيي، حمائل سيوفهم المسك). انتهى.
وموضوعنا دور اليمانيين في عصر الإمام المهدي (عليه السلام)، وقد روت مصادرنا
أحاديث صحيحة، تبشر باليماني الذي يكون ناصر الإمام المهدي (عليه السلام) ووزيره،
كما تقدم آنفاً وذكر بعضها أنه يظهر في صنعاء وأنه من ذرية زيد (رحمه الله). الخ.
أما المصادر السنية، فروت فيه حديثاً يذمه ولا يمدحه، وروت فيه عشرات الأقوال
المتضاربة المتعارضة، بعضها يذكر أنه يظهر قبل المهدي وبعضها أنه بعده! وهذا يدلك
على سيطرة القرشيين على رواية الحديث ومصادره، فقد كانوا يمنعون رواية أي حديث يبشر
بظهور قائد قحطاني، لأن ذلك يمس قيادة قريش للعرب والعالم! وقد روى بخاري كيف صبَّ
معاوية غضبه على عبد الله بن العاص ووبخه على المنبر وسماه جاهلاً، لأنه روى عن
النبي (صلى الله عليه وآله) أنه سيكون مَلِكٌ من قحطان! وقحطان كل قبائل العرب ما
عدا قريش! ولا بد أنه وبخه في قصره أكثر، واعتبره عديم الفهم والغيرة! قال بخاري في
صحيحه: ٤/١٥٥، و: ٨/١٠٥: (كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية وهو عنده
في وفد من قريش، أن عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب
معاوية فقام خطيباً فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن
رجالاً منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تُؤثر عن رسول الله فأولئك
جهالكم! فإياكم والأماني التي تضل أهلها! فإني سمعت رسول الله يقول: إن هذا الأمر
في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبَّه الله على وجهه ما أقاموا الدين). انتهى! وبهذا
تضع يدك على السبب في ضياع أحاديث القحطاني أو اليماني، حتى لا تجد لها أثراً في
مصادرهم!
لكن يظهر أنها كانت معروفة شفهياً عند المسلمين في القرن الثاني وأن اسمه ثلاثة
أحرف! قال البلاذري في التنبيه والأشراف/٢٧٢، عن ثورة عبد الرحمن بن الأشعث: (فلما
عظمت جموعة ولحق به كثير من أهل العراق ورؤسائهم وقراؤهم ونساكهم عند قربه منها،
خلع عبد الملك وذلك بإصطخر فارس وخلعه الناس جميعاً وسمى
نفسه ناصر المؤمنين، وذكر له أنه القحطاني الذي ينتظره اليمانية وأنه يعيد الملك
فيها، فقيل له إن القحطاني على ثلاثة أحرف!؟ فقال: اسمي عبد، وأما الرحمن فليس من
اسمي)! انتهى.
أما حديثهم اليتيم في اليماني فرواه بخاري: ٤/١٥٩، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله
عليه وآله) قال: (لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه). انتهى.
فهو إذن رجل خشن يسوق الناس بعصاه ويكون في المستقبل قبل قيام الساعة! ولذا رواه
أحمد ومسلم بعد الحبشي الذي يهدم الكعبة ويخرب مكة بزعمهم!
قال أحمد في مسنده: ٢/٤١٧: (عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ذو
السويقتين من الحبشة يخرب بيت الله (عزَّ وجلَّ). وقال (صلى الله عليه وآله): لا
تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه)!
وعقد بخاري باباً في: ٨/١٠٠، بعنوان: (باب تغير الزمان حتى يعبدوا الأوثان)، وروى
عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات
نساء دوس على ذي الخلصة)! وذو الخلصة صنم قبيلة دوس، فقد نسب كلاماً فاحشاً إلى
النبي (صلى الله عليه وآله) عن نساء قبيلة دوس وأنهن ستضطرب أعجازهن وهنَّ يعبدن
الصنم! ثم جعل القحطاني أسوأ حالاً منهن! فنسب بخاري إلى النبي (صلى الله عليه
وآله) أنه قال: لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه). انتهى.
وشرح ذلك ابن حجر في فتح الباري: ٦/٣٩٧، في كلام طويل قال فيه: (حتى يخرج رجل من
قحطان: لم أقف على اسمه ولكن جوز القرطبي أن يكون جهجاه الذي وقع ذكره في مسلم من
طريق أخرى عن أبي هريرة... قوله: يسوق الناس بعصاه، هو كناية عن الملك شبهه بالراعي
وشبه الناس بالغنم... روى نعيم بن حماد في الفتن من طريق أرطاة بن المنذر أحد
التابعين من أهل الشام أن القحطاني يخرج بعد المهدي ويسير على سيرة المهدي. وأخرج
أيضاً من طريق عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده مرفوعاً يكون بعد
المهدي القحطاني والذي
بعثني بالحق ما هو دونه.... فإن ثبت ذلك فهو في زمن عيسى بن مريم... واستشكل ذلك
كيف يكون في زمن عيسى يسوق الناس بعصاه والأمر إنما هو لعيسى؟! ويجاب بجواز أن
يقيمه عيسى نائباً عنه في أمور مهمة). انتهى.
وبذلك حمَّل ابن حجر نبي الله عيسى (عليه السلام) فعل ذلك الحاكم الجائر! ونسيَ أن
يسأل عن الإمام المهدي (عليه السلام) وعن العدل الذي يملأ به الأرض!
وقال ابن حجر في: ١٣/٦٧: (ولم يُرد نفس العصا، لكن في ذكرها إشارة إلى خشونته عليهم
وعسفه بهم. قال (القاضي عياض): وقد قيل إنه يسوقهم بعصاه حقيقة كما تساق الإبل
والماشية لشدة عنفه وعدوانه... وقد أخرج مسلم حديث القحطاني عقب حديث تخريب الكعبة
ذو السويقتين، فلعله رمز إلى هذا! وذكر ابن بطال أن المهلب أجاب بأن وجهه: أن
القحطاني إذا قام وليس من بيت النبوة، ولا من قريش الذين جعل الله فيهم الخلافة،
فهو من أكبر تغير الزمان وتبديل الأحكام، بأن يطاع في الدين من ليس أهلاً لذلك).
وقال في: ١٣/١٠٢: (قوله: إنه يكون ملك من قحطان، لم أقف على لفظ حديث عبد الله بن
عمرو بن العاص في ذلك، وهل هو مرفوع أو موقوف... أورده في باب تغيير الزمان حتى
تعبد الأوثان، وفي ذلك إشارة إلى أن ملك القحطاني يقع في آخر الزمان عند قبض أهل
الإيمان ورجوع كثير ممن يبقى بعدهم إلى عبادة الأوثان، وهم المعبر عنهم بشرار الناس
الذين تقوم عليهم الساعة.... فإن كان حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً موافقاً لحديث
أبي هريرة فلا معنى لإنكاره أصلاً، وإن كان لم يرفعه وكان فيه قدر زائد يشعر بأن
خروج القحطاني يكون في أوائل الإسلام، فمعاوية معذور في إنكار ذلك عليه)!
نماذج أخرى من تخريبهم لشخصية اليماني والمهدي (عليه السلام)
تجد في مصادرهم ما شئت من الحشو وذم اليماني، في مكذوبات تصل إلى حد
الهرطقة، خاصة في تصوير شريط الأحداث الذي يخرج فيه اليماني! فقد أطاعوا معاوية فلم
يرووا عن النبي (صلى الله عليه وآله) في مدحه أبداً ورووا في ذمه أحاديث! وقالوا
عشرات النصوص كالأحاديث، وقد تضمن بعضها ذم المهدي (عليه السلام)! ورووا في طليعتها
توبة عبد الله بن عمرو العاص، عن روايته في البشارة النبوية باليماني أو القحطاني!
فقد أثَّر فيه توبيخ معاوية فتاب توبة نصوحاً، ثم زادها فجعل اليماني قرشياً! قال:
(يا معشر اليمن تقولون إن المنصور منكم، والذي نفسي بيده إنه لقرشي أبوه، ولو أشاء
أن اسميه إلى أقصى جد هو له لفعلت)! (ابن حماد: ١/١٢٠، وعنه السيوطي في الحاوي:
٢/٧٩). وفي الفتن: ١/٣٨٢ و: ٢/٥٠٤: (عن تبيع عن كعب: قال علي: على يدي ذلك اليماني
تكون ملحمة عكا الصغرى، وذلك إذا ملك الخامس من أهل هرقل... قال كعب: فيظهر اليماني
ويقتل قريشاً ببيت المقدس وعلى يديه تكون الملاحم).
وبما أن كعب الأحبار يهودي يماني، فقد زعم أن اليماني يكون بعد المهدي وإنه ليس أقل
منه! قال ابن حماد في: ٢٨، ١٠٥، ١٠٩ - ١١٢، عن كعب: (يكون بعد الجبابرة رجل من أهل
بيتي يملأ الأرض عدلاً، ثم القحطاني بعده)! رواه بصيغ متقاربة وفي أكثرها: (والذي
بعثني بالحق ما هو دونه). وقد تقدم في الأئمة المضلين.
وروى ابن حماد ثلاث روايات عن كعب، تذكر أن اليماني يكون بعد المهدي، تقول الأولى:
ثم يلي بعد المضري العماني القحطاني يسير بسيرة أخيه المهدي، وعلى يديه تفتح مدينة
روم. وتذكر الثانية صراعاً طويلاً بين القيسية واليمانية ومجيء ولاة غير صالحين وفي
آخرها: ثم يلي من بعده رجل من مضر، يقتل أهل الصلاح ملعون مشؤوم، ثم يلي من بعده
المضري العماني القحطاني، يسير بسيرة أخيه المهدي، وعلى يديه تفتح مدينة الروم!
وتقول الثالثة: يكون بعد المهدي خليفة من أهل اليمن من قحطان، أخو المهدي
في دينه، يعمل بعمله، وهو الذي يفتح مدينة الروم ويصيب غنائمها). وبعضه الحاوي،
وكنز العمال، والبدء والتاريخ، وخريدة العجائب، وفتح الباري، والعطر الوردي.
لكن كعباً باع يمانيته لقريش ليفدي بها يهوديته! فقد روى عنه ابن حماد في/١٠٣ و١٠٩،
قال: (ما المهدي إلا من قريش، وما الخلافة إلا فيهم غير أن له أصلاً ونسباً في
اليمن). وروى شبيهه عن عبد الله بن عمرو العاص!
أقول: لا نطيل في سرد أقاويلهم في القحطاني الذي جعلوه ملكاً سيئاً بعد المهدي
(عليه السلام)، وبعد غزو الحبشة للبيت وهدمها الكعبة وتخريبها مكة، في خرافات كعب
الأحبار التي صارت فصلاً كاملاً من فتن ابن حماد وغيره من مصادرهم. وسنذكر طرفاً
منها في فصل ما يكون بعد المهدي (عليه السلام).
إن مشكلة هؤلاء المصنفين أنهم شحنوا كتبهم بظنون عقيمة واحتمالات سقيمة من هرطقات
أحبار اليهود، (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ
يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)!
(النجم: ٢٨) لأنهم أعرضوا عن أهل بيت نبيهم (صلى الله عليه وآله) الذين أورثهم الله
علم الكتاب وقال فيهم: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ
الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) (فاطر: ٣٢)، والذين جعلهم النبي
(صلى الله عليه وآله) معادل القرآن فقال: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي،
فصار مثلهم كما قال الإمام الباقر (عليه السلام): (يَمُصُّون الثماد ويَدَعون النهر
العظيم! قيل له: وما النهر العظيم؟ قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) والعلم
الذي أعطاه الله، إن الله (عزَّ وجلَّ) جمع لمحمد (صلى الله عليه وآله) سنن النبيين
من آدم وهلم جراً إلى محمد (صلى الله عليه وآله). قيل له: وما تلك السنن؟ قال: علم
النبيين بأسره، وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صيَّرَ ذلك كله عند أمير
المؤمنين (عليه السلام). فقال له رجل: يا ابن رسول الله فأمير المؤمنين أعلم أم بعض
النبيين؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): اسمعوا ما يقول! إن الله يفتح مسامع من
يشاء! إني حدثته أن الله جمع لمحمد (صلى الله عليه وآله) علم النبيين وأنه جمع ذلك
كله عند أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يسألني أهو أعلم أم بعض النبيين).
(الكافي: ١/٢٢٢).
من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) في اليماني
وردت عن أهل البيت (عليهم السلام) في اليماني الموعود الممهد للمهدي (عليه السلام)
أحاديث منها صحيح السند، تؤكد حتمية ظهوره، وتصف رايته بأنها راية هدى تدعو إلى
الإمام المهدي (عليه السلام) وتنصره، بل تصفها بأنها أهدى الرايات على الإطلاق،
وتؤكد وجوب نصرته، وتحدد وقته بأنه في رجب، أي قبل ظهور الإمام المهدي (عليه
السلام) ببضعة شهور.
اليماني من المحتومات التي لابد منها
تقدمت الأحاديث التي تنص على أن السفياني واليماني من الوعد الإلهي المحتوم، منها
عن الإمام الصادق (عليه السلام) في الكافي: ٨/٣١٠، قال: (خمس علامات قبل قيام
القائم: الصيحة، والسفياني، والخسف، وقتل النفس الزكية، واليماني).
وتقدم من النعماني/٢٥٢: (النداء من المحتوم، والسفياني من المحتوم، واليماني من
المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وكف يطلع من السماء من المحتوم، قال: وفزعة
في شهر رمضان توقظ النائم وتفزع اليقظان وتخرج الفتاة من خدرها).
وفي الإرشاد: ٢/٣٦٨: جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي (عليه
السلام) وحوادث تكون أمام قيامه... وإقبال رايات سود من قبل خراسان، وخروج
اليماني).
وفي النعماني/٣٠٥، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:
اليماني والسفياني كفرسي رهان). وأمالي الطوسي: ٢/٢٧٥، وعنه البحار: ٥٢/٢٥٣، و٢٧٥.
رايته أهدى الرايات وخروجه في رجب
تقول روايات مصادرنا إن الخراساني وشعيباً مقارنان لظهور اليماني والسفياني ومنها
صحيح السند كرواية النعماني/٢٥٣، عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما
السلام) من حديث ذكر فيه كثيراً من الأحداث والعلامات، جاء فيه: (خروج
السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، نظام كنظام
الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات
راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم). والإرشاد/٣٦٠،
وغيبة الطوسي/٢٧١، والخرائج: ٣/١١٦٣، وإثبات الهداة: ٣/٧٢٨، والبحار: ٥٢/٢١٠.. الخ.
ونحوه غيبة النعماني/٢٥٣. وقد تقدم أن معنى خروج الثلاثة كنظام الخرز مع أنه في يوم
واحد: أن أحداث خروجهم قد تكون متفرعة عن حدث واحد.
وفي أمالي الطوسي/٦٦١، عن هشام بن سالم قال: لما خرج طالب الحق قيل لأبي عبد الله
(عليه السلام): نرجو أن يكون هذا اليماني؟ فقال: لا، اليماني يوالي علياً (عليه
السلام) وهذا يبرأ)!
أقول: يظهر من أحاديث اليماني أن دوره في ظهور الإمام (عليه السلام) أساسي، وهذا
طبيعي لأنه حاكم أن اليماني قبيل ظهوره (عليه السلام)، واليمن مجاورة للحجاز.
ومن الطبيعي أن يتكون جيش الإمام (عليه السلام) وقوته الأولى من أنصاره الحجازيين
واليمانيين، وأن يكون دورهم أساسياً في منطقة الخليج، وإن لم تذكر ذلك الروايات بل
لعل حكم اليمن والحجاز وبلاد الخليج يكون بعهدة أهلها ومساندة قوات اليمانيين
والحجازيين التابعة للمهدي (عليه السلام). كما يكون لليمانيين دور مع الإمام (عليه
السلام) في العراق والشام ومعركة القدس إلى جنب الخراسانيين والعراقيين وغيرهم.
لكن ابن حماد روى أشياء في دور اليمانيين في إيران والعراق والشام من جو عصره، لا
يمكن الاعتماد عليها.
وهنا سؤال عن سبب كون راية اليماني أهدى راية، مع أن راية الخراساني وأهل المشرق
موصوفة بأنها راية هدى، ومنهم شعيب بن صالح الذي يجعله المهدي (عليه السلام) قائد
جيشه العام، ومع أن الممهدين الإيرانيين لهم فضل السبق في التمهيد للمهدي (عليه
السلام) وبهم يبدأ أمره؟!
والمرجح عندنا في الجواب: أن ثورة اليماني تحظى بشرف التوجيه المباشر من الإمام
المهدي (عليه السلام) فاليماني سفيره الخاص يتشرف بلقائه ويأخذ توجيهه منه
وأحاديث اليمانيين تركز على شخص اليماني وأنه: (يهدي إلى الحق ويدعو إلى صاحبكم ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو إلى النار).
* * *
هذا،
وتوجد رواية تذكر أن اليماني يشارك في معركة قرقيسيا كما في غيبة الطوسي/٢٧٨، عن
عمار بن ياسر أنه قال: إن دولة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان ولها أمارات، فالزموا
الأرض وكفوا حتى تجيء أمارتها، فإذا استثارت عليكم الروم والترك وجهزت الجيوش...
إلى أن قال: ويخرج أهل الغرب إلى مصر فإذا دخلوا فتلك أمارة السفياني، ويخرج قبل
ذلك من يدعو لآل محمد (عليهم السلام) وتنزل الترك الحيرة وتنزل الروم فلسطين، ويسبق
عبد الله عبد الله حتى يلتقي جنودهما بقرقيسيا على النهر ويكون قتال عظيم، ويسير
صاحب المغرب فيقتل الرجال ويسبي النساء، ثم يرجع في قيس حتى ينزل الجزيرة السفياني،
فيسبق اليماني ويحوز السفياني ما جمعوا، ثم يسير إلى الكوفة فيقتل أعوان آل محمد
(صلى الله عليه وآله) ويقتل رجلاً من مسميهم. ثم يخرج المهدي على لوائه شعيب بن
صالح). انتهى.
كما ذكرت رواية في ابن حماد/٧٨، عن أبي جعفر (عليه السلام) أن قوات اليماني تأتي من
صنعاء وتشارك في أحداث الشام قبل خروج السفياني، وجاء فيها: (إذا ظهر الأبقع مع قوم
ذوي أجسام فتكون بينهم ملحمة عظيمة، ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون فيقاتلهما
جميعاً فيظهر عليهما جميعاً، ثم يسير إليهم منصور اليماني من صنعاء بجنوده وله فورة
شديدة يستقبل الناس قبل الجاهلية، فيلتقي هو والأخوص وراياتهم صفر وثيابهم ملونة،
فيكون بينهما قتال شديد، ثم يظهر الأخوص السفياني عليه). ومثلها روايته/٥٩ عن
الإمام الباقر (عليه السلام) (إذا ظهر السفياني على الأبقع والمنصور اليماني خرج
الترك والروم فظهر عليهم السفياني). انتهى.
أقول: تقدم عدم ثبوت هذا السند إلى عمار (رحمه الله)، كما أنه لا يمكن الاعتماد على
مثل روايات ابن حماد وإن أسندوها إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، لكثرة ما رووه
من
حشو
وتصورات من عصرهم أسقطوها على عصر الإمام (عليه السلام).
المصري واليماني الأول
نصت أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) على أن ظهور اليماني الموعود مقارن لظهور
السفياني، أي قبل ظهور المهدي (عليه السلام) بشهور. وروى الطوسي في الغيبة/٢٧١،
بسند صحيح غير مرفوع عن محمد بن مسلم قال: (يخرج قبل السفياني مصري ويماني) وعنه
إثبات الهداة: ٣/٧٢٨، والبحار: ٥٢/٢١٠. ولم تحدد هذه الرواية وقت خروج هذين
الثائرين ولا مكانهما، فقد يكونان قبله بمدة قليلة أو طويلة.
كاسر عينه بصنعاء
روى النعماني/٢٧٧، عن عبيد بن زرارة قال: (ذُكر عند أبي عبد الله (عليه السلام)
السفياني فقال: أنَّى يخرج ذلك؟ ولما يخرج كاسر عينيه بصنعاء). وعنه البحار:
٥٢/٢٤٥، وهو حديث ملفت لكنه غير مفهوم. ويبدو أنه يماني يطلب السلطة ولا ينجح،
ويحتمل في تفسير(كاسر عينه) وجوه أرجحها أنه وصف رمزي مقصود من الإمام الصادق (عليه
السلام)، يتضح معناه في حينه عند خروج هذا الشخص.
قيل اسم اليماني حسن أو حسين
ورد قول مرسل أن اسم اليماني(حسن أو حسين) من ذرية زيد بن علي (عليهما السلام). ففي
مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسي/١٩٦، قال: (ثم يخرج ملك من اليمن من صنعاء
وعدن، أبيض كالشطن، اسمه حسين أو حسن، فيذهب بخروجه غمر الفتن فهناك يظهر مباركاً
زكياً، وهادياً مهدياً، وسيداً علوياً، فيفرح الناس إذا أتاهم بمن الله الذي هداهم،
فيكشف بنوره الظلماء، ويظهر به الحق بعد الخفاء ويفرق الأموال في الناس بالسواء،
ويغمد السيف فلا يسفك الدماء، ويعيش الناس في البشر والهناء، ويغسل بماء عدله عين
الدهر من القذى ويرد الحق على أهل القرى). وطبعة/٢٤٦. وعنه بشارة الإسلام/١٨٧،
والبحار: ٥١/١٦٣. وهذا النص كما ترى ليس رواية، بل
قول
مرسل مسجوع، يشبه كلام حشوية المتصوفة، وقائله مجهول!
رواية يخرج المهدي من كرعة واليماني من يكلا
في البيان للشافعي/٥١٠، عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله يخرج المهدي من قرية
باليمن يقال لها كرعة. وقال: هذا حديث حسن رزقناه عالياً، أخرج أبو الشيخ الأصبهاني
في عواليه كما سقناه، ورواه أبو نعيم في مناقب المهدي). ومثله وعنه معجم البلدان:
٤/٤٥٢، والأربعين البلدانية لابن عساكر: ٤/٤٥٢، والفصول المهمة/٢٩٥، وفيه: يقال لها
كريمة كرعة، والحاوي: ٢/٦٦، والقول المختصر/٩، والفتاوى الحديثية/٢٩، وكفاية
الطالب/٥١٠، وابن طاووس/١٤٠، وكشف الغمة: ٣/٢٥٩، وإثبات الهداة: ٣/٥٩٣، والبحار:
٥١/٨٠، الخ.
وتقدم في الفتن حديث كفاية الأثر/١٤٧، رواه بثلاث طرق، عن الأصبغ بن نباتة، وشريح
بن هاني بن شريح وعبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي (عليه السلام) قال: كنت عند النبي
(صلى الله عليه وآله) في بيت أم سلمة إذ دخل علينا جماعة من أصحابه منهم سلمان وأبو
ذر والمقداد وعبد الرحمن بن عوف، فقال سلمان: يا رسول الله إن لكل نبي وصياً وسبطين
فمن وصيك وسبطاك؟ فأطرق ساعة ثم قال من حديث عدد فيه الأئمة من أهل بيته (عليهم
السلام): ثم يغيب عنهم إمامهم ما شاء الله، ويكون له غيبتان إحداهما أطول من
الأخرى. ثم التفت إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال رافعاً صوته: الحذر
إذا فقد الخامس من ولد السابع من ولدي. قال علي فقلت: يا رسول الله فما تكون هذه
الغيبة؟ قال: الصمت حتى يأذن الله له بالخروج فيخرج من اليمن من قرية يقال لها
أكرعة على رأسه غمامة متدرع بدرعي متقلد بسيفي ذي الفقار، ومناد ينادي هذا المهدي
خليفة الله فاتبعوه، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ذلك عندما
تصير الدنيا هرجاً ومرجاً ويغار بضعهم على بعض، فلا الكبير يرحم الصغير ولا القوي
يرحم الضعيف! فحينئذ يأذن الله له بالخروج). والصراط المستقيم: ٢/١٥٣، وإثبات
الهداة: ١/٥٨٩، والبحار: ٣٦/٣٣٣.
وروى ابن حماد في الفتن: ١/٣٨١: (قال أبو عبد الله نعيم: يخرج من قرية يقال لها
يكلا خلف صنعاء بمرحلة، أبوه قرشي وأمه يمانية. ثم روى عن عبد الرحمن بن قيس بن
جابر الصدفي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما القحطاني بدون المهدي. ثم
يلي من بعده رجل من مضر يقتل أهل الصلاح، ملعون مشؤوم، ثم يلي من بعده المضري
العماني القحطاني يسير بسيرة أخيه المهدي وعلى يديه تفتح مدينة الروم).
وادي يكلا من نواحي صنعاء باليمن. (معجم البلدان، والأربعين البلدانية: ٥/٣٤٦).
والثابت في الأحاديث أن المهدي (عليه السلام) يخرج من مكة من المسجد الحرام، فإن صحت رواية كرعة أو يكلا، فلا بد أن يكون المقصود بها أنه يبدأ أمره من هذه القرية أو تلك، وربما كان لها صلة بحركة اليماني، وهذا يشبه ما ورد من أن أمر المهدي (عليه السلام) يبدأ من المشرق، أي مبدأ حركة أنصاره (عليه السلام).
* * *
الفصل الخامس والعشرون: فلسطين ومعركة القدس في عصر الظهور
أوصاف آخر فتنة في الأمة تنطبق على فتنة فلسطين
تقدم في فصل الفتن الموعودة ما روته المصادر كالطبراني في الأوسط: ٥/٣٣٨، عن طلحة
بن عبيد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلا
جاش منها جانب، حتى ينادي مناد من السماء إن أميركم فلان). ومجمع الزوائد: ٧/٣١٦.
وفي ابن حماد: ١/٥٧، عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
ستكون بعدي فتن: منها فتنة الأحلاس يكون فيها حرب وهرب، ثم بعدها فتن أشد منها، ثم
تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت، حتى لا يبقى بيت إلا دخلته ولا مسلم إلا صكته،
حتى يخرج رجل من عترتي).
وفي عبد الرزاق: ١١/٣٦١: تكون فتنة بالشام كأن أولها لعب الصبيان تطفو من جانب
وتسكن من جانب، فلا تتناهى حتى ينادي مناد: إن الأمير فلان).
ومن مصادرنا ما رواه النعماني في الغيبة/٢٧٩، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يا
جابر لايظهر القائم حتى يشمل الناس بالشام فتنة يطلبون المخرج منها فلا يجدونه،
ويكون قتل بين الكوفة والحيرة قتلاهم على سواء، وينادي مناد من السماء).
وفي ابن حماد: ١/٢٣٨: إذا ثارت فتنة فلسطين تردَّدُ في الشام تردُّدَ الماء في
القربة ثم تنجلي حين تنجلي
وأنتم قليل نادمون). وفي: ١/٥٦ و٢٣٨: (عن أبي هريرة قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): تأتيكم بعدي أربع فتن الأولى يستحل فيها الدماء والثانية يستحل فيها الدماء
والأموال والثالثة يستحل فيها الدماء والأموال والفروج، والرابعة صماء عمياء مطبقة
تمور مور الموج في البحر حتى لا يجد أحد من الناس منها ملجأ! تطيف بالشام وتغشى
العراق وتخبط الجزيرة بيدها ورجلها وتعرك الأمة فيها بالبلاء عرك الأديم، ثم لا
يستطيع أحد من الناس يقول فيها مه مه! ثم لا يرتقونها من ناحية إلا انفتقت من ناحية
أخرى... يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ولا ينجو منها إلا من دعا كدعاء الغرق
في البحر، تدوم اثني عشر عاماً تنجلي حين تنجلي وقد انحسرت الفرات عن جبل من ذهب
فيقتلون عليها حتى تقتل من كل تسعة سبعة).
من علامات الظهور نزول الروم بفلسطين
تقدم في فصل العراق في عصر الظهور أن رواية غيبة الطوسي/٣٧٨، عن عمار بن ياسر غير
تامة السند، وفيها أن الروم تنزل العراق وتنزل الرملة بفلسطين، قال: (وتنزل الترك
الحيرة وتنزل الروم فلسطين، ويسبق عبد الله عبد الله حتى يلتقي جنودهما بقرقيسيا
على النهر ويكون قتال عظيم).
السفياني يملك فلسطين والكور الخمس
في النعماني/٣٠٤، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا استولى
السفياني على الكور الخمس فعُدُّوا له تسعة أشهر. وزعم هشام أن الكور الخمس: دمشق
وفلسطين والأردن وحمص وحلب).
حديث تَوَجُّه رايات خراسان إلى القدس
رواه عدد من علماء السنة كالترمذي: ٣/٣٦٢ وأحمد في مسنده، وابن كثير في نهايته،
والبيهقي في دلائله، وغيرهم. وصححه ابن الصديق المغربي في رسالته في
الرد على ابن خلدون، ونصه: تخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شيء حتى تنصب
بإيلياء. وفي ابن حماد/٨٥، عن سفيان الكعبي قال: يخرج على لواء المهدي غلام حدث
السن خفيف اللحية أصفر، لو قاتل الجبال لهزها حتى ينزل إيليا). وعنه الحاوي: ٢/٦٨،
والقول المختصر/٢٢، وفوائد الفكر/١٨.
وفي المعجم الأوسط: ٤/٣٢٣، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
يخرج من خراسان رايات سود لا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء). ومثله عارضة الأحوذي:
٩/١٢٣.
وروت شبيهاً به مصادرنا كابن طاووس/٤٣ و٥٨، ويحتمل أن يكون جزء من الحديث المتقدم
لأنه يتحدث عن جيش يزحف من إيران إلى القدس التي تسمى إيلياء وبيت إيل. قال في مجمع
البحرين: إيل بالكسر فالسكون اسم من أسمائه تعالى عبراني أو سرياني. وقولهم جبرئيل
وميكائيل وإسرافيل بمنزلة عبد الله وتيم الله ونحوهما. وإيل هو البيت المقدس وقيل
بيت الله لأن إيل بالعبرانية الله). وفي شرح القاموس: إيلياء بالكسر يمد ويقصر،
ويشدد فيهما. اسم مدينة القدس).
ويتضمن الحديث بشارة بوصول الرايات السود إلى هدفها رغم العقبات التي تعترض طريقها.
أما زمنها فمعروف من قائدها صالح بن شعيب الموعود، وهو قائد جيش المهدي (عليه
السلام) في حملته لتحرير الشام وفلسطين.
معركة دمشق والقدس الموعودة
وهذه المعركة أهم معارك الإمام (عليه السلام) بعد عدد من معاركه الصغيرة في الحجاز
والعراق وربما في تركيا. وتذكر المصادر أن الطرف المقابل له في هذه المعركة هو
السفياني حاكم سوريا، وأنها تبدأ في دمشق فينتصر الإمام (عليه السلام) على جيش
السفياني انتصاراً كاسحاً ويتقدم نحو القدس فيفتحها ويدخلها! وكأن السفياني يكون خط
دفاع اليهود والروم، ويكون انتصار الإمام عليه انتصاراً على الروم واليهود.
أما المعركة الثانية فتكون مع الروم، وتسمى الملحمة العظمى، وتكون بعد
الأولى بسبع سنين كما في بعض الروايات، حيث يعقد الإمام (عليه السلام) صلحاً مع
الروم بعد معركة القدس لمدة عشر سنين، لكن الغربيين ينقضونه بعد سبع سنين ويحشدون
جيوشهم في المنطقة، فتكون معركة الملحمة العظمى. وهذه جملة أحاديث وآثار تتعلق
بمعركة دمشق والقدس:
حركة الإمام (عليه السلام) من العراق إلى الشام والقدس
العطر الوردي/٦٤، عن حذيفة: (إن المهدي يبايع بين الركن والمقام ويخرج متوجهاً إلى
الشام وجبرئيل على مقدمته وميكائيل على ساقته، يفرح به أهل السماء وأهل الأرض
والطير والوحش والحيتان في البحر). وفي سنن الداني/١٠٠، عن أبي سعيد الخدري قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يخرج رجل من أمتي يعمل بسنتي، ينزل الله له
البركة منه السماء، وتخرج له الأرض بركتها، يملأ الأرض عدلاً، كما ملئت جوراً، يعمل
سبع سنين على هذه الأمة، وينزل بيت المقدس). ومثله الطبراني الأوسط: ٢/١٥، ونحوه
عقد الدرر/٢٠، و/١٥٦، والمنار المنيف/١٥١، كلاهما عن أبي نعيم، ومجمع الزوائد:
٧/٣١٧، كالداني، والحاوي: ٢/٦٢، وكشف الغمة: ٣/٢٦٢، وإثبات الهداة: ٣/٥٩٥، والبحار:
٥١/٨٢.
وقال الحافظ المغربي/٥٢٤: (رجاله ثقات كما ذكره عن ابن حبان، ولم نجد فيهم لأحد
طعناً ولا لسند الحديث علة، أما ذكر الحسن بن يزيد السعدي وزيادته فيه بين أبي
الصديق وأبي سعيد فذاك من المزيد في متصل الأسانيد وهو مقبول من الثقة، فإن كان أبو
الواصل قد حفظ فهو دليل على أن أبا الصديق سمع الحديث من الحسن بن يزيد عن أبي سعيد
فحدث به كذلك ثم ارتقى فسمعه من أبي سعيد. وذلك يستدعي ضرورة أن تكون رجال أوائل
أسانيدهم غير رجال الستة مع وجود الصحيح والحسن فيها بكثرة، فبطلان هذا الإيهام لا
يختلف فيه اثنان).
الحاكم: ٤/٥٥٣، عن علي: ستكون فتنة يحصل الناس منها كما يحصل الذهب في المعدن، فلا
تسبوا أهل الشام وسبوا ظلمتهم فإن فيهم الأبدال. وسيرسل الله إليهم سيباً من السماء
فيفرقهم حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم، ثم يبعث الله عند ذلك
رجلاً من عترة الرسول (صلى الله عليه وآله) في اثني عشر ألفاً، يقاتلهم أهل سبع
رايات ليس من صاحب راية إلا وهو يطمع بالملك فيقتتلون ويهزمون، ثم يظهر الهاشمي
فيرد الله إلى الناس إلفتهم ونعمتهم، فيكونون على ذلك حتى يخرج الدجال. هذا حديث
صحيح الإسناد ولم يخرجاه). ومثله أوسط الطبراني: ١/٢٠٣، وتهذيب ابن عساكر: ١/٧٢،
بتفاوت يسير، ومجمع الزوائد: ٧/٣١٧، عن الطبراني، ووثقه شرط توثيق ابن لهيعة.
وأورد ابن حماد في: ١/٣٤٧، نحو عشرين حديثاً وأثراً تحت عنوان: (خروج المهدي من مكة
إلى بيت المقدس) وروت عدداً منها مصادرنا. منها: عن ابن وزير الغافقي أنه سمع علياً
(عليه السلام) يقول: يخرج في اثني عشر ألفاً إن قلوا وخمسة عشر ألفاً إن كثروا،
يسير الرعب بين يديه، لا يلقاه عدو إلا هزمهم بإذن الله، شعارهم أمت أمت، لا يبالون
في الله لومة لائم، فيخرج إليهم سبع رايات من الشام فيهزمهم ويملك فترجع إلى
المسلمين محبتهم ونعمتهم وقاصتهم وبزارتهم، فلا يكون بعدهم إلا الدجال. قلنا: وما
القاصة والبزارة؟ قال يقبض الأمر حتى يتكلم الرجل بأشياء لا يخشى شيئاً). وفي رواية
ملاحم ابن طاووس عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف هذه المعركة قال: (فيغضب
الله على السفياني، ويغضب خلق الله لغضب الله تعالى، فترشقهم الطير بأجنحتها،
والجبال بصخورها، والملائكة بأصواتها! ولا تكون ساعة حتى يهلك الله أصحاب السفياني
كلهم، ولا يبقى على الأرض غيره وحده فيأخذه المهدي فيذبحه تحت الشجرة التي أغصانها
مدلاة على بحيرة طبرية). انتهى.
وتذكر بعض الروايات نوعاً آخر من الإمداد الغيبي للمسلمين فيها: أنه يسمع يومئذ صوت
من السماء منادياً ينادي: ألا إن أولياء الله فلان، يعني المهدي، فتكون الدبرة على
أصحاب السفياني فيقتلون حتى لا يبقى منهم إلا الشريد).
يعسكر الإمام (عليه السلام) في مرج عذراء قرب دمشق
تقدم في فصل أصحاب الإمام (عليه السلام) حديث جابر المطول المعتبر عن الإمام الباقر
(عليه السلام) جاء فيه: (ثم يأتي الكوفة فيطيل المكث بها ما شاء الله أن يمكث حتى
يظهر عليها. ثم يسير حتى يأتي العذراء هو من معه، وقد التحق به ناس كثير، والسفياني
يومئذ بوادي الرملة. حتى إذا التقوا وهو يوم الأبدال، يخرج أناس كانوا مع السفياني
مع شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله) ويخرج ناس كانوا مع آل محمد إلى السفياني فهم
من شيعته حتى يلحقوا بهم، ويخرج كل ناس إلى رايتهم وهو يوم الأبدال، قال أمير
المؤمنين (عليه السلام): ويقتل يومئذ السفياني ومن معه حتى لا يدرك منهم مخبر،
والخائب يومئذ من خاب من غنيمة كلب). انتهى. وهذا يدل على الحالة التأييد الشعبي
القوي للإمام المهدي (عليه السلام) حيث يدخل جيشه سوريا بدون مقاومة تذكر، إلى قرب
دمشق. كما يدل على القوة العسكرية المميزة للإمام (عليه السلام).
يهزم الله على يديه السفياني ويهزم الروم
ابن حماد: ١/٣٥٢: (عن عبد الله بن مسعود قال: يبايع المهدي سبعة رجال علماء توجهوا
إلى مكة من أفق شتى على غير ميعاد، قد بايع لكل رجل منهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً،
فيجتمعون بمكة فيبايعونه، ويقذف الله محبته في صدور الناس فيسير بهم وقد توجه إلى
الذين بايعوا خيل السفياني عليهم رجل من جَرَم، فإذا خرج من مكة خلف أصحابه ومشى في
إزار ورداء حتى يأتي الجرمي فيبايع له فيندمه كلب على بيعته، فيأتيه فيستقيله
البيعة فيقيله ثم يعبأ جيوشه لقتاله فيهزمه ويهزم الله على يديه الروم، ويذهب الله
على يديه الفتن وينزل الشام).
ابن حماد: ١/٣٤٩، عن علي (عليه السلام) قال: (إذا بعث السفياني إلى المهدي جيشاً
فخسف بهم بالبيداء وبلغ ذلك أهل الشام، قالوا لخليفتهم: قد خرج المهدي فبايعه وادخل
في طاعته وإلا قتلناك فيرسل إليه بالبيعة، ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس وتنقل
إليه الخزائن وتدخل العرب والعجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته من غير قتال،
حتى تبنى المساجد بالقسطنطينية وما دونها. ويخرج قبله رجل من أهل بيته بأهل المشرق
يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل ويمثل ويتوجه
إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت). وفي/٨٨، آخره، وعنه عقد الدرر/١٢٩، والحاوي:
٢/٧٠، وفي/٧٣، وجمع الجوامع: ٢/١٠٣، والمغربي/٥٧٩، وملاحم ابن طاووس/٦٥.
ابن حماد: ١/٣٩٩: (عن محمد بن الحنفية قال: ينزل خليفة من بني هاشم بيت المقدس يملأ
الأرض عدلاً، يبني بيت المقدس بناءً لم يبن مثله، يملك أربعين سنة تكون هدنة الروم
على يديه في سبع سنين بقين من خلافته ثم يغدرون به، ثم يجتمعون له بالعمق فيموت
فيها غماً، ثم يلي بعده رجل من بني هاشم، ثم تكون هزيمتهم وفتح القسطنطينية على
يديه، ثم يسير إلى رومية فيفتحها ويستخرج كنوزها ومائدة سليمان بن داود (عليهما
السلام) ثم يرجع إلى بيت المقدس فينزلها ويخرج الدجال في زمانه وينزل عيسى بن مريم
(عليه السلام) فيصلي خلفه).
الضغط الشعبي على السفياني لكي يبايع الإمام المهدي (عليه السلام)
ابن حماد/٩٧، عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: يسير بهم في اثني عشر ألفاً
إن قلوا أو خمسة عشر ألفاً إن كثروا، شعارهم أمت أمت، حتى يلقاه السفياني فيقول:
أخرجوا إليَّ ابن عمي حتى أكلمه فيخرج إليه فيكلمه فيسلم له الأمر ويبايعه فإذا رجع
السفياني إلى أصحابه ندمته كلب، فيرجع ليستقيله فيقيله، فيقتتل هو وجيش السفياني
على سبع رايات، كل صاحب راية منهم يرجو الأمر لنفسه فيهزمهم المهدي. قال أبو هريرة:
فالمحروم من حرم نهب كلب). وأحمد: ٢/٣٥٦، عن أبي هريرة والحاكم: ٤/٤٣١، عن أبي
هريرة مرفوعاً وصححه: المحروم من حرم غنيمة كلب ولو عقالاً، والذي نفسي بيده لتباعن
نساؤهم على درج دمشق حتى ترد المرأة من كسر يوجد بساقها. وعقد الدرر/٨٤، ومجمع
الزوائد: ٧/٣١٥، والدر المنثور: ٥/٢٤١، والحاوي: ٢/٧٢، عن ابن حماد.
ابن حماد/٩٥، عن الإمام الباقر (عليه السلام): (إذا سمع العائذ الذي بمكة بالخسف
خرج مع اثني عشر ألفاً فيهم الأبدال حتى ينزلوا إيليا، فيقول الذي بعث الجيش حين
يبلغه الخبر بإيليا: لعمر الله لقد جعل الله في هذا الرجل عبرة، بعثت إليه ما بعثت
فساخوا في الأرض إن هذا لعبرة وبصيرة ويؤدي إليه السفياني الطاعة، ثم يخرج
حتى يلقى كلباً وهم أخواله فيعيرونه بما صنع ويقولون: كساك الله قميصاً فخلعته
فيقول: ما ترون أستقيله البيعة؟ فيقولون: نعم. فيأتيه إلى إيليا فيقول: أقلني،
فيقول: إني غير فاعل، فيقول: بلى، فيقول له أتحب أن أقيلك فيقول: نعم، فيقيله ثم
يقول: هذا رجل قد خلع طاعتي فيأمر به عند ذلك فيذبح على بلاطة إيليا. ثم يسير إلى
كلب فينهبهم فالخائب من خاب يوم نهب كلب). وعقد الدرر/٨٤، وقال: رواه من طرق كثيرة
وفي بعضها قال: يسبقه حتى يترك إيليا ويتابعه الآخر فرقاً منه ثم يندم فيستقيله، ثم
يأمر بقتله.. والحاوي: ٢/٧٢.
أقول: يصور هذا النص حالة الشام وفلسطين في عصره، وهو من إسقاط الراوي لكنه لا يضر
في أصل ما اتفقت عليه المصادر من حركة الإمام المهدي (عليه السلام) إلى القدس
ونلاحظ أن رواية تفسير العياشي من مصادرنا ليس فيها هذا الإسقاط! قال في: ٢/٥٩: عن
عبد الأعلى الحلبي: قال أبو جعفر (عليه السلام): لكأني أنظر إليهم يعني القائم
(عليه السلام) وأصحابه مصعدين من نجف الكوفة ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً كأن قلوبهم
زبر الحديد، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، يسير الرعب أمامه شهراً وخلفه
شهراً، أمده الله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين. حتى إذا صعد النجف قال لأصحابه:
تعبدوا ليلتكم هذه فيبيتون بين راكع وساجد يتضرعون إلى الله حتى إذا أصبح قال: خذوا
بنا طريق النخيلة، وعلى الكوفة جند مجند، قلت: جند مجند؟ قال: إي والله حتى ينتهي
إلى مسجد إبراهيم (عليه السلام) بالنخيلة فيصلي فيه ركعتين فيخرج إليه من كان
بالكوفة من مرجئها وغيرهم من جيش السفياني، فيقول لأصحابه: استطردوا لهم، ثم يقول
كروا عليهم. قال أبو جعفر (عليه السلام) ولا يجوز والله الخندق منهم مخبر، ثم يدخل
الكوفة فلا يبقى مؤمن إلا كان فيها أو حن إليها، وهو قول أمير المؤمنين (عليه
السلام) يقول لأصحابه: سيروا إلى هذه الطاغية، فيدعوه إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى
الله عليه وآله) فيعطيه السفياني من البيعة سلماً، فيقول له كلب وهم أخواله: يا هذا
ما صنعت؟! والله ما نبايعك على هذا أبداً، فيقول ما أصنع؟ فيقولون إستقيله فيستقيله
ثم يقول له القائم:
خذ حذرك فإنني أديت إليك وأنا مقاتلك، فيصبح فيقتلهم فيمنحه الله أكتافهم، ويأخذ
السفياني أسيراً فينطلق به يذبحه بيده. ثم يرسل جريدة خيل إلى الروم فيستحضرون بقية
بني أمية، فإذا انتهوا إلى الروم قالوا: أخرجوا إلينا أهل ملتنا عندكم فيأبون
ويقولون: والله لا نفعل، فيقول الجريدة: والله لو أمرنا لقاتلناكم، ثم ينطلقون إلى
صاحبهم فيعرضون ذلك عليه فيقول: إنطلقوا فأخرجوا إليهم أصحابهم فإن هؤلاء قد أتوا
بسلطان عظيم. وهو قول الله: (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا
إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ. لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ
فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ). قال يعني الكنوز التي كنتم
تكنزون. (قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ.
فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ).
لا يبقى منهم مخبر).
وفي البحار: ٥٢/٣٨٨، عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا بلغ
السفياني أن القائم قد توجه إليه من ناحية الكوفة يتجرد بخيله حتى يلقى القائم،
فيخرج فيقول: أخرجوا إلي ابن عمي! فيخرج عليه السفياني فيكلمه القائم (عليه السلام)
فيجيء السفياني فيبايعه ثم ينصرف إلى أصحابه فيقولون له: ما صنعت؟ فيقول: أسلمت
وبايعت فيقولون له: قبح الله رأيك بين ما أنت خليفة متبوع فصرت تابعا! فيستقيله
فيقاتله ثم يمسون تلك الليلة ثم يصبحون للقائم (عليه السلام) بالحرب فيقتتلون يومهم
ذلك، ثم إن الله تعالى يمنح القائم وأصحابه أكتافهم فيقتلونهم حتى يفنوهم، حتى أن
الرجل يختفي في الشجرة والحجرة فتقول الشجرة والحجرة: يا مؤمن هذا رجل كافر فاقتله
فيقتله، قال: فتشبع السباع والطيور من لحومهم، فيقيم بها القائم (عليه السلام) ما
شاء، قال: ثم يعقد بها القائم (عليه السلام) ثلاث رايات: لواء إلى القسطنطينية يفتح
الله له، ولواء إلى الصين فيفتح له ولواء إلى جبال الديلم فيفتح له). وعنه إثبات
الهداة: ٣/٥٨٥، وبشارة الإسلام/٢٣٨.
وروى في ابن حماد: ١/٣٥٢ و٣٥٣، قولاً لأرطاة جاء فيه: يدخل الصخري الكوفة ثم يبلغه
ظهور المهدي بمكة فيبعث إليه من الكوفة بعثاً فيخسف به فلا ينجو منهم إلا بشير إلى
المهدي ونذير ينذر الصخري، فيقبل المهدي من مكة والصخري من
الكوفة نحو الشام كأنهما فرسا رهان... الخ.). وعنه الحاوي: ٢/٧٤، والبرهان/١٢٥،
ولوائح السفاريني: ٢/١٢. والصخري: السفياني نسبة إلى صخر جد بنى أمية:
رواية أن الإمام المهدي (عليه السلام) ينزل بيت المقدس
وفي ابن حماد: ٢/٣٥٤: (عن أرطاة قال: يبايعه ثم يعود المهدي إلى مكة ثلاث سنين، ثم
يخرج رجل من كلب فيخرج من كان في أرض إرم كرهاً فيسير إلى المهدي إلى بيت المقدس في
اثني عشر ألفاً فيأخذ السفياني فيقتله على باب جيرون).
وفي: ١/٣٨٧: عن المشيخة، عن كعب قال صاحب جلاء أهل اليمن رجل من بني هاشم منزله
ببيت المقدس، حرسه إثنا عشر ألفاً، يجلي أهل اليمن حتى ينتهوا إلى مقدم الأرض).
هذا، وستأتي أحاديث معركة المسلمين مع اليهود.
رواية جبار قريش الذي ينزل بيت المقدس!
في ابن حماد: ١/٤٠٣: (عن كعب قال: يستخلف رجل من قريش من شر الخلق ينزل بيت المقدس،
وتنقل إليه الخزائن وأشراف الناس فيتجبرون فيها ويشتد حجابه وتكثر أموالهم، حتى
يطعم الرجل منهم الشهر والآخر الشهرين والثلاثة، حتى يكون مهزولهم كسمين سائر
الناس، وينشو فيهم نشوٌ كالعجول المرباة على المذاود ويطفئ الخليفة سنناً كانت
معروفة ويبتدع سنناً لم تكن، ويظهر الشر في زمانه ويظهر الزنا وتشرب الخمر علانية
ويخيف العلماء في زمانه خوفاً، حتى لو أن رجلاً ركب راحلة ثم طاف الأمصار كلها لم
يجد رجلاً من العلماء يحدثه بحديث علم من الخوف، وفي زمانه يكون المسخ والخسف،
ويكون الإسلام غريباً كما بدأ غريباً، ويكون المتمسك بدينه كالقابض على الجمرة
وكخارط القتاد في الليلة المظلمة، حتى يصير من شأنه أن يرسل ابنته تمر في السوق
ومعها الشرط عليها بطيطان من ذهب وثوب لا يواريها مقبلة ولا مدبرة، فلو تكلم أحد من
الناس في الإنكار عليه في ذلك بكلمة واحدة ضربت عنقه، يبدأ فيمنع الناس الرزق ثم
يمنعهم العطاء، ثم بعد
ذلك يأمر بإخراج أهل اليمن من الشام، فتخرجهم الشرط متفرقين لا تترك جنداً يصل إلى
جند حتى يخرجوهم من الريف كله فينتهون إلى بصرى، وذلك عند آخر عمره، فيتراسل أهل
اليمن فيما بينهم حتى يجتمعوا كاجتماع قزع الخريف فينصبون من حيث كانوا بعضهم إلى
بعض، عصباً عصباً ثم يقولون أين تذهبون وتتركون أرضكم ومهاجركم فيجتمع رأيهم على أن
يبايعوا رجلاً منهم فبيناهم يقولون نبايع فلاناً بل فلاناً إذ سمعوا صوتاً ما قاله
إنس ولا جان بايعوا فلاناً يسميه لهم، فإذا هو رجل قد رضوا به وقنعت به الأنفس ليس
من ذي ولا من ذي، ثم يرسلون إلى جبار قريش نفراً منهم فيقتلهم ويرد رجلاً منهم
يخبرهم ما قد كان، ثم إن أهل اليمن يسيرون إليه ولجبار قريش من الشرط عشرون ألفاً،
فيسير أهل اليمن فيقابلهم لخم وجذام وعاملة وجدس، فينزلون لهم الطعام والشراب
والقليل والكثير ويكونون يومئذ مغوثة لليمن كما كان يوسف مغوثة لإخوته بمصر. والذي
نفس كعب بيده إن لخم وجذام وعاملة وجدس لمن أهل اليمن، يا أهل اليمن فإن جاؤكم
يلتمسون نسبهم فيكم فصلوهم فإنهم منكم، ثم يسيرون جميعاً حتى يشرفوا على بيت المقدس
فيلقاهم جبار قريش في الجموع فيهزمهم أهل اليمن ولا يقومون لأهل اليمن).
وفي الفتن: ٢/٦٢٢: يكون في زمان الهاشمي الذي يتجبر في بيت المقدس بعد المهدي الذي
يبعث بجارية عليها لباس لا يواريها في زمانه يكون رجف ومسخ وخسف). وفي الفتن:
١/٣٨٧: عن أبي الزاهرية عن كعب قال: ينزل رجل من بني هاشم بيت المقدس حرسه اثنا عشر
ألفاً... عن كعب قال: حرسه ستة وثلاثون ألفاً، على كل طريق لبيت المقدس اثنا عشر
ألفاً. قال الوليد: وأخبرني جراح عن أرطاة: فيطول عمره ويتجبر ويشتد حجابه في آخر
زمانه وتكثر أمواله وأموال من عنده حتى يصير مهزولهم كسمين سائر المسلمين... ثم ذكر
قصة جبار قريش المتقدمة، وغرائب من أحداث تكون في المستقبل والظالم فيها القرشيون،
والبطل اليمانيون، وشخصية
المهدي ثانوية!
ملاحظات على روايات معركة دمشق والقدس
١ - أول ما يفاجؤك وجود الحشو في هذه الروايات، خاصة روايات ابن حماد الذي هو أهم
مصدر أصلي عندهم لروايات الملاحم والفتن، ففيها الكثير من أقوال كعب الأحبار
وتلاميذه من صحابة وتابعين عرفوا بعدم التثبت والدقة في رواية أحاديث النبي (صلى
الله عليه وآله). وفيها روايات خيالية ركيكة ومتناقضة أشبه بالسيناريو لأحداث
وأوضاع يتصورها كعب ورواته!
٢ - من الواضح إسقاط الرواة لأحاديث المهدي (عليه السلام) على عصرهم وأنفسهم! وأنهم
مثلاً أعطوا اليمانيين علامات الإمام المهدي (عليه السلام) ومعجزاته ومنها النداء
السماوي ووصف أصحاب بأنهم كقزع الخريف، وأمير العصب.. الخ.
٣ - يلاحظ في رواياتهم الكذب بالزيادة والنقيصة بالمقارنة مع أصول الروايات في
مصادر الطرفين خاصة ما رووه هم عن أهل البيت (عليهم السلام)! مثل ادعائهم موت
الإمام المهدي (عليه السلام) وظهور جبار قريش بعده وصراع اليمانيين مع القرشيين في
بيت المقدس وفناء قريش حتى لا يبقى منهم أحد ويكون النعل القرشي تحفة من بقاياهم!
وكذلك العناصر الخيالية عن الروم والقسطنطينية وعيسى (عليه السلام) والدجال وما
يكون بعد المهدي (عليه السلام)، وقد تقدم الكلام فيما ارتكبوه في أحاديث فضائل
الشام وأهلها والدجال، فهي نقاط ضعف كبيرة توجب سقوط أحاديثهم عن الاعتبار لولا
أمرين:
أولهما، وجود أحاديث صحيحة فيها يطمئن إليها الإنسان وإن كانت قليلة.
وثانيهما، أن مبالغاتهم وتحريفهم ومصادراتهم، لا تنفي أصل ما أخذوه ونسجوا عليه
نسيجهم! وبهذا تطمئن إلى ما أيدته روايات أهل البيت (عليهم السلام)، كما في أحاديث
معركة الإمام (عليه السلام) المتقدمة مع السفياني في فتح القدس. والمتحصل من نصوصها
أنها ستتركز في محور الشام، وأنه بانتصار الإمام (عليه السلام) فيها يدخل القدس
بسهولة!
تأثير انتصار الإمام الكاسح ودخوله القدس
من الطبيعي أن يكون لانتصار الإمام المهدي (عليه السلام) الكاسح ودخوله القدس وقع
الصاعقة على الغربيين، وأن يجن جنونهم لهزيمة حلفائهم اليهود وانهيار كيانهم!
وبمقتضى ما نعرفه من عنفوانهم الحالي والماضي، لا بد أن يشنوا حملة عسكرية على
الإمام المهدي (عليه السلام) وجيشه، وأن يستعملوا كل ما يستطيعون من أسلحة فتاكة.
لكن تدل الأحاديث على أن نزول المسيح (عليه السلام) في ذلك الوقت الحساس سيكون
عنصراً مهدئاً، يضاف إلى حالة الرعب التي تتعمق في الغربيين من مواجهة الإمام
المهدي (عليه السلام)، خاصة بامتلاكه أسلحة متعددة تتفوق على أسلحة الغربيين أو
تكافؤها.
وفي تلك الأجواء تكون الكلمة النافذة في الغرب للمسيح (عليه السلام) وتياره الشعبي،
ويبدو أنه هو الوسيط في معاهدة الصلح بين المهدي والغربيين، والتي وصفها النبي (صلى
الله عليه وآله) بأنها آخر هدنة بين المسلمين والروم وأمير الناس يومئذ المهدي من
ولدي (عليه السلام).
مدة حروب الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله) ثمانية أشهر
كمال الدين: ١/٣١٨، عن عيسى الخشاب قال قلت للحسين بن علي (عليهما السلام): أنت
صاحب هذا الأمر؟ قال: لا، ولكن صاحب الأمر الطريد الشريد الموتور بأبيه، المكنى
بعمه، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر). وإثبات الهداة: ٣/٤٦٦، والبحار: ٥١/١٣٣.
وقد تقدم في روايات عديدة أن مدة حروبه (عليه السلام) ثمانية أشهر.
رد رواية أن المهدي (عليه السلام) ينتصر بدون قتال!
روى ابن حماد في الفتن: ١/٣٤٩، عن علي (عليه السلام) قال: (ويسير المهدي حتى ينزل
بيت المقدس وتنقل إليه الخزائن وتدخل العرب العجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في
طاعته من غير قتال). مع أنه روى/١٣٦: (في فلسطين وقعتان في الروم، تسمى إحداهما
القطاف والأخرى الحصاد). انتهى. فلا بد أن يكون المقصود بدخول الناس
سلماً في طاعة المهدي (عليه السلام)، أنه بعد معركة القدس ومعركته مع الروم.
الفصل السادس والعشرون: اليهود والمعركة معهم في عصر الظهور
الآيات في دور اليهود في عصر الظهور
خلاصة ما ذكرناه في كتاب عصر الظهور، أن الآيات الكريمة تنص على أنهم مفسدون يشعلون
الحروب في الأرض، وأن الله تعالى وعد بإطفاء نارهم!
قال (عزَّ وجلَّ): (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ
مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ
مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا
أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً، وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ
الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً
لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَاداً وَاللهُ لا يُحِبُّ
الْمُفْسِدِينَ) (المائدة: ٦٤). وهو وعد إلهي شامل بإطفاء نار كل حرب
يشعلونها، سواء كانوا طرفاً مباشراً فيها أو حركوا لها الآخرين. ولعل أكبر نار
أوقدوها على المسلمين نار الحرب في هذا القرن التي حركوا لها الغرب والشرق، وكانوا
فيها طرفاً مباشراً في فلسطين وغير مباشر في أكثر بلاد العالم. ولم يبق إلا أن
يتحقق الوعد الإلهي بإطفائها. ويفهم من الآية أن عدوانهم وصراعاتهم الداخلية أحد
أبواب اللطف الإلهي لإطفاء نارهم.
وكذلك الوعد الإلهي بالتسليط الدائم عليهم، قال (عزَّ وجلَّ): (وَإِذْ
تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ
يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ
لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (الأعراف: ١٦٧). والمعنى: أنه تعالى قضى بأنه سيسلط
عليهم من يعاقبهم ويعذبهم إلى يوم القيامة، وشتتهم في الأرض جماعات منهم الصالح
ومنه الطالح، وامتحنهم بالخير والشر، لعلهم يتوبون ويرجعون إلى الهدى! وقد صدق هذا
الوعد الإلهي بمعاقبة اليهود في كل أدوار تاريخهم فسلط عليه ملوك المصريين
والبابليين واليونان والفرس والرومان وغيرهم، ما عدا فترات حكم الأنبياء (عليه
السلام) وما عدا فترة علوهم الفعلية التي تسبق إعادة التسليط عليهم.
وقد فصَّلت هذا الوعد الإلهي آيات مطلع سورة الإسراء، قال الله تعالى: (سُبْحَانَ
الذي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلى الْمَسْجِدِ
الأَقْصَى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِى
إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِى وَكِيلا. ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا
مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا. وَقَضَيْنَا إلى بَنِى إِسْرَائِيلَ في
الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ في الأرض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا.
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي
بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا. ثُمَّ
رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا. إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ
وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ
وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا
عَلَوْا تَتْبِيرًا. عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا
وجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا). (الإسراء: ١ - ٨)
وخلاصة معناها:
(وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ في الْكِتَابِ
لَتُفْسِدُنَّ في الأرض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا).
حكمنا في القضاء المبرم في التوراة أنكم سوف تنحرفون، وتفسدون في المجتمع
البشري مرتين، وسوف تستكبرون على الناس وتعلون عليهم علواً كبيراً مرة واحدة.
(فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ
عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ).
إذا جاء وقت عقوبتكم على إفسادكم الأول، أرسلنا عليكم عباداً لنا، أصحاب بطش ومكروه
ينزلونه بكم.
(فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا..)
كناية عن سهولة الفتح الأول لفلسطين على يد المسلمين، حيث جاس جنود المسلمين بين
بيوتهم يتعقبون المقاتلين.
(ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ
وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا).
أي أعدنا لكم الغلبة على هؤلاء المسلمين، وأعطيناكم أموالاً وأولاداً، وجعلناكم
أكثر منهم أنصاراً نفيراً في العالم.
(إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ
أَسَأْتُمْ فَلَهَا..) ثم يستمر وضعكم على هذه الحال فترة من الزمن، فإن
تبتم وعملتم خيراً فهو خير لأنفسكم، وإن أسأتم وطغيتم وعلوتم فهو لكم أيضاً.
(فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ
وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا
عَلَوْا تَتْبِيرًا). ولكنكم ستُسيؤون، فنمهلكم إلى وقت العقوبة الثانية
ونسلط عليكم نفس العباد فيسوؤوا وجوهكم، ثم يدخلوا المسجد الأقصى فاتحين كما دخلوه
أول مرة، ويسحقوا علوكم سحقاً.
(عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا
وجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً).
لعل الله أن يرحمكم بعد هذه العقوبة الثانية، وإن عدتم إلى إفسادكم عدنا إلى
معاقبتكم وحصرناكم عن ذلك في الدنيا، ثم جعلنا لكم جهنم حصراً في الآخرة.
والنتيجة: أن تاريخ اليهود من بعد موسى (عليه السلام) إلى آخر حياتهم يتلخص
بإفسادهم في المرة الأولى ثم عقوبتهم على يد المسلمين، ثم غلبتهم على المسلمين
وكثرة أموالهم وأنصارهم في العالم مع علوهم واستكبارهم على العالم لأول مرة، فيجيء
وعد العقوبة الثانية على يد نفس القوم.
فالعقوبة الأولى على إفسادهم وقعت في صدر الإسلام على يد المسلمين، ثم رد الله لهم
الكرة على المسلمين عندما ابتعد المسلمون عن الإسلام، فأفسد اليهود مرة ثانية وها
هم عالون في الأرض، وستكون عقوبتهم على أيدي المسلمين أيضاً. وهذا ما نصت عليه
الأحاديث الشريفة عن الأئمة (عليهم السلام)، وفسرت القوم الذين سيبعثهم الله تعالى
على اليهود في المرة الثانية بأنهم المهدي (عليه السلام) وأصحابه وأنهم (أهل قم)،
وأنهم قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم فلا يدعون وتراً لآل محمد (صلى الله عليه
وآله) إلا قتلوه). تفسير العياشي: ٤/٣٨١ من حديث طويل، ومثله الكافي: ٨/٢٠٦، عن عبد
الله بن القاسم البطل، بتفاوت، وكامل الزيارات/٦٢ و٦٤، أوله عن صالح بن سهل،
كالعياشي. ومختصر البصائر/٤٨، وتأويل الآيات: ١/٢٧٧، والإيقاظ/٣٠٩، كلها عن الكافي.
وإثبات الهداة: ٣/٥٥٢، بعضه، عن العياشي. والبحار: ٤٥/٢٩٧، عن كامل الزيارات، وفي:
٥١/٥٦، عن العياشي بتفاوت يسير، وفي: ٥٣/٩٣، عن الكافي.
وفي البحار: ٦٠/٢١٦، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قرأ هذه الآية.. فقلنا:
جعلنا فداك من هؤلاء؟ فقال ثلاث مرات: هم والله أهل قم).
وفي تفسير العياشي: ٢/١٤١ و٢٨١، عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قرأ قوله
تعالى: (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ
شَدِيدٍ)، وقال: هو القائم وأصحابه أولوا بأس شديد). انتهى. والأحاديث
الثلاثة متفقة في المقصود لأن أهل قم بمعنى أنصار المهدي (عليه السلام). ويبدو أن
مقاومة المسلمين لليهود تكون على مراحل حتى يظهر (عليه السلام) فيكون القضاء
النهائي عليهم بيده، أرواحنا فداه.
وقد ذهب بعضهم في تفسيرها بعيداً وتصور أن القوم الذين يبعثهم الله على اليهود
للعقوبة الثانية غير المسلمين، مع أنهم في المرتين أمة واحدة، وصفاتهم لا تنطبق إلا
على المسلمين! فملوك المصريين والبابليين واليونان والفرس والروم وغيرهم ممن تسلطوا
على اليهود، حتى لو صح وصفهم بأنهم (عباداً لنا) فإنه لم يحدث أنْ غلب اليهود
قوماًً منهم غير المسلمين ثم أمدهم بأموال وبنين وجعلهم أكثر نفيراً ضدهم، ولا تحقق
علوهم الكبير على الشعوب والدول إلا في عصرنا!
* * *
وكذلك
آيات حشرهم الأول، الذي وقع بعد حرب الأحزاب لمَّا نقضوا العهد مع النبي (صلى الله
عليه وآله) قال الله تعالى: (سَبَّحَ للهِ مَا فِي
السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرض وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَلِ الْحَشْرِ مَا
ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ
اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ
الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ. وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ
الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّار.
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ
اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الحشر: ١ - ٤).
وقال تعالى: (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ
لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ
قَوِيًّا عَزِيزًا. وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ
صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ
وَتَأْسِرُونَ فَرِيقا. وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ
وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرًا)
(الأحزاب: ٢٥ - ٢٧).
وآيات حشرهم الثاني وتجميعهم في فلسطين قبل المعركة القاضية عليهم، كما قال تعالى:
(وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائيلَ اسْكُنُوا
الأرض فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً) (الإسراء:
١٠٤)، أي جئنا بكم من كل ناحية، كما في تفسير القمي: ٢/٢٩، واللفيف الجماعة من
قبائل شتى. ولا يتسع المجال لتفسير هذه الآيات وبيان خطأ تفسيرهم لها بالحشر يوم
القيامة.
* * *
المعركة الموعودة بين اليهود والمسلمين
اتفقت مصادر المسلمين على أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر أمته أنهم لابد لهم
من معركة مع اليهود في آخر الزمان، وهي هذه المعركة بدليل تشابه مضامينها
وتعابيرها، وما ورد
في تفسير قوله تعالى: (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا
أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)، بأنهم الإمام المهدي (عليه السلام) وأصحابه.
عبد الرزاق: ١١/٣٩٩، عن ابن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يقاتلكم
اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله. ومثله ابن
حماد: ٢/٥٧٤، وبرواية أخرى عن عبد الله بن عمرو قال: ينزل عيسى بن مريم فإذا رآه
الدجال ذاب كما تذوب الشحمة، فيقتل الدجال ويتفرق عنه اليهود، حتى أن الحجر ليقول:
يا عبد الله المسلم هذا عندي يهودي فتعال فاقتله). وابن شيبة: ١٥/١٤٤، كرواية ابن
حماد الثانية، وفي/١٦٧، وأحمد: ٢/٤١٧، عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه
وآله) قال: لا تقوم الساعة حتى يقتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ
اليهودي وراء الحجر أو الشجرة فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي
خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود. وبخاري: ٣/٢٣٢، أو ٤/٥١، عن عبد
الله بن عمر: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: تقاتلون اليهود حتى يختبئ
أحدهم وراء الحجر فيقول: يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله. وعن أبي هريرة: لا
تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم هذا يهودي
ورائي فاقتله). ونحوه صحيح مسلم: ٨/١٨٨،، وسنن البيهقي: ٩/١٧٥، وأحمد: ٢/٤١٧،
والتاج الجامع للأصول: ٥/٣٥٦.. إلى آخر المصادر.
وفي مجمع الزوائد: ٧/٣٤٨، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لتقاتلن المشركين
حتى يقاتل بقيتكم الدجال على نهر الأردن أنتم شرقيه وهم غربيه، ولا أدرى أين الأردن
يومئذ. رواه الطبراني والبزار ورجال البزار ثقات). ونحوه الآحاد والمثاني: ٤/٤٠٩،
وتاريخ دمشق: ٦٢/٣٢٣، بروايتين، والإصابة: ٦/٣٧٦، ذ وقال: وذكره البغوي من هذا
الوجه فقال: عن ابن صريم ولم يسمه، وصريم حكى فيه بن أبي حاتم فتح أوله وبالتصغير
وقال في نسبه: السكوني أو اليشكري. ومعجم الصحابة لابن قانع: ٣/١٦٧. وضعفه الألباني
في الضعيفة/٧٠، وضعيف الجامع/١٤٩.
كما روت المصادر أن المهدي (عليه السلام) يستخرج تابوت السكينة وأسفاراً من التوراة
ويحاجُّ اليهود بها. وإن صح ذلك فيكون بعد انتصاره عليهم ودخوله القدس.
وقد تقدم في فصل أصحاب الإمام (عليه السلام) من تفسير العياشي: ٢/١٤١ و٢٨١، عن
الإمام الباقر
(عليه السلام) أنه قال بعد أن قرأ قوله تعالى: بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ: هو القائم وأصحابه، أولو بأس شديد). الخ.
* * *
كما نصت أحاديث قتال عيسى (عليه السلام) للدجال على وجود اليهود مع الدجال وأنهم أكثر أتباعه، ففي مسند أحمد: ٣/٣٦٧، عن جابر بن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل من أحاديث المبالغة في قدرات الدجال التي رددناها في فصل الدجال لكن جاء فيه عن اليهود: (ثم ينزل عيسى بن مريم فينادي من السحر فيقول: يا أيها الناس ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث، فيقولون هذا رجل جني، فينطلقون فإذا هم بعيسى بن مريم (صلى الله عليه وآله) فتقام الصلاة فيقال له تقدم يا روح الله، فيقول: ليتقدم إمامكم فليصل بكم، فإذا صلى صلاة الصبح خرجوا إليه، قال فحين يرى الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء فيمشي إليه فيقتله، حتى أن الشجرة والحجر ينادي يا روح الله هذا يهودي، فلا يترك ممن كان يتبعه أحداً إلا قتله). والحاكم: ٤/٥٣٠، بنحوه وصححه، وعقد الدرر/٢٣٢، بعض أجزائه، ومجمع الزوائد: ٧/٣٤٣، وقال: رواه أحمد بإسنادين، رجال أحدهما رجال الصحيح، والدر المنثور: ٢/٢٤٢، عن أحمد، وكذا جمع الجوامع: ١/٩٩٥، وابن خزيمة، وأبو يعلى، والحاكم، والضياء المقدسي.. إلى آخر المصادر.
* * *
وفي عبد الرزاق: ١١/٣٩٧، حديث طويل عن الدجال أيضاً قال فيه: (ثم يولي الدجال قبل الشام حتى يأتي بعض جبال الشام فيحاصرهم، وبقية المسلمين يومئذ معتصمون بذروة جبل من جبال الشام فيحاصرهم الدجال نازلاً بأصله، حتى إذا طال عليهم البلاء... ثم تأخذهم ظلمة لا يبصر امرؤ فيها كفه قال: فينزل ابن مريم فيحسر عن أبصارهم، وبين أظهرهم رجل عليه لامته يقولون: من أنت يا عبد الله فيقول: أنا عبد الله ورسوله وروحه وكلمته عيسى بن مريم، اختاروا بين أحدى ثلاث: بين أن يبعث الله على الدجال وجنوده عذابا من السماء، أو يخسف بهم الأرض، أو يسلط عليهم سلاحكم ويكف سلاحهم عنكم، فيقولون: هذه يا رسول
الله أشفى لصدورنا ولأنفسنا، فيومئذ ترى اليهودي العظيم الطويل الأكول الشروب لا تقل يده سيفه من الرعدة، فيقومون إليهم فيسلطون عليهم، ويذوب الدجال حين يرى ابن مريم كما يذوب الرصاص، حتى يأتيه أو يدركه عيسى فيقتله). ونحوه ابن حماد: ٢/٥٥٢ بسند عبد الرزاق، وتهذيب ابن عساكر: ١/١٩٤، عن عبد الرزاق بتفاوت. والدر المنثور: ٢/٢٤٣ كما في عبد الرزاق بتفاوت يسير، وقال: وأخرج معمر في جامعه.
* * *
وفي
ابن حماد: ٢/٥٦٨، عن حذيفة بن اليمان عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث فيه
مبالغات عن الدجال أيضاً، جاء فيه: (فبينما أنتم على ذلك حتى ينزل عيسى بن مريم
بإيليا وفيها جماعة من المسلمين وخليفتهم، بعد ما يؤذن المؤذن لصلاة الصبح، فيسمع
المؤذن للناس عصعصة فإذا هو عيسى بن مريم، فيهبط عيسى فيرحب به الناس ويفرحون
بنزوله لتصديق حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم يقول للمؤذن أقم الصلاة، ثم
يقول له الناس صل لنا، فيقول: إنطلقوا إلى إمامكم فيصلي لكم فإنه نعم الإمام، فيصلي
بهم إمامهم ويصلي عيسى معهم، ثم ينصرف الإمام ويعطي عيسى الطاعة، فيسير بالناس حتى
إذا رآه الدجال ماع كما يميع الملح ويمشي إليه عيسى فيقتله بإذن الله تعالى ويقتل
معه من شاء. ثم يفترقون ويختبؤن تحت كل شجر وحجر حتى يقول الحجر: يا عبد الله يا
مسلم تعال هذا يهودي ورائي فاقتله، ويدعو الحجر مثل ذلك غير شجرة الغرقدة شجرة
اليهود لا تدعو إليهم أحداً يكون عندها. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله). إنما
أحدثكم هذا لتعقلوه وتفهموه وتَعُوه واعملوا عليه وحدثوا به من خلفكم وليحدث الآخر
الآخر، وإن فتنته أشد الفتن، ثم تعيشون بعد ذلك ما شاء الله مع عيسى بن مريم).
وفي ابن حماد: ٢/٥٧٠، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (يبلغ الذين فتحوا
القسطنطينية خروج الدجال فيقبلون حتى يلقوه ببيت المقدس، قد حصر هنالك ثمانية آلاف
امرأة واثنا عشر ألف مقاتل هم خير من بقي وصالح من مضى، فبينما هم تحت ضبابة من
غمام إذ تكشف عنهم الضبابة مع الصبح، فإذا بعيسى بن مريم
بين
ظهرانيهم، فينكب إمامهم عنه ليصلي بهم، فيأتي عيسى بن مريم حتى يصلي إمامهم تكرمة
لتلك العصابة، ثم يمشي إلى الدجال وهو في آخر رمق فيضربه فيقتله فعند ذاك صاحت
الأرض فلم يبق حجر ولا شجر ولا شيء إلا قال: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله، إلا
الغرقدة فإنها شجرة يهودية).
هذا، وتقدم في فصل فلسطين والقدس أحاديث في معركة المسلمين مع اليهود. ومن أشهر
أحاديثها في مصادر السنة ما رواه مسلم وغيره عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
(لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهود من
وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر يا مسلم هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا
الغرقد فإنه من شجر اليهود). كما تقدم في فصل الدجال: (يتبع الدجال من يهود أصبهان
سبعون ألفاً عليهم الطيالسة.. الخ). وفي عبد الرزاق: ١١/٣٩٣: عن يحيى بن أبي كثير
يرويه قال: عامة من يتبع الدجال يهود أصبهان.
الإمام المهدي (عليه السلام) يطهر بلاد العرب من اليهود
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (لأبنين بمصر منبراً ولأنقضن دمشق حجراً حجراً
ولأخرجن اليهود من كل كور العرب، ولأسوقن العرب بعصاي هذه. فقال الراوي وهو عباية
الأسدي: قلت له يا أمير المؤمنين كأنك تخبر أنك تحيا بعدما تموت؟ فقال: هيهات يا
عباية ذهبت غير مذهب! يفعله رجل مني، أي المهدي (عليه السلام)). (معاني الأخبار:
٤٠٦، والإيقاظ/٣٨٥، والبحار: ٥٣/٦٠). وهو يدل على تواجدهم يومئذ في بلاد العرب.
من يسلم من اليهود على يد الإمام المهدي (عليه السلام)
تقدم في فصل أصحاب المهدي (عليه السلام) وفصل الروم أن الإمام المهدي (عليه السلام)
يستخرج نسخاً من التوراة من غار بأنطاكية وجبل بالشام وجبل بفلسطين وبحيرة طبرية،
ويحاجُّ بها اليهود. فعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (يستخرج التوراة والإنجيل
من أرض يقال لها أنطاكية). (البحار: ٥١/٢٥).
وفي ابن حماد: ١/٣٥٥: (عن كعب قال: يستخرج تابوت السكينة من غار بأنطاكية فيه
التوارة التي أنزل الله تعالى على موسى والإنجيل الذي أنزل الله (عزَّ وجلَّ) على
عيسى، يحكم بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم).
وفي: ١/٣٥٧: (عن كعب قال: إنما سمي المهدي لأنه يهدي إلى أسفار من أسفار التوراة
يستخرجها من جبال الشام، يدعو إليها اليهود فيسلم على تلك الكتب جماعة كثيرة، ثم
ذكر نحواً من ثلاثين ألفاً). ومصنف عبد الرزاق: ١١/٣٧٢.
أقول: لاحظ أن كعباً أفرط في يهوديته فلم يكتف بأن جعل الإمام المهدي (عليه السلام)
يحكم بالتوراة لليهود والإنجيل للنصارى، بل جعل أصل تسمية الله تعالى له بالمهدي
بسبب أنه يهدي إلى أسفار التوراة الضائعة! ثم زعم أن ثلاثين ألفاً من اليهود يسلمون
على تلك الكتب! أما تلاميذه فزعموا أن أكثر اليهود يُسلمون على يد الإمام المهدي
(عليه السلام) وليس ثلاثون ألفاً فقط، ففي ابن حماد: ١/٣٥٥ و٣٦٠، عن سليمان بن عيسى
قال: بلغني أنه على يدي المهدي يظهر تابوت السكينة من بحيرة طبرية حتى تحمل فتوضع
بين يديه ببيت المقدس، فإذا نظرت إليه اليهود أسلمت إلا قليلاً منهم). والقول
المختصر/١٠٠، و١٠٤.
وفي سنن البيهقي: ٩/١٨٠، عن مجاهد، في قوله (عزَّ وجلَّ): (حَتَّى
تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) قال: يعني حتى ينزل عيسى بن مريم فيسلم كل
يهودي وكل نصراني وكل صاحب ملة، وتأمن الشاة الذئب ولا تقرض فأرة جراباً، وتذهب
العداوة من الأشياء كلها، وذلك ظهور الإسلام على الدين كله).
وفي الدر المنثور: ٣/٢٣١: وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي في سننه عن
جابر في قوله: (ليُظْهرَهُ على الدِّين كُلِّه)، قال:
لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملة إلا الإسلام.. ونحوه تأويل
الآيات: ٢/٦٨٩، عن ابن عباس،
وعنه
إثبات الهداة: ٣/٥٦٦، والبحار: ٥١/٦١.
أقول: من الممكن أن يسلم كثير من اليهود، بعد انتصار الإمام المهدي (عليه السلام)،
لكن سيأتي أن الإمام (عليه السلام) ينفذ فيهم أمر النبي (صلى الله عليه وآله)
فيخرجهم من جزيرة العرب، وهو يوجب الشك في إسلامهم، مضافاً إلى أن الدجال منهم وهم
أكثر أتباعه!
تابوت السكينة
تابوت السكينة صندوق فيه مواريث الأنبياء (عليهم السلام)، كان آية لبني إسرائيل على
إمامة من يكون عنده، وقد جاءت به الملائكة تحمله بين جموع بني إسرائيل حتى وضعته
أمام طالوت (عليه السلام)، ثم سلمه طالوت إلى داود، وداود لسليمان، وسليمان إلى
وصيه آصف بن برخيا، ثم فقده بنو إسرائيل عندما تركوا وصي سليمان (عليهما السلام)
وبايعوا غيره. قال تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ
اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ
عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ
قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ
وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
البقرة: ٢٤٧.
واعتقادنا أن تابوت السكينة وجميع مواريث الأنبياء (عليهم السلام) وصلت إلى النبي
(صلى الله عليه وآله) ثم إلى أوصيائه (عليهم السلام)، فهي عند الإمام المهدي (عليه
السلام)، ولم يرد في أحاديث أهل البيت (عليه السلام) أنه يستخرجه من أنطاكية أو
غيرها، بل ورد أنه يرسل وفداً إلى أنطاكية فيستخرجون نسخة التوراة وأهل الكهف،
ليحتجوا على أهل الكتاب. كما رود عندنا أنه (عليه السلام) سمي المهدي (لأنه يهدي
لأمر خفي، يهدي إلى ما في صدور الناس) (دلائل الإمامة/٢٤٩). بينما رووا عن كعب
وأمثاله أنه سمي المهدي لأنه يهدي إلى التوراة وتابوت السكينة وحلي بيت المقدس
ويستخرجها من أنطاكية أو طبرية أو كنيسة رومية التي زعموا أن الرومان دفنوه فيها!
وسيأتي في فصل الروم.
كشف الهيكل
ورد في تعداد علامات الظهور عبارة: (وكشف الهيكل) فعن أمير المؤمنين (عليه السلام)
قال:
(ولذلك آيات وعلامات: أولهن إحصار الكوفة بالرصد والقذف. وتخريق الزوايا في سكك
الكوفة. وتعطيل المساجد أربعين ليلة. وكشف الهيكل وخفق رايات تهتز حول المسجد
الأكبر، القاتل والمقتول في النار). (تاريخ الكوفة للبراقي/١١٠، والبحار: ٥٢/٢٧٣).
ويظهر أنه كشف هيكل سليمان (عليه السلام)، لكن يحتمل أن يكون أثراً تاريخياً في
مكان آخر غير هيكل سليمان (عليه السلام) حيث ورد ذكره بصيغة (كشف الهيكل) بنحو
مطلق، ولم يذكر من يكشفه.
رايات خراسان نحو القدس
وقد تقدمت في فصل الإيرانيين في عصر الظهور، كالحديث المستفيض: (تخرج من خراسان
راياتٌ سودٌ فلا يردها شيء حتى تنصب في إيلياء). وغيره.
* * *
الفصل السابع والعشرون: نزول عيسى من السماء ونصرته الإمام المهدي (عليهما السلام)
آيات نزول عيسى (عليه السلام)
أجمع المسلمون على أن نبي الله عيسى (عليه السلام) ينزل من السماء إلى الأرض في آخر
الزمان، قال الله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ
شَهِيداً) (النساء: ١٥٩) وقال تعالى: (وَإِنَّهُ
لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ
مُسْتَقِيمٌ) (الزخرف: ٦١). والمعنى: أنه (عليه السلام) آية من آيات الساعة،
وما من أحد من أهل الكتاب النصارى واليهود إلا سيؤمن بعيسى (عليه السلام) عندما
ينزله الله إلى الدنيا ويرونه ويرون آياته. قال الإمام الباقر (عليه السلام): (ينزل
قبل يوم القيامة إلى الدنيا، فلا يبقى أهله ملة يهودي ولا نصراني إلا آمن به قبل
موته، ويصلي خلف المهدي). (البحار: ١٤/٥٣٠).
فالحكمة من رفعه إلى السماء أن الله تعالى ادَّخره لدور عظيم في مرحلة حساسة من
التاريخ، يكون أتباعه وعُبَّاده فيها أكبر قوة في العالم، وأكبر عائق أمام وصول نور
الهدى إلى الشعوب، وإقامة دولة العدل الإلهي العالمي.
لهذا كان من الطبيعي أن ينزل المسيح (عليه السلام) في بلادهم وأن تَعُمَّ العالم
المسيحي مظاهرات شعبية عارمة، ويعتبروا نزوله نصراً لهم في مقابل ظهور المهدي (عليه
السلام) في
المسلمين. ومن الطبيعي كذلك أن يزور المسيح (عليه السلام) بلادهم المختلفة، ويظهر
الله على يديه أنواع المعجزات، ويهتدي على يديه أعداد كبيرة.
وستكون أول ثمرات نزوله (عليه السلام) تخفيف عداء الغربيين للإسلام والمهدي (عليه
السلام) وعقد اتفاقية سلام وعدم اعتداء بين الدول الغربية والإمام المهدي (عليه
السلام).
ولا يبعد أن تكون صلاة عيسى خلف المهدي (عليهما السلام) بعد سنين من نزوله، وذلك
عندما تنقض الدول الغربية معاهدة الصلح وتحشد جيوشها لحرب المهدي (عليه السلام)،
عند ذلك يتخذ المسيح (عليه السلام) موقفه الصريح إلى جانب الإمام المهدي (عليه
السلام) ويأتي ويأتم به.
أما كسره الصليب وقتله الخنزير الذي روته مصادر السنيين، فالمعقول أن يكون بعد
هزيمة الغربيين في معركتهم مع الإمام المهدي (عليه السلام) ودخوله هو والمسيح
(عليهما السلام) إلى عواصمهم، واستقبال شعوبها لهما بالهتاف والتكبير.
وفي البيان في أخبار صاحب الزمان (عليه السلام) /٥٢٨: (قال مقاتل بن سليمان، ومن
شايعه من المفسرين في تفسير قوله (عزَّ وجلَّ): وإنه لعلم للساعة، قال: هو المهدي
(عليه السلام) يكون في آخر الزمان). وعنه كشف الغمة: ٣/٢٨٠، والصواعق/١٦٢، وحلية
الأبرار: ٢/٧٢٤، وينابيع المودة/٣٠١.
* * *
وقال تعالى: (إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسمهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ. وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران: ٤٥ - ٤٦) ومعنى: (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ): ما حدث عند ولادته (عليه السلام). (وَكَهْلاً): عندما ينزل من السماء، لأنه رُفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة أي قبل الكهولة، وعن ابن عباس أنه ابن ثلاثين (البغوي: ٢/٧٧) والكهولة تبدأ من بدأ خط الشيب كما نص اللغويون. قال الراغب/٤٤٢: (الكهل من وَخَطَهُ الشيب... وأكتهل النبات إذا شارف اليبوسة مشارفة الكهل الشيب). وفي مجمع البيان: ٢/٢٩٥: (وكهلاً، بعد نزوله من السماء ليقتل الدجال، وذلك لأنه رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وذلك قبل الكهولة، عن زيد بن أسلم).
وذكر
الطبري في تفسيره: ٣/٣٧١، رأي من قال بأن عيسى (عليه السلام) كلم الناس في المهد
وكهلاً قبل رفعه إلى السماء، ثم قال: (وقال آخرون: معنى قوله: وكهلاً، أنه سيكلمهم
إذا ظهر. ذكر من قال ذلك... ثم رواه عن ابن زيد. ونسبه الثعلبي في تفسيره: ٣/٦٩،
إلى الحسن بن الفضل البجلي وكذا الرازي: ٨/٥٥، وقال البغوي: ١/٣٠٨: قيل للحسين بن
الفضل: هل تجدون نزول عيسى في القرآن؟ قال: نعم، قوله: وكهلاً، وهو لم يكتهل في
الدنيا وإنما معناه وكهلاً بعد نزوله من السماء). انتهى.
وبذلك تعرف ضعف تفسير من قال إن تكليمه الناس كهلاً قد تمَّ قبل رفعه إلى السماء،
كالبيضاوي: ٢/٤٠، والزركشي: ٣/٦٧، والسيوطي في الدر المنثور: ٢/٢٤، لكنه روى
بعده/٥٠، عن ابن عباس: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ
عِبَادُكَ): يقول: عبيدك قد استوجبوا العذاب بمقالتهم، وإن تغفر لهم أي من
تركت منهم فنزلوا عن مقالتهم، ووحدوك وأقروا أنا عبيد، وإن تغفر لهم حيث رجعوا عن
مقالتهم، فإنك أنت العزيز الحكيم). وعنه التصريح في نزول المسيح للكشميري/٢٩٢.
أحاديث نزول عيسى (عليه السلام) من مصادر أتباع الخلافة
عبد الرزاق: ١١/٤٠٠، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف
بكم إذا نزل فيكم ابن مريم حَكَماً فأمَّكم، أو قال: وإمامكم منكم). وعنه ابن
حماد/١٦٢، وأحمد: ٢/٢٧٢، و/٣٣٦، ورواه بخاري في صحيحه: ٤/٢٠٥، ونصه: قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله): كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم). ومثله مسلم:
١/١٣٦، و١٣٧، وأبو عوانة: ١/١٠٦، وملاحم ابن المنادي/٥٧، وابن حبان: ٨/٢٨٣ ٢٨٤،
والبيهقي في الأسماء والصفات/٥٣٥، والبغوي: ٣/٥١٦، من صحاحه. إلى آخر المصادر.
وفي عبد الرزاق: ١١/٣٩٩، عن أبي هريرة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): والذي
نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حَكَماً عدلاً وإماماً مقسطاً، يكسر الصليب
ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد). ونحوه عبد الرزاق/٤٠٠
و٤٠١، وعنه ابن حماد/١٦٢ بثلاث روايات، وابن أبي شيبة: ١٥/١٤٤، وأحمد: ٢/٢٤٠ كلاهما
كرواية ابن حماد
الأخيرة، وفي: ٣٩٤ و٤٨٢، بنحوه. وصحيح بخاري: ٣/١٠٧ و: ٤/٢٠٥، كرواية عبد الرزاق
الأولى بتفاوت يسير، وفي/١٧٨، كرواية ابن أبي شيبة، ومسلم: ١/١٣٥، كرواية بخاري
الأولى، وذكر له طرقاً أخرى كلها تلتقي في الزهري، وابن ماجة: ٢/١٣٦٣، عن ابن شيبة،
والترمذي: ٤/٥٠٦ كرواية عبد الرزاق الأولى، وحسنه وصححه، وعلل الدارقطني: ٩/١٨٩،
وفي: ١١/٢٢٨: يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم إماماً مقسطاً فيصلي الخمس يجمع الجمعة
ويزيد في الحلال! وجامع السيوطي: ٧/٨٨، بعدة روايات، وفي: ٩/٤٤٢، وفيه: ثم لئن قام
على قبري فقال: يا محمد لأجيؤه. ومسند الشاميين: ١/٣١٧، وفيه: ويزيد في الحلال! قال
أبو الأشعث: والله يا أبا هريرة ما أظنه يزيد في شيء من الحلال في النساء! فنظر
إليَّ وتبسم وقال: إنك قد أصبت). انتهى. وقد أحرج أبو الأشعث أبا هريرة فطلب منه أن
يبين المحرمات من النساء التي يحلها عيسى (عليه السلام)، فاضطر أن ينفي ذلك، لكنه
لم يبين أي محرمات يحلل!
وفي بيان الشافعي/٥٠٠، عن أبي سعيد: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): منا الذي
يصلي عيسى بن مريم خلفه... هكذا أخرجه الحافظ أبو نعيم في كتاب مناقب المهدي (عليه
السلام)، وكتابه أصل). وعقد الدرر/٢٥ و١٥٧، عن مناقب المهدي، والمنار المنيف/١٤٧،
والحاوي: ٢/٦٤ والفتاوى الحديثية/٢٨، والقول المختصر/٨، والجامع الصغير: ٢/٥٤٦،
وفيض القدير: ٦/١٧.
وفي بيان الشافعي/٤٩٧، عن حذيفة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فيلتفت
المهدي وقد نزل عيسى (عليه السلام) كأنما يقطر من شعره الماء فيقول المهدي: تقدم صل
بالناس، فيقول عيسى: إنما أقيمت الصلاة لك، فيصلي عيسى خلف رجل من ولدي، فإذا صليت
قام عيسى حتى جلس في المقام فيبايعه، فيمكث أربعين سنة. وقال: قلت: هكذا أخرجه أبو
نعيم في مناقب المهدي). وعقد الدرر/١٧ و٢٢٩، كبيان الشافعي بتفاوت يسير، عن
الطبراني وأبي نعيم، وفي/٢٢٩، والحاوي: ٢/٨١، كرواية عقد الدرر الثانية، عن الداني،
وصواعق ابن حجر/١٦٤، كرواية عقد الدرر الثانية، عن الطبراني، وابن حبان. وفي القول
المختصر/٨: بينما هو والمؤمنون معه في بيت المقدس... فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم
يقول له: تقدم فصل فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم وإمام عيسى. وفي ارتقاء الغرف
للسخاوي/٢٥٣، عن حذيفة رفعه: يلتفت المهدي وقد نزل عيسى بن مريم (عليه السلام)..
فيقول المهدي تقدم صل بالناس فيقول عيسى: إنما أقيمت الصلاة لك فيصلي خلف رجل من
ولدي).
وفي ابن حماد/١٠٣، عن عبد الله بن عمرو قال: المهدي الذي ينزل عليه عيسى بن مريم
ويصلي
خلفه عيسى. وابن شيبة: ١٥/١٩٨، عن ابن سيرين، وعقد الدرر/٢٣٠ و٢٣١، عن ابن حماد،
والحاوي: ٢/٦٥ و٧٨، عن ابن شيبة، وابن حماد، بتفاوت يسير. الخ. والريطة: ثوب
بطبقتين. الجمان: اللؤلؤ الصغار. وفي بدائع الزهور/١٨٩، عن أويس الثقفي قال النبي
(صلى الله عليه وآله): ينزل عيسى بن مريم عند قيام الساعة ويكون نزوله على المنارة
البيضاء التي بشرق جامع دمشق، وصفته: مربوع القامة أسود أشعر أبيض اللون، فإذا نزل
يدخل المسجد ويقعد على المنبر، فتتسامع الناس به فيدخل عليه المسلمون والنصارى
واليهود، فيزدحمون هناك حتى يطأ بعضهم رأس بعض، فيأتي مؤذن المسلمين فيقيم الصلاة
وهي صلاة الفجر فيصلي عيسى مأموماً مقتدياً بالمهدي).
وفي ابن شيبة: ١٥/١٣٦، عن عثمان بن أبي العاص قال: من حديث طويل: فينزل عيسى بن
مريم عن صلاة الفجر فيقول له أمير الناس: تقدم يا روح الله فصل بنا فيقول: إنكم
معشر الأمة أمراء بعضهم على بعض، تقدم أنت فصل بنا، فيتقدم الأمير فيصلي بهم، فإذا
انصرف أخذ عيسى حربته فيذهب نحو الدجال، فإذا رآه ذاب كما يذوب الرصاص، ويضع حربته
بين ثندوته فيقتله، ثم ينهزم أصحابه). وأحمد: ٤/٢١٦ و٢١٧، كابن شيبة بتفاوت،
والطبراني الكبير: ٩/٥١، كرواية أحمد الأولى عن أبي نضرة، والحاكم: ٤/٤٧٨، كرواية
أحمد الأولى بتفاوت يسير، وصححه على شرط مسلم، والدر المنثور: ٢/٢٤٣ كرواية أحمد
الأولى بتفاوت يسير وقال: وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والطبراني، والحاكم وصححه عن
عثمان بن العاص... إلى آخر المصادر.
* * *
وفي عقد الدرر/٢٧٤، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، (عليه السلام)، في قصة الدجال: ويدخل المهدي (عليه السلام) بيت المقدس ويصلي بالناس إماماً، فإذا كان يوم الجمعة وقد أقيمت الصلاة نزل عيسى بن مريم بثوبين مشرقين حمر، كأنما يقطر من رأسه الدهن، رَجْلُ الشعر صبيح الوجه أشبه خلق الله (عزَّ وجلَّ) بأبيكم إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام)، فيلتفت المهدي فينظر عيسى (عليه السلام) فيقول لعيسى: يا ابن البتول صل بالناس. فيقول: لك أقيمت الصلاة فيتقدم المهدي (عليه السلام) فيصلي بالناس ويصلي عيسى (عليه السلام) خلفه ويبايعه، ويخرج عيسى (عليه السلام) فيلتقي الدجال فيطعنه فيذوب كما يذوب الرصاص ولا تقبل الأرض منهم أحداً، لا يزال الحجر والشجر يقول يا مؤمن تحتي كافر أقتله. ثم إن عيسى (عليه السلام) يتزوج امرأة من غسان ويولد له منها مولود ويخرج حاجاً فيقبض الله تعالى روحه في طريقه قبل وصوله إلى مكة).
* * *
وفي سنن الداني/١٤٣، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تزال طائفة من أمتي تقاتل عن الحق حتى ينزل عيسى بن مريم عند طلوع الفجر ببيت المقدس، ينزل على المهدي فيقال له تقدم يا نبي الله فصل لنا، فيقول: إن هذه الأمة أمير بعضهم على بعض لكرامتهم على الله (عزَّ وجلَّ)). انتهى.
* * *
وفي أحمد: ٢/٢٩٠، عن أبي هريرة: قال رسول الله: (صلى الله عليه وآله) ينزل عيسى بن مريم فيقتل الخنزير ويمحو الصليب وتجمع له الصلاة، ويعطي المال حتى لا يُقبل، ويضع الخراج، وينزل الروحاء فيحج منها أو يعتمر أو يجمعهما قال: وتلا أبو هريرة: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً). والحاكم: ٢/٥٩٥، وصححه، عن أبي هريرة يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليهبطن عيسى بن مريم حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً وليسلكن فجاً حاجاً أو معتمراً أو بنيتهما، وليأتين قبري حتى يسلم علي ولأردن عليه. ونحوه جامع السيوطي: ٥/٤٧٦، وعلل الحديث: ٢/٤١٣.
* * *
أقول: إحفظ عليك هذه الأحاديث التي تنص على صلاة عيسى (عليه السلام) خلف الإمام المهدي (عليه السلام) واقتدائه به، قبل أن يُفيق الشُّراح من نومهم ويمحوها!
* * *
وفي
تفسير الطبري: ٦/١٤، عن ابن زيد في قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)، قال: ابن
عباس، وابن زيد، وأبو مالك، والحسن البصري: إذا نزل عيسى بن مريم فقتل الدجال، لم
يبق يهودي في الأرض إلا آمن به، قال: وذلك حين لا ينفعهم الإيمان). وعنه التبيان:
٣/٣٨٦، والدر المنثور: ٢/٢٤١.
وفي البيهقي: ٩/١٨٠، عن مجاهد في قوله (عزَّ وجلَّ): (حَتَّى
تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)، يعني حتى ينزل عيسى بن مريم). والجامع
لأحكام القرآن: ١٦/٢٢٨، عن مجاهد وابن جبير: هو خروج عيسى (عليه السلام). ونحوه
الدر المنثور: ٦/٤٧، كما في أحمد، وقال: وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن
مردويه عن أبي هريرة. وأحمد: ٢/٤١١، عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه وآله)
قال: يوشك من عاش منكم أن يلقى عيسى بن مريم إماماً مهدياً وحكماً عدلاً، فيكسر
الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية وتضع الحرب أوزارها. ومثله المسند الجامع:
١٨/٤٣٨. يضع الجزية: أي لا يقبل من أهل الكتاب إلا الإسلام أو القتال. تضع
الحرب أوزارها: تحط أثقالها وتنتهي.
* * *
موطأ
مالك: ٢/٩٢٠، عن ابن عمر، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أراني الليلة عند
الكعبة فرأيت رجلاً آدم كأحسن ما أنت راء من آدم الرجال، له لمة كأحسن ما أنت راء
من اللم قد رجلها فهي تقطر ماء، متكئاً على رجلين أو على عواتق رجلين يطوف بالكعبة،
فسألت من هذا؟ قيل: هذا المسيح بن مريم، ثم إذا أنا برجل جعد قطط أعور العين اليمنى
كأنها عِنَبَة طافية فسألت من هذا؟ فقيل لي: هذا المسيح الدجال).
آدم: اسمر اللون، ويأتي في صفة عيسى (عليه السلام) أنه أبيض أحمر: اللِّمَّة: بكسر
اللام الشعر إلى الكتفين، وإلا فهو جُمَّة بالضم والتشديد. رَجْل شعره: مشطه.
والطيالسي/٢٤٩، عن سعيد بن المسيب: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لَعيسى
رجلٌ بين الرجلين كأن رأسه ينطف ماء أو يهراق ماء. فالتفتُّ فإذا رجل أحمر جعد
الرأس أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية، فقيل هذا الدجال، أقرب الناس شبهاً
بابن قطن الخزاعي من بني المصطلق. وابن حماد/١٥٤، بعضه عن ابن عمر، وفي/١٦١ و١٦٣،
آخرين عن ابن عمر. وأحمد: ١/٢٥٩، عن ابن عباس: وفيه. رأيت ليلة أسري بي موسى بن
عمران رجلاً طوالاً جعد الرأس كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى بن مريم مربوع الخلق
في الحمرة والبياض سبطاً. وفي: ٢/٢٢، و٣٩ و٨٣ و١٢٢ و١٢٦، و١٥٤، و: ٣/٣٣٤، وصحيح
بخاري: ٤/٢٠٢، عن ابن عمر: وفيه: إن الله ليس بأعور إلا إن المسيح الدجال أعور
العين اليمنى كأنه عينه عنبة طافية، وأراني الليلة عند الكعبة في المنام، فإذا رجل
آدم كأحسن. تضرب لمته بين منكبيه رجل الشعر يقطر رأسه ماء واضعاً يديه على منكبي
رجلين وهو يطوف بالبيت، فقلت من هذا؟ فقالوا: هذا المسيح بن مريم، ثم رأيت رجل
وراءه جعداً قططاً. وفي/٢١٣ و: ٩/٧٥ كما في الطيالسي بتفاوت. ومسلم: ١/١٥١، عن ابن
عباس، بتفاوت وفيه: ورأيت عيسى بن مريم مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس.
وفي/١٥٣، كأحمد الأخيرة بتفاوت، عن جابر، وثلاث روايت عن ابن عمر، والدر المنثور:
٥/١٧٨، كما في رواية مسلم الأولى بتفاوت يسير، وقال: أخرج عبد بن حميد، والبخاري،
ومسلم، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل
من طريق قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس.. الخ.
* * *
الطيالسي/٣٣٥، عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الأنبياء إخوة لعَلاة، أمهاتهم شتى ودينهم وأحد، فأنا أولى الناس بعيسى بن مريم، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، فإذا رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض بين
مُمَصَّرتين، كأن رأسه يقطر ولم يصبه بلل. وإنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويفيض المال، حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام، وحتى يهلك الله في زمانه مسيح الضلال الأعور الكذاب، وتقع الأمنة في الأرض حتى يرعى الأسد مع الإبل، والنمر مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيَّات، ولا يعض بعضهم بعضاً. ثم يبقى في الأرض أربعين سنة، ثم يموت، يصلي عليه المسلمون، ويدفنونه). ونحوه الطيالسي/٣٣١، ومثله عبد الرزاق: ١١/٤٠١، ونحوه ابن حماد/١٦٢، وفي/١٦٣ و١٦٤، عن تبيع عن كعب، وفي/١٦٤، عن أبي هريرة: يلبث عيسى بن مريم في الأرض أربعين سنة لو قال للبطحاء سيلي عسلاً لسالت. عن أرطاة: يمكث عيسى بعد الدجال ثلاثين سنة كل سنة منها يقدم إلى مكة فيصلي فيها ويهلل. وابن أبي شيبة: ١٥/١٥٨، كالطيالسي الأولى، وفيه: فيلبث في الأرض ما شاء الله، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون، وأحمد: ٢/٤٠٦، كرواية الطيالسي الأولى، وفي/٤٣٧، كابن أبي شيبة، وأبو داود: ٤/١١٧، و١١٨ كالطيالسي الأولى، والمسند الجامع: ١٨/٤٣٤، عن أبي هريرة، وفيه: فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون).. إلى آخر المصادر. وأبناء العَلات والإخوة لعَلات: بفتح العين وتشديد اللام: الإخوة لأب من أمهات شتى. الثوب الممصر: الذي في لونه صفرة خفيفة.
* * *
الطيالسي/٣٢٧، عن أبي هريرة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لم يسلط على قتل الدجال إلا عيسى بن مريم (عليه السلام). وابن حماد: ١٥٨ و١٦١، عن كعب قال: ينزل عيسى بن مريم (عليه السلام) عند المنارة التي عند باب دمشق الشرقي، وهو شاب أحمر معه ملكان قد لزم مناكبهما، لا يجد نفسه ولا ريحه كافر إلا مات، وذلك أن نفسه يبلغ مد بصره، فيدرك نفسه الدجال فيذوب ذوبان الشمع فيموت! ويسير ابن مريم إلى من في بيت المقدس من المسلمين فيخبرهم بقتله ويصلي وراءه أميرهم صلاة واحدة ثم يصلي لهم ابن مريم وهي الملحمة، ويسلم بقية النصارى ويقيم عيسى ويبشرهم بدرجاتهم في الجنة). أقول: وهذا من الأساطير التي أدخلها كعب على أحاديث آخر الزمان.
* * *
وفي ابن حماد/١٦١، عن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إذا بلغ الدجال عقبة أفِيق،
وقع
ظله على المسلمين فيوترون قسيهم لقتاله فيسمعون نداء: أيها الناس قد أتاكم الغوث
وقد ضعفوا من الجوع فيقولون: هذا كلام رجل شبعان يسمعون ذلك النداء ثلاثاً وتشرق
الأرض بنورها وينزل عيسى بن مريم ورب الكعبة وينادي: يا معشر المسلمين أحمدوا ربكم
وسبحوه وهللوه وكبروه، فيفعلون فيستبقون يريدون الفرار ويبادرون فيضيق الله عليهم
الأرض إذا أتوا باب لد في نصف ساعة فيوافقون عيسى بن مريم قد نزل بباب لد، فإذا نظر
إلى عيسى فيقول: أقم الصلاة، يقول الدجال: يا نبي الله قد أقيمت الصلاة، يقول عيسى:
يا عدو الله أقيمت لك فتقدم فصل، فإذا تقدم يصلي قال عيسى: يا عدو الله زعمت أنك رب
العالمين فلم تصلي؟ فيضربه بمقرعة معه فيقتله فلا يبقى من أنصاره أحد تحت شيء أو
خلفه إلا نادى: يا مؤمن هذا دجالي فاقتله). انتهى. وهو نصٌّ عليه بصمات كعب الأحبار
في الإسقاط والوضع.
أحاديث نزول عيسى (عليه السلام) من مصادرنا
في أمالي الصدوق/١٨١، عن معمر بن راشد قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام)
يقول: أتى يهودي النبي (صلى الله عليه وآله) فقام بين يديه يحد النظر إليه فقال: يا
يهودي ما حاجتك قال: أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه الله وأنزل عليه
التوراة والعصا وفلق له البحر وأظلَّه بالغمام؟ فقال له النبي (صلى الله عليه
وآله): إنه يكره للعبد أن يزكي نفسه، ولكني أقول إن آدم (عليه السلام) ما أصاب
الخطيئة كانت توبته أن قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لمَّا غفرت لي
فغفرها الله له. وإن نوحاً لما ركب في السفينة وخاف الغرق قال: اللهم إني أسألك بحق
محمد وآل محمد لما أنجيتني من الغرق فنجاه الله عنه. وإن إبراهيم (عليه السلام) لما
ألقي في النار قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني منها، فجعلها
الله عليه برداً وسلاماً. وإن موسى (عليه السلام) لما ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة
قال: اللهم إني أسألك بحق محمد
وآل
محمد لما آمنتني، فقال الله جل جلاله: لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى!
يا يهودي، إن موسى لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئاً ولا نفعته
النبوة. يا يهودي ومن ذريتي المهدي، إذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته فقدمه وصلى
خلفه). ومثله الاحتجاج: ١/٤٧ ٤٨ وروضة الواعظين: ٢/٢٧٢، وجامع الأخبار/٨، وعنه
تأويل الآيات: ١/٤٨، والإيقاظ/٣٥١ و٣٧١، عن الاحتجاج والأمالي. وإثبات الهداة:
٣/٤٩٥ و٥٢٤، و٥٦٦، آخره عن أمالي الصدوق والاحتجاج وجامع الأخبار. والبحار: ١٣/٣٤٩،
عن الأمالي وفي رمزه الخصال.
وفي كمال الدين: ١/٣٣١، عن أبي أيوب المخزومي قال: ذكر أبو جعفر محمد بن علي الباقر
(عليه السلام) سير الخلفاء الاثني عشر الراشدين صلوات الله عليهم فلما بلغ آخرهم
قال: الثاني عشر الذي يصلي عيسى بن مريم (عليه السلام) خلفه). وعنه الصراط
المستقيم: ٢/١٣٢، وغاية المرام/٢٠١، والبحار: ٥١/١٣٧.
* * *
وفي
تفسير فرات/٤٤: (عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يا خيثمة سيأتي على الناس زمان لا
يعرفون الله ما هو التوحيد، حتى يكون خروج الدجال، وحتى ينزل عيسى بن مريم من
السماء ويقتل الله الدجال على يده، ويصلي بهم رجل منا أهل البيت، ألا ترى أن عيسى
يصلي خلفنا وهو نبي إلا ونحن أفضل منه). وعنه البحار: ١٤/٣٤٨.
وقال الكراجكي في التفضيل/٢٤: ومما نقلته الشيعة وبعض محدثي العامة أن المهدي (عليه
السلام) إذا ظهر أنزل الله تعالى المسيح (عليه السلام) فإنهما يجتمعان فإذا حضرت
صلاة الفرض قال المهدي للمسيح: تقدم يا روح الله يريد تقدم للإمامة، فيقول المسيح:
أنتم أهل بيت لا يتقدمكم أحد، فيتقدم المهدي (عليه السلام) ثم يصلي المسيح خلفه).
* * *
وفي تفسير القمي: ١/١٥٨، عن شهر بن حوشب قال: قال لي الحجاج آية في كتاب الله قد أعيتني! فقلت: أيها الأمير أية آية هي؟ فقال قوله: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)، والله إني لآمر باليهودي والنصراني فيضرب عنقه، ثم أرمقه بعيني فما أراه يحرك شفتيه حتى يخمد، فقلت: أصلح الله الأمير ليس على ما تأولت، قال: كيف هو؟ قلت: إن عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى أهل
ملة
يهودي ولا نصراني إلا آمن به قبل موته ويصلي خلف المهدي، قال ويحك أنى لك هذا ومن
أين جئت به؟ فقلت حدثني به محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فقال: جئت
بها والله من عين صافية). وعنه مجمع البيان: ٢/١٣٧، والإيقاظ/٣٣٩، والمحجة/٦٢،
والبحار: ١٤/٣٤٩.
حساسية رواة الخلافة من بعض أحاديث نزول المسيح (عليه السلام)
في أحاديثه عن نزول المسيح (عليه السلام) مدح النبي (صلى الله عليه وآله) الجيل
الذين ينزل في المسيح في عصرهم وفضلهم على صحابته. كما شبَّهَ أمته بحديقة تثمر في
كل عصر فوجاً، ولعل فوج ثمرها الذي ينزل فيه عيسى (عليه السلام) يكون أفضل من أوله،
وذكر (عليه السلام) أن الأئمة من أهل بيته (عليهم السلام) ضمانة لبقاء الأمة وأمل
لمستقبلها. وهذا يثير حساسية الخلافة القرشية ورواتها لأنه يفضل هؤلاء على زعمائهم
الذين سموهم الصحابة والجيل الأول وقالوا إنهم أفضل الأجيال وبنوا دينهم على تقديس
بضعة أشخاص منهم.
كما أن أحاديث نزول المسيح تتضمن النص على إمامة الأئمة الاثني عشر من العترة وأن
المهدي خاتمهم (عليهم السلام)! ومع ذلك أفلتت بعض أحاديثها من رقابتهم، ومنها في
مسند أحمد، حتى حذفته أيدي المتأخرين! فقد روى الديلمي في الفردوس: ٥/٥١٥، عن أبي
هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله): ينزل عيسى بن مريم على ثمان مائة رجل وأربع
مائة امرأة، خيار من على الأرض وأصلح من مضى). وزهر الفردوس: ٤/٤٠٣، وجمع الجوامع:
١/١٠١٧، وكنز العمال: ١٤/٣٣٨، والتصريح/٢٥٤ وتذكرة القرطبي: ٢/٧٦٢، وجامع أحاديث
السيوطي: ٨/١٨١. وفي تذكرة القرطبي: ٢/٧٦٢: ليدركن المسيح بن مريم رجالاً من أمتي
مثلكم أو خيراً منكم. وفي/٧٧٤: ليدركن المسيح من هذه الأمة أقواماً إنهم لمثلكم أو
خير منكم ثلاث مرات، ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها).
وروى الترمذي في نوادر الأصول/١٥٦، عن ابن سمرة أن النبي (صلى الله عليه وآله)
عندما سمع بكاء المسلمين على من استشهد في تبوك فسألهم ما يبكيكم؟ فقالوا: وما لنا
لا نبكي
وقد
قتل خيارنا وأشرافنا وأهل الفضل منا! قال: لا تبكوا، فإنما مثل أمتي مثل حديقة قام
عليها صاحبها، فاجتث رواكبها وهيأ مساكنها وحلق سعفها فأطعمت عاماً فوجاً ثم عاماً
فوجاً، ولعل آخرها طعماً يكون أجودها قنواناً وأطولها شمراخاً، والذي بعثني بالحق
نبياً ليجدن ابن مريم في أمتي خلفاً من حواريه). والدر المنثور: ٢/٢٤٥ وكنز العمال:
١٢/١٨١، وأبي نعيم، بتفاوت يسير، وتصريح الكشميري/٢١١. والرواكب: ما يركب من
الأشجار من زوائد منها أو من غيرها. ومعنى حلق سعفها: قصه وكربه. القِنوان مفرد
وجمع: الأعذاق والقطوف. الشمراخ، جمعه شماريخ: غصون الأعذاق: خلفاً من حواريه:
أصحاباً بدل أصحابه أو خيراً منهم.
وفي الحاكم: ٣/٤١، عن ابن نفير قال: لما اشتد جزع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه
وآله) على من قتل يوم مؤتة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليدركن الدجال قوم
مثلكم أو خيراً منكم ثلاث مرات، ولن يخزي الله أمة أنا أولها وعيسى بن مريم آخرها.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه). والعرائس للثعلبي/٢٢٧، عن ابن عباس،
ومناقب ابن المغازلي/٣٩٥، والفرودس: ٣/٢٩٢.
وقال الشافعي في البيان/٥٠٨، عن حديث: كيف يهلك الله أمة أنا في أولها وعيسى في
آخرها والمهدي من أهل بيتي في وسطها: هذا حديث حسن رواه الحافظ أبو نعيم في عواليه
وأحمد بن حنبل في مسنده كما أخرجناه!
وقال السلمي في عقد الدرر/١٤٦، كبيان الشافعي وقال: أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في
مسنده، ورواه الحافظ أبو نعيم في عواليه! وقال في هامشه: ولم أجد الحديث في مسند
الإمام أحمد)!
أقول: ونحن أيضاً لم نجده! فقد تعمدت الأيدي غير الأمينة حذفه منه رغم أنه ناقص عن
أصله! فهو كما رأيت ينص على إمامة أهل البيت (عليهم السلام)! وكان عليهم أن يحذفوا
أيضاً ما رواه أحمد: ٥/٢٧٨، عن ثوبان عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: عصابتان
من أمتي أحرزهم الله من النار: عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع عيسى بن مريم
(عليه السلام)، ومثله تاريخ بخاري: ٦/٧٢، والنسائي: ٦/٤٢، والبيهقي: ٩/١٧٦، ومجمع
الزوائد: ٥/٢٨٢، والجامع الصغير: ٢/١٥٥.
وقد
حرفه في ذكر أخبار إصبهان: ٢/١٢١، فرواه بسنده عن أبي هريرة، وجعل نصه: (ينزل عيسى
بن مريم على ثمان مائة رجل وأربع مائة أمرة خيار من على الأرض يومئذ وكصلحاء من
مضى).
وفي مختصر استدراك الذهبي: ٢/١١٢١: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليدركن
الدجال قوماً مثلكم أو خيراً منكم ثلاث مرات ولن يُخزي الله أمة أنا أولها وعيسى بن
مريم آخرها). وهو نص أن أصحاب عيسى (عليه السلام) من هذه الأمة أفضل من الصحابة
المفضلين عندهم!
* * *
أما
مصادرنا فقد روته ولم تظلم منه شيئاً، ففي عيون أخبار الرضا: ١/٥٢، عن علي (عليه
السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أبشروا ثم أبشروا ثلاث مرات،
إنما مثل أمتي كمثل غيث لا يدرى أوله خير أم آخره، إنما مثل أمتي كمثل حديقة أطعم
منها فوج عاماً، ثم أطعم منها فوج عاماً، لعل آخرها فوج يكون أعرضها بحراً وأعمقها
طولاً وفرعاً وأحسنها حباً. وكيف تهلك أمة أنا أولها واثنا عشر من بعدي من السعداء
وأولوا الألباب والمسيح بن مريم آخرها، ولكن يهلك من بين ذلك نتج الهرج، ليسوا مني
ولست منهم). ومثله الخصال: ٢/٤٧٥، وكمال الدين: ١/٢٦٩، وكفاية الأثر/٢٣٠، بتفاوت
يسير، والعمدة/٤٣٢، والإيقاظ/٣٧٤، عن كفاية الأثر، وإثبات الهداة: ٣/٦١٧، عن مشكاة
المصابيح، وغاية المرام/٧١٠، عن كمال الدين. وفي عيون أخبار الرضا: ١/٥٣، عن علي بن
الحسين عن أبيه (عليهما السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف تهلك أمة
أنا وعلي وأحد عشر من ولدي أولوا الألباب أولها والمسيح بن مريم آخرها ولكن يهلك
بين ذلك من لست منه وليس مني). ومثله كمال الدين: ١/٢٨١، ودلائل الإمامة/٢٣٤.
وفي غيبة الطوسي/١١٤، عن عبد الله بن عمرو العاص: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله) في حديث طويل: فعند ذلك خروج المهدي، وهو رجل من ولد هذا وأشار بيده إلى علي
بن أبي طالب (عليه السلام)، به يمحق الله الكذب ويذهب الزمان الكلِب، به يخرج ذل
الرق من أعناقكم، ثم قال: أنا أول هذه الأمة، والمهدي أوسطها وعيسى آخرها، وبين ذلك
ثبج أعوج). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٠٣، والبحار: ٥١/٧٥. وغاية المرام/٦٩٨، عن غريب
الحديث، والعمدة/٤٣٤، عن تأويل مختلف الحديث، ونحوه دلائل الإمامة/٤٤٣.
أقول:
روت مصادر أتباع الخلافة هذا الحديث عن ابن عمرو العاص كما رواه الشيخ الطوسي، ففي
نوادر أصول الترمذي/١٥٦، عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله): كيف يهلك الله
أمة أنا في أولها وعيسى في آخرها والمهدي من أهل بيتي في وسطها). وتفسير الثعلبي:
٣/٨٢، وتاريخ دمشق: ٥/٣٩٤، و: ٤٧/٥٢٢، وعنه كنز العمال: ١٤/١٢٠، والسيرة الحلبية:
١/١٩٤ و٣١٥، وتفسير النسفي: ١/١٥٦، وفرائد السمطين: ٢/٣٣٨، عن البيهقي، والطبري في
تفسيره: ٣/٢٠٣، عن كعب الأحبار. لكن المتفق عليه في كافة المصادر أن المهدي (عليه
السلام) في آخر الأمة، لذلك نرجح أن يكون أصل الحديث ما رواه في أخبار الدول/٧٦، عن
ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف تهلك أمة أنا أولها، وعيسى بن
مريم في آخرها، والشهداء من أهل بيتي في وسطها). انتهى.
وفي نوادر المعجزات/١٩٧، عن ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف
تهلك أمة أنا أولها والمهدي من أهل بيت أوسطها وعيسى بن مريم في آخرها). ونحوه
الكشف والبيان: ٣/٨٢، وجامع الأحاديث للسيوطي: ٥/١٢٦ و٣٦٧، ونيل الأوطار: ٨/٣١٣،
وحسنه.
* * *
وفي الطيالسي/٢٧٠، عن أنس قال النبي (صلى الله عليه وآله): مَثَلُ أمتي مَثَل المطر لا يُدرى أوله خير أم آخره). ومثله أحمد: ٣/١٣٠، و١٤٣، و: ٤/٣١٩، وتأويل مختلف الحديث/١١٥، والترمذي: ٥/١٥٢، بأكمل منه ونصه: أبشروا أبشروا إنما أمتي كالغيث لا يدرى آخره خير أم أوله، أو كحديقة أطعم منها فوج عاماً كيف تهلك أمة أنا أولها والمهدي أوسطها والمسيح آخرها، ولكن بين ذلك ثبج أعوج، ليس مني ولا أنا منهم. وقال: وفي الباب عن عمار وعبد الله بن عمرو وابن عمر، وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. روى عبد الرحمن بن مهدي أنه كان يثبت حماد بن يحيى الأبح وكان يقول: هو من شيوخنا). ونوادر الأصول/١٥٦، كالطيالسي، وأبو يعلى: ١/١٦٥، وابن حبان: ٩/١٧٦، عن عمار بن ياسر، ومصابيح البغوي: ٤/٢٣٣، كأحمد، من حسانه، ومسند الشهاب: ٢/٢٧٦، كرواية أحمد الأولى، عن ابن عمر، وأنس، ومجمع الزوائد: ١٠/٦٨، قال: رواه أحمد، والبزار، والطبراني ورجال البزار رجال الصحيح غير الحسن بن قزعة وعبيد بن سليمان الأغر وهما ثقتان، وفي عبيد خلاف لايضر. وحَسَّنَ رواية البزار.
رووا أن من يقتل الدجال عيسى وروينا أن المهدي (عليه السلام) يقتله
ورد في نصوص اليهود والنصارى ونصوص أتباع الخلافة نسبة قتل الدجال إلى المسيح (عليه
السلام)، وورد في نصوص أهل البيت (عليهم السلام) نسبة قتله إلى المهدي (عليه
السلام)، ويؤيده أن عيسى (عليه السلام) يبعث وزيراً لا أميراً. ففي الطيالسي/١٧٠،
عن مجمع بن جارية: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يقتل ابن مريم الدجال
بباب لِدّ). بلد بفلسطين. وعبد الرزاق: ١١/٣٩٨، والحميدي: ٢/٣٦٥، وابن حماد/١٥٨،
وروى أن عمر بن الخطاب سأل رجلاً من اليهود فحدثه فقال له عمر: إني قد بلوت منك
صدقاَ فأخبرني عن الدجال فقال: وإله يهود ليقتلنه ابن مريم بفناء لد. وعن أبي أمامة
نحوه. وعن كعب قال: إذا سمع الدجال نزول عيسى بن مريم هرب فيتبعه عيسى فيدركه عند
باب لد فيقتله فلا يبقى شيء إلا دل على أصحاب الدجال فيقول: يا مؤمن هذا كافر. وهو
تحريف من كعب لقول النبي (صلى الله عليه وآله) لايبقى حجر ولا شجر إلا قال يا مسلم
هذا يهودي خلفي فاقتله! فحرفه كعب وتبعه تلميذه ابن العاص!
أبو هريرة كان يأمل أن يدرك المسيح (عليه السلام)!
عبد الرزاق: ١١/٤٠٢، عن يزيد بن الأصم قال: كنت اسمع أبا هريرة يقول: تروني شيخاً
كبيراً قد كادت ترقوتاي تلتقي من الكبر، والله إني لأرجو أن أدرك عيسى وأحدثه عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيصدقني). وابن حماد: ١٦١، وفيه: ثم التفت فرآني من
أحدث القوم فقال: يا ابن أخي: إن أدركته فاقرأه مني السلام). ونحوه ابن شيبة:
١٥/١٤٥.
وجعل أبو هريرة أمنيته على لسان النبي (صلى الله عليه وآله) ففي أحمد: ٢/٢٩٨، عن
أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله): إني لأرجو إن طال بي عمر أن ألقى عيسى بن
مريم (عليه السلام)، فإن عجل بي موت فمن لقيه فليقرؤه مني السلام! ومثله أحمد:
٢/٢٩٨، والطبراني الصغير: ١/٢٥٦، والحاكم: ٤/٥٤٥، ومجمع الزوائد: ٨/٥، وقال: رواه
أحمد بإسنادين مرفوع وهو هذا، وموقوف ورجالهما رجال الصحيح. وأبو يعلى: ٥/٢٠٣، عن
أنس: سيدرك رجال من أمتي عيسى بن مريم ويشهدون قتال الدجال). وعنه الحاكم: ٤/٥٤٤،
ومجمع الزوائد: ٧/٢٨٨ و٤٩، وعن الطبراني.
زعموا أن المسيح يدفن مع النبي (صلى الله عليه وآله)
الوفا بأحوال المصطفى: ٢/٨١٤، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله): ينزل
عيسى
بن مريم إلى الأرض فيتزوج ويولد له ويمكث خمساً وأربعين سنة، ثم يموت فيدفن معي في
قبري، فأقوم أنا وعيسى بن مريم من قبر واحد بين أبي بكر وعمر. وفي خطط المقريزي:
١/١٨٨: روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لوفد جذام: مرحباً بقوم شعيب
وأصهار موسى، ولا تقوم الساعة حتى يتزوج فيكم المسيح ويولد له. وفي المسيح لابن
كثير/١٤٩، عن عائشة مرفوعاً أنه يدفن مع رسول الله وأبي بكر وعمر في الحجرة
النبوية. الخ.
ابن حماد: ٢/٥٨٠، عن عبد الله بن سلام عن أبيه قال: نجد في التوراة أن عيسى بن مريم
يدفن مع محمد. قال أبو مودود: وقد بقي في البيت موضع قبر عيسى بن مريم. وتاريخ
بخاري: ١/٢٦٣، وفيه: ليدفنن عيسى بن مريم مع النبي في بيته. والترمذي: ٥/٥٨٨، وفيه:
مكتوب في التوراة صفة محمد وصفة عيسى بن مريم يدفن معه). انتهى. لكن ابن كثير قال
في حديث الترمذي: ولكن لا يصح إسناده. (النهاية: ٢/١١٨).
* * *
أهم المسائل في نزول عيسى (عليه السلام)
المسألة الأولى: أين ينزل عيسى (عليه السلام)؟
لم يحدد أي حديث عن أهل البيت (عليهم السلام) مكان نزول عيسى (عليه السلام) وهذا
يصحح احتمال نزوله في الغرب في إحدى عواصم أتباعه وعابديه كما نرجح!
أما مصادر أتباع الخلافة فروت أنه ينزل في دمشق، وأقدم نص في ذلك رواه ابن حماد:
٢/٥٦٧، عن كعب الأحبار قال: يهبط المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) عند القنطرة
البيضاء على باب دمشق الشرقي إلى طرف الشجرة).
وروى مسلم في صحيحه: ٤/٢٢٥٠، عن نواس بن سمعان عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في
طائفة النخل.. إلى أن قال: ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها
كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية
الغرض، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك! فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن
مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعاً كفيه على أجنحة
ملكين، إذا طأطأ رأسه قَطَرَ، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد
ريح نفسه إلا مات). انتهى. والعبارة الأخيرة ضعيفة، تحير فيها شراح مسلم، ومعناها
أن الكافر إذا شم ريح نَفَس المسيح (عليها السلام) مات!
والرواية الثالثة عن أويس الثقفي قال النبي: (صلى الله عليه وآله) ويكون نزوله على
المنارة البيضاء التي بشرق جامع دمشق). وقد تقدمت مصادرها.
والرابعة: في سنن الداني/١٤٣، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله): لا
تزال طائفة من أمتي تقاتل عن الحق حتى ينزل عيسى بن مريم عند طلوع الفجر ببيت
المقدس، ينزل على المهدي فيقال له تقدم يا نبي الله فصل لنا، فيقول: إن هذه الأمة
أمير بعضهم على بعض لكرامتهم على الله (عزَّ وجلَّ)) ولا يمكن الاعتماد على مثل هذه
الروايات، ولا مجال لبسط البحث في أسانيدها ومتونها.
المسألة الثانية: محاولة بعضهم إنكار اقتدائه بالمهدي (عليهما السلام)!
وقد عرفت حديثه النبوي الصحيح عند الجميع، لكنه حديثٌ ثقيل على قلب المخالفين لأهل
البيت (عليهم السلام) لأنه يجعل إماماً منهم أفضل من رسول من أولي العزم (عليهم
السلام) لكن ما ذا نصنع لهم إذا كان هذا رواية صحاحهم؟! فنص رواية بخاري: ٤/٢٠٥:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم
منكم؟! ومثله مسلم: ١/١٣٦، و١٣٧، ومسند أبي عوانة: ١/١٠٦، وملاحم ابن المنادي/٥٧،
وابن حبان: ٨/٢٨٣ ٢٨٤، والبيهقي في الأسماء والصفات/٥٣٥، ومصابيح البغوي: ٣/٥١٦، من
صحاحه. إلى آخر المصادر.
ونص مسلم: ١/١٣٧ أو: ١/٩٥، و: ٣/١٥٢٤، وأحمد: ٣/٣٤٥، عن جابر أن النبي (صلى الله
عليه وآله) قال: فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم: تعال صل بنا، فيقول: لا، إن
بعضكم على بعض أمراء، ليكرم الله هذه الأمة). وسنن البيهقي: ٩/٣٩ و١٨٠، وأبو يعلى:
٤/٥٩، وفيه: أمر أكرم الله به هذه الأمة، ومسند أبي عوانة: ١/١٠٦، وابن حبان:
٨/٢٨٩، والداني/١٤٣، والمحلى: ١/٩ و: ٧/٣٩١، وعمدة القاري: ١٦/٤٠، ومسند أبي يعلى:
٤/٥٩، ومنتقى ابن الجارود/٢٥٧، وابن حبان: ١٥/٢٣١، وتاريخ دمشق: ١٤/٣٠٢ و: ٢٩/٣٦٢،
و٤٧/٥٠١، وسبل الهدى: ١٠/٣٧٥، وينابيع المودة: ٣/٢٦٠، والإيمان لبن منده: ١/٥١٧،
ومسند أبي عوانة: ١/١٠٦، والفردوس بمأثور الخطاب: ٥/١٠٣، وخصائص السيوطي: ٢/٣٧٢،
وعقد الدرر/١٠٦، وعقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر، للشيخ العباد
الوهابي/٨ عن بخاري، ومسلم. إلى آخر المصادر.
لكن مع صراحة روايتي بخاري ومسلم وغيرهما، فقد استعظم بعض أئمتهم كالتفتازاني أن
يصلي عيسى خلف المهدي (عليهما السلام) لأنه يعني أن المهدي أفضل من رسول من أولي
العزم (عليهم السلام) فحاول إنكاره! كما اتجه عدد من شُّرَّاح بخاري ومسلم إلى
تأويله وتهوينه بأن عيسى يصلي خلف المهدي (عليهما السلام) مرة واحدة فقط، ثم يصلي
عيسى إماماً، وأن ذلك تكريم للأمة وليس تفضيلاً للمهدي (عليه السلام)! وقلَّ فيهم
من كان صريحاً وقال إن عيسى يقتدي بالإمام المهدي (عليهما السلام) ولا ضير في ذلك!
قال الشافعي في البيان/٤٩٦: هذا حديث حسن صحيح أخرجه مسلم في صحيحه كما سقناه، وإن
كان الحديث المتقدم قد أُوِّلَ (حديث بخاري) فهذا لا يمكن تأويله، لأنه صريح فإن
عيسى يقدم أمير المسلمين وهو يومئذ المهدي، فعلى هذا بطل تأويل من قال: معنى قوله
وإمامكم منكم، أي يؤمكم بكتابكم)! فترى هذا العالم السني يكافح لإثبات أصل صلاة
عيسى خلف المهدي (عليهما السلام) ولو مرة واحدة، وردِّ تأويلهم للحديث النبوي
وتمييعه وإبطاله! وهذا من بؤس البحث العلمي عندهم!
وشبيه بقول الشافعي قول المناوي في فيض القدير: ٦/١٧: (فإنه ينزل عند صلاة الصبح
على المنارة البيضاء شرقي دمشق فيجد الإمام المهدي يريد الصلاة فيحس به فيتأخر
ليتقدم فيقدمه عيسى (عليه السلام) ويصلي خلفه! فأعظم به فضلاً وشرفاً لهذه الأمة،
ولا ينافي ما ذكر في هذا الحديث ما اقتضاه بعض الآثار من أن عيسى هو الإمام
بالمهدي، وجزم به السعد التفتازاني وعلله بأفضليته، لإمكان الجمع بأن عيسى يقتدي
بالمهدي أولاً ليظهر أنه نزل تابعاً لنبينا حاكماً بشرعه، ثم بعدُ يقتدي المهدي به
على أصل القاعدة من اقتداء المفضول بالفاضل).
وقال السلمي في عقد الدرر في أخبار المنتظر/١٠٦: (الباب العاشر في أن عيسى بن مريم
(عليه السلام) يصلي خلفه ويبايعه وينزل في نصرته) ثم أورد تسعة أحاديث وأثرين: وهي
ما تقدم عن بخاري ومسلم، وحديث أبي نعيم عن حذيفة، وحديث ابن حماد عن عبد الله بن
عمرو، وحديث جابر من سنن الداني، وحديث هشام بن محمد من ابن حماد، وحديث أبي أمامة
من الحلية وابن حماد، وحديث حذيفة من سنن الداني، وحديث جابر من مسند أحمد بن حنبل،
وقول كعب الأحبار، وقول السدي من ابن حماد. وقد تقدمت كلها.
ونختم بما قاله السيد الميلاني في المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي/١٤١، بعد أن
أورد عدداً من أحاديث القوم: (وبعد، فلا حاجة للإطالة في إيراد الأحاديث الأخرى
الكثيرة المبينة بأن المراد بالإمام في حديث الصحيحين هو الإمام المهدي (عليه
السلام). وقد جمع معظم هذه الأحاديث السيوطي في رسالته (العرف الوردي في أخبار
المهدي) المطبوعة في كتابه الحاوي للفتاوى، أخرجها من كتاب الأربعين للحافظ أبي
نعيم وزاد عليها ما فات منها على أبي نعيم كالأحاديث التي ذكرها نعيم بن حماد الذي
قال عنه السيوطي، وهو أحد الأئمة الحفاظ وأحد شيوخ البخاري).
أقول: ومن راجع شروح صحيح بخاري يعلم بأنهم متفقون على تفسير لفظة (الإمام) الواردة
في حديث بخاري بالإمام المهدي. فقد جاء في فتح الباري بشرح صحيح البخاري التصريح
بتواتر أحاديث المهدي أثناء شرحه لحديث البخاري المتقدم حتى قال: وفي صلاة عيسى
(عليه السلام) خلف رجل من هذه الأمة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة
للصحيح من الأقوال: إن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة كما فسره في إرشاد الساري
بشرح صحيح البخاري بالمهدي، مصرحاً باقتداء عيسى بالإمام المهدي (عليهما السلام) في
الصلاة. كما نجد هذا في عمدة القاري بشرح صحيح البخاري. وأما في فيض الباري فقد
أورد عن ابن ماجة القزويني حديثاً مفسراً لحديث البخاري ثم قال: فهذا صريح في أن
مصداق الإمام في الأحاديث هو الإمام المهدي.. إلى أن قال: وبأي حديث بعده يؤمنون؟!
وأما في حاشية البدر الساري إلى فيض الباري فقد أطال في شرح الحديث المذكور مبيناً
ضرورة رجوع شارح الأحاديث إلى أحاديث الصحابة الآخرين في كتب الحديث ذات الصلة
بالحديث الذي يراد شرحه، وقد جمع من تلك الأحاديث المبينة لحديث البخاري ما حمله
على التصريح بأن المراد بالإمام هو الإمام المهدي (عليه السلام) قال: وقد بين هذا
المعنى حديث ابن ماجة مفصلاً، وإسناده قوي). وقال في هامشه: فتح الباري شرح صحيح
البخاري: ٦/٣٨٣. إرشاد الساري: ٥/٤١٩. عمدة القاري بشرح صحيح البخاري: ١٦/٣٩ من
المجلد الثامن. فيض
الباري على صحيح البخاري: ٤/٤٤. حاشية البدر الساري إلى فيض الباري: ٤/٤٤. صحيح
مسلم بشرح النووي: ١٨/٣٨).
وقد بحث السيد الميلاني هذا الموضوع أيضاً في كتابه الإمامة في أهم الكتب
الكلامية/٢٨١، وكتابه تفضيل الأئمة على الأنبياء (عليهم السلام) /٢٩، وقال: (ومن
الأدلة على أفضلية الأئمة (عليهم السلام) من الأنبياء السابقين قضية صلاة عيسى خلف
المهدي، وهذا أيضاً مما ناقش فيه بعضهم كالسعد التفتازاني من حيث أن عيسى نبي، وكيف
يمكن أن يقتدي بمن ليس بنبي، وعليه فإن هذه الأحاديث باطلة! لاحظوا عبارته يقول:
فما يقال إن عيسى يقتدي بالمهدي شيء لا مستند له فلا ينبغي أن يعول عليه، نعم هو
وإن كان حينئذ من أتباع النبي فليس منعزلاً عن النبوة فلا محالة يكون أفضل من
الإمام، إذ غاية علماء الأمة الشبه بأنبياء بني إسرائيل). هذه عبارة سعد الدين
التفتازاني، ونحن نكتفي في جوابه بما ذكره الحافظ السيوطي فإنه أدرى بالأحاديث من
السعد التفتازاني، يقول الحافظ السيوطي في الحاوي للفتاوي: هذا من أعجب العجب! فإن
صلاة عيسى خلف المهدي ثابتة في عدة أحاديث صحيحة بإخبار رسول الله وهو الصادق
المصدق الذي لا يخلف خبره. وفي الصواعق لابن حجر دعوى تواتر الأحاديث في صلاة عيسى
خلف المهدي سلام الله عليه. إذن، أثبتنا أفضلية أئمتنا من الأنبياء السابقين بأربعة
وجوه، على ضوء الكتاب والسنة المقبولة عند الفريقين). وقال في هامشه: شرح المقاصد:
٥/٣١٣. الحاوي للفتاوي: ٢/١٦٧. الصواعق المحرقة/٩٩. انتهى.
أقول: نحن نقدر حجم المشكلة التي يشعر بها أئمة أتباع الخلافة، فقد بنوا كل مشروعية
خلافة زعماء قريش على حديث رووه ورددناه، هو أن النبي (صلى الله عليه وآله) في مرض
وفاته أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فاستدلوا بذلك على أنه أفضل من علي (عليه
السلام) وأحق منه بالخلافة. فلو اعترفوا بأن نبي الله عيسى يصلي خلف الإمام المهدي
حفيد علي (عليهما السلام)، لكان معناه أن فرع علي أفضل من
رسول من أولي العزم (عليهم السلام) فكيف بعلي (عليه السلام)! فلا يبقى مكان لأبي
بكر وعمر؟!
لكن مشكلتهم هذه لا حل لها! بل يوجد مشكلة أصعب منها عليهم، وهي ما رووه بسند صحيح
أن النبي (صلى الله عليه وآله) جعل محبي علي وفاطمة والحسنين (عليهم السلام) معه في
درجته في الجنة! فهو يدل عن مكانة العترة كما يدل على أن الدرجة في الجنة تتسع
لملايين! روى أحمد: ١/٧٧، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال: إن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخذ بيد حسن وحسين (رضي الله عنهما) فقال من أحبني
وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة). ورواه من مصادرنا: كامل
الزيارة/١١٧، وأمالي الصدوق/٢٩٩ و٣٧٤، وغيرهما. ومن مصادرهم الترمذي: ٥/٣٠٥، وحسنه،
والطبراني في المعجم الكبير: ٣/٥٠، والصغير: ٢/٧٠، والخطيب في الإكمال للخطيب/١٧٣،
وقال: والحديث صحيح بشواهده. وتاريخ دمشق: ١٣/١٩٦، وأسد الغابة: ٤/٢٩، وتهذيب
الكمال: ٢٩/٣٦٠، وقال: قال عبد الله بن أحمد: لما حدث نصر بن علي بهذا الحديث أمر
المتوكل بضربه ألف سوط! فكلمه جعفر بن عبد الواحد وجعل يقول له: هذا الرجل من أهل
السنة ولم يزل به حتى تركه! والذهبي في تاريخ الإسلام: ١٨/٥٠٨، وزاد على ما في
تهذيب الكمال: قال الخطيب: ظنه المتوكل رافضياً فلما علم أنه من أهل السنة تركه.
وقال ابن أبي دؤاد: كان المستعين بالله بعث إلى نصر بن علي يشخصه للقضاء فدعاه عبد
الملك أمير البصرة فأمره بذلك، فقال: أرجع فأستخير الله (عزَّ وجلَّ)، فرجع إلى
بيته نصف النهار فصلى ركعتين وقال: اللهم إن كان لي عندك خير فآقبضني إليك. فنام
فأنبهوه فإذا هو ميت… وهذه كرامة ظاهرة لهذا الإمام (رحمه الله)). انتهى. وجاء
الذهبي في القرن الثامن وأراد أن يحل مشكلتهم بالصراخ! قال: إسناده ضعيف والمتن
منكر! (سيره: ٣/٢٥٤) وساعده الألباني في القرن العشرين فضعف الحديث(ضعيف سنن
الترمذي/٥٠٤). لكنهما متأخران قروناً عمن صححه، ولا حجة لهما في تضعيف سنده إلا
التعصب، ولا في تضعيف متنه إلا رد فضيلة للنبي وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم
ومن أحبهم، لكن ينبغي أن نشكرهما لأنهما لم يحكما بجلد راويه ألف عصا، كما فعل
إمامهم المتوكل!
المسألة الثالثة: تأثير عيسى (عليه السلام) في الشعوب المسيحية
ودوره في تعميم الإسلام في العالم، فلا بد أنه سيكون له (عليه السلام) تأثير أساسي
في توعية الشعوب الغربية وتغيير الأوضاع السياسية، وقد ورد أنه (عليه السلام) يحتج
على الروم بالمهدي (عليهما السلام) والآيات التي تظهر على يديه، ففي النعماني/١٤٦،
عن عبد الله بن ضمرة، عن كعب الأحبار قال في حديث طويل: ومن نسل علي القائم المهدي
الذي يبدل الأرض غير الأرض، وبه يحتج عيسى بن مريم على نصارى الروم والصين). وعنه
البحار: ٥٢/٢٢٦. ومعناه أن الآيات التي سيظهرها الله تعالى على يد المهدي (عليه
السلام) ستكون بمستوى أن يحتج بها الأنبياء أولوا العزم (عليهم السلام).
المسألة الرابعة: في مدة بقاء عيسى (عليه السلام) في الأرض
وردت في ذلك روايات تقدم عدد منها، في بعضها أنها يبقى ثلاثون سنة، وفي بعضها
أربعون ويموت في حياة الإمام المهدي (عليه السلام) وشذت رواية مرسلة نقلها في إلزام
الناصب أن الإمام المهدي يموت في حياة عيسى (عليهما السلام) ولعلها تصحيف. قال في:
٢/١٨٢، في نسخة مرسلة من خطبة البيان: (بعد ذلك يموت المهدي ويدفنه عيسى بن مريم في
المدينة بقرب قبر جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقبض الملك روحه من الحرمين
وكذلك يموت عيسى ويموت أبو محمد الخضر ويموت جميع أنصار المهدي ووزراؤه وتبقى
الدنيا إلى حيث ما كانوا عليه من الجهالات والضلالات وترجع الناس إلى الكفر فعند
ذلك يبدأ الله بخراب المدن والبلدان). انتهى. ويظهر أنه نص متأثر بروايات كعب
الأحبار. كما ورد أن المسلمين يقاتلون مع عيسى اليهود والروم والدجال، وأنه يحج إلى
بيت الله الحرام كل عام، ويتزوج ويولد له، ثم يتوفاه الله تعالى ويدفنه المسلمون.
وكنت رأيت أن الإمام المهدي (عليه السلام) يتولى مراسم دفنه على أعين الناس حتى لا
يقول فيه النصارى ما قالوه فيه أولاً، وأنه يكفنه بثوب من غزل أمه الصديقة مريم
(عليها السلام) ويدفنه في القدس في قبرها. ثم لم أعثر على المصدر.
* * *
الفصل الثامن والعشرون: الروم في عصر الظهور وبعده
الروم ودورهم في عصر الظهور
المقصود بالروم في أحاديث آخر الزمان وظهور المهدي (عليه السلام): الشعوب الأوربية
وامتدادهم في القرون الأخيرة في أمريكا، فهؤلاء هم أبناء الروم وورثة إمبراطوريتهم
التاريخية. وقد يقال: إن الروم الذين أنزل الله تعالى سورة بغسمهم في كتابه، والذين
حاربهم النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمون من بعده غير هؤلاء. فأولئك هم
البيزنطيون الذين كانت عاصمتهم مدينة روما في إيطاليا، ثم صارت مدينة القسطنطينية
حتى فتحها المسلمون أخيراً قبل نخو خمسة قرون، وسموها (إسلام بول) ويلفظها الناس
استنبول.
والجواب: إن الروم الذين سمى الله السورة باسمهم وصدرت فيهم الأحاديث الشريفة هم
أنفسهم أصحاب الإمبراطورية الرومية أو البيزنطية المعروفة. وهم أنفسهم الغربيون
الفعليون، فهم أحفادهم وامتدادهم السياسي والحضاري، وقد كانت الشعوب الأوربية من
فرنسية وبريطانية وألمانية وغيرها، أجزاء حقيقية من الإمبراطورية الرومية في
ثقافتها وسياستها ودينها. وتسمية مناطقهم آنذاك بالمستعمرات الرومانية لا يلغي هذه
الحقيقة، بل إن أباطرة الروم البيزنطيين أنفسهم في روما وقسطنطينة على مدى الألفي
سنة، لم يكونوا كلهم من أصل إيطالي فقط،
بل من أصول وأعراق أوربية متعددة، كما أن اليونان صارت جزءً من الإمبراطورية
الرومانية. وهذا السبب في أنه عندما ضعفت الإمبراطورية الرومية وأصبحت محصورة في
القسطنطينية وما حولها ومحاصرة ببحر الشعوب الإسلامية، قام الأوربيون بادعاء
وراثتها، وتسمى عدد من ملوكهم في ألمانيا وغيرها بالقياصرة.
والتحولات في الإمبراطوريات أمر طبيعي حيث ينتقل الحكم فيها من بلد إلى بلد ومن شعب
إلى شعب، ولا ينافي ذلك بقاء اسمها الأساسي وصفاتها الأساسية.
وعلى هذا، فالأحاديث التي تخبر عن مستقبل الروم أو بني الأصفر كما يسميهم العرب،
تشمل كل الشعوب والقبائل الفرنجية التابعة لهم، لذلك سماهم المسلمون الروم الفرنجة
أحياناً، وجمعوا اسمهم على (الأروام).
كثرة المكذوبات حول الروم
من الصعوبة بمكان أن تقوم بتصفية الصحيح في أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام)
والروم، من بين سيل المكذوبات التي تغص بها مصادر رواة الخلافة القرشية، ولعل
رائدهم في ذلك ابن حماد المتوفى سنة٢٢٧هجرية، وهو من كبار أئمتهم ومن شيوخ بخاري
وغيره من المؤلفين، فقد سوَّدَ عشرات الصفحات في كتابه الفتن حول الروم والملاحم
الموعودة معهم، قلَّما تجد بينها حديثاً يمكنك نسبته إلى النبي (صلى الله عليه
وآله) أو أثراً معقولاً عن الصحابة والتابعين!
يصور رواة ابن حماد أن مستقبل العالم سينتهي قريباً بعد سنوات! فعندما يفتح
المسلمون القسطنطينية سيخرج الدجال ثم يخرج عيسى والمهدي (عليهما السلام)، ثم تخرج
يأجوج ومأجوج، ودابة الأرض، ثم تخرج نار من عدن تسوق الناس إلى المحشر، ثم تهبُّ
ريح طيبة تقبض أرواح المؤمنين، ثم يموت الباقون بعد أربعين يوماً! كل ذلك في مدة
قصيرة نحو خمسين سنة!
هذا هو المشهد في رواياتهم أو الفيلم، ومُخْرِجُه كعب الأحبار وتلاميذه من
الصحابة والتابعين! وقد بحثنا هذه المشكلة في فصل الدجال وأثبتنا فيها تحويلهم
مقولات كعب إلى أحاديث نبوية! فكيف يمكنك استخلاص أحاديث الرسول الأمين (صلى الله
عليه وآله) الذي لا ينطق عن الهوى، من بين هذا الركام الذي أنتجته مخيلاتهم وأسقطوا
عليه أوضاع عصرهم وبداوتهم ومشاكلهم، وفي مقدمتها فتح القسطنطينية الذي استعصى على
المسلمين وفشلت غزواتهم لها على مدى تسعة قرون، حتى فتحها القائد العثماني محمد
الفاتح سنة٨٧٥ هجرية؟!
إستمع إلى إمامهم ابن حماد يحدثك عن المهدي والروم والقسطنطينية:
قال في الفتن: ٢/٤٧٥ و٥٤٨ و٦٧٩: (عن عبد الله بن عمرو قال: ملاحم الناس خمس: فثنتان
قد مضتا، وثلاث في هذه الأمة ملحمة الترك وملحمة الروم وملحمة الدجال ليس بعد ملحمة
الدجال ملحمة).
وفي: ٢/٥١٩ و٥٩٧: (عن وهب بن منبه قال: أول الآيات الروم، ثم الثانية الدجال،
والثالثة يأجوج، والرابعة عيسى بن مريم (عليه السلام). وفي إحداها: ثم عيسى، ثم
الدخان).
وفي: ٢/٥٢٣: (عن كعب قال لا يخرج الدجال حتى تفتح المدينة... عن بشير بن عبد الله
بن يسار قال: أخذ عبد الله بن بسر المزني صاحب رسول الله بأذني، فقال: يا ابن أخي
لعلك تدرك فتح القسطنطينية، فإياك إن أدركت فتحها أن تترك غنيمتك منها!! فإن بين
فتحها وبين خروج الدجال سبع سنين. ونحوه: ٢/٦٩٢.. عبد الله بن عمرو قال: يخرج
الدجال بعد فتح القسطنطينية قبل نزول عيسى بن مريم ببيت المقدس).
وفي: ٢/٥٢٤: (عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الملحمة
العظمى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر، قال وأخبرنا صفوان عن أبي
اليمان عن كعب مثله... وأخبرني ضمرة بن حبيب أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أبي
بحرية أنه بلغه أنك تحدث عن معاذ في الملحمة والقسطنطينية وخروج الدجال؟ فكتب إليه
أبو بحرية: إنه سمع معاذاً يقول: الملحمة العظمى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في
سبعة أشهر... عن ابن محيريز قال: الملحمة العظمى وخراب
القسطنطينية وخروج الدجال حمل امرأة.. عن عبد الله بن بسر عن النبي (صلى الله عليه
وآله): بين الملحمة وفتح القسطنطينية ست سنين ويخرج الدجال في السنة السابعة... عن
كعب قال: يخرج الدجال في سنة ثمانين والله أعلم. أي الثمانين ثمانين ومائتين أو
غيرها. عن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لن يجمع الله على هذه الأمة سيف
الدجال وسيف الملحمة). وفي: ٢/٥٢٧: (بلغني أن الدجال يخرج بعد فتح القسطنطينية
وبعدما يقيم المسلمون فيها ثلاث سنين وأربعة أشهر وعشراً). وفي: ٢/٥٣٠: (عن كعب:
يأتيهم الخبر بعد فتحها يعني فتح القسطنطينية فيرفضون ما في أيديهم فيخرجون فيجدونه
باطلاً! لا يخرج الدجال إلا بعدها، تتعلق به حية إلى جانب البحر ثم يخرج! وفي رواية
تتعلق به حية إلى ساحل البحر).
وفي: ٢/٤٨٣: (عن عمير بن مالك قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص بالأسكندرية
يوماً فذكروا فتح القسطنطينية ورومية فقال بعض القوم تفتح القسطنطينية قبل رومية
وقال بعضهم تفتح رومية قبل القسطنطينية فدعا عبد الله بن عمرو بصندوق له فيه كتاب
فقال تفتح القسطنطينية قبل رومية ثم تغزون رومية بعد القسطنطينية فتفتحونها وإلا
فأنا عبد الله من الكاذبين يقولها ثلاث مرات)!
وفي: ٢/٤٩٩: (عبد الله بن عمرو يقول: يوشك أن يخرج حمل الضان ثلاث مرار. قلت: ما
حمل الضان؟ قال: رجل أحد أبويه شيطان يملك الروم يجيء في ألف ألف وخمس مائة ألف ألف
ألف في البر، وخمس مائة ألف في البحر، حتى ينزل أرضاً يقال لها العمق فيقول
لأصحابه: إن لي في سفنكم طلبة، فإذا نزلوا عنها أمر بها فأحرقت، ثم يقول لا
قسطنطينية لكم ولا رومية، فمن شاء فليقم! ويستمد المسلمون بعضهم بعضاً، فذكر الحديث
حتى تستفتحوا القسطنطينية الزانية! إني لأجدها في كتاب الله تعالى الزانية). وفي:
١/٣٩٩: (عن محمد بن الحنفية قال: ينزل خليفة من بني هاشم بيت المقدس يملأ الأرض
عدلاً يبني بيت المقدس بناء لم يبن مثله... ثم يجتمعون له بالعمق فيموت فيها
غماً..).
وفي: ٢/٤٦٦: (شريح بن عبيد قال: سمعت كعب الحبر يقول: سميت القسطنطينية بخراب بيت
المقدس فتعززت وتجبرت فدعيت المستكبرة وقالت يكون عرش ربي بني على الماء فقد بنيت
على الماء، فوعدها الله تعالى العذاب قبل يوم القيامة فقال: لأنزعن حليك وحريرك
وخميرك ولأتركنك لا يصيح فيك ديك ولا أجعل لك عامراً إلا الثعالب ولا نباتاً إلا
الحجارة والينبوت، ولأنزلن عليك ثلاث نيران نار من زفت ونار من كبريت ونار من نفط،
ولأتركنك جلحاء قرعاء لا يحول بينك وبين السماء شيء، وليبلغني صوتك ودخانك وأنا في
السماء فإنه طال ما أشرك بالله تعالى فيها وعبد غيره وليقترعن فيها بجوارٍ ما يكدن
يرين الشمس من حسنهن فلا يعجزن من بلغ منكم أن يمشي منكم إلى بيت بلاط ملكهم، فإنكم
ستجدون فيه كنز اثني عشر ملكاً من ملوكهم كلهم يزيد فيه ولا ينقص منه، على تماثيل
بقر أو خيل من نحاس يجري على رؤسها الماء فليقتسمن كنوزها كيلاً بالأترسة وقطعاً
بالفؤس، فإنكم منه على ذلك حتى يعجلكم النار التي وعدها الله فتحتملون ما استطعتم
من كنوزها حتى تقتسموه بالفرقدونه، فيأتيكم آت من قبل الشام إن الدجال قد خرج
فترفضون ما في أيديكم فإذا بلغتم الشام وجدتم الأمر باطلاً، وإنما هي نَفْجَة كذب).
وفي: ٢/٤٩٤: (عن كعب قال: إن لله تعالى في الروم ثلاث ذبائح أولهن اليرموك والثانية
في نقس يعني التمرة وهي حمص، والثالثة الأعماق.. عن كعب قال: لا تفتح القسطنطينية
حتى تفتح كليتها! قيل: وما كليتها قال عمورية.. عن كعب قال: في الملحمة العظمى تخرب
سواحل الشام حتى تبكي السواحل من خرابها كبكاء المدن والقرى).
ونختم بما رواه ابن حماد وتفاخر به عن مؤلفات كعب الأحبار، أستاذهم جميعاً وبائع
هذا الحشو للخليفة فمن دونه. قال في: ٢/٤٩٢: (عن سعيد بن جابر قال له رجل من آل
معاوية: ألا تقرأ صحيفة من صحف أخيك كعب؟ قال فطرح إليَّ صحيفة مكتوب فيها: قل لصور
مدينة الروم، وهي تسمى بأسماء كثيرة، قل لصور بما
عتيتِ عن أمري وتجبرت بعد بجبروتك عنه: تباريْ بجبروتك عن جبروتي وتمثلين، يكون
فلكك منه بعرشي، لأبعثن عليك عبادي الأميين وولد سبأ أهل اليمن الذين يردون الذكر
كما ترد الطير الجياع اللحم، وكما ترد الغنم العطاش الماء، ولأنزعن الله قلوب أهلك
ولأشدن عمر قلوبهم ولأجعلن كل صوت أحدهم عند الباس كصوت الأسد يخرج من الغابة فيصيح
به الرعاة فلا تزده أصواتهم إلا جرأة وشدة، ولأجعلن كل حوافر خيولهم كالحديد على
الصفا ليدرك يوم الباس، ولأشدن عمر أوتار قسيهم ولأتركنك لأنه جلحاء للشمس،
ولأتركنك لا ساكن لك إلا الطير والوحش، ولأجعلن كل حجارتك ولو كبريتاً ولأجعلن كل
دخانك يحول دون طير السماء، ولأسمعن جزائر البحر صوتك.. في وعيد كثير لم يحفظه
كله). إلى آخر هذه خيالاته!
أقول: هذا يدل على أن كعباً كان يؤلف وينشر حشوه بين المسلمين، ويزعم أنه وحيٌ عن
لسان الله تعالى وجده في التوراة أو أنزل عليه! ولم ينس كعب أن يجعل لليمانيين
سهماً في فتح القسطنطينية، لكن الله تعالى كذَّبه وجعل فتحها بعد ثمانية قرون على
يد الأتراك الذين ليس فيهم يماني ولا عربي! كما يظهر أن كعباً كان يخص الطبقة
الحاكمة بمؤلفاته! فهذه الصحائف أهداها لمعاوية، لأن الذي كان يحتفظ بها من آل
معاوية!
كما كان كعب الأحبار يرافق جيش الفتح أحياناً إلى المناطق الآمنة ويحدثهم بمغيباته!
فقد روى عمر بن شبة في تاريخ المدينة: ٣/١١١٧، أن محمد بن أبي حذيفة الأموي وهو من
قادة الفتح كان يهزأ بكلام كعب! (عن محمد بن سيرين قال: ركب كعب الأحبار ومحمد بن
أبي حذيفة في سفينة قِبَلَ الشام، زمن عثمان في غزوة غزاها المسلمون، فقال محمد
لكعب: كيف تجد نعت سفينتنا هذه في التوراة تجري غداً في البحر؟! فقال كعب: يا محمد
لا تسخر بالتوراة، فإن التوراة كتاب الله. قال:
ثم قال له محمد ذاك ثلاث مرات)! انتهى. لاحظ أن كعباً جعل السخرية بكلامه وأوهامه
سخرية بالتوراة! لكن محمد بن أبي حذيفة الأموي لا يحترم كعباً، لأنه كان (رحمه
الله) شيعياً يأخذ من أهل البيت (عليهم السلام) ويسخر من هرطقات كعب!
أقوى النصوص حول الروم في عصر الإمام المهدي (عليه السلام)
استثارة الروم على المسلمين
تقدم في حديث صحيح عن الإمام الباقر قوله في علامات الإمام المهدي (عليهما السلام):
(وخسف قرية من قرى الشام تسمى الجابية، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة.
واختلاف كثير عند ذلك في كل أرض حتى تخرب الشام، ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث
رايات فيها: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني). (الإرشاد للمفيد/٣٥٩).
وفي الأصول الستة عشر/٧٩: (جعفر عن إبراهيم عن جابر قال قال لي محمد بن علي (عليهما
السلام): ضع خدك على الأرض ولا تحرك رجليك حتى ينزل الروم الرميلة والترك الجزيرة
وينادى مناد من دمشق).
هذا، وقد تقدم في فصل مدة ملكه أن دولة أهل البيت (عليهم السلام) تشمل مشارق الأرض
ومغاربها، ويمتد زمنها إلى يوم القيامة، فلا ظلم بعدها في الأرض، ولا دولة غيرها.
مجيء الروم إلى السواحل وخروج أهل الكهف
في مختصر البصائر/٢٠١: (ووقفت على كتاب خطب لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)
وعليه خط السيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس ما صورته: هذا
الكتاب ذكر كاتبه رجلين بعد الصادق (عليه السلام) فيمكن أن يكون تأريخ كتابته بعد
المأتين من الهجرة، لأنه (عليه السلام) انتقل بعد سنة مائة وأربعين من الهجرة، وقد
روى
بعض ما فيه عن أبي روح فرج بن فروة، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد (عليه
السلام)، وبعض ما فيه عن غيرهما. ذكر في الكتاب المشار إليه خطبة لمولانا أمير
المؤمنين (عليه السلام) تسمى المخزون.. ثم ذكر الخطبة بطولها جاء فيه: (وينادي مناد
في شهر رمضان من ناحية المشرق عند ما تطلع الشمس يا أهل الهدى اجتمعوا، وينادي من
ناحية المغرب بعد ما تغيب الشمس يا أهل الضلالة اجتمعوا، ومن الغد عند الظهر تكور
الشمس فتكون سوداء مظلمة، واليوم الثالث يفرق بين الحق والباطل بخروج دابة الأرض،
وتقبل الروم إلى قرية بساحل البحر عند كهف الفتية، ويبعث الله الفتية من كهفهم
إليهم رجل يقال له تمليخا والآخر مكسلينا وهما الشهداء المسلمون للقائم فيبعث أحد
الفتية إلى الروم فيرجع بغير حاجة ويبعث بالآخر فيرجع بالفتح فيومئذ تأويل هذه
الآية: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض
طَوْعاً وَكَرْهاً)). والإيقاظ/٢٨٩، بعضه، والبحار: ٥٣/٧٧.
بعض أعداء المهدي (عليه السلام) يهربون إلى بلاد الروم
الكافي: ٨/٥١، عن بدر بن الخليل الأسدي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في
قول الله (عزَّ وجلَّ): (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا
هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ. لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ
وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ)، قال: إذا قام القائم وبعث إلى
بني أمية بالشام فهربوا إلى الروم، فيقول لهم الروم: لا ندخلنكم حتى تتنصروا،
فيعلقون في أعناقهم الصلبان، فيدخلونهم. فإذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم طلبوا
الأمان والصلح، فيقول أصحاب القائم: لا نفعل حتى تدفعوا إلينا من قبلكم منا. قال:
فيدفعونهم إليهم فذلك قوله: (لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلى
مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ)، قال:
يسألهم عن الكنوز وهو أعلم بها. قال: (قَالُوا يَا وَيْلَنَا
إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ. فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ
حَصِيداً خَامِدِينَ). بالسيف). وعنه: تأويل الآيات: ١/٣٢٦، وإثبات الهداة:
٣/٤٥٠، والبحار: ٥٢/٣٧٧. ومعنى: إذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم طلبوا الأمان: أن
أصحاب
المهدي (عليه السلام) يحشدون قواتهم في مواجهة الروم ويهددونهم. والمقصود ببني
أمية: أصحاب السفياني كما نصت على ذلك أحاديث أخرى. ويبدو أنهم وزراؤه وقادة جيشه
وأن لهم أهمية سياسية كبيرة، ولذلك يهدد المهدي (عليه السلام) وأصحابه الروم بالحرب
إذا لم يسلموهم إياهم. وسيأتي بمعناه في فصل التفسير، في تفسير قوله تعالى: (حَتَّى
إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ
قَادِرُونَ عَلَيْهَا).
وفي العياشي: ٢/٢٣٥، عن جميل بن دراج قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (وَقَدْ
مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ
مِنْهُ الْجِبَالُ). وإن كان مكر بني برهان بالقائم لتزول منه قلوب الرجال).
والبرهان: ٢/٣٢١، والمحجة/١١١، وفيهما: مكر بني العباس.
أحاديث الصلح بين الإمام المهدي (عليه السلام) والروم
في الطبراني الكبير: ٨/١٠١ و١٢٠، عن أبي أمامة: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): سيكون بينكم وبين الروم أربع هدن يوم الرابعة على يد رجل من أهل هرقل يدوم
سبع سنين. فقال له رجل من عبد القيس يقال له المستورد بن غيلان: يا رسول الله من
إمام الناس يومئذ؟ قال: المهدي من ولدي ابن أربعين سنة كأن وجهه كوكب دري، في خده
الأيمن خال أسود، عليه عباءتان قطوانيتان كأنه من رجال بني إسرائيل، يملك عشرين
سنة، يستخرج الكنوز ويفتح مدائن الشرك). وقد تقدم في مدة ملك المهدي (عليه السلام).
ويوم الرابعة: أي يوم عقد الهدنة الرابعة. والعباءة القطوانية: البيضاء القصيرة
الخمل. كأنه من رجال بني إسرائيل: أي جميل يشبه في كمال بدنه أبناء يعقوب (عليه
السلام) وإبراهيم.
وذكر عدد من الأحاديث أن مدة الصلح تكون عشر سنين، وأن الروم ينقضونها بعد سبع سنين
أو ثلاث ويهاجمون المسلمين بمئات الألوف من الجنود، وهذا لم يحدث من قبل. فقد روى
ابن حماد: ٢/٤٧٠، عن عدد من الصحابة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: فيخرج
الروم على ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً). والغاية: الراية، أي بنحو
مليون جندي. (ومسند الشاميين للطبراني: ١/١٣٣، وسنن الداني/١٠٤).
تخريبهم حديث الصلح مع الروم وزيادتهم فيه!
يرى المتتبع أنهم أخذوا حديث صلح المسلمين مع الروم على يد المهدي (عليه السلام)
وأسقطوه على عصرهم وزادوا فيه عناصر الصراع مع الروم يومذاك!
لاحظ اهتمام رواة ابن ماجة: ٢/١٣٦٩، بحديث ذي مخمر لتطبيقه على عصرهم: (قال لي
جبير: إنطلق بنا إلى ذي مخمر وكان رجلاً في أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
فانطلقت معهما فسأله عن الهدنة فقال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول)! ونحوه
أبو داود: ٤/١٠٩، والطبراني الكبير: ٤/٢٧٨، والحاكم: ٤/٤٢١، وصححه، والبيهقي:
٩/٢٢٣، والبغوي: ٣/٤٨٤ وفي الدر المنثور: ٦/٦٠، عن أحمد وأبي داود وابن ماجة وابن
حبان والحاكم. ثم لاحظ كيف دخلت خيالات الرواة في الحديث فصار نصه في الفتن لابن
حماد: ٢/٥٠٦: (يكون بين المهدي وبين طاغية الروم صلح بعد قتله السفياني ونهب كلب،
حتى يختلف تجاركم إليهم وتجارهم إليكم ويأخذون في صنعة سفنهم ثلاث سنين، ثم يهلك
المهدي فيملك رجل من أهل بيته يعدل قليلاً ثم يجور فيقتل قتلاً، ولا ينطفئ ذكره حتى
ترسي الروم فيما بين صور إلى عكا فهي الملاحم)! وفي: ١/٣٩٧: (يكون بين المهدي وبين
الروم هدنة ثم يهلك المهدي ثم يلي رجل من أهل بيته يعدل قليلاً ثم يسل سيفه على أهل
فلسطين فيثورون به فيستغيث بأهل الأردن فيمكث فيهم شهرين يعدل بعد المهدي، ثم يسل
سيفه عليهم فيثورون به فيخرج هارباً حتى ينزل دمشق فهل رأيت الأسكفة التي عند باب
الجابية حيث موضع توابيت الصرف الحجر المستدير دونه على خمسة أذرع عليها يذبح! ولا
ينطفئ ذكر دمه حتى يقال قد أرست الروم بين صور إلى عكا فهي الملاحم).
وفي فتن ابن حماد: ٢/٤٧٠: (عن غير واحد من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]
وسلم) قال: يكون بين المسلمين وبين الروم هدنة على أن يبعث المسلمون إليهم جيشاً
يكون بالقسطنطينية غوثاً لهم! فيأتيهم عدو من ورائهم يقاتلونهم فيخرج إليهم
المسلمون والروم معهم فينصرهم الله عليهم ويهزمونهم ويقتلونهم، فيقول قائل من الروم
غلب الصليب، ويقول قائل من المسلمين: بل الله غلب الله، فيتراجع القوم
ذلك بينهم فيقوم المسلم إلى الرومي فيضرب عنقه فتنتكث الروم حتى إذا رجعوا إلى
القسطنطينية وأمنوا قتلوهم وهم آمنون فإذا قتلوهم عرفوا أن المسلمين سيطلبونهم
بدمائهم فيخرج الروم على ثمانين غاية تحت كل غياية اثنا عشر ألفاً! قال أبو قبيل
فإذا جاءت الروم لم يكن للناس بعدهم قوام ومعهم يومئذ الترك وبرجان والسقالبة).
كما روى ابن حماد: ٢/٤٣٨، عن ذي مخبر: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:
تصالحون الروم عشر سنين صلحاً آمناً يفون لكم سنتين ويغدرون في الثالثة أو يفون
أربعاً ويغدرون في الخامسة). ولاحظ كيف زادواه في رواية أحمد: ٤/٩١، قوله: حتى
تنزلوا بمرج ذي تلول، فيرفع رجل من النصرانية صليباً فيقول: غلب الصليب، فيغضب رجل
من المسلمين فيقول إليه فيدقه، فعند ذلك يغدر الروم ويجمعون للملحمة)!
ثم كيف دخل عنصر الشام والدجال في الحديث! في رواية ابن حماد/٧، عن عوف بن مالك
الأشجعي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أُعْدُدْ يا عوف ستاً بين يدي
الساعة: أولهن موتي فاستبكيت حتى جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسكتني ثم
قال: قل إحدى والثانية: فتح بيت المقدس، قل اثنتين، والثالثة: مَوَتَانٌ يكون في
أمتي كقعاص (مرض) الغنم، قل ثلاثاً، والرابعة: فتنة تكون في أمتي، قال وعظمها، قل
أربعاً، والخامسة: يفيض المال فيكم حتى يعطى الرجل الماية الدينار فيتسخطها، قل
خمساً. والسادسة: هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، ثم يسيرون إليكم فيقاتلونكم
والمسلمون يومئذ في أرض يقال لها الغوطة في مدينة يقال لها دمشق).
وفي/١١٧، عن حذيفة قال: فتح لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فتح لم يفتح له مثله
منذ بعثه الله تعالى فقلت له، يهنيك الفتح يا رسول الله قد وضعت الحرب أوزارها
فقال: هيهات هيهات، والذي نفسي بيده إن دونها يا حذيفة لخصالاً ستاً: أولهن موتي ثم
ساق قصة طويلة كانت السادسة فيها معركة كبرى للمسلمين مع الروم، وقال في آخرها:
فعند ذلك يا حذيفة تضع الحرب أوزارها، فيعيشون في ذلك ما شاء الله ثم يأتيهم
من قبل المشرق خبر الدجال أنه قد خرج). انتهى.
أقول: لايوجد ذكر لدمشق والدجال في أغلب روايات نزول عيسى (عليه السلام)، فلا يبعد
أن يكون من إضافات كعب وأتباعه! ففي ابن أبي شيبة: ١٥/١٠٤، عن عوف بن مالك، ومعاذ
بن جبل، كما في رواية ابن حماد وليس فيهما ذكر دمشق. وكذا أحمد: ٥/٢٢٨، وفي: ٦/٢٢،
وفي: ٦/٢٧، عن عوف وفيه: وفتنة تدخل بيت كل شعر ومدر. فيغدرون بكم فيسيرون إليكم في
ثمانين غاية). انتهى.
وهذا يعني أنهم زادوا ذكر دمشق والمرج ذي التلول والدجال، وعناصر الصراع يومها مع
الروم، فخربوا حديث النبي (صلى الله عليه وآله)! راجع أيضاً وقارن: بخاري: ٤/١٢٣،
رواه إلى قوله اثنا عشر ألفاً. وأبو داود: ٤/٣٠٠، وابن ماجة: ٢/١٣٤١،
والروياني/١٢٣، وابن المنادي/٤، والطبراني الأوسط: ١/٦٧، والكبير: ١٨/٤٠، ومسند
الشاميين: ١/٣٩٨. الخ.
ويؤكد ما قلناه ما ذكره في فتح الباري: ٦/١٩٩، في المعركة الموعودة التي تلي الصلح
مع الروم: (وقال ابن المنير: أما قصة الروم فلم تجتمع إلى الآن ولا بلغنا أنهم غزوا
في البر في هذا العدد فهي من الأمور التي لم تقع بعد وفيه بشارة ونذارة، وذلك أنه
دل على أن العاقبة للمؤمنين مع كثرة ذلك الجيش، وفيه إشارة إلى أن عدد جيوش
المسلمين سيكون أضعاف ما هو عليه. ووقع في رواية للحاكم من طريق الشعبي عن عوف بن
مالك في هذا الحديث أن عوف بن مالك قال لمعاذ في طاعون عمواس: إن رسول الله (صلى
الله عليه وآله) قال لي: أعدد ستاً بين يدي الساعة فقد وقع منهن ثلاث يعني موته
(صلى الله عليه وآله) وفتح بيت المقدس والطاعون، قال: وبقي ثلاث. فقال له معاذ: إن
لهذا أهلاً. ووقع في الفتن لنعيم بن حماد أن هذه القصة تكون في زمن المهدي على يد
ملك من آل هرقل). انتهى. وبذلك يحق لك أن تشك في كل العناصر التي لم تكن في روايات
الحديث المختصرة!
ونخلص من مجموع رواياته: أن الهدنة الأخيرة التي تكون بين المسلمين والروم تكون على
يد المهدي (عليه السلام) ومعه المسيح (عليه السلام)، وأن الروم ينقضونها بعد سنين
ويغزون
المنطقة بنحو مليون جندي فتكون بينهم معركة فاصلة ينتصر فيها المهدي (عليه السلام)
انتصاراً كاسحاً، وينفتح أمامه باب الدخول إلى قلوب شعوب الغرب بمساعدة المسيح
(عليهما السلام).
ولا بد أن تحذف منها كل ما هو متأثر بأجواء الصراع الماضي بين المسلمين والروم
وتخلو منه النصوص الأصلية للحديث، كذكر دمشق والدجال والقسطنطينية، ودور عرب الشمال
أو الجنوب في المعركة مع الروم. وكذلك مكان المعركة ومحورها الذي ذكر وأنه يكون من
أنطاكية إلى حيفا، فالمؤكد أنها ستقع لكن قد تكون في محور آخر، والله العالم.
معنى أن الإمام المهدي (عليه السلام) يفتح المدينة الرومية بالتكبير
في العلل المتناهية: ٢/٨٥٥، عن كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن جده قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا تقوم الساعة حتى يفتح الله على المسلمين
قسطنطنية ورومينية بالتسبيح والتكبير). انتهى.
أقول: يظهر أن هذه الفكرة أعجبت كعب الأحبار فأسقطها على القسطنطينية في عصره! ففي
عقد الدرر/١٨٠، عن قصص الأنبياء للكسائي عن كعب الأحبار قال: يخرج المهدي إلى بلاد
الروم وجيشه مائة ألف فيدعو ملك الروم إلى الإيمان فيأبى فيقتتلان شهرين فينصر الله
تعالى المهدي. ويقتل من أصحابه خلقاً كثيراً وينهزم ويدخل إلى القسطنطينية فينزل
المهدي على بابها ولها يومئذ سبعة أسوار، فيكبر المهدي سبع تكبيرات فيخرُّ كل سور
منها، فعند ذلك يأخذها المهدي، ويقتل من الروم خلقاً كثيراً، ويسلم على يديه خلق
كثير).
وفي الفتن: ٢/٤٧٥: (عن بكر بن سوادة، عن شيخ من حِمْير قال: ليكونن لكم من عدوكم
بهذه الرملة رملة إفريقية يوم تقبل الروم في ثمان مائة سفينة، فيقاتلونكم على هذه
الرملة، ثم يهزمهم الله فتأخذون سفنهم فتركبوا بها إلى رومية فإذا أتيتموها كبرتم
ثلاث تكبيرات ويرتج الحصن من تكبيركم فينهار في الثالثة قدر ميل
فيدخلونها، فيرسل الله عليهم غمامة تغشاهم فلا تُنهنهم حتى يدخلوها، فلا تنجلي تلك
الغبرة حتى تكونوا على فرشهم).
وفي عقد الدرر/١٣٩، مرسلاً عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، في قصة
المهدي وفتوحاته، قال: ثم يسير ومن معه من المسلمين، لا يمرون على حصن ببلد الروم
إلا قالوا عليه لا إله إلا الله فتتساقط حيطانه. ثم ينزل من القسطنطينية فيكبرون
تكبيرات فينشف خليجها ويسقط سورها. ثم يسير إلى رومية فإذا نزل كبر المسلمون ثلاث
تكبيرات فتكون كالرملة على نشز... وذكر باقي الحديث).
وفي عقد الدرر/١٨٩، مرسلاً عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (فيكبر المسلمون ثلاث
تكبيرات فتكون كالرملة على نشز، فيدخلونها فيقتلون بها خمس مائة ألف مقاتل ويقتسمون
الأموال، حتى يكون الناس في الفيء شيئاً واحداً، لكل إنسان منهم مائة ألف دينار
ومائة رأس ما بين جارية وغلام).
وفي القول المختصر/١٤: (يفتح رومية بأربع تكبيرات ويقتل بها ستمائة ألف، ويستخرج
منها حلي بيت المقدس والتابوت الذي فيه السكينة، ومائدة بني إسرائيل ورضاضة الألواح
وحلة آدم وعصى موسى، ومنبر سليمان، وقفيزين من المن الذي أنزل الله (عزَّ وجلَّ)
على بني إسرائيل أشد بياضاً من اللبن، ثم يأتي المدينة التي يقال لها القاطع طولها
ألف ميل وعرضها خمسمائة ميل ولها ستون وثلاث مائة باب يخرج من كل باب مائة ألف
مقاتل، فيكبرون عليها أربع تكبيراًت فيسقط حائطها فيغنمون ما فيها، ثم يقيمون فيها
سبع سنين، ثم ينتقلون منها إلى بيت المقدس، فيبلغهم أن الدجال قد خرج في يهود
أصبهان). انتهى.
وتلاحظ أن أفكارهم عن القسطنطينية والدجال قد دخلت في نص الحديث النبوي الذي لم يكن
فيه شيء من ذلك! بل صار كلام كعب حديثاً نبوياً!
وأوضح منه ما رواه ابن حماد في الفتن: ١/٤١٧ و٤٢٠، عن عبد الله بن مسعود عن
النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل... من نوع الأساطير المتقدمة! ونحوه/٤١٧.
وفي الفتن: ٢/٤٩٢: (ثم ينطلقون إلى أرض الروم فيفتتحون حصونها ومدائنها بالتكبير
حتى يأتوا مدينة هرقل فيجدون خليجها بطحاء، ثم يفتتحونها بالتكبير يكبرون تكبيرة
فيسقط أحد جدرها ثم يكبرون أخرى فيسقط جدار آخر ويبقى جدارها البحري لا يسقط، ثم
يستجيرون إلى رومية فيفتتحونها بالتكبير ويتكايلون يومئذ غنائهم كيلاً بالغرائر).
انتهى.
وشاهدنا من هذه النصوص أن فتح المدينة أو المدن الرومية بالتكبير وردت في نص نبوي
وهي لاتنطبق إلا على الإمام المهدي (عليه السلام)، لكن الرواة الحشويين أخذوها
وأسقطوها على عصرهم وخربوها! والمعنى المعقول لها: أنه بعد نقض الروم الصلح مع
الإمام المهدي (عليه السلام) وإعلانهم الحرب عليه يعلن عيسى (عليه السلام) وقوفه
إلى صفه ويصلي خلفه ويكون له تيار شعبي واسع في الغرب يعارض حربهم للإمام المهدي
(عليه السلام). وبعد انتصار الإمام (عليه السلام) في الحرب ترجح كفة عيسى وأتباعه
المؤمنين في الغرب، فيدخل الإمام مع عيسى (عليهما السلام) إلى عواصم الروم،
وتستقبلهما بالتكبير!
يحتج عيسى (عليه السلام) على الروم بالإمام المهدي (عليه السلام)
في النعماني/١٤٦، عن عبد الله بن ضمرة، عن كعب الأحبار أنه قال: في حديث طويل: ومن
نسل علي القائم المهدي الذي يبدل الأرض غير الأرض، وبه يحتج عيسى بن مريم على نصارى
الروم والصين، إن القائم المهدي من نسل علي أشبه الناس بعيسى بن مريم خلقاً وخلقاً
وسمتاً وهيبة، يعطيه الله (عزَّ وجلَّ) ما أعطى الأنبياء ويزيده ويفضله. إن القائم
من ولد علي (عليه السلام) له غيبة كغيبة يوسف ورجعة كرجعة عيسى بن مريم ثم يظهر بعد
غيبته مع طلوع النجم الأحمر، وخراب الزوراء وهي الري، وخسف المزورة وهي بغداد،
وخروج السفياني، وحرب ولد العباس مع فتيان أرمينية وآذربيجان، تلك حرب يقتل فيه
ألوف وألوف، كل يقبض على سيف
محلى تخفق عليه رايات سود. تلك حرب يشوبها الموت الأحمر والطاعون الأغبر). وعنه
إثبات الهداة: ٣/٥٣٢، والبحار: ٥٢/٢٢٥.
وقد قلنا إن احتجاج عيسى بالمهدي (عليهما السلام) على الغربيين يدل على أن الآيات
التي سيظهرها الله تعالى على يد المهدي (عليه السلام) ستكون بمستوى أن يحتج بها
الأنبياء أولوا العزم (عليهم السلام). والسؤال هنا: كيف يروي كعب الأحبار هذه
الفضيلة للإمام المهدي (عليه السلام) مع أنه كان بعيداً عن أهل البيت (عليهم
السلام)، فهو كبقية حاخامات يهود همهم البعد عن المعارضة والتقرب إلى الحاكم للحصول
على موقع عنده!
والجواب: أن كعباً كان حشويَاً يخلط الحق بالباطل والغث بالسمين، ويلتقط الأخبار
والمسائل من هنا وهناك ليصوغها بأسلوبه ويسوِّقُها على الحكام والناس. لذلك لا تعجب
إذا قرأت عنه بعض الحق، وكثيراً من الباطل.
فهذه النص إن صح عنه يدل على أنه قد يعترف بالحق أحياناً! على أنه لم يخل من خلط
بالباطل! فإن أحاديث المسلمين جميعاً نصت على شبه الإمام المهدي (عليه السلام) بجده
(صلى الله عليه وآله) بينما جعله كعب شبيهاً بعيسى بن مريم! روى عنه في نوادر
الأخبار/٢٦٨: (وبه عيسى بن مريم يحتج على نصارى الروم والصين. إن القائم المهدي من
نسل علي (عليه السلام) أشبه الناس بعيسى بن مريم خلقاً وخلقاً وسيماءً وهيأةً،
يعطيه الله (عزَّ وجلَّ) ما أعطى الأنبياء ويزيده ويفضله). انتهى.
يبعث المهدي بقتال الروم في الملحمة
ابن حماد/١٩٢، عن غير واحد من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) قال: تخرج الروم في
الملحمة العظمى ومعهم الترك وبرجان والصقالبة). والبرجان: قوم ورد ذكرهم في حروب
المسلمين مع البزنطيين. الصقالبة: أهل جزيرة صقلية الإيطالية، وكانت مملكة ذات دور
في الحملات الصليبية، ويطلق في صدر الإسلام على سكان بعض مناطق آسيا التركية.
ابن حماد: ١/٣٥٥: (عن كعب قال: المهدي يبعث بقتال الروم، يعطى فقه عشرة
يستخرج تابوت السكينة من غار بأنطاكية، فيه التوراة التي أنزل الله تعالى على موسى
(عليه السلام) والإنجيل الذي أنزل الله (عزَّ وجلَّ) على عيسى (عليه السلام)، يحكم
بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم).
أشد الناس عليكم الروم
أحمد: ٤/٢٣٠، عن المستورد قال: بينا أنا عند عمرو بن العاص فقلت له: سمعت رسول الله
(صلى الله عليه وآله) يقول: أشد الناس عليكم الروم، وإنما هلكتهم مع الساعة. فقال
له عمرو: ألم أزجرك عن مثل هذا؟!). ومجمع الزوائد: ٦/٢١٢، قال: وفيه ابن لهيعة وفيه
ضعف وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح. وجمع الجوامع: ١/١١٢، والجامع الصغير:
١/١٦٠، وقال: حديث حسن، وفيض القدير: ١/٥١٢. وفي ابن حماد/١٣٤: فبلغ ذلك عمرو بن
العاص فقال: ما هذه الأحاديث التي تذكر عنك أنك تقولها عن النبي (صلى الله عليه
وآله)؟ فقال له المستورد: قلت الذي سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال
عمرو: لئن قلت ذلك إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأصبر الناس عند مصيبة، وخير الناس
لمساكينهم وضعفائهم. ونحوه أحمد: ٤/٢٣٠، وتاريخ بخاري: ٨/١٦، ومسلم: ٤/٢٢٢٢، وغيره.
هذا، وروى ابن حماد/١١٥، عن ابن عمرو وكعب قصصاً مكذوبة عن مستقبل المسلمين مع
النصارى. وكذا عقد الدرر/٢٢٠، وغيره.
خزي الروم بعد الملحمة العظمى
في تفسير الطبري: ١/٣٩٩، عن السدي قال في قوله تعالى: (وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسمهُ وَسَعَى فِي
خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ لَهُمْ
فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة:
١١٤): أما خزيهم في الدنيا إذا قام المهدي وفتحت القسطنطينية قَتَلَهم، فذلك
الخزي). وعنه التبيان: ١/٤٢٠، ومجمع البيان: ١/١٩٠، والدر المنثور: ١/١٠٨، عن
الطبري، والحاوي: ٢/٥٧، وملاحم ابن طاووس/٢٨٣.
ومن الملفت ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) أن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه
فسر قوله تعالى: (أ. ل. م. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى
الأرض وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ الأمر
مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللهِ
يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)، فسره بأن فرح المؤمنين
النهائي للمسلمين بغلبتهم الروم على يد الإمام المهدي (عليه السلام)! (الكافي:
٨/٢٦٩). وهو يؤيده ما رواه في دلائل الإمامة/٢٤٨، عن الإمام الصادق (عليه السلام)
في قول الله (عزَّ وجلَّ): يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، قال: في قبورهم بقيام
القائم (عليه السلام)). وإثبات الهداة: ٣/٥٧٣ والمحجة/١٧١، والبرهان: ٣/٢٥٨، وحلية
الأبرار: ٢/٦١٨ كلها كما في دلائل الإمامة عن كتاب مناقب فاطمة وولدها (عليهم
السلام).
وفسرته رواية أخرى ببني أمية أي بخطهم، ففي تأويل الآيات: ١/٤٣٤، عن أبي بصير، عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن تفسير: ألم غلبت الروم، قال: (أ.
ل. م. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الأرض وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ
سَيَغْلِبُونَ)، قال: هم بنو أمية، وإنما أنزلها الله (عزَّ وجلَّ): ألم.
غلبت الروم بنو أمية في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر
من قبل ومن بعد، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله عند قيام القائم). وعنه
المحجة/١٧١، والبرهان: ٣/٢٥٧، وينابيع المودة/٤٢٦.
يتعايش الإمام (عليه السلام) مع النصارى ويقبل منهم الجزية
في مزار ابن المشهدي/١٣٥، وفضل الكوفة ومساجدها/٤٣: (وروى أبو بصير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: قال لي: يا أبا محمد كأني أرى نزول القائم بأهله وعياله في مسجد
السهلة. قلت: أيكون منزله؟ قال: نعم، كان فيه منزل إدريس ومنزل إبراهيم، وما بعث
الله نبياً إلا وقد صلى فيه، وفيه مسكن الخضر، والمقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول
الله (صلى الله عليه وآله)! وما من مؤمن ولا مؤمنة إلا وقلبه يحن إليه وفيه صخرة
فيها صورة كل نبي، وما صلى فيه أحد فدعا الله مما يخاف إلا أجابه فقلت: هذا لهو
الفضل، قال: أزيدك؟ قلت: نعم، قال: هو من البقاع التي أحب الله أن يدعى فيها، وما
من يوم ولا ليلة إلا والملائكة يزورون هذا المسجد يعبدون الله فيه، أما إني لو كنت
بالقرب منكم ما صليت صلاة إلا فيه، يا أبا محمد: لو لم يكن من الفضل إلا نزول
الملائكة والأنبياء فيه لكان كثيراً، فكيف وهذا الفضل وما لم أصف لك أكثر،
قلت: جعلت فداك لا يزال القائم فيه أبداً؟ قال: نعم. قلت: فمن بعده؟ قال: هكذا من
بعده إلى انقضاء الخلق قلت: فما يكون من أهل الذمة عنده؟ قال: يسالمهم كما سالمهم
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويؤدون الجزية عن يد وهم صاغرون. قلت: فمن نصب لكم
عداوة؟ قال: لا يا أبا محمد ما لمن خالفنا في دولتنا من نصيب، إن الله قد أحل لنا
دماءهم عند قيام قائمنا، فأما اليوم فحرام علينا وعليكم ذلك فلا يغرنك أحد، فإذا
قام قائمنا انتقم لله ولرسوله ولنا أجمعين). وعنه البحار: ٥٢/٣٧٦.
أقول: يبدو أن الإمام المهدي (عليه السلام) يطبق خطة لنشر الإسلام في العالم، فيعطي
الحرية لأهل الكتاب بشروط النبي (صلى الله عليه وآله) فينمو فيهم تيار الإسلام،
والله العالم.
المزيد من خيالات كعب ورواته عن الملحمة العظمى
سميت المعركة بالملحمة، لما يقع فيها من القتل وفَرْيِ اللحم، أو بسبب التحام
المقاتلين فيها. والملاحم في علم الحديث مصطلح يعني إخبار النبي (صلى الله عليه
وآله) بالمعارك التي ستقع في المستقبل، وقد ألفوا فيها الفصول والكتب الخاصة، ورووا
فيها الكثير، والكذب في نصوصها أضعاف الصدق!
وقد بينا في فصل الفتن والدجال، أن أستاذ الجميع في الملاحم والفتن هو كعب الأحبار،
وقد انفتحت أمامه الأبواب عندما نصبته الخلافة مستشاراً ثقافياً لخليفة النبي (صلى
الله عليه وآله) وأطلقت يده ولسانه وقلمه، فنشر أساطيره في ثقافة المسلمين وصحاحهم!
ومع اختلاف رواياتهم في الملاحم اتفقوا على أن آخرها معركة الإمام المهدي (عليه
السلام) مع الروم وسموها الملحمة العظمى، وجعلها كعب معركة فتح القسطنطينية وجعل
خروج الدجال على أثر فتحها، وقد فتحت بعد قرون ولم يخرج الدجال على أثرها!
قال ابن حماد: ٢/٤٩٩: (عن كعب قال: الملحمة العظمى وخراب القسطنطينية
وخروج الدجال في سبعة أشهر)! وصار كلامه حديثاً نبوياً عن الصحابي عبد الله بن بسر
وسعد بن أبي وقاص وغيرهما، تراه في مسنده أحمد: ١/١٧٨، و: ٤/١٨٩ و: ٥/٢٣٤، وتاريخ
بخاري: ٨/٤٣١، وابن ماجة: ٢/١٣٧٠، وغيرها من المصادر!
قال مسلم: ٤/٢٢٢١، عن أبي هريرة قال: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا
تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار
أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبقوا منا
نقاتلهم، فيقول المسلمون لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فيهزم
ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله، ويفتح الثلث لا
يفتنون أبداً فيفتحون قسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم
بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان أن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل،
فإذا جاءوا الشام خرج حينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة فينزل
عيسى بن مريم (صلى الله عليه وآله) فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في
الماء، فلو تركه لذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته). ورواه
البغوي: ٣/٤٨٠، كمسلم، من صحاحه، وابن حبان: ٨/٢٨٦، كمسلم بتفاوت يسير، والحاكم:
٤/٤٨٢، وصححه على شرط مسلم. وقال الحاكم: ٤م٤٧٦: وقد صحت الرواية أن فتحها مع قيام
الساعة).
زعموا أن الملحمة مع الروم نهاية الأمة الإسلامية
كذلك زعموا أن فتح بيت المقدس يعني نهاية الأمة وخراب عاصمتها المدينة المنورة!
وأقنعوا بذلك الصحابة الحاكمين كما تراه في أصح المصادر!
روى ابن أبي شيبة: ١٥/١٣٥، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): عُمْرَانُ بيت المقدس خرابُ يثرب، وخرابُ يثرب خروج الملحمة، وخروجُ الملحمة
فتح القسطنطينية، وفتحُ القسطنطينية خروج الدجال. ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدثه أو
منكبيه ثم قال: إن هذا هو الحق كما أنك ها هنا، أو كما أنت قاعد، يعني معاذاً)!
وأحمد: ٥/٢٣٢ و٢٤٥، كابن أبي شيبة، وأبو داود: ٤/١١٠، كرواية أحمد الثانية بتفاوت
يسير،
والحاكم: ٤/٤٢٠ وفيه: حضور الملحمة.. ثم ضرب معاذ على منكب عمر بن الخطاب فقال:
والله إن ذلك لحق كما أنك جالس! وقال الحاكم: هذا الحديث وإن كان موقوفاً فإن
إسناده صحيح على شرط الرجال. ومصابيح البغوي: ٣/٤٨٢، من حسانه، وفيه: في سبعة أشهر.
وقال في الدر المنثور: ٦/٦٠: وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، وأبو داود، والحاكم
وصححه).
وقت الملحمة العظمى ومكانها بتخيل كعب وتلاميذه!
كان كعب يتصور أن الملحمة العظمى مع الروم على الأبواب، ففي فتن ابن حماد: ٢/٤٨٠:
(عن كعب قال: الملاحم على يدي رجل من أهل هرقل الرابع والخامس يقال له طبارة! قال
كعب: وأمير الناس يومئذ رجل من بني هاشم (المهدي (عليه السلام)) يأتيه مدد اليمن
سبعون ألفاً حمائل سيوفهم المسد). انتهى. وصار كلامه حديثاً نبوياً! رواه الصحابي
المهاجر بن حبيب فزعم أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (الخامس من آل هرقل على
يديه تكون الملاحم. قال أرطاة: فولي أربعة من آل هرقل، قال أصحاب النبي: فبقي
الخامس). (ابن حماد: ٢/٥٠٠). وفي: ٢/٤٧٠: (عن المهاجر بن حبيب أن رسول الله (صلى
الله عليه وآله) قال: الخامس من آل هرقل الذي يكون على يديه الملاحم. وقال: يملك
هرقل ثم ابنه من بعده قسطة بن هرقل ثم ابنه قسطنطين بن قسطة من ثم ابنه اصطفار بن
قسطنطين ثم خرج ملك الروم من آل هرقل إلى لبون وولده من بعده، وسيعود الملك من
الخامس من آل هرقل الذي تكون على يديه الملاحم). انتهى.
ثم تنازل كعب عن الإمبراطور طبارة واختار بدله إمبراطورة، وزعم أن الملحمة تكون في
عهدها! قال ابن حماد: ٢/٥٠٠: (عن كعب قال: يلي الروم امرأة فتقول إعملوا لي ألف
سفينة أفضل ألواح عملت على وجه الأرض، ثم أخرجوا إلى هؤلاء الذين قتلوا رجالنا
وسبوا نساءنا وأبناءنا، فإذا فرغوا منها قالت إركبوا إن شاء الله وإن لم يشأ! فيبعث
الله عليهم ريحاً فيقمصها بقولها وإن لم يشأ! ثم يعمل لها ألف أخرى مثلها، ثم تقول
مثل قولها ويبعث الله عليها ريحاً فيقمصها! ثم يعمل لها ألف
أخرى فتقول: إركبوا إن شاء الله، قال فيخرجون فيسيرون حتى يتنهوا إلى تل عكا).
وأيد كلام كعب اثنان من تلاميذه هما أبو الزاهرية وضمرة فقالا: (تجلب الروم عليكم
في البحر من رومية إلى رومانية فيحلون عليكم بساحلكم بعشرة آلاف قلع فيسكنون ما بين
وجه الحجر إلى يافا، وينزل حدهم وجماعتهم بعكا فينفر أهل الشام إلى مواخيرهم فيقلوا
فيبعثون إلى أهل اليمن فيستمدونهم فيمدونهم بأربعين ألفاً حمائل سيوفهم المسد،
فيسيرون حتى يحلوا بعكا وبها حد القوم وجماعتهم، فيفتح الله لهم). (ابن حماد:
٢/٤٨٧). وأيده أبو هريرة (راوية الإسلام بزعمهم) فقال ابن حماد: ٢/٤٨٧: (عن أبي
هريرة قال: يفتتحون رومية حتى يعلق أبناء المهاجرين سيوفهم رومية فيقفل القافل من
القسطنطينية فيرى أنه قد قفل)!
وأيده عبد الله بن عمرو العاص فروى عنه في مجمع الزوائد: ٧/٣١٩، ووثق حديثه! أن
رجلاً (أحد أبويه شيطان يملك الروم، يجيء في ألف ألف من الناس خمسمائة ألف في البر
وخمسمائة ألف في البحر ينزلون أرضاً يقال لها العمق فيقول لأصحابه: إن لي في
سفينتكم بقية فيحرقها بالنار ثم يقول: لا رومية لكم ولا قسطنطينية لكم! من شاء أن
يفر! ويستمد المسلمون بعضهم بعضاً حتى يمدهم أهل عدن أبين، فيقول لهم المسلمون
إلحقوا بهم فكونوا سلاحاً واحداً فيقتتلون شهراً حتى يخوض في سنابكها الدماء،
وللمؤمن يومئذ كفلان من الأجر على من كان قبله إلا ما كان من أصحاب محمد(يعني أنهم
أفضل منه) فإذا كان آخر يوم من الشهر قال الله تبارك وتعالى: اليوم أسل سيفي وأنصر
ديني وأنتقم من عدوي، فيجعل الله لهم الدائرة عليهم فيهزمهم الله حتى تستفتح
القسطنطينية فيقول أميرهم لا غلول اليوم، فبينما هم كذلك يقسمون بأترستهم الذهب
والفضة إذ نودي فيهم أن الدجال قد خلفكم في دياركم).
وزعموا أن معقل المسلمين أي قاعدتهم تكون دمشق
الطبراني في مسند الشاميين: ١/٣٣٥، عن أبي الدرداء أن رسول الله (صلى الله عليه
وآله) قال: فسطاط المسلمين يوم الملحمة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق، من خير مدائن
الشام). وفي: ٢/٢٦٦: يوم الملحمة الكبرى بأرض يقال لها الغوطة فيها مدينة يقال لها
دمشق، فهي خير مساكن الناس يومئذ). وفي جامع المسانيد والسنن: ١٥/٣٩: دمشق من خير
منازل المسلمين في الملاحم. وفي/٣٩: فعليكم بمدينة يقال لها دمشق فإنها معقل
المسلمين من الملاحم. وعبد الرزاق: ١١/٢٥١، وأحمد: ٤/١٦٠، عن جبير بن نفير، وفي:
٥/١٩٧: فسطاط المسلمين يوم الملحمة الغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق. ونحوه أبو
داود: ٤/١١١، وملاحم ابن المنادى/٣٧، وفي الحاكم: ٤/٤٨٦: يوم الملحمة الكبرى فسطاط
المسلمين بأرض يقال لها الغوطة) وصححه. إلى آخر مصادره وهي كثيرة.
زعم كعب أن الملحمة بين الروم واليهود فصار كذبه حديثاً نبوياً!
فقد جعل كعب فتح القسطنطينية على يد اليهود من بني إسحاق! روى مسلم: ٤/٢٢٣٨، عن أبي
هريرة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب
منها في البحر؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون
ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاؤها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم قالوا لا
إله إلا الله والله أكبر فيسقط أحد جانبيها... الخ). انتهى. فهذه الملحمة بزعمه بين
الروم واليهود!
وقال كعب يهرب ثلث المسلمين، فصار كذبه حديثاً نبوياً!
فتن ابن حماد: ٢/٤٦٧: (أن كعباً كان يقول: إذا كانت الملحمة العظمى ملحمة الروم
هربت منكم ثلة فلحقت بالعدو وخرجت ثلة أخرى فأسلموكم، خسف الله ببعضهم وبعث على من
بقي منهم طيراً يخطف أبصارهم، ثم تبقى الثلة الباقية. فيا عباد الله من أدرك ذلك
منكم فغلبته نفسه على الجبن فليدخل تحت إكافة أو يمسك بعمود فسطاطه وليصبر، فإن
الله تعالى ناصر الثلة الباقية، وذلكم حين يستضعفكم الروم ويطمعون فيكم، يقول صاحب
الروم إذا أصبحتم فاركبوا على ذات حافر من الدواب ثم أوطؤهم وطئة واحدة لا يذكر هذا
الدين في الأرض أبداً يعني الإسلام، قال
فيغضب الله (عزَّ وجلَّ) عند ذلك حتى يكون في السماء الرابعة، وفيها سلاح الله
وعذابه فيقول لم يبق إلا أنا وديني الإسلام، وأهل اليمن قيس لأنصرن عبادي اليوم ويد
الله بين الصفين إذا أمالها على قوم كانت الدبرة عليهم، فيا أهل اليمن لا تبغضوا
قيساً ويا قيس أحبوا اهل اليمن فإن قيساً من خيار الناس أنفساً وأخلاقاً والذي نفس
كعب بيده لا يجالد عن دين الإسلام يومئذ إلا أنتم يا أهل اليمن). وشبهه: ٢/٤٧١،
وتقدم ذلك في أحاديث الدجال عن مسلم: ٤/٢٢٢١، عن أبي هريرة وغيره.
وكذبوا على حذيفة ما لم يثبت عنه!
سنن الداني/١٠٤، عن حذيفة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله).. وذكر حديثاً
طويلاً من عدة صفحات، جاء فيه: (ويسير المهدي حتى يأتي دمشق ومن معه من المسلمين،
فيبعث الله (عزَّ وجلَّ) عليه الروم، وهو الخامس من آل هرقل يقال له طبارة وهو صاحب
الملاحم، فتصالحوهم سبع سنين حتى تغزو أنتم وهم عدواً خلفهم وتغنمون وتسلمون أنتم
وهم جميعاً، فتنزلون بمرج ذي تلول، فبينما الناس كذلك انبعث رجل من الروم فقال: غلب
الصليب فيقوم رجل من المسلمين إلى الصليب فيكسره ويقول: الله الغالب، قال فقال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): فعند ذلك يغدرون وهم أولى بالغدر، وتستشهد تلك العصابة
فلا يفلت منهم أحد، فعند ذلك ما يجمعون لكم للملحمة كحمل امرأة فيخرجون عليكم في
ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً حتى يحلوا بعمق أنطاكية، فلا يبقى بالحيرة
ولا بالشام نصراني إلا رفع الصليب وقال ألا من كان بأرض نصرانية فلينصرها اليوم،
فيسير إمامكم ومن معه من المسلمين من دمشق حتى يحل بعمق أنطاكية، فيبعث إمامكم إلى
الشام أعينوني، ويبعث إلى أهل المشرق أنه قد جاءنا عدو من خراسان على ساحل الفرات،
فيقاتلون ذلك العدو أربعين صباحاً قتالاً شديداً. ثم إن الله (عزَّ وجلَّ) ينزل
النصر على أهل المشرق، فيقتل منهم تسعمائة ألف وتسع وتسعون ألفاً وتنكشف بقيتهم من
قبورهم تلك، فيقوم مناد من المشرق: يا أيها الناس أدخلوا الشام فإنها معقل المسلمين وإمامكم بها قال حذيفة: فخير مال المسلمين يومئذ رواحل يرحل عليها إلى الشام وأحمرة ينقل عليها حتى يلحق بدمشق! ويبعث إمامهم إلى اليمن أعينوني فيقبل سبعون ألفاً من اليمن على قلائص عدن حمائل سيوفهم المسد ويقولون: نحن عباد الله حقاً حقاً لا نريد عطاء ولا رزقاً حتى يأتوا المهدي بعمق أنطاكية، فيقتتل الروم والمسلمون قتالاً شديداً فيستشهد من المسلمين ثلاثون ألفاً، ويقتل سبعون أميراً نورهم يبلغ إلى السماء. قال حذيفة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أفضل شهداء أمتي شهداء الأعماق وشهداء الدجال، ويشتعل الحديد بعضه على بعض حتى أن الرجل من المسلمين ليضرب العلج بالسفود من الحديد فيشقه ويقطعه بابين وعليه درع، فيقتلونهم مقتلة حتى تخوض الخيل في الدم، فعند ذلك يغضب الله تبارك وتعالى عليهم فيطعن بالرمح النافذ، ويضرب بالسيف القاطع ويرمي بالقوس التي لا تخطئ، فلا رومي يسمع بعد ذلك اليوم، ويسيرون قدماً قدماً فلأنتم يومئذ خيار عباد الله (عزَّ وجلَّ) ليس منكم يومئذ زان ولا غال ولا سارق... لا تمرون بحصن في أرض الروم فتكبرون عليه إلا خرَّ حايطه، فتقتلون مقاتلته حتى تدخلوا مدينة الكفر القسطنطينية فتكبرون عليها أربع تكبيراًت فيسقط حايطها. قال حذيفة: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله (عزَّ وجلَّ) يهلك قسطنطينية ورومة، فتدخلونها فتقتلون بها أربعمائة ألف، وتستخرجون منها كنوزاً كثيرة ذهباً وكنوز جوهر، تقيمون في دار البلاط. قيل يا رسول الله وما دار البلاط؟ قال: دار الملك، ثم تقيمون بها سنة).. إلى آخر هذه القصة التي جمعها الراوي من روايات وتصورات، ونسبها إلى حذيفة، ووصل فيها إلى قيام القيامة ولا فائدة في أمثالها إلا أنها تدل على وجود أصل الحديث، وتسجل تطلعات أجيال المسلمين الأولى إلى تحققها. وروى أجزاء منه متعددة منه: تفسير الطبري: ١٥/١٧، و: ٢٢/٧٢، والفردوس: ٥/٥٢٣، وتهذيب ابن عساكر: ١/١٩٦، وتذكرة القرطبي: ٢/٦٩٣، وفي/٧٠٤، وتفسير القرطبي: ١٤/٣١٤، وعقد الدرر/٧٤، وفي/١٣٦، وفي/١٤٩، وفي/٣٠٦ و٣١٦، ومجمع
الزوائد: ٨/٦، والحاوي: ٢/٨١، وقال في الدر المنثور: ٤/٢٥٠: وأخرج ابن أبي حاتم،
وابن مردويه، وابن عدي، وابن عساكر، وابن النجار، عن حذيفة.
وجعلوا الإمام المهدي (عليه السلام) موظفاً عند اليهود!
رووا وأكثروا أن الإمام المهدي (عليه السلام) يستخرج من كنيسة رومية كنوز بيت
المقدس وحُليَّه وزينته التي سرقها الروم ويردها إلى بيت المقدس بمئة سفينة أو بألف
وسبع مئة! من ذلك ما رواه الطبري في تفسيره: ١٥/٢٩، ونسبه إلى حذيفة عن النبي (صلى
الله عليه وآله) أنه قال: (إن بني إسرائيل لما اعتدوا وعلوا وقتلوا الأنبياء، بعث
الله عليهم ملك فارس بختنصر وكان الله ملكه سبع مئة سنة، فسار إليهم حتى دخل بيت
المقدس فحاصرها وفتحها وقتل على دم زكريا سبعين ألفاً، ثم سبي أهلها وبني الأنبياء
وسلب حلي بيت المقدس واستخرج منها سبعين ألفاً ومئة ألف عجلة من حلي حتى أورده
بابل! قال حذيفة: فقلت: يا رسول الله لقد كان بيت المقدس عظيماً عند الله؟ قال: أجل
بناه سليمان بن داود من ذهب ودر وياقوت وزبرجد، وكان بلاطه بلاطة من ذهب وبلاطة من
فضة وعُمُدُهُ ذهباً أعطاه الله ذلك وسخر له الشياطين يأتونه بهذه الأشياء في طرفة
عين، فسار بختنصر بهذه الأشياء حتى نزل بها بابل، فأقام بنوا إسرائيل في يديه مئة
سنة تعذبهم المجوس وأبناء المجوس وفيهم الأنبياء وأبناء الأنبياء! ثم إن الله رحمهم
فأوحى إلى ملك من ملوك فارس يقال له كورس وكان مؤمناً (!) أن سر في بقايا بني
إسرائيل حتى تستنقذهم، فسار كورس ببني إسرائيل وحلي بيت المقدس حتى رده إليه، فأقام
بنوا إسرائيل مطيعين لله مئة سنة، ثم إنهم عادوا في المعاصي فسلط الله عليهم
أبطيانحوس، فغزا بأبناء من غزا مع بختنصر فغزا بني إسرائيل حتى أتاهم بيت المقدس
فسبى أهلها وأحرق بيت المقدس وقال لهم: يا بني إسرائيل إن عدتم في المعاصي عدنا
عليكم بالسباء، فعادوا في المعاصي فسير الله عليهم السباء الثالث ملك رومية يقال له
قاقس بن إسبايوس، فغزاهم في البر والبحر
فسباهم وسبى حلي بيت المقدس وأحرق بيت المقدس بالنيران. فقال رسول الله (صلى الله
عليه وآله): هذا من صنعة حلي بيت المقدس ويرده المهدي إلى بيت المقدس، وهو ألف
سفينة وسبع مئة سفينة يرسى بها على يافا حتى تنقل إلى بيت المقدس، وبها يجمع الله
الأولين والآخرين). والدر المنثور: ٤/١٦٥، وبيان الشافعي/٥١٧، والمختصر/٦٧، وكفاية
الطالب/٥١٧.
وفي ابن حماد: ٢/٤٨٥: (عن ربيعة بن الفارسي قال: يسير منكم جيش إلى رومية
فيفتتحونها ويأخذون حلية بيت المقدس وتابوت السكينة والمائدة والعصى وحلة آدم فيؤمر
على ذلك غلام شاب فيردها إلى بيت المقدس).
وقال السلمي في عقد الدرر/٩٣: (الفصل الثاني في فتح مدينة القاطع وما يليها ورجوع
حلي بيت المقدس إليها.. عن حذيفة بن اليمان عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في
قصة المهدي وفتحه لرومية، قال: ثم يكبرون عليها أربع تكبيرات فيسقط حائطها، وإنما
سميت رومية لأنها كرمانة من كثرة الخلق! فيقتلون بها ستمائة ألف ويستخرجون منها حلى
بيت المقدس والتابوت الذي فيه السكينة ومائدة بني إسرائيل ورضاضة الألواح وعصا
موسى، ومنبر سليمان، وقفيزين من المن الذي أنزل الله على بني إسرائيل، أشد بياضاً
من اللبن). الخ. وقال السلمي بعده: (وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في قصة
المهدي قال: ويتوجه إلى الآفاق فلا تبقى مدينة وطأها ذو القرنين إلا دخلها وأصلحها،
ولا يبقى جبار إلا هلك على يديه، ويشفي الله (عزَّ وجلَّ) قلوب أهل الإسلام ويحمل
حلى بيت المقدس في مائة مركب تحط على غزة وعكا ويحمل إلى بيت المقدس، ويأتي مدينة
فيها ألف سوق في كل سوق مائة دكان فيفتحها، ثم يأتي مدينة يقال لها القاطع، وهي على
البحر الأخضر المحيط بالدنيا، ليس خلفه إلا أمر الله (عزَّ وجلَّ)، طول المدينة ألف
ميل وعرضها خمس مائة ميل، فيكبرون الله (عزَّ وجلَّ) ثلاث تكبيرات فتسقط حيطانها
فيقتلون بها ألف ألف مقاتل ويقيمون فيها سبع سنين، يبلغ الرجل منهم تلك المدينة مثل
ما صح معه من سائر بلاد الروم
ويولد لهم الأولاد ويعبدون الله حق عبادته، ويبعث المهدي إلى أمرائه بسائر الأمصار
بالعدل بين الناس، وترعى الشاة والذئب في مكان واحد). الخ.
وفي ينابيع المودة: ٣/٢٦٧: (أن ابن اسمانوس جاء بيت المقدس وحارب بني إسرائيل، وأخذ
حلي بيت المقدس وأحرق منه ما أحرق وحمل منه ألف وسبعمائة سفينة خالية، فأراد أن
يورده في رومية غرقت السفن. أخبر بذلك حذيفة بن اليمان، وذكر فيه أن رسول الله (صلى
الله عليه وآله) قال: ليستخرجن المهدي ذلك من البحر حتى يؤديه إلى بيت المقدس ثم
يسير المهدي ومن معه إلى البحر المحيط..).
أقول: يكفي لسقوط هذه الروايات أنها تجعل الإمام المهدي (عليه السلام) موظفاً
لاسترجاع مسروقات الروم من اليهود، وتصوره أنه يقدس بيت المقدس أكثر من الكعبة
الشريفة! وقد عرفت أن الوضع الطبيعي أن يدخل الإمام (عليه السلام) إلى الغرب مع نبي
الله عيسى (عليهما السلام) بعد انتصاره في المعركة العظمى مع الدول الغربية
الرومية، فتستقبلهما الشعوب الغربية بالتكبير. نعم، من الطبيعي أن يكشف الإمام
المهدي (عليه السلام) كثيراً من أسرار الحياة والعلوم والتاريخ، وقد ثبت أن الأرض
ستُخرج له كنوزها والبحار، لكنه لن يكون موظفاً عند كعب الأحبار!
القدر المتيقن من معركة الإمام (عليه السلام) والروم
يدل على هذه المعركة الموعودة الحديث النبوي الذي رواه الجميع عن الهدنة التي تكون
بين الروم والمسلمين وإمامهم المهدي (عليه السلام)، وقد روى ابن حماد: ٢/٤٧٠، وغيره
عن عدد من الصحابة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (فيخرج الروم على ثمانين
غاية (راية) تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً). (ومسند الشاميين للطبراني: ١/١٣٣، وسنن
الداني/١٠٤، وغيرها).
ويمكن قبول أصل رواية ابن حماد في ذلك، ورد توقيته لها ومكانها، والعناصر التي
أضافها هو وتلاميذه إليها! ويدل عليها ما روي عن أهل البيت (عليهم السلام) كالذي
تقدم في أصحاب الكهف عن مختصر البصائر/٢٠١، من خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام)
أن الإمام
المهدي (عليه السلام) يقيم الحجة على الروم قبل المعركة ويرسل إليهم قوة فيها بعض
أصحابه الخاصين فيستخرجون أصحاب الكهف ونسخ التوراة ويحتجون عليهم.
دور اليمانيين والخراسانيين في ملحمة الإمام مع الروم
من المتوقع أن يكون لأهل اليمن دورٌ في معركة الإمام المهدي (عليه السلام) مع الروم
بحكم أن المنصور اليماني وزير الإمام المهدي (عليه السلام). كما يتوقع أن يكون
للإيرانيين دور كذلك بحكم أن القائد العام لقوات الإمام (عليه السلام) هو شعيب
الإيراني، يضاف إليهم بقية جيش الإمام (عليه السلام) من العراق والبلاد العربية،
وغيرها.
لكن كعباً جعل المعركة بين الروم واليمانيين الذين في عصره فقال: (عن كعب قال: إن
الله تعالى يمد أهل الشام إذا قاتلهم الروم في الملاحم بقطيعتين، دفعة سبعين ألفاً
ودفعة ثمانين ألفاً من أهل اليمن حمائل سيوفهم المسد). (ابن حماد: ٢/٤٦٩).
وفي ابن حماد: ٢/٤٨١: (عن كعب قال: ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الملحمة
فسمى الملحمة من عدد القوم وأنا أفسرها لكم: إنه يحضرها اثنا عشر ملكاً، ملك الروم
أصغرهم وأقلهم مقاتلة، ولكنهم كانوا هم الدعاة وهم دعوا تلك الأمم واستمدوا بهم،
وحرام على أحد يرى عليه حقاً للإسلام أن لا ينصر الإسلام يومئذ، وليبلغن مدد
المسلمين يومئذ صنعاء الجَنَد، وحرام على أحد يرى عليه حقاً للنصرانية أن لا ينصرها
يومئذ ولتمدنهم يومئذ الجزيرة بثلثين ألف نصراني، فيترك الرجل فدانه يقول أذهب أنصر
النصرانية ويسلط الحديد بعضه على بعض.. إلى آخر الأسطورة). وشبيه بها في: ١/٢٩١.
* * *
الفصل التاسع والعشرون: الترك في عصر ظهور المهدي (عليه السلام)
المقصود بالترك في أحاديث عصر الظهور
رجحتُ في كتاب عصر الظهور ومعجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) أن يكون
المقصود بالترك في أحاديث الظهور، مضافاً إلى ترك تركيا، الروس ومن حولهم من شعوب
أوروبا الشرقية، لأنهم يعبر عنهم بأمم الترك. وأرى الآن أنه ينبغي البحث عن القرائن
في كل حديث ذكر الترك وهل المقصود به ترك تركيا أم غيرهم. وهذه أهم أحاديثهم:
منها أحاديث حرب السفياني مع الترك، وقد تقدمت في أحاديث بلاد الشام والسفياني
وأنها تكون في قرقيسيا على الحدود السورية العراقية التركية، وسببها صراع على كنز
يكتشف في مجرى نهر الفرات أو قرب مجراه في تلك المنطقة. ويبدو أن الترك في هذه
المعركة ترك تركيا وليس الروس. وإن كانت روايات ابن حماد عن قرقيسيا، ضعيفة.
ومنها حديث نار آذربيجان، رواه النعماني في الغيبة/٢٠٠و٢٧١: عن أبي بصير عن أبي عبد
الله (عليه السلام) قال: إنه قال لي أبي (عليه السلام): لا بد لنار من آذربيجان لا
يقوم لها شيء وإذا كان ذلك فكونوا أحلاس بيوتكم والْبُدُوا ما لبدنا، فإذا تحرك
متحركنا فاسعوا إليه ولو حبواً، والله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع
الناس على كتاب
جديد على العرب شديد. وقال: ويل لطغاة العرب من شر قد اقترب). انتهى.
أقول: هذا حديث مجمل، والنار الموعودة فيه قد تكون ناراً حقيقية وحريقاً هائلاً
كنار شرقي الحجاز التي وصفتها الرواية بأنها ترى من مسافة بعيدة، وأنها تكون قرب
ظهوره (عليه السلام). وقد تكون ناراً مجازية بمعنى الحرب أو الفتنة التي تقع في
آذربيجان، أو تبدأ منها. والأهم من ذلك أن الإمام الصادق (عليه السلام) لم يحدد
وقتها وأسند الخبر بها إلى أبيه الإمام الباقر (عليه السلام) المعروف عند الناس
بأنه أخبر بكثير من الأحداث ووقعت ومنها سقوط دولة بني أمية وقيام دولة بني عباس،
فقد تكون هذه النار من أحداث عصره (عليه السلام) المتعلقة بالثورة على بني أمية.
أما حديث ملاحم السيد ابن طاووس/٣٧٠، الذي يقول: (وخسف بالبصرة، ونار تظهر بالمشرق
طولاً وتبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام، ونار تظهر من أذربيجان لا يقوم لها
شيء، وخراب الشام). فهو حديث مرسل والظاهر أنه مقتطف من الروايات حسب فهم راويه أو
قائله.
ومنها: حديث للترك خرجتان، وأصل حديثه من ابن حماد، قال في: ١/٢٢٠: (عن مكحول عن
النبي (صلى الله عليه وآله) قال: للترك خرجتان خرجة يخربون آذربيجان، والثانية
يربطون خيولهم بالفرات، لا ترك بعدها... عن أرطاة قال: يقاتل السفياني الترك ثم
يكون استئصالهم على يدي المهدي وهو أول لواء يعقده المهدي يبعثه إلى الترك.. عن عبد
الله بن عمرو قال: بقيت من الملاحم واحدة أولها ملحمة الترك بالجزيرة). وابن حماد:
١/٢٧٣، و: ٢/٦٧٧، و٦٨٣، وابن طاووس/٩٩، و١٩١ و٣٧٠، وكنز العمال: ١١/٢٧٥ و٢٧٦.
ثم روى ابن حماد عدة روايات كلها تنطبق على غزو الترك المغول لبلاد المسلمين وجعل
ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) على أثرها، ووصف معركته في قرقيسيا مع السفياني
ومعركته مع الترك! فهي بعيدة عن علامات الظهور! قال في: ١/٢٢٢: (عن ابن مسعود قال:
إذا ظهر الترك والخزر بالجزيرة وأذربيجان والروم بالعمق وأطرافها قاتل الروم رجل من
قيس من أهل قنسرين والسفياني بالعراق يقاتل أهل
المشرق، وقد اشتغل كل ناحية بعدو، فإذا قاتلهم أربعين يوماً ولم يأتيه مدد صالح
الروم على أن لا يؤدي أحد الفريقين إلى صاحبه شيئاً... عن حذيفة قال: إذا رأيتم أول
الترك بالجزيرة فقاتلوهم حتى تهزموهم أو يكفيكم الله مؤنتهم فإنهم يفضحوا الحرم بها
فهو علامة خروج أهل المغرب وانتقاض ملك ملكهم يومئذ). إلى آخر هذا النوع من الكلام!
ولعل أهم نص ما رواه عن عمار بن ياسر قال: إن لأهل بيت نبيكم أمارات فألزموا الأرض
حتى تنساب الترك في حلاف رجل ضعيف فيخلع بعد سنتين من بيعته ويحالف الترك على الروم
ويخسف بغربي مسجد دمشق ويخرج ثلاثة نفر بالشام ويأتي هلاك ملكهم من حيث بدأ، ويكون
بدو الترك بالجزيرة والروم بفلسطين ويتبع عبد الله عبد الله حتى تلتقي جنودها
بقرقيسيا). وهو غير مرفوع في أي مصدر رواه، كعقد الدرر/٤٦، وملاحم ابن المنادي/٤٤،
وسنن الداني/٧٨، وغيبة الطوسي/٢٦٨، ونصه فيه: دعوة أهل البيت نبيكم في آخر الزمان
فالزموا الأرض وكفوا حتى تروا قادتها، فإذا خالف الترك الروم وكثرت الحروب في
الأرض، ينادي مناد على سور دمشق: ويل لازم من شر قد اقترب، ويخرب حائط مسجدها. وهو
من علامات ظهور الإمام (عليه السلام) لأنه يذكر أحداثاً رويت في خروج السفياني،
لولا أنه مقطوع. وأضعف منه رواية ابن حماد/٧٦، عن أرطأة قال: إذا اجتمع الترك
والروم وخُسف بقرية بدمشق وسقط طايفة من غربي مسجدها رفع بالشام ثلاث رايات..)
انتهى. وهذا يعني أن اجتماعهم سيكون قرب خروج السفياني، ولكن النص ليس حديثاً عن
النبي وآله (صلى الله عليه وآله) وإنما هو قول أرطاة، فلا قيمة له! ومثله رواية عبد
الرزاق: ١١/٣٨٠، عن ابن مسعود قال: كأني بالترك قد أتتكم على براذين مجذمة (مقصوصة)
الآذان حتى تربطها بشط الفرات). والطبراني الكبير: ٩/١٩٢، والحاكم: ٤/٤٧٥، كعبد
الرزاق، ومجمع الزوائد: ٧/٣١٢، عن الطبراني وصححه بشرط سماع ابن سيرين من ابن
مسعود.
والحديث لا ربط له بظهور الإمام (عليه السلام)، مضافاً إلى أنه مقطوع مجذوم الرأس.
ومن هذا النوع ما رواه ابن طاووس في الملاحم/١٢٤، عن فتن السليلي بإسناده عمن أخبره
أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال لابن عباس: (يا ابن عباس قد سمعت أشياء
مختلفة ولكن حدث أنت رضي الله عنك قال نعم، قال أول فتنة من المائتين إمارة
الصبيان، وتجارات كثيرة وربح قليل، ثم موت العلماء والصالحين، ثم قحط شديد، ثم
الجور
وقتل أهل بيتي الظماء بالزوراء، الشقاق ونفاق الملوك وملك العجم. فإذا ملكتكم الترك
فعليكم بأطراف البلاد وسواحل البحار والهرب الهرب، ثم تكون في سنة خمسين ومائتين
وخمس وثلاث فتن البلاد فتنة بمصر الويل لمصر، والثانية بالكوفة، والثالثة بالبصرة
وهلاك البصرة من رجل ينتدب لها لا أصل له ولا فرع، فيصير الناس فرقتين فرقة معه
وفرقة عليه فيمكث فيدوم عليهم سنين، ثم يولى عليكم خليفة فظ غليظ يسمى في السماء
القتَّال وفي الأرض الجبار فيسفك الدماء ثم يمزج الدماء بالماء، فلا يقدر على شربه،
ويهجم عليهم الأعراب وعند هجوم الأعراب يقتل الخليفة فيفشو الجور والفجور بين
الناس، وتجيئكم رايات متتابعات كأنهن نظام منظومات انقطعن فتتابعن. فإذا قتل
الخليفة الذي عليكم فتوقعوا خروج آل أبي سفيان، وإمارته عند هلال مصر وعند هلال مصر
خسف بالبصرة، خسف بكلاها وبأرجاها. وخسفان آخران بسوقها ومسجدها معها، ثم بعد ذلك
طوفان الماء، فمن نجا من السيف لم ينج من الماء، إلا من سكن ضواحيها وترك باطنها.
وبمصر ثلاثة خسوف وست زلازل وقذف من السماء ثم بعد ذلك الكوفة، ويكون السفياني
بالشام، فإذا صار جيشه بالكوفة، توقع لخير آل محمد (صلى الله عليه وآله) تحت
الكعبة، فيتمنى الأحياء عند ذلك أن أمواتهم في الحياة يملؤها عدلاً كما ملئت
جوراً). انتهى.
فهو رواية عن مجهول مع الإشكال في متنه. والأصل الصحيح لهذه النصوص هو إخبار أمير
المؤمنين (عليه السلام) بغزو الترك المغول لبلاد المسلمين، وهو معروف مشهورٌ ففي
نهج البلاغة: الخطبة١٢٨: كأني أراهم قوماً كأن وجوههم المجان المطرقة، يلبسون السرق
والديباج، ويعتقبون الخيل العتاق، ويكون هناك استحرار قتل حتى يمشي المجروح على
المقتول، ويكون المفلت أقل من المأسور!
فقال له بعض أصحابه: قد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب، فضحك (عليه السلام) وقال
للرجل وكان كلبياً: يا أخا كلب، ليس هو بعلم غيب وإنما هو تعلم من ذي علم. وإنما
علم الغيب علم الساعة وما عده الله سبحانه بقوله: (إِنَّ
اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي
الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ
بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). فيعلم الله سبحانه ما
في الأرحام من ذكر أو
أنثى وقبيح أو جميل وسخي أو بخيل وشقي أو سعيد، ومن يكون من النار حطباً أو في
الجنان للنبيين مرافقاً. فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحدٌ إلا الله، وما سوى ذلك
فعلم علمه الله نبيه فعلمنيه ودعا لي بأن يعيه صدري، وتضطم عليه جوانحي). انتهى.
فهو إخبار بغزو المغول لبلاد المسلمين، ويصح حسابه من علامات الظهور البعيدة لا
القريبة. ونحوه ما رواه الحاكم: ٤/٤٧٤ وصححه: (عن بريدة أن النبي (صلى الله عليه
وآله) قال: يجيء قوم صغار العيون عراض الوجوه كأن وجوههم الحجف فيلحقون أهل الإسلام
بمنابت الشيح! كأني أنظر إليهم وقد ربطوا خيولهم بسواري المسجد فقيل لرسول الله
(صلى الله عليه وآله): يا رسول الله من هم؟ قال: الترك).
* * *
ومنها: ما ورد في حديث ابن مهزيار، وهو حديث طويل رواه في كمال الدين: ٢/٤٦٥، تحدث فيه عن لقائه بالإمام المهدي (عليه السلام) في غيبته في مكان قرب الطائف، وأن الإمام (عليه السلام) اخبره بعلامات ظهوره المقدس ومنها ما يتعلق بالترك. والعبارة التي تتعلق بهم في رواية كمال الدين هي: (يا ابن مهزيار كيف خلفت إخوانك في العراق؟ قلت: في ضنك عيش وهناة، قد تواترت عليهم سيوف بني الشيصبان. فقال: قاتلهم الله أنى يؤفكون، كأني بالقوم قد قتلوا في ديارهم وأخذهم أمر ربهم ليلاً ونهاراً. فقلت: متى يكون ذلك يا ابن رسول الله؟ قال: إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة بأقوام لا خلاق لهم والله ورسوله منهم براء، وظهرت الحمرة في السماء ثلاثاً فيها أعمدة كأعمدة اللجين تتلألأ نوراً، ويخرج السروشي من أرمنية وآذربيجان يريد وراء الري الجبل الأسود المتلاحم بالجبل الأحمر لزيق جبل طالقان فيكون بينه وبين المروزي وقعة صيلمانية يشيب فيها الصغير، ويهرم منا الكبير ويظهر القتل بينهما، فعندها توقعوا خروجه إلى الزوراء فلا يلبث بها حتى يوافي باهات ثم يوافي واسط العراق فيقيم بها سنة أو دونها، ثم يخرج إلى كوفان فيكون بينهم وقعة من النجف إلى الحيرة إلى الغري وقعة شديدة تذهل منها العقول فعندها يكون بوار الفئتين وعلى الله حصاد الباقين. ثم تلى قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم.
(إِنَّمَا
مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ
بِهِ نَبَاتُ الأرض مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ
الأرض زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا
أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ
تَغْنَ بِالأَمْسِ). انتهى.
بينما جاء نصها في غيبة الطوسي/١٥٩: (وسألني عن أهل العراق، فقلت سيدي قد ألبسوا
جلباب الذلة، وهم بين القوم أذلاء! فقال لي: يا ابن مازيار لتملكونهم كما ملكوكم
وهم يومئذ أذلاء، فقلت: سيدي لقد بعد الوطن وطال المطلب، فقال: يا ابن مازيار أبي
أبو محمد عهد إليَّ أن لا أجاور قوماً غضب الله عليهم ولعنهم ولهم الخزي في الدنيا
والآخرة ولهم عذاب أليم، وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلا وعرها ومن البلاد إلا
عفرها، والله مولاكم أظهر التقية فوكلها بي فأنا في التقية إلى يوم يؤذن لي فأخرج.
فقلت: يا سيدي متى يكون هذا الأمر؟ فقال إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة واجتمع
الشمس والقمر واستدار بهما الكواكب والنجوم، فقلت متى يا ابن رسول الله؟ فقال لي:
في سنة كذا وكذا تخرج دابة الأرض من بين الصفا والمروة ومعه عصا موسى وخاتم سليمان،
يسوق الناس إلى المحشر).
وفي رواية دلائل الإمامة/٢٩٦: (ثم قال يا ابن المهزيار ومد يده: ألا أنبئك الخبر؟
إذا قعد الصبي، وتحرك المغربي، وسار العماني، وبويع السفياني، يؤذن لولي الله فأخرج
بين الصفا والمروة في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، فأجيء إلى الكوفة وأهدم مسجدها
وأبنيه على بنائه الأول، وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة، وأحج بالناس حجة الإسلام،
وأجيء إلى يثرب... فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلا مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان.
قلت يا سيدي ما يكون بعد ذلك قال الكرة الكرة الرجعة الرجعة ثم تلا هذه الآية: (ثُمَّ
رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً)). وبنحوه مختصر البصائر/١٧٦، وعنه
الإيقاظ /٢٨٦، وعنها تبصرة الولي/٧٧٣ و٧٧٨ و٧٨٠، والبحار: ٥٢/٩ و٤٢.
أقول: يرد على هذه الرواية عدة ملاحظات: منها: تفاوت نصوصها كثيراً وهو
سبب
كاف للتوقف فيها. ومنها: أن السؤال في رواية كمال الدين عن هلاك الظالمين العباسيين
ولا علاقة لها بظهور الإمام (عليه السلام). وقد تضمن جوابه أحداثاً تتعلق بالعباسين
في عصرها، ولا علاقة لها بعلامات الظهور أيضاً.
أما رواية غيبة الطوسي ففيها فقرة عن علامات الظهور، لكنها مجملة غير محددة،
ويضعفها وجود دابة الأرض فيها، وهي من علامات القيامة لا الظهور!
وأما رواية دلائل الإمامة ففيها علامات معروفة وردت في غيرها، وما يتعلق منها
بالترك قوله: (ويخرج السروشي من أرمنية وآذربيجان يريد وراء الري الجبل الأسود
المتلاحم بالجبل الأحمر لزيق جبل طالقان)، وهذا وصف لحركة جيش من أرمينية وباكو
يتجه نحو طهران وبغداد، وهي حركة معتادة للجيوش في ذلك العصر، فإن صحت فهي عن حدث
في ذلك العصر. مضافاً إلى أن سندها غيرتام، لأن الموثوق الجليل القدر من آل مهزيار
هو علي بن مهزيار (رحمه الله) وقد توفي قبل الغيبة فلا بد أن تكون الرواية عن أحد
أولاده أو أولاد أخيه وفي توثيقه كلام! قال السيد الخوئي (رحمه الله) في معجم رجال
الحديث: ١٣/٢١٢: (ومن الغريب أن بعضهم توهم بقاءه إلى زمان الغيبة أيضاً، وذلك
بتخيل أن علي بن مهزيار هو علي بن إبراهيم بن مهزيار المتقدم الذي تشرف بخدمة
الإمام الحجة سلام الله عليه، وهذا التوهم بمكان من الفساد، فإنك قد عرفت أن قصة
تشرف علي بن مهزيار بخدمة الإمام (عليه السلام) غير ثابتة، وعلى تقدير الثبوت فهو
ابن مهزيار لا نفسه، وقد صرح الصدوق في المشيخة والنجاشي والشيخ في ذكر طريقهما
بأنه إبراهيم بن مهزيار أخو علي بن مهزيار).
ومنها، حديث قتال الإمام المهدي (عليه السلام) للترك، ففي بشارة الإسلام عن الإمام
الصادق (عليه السلام) قال: (أول لواء يعقده المهدي يبعثه إلى الترك فيهزمهم، ويأخذ
ما معهم من السبي والأموال، ثم يسير إلى الشام فيفتحها). انتهى. وهو مرسل، رواه ابن
حماد وغيره عن أرطاة، وإن صح فقد يكون المقصود بالترك فيه ترك تركيا. نعم لابد بحسب
منطق الأحداث أن تكون تركيا في طليعة البلاد المتأثرة
بظهوره (عليه السلام) فيتحرك أهلها، ويتجه الإمام اليها بعد ترتيب وضع العراق.
ومنها، أحاديث نزول الترك الجزيرة والفرات، ففي النعماني/٢٧٤، عن الإمام الصادق
(عليه السلام) (أن أمير المؤمنين (عليه السلام) حدث عن أشياء تكون بعده إلى قيام
القائم، فقال الحسين: يا أمير المؤمنين متى يطهر الله الأرض من الظالمين؟ فقال أمير
المؤمنين (عليه السلام): لا يطهر الله الأرض من الظالمين حتى يسفك الدم الحرام. ثم
ذكر أمر بني أمية وبني العباس في حديث طويل، ثم قال: إذا قام القائم بخراسان وغلب
على أرض كوفان وملتان، وجاز جزيرة بني كاوان، وقام منا قائم بجيلان وأجابته الآبر
والديلمان، وظهرت لولدي رايات الترك متفرقات في الأقطار والجنبات، وكانوا بين هنات
وهنات. إذا خربت البصرة، وقام أمير الأمرة بمصر فحكى (عليه السلام) حكاية طويلة، ثم
قال: إذا جهزت الألوف وصفت الصفوف وقتل الكبش الخروف هناك يقوم الآخر ويثور الثائر
ويهلك الكافر، ثم يقوم القائم المأمول، والإمام المجهول، له الشرف والفضل، وهو من
ولدك يا حسين لا ابن مثله، يظهر بين الركنين، في دريسين باليين يظهر على الثقلين
ولا يترك في الأرض دمين. طوبى لمن أدرك زمانه ولحق أوانه وشهد أيامه). والقائم
بخراسان: قد يقصد أبا مسلم الخراساني، أو الخراساني الذي يقوم قرب ظهور المهدي
(عليه السلام)، مُلتان: بضم الميم وسكون اللام بلد قرب غزنة حسب معجم البلدان:
٥/١٨٩، وهو الآن إقليم في باكستان، ولم نجد فيه جزيرة بني كاوان نعم يوجد كاودان
وكاوردان وهما قريتان في طبرستان من قرى آمل. وثوبين دريسين: أي باليين.
أقول: هذه الرواية لو تم سندها فإن ما يتعلق منها بالترك هو قوله: (وظهرت لولدي
رايات الترك متفرقات في الأقطار والجنبات، وكانوا بين هنات وهنات). وهو يدل على
تحفز جماعات من الترك لنصرة الإمام (عليه السلام)، وقد يكون ذلك بعد النداء السماوي
وإعلان ظهوره (عليه السلام). والله العالم.
الفصل الثلاثون: معالم دولة العدل الإلهي على يد الإمام المهدي (عليه السلام)
الطور الجديد للحياة البشرية على يد الإمام (عليه السلام)
تدخل الحياة على يد الإمام المهدي (عليه السلام) طوراً جديداً بالمعنى الكامل
للكلمة، سواء في معرفة الإنسان للكون ولنفسه، وعلومه، وهدفه من الحياة، وطريقة عيشه
ووسائله.
يكفي أن نقرأ أن الإمام (عليه السلام) يضيف إلى العلوم في عصره خمساً وعشرين ضعفاً
لنعرف تلك القفزة الكبيرة في تقدم الحياة الإنسانية على الأرض بجميع مرافقها.
ففي الخرائج: ٢/٨٤١، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (العلم سبعة وعشرون جزءً
فجميع ما جاءت به الرسل جزءان، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الجزأين، فإذا قام
القائم أخرج الخمسة والعشرين جزءً، فبثها في الناس وضم إليها الجزأين حتى يبثها
سبعة وعشرين جزءً). ومختصر البصائر١١٧، وفيه: حرفاً بدل جزءً، وعنه البحار: ٥٢/٣٣٦.
وهذا الحديث وإن كان ناظراً إلى علوم الأنبياء والرسل (عليهم السلام) لكنها تشمل مع
العلم بالله سبحانه ورسالته والآخرة، العلوم الطبيعية التي ورد أن الأنبياء (عليهم
السلام) علموا الناس أصولها وفتحوا لهم بعض أبوابها، وقد ورد أن إدريس (عليه
السلام) علَّم الناس الخياطة
وعلمهم نوح (عليه السلام) النجارة وصناعة السفن، وداود وسليمان صناعة الدروع.. الخ. فالمقصود بالعلم في الحديث أعم من علوم الدين والطبيعة، ومعناه أن نسبة ما يكون في أيدي الناس من العلوم إلى ما يعلمهم إياه (عليه السلام) نسبة اثنين إلى خمس وعشرين! ولنا أن نتصور إذا تطور علم الطب وعلوم الاتصالات والفضاء خمساً وعشرين ضعفاً كيف ستكون الحياة؟!
* * *
وفي كمال الدين: ٢/٦٧٤، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك وتعالى له كل منخفض من الأرض، وخفض له كل مرتفع، حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته. فأيكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها). وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٩٤، والبحار: ٥٢/٣٢٨.
* * *
وروى الصدوق أن الإمام (عليه السلام) ينصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء فيرى فيه أعمال العباد. وورد أن للمهدي (عليه السلام) علوماً مذخورة تحت بلاطة في أهرام مصر لا يصل إليها أحد قبله). كمال الدين/٥٦٥.
* * *
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب. وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق). وبشارة الإسلام/٢٤١، وإثبات الهداة: ٣/٥٨٤، والبحار: ٥٢/٣٩١، والحق اليقين: ١/٢٩٩.
* * *
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (كأني بأصحاب القائم وقد أحاطوا بما بين الخافقين، ليس شيء إلا وهو مطيع لهم، حتى سباع الأرض وسباع الطير تطلب رضاهم وكل شيء، حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول: مرَّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم). كمال الدين: ٢/٦٧٣، وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٩٤، والبحار: ٥٢/٣٢٧.
* * *
وعنه (عليه السلام): (إن قائمنا إذا قام مد الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لا يكون بينهم وبينه بريد يكلمهم فيسمعونه وينظرون إليه وهو في مكانه). الكافي: ٨/٢٤١، والخرائج: ٢/٨٤٠، والبحار: ٥٢/٢٣٦. وتقدم من دلائل الإمامة/٢٤٩في فصل أصحاب الإمام (عليه السلام): (إذا
قام قائمنا بعث في أقاليم الأرض.. فيقول عهدك في كفك واعمل بما ترى). انتهى. وقد يكون ذلك على نحو الإعجاز والكرامة لهم، أو بوسائل متطورة.
* * *
يلهم الله الإمام المهدي (عليه السلام) العلوم
كمال الدين: ٢/٦٥٣، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن العلم بكتاب الله
(عزَّ وجلَّ) وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) لينبت في قلب مهدينا كما ينبت الزرع
على أحسن نباته، فمن بقي منكم حتى يراه فليقل حين يراه: السلام عليكم يا أهل بيت
الرحمة والنبوة، ومعدن العلم، وموضع الرسالة). ومثله العدد القوية/٦٥، وعنه إثبات
الهداة: ٣/٤٩١، والبحار: ٥١/٣٦.
وفي غيبة الطوسي/٢٨٢، عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام): من أدرك منكم قائمنا
فليقل حين يراه: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ومعدن العلم، وموضع الرسالة). وعنه
إثبات الهداة: ٣/٥١٦، والبحار: ٥٢/٣٣١.
يتغير نوع الطاقة والإضاءة في عصر الإمام (عليه السلام)
تدل أحاديث على تغير نوع النور والطاقة ومصدرهما، ولا يبعد أن يكون ذلك بطرق علمية
جديدة. ففي تفسير القمي: ٢/٢٥٣، عن المفضل أنه سمع الإمام الصادق (عليه السلام)
يقول في قوله تعالى: (وَأَشْرَقَتِ الأرض بِنُورِ رَبِّهَا):
رب الأرض يعني إمام الأرض، فقلت: فإذا خرج يكون ماذا؟ قال: إذاً يستغني الناس عن
ضوء الشمس ونور القمر ويجتزئون بنور الإمام)!
وفي دلائل الإمامة/٢٤١ و٢٦٠، عن المفضل بن عمر الجعفي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه
السلام) يقول: إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها، واستغنى العباد عن ضوء
الشمس، وصار الليل والنهار واحداً وذهبت الظلمة، وعاش الرجل في زمانه ألف سنة يولد
في كل سنة غلام لا يولد له جارية، يكسوه الثوب فيطول عليه كلما طال ويتلون عليه أي
لون شاء).
أقول: إن صح هذه الحديث فمعناه أن معدل العمر يرتفع وأنه يمكن التحكم في نوع
المولود، وأنه يوجد من يفضل الصبي على البنت فيولد له ألف ذكر.
ويتصل أهل الأرض بأهل الكواكب الأخرى
في البصائر/٤٢٩، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: إن ذا القرنين قد خير
السحابين فاختار الذلول وذُخر لصاحبكم الصعب، قال قلت: وما الصعب؟ قال: ما كان من
سحاب فيه رعد وصاعقة أو برق فصاحبكم يركبه، أما إنه سيركب السحاب ويرقى في الأسباب
أسباب السماوات السبع والأرضين السبع، خمس عوامر واثنان خرابان). وعنه
الاختصاص/١٩٩، والبحار: ١٢/١٨٣، و٥٢/٣٢١.
وفي البصائر/٤٠٩، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن الله خيَّر ذا القرنين
السحابين الذلول والصعب، فاختار الذلول، وهو ما ليس فيه برق ولا رعد، ولو اختار
الصعب لم يكن له ذلك، لأن الله ادخره للقائم). ومثله الاختصاص/٣٢٦، وطبعة/١٩٩، وعنه
إثبات الهداة: ٣/٥٢١، والبحار: ٥٢/٣٢١.
أقول: يشير قوله (عليه السلام) بأن خمساً من الأرضين معمورة إلى أنه الاتصال
بمجتمعاتها! بل تدل الآية القرآنية: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ
وَالأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ
وَالأرض فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ) (الرحمن: ٣٣) على أن
الإنسان باستطاعته أن ينفذ من أقطار السماوات والأرض المنظورة إلى خارجها من آفاق
الكون الأخرى، وهذا يعني أن الحياة على الأرض ستدخل في مرحلة جديدة يكون أوجها
الانفتاح على عالم الآخرة والجنة، الذي يتحرك عالم الشهادة بزمانه ومكانه وأشيائه
نحوه ليلتقي به. وقد تقدم في عمله وخاصة أصحابه (عليه السلام) عن الإمام الباقر
(عليه السلام): (إن ذا القرنين كان عبداً صالحاً ناصح الله سبحانه فناصحه وسخر له
السحاب وطويت له الأرض وبسط له في النور فكان يبصر بالليل كما يبصر بالنهار، وإن
أئمة الحق كلهم قد سخر الله تعالى لهم السحاب، وكان يحملهم إلى المشرق والمغرب
لمصالح المسلمين ولإصلاح ذات البين، وعلى هذا حال المهدي (عليه السلام)). الخرائج:
٢/٩٣٠.
* * *
ومن
هذا الأفق يمكنك أن تفهم الآيات والأحاديث التي تتحدث عن (الرجعة) وعودة عدد من
الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) ونزولهم إلى الأرض ليحكموا بعد المهدي (عليه
السلام)، وهذه نماذج من أحاديثها: عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في قوله
تعالى: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ
لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ)؟ قال: يرجع إليكم نبيكم (صلى الله عليه وآله)).
(البحار: ٥٣/٥٦). وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن قوله تعالى: (وَيَوْمَ
نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنَا فَهُمْ
يُوزَعُونَ)؟ فقال: ما يقول الناس فيها؟ قلت يقولون إنها في القيامة. فقال:
يحشر الله في القيامة من كل أمة فوجاً ويترك الباقين؟! إنما ذلك في الرجعة، فأما
آية القيامة فهذه: (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ
مِنْهُمْ أَحَداً..) إلى قوله: (موعداً)).
(البحار: ٥٣/٤٠).
وعن أبي بصير قال: (قال لي أبو جعفر (عليه السلام): ينكر أهل العراق الرجعة؟ قلت:
نعم. قال: أما يقرؤون القرآن). (البصائر/٢٥). وعن زرارة قال: سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن هذه الأمور العظام من الرجعة وأشباهها فقال: إن هذا الذي تسألون
عنه لم يجئ أوانه: (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا
بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ)). (البحار: ٥٣/٤٠).
وفي رواية: (وإن الرجعة ليست بعامة وهي خاصة لايرجع إلا من محض الإيمان محضاً، أو
محض الشرك محضاً). (البحار: ٥٣/٣٦). وستأتي بقية أحاديثها.
تطور الحياة في عصره (عليه السلام) ورؤية المؤمنين للملائكة
في دلائل الإمامة/٢٤١، عن محمد بن فضيل، عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: إذا
قام القائم يأمر الله الملائكة بالسلام على المؤمنين والجلوس معهم في مجالسهم، فإذا
أراد واحد حاجة أرسل القائم من بعض الملائكة أن يحمله، فيحمله الملك حتى يأتي
القائم، فيقضي حاجته ثم يرده، ومن المؤمنين من يسير في السحاب، ومنهم من يطير مع
الملائكة ومنهم من يمشي مع الملائكة مشياً، ومنهم من يسبق الملائكة، ومنهم من
يتحاكم الملائكة إليه، والمؤمن أكرم على الله من الملائكة، ومنهم من
يصيره
القائم قاضياً بين مائة ألف من الملائكة). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٧٣.
المؤمن في عصر الإمام (عليه السلام) يُحيي الموتى بإذن الله
دلائل الإمامة/٢٤٦، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله قال: إذا قام القائم استنزل
المؤمن الطير من الهواء فيذبحه فيشويه ويأكل لحمه ولا يكسر عظمه، ثم يقول له إحْيَ
بإذن الله، فيحيا ويطير، وكذلك الظباء من الصحارى، ويكون ضوء البلاد ونورها ولا
يحتاجون إلى شمس ولا قمر، ولا يكون على وجه الأرض مؤذ ولا شر ولا سم ولا فساد
أصلاً، لأن الدعوة سماوية ليست بأرضية، ولا يكون للشيطان فيها وسوسة ولا عمل ولا
حسد ولا شيء من الفساد ولا تشوك الأرض والشجر، وتبقى الأرض قائمة كلما أخذ منها شيء
نبت من وقته وعاد كحاله. وإن الرجل ليكسو ابنه الثوب فيطول معه كلما طال ويتلون
عليه أي لون أحب وشاء. ولو أن الرجل الكافر دخل جحر ضب أو توارى خلف مدرة أو حجر أو
شجر لأنطق الله ذلك الشيء الذي يتوارى فيه حتى يقول يا مؤمن خلفي كافر فخذه فيؤخذ
ويقتل. ولا يكون لإبليس هيكل يسكن فيه والهيكل البدن، ويصافح المؤمنون الملائكة
ويوحى إليهم ويحيون الموتى بإذن الله). ومثله إثبات الهداة: ٣/٥٧٣، أوله، وحلية
الأبرار: ٢/٦٣٥، عن مناقب فاطمة.
المرحلة الأولى قبل الرخاء في عصره (عليه السلام)
تدل أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) على أنه تمضي مدة من أول ظهوره قبل أن يظهر
الله له كنوز الأرض ويوزعها على الناس، وقد تمتد لثمانية أشهر التي هي مدة حروبه
حتى يسيطر على بلاد العرب والمسلمين.
بل ورد أنه (عليه السلام) يموِّل حروبه بشكل طبيعي، ففي تفسير العياشي: ٢/٨٧، عن
معاذ بن كثير صاحب الأكسية قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) قال: موسع على
شيعتنا أن ينفقوا مما في أيديهم بالمعروف، فإذا قام قائمنا حرم على كل ذي كنز كنزه
حتى يأتيه به
فيستعين به على عدوه وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَالَّذِينَ
يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم)). ومثله الكافي: ٤/٦١، والتهذيب: ٤/١٤٣.
وقد روى الجميع أن عمر أراد أن يأخذ خزائن الكعبة فنهاه علي (عليه السلام) وقال له
إن صاحبها هو الإمام المهدي الذي يستخرجها وينفقها في سبيل الله. ففي ابن حماد/١٠٠
بسنده عن طاووس قال: ودَّعَ عمر بن الخطاب البيت، ثم قال: والله ما أراني أدع خزائن
البيت وما فيه من السلاح والمال أم أقسمه في سبيل الله؟ فقال له علي بن أبي طالب:
إمض يا أمير المؤمنين فلست بصاحبه، إنما صاحبه منا شاب من قريش، يقسمه في سبيل الله
في آخر الزمان).
وفي أخبار مكة للأزرقي: ١/٢٤٦، عن الحسين بن علي: أن عمر قال لعلي بن أبي طالب: لقد
هممت أن أقسم هذا المال يعني مال الكعبة، فقال له علي: إن استطعت ذلك! فقال عمر:
ومالي لا أستطيع ذلك أوَلا تعينني على ذلك؟ فقال علي: إن استطعت ذلك، فردها عمر
ثلاثاً، فقال علي: ليس ذلك إليك. فقال عمر: صدقت). وحدثني محمد بن يحيى عن الواقدي،
عن أشياخه قالوا: وكان ابن عباس يقول: سمعت عمر يقول: إن تركي هذا المال في الكعبة
لا آخذه فأقسمه في سبيل الله تعالى وفي سبيل الخير، وعلي بن أبي طالب يسمع ما يقول:
فقال: ما تقول يا ابن أبي طالب؟ أحلف بالله لئن شجعتني عليه لأفعلن. قال فقال له
علي: أتجعله فيئاً؟ وأحرى صاحبه رجل يأتي في آخر الزمان ضرب آدم طويل. فمضى عمر.
قال: وذكروا أن النبي (صلى الله عليه وآله) وجد في الجب الذي كان في الكعبة سبعين
ألف أوقية من ذهب مما كان يهدى إلى البيت، وأن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال:
يا رسول الله لو استعنت بهذا المال على حربك، فلم يحركه، ثم ذكر لأبي بكر فلم
يحركه). وعنه عقد الدرر/١٥٤، والحاوي: ٢/٧٨، وجمع الجوامع: ٢/١٠٤، والإرشاد٢٦٣،
الخ.
كما ورد أن الإمام المهدي (عليه السلام) يعاقب الممتنعين عن دفع الزكاة، ولا يبعد
أن يكون ذلك بعد تحقق مرحلة من غنى المجتمع. ففي المحاسن/٨٨: (قال أبو عبد
الله
(عليه السلام): ما ضاع مال في بر ولا بحر إلا من منع الزكاة. وقال: إذا قام القائم
أخذ مانع الزكاة فضرب عنقه). ومثله الكافي: ٣/٥٠٣، وكمال الدين: ٢/٦٧١، والفقيه:
٢/١١.
يجمع كنوز الأرض ويخطب في الناس
(وتجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم
فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء الحرام، وركبتم فيه ما حرم الله (عزَّ وجلَّ)، فيعطي
شيئاً لم يعطه أحد كان قبله، ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً، كما ملئت ظلماً
وجوراً وشراً). (النعماني/٢٣٧، وتقدم مع مصادره في فصل أصحابه (عليه السلام))
وفي مسلم: ٢/٧٠١، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تقئ الأرض
أفلاء كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول: في هذا قتلت،
ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي! ويجيء السارق فيقول: في هذا قطعت يدي! ثم
يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً). والترمذي: ٤/٤٩٣، وحسنه، وفي الحميدي: ٣/٢٩٨: تقي
الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة. قال ابن الأثير في النهاية: وفي
حديث ابن مسعود: يوشك أن ترمي الأرض بأفلاذ كبدها مثل الأواس: هي السواري والأساطين
أي تخرج الأرض ما فيها من الذهب والفضة مثل الأعمدة.
وفي ابن أبي شيبة: ١٥/٨٦، عن عبد الله قال قال: (صلى الله عليه وآله): فبينا الناس
كذلك إذ قذفت الأرض بأفلاذ كبدها من الذهب والفضة، لا ينفع بعد شيء منه ذهب ولا
فضة. ومثله الحاكم: ٤/٥٥٥، وصححه على شرط الشيخين، وجمع الجوامع: ٢/٥٣٤، والدر
المنثور: ٦/٥٩، الخ.
وحديث حَثْوُ المال مشهور في كل المصادر، وهو يدل على الرخاء الاقتصادي الذي لا
سابقة له، وعلى سخاء الإمام المهدي (عليه السلام) ومحبته للناس.
وفي مختصر البصائر/٢٠١: من خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) يصف المسلمين في ذلك
العصر: (وتُخرج لهم الأرض كنوزها ويقول القائم (عليه السلام) كلوا هنيئاً بما
أسلفتم في الأيام الخالية، فالمسلمون يومئذ أهل صواب للدين أذن لهم في الكلام
فيومئذ تأويل هذه الآية: وجاء ربك والملك صفاً صفاً).
وفي
كمال الدين: ٢/٣٦٨، عن محمد بن زياد الأزدي قال: سألت سيدي موسى بن جعفر (عليهما
السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ
نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)؟ فقال (عليه السلام): النعمة الظاهرة
الإمام الظاهر، والباطنة الإمام الغائب، فقلت له: ويكون في الأئمة من يغيب؟ قال:
نعم يغيب عن أبصار الناس شخصه ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منا،
يسهل الله له كل عسير ويذلل له كل صعب، ويظهر له كنوز الأرض، ويقرب له كل بعيد،
ويبير به كل جبار عنيد، ويهلك على يده كل شيطان مريد. ذلك ابن سيدة الإماء، الذي
تخفى على الناس ولادته، ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره الله (عزَّ وجلَّ) فيملأ
الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً). ومثله وعنه كفاية الأثر/٢٦٦، والخرائج:
٣/١١٦٥، والمناقب: ٤/١٨٠، والصراط المستقيم: ٢/٢٢٩، والمضيئة/٢٠، وإثبات الهداة:
١/٥١٨، والبحار: ٢٤/٥٣.
يحيي الله به الأرض بعد موتها
في النعماني/٣٢، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (اعْلَمُوا
أَنَّ اللهَ يُحْيِي الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ): أي يحييها الله بعدل القائم عند ظهوره، بعد موتها
بجور أئمة الضلال).
وفي النعماني/٣٢، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (اعْلَمُوا
أَنَّ اللهَ يُحْيِي الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). أي يحييها الله بعدل القائم عند ظهوره بعد موتها
بجور أئمة الضلال).
مختصر إثبات الرجعة/٢١٦، عن محمد بن حمران قال: قال الصادق جعفر بن محمد (عليه
السلام): إن القائم منا منصور بالرعب، مؤيد بالنصر، تطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز
كلها، ويظهر الله تعالى به دينه على الدين كله ولو كره المشركون، ويبلغ سلطانه
المشرق والمغرب، ولا يبقى في الأرض خراب إلا عَمِر.. الخ.). وعنه إثبات الهداة:
٣/٥٧٠، ومستدرك الوسائل: ١٢/٣٣٥.
في سنة ظهوره (عليه السلام) تمطر السماء ٢٤ مطرة
غيبة الطوسي/٤٤٣: (عن اسماعيل الأسدي قال: حدثني سعيد بن جبير قال: السنة التي يقوم
فيها المهدي تمطر أربعاً وعشرين مطرة يرى أثرها وبركتها). ومثله الإرشاد: ٢/٣٧٣،
وإعلام الورى: ٢/٢٨٥، وكشف الغمة: ٣/٢٥٨، والبحار: ٥٣/٩٠، عن الإرشاد.
وفي الإرشاد: ٢/٣٦٩، في تعديد علامات ظهور الإمام (عليه السلام): (ثم يختم ذلك
بأربع وعشرين مطرة تتصل فتحيى بها الأرض من بعد موتها وتعرف بركاتها، وتزول بعد ذلك
كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدي (عليه السلام)، فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة
فيتوجهون نحوه لنصرته).
وفي الإرشاد/٣٨١، عن عبد الكريم الخثعمي، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إذا
آن قيام القائم مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطراً لم تر الخلائق مثله
فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، وكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل
جهينة، ينفضون شعورهم من التراب). وعنه روضة الواعظين/٢٦٣، والبحار: ٨٧/٢٧٧، وكشف
الغمة: ٣/٢٥٣، وإثبات الهداة: ٣/٥٧١، عن غيبة الطوسي.
يحثو المال للناس حثياً بدون عدٍّ!
في ابن حماد/٩٨، عن أبي سعيد، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يخرج في آخر
الزمان خليفة يعطي المال بغير عدد). وفي/١٠٠، عن جابر بن عبد الله عن النبي: (صلى
الله عليه وآله) يكون في أمتي خليفة، يحثي المال حثياً، لا يعده عداً. وابن أبي
شيبة: ١٥/١٩٦، وأحمد: ٣/٥ و٣٨، و٤٨، و٦٠، عن أبي سعيد، وجابر، كما في رواية ابن
حماد الأولى بتفاوت يسير. ومسلم: ٤/٢٢٣٤ كما في رواية أحمد السادسة، عن جابر،
وفي/٢٢٣٥، عن جابر، وأبي سعيد، وفي/٤٧٠، عن أبي سعيد وحسنه في هامشه، وابن حبان:
٨/٢٤٠، كما في رواية مسلم الأولى بتفاوت يسير، والحاكم: ٤/٤٥٤ كما في رواية أحمد
السادسة بتفاوت يسير، وصححه على شرط مسلم، إلى آخر المصادر.
وفي عبد الرزاق: ١١/٣٧٢: (يكون على الناس إمام لا يعد لهم الدراهم ولكن يحثو). وفي
مسند أحمد: ٣/٩٦، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
ليبعثن الله عز
وجل
في هذه الأمة خليفة يحثي المال حثياً ولا يعده عداً). وعقد الدرر/١٦٧، ومختصر زوائد
البزار: ٢/١٨١. ورواه أحمد في: ٣/٩٨: عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري بنحوه وقال
فيه: إن من أمرائكم أميراً يحثي المال حثياً ولا يعده عداً، يأتيه الرجل فيسأله
فيقول خذ، فيبسط الرجل ثوبه فيحثي فيه، وبسط رسول الله (صلى الله عليه وآله) ملحفة
غليظة كانت عليه يحكي صنيع الرجل، ثم جمع إليه أكنافها، قال: فيأخذه ثم ينطلق).
وفي البيان للشافعي/٥١٥، عن عبد الرحمن بن عوف: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): ليبعثن الله تعالى من عترتي رجلاً، أفرق الثنايا، أجلى الجبهة، يملأ الأرض
قسطاً وعدلاً ويفيض المال فيضاً). وعنه عقد الدرر/١٦، والمنار المنيف/١٤٦، وكشف
الغمة: ٣/٢٦٠، وإثبات الهداة: ٣/٥٩٣، وحلية الأبرار: ٢/٧٠٢. الخ.
وفي أمالي الطوسي: ٢/١٢٦، عن خمر بن نوف أبي الوداك قال: قلت لأبي سعيد الخدري:
والله ما يأتي علينا عام إلا وهو شر من الماضي، ولا أمير إلا وهو شر ممن كان قبله،
فقال أبو سعيد: لولا ما سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لقلت ما
يقول، ولكن سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا يزال بكم الأمر حتى يولد
في الفتنة والجور من لا يعرف عندها حتى يملأ الأرض جوراً، فلا يقدر أحد يقول الله،
ثم يبعث الله (عزَّ وجلَّ) رجلاً مني ومن عترتي فيملأ الأرض عدلاً كما ملأها من كان
قبله جوراً، وتخرج له الأرض أفلاذ كبدها، ويحثو المال حثواً ولا يعده عداً، وذلك
حتى يضرب الإسلام بجرانه).
يشمل الغنى كل الناس فلا يقبل أحد صدقة
في الإرشاد/٣٦٣، عن الإمام الصادق (عليه السلام): (وتظهر الأرض من كنوزها حتى يراها
الناس على وجهها ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ منه زكاته، فلا يجد أحدا
يقبل منه ذلك، واستغنى الناس بما رزقهم الله من فضله).
وفي النعماني/١٥٠، عن الكاهلي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: تواصلوا
وتباروا وتراحموا فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليأتين عليكم وقت لا يجد أحدكم
لديناره ودرهمه
موضعاً! فقلت: وأنى يكون ذلك؟ فقال: عند فقدكم إمامكم فلا تزالون كذلك حتى يطلع
عليكم كما تطلع الشمس آيس ما تكونون فإياكم والشك والارتياب، وانفوا عن أنفسكم
الشكوك وقد حذرتكم فاحذروا. أسأل الله توفيقكم وإرشادكم). وعنه إثبات الهداة:
٣/٥٣٣، والبحار: ٥١/١٤٦.
ابن أبي شيبة: ٣/١١١، عن حارثة بن وهب الخزاعي: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): تصدقوا فإنه يوشك أن يخرج الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها). ونحوه صحيح
بخاري: ٢/١٣٥، وبرواية أخرى فيها: لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى
يهم رب المال من يقبل صدقته وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي. وثالثة
فيها: ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب، ثم لا يجد أحداً
يأخذها منه، ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به، من قلة الرجال وكثرة
النساء). ونحوه أحمد: ٤/٣٠٦، بروايتين، ومسلم: ٢/٧٠٠، كرواية أحمد الثانية،
والنسائي: ٥/٧٧، كأولى بخاري بتفاوت يسير، عن حارثة. إلى آخر المصادر.
أقول: هذه الأحاديث عن استغناء الناس وعدم قبول أحد الصدقة، من مختصات عصر المهدي
(عليه السلام) كما دلت الأحاديث، وكما دل الواقع إلى يومنا.
ينعم الناس في زمانه حتى يتمنى الأحياء الأموات
عبد الرزاق: ١١/٣٧١، عن أبي سعيد الخدري قال: (ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بلاء يصيب هذه الأمة حتى لايجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم، فيبعث الله رجلاً من
عترتي من أهل بيتي فيملأ به الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكن
السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلى صبته مدراراً، ولا تدع الأرض
من مائها شيئاً إلا أخرجته، حتى تتمنى الأحياء الأموات).
وفي ابن حماد/٩٩، عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال: تنعم أمتي في زمن المهدي نعمة
لم ينعموا مثلها قط، ترسل السماء عليهم مدراراً، ولا تدع الأرض شيئاً من النبات إلا
أخرجته، والمال كدوس يقوم الرجل فيقول: يا مهدي أعطني فيقول خذ). وبيان الشافعي/٥١٩
كابن حماد، وقال: هذا حديث حسن المتن، رواه الحافظ أبو القاسم
الطبراني في معجمه الأكبر كما أخرجناه حرفاً بحرف. وعقد الدرر/١٤٤، و١٦٩، ونحوه
جامع السيوطي: ٨/٧٧، عن أبي سعيد وابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله).
وفي أحمد: ٣/٢١، عن أبي سعيد الخدري قال: خشينا أن يكون بعد نبينا حدث فسألنا رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يخرج المهدي في أمتي خمساً أو سبعاً أو تسعاً زيد
الشاك، قال قلت: أي شيء؟ قال سنين، ثم قال: يرسل السماء عليهم مدراراً، ولا تدخر
الأرض من نباتها شيئاً ويكون المال كدوساً، قال: يجيء الرجل إليه فيقول: يا مهدي
أعطني أعطني، قال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمل). ونحوه ابن حماد/١٠٤، وابن
ماجة: ٢/١٣٦٦، والترمذي: ٤/٥٠٦، وحسنه، والحاكم: ٤/٥٥٨، والداني/٩٤، الخ.
وفي ينابيع المودة/٤٦٧، وقال بعضهم من أهل الله أصحاب الكشف والشهود وعلماء الحروف،
إنني ناقل عن الإمام علي كرم الله وجهه: سيأتي الله بقوم يحبهم الله ويحبونه ويملك
من هو بينهم غريب فهو المهدي أحمر الوجه، بشعره صهوبة، يملأ الأرض عدلاً بلا صعوبة،
يعتزل في صغره عن أمه وأبيه، ويكون عزيزاً في مرباه فيملك بلاد المسلمين بأمان
ويصفو له الزمان، ويسمع كلامه ويطيعه الشيوخ والفتيان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت
جوراً، فعند ذلك كملت إمامته وتقررت خلافته، والله يبعث من في القبور، وتعمر الأرض
وتصفو وتزهو بمهديها وتجري به أنهارها وتعدم الفتن والغارات، ويكثر الخير
والبركات). انتهى.
أقول: لا يحتاج ذلك إلى مكاشفات العرفانيين، فقد روى مضمونه كل المسلمين، عن النبي
وآله (صلى الله عليه وآله).
يوزع الإمام (عليه السلام) الأراضي من جديد
في التهذيب: ٤/١٤٥، عن عمر بن يزيد قال: سمعت رجلاً من أهل الجبل يسأل أبا عبد الله
(عليه السلام) عن رجل أخذ أرضاً مواتاً تركها أهلها فعمرها وأكرى أنهارها وبني فيها
بيوتاً وغرس فيها نخلاً وشجراً؟ قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كان أمير
المؤمنين (عليه السلام) يقول: من أحيا أرضاً من المؤمنين فهي له، وعليه طسقها يؤديه
إلى الإمام في حال
الهدنة، فإذا ظهر القائم (عليه السلام) فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه). وعنه إثبات
الهداة: ٣/٤٥٣.
وفي الكافي: ٥/٢٨٣، عن عبد الله بن سنان عن أبيه قال: قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): إن لي أرض خراج، وقد ضقت بها ذرعاً قال: فسكت هنيهة ثم قال: إن قائمنا لو
قد قام كان نصيبك في الأرض أكثر منها، ولو قد قام قائمنا كان الأستان أمثل من
قطائعهم). والتهذيب: ٧/١٤٩، وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٥٤، ووسائل الشيعة: ١١/١٢١.
والمعنى أن ما تشكو منه من قلة ريع الأرض سيرتفع في زمن المهدي (عليه السلام)،
فيكون ضمانك للقطعة الصغيرة (الأستان) أنفع وأحسن من ضمان المساحات الكبيرة اليوم.
وفي قرب الإسناد/٣٩، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) أمر بالنزول على أهل الذمة ثلاثة أيام، وقال: إذا قام قائمنا اضمحلت
القطائع فلا قطائع). القطائع: جمع قطيعة، الأرض الزراعية، أو غيرها من الثروات
والمنافع التي يعطيها الحكام.
وفي الكافي: ١/٤٠٨، عن عمر بن يزيد قال: رأيت مسمعاً بالمدينة وقد كان حمل إلى أبي
عبد الله (عليه السلام) تلك السنة مالاً فرده أبو عبد الله (عليه السلام)، فقلت له:
لم رد عليك أبو عبد الله المال الذي حملته إليه؟ قال: فقال لي: إني قلت له حين حملت
إليه المال: إني كنت وليت البحرين الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم وقد جئتك بخمسها
بثمانين ألف درهم وكرهت أن أحبسها عنك وأن أعرض لها وهي حقك الذي جعله الله تبارك
وتعالي في أموالنا. فقال: أوَمالنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس يا أبا
سيار؟ إن الأرض كلها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا. فقلت له: وأنا أحمل
إليك المال كله؟ فقال: يا أبا سيار قد طيبناه لك وأحللناك منه فضم إليك مالك وكلُّ
ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون حتى يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في
أيديهم ويترك الأرض في أيديهم، وأما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرام
عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم صَغَرَة. ثم قال: قال عمر بن
يزيد: فقال لي أبو سيار: ما أرى أحداً من أصحاب الضياع ولا ممن يلي الأعمال يأكل
حلالاً غيري إلا من طيبوا له ذلك).
ونحوه
التهذيب: ٤/١٤٤، وعنه وسائل الشيعة: ٦/٣٨٢، الخ.
أقول: لا بد أن يكون المقصود بشيعتهم في زمان المهدي (عليه السلام) كل المسلمين
الذين يؤلف الله به قلوبهم، وبأعداء المهدي (عليه السلام) الكفار والمنافقين.
وفي تفسير العياشي: ٢/٢٥، عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
وجدنا في كتاب علي (عليه السلام): إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة
للمتقين، وأنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ونحن المتقون والأرض كلها لنا،
فمن أحيا أرضاً من المسلمين فعمرها فليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل
منه. فإن تركها وأخربها بعد ما عمرها فأخذها رجل من المسلمين بعده فعمرها وأحياها
فهو أحق بها من الذي تركها، فليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منه
حتى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف فيحوزها ويمنعها ويخرجهم عنها، كما حواها رسول
الله (صلى الله عليه وآله) ومنعها إلا ما كان في أيدي شيعتنا فإنه يقاطعهم ويترك
الأرض في أيديهم). ومثله الكافي: ١/٤٠٧، والاستبصار: ٣/١٠٨، والتهذيب: ٧/ ١٥٢،
وتأويل الآيات: ١/١٧٧، وعنها إثبات الهداة: ٣/٤٥٤، والبحار: ٥٢/٣٩٠، الخ.
وفي تفسير العياشي: ٢/٢٥، عن عمار الساباطي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، قال فما كان لله فهو لرسوله، وما كان
لرسول الله فهو للإمام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)). وعنه البرهان: ٢/٢٨،
والبحار: ١٠٠/٥٨.
يسع عدله والرخاء في عصره البَرَّ والفاجر
في المحاسن/٦١، عن بشر بن غالب الأسدي قال: حدثني الحسين بن علي (عليهما السلام)
قال قال لي: يا بشر بن غالب من أحبنا لا يحبنا إلا لله، جئنا نحن وهو كهاتين، وقدر
بين سبابتيه، ومن أحبنا لا يحبنا إلا للدنيا فإنه إذا قام قائم العدل وسع عدله البر
والفاجر). وعنه البحار: ٢٧/٩٠.
ابن حماد/٩٨، عن جعفر بن سيار الشامي قال: يبلغ من رد المهدي المظالم حتى
لو
كان تحت ضرس إنسان شيء انتزعه حتى يرده). وعنه ابن طاووس/٦٨، والحاوي: ٢/٨٣، والقول
المختصر/٢٥. والمعنى: يتتبع حقوق الناس المغصوبة ويستخرجها من الغاصب حتى لو كانت
مخبأة تحت ضرسه.
رحيم بالمساكين شديد على المسؤولين
في مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) لمحمد بن سليمان: ٢/١٦٠، عن علي (عليه
السلام) قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: المهدي من أهل بيتي جواد
بالمال رحيم بالمساكين).
وفي ابن حماد/٩٨، عن طاووس قال: علامة المهدي: أن يكون شديداً على العمال، جواداً
بالمال، رحيماً بالمساكين.. المهدي كأنما يلعق المساكين الزبد).
وفي/٩٩، عن طاووس قال: إذا كان المهدي زيد المحسن في إحسانه، وتيب على المسيء في
إساءته، وهو يبذل المال ويشد على العمال، ويرحم المساكين). العُمَّال: الوزراء
وكبار المسؤولين. ونحوه ابن أبي شيبة: ١٥/١٩٩، والداني/١٠١، والحاوي: ٢/٧٨.
الضمان الإجتماعي والإقتصادي وتعميم الثقافة
النعماني/٢٣٨، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: كأنني بدينكم
هذا لا يزال مولياً يفحص بدمه، ثم لا يرده عليكم إلا رجل منا أهل البيت، فيعطيكم في
السنة عطاءين ويرزقكم في الشهر رزقين، وتؤتون الحكمة في زمانه حتى أن المرأة لتقضي
في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)). وحلية الأبرار:
٢/٦٤٢، والبحار: ٥٢/٣٥٢.
شعبية الإمام القوية وحب الأمة له (عليه السلام)
في بشارة الإسلام/١٨٥، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: المهدي محبوب في
الخلائق يطفئ الله به الفتنة الصماء).
ابن حماد/٩٩، عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله): تأوي إليه أمته
كما تأوي النحلة إلى يعسوبها، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، حتى يكون الناس على
مثل أمرهم الأول، لا يوقظ نايماً ولا يهرق دماً). وعنه الحاوي: ٢/٧٧، والبرهان/٧٨،
وملاحم
ابن
طاووس/٧٠. واليعسوب: الرئيس، ويعسوب النحل ملكتها. على مثل أمرهم الأول: أي على
صفائهم في عهد النبي (صلى الله عليه وآله)، أو في عهد آدم (عليه السلام).
وفي أمالي المفيد/٣٠، عن الإمام الصادق (عليه السلام): رحمكم الله بنا يبدأ البلاء
ثم بكم، وبنا يبدأ الرخاء ثم بكم، رحم الله من حببنا إلى الناس ولم يكرهنا إليهم).
والبحار: ٥٢/٣٤٧
عمران بلاد العرب وما بين مكة والمدينة
أوردنا في فصل بلاد العرب في عصر الظهور الأحاديث التي تنص على أن أرض العرب
الصحراوية القاحلة تعود في عصره (عليه السلام) مروجاً وأنهاراً!
وفي تفسير القمي: ٢/٣٤٦، عن يونس بن ظبيان عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله
تعالى: (مُدْهَامَّتَان)، قال: يتصل ما بين مكة والمدينة نخلاً). وعنه البحار:
٥٦/٤٩.
مسجد الجمعة العالمي بين الكوفة وكربلاء
في الإرشاد/٣٦٢ و٣٦٣، عن المفضل بن عمر: إذا قام قائم آل محمد (عليه السلام) بنى في
ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب واتصلت بيوت أهل الكوفة بنهري كربلاء.:. ويعمر الرجل
في ملكه حتى يولد له ألف ولد ذكر لا يولد فيهم أنثى، وتظهر الأرض من كنوزها حتى
يراها الناس على وجهها، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ منه زكاته، فلا يجد
أحداً يقبل منه ذلك، واستغنى الناس بما رزقهم الله من فضله). ونحوه غيبة
الطوسي/٢٨٠، وفيه: ويبني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب وتتصل بيوت الكوفة بنهري
كربلاء وبالحيرة، حتى يخرج الرجل يوم الجمعة على بغلة سفواء، يريد الجمعة فلا
يدركها. ومثله الخرائج: ٣/١١٧٦، ونحوه روضة الواعظين: ٢/٢٦٤، وإعلام الورى/٤٣٤.
ارتقاء الوضع الصحي والروحي
في حلية الأولياء: ٣/١٨٤، عن جابر، عن أبي جعفر قال: إن الله تعالى يلقي في قلوب
(عدونا من) شيعتنا الرعب فإذا قام قائمنا وظهر مهدينا كان الرجل أجرأ من ليث وأمضى
من سنان). ومثله ينابيع المودة/٤٤٨، و٤٨٩، والاختصاص/٢٦، وفيه: فإذا وقع أمرنا
وخرج
مهدينا كان أحدهم أجرأ من الليث وأمضى من السنان، يطأ عدونا بقدميه ويقتله بكفيه.
وعنه كشف الغمة: ٢/٣٤٥، وإثبات الهداة: ٣/٥٥٧، والبحار: ٥٢/٣٧٢.
وفي النعماني/٣١٧، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه عن علي بن الحسين (عليهم
السلام)، أنه قال: إذا قام القائم أذهب الله عن كل مؤمن العاهة، ورد إليه قوته).
وفي الخصال: ٢/٥٤١، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: إذا قام قائمنا أذهب
الله (عزَّ وجلَّ) عن شيعتنا العاهة وجعل قلوبهم كزبر الحديد، وجعل قوة الرجل منهم
قوة أربعين رجلاً، ويكونون حكام الأرض وسنامها). وروضة الواعظين: ٢/٢٩٥، كما في
الخصال، وفي الصراط المستقيم: ٢/٢٦١، عن كتاب الربيع، وفيه: إذا قام قائمنا أذهب
الله عنهم العاهة، وجعل قلوبهم كزبر الحديد، قوة كل رجل قوة أربعين رجلاً). وإثبات
الهداة: ٣/٤٩٦ و٦١٦ عن الخصال والصراط المستقيم، والبحار: ٥٢/٣١٦، عن الخصال.
وفي الاختصاص/٨: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يكون شيعتنا في دولة القائم سنام
الأرض وحكامها، يعطى كل رجل منهم قوة أربعين رجلاً). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٥٦.
وفي البصائر/٢٤، عن سعد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: حديثنا صعب مستصعب، لا
يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن أو مدينة حصينة، فإذا وقع أمرنا
وجاء مهدينا كان الرجل من شيعتنا أجرى من ليث وأمضى من سنان، يطأ عدونا برجليه
ويضربه بكفيه، وذلك عند نزول رحمة الله وفرجه على العباد). وعنه البحار: ٢/١٨٩
و٥٢/٣١٨. وفي دلائل الإمامة/٣٢٠، عن يونس بن ظبيان قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه
السلام) فذكر أصحاب القائم فقال: ثلاثمائة وثلاثة عشر، وكل واحد يرى نفسه في
ثلاثمائة!). ومثله المحجة/٤٦، عن الطبري في مسند فاطمة (عليها السلام).
يُقَسِّمُ العالم الى٣١٣ ولاية
في دلائل الإمامة/٢٤٩، والنعماني/٣١٩، عن أبان بن تغلب، عن أبي جعفر (عليه السلام):
(إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلاً يقول: عهدك في كفك فإذا ورد
عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفك، واعمل بما فيها، قال: ويبعث
جنداً إلى القسطنطينية، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا
على
الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء، قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء
فكيف هو؟ فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة فيدخلونها فيحكمون فيها ما يشاؤون).
ومثله إثبات الهداة: ٣/٥٧٣، بتفاوت يسير، عن مناقب فاطمة، وقال وبإسناده، عن أبان
بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام).. والبحار: ٥٢/٣٦٥، عن النعماني بتفاوت
يسير.
ويحتمل أن يكون ذلك على نحو الإعجاز، أو على أساس قواعد علمية وحسابات خاصة، أو
بوسائل وأجهزة متطورة.
وفي كمال الدين: ٢/٦٧٣، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كأني
بأصحاب القائم (عليه السلام) وقد أحاطوا بما بين الخافقين، فليس من شيء إلا وهو
مطيع لهم، حتى سباع الأرض، وسباع الطير، يطلب رضاهم في كل شيء حتى تفخر الأرض على
الأرض وتقول: مر بي اليوم رجل من أصحاب القائم (عليه السلام)). وإثبات الهداة:
٣/٤٩٤، والبحار: ٥٢/٣٢٧.
يقضي أصحابه بعلمهم الرباني بدون شهود!
في البصائر/٢٥٨، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل
مني رجل يحكم بحكومة آل داود، لا يسأل عن بينة، يعطي كل نفس حكمها).
وفي الإرشاد/٣٦٥: (إذا قام قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) حكم بين الناس بحكم
داود (عليه السلام) لا يحتاج إلى بينة يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، ويخبر كل قوم
بما استبطنوه ويعرف وليه من عدوه بالتوسم). وروضة الواعظين: ٢/٢٦٦، والخرائج:
٢/٨٦١، وإثبات الهداة: ١/٨٩، و: ٣/٤٤٧ الخ.
في الكافي: ١/٥٠٩، عن الحسن بن ظريف قال: اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب فيهما
إلى أبي محمد (عليه السلام) فكتبت أسأله عن القائم (عليه السلام) إذا قام بما يقضي
وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس وأردت أن أسأله عن شيء لحمى الربع فأغفلت خبر
الحمى فجاء الجواب: سألت عن القائم، فإذا قام قضى بين الناس بعلمه كقضاء داود (عليه
السلام) لا يسأل البينة. وكنت أردت أن تسأل لحمى الربع فأنسيت فاكتب في ورقة وعلقه
على المحموم فإنه يبرأ بإذن الله إن شاء الله: (يَا نَارُ
كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى
إِبْرَاهِيمَ)، فعلقنا عليه ما ذكر أبو محمد فأفاق).
والإرشاد/٣٤٣، والخرائج: ١/٤٣١، والدعوات/٢٠٩، وثاقب المناقب/٢٤٧، بعضه، والمناقب:
٤/٤٣١، الخ.
أقول: معنى يحكم بحكم داود، بالقضية التي أراها الله تعالى لداود كنموذج للحكم
الواقعي في قصة الشاب الذي سرق عنباً من كرم، وإلا فداود وجميع الأنبياء (عليهم
السلام) مأمورون بالحكم بين الناس بالظاهر والبينات والأيْمان.
وفي بعض الروايات: (إذا قام قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) حكم بحكم آل داود
وكان سليمان لا يسأل الناس بينة). (البصائر/٢٥٩) فقد يكون سليمان (عليه السلام)
يحكم بإلهام ربه.
من حكام الولايات خمسون امرأة
تقدم في فصل أصحابه ووزرائه الخاصين (عليه السلام) أن منهم خمسين امرأة (ويجيء
والله ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيهم خمسون امرأة يجتمعون بمكة على غير ميعاد قزعاً
كقزع الخريف يتبع بعضهم بعضاً، وهي الآية التي قال الله: (أين
مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جميعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ)).
وقد تكون إدارة الولايات بالانتخاب
تدل أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) على أن القضاء يكون مختصاً بالإمام
وأصحابه، لأنه يحتاج إلى علم رباني بالواقع، أما بقية أمور العالم فلا يبعد أن تكون
إدارتها بمشاركة الناس بآليات كقوانين الانتخابات العادلة، خاصة أن وعي الناس يرتقي
ويتكامل في عصره (عليه السلام)، ففي الكافي: ١/٢٥، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم، وكملت به أحلامهم).
ومثله كمال الدين: ٢/٦٧٥، والخرايج: ٢/٨٤٠، عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (عليه
السلام). ومثله مختصر البصائر/١١٧، ومنتخب المضيئة/٢٠٠، وإثبات الهداة: ٣/٤٤٨، عن
الكافي، والبحار: ٥٢/٣٢٨ و٢٣٦، عن كمال الدين والخرايج، وأشار إلى رواية الكافي.
يصل العالم إلى مجتمع اللانقد
في
الاختصاص/٢٤، عن بريد العجلي قال: قيل لأبي جعفر الباقر (عليه السلام): إن أصحابنا
بالكوفة جماعة كثيرة، فلو أمرتهم لأطاعوك واتبعوك، فقال: يجيء أحدهم إلى كيس أخيه
فيأخذ منه حاجته؟ فقال: لا، قال: فهم بدمائهم أبخل. ثم قال: إن الناس في هدنة
تُناكحهم وتوارثهم، وتقيم عليهم الحدود، وتؤدي أماناتهم، حتى إذا قام القائم جاءت
المزايلة، ويأتي الرجل إلى كيس أخيه فيأخذ حاجته لا يمنعه). وإثبات الهداة: ٣/٥٥٧،
والبحار: ٥٢/٣٧٢.
مصادقة الإخوان/٢٠، عن إسحاق بن عمار قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فذكر
مواساة الرجل لإخوانه وما يجب لهم عليه فدخلني من ذلك أمر عظيم، عرف ذلك في وجهي
فقال: إنما ذلك إذا قام القائم وجب عليهم أن يجهزوا إخوانهم وأن يقووهم). وعنه
إثبات الهداة: ٣/٤٩٥.
وفي العياشي: ٢/٨٧، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المؤمن إن كان عنده من ذلك
شيء ينفقه على عياله ما شاء، ثم إذا قام القائم فيحمل إليه ما عنده، فما بقي من ذلك
يستعين به على أمره فقد أدى ما يجب عليه). وعنه المحجة/٨٩، والبحار: ٧٣/١٤٣. ولم
تذكر الرواية السؤال الذي يبدو أنه كان عن الخمس أو الخراج.
أقول: هذه الأحاديث تصف حالة أصحاب الإمام (عليه السلام) أول ظهوره، ولا بد أنها
تصير حالة عامة عندما تشمل الثروة والرخاء كل العالم. وطبيعي أن يصل مثل هذا
المجتمع إلى مرحلة الاستغناء عن النقد فيعمل كل أفراده كل في مجاله قربة إلى الله
تعالى، ويأخذ كل منهم حاجته بدون ثمن!
ولعل هذا أصل ما يتناقله الناس عن زمان ومجتمع يعمل فيه الناس ويأخذون حاجاتهم
بالصلوات على النبي وآله (صلى الله عليه وآله).
يصحح الإمام (عليه السلام) هندسة المساجد والمشاهد
في إثبات الوصية/٢١٥، عن ابن هاشم قال: كنت عند أبي محمد (عليه السلام) قال: إذا
قام
القائم أمر بهدم المنابر التي في المساجد، فقلت في نفسي لأي معنى هذا؟ فقال لي معنى
هذا أنها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي ولا حجة). ومثله غيبة الطوسي/١٢٣، وإعلام
الورى/٣٥٥، والخرائج: ١/٤٥٣، وابن شهرآشوب: ٤/٤٣٧، الخ.
ينظم الإمام (عليه السلام) موسم الحج وقوانين السير
في الكافي: ٤/٤٢٧، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أول ما يظهر القائم من العدل
أن ينادي مناديه أن يسلم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر الأسود والطواف). ومثله
الفقيه: ٢/٥٢٥، وعنه وسائل الشيعة: ٩/٤١٢، والبحار: ٥٢/٣٧٤.
وفي التهذيب: ١٠/٣١٤، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: إذا قام قائمنا (عليه
السلام) قال: يا معشر الفرسان سيروا في وسط الطريق، يا معشر الرجال سيروا على جنبي
الطريق، فأيما فارس أخذ على جنبي الطريق فأصاب رجلاً عيب ألزمناه الدية وأيما رجل
أخذ في وسط الطريق فأصابه عيب فلا دية له). والوسائل: ١٩/١٨١. وإثبات الهداة:
٣/٤٥٥.
يطبق أحكاماً شرعية بعهد من جده المصطفى (صلى الله عليه وآله)
في الهداية/٦٤، عن الإمام الصادق (عليه السلام): إن الله (عزَّ وجلَّ) آخى بين
الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأجساد بألفي عام، فإذا قام قائمنا أهل البيت ورث
الأخ الذي آخى بينهما في الأظلة ولم يورث الأخ من الولادة). ومختصر البصائر/١٥٩،
والبحار: ٦/٢٤٩.
دلائل الإمامة/٢٦٠، جرهم بن أبي جهنة قال: سمعت أبا الحسن موسى (عليه السلام) يقول:
إن الله تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام، ثم خلق الأبدان بعد ذلك،
فما تعارف منها في السماء تعارف في الأرض وما تناكر منها في السماء تناكر في الأرض،
فإذا قام القائم ورث الأخ في الدين، ولم يورث الأخ في الولادة، وذلك قول الله (عزَّ
وجلَّ) في كتابه: قد أفلح المؤمنون.. فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا
يتساءلون). وعنه البرهان: ٣/١٢٠، والمحجة/ ١٤٦.
وفي الخصال: ١/١٦٩، عن الإمام الصادق والكاظم (عليهما السلام): لو قد قام القائم
لحكم بثلاث
لم
يحكم بها أحد قبله: يقتل الشيخ الزاني، ويقتل مانع الزكاة، ويورث الأخ أخاه في
الأظلة). وروضة الواعظين: ٢/٣٥٦، ووسائل الشيعة: ٦/١٩، إلى آخر المصادر.
وفي الكافي: ٥/١٣٢، عن الحسين الشيباني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له:
رجل من مواليك يستحل مال بني أمية ودماءهم وإنه وقع لهم عنده وديعة، فقال: أدوا
الأمانات إلى أهلها وإن كانوا مجوساً، فإن ذلك لا يكون حتى يقوم قائمنا أهل البيت
(عليه السلام) فيحل ويحرم). ومثله التهذيب: ٦/٣٥١، ووسائل الشيعة: ١٣/٢٢٢.
يُحَرِّمُ ربح المؤمن على أخيه المؤمن
من لا يحضره الفقيه: ٣/٣١٣، عن سالم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخبر
الذي روي أن من كان بالرهن أوثق منه بأخيه المؤمن فأنا منه برئ، فقال: ذلك إذا ظهر
الحق وقام قائمنا أهل البيت، قلت: فالخبر الذي روي أن ربح المؤمن على المؤمن ربا،
ما هو؟ قال: ذاك إذا ظهر الحق وقام قائمنا أهل البيت وأما اليوم فلا بأس بأن يبيع
من الأخ المؤمن ويربح عليه). وبعضه وسائل الشيعة: ١٢/٢٩٤ والاستبصار: ٣/٧٠، ومثله
التهذيب: ٧/١٧٨، وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٥٥. الخ.
يشدد على العصاة لعدم حاجتهم إلى الحرام
وفي المحاسن/٨٧، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): دمان في
الإسلام حلال، لا يقضي فيهما أحد بحكم الله حتى يقوم قائمنا، الزاني المحصن يرجمه،
ومانع الزكاة يضرب عنقه).
تصطلح في عصره السباع والمؤذيات
روى الحاكم: ٤/٥١٤، عن ابن عباس وصححه: وأما المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت
جوراً، وتأمن البهائم والسباع، وتلقي الأرض أفلاذ كبدها. قال قلت: وما أفلاذ كبدها؟
قال: أمثال الأسطوانة من الذهب والفضة).
وفي
الاحتجاج: ٢/٢٩٠، عن زيد بن وهب الجهني قال: لما طعن الحسن بن علي (عليه السلام)
بالمدائن أتيته وهو متوجع فقلت: ما ترى يا ابن رسول الله فإن الناس متحيرون؟ فقال:
أرى والله أن معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي وانتهبوا
ثقلي وأخذوا مالي... قال قلت: تترك يا ابن رسول الله شيعتك كالغنم ليس لها راع؟ قال:
وما أصنع يا أخا جهينة إني والله أعلم بأمر قد أدى به إلى ثقاته، إن أمير المؤمنين
(عليه السلام) قال لي ذات يوم وقد رآني فرحاً: يا حسن أتفرح؟! كيف بك إذا رأيت أباك
قتيلاً؟ كيف بك إذا ولي هذا الأمر بنو أمية، وأميرها الرحب البلعوم الواسع الاعفجاج،
يأكل ولا يشبع، يموت وليس له في السماء ناصر ولا في الأرض عاذر، ثم يستولي على
غربها وشرقها، يدين له العباد ويطول ملكه، يستن بسنن أهل البدع والضلال، ويميت الحق
وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يقسم المال في أهل ولايته ويمنعه من هو أحق
به، ويذل في ملكه المؤمن ويقوى في سلطانه الفاسق، ويجعل المال بين أنصاره دولاً
ويتخذ عباد الله خَولاً، يدرس في سلطانه الحق ويظهر الباطل، ويقتل من ناواه على
الحق ويدين من والاه على الباطل، فكذلك حتى يبعث الله رجلاً في آخر الزمان وكلب من
الدهر وجهل من الناس، يؤيده الله بملائكته، ويعصم أنصاره وينصره بآياته، ويظهره على
أهل الأرض حتى يدينوا طوعاً وكرهاً، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً وبرهاناً، يدين
له عرض البلاد وطولها لا يبقى كافر إلا آمن به ولا صالح إلا صلح، وتصطلح في ملكه
السباع، وتخرج الأرض نبتها، وتنزل السماء بركتها وتظهر له الكنوز، يملك ما بين
الخافقين أربعين عاما، فطوبى لمن أدرك أيامه وسمع كلامه). وعنه البحار: ٤٤/٢٠.
لا يعود الظلم بعده إلى الأرض
دولة العدل الإلهي على يد أهل البيت (عليهم السلام)، آخر الدول، وتمتد إلى يوم
القيامة، لأن الحجة لا ترفع من الأرض إلا قبل يوم القيامة بأربعين يوماً، ويسود
الأشرار
الذين تقوم عليهم القيامة. ففي الكافي: ١/٣٢٩: (عن عبد الله بن جعفر الحميري قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو (رحمه الله) عند أحمد بن إسحاق فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف فقلت له: يا أبا عمرو إني أريد أن أسألك عن شيء وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه، فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً، فإذا كان ذلك رفعت الحجة وأغلق باب التوبة فلم يك (يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً)، فأولئك أشرار من خلق الله (عزَّ وجلَّ) وهم الذين تقوم عليهم القيامة.. الخ.). فأقره الإمام (عليه السلام). وسيأتي بتمامه في مولد الإمام المهدي (عليه السلام).
* * *
الفصل الحادي والثلاثون: كيف أعد النبي (صلى الله عليه وآله) والعترة الأمة لغيبة الإمام (عليه السلام)؟
إعداد النبي (صلى الله عليه وآله) الأمة لتحمل غيبة الإمام (عليه السلام)!
قضت الإرادة الإلهية أن تكون إمامة هذه الأمة بعد نبيها (صلى الله عليه وآله)
للأئمة من عترته، وأخبر النبي (صلى الله عليه وآله) أمته عندما أوصاها بالقرآن
والعترة معاً، أن ربه أخبره أن القرآن والعترة مقترنان ومستمران في هذه الأمة إلى
يوم القيامة، فقال كما في مسند أحمد: ٣/١٧: (إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم
الثقلين كتاب الله (عزَّ وجلَّ) وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض
وعترتي أهل بيتي. وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض
فانظروني بمَ تخلفوني فيهما). والطبقات: ٢/١٩٤، والمعجم الصغير: ١/١٣١ و١٣٥، ومجمع
الزوائد: ٩/١٦٣. ومسند أحمد: ٣/١٤، و٢٦ و٥٩. وهو حديث متواتر بإقرار الجميع.
وفي مصادرنا: (إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله
وعترتي أهل بيتي، فإن اللطيف الخبير قد عهد إليَّ أنهما لن
يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض كهاتين، وجمع بين مسبحتيه، ولا أقول كهاتين، وجمع بين
المسبحة والوسطى فتسبق إحداهما الأخرى، فتمسكوا بهما لا تزلوا ولا تضلوا ولا
تقدموهم فتضلوا). (الكافي: ٢/٤١٥).
وهنا يأتي سؤال: ما دام النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر أمته أن عدد الأئمة بعده
إثنا عشر إماماً! فكيف يستوعب وجودهم مستقبل الأمة ولا تفترق العترة عن القرآن؟
والجواب: أن الثاني عشر منهم ستكون فيه آية كالخضر (عليه السلام) فيمد الله في عمره
ويغيب عن أمته طويلاً، وعندما يرجع إليهم ينزل المسيح (عليه السلام) لمساعدته على
إقامة دولة العدل الإلهي في العالم، فينفذ برنامجه الجديد للأرض وأهلها، وتدخل
الحياة على يده طوراً جديداً، ثم بعد وفاته تستمر إمامة الأمة في العترة إلى قيام
الساعة، بمن يرجع منهم ويحكم، وبأولاد الإمام المهدي (عليه السلام).
أمام هذه الخطة الإلهية كان لابد من إعداد الأمة لأمور كبيرة تتعلق بها:
الأولى، أن يؤكد الرسول (صلى الله عليه وآله) الحجة على أمته فيخبرها بمأساة عترته
واضطهادها لهم بمجرد أن يغمض عينيه ويفارقها.
والثانية، دعوة المؤمنين منها إلى التحمل والصمود أمام الحكومات التي تضطهد العترة
وشيعتهم، وأن تتمسك بالعترة وتأخذ منهم فقط معالم دينها.
والثالثة، إعداد المؤمنين لتقبل غيبة الإمام الثاني عشر (عليه السلام) وإعطائهم
الأمل بظهوره في الوقت المناسب مهما طال الزمن. لذلك تجد أن النبي (صلى الله عليه
وآله) والأئمة (عليهم السلام) تحدثوا مراراً عن الإمام المهدي (عليه السلام) وغيبته،
وتناولوا ذلك من زوايا مختلفة لإعداد الأمة لتتحمل غيبة إمامها، وتتحصن من الضلال،
وتتعلم معنى التسليم لأمر الله تعالى وانتظار الفرج. وهذه الظاهرة تكفي للإيمان بأن
مشروع الأئمة الإثني عشر (عليهم السلام) مشروع رباني متقن من ألفه إلى يائه، (وَاللهُ
غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
أن المهدي (عليه السلام) مثل ذي القرنين يظهر بعد غيبة
كمال الدين: ٢/٣٩٤، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت رسول الله (صلى الله
عليه وآله) يقول: إن ذا القرنين كان عبداً صالحاً جعله الله (عزَّ وجلَّ) حجة على
عباده فدعا قومه إلى الله وأمرهم بتقواه فضربوه على قرنه، فغاب عنهم زماناً حتى قيل
مات أو هلك، بأي واد سلك؟ ثم ظهر ورجع إلى قومه فضربوه على قرنه الآخر، وفيكم من هو
على سنته! وإن الله (عزَّ وجلَّ) مكن لذي القرنين في الأرض وجعل له من كل شيء سبباً
وبلغ المغرب والمشرق، وإن الله تبارك وتعالى سيجري سنته في القائم من ولدي فيبلغه
شرق الأرض وغربها، حتى لا يبقى منهلاً ولا موضعاً من سهل ولا جبل وطأه ذو القرنين
إلا وطأه. ويظهر الله (عزَّ وجلَّ) له كنوز الأرض ومعادنها وينصره بالرعب، فيملأ
الأرض به عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً). قرنا الإنسان: جانبا رأسه من أعلى،
وفسر في النهاية قول النبي لعلي (عليه السلام): إن لك بيتاً في الجنة وإنك لذو
قرنيها، أي طرفي الجنة وجانبيها، قال أبو عبيد: وأنا أحسب أنه أراد ذو قرني الأمة
فأضمر. وقيل: أراد الحسن والحسين (عليهما السلام).
وفي الخرائج: ٢/٩٣٠، عن الإمام الباقر (عليه السلام): (إن ذا القرنين كان عبداً
صالحاً ناصح الله سبحانه فناصحه وسخر له السحاب وطويت له الأرض، وبسط له في النور
فكان يبصر بالليل كما يبصر بالنهار، وإن أئمة الحق كلهم قد سخر الله تعالى لهم
السحاب وكان يحملهم إلى المشرق والمغرب لمصالح المسلمين ولإصلاح ذات البين، وعلى
هذا حال المهدي (عليه السلام) ولذلك يسمى: صاحب المرأى والمسمع، فله نور يرى به
الأشياء من بعيد كما يرى من قريب، ويسمع من بعيد كما يسمع من قريب، وإنه يسيح في
الدنيا كلها على السحاب مرة وعلى الريح أخرى، وتطوى له الأرض مرة، فيدفع البلايا عن
العباد والبلاد شرقاً وغرباً). وإعلام الورى/٤١٢.
يغيب عنكم كغيبة موسى عن قومه
كمال الدين/١٤٥، عن أمير المؤمنين: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لما حضرت
يوسف (عليه السلام) الوفاة جمع شيعته وأهل بيته فحمد الله وأثنى عليه ثم حدثهم
بِشِرةٍ
تنالهم يقتل فيها الرجال وتشق بطون الحبالى وتذبح الأطفال، حتى يظهر الله الحق في القائم من ولد لاوي بن يعقوب، وهو رجل اسمر طوال ونعته لهم بنعته، فتمسكوا بذلك. ووقعت الغيبة والشدة على بني إسرائيل وهم منتظرون قيام القائم أربع مائة سنة، حتى إذا بشروا بولادته ورأوا علامات ظهوره اشتدت عليهم البلوى وحمل عليهم بالخشب والحجارة، وطلب الفقيه الذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر، وراسلوه فقالوا: كنا مع الشدة نستريح إلى حديثك، فخرج بهم إلى بعض الصحاري وجلس يحدثهم حديث القائم ونعته وقرب الأمر وكانت ليلة قمراء، فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم موسى (عليه السلام) وكان في ذلك الوقت حديث السن وقد خرج من دار فرعون يظهر النزهة فعدل عن موكبه وأقبل إليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خز، فلما رآه الفقيه عرفه بالنعت، فقام إليه وانكب على قدميه فقبلهما ثم قال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرانيك، فلما رأى الشيعة ذلك علموا أنه صاحبهم فأكبوا على الأرض شكراً لله (عزَّ وجلَّ)، فلم يزدهم على أن قال: أرجو أن يعجل الله فرجكم، ثم غاب بعد ذلك وخرج إلى مدينة مَدْين فأقام عند شعيب ما أقام، فكانت الغيبة الثانية أشد عليهم من الأولى، وكانت نيفاً وخمسين سنة واشتدت البلوى عليهم واستتر الفقيه فبعثوا إليه: إنه لا صبر لنا على استتارك عنا، فخرج إلى بعض الصحاري واستدعاهم، وطيب نفوسهم وأعلمهم أن الله (عزَّ وجلَّ) أوحى إليه أنه مفرج عنهم بعد أربعين سنة، فقالوا بأجمعهم: الحمد لله، فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليه قل لهم: قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم الحمد لله فقالوا: كل نعمة فمن الله، فأوحى الله إليه قل لهم قد جعلتها عشرين سنة، فقالوا: لا يأتي بالخير إلا الله، فأوحى الله إليه: قل لهم: قد جعلتها عشراً، فقالوا: لا يصرف السوء إلا الله، فأوحى الله إليه قل لهم: لاتبرحوا فقد أذنت لكم في فرجكم، فبينا هم كذلك إذ طلع موسى (عليه السلام) راكباً حماراً، فأراد الفقيه أن يعرف الشيعة ما يستبصرون به فيه، وجاء موسى حتى وقف عليهم فسلم عليهم فقال له الفقيه: ما اسمك؟ فقال: موسى، قال:
ابن من؟ قال: ابن عمران، قال: ابن من؟ قال: ابن قاهث بن لاوي بن يعقوب، قال: بماذا
جئت؟ قال: جئت بالرسالة من عند الله (عزَّ وجلَّ)، فقام إليه فقبل يده ثم جلس بينهم
فطيب نفوسهم وأمرهم أمره، ثم فارقهم فكان بين ذلك الوقت وبين فرجهم بغرق فرعون
أربعون سنة).
شِرَة: بكسر الشين مؤنث الشر بمعنى هجمة شريرة، ولكن ربما كانت مصحفة عن شدة. وطلب
الفقيه فاستتر: أي طلبته السلطة فاختفى. الشيعة: الأنصار، وهو اسم لأنصار الأنبياء
وأتباعهم كما نص القرآن فقال تعالى: (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ
لإِبْرَاهِيمَ). أي من شيعة نوح.
تشبيه غيبته (عليه السلام) بموت عزير ثم إحيائه
غيبة الطوسي/٢٦٠، عن مؤذن مسجد الأحمر قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): هل في
كتاب الله مثل للقائم (عليه السلام)؟ فقال: نعم آية صاحب الحمار، أماته الله مائة
عام ثم بعثه). وعنه الإيقاظ/١٨٥، ونحوه إثبات الهداة: ٣/٥١٣، والبحار: ٥١/٢٢٤.
غيبة الطوسي/٢٦٠، عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: مثل أمرنا في
كتاب الله مثل صاحب الحمار أماته الله مائة عام ثم بعثه). وإثبات الهداة: ٣/٥١٢،
والبحار: ٥١/٢٢٤.
أهل بيتي كنجوم السماء كلما غاب نجم طلع نجم
النعماني/١٦ و١٥٥، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام): قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): مثل أهل بيتي مثل نجوم السماء كلما غاب نجم طلع
نجم، حتى إذا نجم منها طلع فرمقتموه بالأعين وأشرتم إليه بالأصابع أتاه ملك الموت
فذهب به، ثم لبثتم في ذلك سبتاً من دهركم، واستوت بنو عبد المطلب ولم يُدْرَ أيٌّ
من أي، فعند ذلك يبدو نجمكم فأحمدوا الله واقبلوه). وإثبات الهداة: ٣/٥٤٧. والسبت:
المدة من الزمن قليلة أو كثيرة، تسمى سبتاً عندما تكون سكونا بين حدثين، أو سكوناً
قبل حدث.
وفي جامع المسانيد والسنن: ٥/٤٤٠، ومن حديث موسى بن عبيدة الربذي عن إياس عن أبيه
مرفوعاً: النجوم أمان للسماء وأهل بيتي أمان لأمتي.
وفي مسند شمس الأخبار: ١/١٣٣، عن أبي شعبة عن النبي (صلى الله عليه وآله): أنه قال:
مثل أهل بيتي في أمتي مثل النجوم كلما أفل نجم طلع نجم.
وفي البرهان/٤٠، عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله): يا علي أنا مدينة
العلم وأنت بابها... إلى أن قال: مَثَلُك ومثل الأئمة من ولدك بعدي مثل سفينة نوح
من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ومثلكم كمثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم
القيامة. وفي تيسير المطالب/١٢٩، حدثني نصر بن حماد قال سمعت شعبة يقول حين ظهر
إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن (عليهم السلام) قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله): مثل أهل بيتي في أمتي مثل النجوم، كلما أفل نجم طلع نجم)). انتهى.
أقول: حكم علماء الحديث السنيون، بأن حديث (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)
موضوع مكذوب، ويتضح من هذه الأحاديث في أهل البيت (عليهم السلام)، أن القوم سرقوا
حديث الصحابة من هنا.
المهدي وغيبته: عهد معهود من الله إلى نبيه (صلى الله عليه وآله)
في كمال الدين: ١/٥١، عن علي (عليهم السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله):
والذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني، حتى يقول
أكثر الناس: ما لله في آل محمد حاجة ويشك آخرون في ولادته. فمن أدرك زمانه فليتمسك
بدينه ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً بشكه فيزيله عن ملتي ويخرجه من ديني، فقد أخرج
أبويكم من الجنة من قبل، وإن الله (عزَّ وجلَّ) جعل الشياطين أولياء للذين لا
يؤمنون). ونحوه نوادر الأخبار/٢٢٦.
وفي كمال الدين: ١/٢٥٣، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: لما أنزل الله (عزَّ
وجلَّ) على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله): (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ)،
قلت: يا رسول الله عرفنا الله ورسوله، فمن أولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم
بطاعتك؟ فقال (عليه السلام): هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين بعدي أولهم علي
ابن أبي طالب، ثم الحسن والحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف في
التوراة بالباقر وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن
محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد، ثم الحسن
بن علي، ثم سميي وكنيي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاك
الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته
وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان، قال
جابر: فقلت له: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال (عليه
السلام) إي والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته
كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب، يا جابر هذا من مكنون سر الله ومخزون علمه
فاكتمه إلا عن أهله). ومثله كفاية الأثر/٥٣، وإعلام الورى/٣٧٥، ومناقب ابن شهرآشوب:
١/٢٨٢، وعنه كشف الغمة: ٣/٢٩٩، والعدد القوية/٨٥، وتأويل الآيات: ١/١٣٥، وإثبات
الهداة: ١/٥٠٠، والبحار: ٢٣/٢٨٩، و: ٣٦/٢٤٩، و: ٥٢/٩٢.
كمال الدين: ١/٢٠٧، عن سليمان بن مهران الأعمش، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه
محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: نحن أئمة المسلمين، وحجج
الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن
أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء. ونحن الذين بنا يمسك الله السماء
أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث
وتنشر الرحمة، وتخرج بركات الأرض ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها، ثم قال: ولم
تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة الله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو
إلى أن تقوم الساعة من حجة الله فيها ولولا ذلك لم يعبد الله. قال سليمان: فقلت
للصادق (عليه السلام): فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون
بالشمس إذا سترها سحاب). ومثله أمالي الصدوق/١٥٦ والاحتجاج/٣١٧، وفرائد السمطين:
١/٤٥، وعنها إثبات الهداة: ١/١٠٧، والبحار: ٢٣/٥.
غيبة الإمام (عليه السلام) بسبب ظلم الناس وجورهم
النعماني/١٤١، عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): خبر تدريه
خير من عشر ترويه. إن لكل حق حقيقة ولكل صواب نوراً، ثم قال: إنا والله لا نعد
الرجل من شيعتنا فقيهاً حتى يُلحَن له فيعرف اللحن! إن أمير المؤمنين (عليه السلام)
قال: على منبر الكوفة: إن من ورائكم فتناً مظلمة عمياء منكسفة لا ينجو منها إلا
النُّوَمة، قيل يا أمير المؤمنين وما النومة؟ قال: الذي يعرف الناس ولا يعرفونه.
واعلموا أن الأرض لا تخلو من حجة لله (عزَّ وجلَّ)، ولكن الله سيعمي خلقه عنها
بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم، ولو خلت الأرض ساعة واحدة من حجة الله لساخت
بأهلها، ولكن الحجة يعرف الناس ولا يعرفونه، كما كان يوسف يعرف الناس وهم له
منكرون، ثم تلا: (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا
يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ). وعنه إثبات
الهداة: ٣/٥٣٢، والبحار: ٥١/١١٢.
من العلل الأساسية لطول غيبة الإمام (عليه السلام)
تفسير القمي: ٢/٣١٦: قال رجل لأبي عبد الله (عليه السلام): ألم يكن علي قوياً في
بدنه قوياً في أمر الله؟ قال له أبو عبد الله (عليه السلام): بلى قال له: فما منعه
أن يدفع أو يمتنع؟ قال: قد سألت فافهم الجواب: منع علياً (عليه السلام) من ذلك آية
من كتاب الله فقال: وأي آية؟ فقرأ: لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما.
إنه كان لله ودايع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين فلم يكن علي (عليه السلام)
ليقتل الآباء حتى تخرج الودايع، فلما خرج ظهر على من ظهر وقتله. وكذلك قائمنا أهل
البيت لا يظهر أبداً حتى تخرج ودايع الله. فإذا خرجت يظهر على من يظهر فيقتله).
ومثله علل الشرائع/١٤٧، بسنده عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم الكرخي قال: قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام) أو قال له رجل: أصلحك الله ألم يكن علي (عليه السلام) قوياً
في دين الله (عزَّ وجلَّ)؟ قال: بلى، قال فكيف ظهر عليه القوم وكيف لم يدفعهم! وما
منعه من ذلك؟ قال... وفيه: وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبداً حتى تظهر.. ومثله
كمال الدين: ١/٦٤١، وعنهما
إثبات الهداة: ٣/٤٨٩، و٥٥٣، والمحجة/٢٠٦، والبحار: ٥٢/٩٧.
التاسع من صُلب الحسين يغيب عنهم!
كفاية الأثر/١٢٠، عن عمار بن ياسر قال: كنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في
بعض غزواته، وقتل علي (عليه السلام) أصحاب الألوية وفرق جمعهم، وقتل عمرو بن عبد
الله الجمحي وقتل شيبة بن نافع، أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت له: يا
رسول الله صلى الله عليك، إن علياً قد جاهد في الله حق جهاده. فقال في حديث طويل في
فضل علي (عليه السلام) جاء فيه: يا عمار إن الله تبارك وتعالى عهد إلي أنه يخرج من
صلب الحسين تسعة، والتاسع من ولده يغيب عنهم، وذلك قوله (عزَّ وجلَّ): (قُلْ
أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ)،
يكون له غيبة طويلة يرجع عنها قوم ويثبت عليها آخرون! فإذا كان في آخر الزمان يخرج
فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً ويقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل وهو سميي
وأشبه الناس بي يا عمار سيكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فاتبع علياً وحزبه). وعنه
المحجة/٢٢٨، والبحار: ٣٦/٣٢٦.
كمال الدين: ١/٢٨٧، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن علي
بن أبي طالب إمام أمتي، وخليفتي عليها من بعدي، ومن ولده القائم المنتظر، الذي يملأ
الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً. والذي بعثني بالحق بشيرا إن
الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر. فقام إليه جابر بن
عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة؟ قال: إي وربي، وليمحصن
الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، يا جابر إن هذا أمر من أمر الله، وسر من سر الله،
مطوي عن عباد الله فإياك والشك فيه، فإن الشك في أمر الله (عزَّ وجلَّ) كفر). ونحوه
نوادر الأخبار/٢٢٦، وعنه إعلام الورى/٣٩٩، بفعن كمال الدين بتفاوت يسير.
أمير المؤمنين (عليه السلام) يحدث الأمة عن النجم الغائب
تقدم في الفتن المتصلة بظهور الإمام (عليه السلام) من الكافي: ١/٣٣٨، عن الأصبغ بن
نباتة
قال: أتيت أمير المؤمنين (عليه السلام) فوجدته متفكراً ينكت في الأرض، فقلت: يا
أمير المؤمنين ما لي أراك متفكراً تنكت في الأرض أرغبة منك فيها؟ فقال: لا والله ما
رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من
ولدي، هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً تكون له غيبة
وحيرة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. فقلت: يا أمير المؤمنين وكم تكون الحيرة
والغيبة؟ قال سبتٌ من الدهر. فقلت: وإن هذا لكائن؟ فقال: نعم كما أنك مخلوق وأنى لك
بهذا الأمر يا أصبغ، أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة. فقلت: ثم ما يكون
بعد ذلك؟ فقال: ثم يفعل الله ما يشاء، فإن له بداءات وإرادات وغايات ونهايات).
وفي النعماني/١٤٠، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (زاد الفرات على عهد أمير
المؤمنين (عليه السلام) فركب هو وابناه الحسن والحسين فمر بثقيف، فقالوا: قد جاء
علي يردُّ الماء فقال علي (عليه السلام): أما والله، لأقتلن أنا وابناي هذان،
وليبعثن الله رجلاً من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا، وليغيبن عنهم تمييزاً
لأهل الضلالة حتى يقول الجاهل: ما لله في آل محمد من حاجة). ومثله إثبات
الوصية/٢٢٤، وكمال الدين: ١/٣٠٢، آخره بسندين آخرين عن الأصبغ بن نباتة، ودلائل
الإمامة/٢٩٢، عن فرات بن الأحنف، وغيبة الطوسي/٢٠٧، وإعلام الورى/٤٠٠، وإثبات
الهداة: ٣/٤٦٣، وفيه: ضرار بن أحنف. وفي/٥١٠، عن غيبة الطوسي، وفي/٥٣٢، عن
النعماني، والبحار: ٥١/١١٢ و١١٩، عن النعماني وكمال الدين.
نهج البلاغة/١٤٥، خطبة١٠٠: (الحمد لله الناشر في الخلق فضله، والباسط بالجود يده،
نحمده في جميع أموره ونستعينه على رعاية حقوقه، ونشهد أن لا إله غيره، وأن محمداً
عبده ورسوله أرسله بأمره صادعاً وبذكره ناطقاً، فأدى أميناً ومضى رشيداً وخلف فينا
راية الحق من تقدمها مرق ومن تخلف عنها زهق ومن لزمها لحق، دليلها مكيث الكلام بطيء
القيام سريع إذا قام، فإذا أنتم ألنتم له رقابكم، وأشرتم إليه بأصابعكم جاءه الموت
فذهب به، فلبثتم بعده ما شاء الله حتى يطلع الله
لكم من يجمعكم ويضم نشركم، فلا تطمعوا في غير مقبل ولا تيأسوا من مدبر، فإن المدبر
عسى أن تزل به إحدى قائمتيه وتثبت الأخرى، فترجعا حتى تثبتا جميعاً. ألا إن مثل آل
محمد (صلى الله عليه وآله) كمثل نجوم السماء إذا خوى نجم طلع نجم، فكأنكم قد تكاملت
من الله فيكم الصنائع، وأراكم ما كنتم تأملون).
وقال ابن ميثم البحراني في شرحه: ٣/٦ خطبة٩٧: (وهذا الفضل يشتمل على إعلامهم بما
يكون بعده من أمر الأئمة (عليهم السلام) وتعليمهم ما ينبغي أن يفعل الناس معهم،
ويمنيهم بظهور إمام من آل محمد عقيب آخر، ووعدهم بتكامل صنايع الله فيهم بما
يأملونه من ظهور إمام منتظر.. إشارة إلى منة الله عليهم بظهور الإمام المنتظر
وإصلاح أحوالهم بوجوده، ووجدت له (عليه السلام) في أثناء بعض خطبه في اقتصاص ما
يكون بعده فصلاً يجري مجرى الشرح لهذا الوعد، وهو أن قال: (يا قوم إعلموا علماً
يقيناً أن الذي يستقبل قائمنا من أمر جاهليتكم ليس بدون ما استقبل الرسول من أمر
جاهليتكم وذلك أن الأمة كلها يومئذ جاهلية إلا من رحم الله، فلا تعجلوا فيعجل الخرق
بكم، واعلموا أن الرفق يمن وفي الأناة بقاء وراحة، والإمام أعلم بما ينكر، ولعمري
لينزعن عنكم قضاة السوء، وليقبض عنكم المرائين وليعزلن عنكم أمراء الجور، وليطهرن
الأرض من كل غاش، وليعملن فيكم بالعدل، وليقومن فيكم بالقسطاس المستقيم، وليتمنين
أحياؤكم لأمواتكم رجعة الكرة عما قليل فيعيشوا إذن، فإن ذلك كائن). وفي شرح النهج:
٧/٩٤: ثم يطلع الله لهم من يجمعهم ويضمهم، يعني من أهل البيت (عليه السلام) وهذا
إشارة إلى المهدي الذي يظهر في آخر الوقت، وعند أصحابنا أنه غير موجود الآن وسيوجد،
وعند الإمامية أنه موجود الآن). وعنه البحار: ٥١/١٢٠.
الاحتجاج: ١/٢٥١: جاء بعض الزنادقة إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وقال له:
لولا ما في القرآن من الاختلاف والتناقض لدخلت في دينكم: فقال له (عليه السلام) في
حديث طويل جاء فيه: أما إنه سيأتي على الناس زمان يكون الحق فيه مستوراً، والباطل
ظاهراً
مشهوراً، وذلك إذا كان أولى الناس بهم أعداهم له، واقترب الوعد الحق، وعظم الإلحاد
وظهر الفساد، (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ
وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً) ونحلهم الكفار أسماء الأشرار، فيكون جهد
المؤمن أن يحفظ مهجته من أقرب الناس إليه. ثم يتيح الفرج لأوليائه ويظهر صاحب الأمر
على أعدائه). وعنه البحار: ٩٣/١١٦.
وفي النعماني/١٥٦، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: صاحب هذا الأمر من ولدي هو
الذي يقال مات أو هلك؟ لا، بل في أي واد سلك). ومثله غيبة الطوسي/٢٦١، وعنه إثبات
الهداة: ٣/٥٣٣، و/٥١٤، والبحار: ٥١/١١٤.
الإمام الحسن (عليه السلام): يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته
كمال الدين: ١/٣١٥، عن أبي سعيد عقيصا قال: لما صالح الحسن بن علي (عليهما السلام)
معاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته، فقال (عليه السلام)
ويحكم ما تدرون ما عملت! والله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت
ألا تعلمون أنني إمامكم مفترض الطاعة عليكم، وأحد سيدي شباب أهل الجنة بنص من رسول
الله (صلى الله عليه وآله) عليَّ؟ قالوا: بلى. قال: أما علمتم أن الخضر لما خرق
السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام، كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران إذ خفي عليه وجه
الحكمة في ذلك، وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصواباً؟ أما علمتم أنه ما منا
أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلى روح الله عيسى بن
مريم خلفه؟ فإن الله (عزَّ وجلَّ) يخفي ولادته ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه
بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء، يطيل الله عمره في
غيبته ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، وذلك ليعلم أن الله على كل شيء
قدير). وكفاية الأثر/٢٢٤.
الإمام الحسين (عليه السلام): صاحب الغيبة الذي يقسم ميراثه وهو حيّ!
تقدم في بشارة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة به في الفتنة المتصلة بظهوره عدة
أحاديث عنهم
(عليهم السلام) منها في كمال الدين: ١/٣١٧، عن الحسين بن علي (عليه السلام) قال:
قائم هذه الأمة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة وهو الذي يقسم ميراثه وهو حي)!
الإمام زين العابدين (عليه السلام): وإنَّ للقائم منا غيبتين
كمال الدين: ١/٣٢٣، عن ثابت الثمالي، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: فينا
نزلت هذه الآية: (وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى
بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ). وفينا نزلت هذه الآية: (وَجَعَلَهَا
كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ)، والإمامة في عقب الحسين بن علي بن أبي
طالب إلى يوم القيامة، وإن للقائم منا غيبتين: إحداهما أطول من الأخرى، أما الأولى
فستة أيام أو ستة أشهر أو ستة سنين. وأما الأخرى فيطول أمدها حتى يرجع عن هذا الأمر
أكثر من يقول به فلا يثبت عليه إلا من قوي يقينه وصحت معرفته، ولم يجد في نفسه
حرجاً مما قضينا وسلم لنا أهل البيت). وإثبات الهداة: ٣/٤٦٧، والبحار: ٥١/١٣٤.
الإمام الباقر (عليه السلام): كيف أنتم إذا غيب الله عنكم نجمكم؟
الكافي: ١/٣٣٨، عن معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنما نحن كنجوم
السماء كلما غاب نجم طلع نجم، حتى إذا أشرتم بأصابعكم وملتم بأعناقكم، غيَّب الله
عنكم نجمكم، فاستوت بنو عبد المطلب فلم يعرف أيٌّ من أيٍّ، فإذا طلع نجمكم فاحمدوا
ربكم). ومثله النعماني/١٥٦، وكمال الدين: ١/٣٢٩، وفيه: قلت لأبي جعفر الباقر (عليه
السلام) أخبرني عنكم؟ قال: أظهر الله (عزَّ وجلَّ) لكم صاحبكم فاحمدوا الله (عزَّ
وجلَّ)، وهو يخير الصعب والذلول، فقلت: جعلت فداك فأيهما يختار؟ قال يختار الصعب
على الذلول. ونحوه دلائل الإمامة/٢٩٢. وفي النعماني/١٩٢: كيف بكم إذا صعدتم فلم
تجدوا أحداً، ورجعتم فلم تجدوا أحداً). وعنه البحار: ٥١/١٣٩.
كمال الدين: ١/٣٣٠، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، أنه قال:
يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان،
إن أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري جل جلاله فيقول: عبادي وإمائي
آمنتم بسري وصدقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب مني فأنتم عبادي وإمائي، حقاً منكم
أتقبل وعنكم أعفو ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث وأدفع عنهم البلاء، ولولاكم
لأنزلت عليهم عذابي. قال جابر فقلت: يا ابن رسول الله فما أفضل ما يستعمله المؤمن
في ذلك الزمان؟ قال: حفظ اللسان ولزوم البيت). وعنه البحار: ٥٢/١٤٥.
النعماني/١٥٤، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام): يا أبا الجارود، إذا دار
الفلك وقالوا مات أو هلك، وبأي واد سلك، وقال الطالب له أنى يكون ذلك وقد بليت
عظامه فعند ذلك فارتجوه، وإذا سمعتم به فأتوه ولو حبواً على الثلج). ومثله كمال
الدين: ١/٣٢٦، وإعلام الورى/٤٠٢، وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٦٨، والبحار: ٥١/١٣٦.
النعماني/١٧٦، عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن للقائم غيبة
ويجحده أهله! قلت: ولم ذاك؟ قال: يخاف وأومأ بيده إلى بطنه).
وفي/١٧٧: إن للغلام غيبة قبل أن يقوم، وهو المطلوب تراثه). ونحوه العلل: ١/٢٤٦،
ومثله كمال الدين: ٢/٤٨١، وغيبة الطوسي/٢٠١. وعنها إثبات الهداة: ٣/٤٨٧، والبحار:
٥٢/٩١ و٩٧.
كفاية الأثر/٢٤٨، عن الكميت بن أبي المستهل قال: دخلت على سيدي أبي جعفر محمد بن
علي الباقر (عليهما السلام) فقلت يا بن رسول الله إني قد قلت فيكم أبياتاً أفتأذن
لي في إنشادها؟ فقال: إنها أيام البيض قلت: فهو فيكم خاصة، قال: هات فأنشأت أقول:
أضحكني الدهر وأبكاني * * * والدهر ذو صرف وألوانِ
لتسعة بالطف قد غودروا * * * صاروا جميعاً رَهْنَ أكفان
فبكى وبكى أبو عبد الله (عليهما السلام) وسمعت جارية تبكي من وراء الخباء فلما بلغت إلى قولي:
وستةٌ
لا يُتَجَارى بهم * * * بنو عقيل خيرُ فرسان
ثم عليُّ الخير مولاكم * * * ذكرهم هيَّجَ أحزاني
فبكى ثم قال (عليه السلام): ما من رجل ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينيه ماء ولو قدر مثل جناح بعوضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة وجعل ذلك حجاباً بينه وبين النار فلما
بلغت إلى قولي:
من
كان مسروراً بما مسَّكم * * * أو شامتاً يوماً من الآن
فقد ذللتم بعد عزَّ فما * * * أدفع ضيماً حين يغشاني
أخذ بيدي وقال: اللهم اغفر للكميت ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلما بلغت إلى قولي:
متى يقوم الحق فيكم متى * * * يقوم مهديُّكمُ الثاني
قال:
سريعاً إن شاء الله سريعاً، ثم قال: يا أبا المستهل إن قائمنا هو التاسع من ولد
الحسين، لأن الأئمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) اثنا عشر وهو القائم. قلت:
يا سيدي فمن هؤلاء الاثنا عشر؟ قال: أولهم علي بن أبي طالب، وبعده الحسن والحسين،
وبعد الحسين علي بن الحسين، وأنا، ثم بعدي هذا ووضع يده على كتف جعفر. قلت: فمن بعد
هذا؟ قال: ابنه موسى، وبعد موسى ابنه علي، وبعد علي ابنه محمد، وبعد محمد ابنه علي،
وبعد علي ابنه الحسن، وهو أبو القائم الذي يخرج فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً ويشفي
صدور شيعتنا. قلت: فمتى يخرج يا بن رسول الله؟ قال: لقد سئل رسول الله (صلى الله
عليه وآله) عن ذلك فقال: إنما مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلا بغتة). وعنه الصراط
المستقيم: ٢/١٥٦ وإثبات الهداة: ١/٦٠١، وبحار الأنوار: ٣٦/٣٩٠
الإمام الصادق (عليه السلام): ما ينكرون أن يمد الله للمهدي في عمره؟!
النعماني/١٧٢، عن حازم بن حبيب قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له:
أصلحك الله إن أبوي هلكا ولم يحجا وإن الله قد رزق وأحسن، فما تقول في الحج عنهما؟
فقال: إفعل فإنه يبرد لهما، ثم قال لي: يا حازم إن لصاحب هذا الأمر غيبتين يظهر في
الثانية، فمن جاءك يقول إنه نفض يده من تراب قبره فلا تصدقه). ونحوه غيبة
الطوسي/٣٦، وفي/٢٦١، عن ابن شاذان، وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٩٩، و٥١٣، والبحار:
٥٢/١٥٤.
وفي غيبة الطوسي/٢٥٩، أنهم ذكروا للإمام الصادق (عليه السلام) استغراب المخالفين
غيبة المهدي (عليه السلام) وطول عمره فقال: (ما ينكرون أن يمد الله لصاحب هذا الأمر
في العمر
كما
مد لنوح (عليه السلام) في العمر)! وعنه منتخب الأنوار /١٨٨، وإثبات الهداة: ٣/٥١٢.
في دلائل الإمامة/٢٩٠، عن زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:
(للقائم غيبتان إحداهما أطول من الأخرى). وتقريب المعارف/١٨٧، وإعلام الورى/٤١٦
وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٢٦، والبحار: ٥٢/١٥٦، عن النعماني.
النعماني/١٧١، عن إبراهيم بن عمر اليماني قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام): إن
لصاحب هذا الأمر غيبتين. وسمعته يقول: لا يقوم القائم ولأحد في عنقه بيعة). وعنه
حلية الأبرار: ٢/٥٩٢، والبحار: ٥٢/١٥٥. وفي/١٧٣، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر
(عليه السلام): إن للقائم غيبتين يقال له في إحداهما هلك ولا يدرى في أي واد سلك).
وعنه البحار: ٥٢/١٥٦.
الكافي: ١/٣٤٠، عن مفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لصاحب
هذا الأمر غيبتان، إحداهما يرجع منها إلى أهله، والأخرى يقال: هلك في أي واد سلك!
قلت: كيف نصنع إذا كان كذلك؟ قال: إذا ادعاها مدع فاسألوه عن أشياء يجيب فيها
مثله). وعنه النعماني/١٧٣، وإثبات الهداة: ٣/٤٤٥، والبحار: ٥٢/١٥٧.
الكافي: ١/٣٤٠، عن إسحاق بن عمار، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): للقائم
غيبتان: إحداهما قصيرة والأخرى طويلة، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة
شيعته والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه). والنعماني/١٧٠، وفيه: مواليه
في دينه. وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٤٥، والبحار: ٥٢/١٥٥.
الكافي: ١/٣٣٨، عن مفضل بن عمر قال كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)، وعنده في
البيت أناس فظننت أنه إنما أراد بذلك غيري فقال: أما والله ليغيبن عنكم صاحب هذا
الأمر وليخملن هذا حتى يقال: مات، هلك، في أي واد سلك؟ ولتكفؤن كما تكفأ السفينة في
أمواج البحر، لا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه وكتب الإيمان في قلبه وأيده بروح منه،
ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أيٌّ من أي، قال: فبكيت، فقال: ما يبكيك يا
أبا عبد الله؟ فقلت: جعلت فداك كيف لا أبكي وأنت تقول اثنتا عشرة راية مشتبهة لا
يدرى أيٌّ من أي؟ قال: وفي مجلسه كوة تدخل فيها الشمس
فقال:
أبَيِّنَةٌ هذه؟ فقلت: نعم، قال: أمرنا أبين من هذه الشمس). ونحوه النعماني/١٥١،
والهداية/٨٧، بتفاوت، وفيه: ولترفعن اثنا عشر راية مشتبهة لايدرى أمرها! قال
المفضل: فبكيت وقلت: سيدي وكيف تصنع أولياؤكم؟ فنظر إلى شمس قد دخلت في الصفة فقال:
ترى هذه الشمس يا مفضل؟ قلت: نعم يا مولاي، قال: والله لأمرنا أنور وأبين منها).
ومثله إثبات الوصية/٢٢٤، وكمال الدين: ٢/٣٤٧، ودلائل الإمامة/٢٩١، وغيبة
الطوسي/٢٠٤، وعنهما البحار: ٥١/١٤٧، و: ٥٢/٢٨١.
الكافي: ١/٣٣٥، عن يمان التمار قال: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) جلوساً
فقال لنا: إن لصاحب هذا الأمر غيبة، المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد، ثم قال
هكذا بيده، فأيكم يمسك شوك القتاد بيده؟ ثم أطرق ملياً ثم قال: إن لصاحب هذا الأمر
غيبة فليتق الله عبد وليتمسك بدينه). ومثله النعماني/١٦٩، بتفاوت، وإثبات
الوصية/٢٢٦، وكمال الدين: ٢/٣٤٣، وتقريب المعارف/١٩١، وغيبة الطوسي/٢٧٥، وإثبات
الهداة: ٣/٤٤٢، والبحار: ٥١/١٤٥، و: ٥٢/١١١.
كمال الدين: ٢/٣٣٣، عن صفوان بن مهران، عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه
قال: من أقر بجميع الأئمة وجحد المهدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمداً (صلى
الله عليه وآله) نبوته، فقيل له: يا ابن رسول الله، فمن المهدي من ولدك؟ قال:
الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته). ونحوه في/٣٣٨ و٤١٠ و٤١١،
وكشف الغمة: ٣/٣١٣، وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٦٩، والبحار: ٥١/٣٢ و١٤٣ و١٤٥.
الكافي: ١/٣٣٨، عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن
بلغكم عن صاحب هذا الأمر غيبة فلا تنكروها). والنعماني/١٨٨، وغيبة الطوسي/١٠٢،
وإثبات الهداة: ٣/٤٣٩، والبحار: ٥١/١٤٦.
كمال الدين: ٢/٣٤١، عن صفوان بن مهران الجمال، قال: قال الصادق جعفر بن محمد
(عليهما السلام): أما والله ليغيبن عنكم مهديكم حتى يقول الجاهل منكم ما لله في آل
محمد حاجة! ثم يقبل كالشهاب الثاقب فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً).
وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٧٢، والبحار: ٥١/١٤٥.
إثبات الوصية/٢٢٥، عن سعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في خطبة له:
اللهم
لابد لأرضك من حجة على خلقك، يهديهم إلى دينك، ويعلمهم علمك، لئلا تبطل حجتك، ولا
يضل أتباع أوليائك، بعد إذ هديتهم، ظاهراً وليس بالمطاع، أو مكتماً مترقباً إن غاب
عن الناس شخصه في حال هدنة لم يغب عنهم مثبوت علمه فآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة
فهم به عاملون).
النعماني/١٥٤ و١٥٥، عن حماد الجلاب قال: ذكر القائم عند أبي عبد الله (عليه السلام)
فقال: أما إنه لو قد قام لقال الناس: أنى يكون هذا؟ وقد بليت عظامه مذ كذا وكذا).
ونحوه غيبة الطوسي/٤٠، وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٩٩ و٥١٣، والبحار: ٥١/١٤٨ و٢٢٥ و:
٥٢/٢٩١.
دلائل الإمامة/٢٥١، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاء رجل
إلى أمير المؤمنين فشكا إليه طول دولة الجور! فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام):
والله ما تأملون حتى يهلك المبطلون، ويضمحل الجاهلون ويأمن المتقون وقليل ما يكون
حتى يكون لأحدكم موضع قدمه، وحتى يكونوا على الناس أهون من الميتة عند صاحبها،
فبينا أنتم كذلك إذ جاء نصر الله والفتح، وهو قوله (عزَّ وجلَّ) في كتابه: (حَتَّى
إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ
نَصْرُنَا). والمحجة/١٠٧.
النعماني/١٥٨، عن محمد بن مسلم الثقفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إذا
فقد الناس الإمام مكثوا سبتاً لا يدرون أياً من أي، ثم يظهر الله (عزَّ وجلَّ) لهم
صاحبهم). وإثبات الهداة: ٣/٥٣٣، والبحار: ٥١/١٤٨
كمال الدين: ٢/٣٥٠، عن زرارة: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يأتي على الناس زمان
يغيب عنهم إمامهم، فقلت له: ما يصنع الناس في ذلك الزمان؟ قال: يتمسكون بالأمر الذي
هم عليه حتى يتبين لهم). وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٧٤، والبحار: ٥٢/١٤٩.
الكافي: ١/٣٣٧، عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: يفقد
الناس إمامهم، يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه). وفي/٣٣٩، عن عبيد بن زرارة، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: للقائم غيبتان يشهد في إحداهما المواسم، يرى الناس ولا
يرونه). ومثله وعنه: كمال الدين: ٢/٣٤٦، ودلائل الإمامة/٢٥٩، و٢٩٠، وغيبة
الطوسي/١٠٢. ومثله النعماني/١٧٥،
وفيها: عن ابن بكير ويحيى بن المثنى، عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه
السلام) يقول: إن للقائم غيبتين يرجع في إحديهما، وفي الأخرى لا يدرى أين هو، يشهد
المواسم يرى الناس ولا يرونه). وإثبات الهداة: ٣/٤٤٣، و/٤٨٥، عن كمال الدين.
كمال الدين: ٢/٤٤٠، عن محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) قال سمعته يقول: والله
إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة، فيرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه).
ومثله الفقيه: ٢/٥٢٠، وغيبة الطوسي/٢٢١، وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٥٢، والبحار: ٥١/٣٥٠
ز: ٥٢/١٥٢، عن غيبة الطوسي وكمال الدين.
دلائل الإمامة/٢٦١، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: العام الذي لا يشهد صاحب
هذا الأمر الموسم لا يقبل من الناس). وعنه حلية الأبرار: ٢/٦٠٧. وتقدم من كمال
الدين: ٢/٣٩٠ عن الإمام الرضا (عليه السلام): إن الخضر (عليه السلام) شرب من ماء
الحياة فهو حيٌّ لا يموت حتى ينفخ في الصور... وإنه ليحضر الموسم كل سنة... وسيؤنس
الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته).
الكافي: ١/٣٣٣، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أقرب ما يكون
العباد من الله جل ذكره وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجة الله (عزَّ وجلَّ) ولم
يظهر لهم ولم يعلموا مكانه، وهم في ذلك يعلمون أنه لم تبطل حجة الله جل ذكره ولا
ميثاقه، فعندها فتوقعوا الفرج صباحاً ومساءً، فإن أشد ما يكون غضب الله على أعدائه
إذا افتقدوا حجته ولم يظهر لهم، وقد علم أن أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنهم
يرتابون ما غيب حجته عنهم طرفة عين، ولا يكون ذلك إلا على رأس شرار الناس).
والنعماني/١٦١، بتفاوت، وعنه/١٦٢، ومثله كمال الدين: ٢/٣٣٧ و٣٣٩، وغيبة الطوسي/٢٧٦،
كما في الكافي بتفاوت يسير، وإعلام الورى/٤٠٤، وإثبات الهداة: ٣/٤٧٠، والبحار:
٥٢/٩٤، و١٤٥ و١٤٦، عن كمال الدين، والطوسي والنعماني.
* * *
النعماني/١٥٩، عن عبد الله بن سنان قال: دخلت أنا وأبي على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علماً يرى؟ فلا ينجو من تلك الحيرة إلا من دعا بدعاء الغريق، فقال أبي: هذا والله البلاء، فكيف نصنع جعلت فداك حينئذ؟ قال: إذا كان ذلك ولن تدركه فتمسكوا بما في أيديكم
حتى
يتضح لكم الأمر). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٣٣، والبحار: ٥٢/١٣٣، وكمال الدين: ٢/٣٤٨.
وفي إثبات الوصية/٢٢٦، عن الحرث بن مغيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
القائم إمام ابن إمام، يأخذون منه حلالهم وحرامهم قبل قيامه، قلت: أصلحك الله إذا
فقد الناس الإمام عمن يأخذون؟ قال: إذا كان ذلك فأحب من كنت تحب وانتظر الفرج فما
أسرع ما يأتيك). وفي الكافي: ١/٣٣٣، عن ابن رئاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: صاحب هذا الأمر لا يسميه باسمه إلا كافر). ومثله كمال الدين: ٢/٦٤٨، وعنه
البحار: ٥١/٣٣.
أقول: حمل فقهاؤنا الروايات التي تنهى عن تسميته على ظرف غيبته الأولى بعد ولادته،
عندما كانت السلطة تتعقبه.
الإمام الكاظم (عليه السلام): النعمة الباطنة: الإمام الغائب
كمال الدين: ٢/٣٦٠، عن العباس بن عامر القصباني قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر
(عليهما السلام) يقول: صاحب هذا الأمر من يقول الناس لم يولد بعد). والبحار:
٥١/١٥١.
وفي كمال الدين: ٢/٣٦٨، عنه (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (وَأَسْبَغَ
عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)؟ فقال (عليه السلام): النعمة
الظاهرة الإمام الظاهر، والباطنة الإمام الغائب، فقلت له: ويكون في الأئمة من يغيب؟
قال: نعم يغيب عن أبصار الناس شخصه ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر
منا..). وتقدم مع مصادره في بشارة النبي (صلى الله عليه وآله) بالمهدي (عليه
السلام).
الإمام الرضا (عليه السلام): المهدي خفي الولادة غير خفي في نسبه
الكافي: ١/٣٤١، عن أيوب بن نوح قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): إني أرجو
أن تكون صاحب هذا الأمر، وأن يسوقه الله إليك بغير سيف، فقد بويع لك وضربت الدراهم
باسمك، فقال: ما منا أحد اختلف إليه الكتب، وأشير إليه بالأصابع، وسئل عن المسائل،
وحملت إليه الأموال، إلا اغتيل أو مات على فراشه حتى يبعث الله لهذا الأمر غلاماً
منا خفي الولادة والمنشأ، غير خفي في نسبه). ومثله النعماني/١٦٨ وكمال الدين:
٢/٣٧٠، وإعلام الورى/٤٠٧، وعنه كشف الغمة: ٣/٣١٤، وإثبات الهداة: ٣/٤٤٦، و٤٧٧.
كمال الدين: ٢/٣٧٢، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: أنشدت مولاي الرضا علي بن موسى (صلى الله عليه وآله) قصيدتي التي أولها:
مدارسُ آياتٍ خَلَتْ من تلاوةٍ * * * ومنزلُ وَحْيٍ مُقْفِرِ العَرَصَاتِ
فلما انتهيت إلى قولي:
خروجُ
إمامٍ لا محالةَ خارجٍ * * * يقوم على اسم الله والبركاتِ
يميزُ فينا كل حقٍّ وباطلٍ * * * ويجزي على النعماء والنقماتِ
بكى
الرضا (عليه السلام) بكاء شديداً، ثم رفع رأسه إلي فقال لي: يا خزاعي نطق روح القدس
على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم؟ وأما متى فإخبار عن
الوقت، فقد حدثني أبي، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، أن النبي (صلى الله عليه
وآله) قيل له: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك؟ فقال (عليه السلام): (مَثَلُه
مَثَلُ الساعة التي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالأرض لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً). وعيون أخبار الرضا:
٢/٢٦٥ وكفاية الأثر/٢٧١، وإعلام الورى/٣١٧، وكشف الغمة: ٣/١١٨، وفرائد السمطين:
٢/٣٣٧، ومنتخب الأنوار /٣٨، وإثبات الهداة: ٣/٥٧٦، و: ١/٤٨٦، والبحار: ٤٩/٢٣٧، الخ.
كمال الدين: ٢/٤٨٠، عن فضال، عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: كأني بالشيعة عند
فقدهم الثالث من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه، قلت له: ولم ذاك يا بن رسول
الله؟ قال: لأن إمامهم يغيب عنهم، فقلت: ولم؟ قال: لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا
قام بالسيف). ومثله علل الشرائع/٢٤٥، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام): ١/٢٧٣، وعنه
إثبات الهداة: ٣/٤٥٦، و٤٨٦، عن كمال الدين، والبحار: ٥١/١٥٢، و: ٥٢/٩٦، عن العلل
والعيون وكمال الدين.
النعماني/١٨٠، عن محمد بن أبي يعقوب البلخي قال: قال سمعت أبا الحسن الرضا (عليه
السلام) يقول: إنكم ستبتلون بما هو أشد وأكبر، تبتلون بالجنين في بطن أمه، والرضيع
حتى يقال: غاب ومات ويقولون: لا إمام. وقد غاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وغاب
وغاب، وها أنا ذا أموت حتف أنفي). وعنه البحار: ٥١/١٥٥.
الهداية الكبرى/٣٦٤، عن الريان بن الصلت قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول:
القائم
المهدي بن الحسن لا يرى جسمه ولا يسمى باسمه أحد بعد غيبته حتى يراه ويعلن باسمه
ويسمعه كل الخلق. فقلنا له: يا سيدنا وإن قلنا صاحب الغيبة، وصاحب الزمان والمهدي،
قال هو كله جايز مطلق، وإنما نهيتكم عن التصريح باسمه ليخفى اسمه عن أعدائنا فلا
يعرفوه). ومستدرك الوسائل: ١٢/٢٨٥.
الكافي: ١/٣٣٣، عن الريان بن الصلت قال: سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول
وسئل عن القائم فقال: لا يرى جسمه ولا يسمى اسمه). وكمال الدين: ٢/٣٧٠ و٦٤٨، كما في
الكافي، وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٩٠، والبحار: ٥١/٣٣.
الكشي/٤٧٥، عن الحسن بن قياما الصيرفي قال: حججت في سنة ثلاث وتسعين ومائة وسألت
أبا الحسن الرضا (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك ما فعل أبوك؟ قال مضى كما مضى
آباؤه، قلت فكيف أصنع بحديث حدثني به يعقوب بن شعيب عن أبي بصير أن أبا عبد الله
(عليه السلام) قال: إن جاءكم من يخبركم أن ابني هذا مات وكفن وقبر ونفضوا أيديهم من
تراب قبره فلا تصدقوا به؟ فقال: كذب أبو بصير ليس هكذا حدثه إنما قال إن جاءكم عن
صاحب هذا الأمر). انتهى. وقد كذبوا على أبي بصير (رحمه الله).
الإمام الجواد (عليه السلام): الثالث من ولدي المهدي المنتظر في غيبته
كمال الدين: ٢/٣٧٧، عن عبد العظيم الحسني قال: دخلت على سيدي محمد بن علي بن موسى
بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأنا أريد أن
أسأله عن القائم أهو المهدي أو غيره، فابتدأني فقال لي: يا أبا قاسم، إن القائم منا
هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته ويطاع في ظهوره هو الثالث من ولدي، والذي بعث
محمداً (صلى الله عليه وآله) بالنبوة وخصنا بالإمامة، إنه لو لم يبق من الدنيا إلا
يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت
جوراً وظلماً، وإن الله تبارك وتعالى ليصلح له أمره في ليلة، كما أصلح أمر كليمه
موسى (عليه السلام) إذ ذهب ليقتبس لأهله ناراً فرجع وهو رسول نبي: ثم
قال
(عليه السلام): أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج). ومثله كفاية الأثر/٢٧٦، كما في
كمال الدين بتفاوت يسير. وعنه إعلام الورى/٤٠٨، ورواه في الخرايج: ٣/١١٧١، ومثله
منتخب الأنوار /٣٩، وإثبات الهداة: ٣/٣٣٦ و٤٧٨، عن كمال الدين. والبحار: ٥١/١٥٦، عن
كمال الدين. وتقدم عنه (عليه السلام) من كمال الدين: ٢/٣٧٨، عن الصقر بن أبي دلف من
حديث قال: فقلت له: ولم سمي المنتظر؟ قال: لأن له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها
فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها
الوقاتون ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلمون).
النعماني/١٨٥، عن أمية بن علي القيسي قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما
السلام): من الخلف بعدك؟ فقال: ابني علي وابنا علي، ثم أطرق ملياً ثم رفع رأسه، ثم
قال: إنها ستكون حيرة، قلت: فإذا كان ذلك فإلى أين؟ فسكت ثم قال: لا أين! حتى قالها
ثلاثاً فأعدت عليه، فقال: إلى المدينة، فقلت: أي المدن؟ فقال: مدينتنا هذه وهل
مدينة غيرها)! ومثله كفاية الأثر/٢٨٠، كالنعماني بتفاوت يسير، وإثبات الهداة:
٣/٣٥٦، عن كفاية الأثر، والبحار: ٥١/١٥٦ و١٥٨، عنهما.
النعماني/١٨٦، عن عبد العظيم الحسني، عن أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما
السلام) أنه سمعه يقول: إذا مات ابني علي بدا سراج بعده ثم خفي، فويل للمرتاب وطوبى
للغريب الفارِّ بدينه، ثم يكون بعد ذلك أحداث تشيب فيها النواصي ويسير الصم
الصلاب). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٣٥، والبحار: ٥١/١٥٧.
وفي إثبات الوصية/١٩٣، عن محمد بن عثمان الكوفي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال
له: إن حدث بك وأعوذ بالله حادث فإلى من؟ فقال: إلى ابني هذا يعني أبا الحسن. ثم
قال: أما إنها ستكون فترة، قلت: فإلى أين؟ فقال: إلى المدينة قلت: أي مدينة؟ قال:
هذه المدينة مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وهل مدينة غيرها).
الإمام الهادي (عليه السلام): وأنى لكم بالخلف بعد الخلف؟!
كمال الدين: ٢/٣٨٢، عن علي بن عبد الغفار قال: لما مات أبو جعفر الثاني (عليه
السلام) كتبت الشيعة إلى أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) يسألونه عن الأمر
فكتب (عليه السلام): الأمر
لي ما
دمت حياً، فإذا نزلت بي مقادير الله (عزَّ وجلَّ) آتاكم الله الخلف مني، وأنى لكم
بالخلف بعد الخلف). ونحوه غيبة الطوسي/١٠٢، وعنه إعلام الورى/٤١١، وعنهما إثبات
الهداة: ٣/٣٩٤ و٥٠٠، والبحار: ٥١/١٦٠، و١٦١.
الإمامة والتبصرة/٩٣، عن علي بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر (عليه
السلام) أسأله عن الفرج؟ فكتب: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج).
ومثله إثبات الوصية/٢٢، وكمال الدين: ٢/٣٨٠، والخرايج: ٣/١١٧٢، وعنه إثبات الهداة:
٣/٤٧٩، والبحار: ٥١/١٥٩، وفي: ٥٢/١٥٠، عن كمال الدين، والإمامة والتبصرة.
الكافي: ١/٣٤١، عن أيوب بن نوح، عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) قال: إذا رفع
علمكم من بين أظهركم فتوقعوا الفرج من تحت أقدامكم). ومثله إثبات الوصية/٢٢٦، ومثله
كمال الدين/٣٨١، وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٤٦، والبحار: ٥١/١٥٩.
الكافي: ١/٣٢٨ و٣٣٢، عن داود بن القاسم قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول:
الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف، فقلت: ولم جعلني الله فداك؟
فقال إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه، فقلت فكيف نذكره؟ فقال قولوا:
الحجة من آل محمد (عليهم السلام)). ومثله الهداية/٨٧، وإثبات الوصية/٢٠٨ و٢٢٤،
وكمال الدين: ٢/٣٨١، وعلل الشرائع: ١/٢٤٥، وعنه الإرشاد/٣٣٨ و٣٤٩، وعيون
المعجزات/١٤١، وروضة الواعظين: ٢/٢٦٢، وإعلام الورى/٣٥١، وكشف الغمة: ٣/١٩٦، وإثبات
الهداة: ٣/٣٩٢، والبحار: ٥٠/٢٤٠، و: ٥١/٣١.
الإمام العسكري (عليه السلام): له غيبة يحار فيها الجاهلون!
كمال الدين: ٢/٤٠٩، حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي الله عنه) قال: حدثني أبو
علي بن همام قال: سمعت محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه يقول: سمعت أبي يقول:
سئل أبو محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه
(عليهم السلام): إن الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه إلى يوم القيامة وأن من مات
ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية؟ فقال: إن هذا حق كما أن النهار حق،
فقيل
له: يا ابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك؟ فقال: ابني محمد هو الإمام والحجة
بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون ويهلك
فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقاتون، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق
فوق رأسه بنجف الكوفة). ومثله كفاية الأثر/٢٩٢، بسند آخر صحيح وإعلام الورى/٤١٥،
وعنه كشف الغمة: ٣/٣١٨ وإثبات الهداة: ٣/٤٨٢، ووسائل الشيعة: ١١/٤٩١، الخ.
رواية عن الحاخام وهب بن منبه في غيبة المهدي (عليه السلام)!
من الغرائب أن بعض الروايات في الأئمة الإثني عشر (عليهم السلام) رووها عن كعب
الأحبار ووهب بن منبه كهذه الرواية، مع أنهما من الحاخامات الذين كانوا مع السلطة
ضد أهل البيت (عليهم السلام). وتفسير ذلك أنهم كانوا ينقلون من كتب اليهود كالتوراة
والتلمود وغيرهما، وقد قرؤوا في التوراة بشارة الله تعالى لإبراهيم باثني عشر
إماماً من ذرية إسماعيل (عليهم السلام). قال ابن كثير في النهاية: ٦/٢٨٠: (وفي
التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه: أن الله تعالى بشر إبراهيم بإسماعيل وأنه
ينميه ويكثره ويجعل من ذريته اثني عشر عظيماً). انتهى.
يقصد ما في التوراة الفعلية - العهد القديم والجديد: ١/٢٥، طبعة مجمع الكنائس
الشرقية - سفر التكوين - الإصحاح السابع عشر، قال: (١٨ - وقال إبراهيم لله ليت
إسماعيل يعيش أمامك. ١٩ - فقال الله: بل سارة امرأتك تلد لك ابنا وتدعو اسمه إسحق،
وأقيم عهدي معه عهداً أبدياً لنسله من بعده. ٢٠ - وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه، ها
أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً، اثني عشر رئيساً يلد، وأجعله أمة كبيرة. ٢١
- ولكن عهدي أقيمه مع إسحق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت، في السنة الآتية). وقد
ترجمها كعب الأحبار (اثني عشر قيِّماَ) ولابد أن تكون ترجمتها (اثني عشر إماماً)!
لذلك ليس غريباً أن يروي كعب وابن وهب في أحياناً بعض الحق. ففي مقتضب الأثر/٤١، عن
وهب بن منبه قال: إن موسى نظر ليلة الخطاب
إلى كل شجرة في الطور وكل حجر ونبات تنطق بذكر محمد (صلى الله عليه وآله) واثني عشر وصياً له من بعده، فقال موسى: إلهي لا أرى شيئاً خلقته إلا وهو ناطق بذكر محمد (صلى الله عليه وآله) وأوصيائه الاثني عشر فما منزلة هؤلاء عندك؟ قال: يا ابن عمران إني خلقتهم قبل خلق الأنوار، وجعلتهم في خزانة قدسي يرتعون في رياض مشيتي، ويتنسمون روح جبروتي ويشاهدون أقطار ملكوتي، حتى إذا شئت مشيتي أنفذت قضائي وقدري. يا ابن عمران إني سبقت بهم السباق حتى أزخرف بهم جناني. يا ابن عمران: تمسك بذكرهم فإنهم خزنة علمي وعيبة حكمتي ومعدن نوري. قال حسين بن علوان فذكرت ذلك لجعفر بن محمد (عليه السلام) فقال: حق ذلك هم اثنا عشر من آل محمد (صلى الله عليه وآله): علي، والحسن، والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي، ومن شاء الله، قلت: جعلت فداك، إنما أسألك لتفتيني بالحق، قال: أنا، وابني هذا وأشار إلى ابنه موسى (عليه السلام)، والخامس من ولده يغيب شخصه ولا يحل ذكره باسمه). وعنه إثبات الهداة: ١/٧١٢، والبحار: ٢٦/٣٠٨ و: ٥١/١٤٩.
* * *
الفصل الثاني والثلاثون: الموقتون الكَذَبَة والمحاضير الحمقى
الأئمة (عليهم السلام) يعالجون مشكلة المحاضير والمستعجلين!
المَحَاضير: اسم ابتكره أهل البيت (عليهم السلام) للمستعجلين من شيعتهم، الذين كانت
تدفعهم ظلامتهم وحبهم للقتال للإنضمام إلى أي داع يدعو إلى الثورة! ومفردها مِحضار
لكن لا يقال إلا محضير بالياء(لسان العرب: ٤/٢٠١) وهو اسم للفرس الكثير العدو وليس
للفرس السريع! وقد سمى الأئمة (عليهم السلام) المستعجلين أصحاب المحاضير، أي أصحاب
أنفسهم التي هي كالخيل الراغبة في السباق! وسموهم المحاضير!
وقد اهتم الأئمة (عليهم السلام) بتهدئة هؤلاء المتحمسين فكانوا يشرحون لهم أن قضية
الإمام المهدي (عليه السلام) خطة ربانية طويلة النفس، فعليهم أن يصبروا ولا
يستعجلوا أمر الله تعالى وكانوا تارةً يشرحون لهم عدم صحة تحركهم تحت راية لم تأخذ
شرعيتها من الإمام (عليه السلام). وتارةً يشرحون لهم النتائج المتوقعة لعجلتهم
وتفريطهم بأنفسهم. ويطمئنوهم بأن عدوهم مهما اضطهدهم فلن يستطيع أن يستأصلهم لأن
استمرارهم مضمون من الله تعالى! قال الإمام الصادق (عليه السلام): (هلكت المحاضير!
قال قلت: وما المحاضير؟ قال: المستعجلون! ونجا المقربون وثبتت الحصن على أوتادها.
كونوا أحلاس بيوتكم فإن الغَبَرة على من أثارها، وإنهم لا يريدونكم بجائحة إلا
أتاهم الله بشاغل إلا من تعرض لهم). (غيبة النعماني/٢٠٣).
وفي تاريخ الكوفة/١٥١: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام) للكوفة: ويحك يا كوفة
وأختك البصرة كأني بكما تمدان مد الأديم وتعركان عرك العكاظي، ألا إني أعلم فيما
أعلمني الله (عزَّ وجلَّ) أنه ما أراد بكما جبار سوء إلا ابتلاه الله بشاغل). عن
البلدان لابن الفقيه/٢٠٠، ورواه ربيع الأبرار/٩٤، وشرح إحقاق الحق: ٨/١٧٣، عن
البلدان لليعقوبي/١٦٤ ط. ليدن.
النعماني/١٩٨، عن صالح بن ميثم ويحيى بن سابق، جميعاً عن أبي جعفر الباقر (عليه
السلام) أنه قال: هلك أصحاب المحاضير، ونجا المقربون، وثبتت الحصن على أوتادها، إن
بعد الغم فتحاً عجيباً). وعنه البحار: ٥٢/١٣٩.
الكشي/٤٥٩، عن علي بن جعفر (عليه السلام) قال: جاء رجل إلى أخي (عليه السلام) فقال
له: جعلت فداك، من صاحب هذا الأمر؟ فقال: أما إنهم يفتنون بعد موتي فيقولون: هو
القائم وما القائم إلا بعدي بسنين). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٦١، والبحار: ٤٨/٢٦٦.
وتقدم في فصل السفياني من الكافي: ٨/٢٦٤، عن عيص بن القاسم قال: سمعت أبا عبد الله
(عليه السلام) يقول: عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له وانظروا لأنفسكم، فوالله إن
الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها
يخرجه ويجيء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها! والله لو كانت لأحدكم
نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها ثم كانت الأخرى باقية فعمل على ما قد استبان لها! ولكن
له نفس واحدة إذا ذهبت فقد والله ذهبت التوبة، فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم. إن
أتاكم آت منا فانظروا على أي شيء تخرجون؟ ولا تقولوا خرج زيد فإن زيداً كان عالماً
وكان صدوقاً ولم يدعكم إلى نفسه، إنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد (عليهم السلام)
ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه، إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه، فالخارج منا اليوم
إلى أي شيء يدعوكم؟ إلى الرضا من آل محمد (عليهم السلام)؟ فنحن نشهدكم أنا لسنا
نرضى به! وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد، وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا
يسمع منا، إلا مع من اجتمعت بنو فاطمة معه، فوالله ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه).
ونحوه علل الشرائع/٥٧٧ وعنهما
البحار: ٤٦/١٧٨ و: ٥٢/٣٠١. وكذلك رواية سدير عن الإمام الصادق (عليه السلام)
الكافي: ٨/٢٦٤.
الكافي: ٨/٢٩٥، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كل راية ترفع قبل
قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله (عزَّ وجلَّ)). وعنه الوسائل: ١١/٣٧،
والبحار: ٥٢/١٤٣.
النعماني/١٩٤، وبعضه/١٩٥، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له:
أوصني، فقال: أوصيك بتقوى الله وأن تلزم بيتك وتقعد في دهماء هؤلاء الناس، وإياك
والخوارج منا، فإنهم ليسوا على شيء ولا إلى شيء! واعلم أن لبني أمية ملكاً لا
يستطيع الناس أن تردعه، وأن لأهل الحق دولة إذا جاءت ولاها الله لمن يشاء منا أهل
البيت، فمن أدركها منكم كان عندنا في السنام الأعلى، وإن قبضه الله قبل ذلك خار له.
واعلم أنه لا تقوم عصابة تدفع ضيماً أو تعز ديناً إلا صرعتهم المنية والبلية حتى
تقوم عصابة شهدوا بدراً مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يوارى قتيلهم، ولا
يرفع صريعهم ولا يداوى جريحهم. قلت: من هم؟ قال: الملائكة). وعنه إثبات الهداة:
٣/٥٣٦، والبحار: ٥٢/١٣٦. ومستدرك الوسائل: ١١/٣٦.
الكافي: ٢/٢٣، عن إسماعيل الجعفي قال: دخل رجل على أبي جعفر (عليه السلام)، ومعه
صحيفة، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): هذه صحيفة مخاصم، يسأل عن الدين الذي يقبل
فيه العمل، فقال: رحمك الله هذا الذي أريد، فقال أبو جعفر (عليه السلام): شهادة أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله،
وتقر بما جاء من عند الله، والولاية لنا أهل البيت، والبراءة من عدونا، والتسليم
لأمرنا والورع والتواضع وانتظار قائمنا، فإن لنا دولة إذا شاء الله جاء بها). ونحوه
أمالي الطوسي: ١/١٨٢، وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٨٨، والبحار: ٦٩/٢.
النعماني/٨٧، عن داود بن كثير الرقي قال: دخلت على أبي عبد الله جعفر بن محمد
(عليهما السلام) بالمدينة فقال لي: ما الذي أبطأ بك يا داود عنا؟ فقلت: حاجة عرضت
بالكوفة، فقال: من خلفت بها؟ فقلت: جعلت فداك خلفت بها عمك زيداً، تركته راكباً على
فرس متقلداً سيفاً، ينادي بأعلى صوته: سلوني سلوني قبل أن تفقدوني،
فبين جوانحي علم جم، قد عرفت الناسخ من المنسوخ والمثاني والقرآن العظيم، وإني العلم بين الله وبينكم. فقال لي: يا داود لقد ذهبت بك المذاهب، ثم نادى: يا سماعة بن مهران إيتني بسلة الرطب، فأتاه بسلة فيها رطب فتناول منها رطبة فأكلها واستخرج النواة من فيه فغرسها في الأرض، ففلقت وأنبتت وأطلعت وأغدقت، فضرب بيده إلى بسرة من عذق فشقها واستخرج منها رقاً أبيض ففضه ودفعه إليَّ، وقال: اقرأه، فقرأته وإذا فيه سطران: السطر الأول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله! والثاني: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ): أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، الحسن بن علي، الحسين بن علي، علي بن الحسين، محمد بن علي، جعفر بن محمد، موسى بن جعفر، علي بن موسى، محمد بن علي، علي بن محمد، الحسن بن علي الخلف الحجة. ثم قال: يا داود أتدري متى كتب هذا في هذا؟ قلت: الله أعلم ورسوله وأنتم، فقال: قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام). ومثله مقتضب الأثر/٣٠، بتفاوت، ومناقب ابن شهرآشوب: ١/٣٠٧، آخره، وتأويل الآيات: ١/٢٠٣، وإثبات الهداة: ١/٧١١، عن مقتضب الأثر، والبحار: ٢٤/٢٤٣، و: ٣٦/٤٠٠، و: ٣٨/٤٦، و: ٤٦/١٧٣.
* * *
كما
عالج الأئمة (عليهم السلام) تسرع المستعجلين في توقيت ظهور الإمام المهدي (عليه
السلام) وكذبوا الموقتين رجماً بالغيب جهلاً أو تضليلاً للناس!
الكافي: ١، ٣٦٨، عن الفضل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قلت لهذا الأمر
وقت؟ فقال: كذب الوقاتون، كذب الوقاتون، كذب الوقاتون. إن موسى (عليه السلام) لما
خرج وافداً إلى ربه واعدهم ثلاثين يوماً فلما زاده الله على الثلاثين عشراً قال
قومه: قد أخلفنا موسى فصنعوا ما صنعوا. فإذا حدثناكم الحديث فجاء على ما حدثناكم
فقولوا: صدق الله، وإذا حدثناكم الحديث فجاء على خلاف ما حدثناكم به فقولوا: صدق
الله تؤجروا مرتين). ومثله النعماني/٢٩٤، وغيبة الطوسي/٢٦١، وعنهما البحار: ٤/١٣٢
و: ٥٢/١٠٣.
الإمامة والتبصرة/٩٤، عن أبي عبيدة الحذاء قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذا
الأمر،
متى
يكون؟ قال: إن كنتم تؤملون أن يجيئكم من وجه، ثم جاءكم من وجه فلا تنكروه). وعنه:
البحار: ٥٢/٢٦٨.
النعماني/٢٨٩، عن محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا محمد، من
أخبرك عنا توقيتاً فلا تهابن أن تكذبه فإنا لا نوقت لأحد وقتاً). ومثله غيبة
الطوسي/٢٦٢، وفيه: من وقَّت لك من الناس شيئاً فلا تهابَنَّ أن تكذبه فلسنا نوقت
لأحد وقتاً.. وفيه: عن منذر الجواز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كذب
الموقتون، ما وقتنا فيما مضى ولا نوقت فيما يستقبل). والبحار: ٥٢/١٠٣ و١٠٤ و١١٧.
وفي الكافي: ١/٣٦٨، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن
القائم (عليه السلام) فقال: كذب الوقاتون، إنا أهل البيت لا نوقت. وفيها: أبي الله
إلا أن يخالف وقت الموقتين). ومثله النعماني/٢٨٩ و٢٩٤، ورواه بروايات منها عن أبي
بكر الحضرمي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنا لا نوقت هذا الأمر.
وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٤٧، والبحار: ٥٢/١١٧ و١١٨ و٣٦٠.
الكافي: ١/٣٦٨، عن عبد الرحمن بن كثير قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ
دخل عليه مهزم فقال له: جعلت فداك أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظر متى هو؟ فقال: يا
مهزم كذب الوقاتون وهلك المستعجلون ونجا المسلمون). ومثله الإمامة والتبصرة/٩٥،
والنعماني/١٩٧ و٢٩٤، وغيبة الطوسي/٢٦٢، وفيه: أخبرني جعلت فداك متى هذا الأمر الذي
تنتظرونه فقد طال؟ وعنه البحار: ٥٢/١٠٣. الخ.
وفي البرهان لصاحب كنز العمال/١٧٤، عن مسند المحاملي أن الإمام الباقر (عليه
السلام) قال: يزعمون أني أنا المهدي، وإني إلى أجلي أدنى مني إلى ما يدعون).
وفي الكافي: ١/٣٦٨، عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: يا
ثابت إن الله تبارك وتعالى وقد كان وقت هذا الأمر في السبعين، فلما أن قتل الحسين
صلوات الله عليه اشتد غضب الله تعالى على أهل الأرض، فأخره إلى أربعين ومائة،
فحدثناكم فأذعتم الحديث، فكشفتم قناع الستر، ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتا عندنا،
ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب. قال أبو حمزة: فحدثت بذلك أبا عبد الله
(عليه السلام) فقال: قد كان ذلك). ومثله العياشي: ٢/٢١٨، وفيه: فقلت لأبي جعفر: إن
علياً
كان
يقول إلى السبعين بلاء وبعد السبعين رخاء وقد مضت السبعون ولم يروا رخاء؟ فقال لي
أبو جعفر.. الخ. والنعماني/٢٩٣، وإثبات الوصية/١٣١، وفيه: إن معنى قوله إلى السبعين
بلاء، أن الله (عزَّ وجلَّ) وقت للفرج سنة سبعين، فلما قتل الحسين (عليه السلام)
غضب الله على أهل ذلك الزمان فأخره إلى حين. والخرائج: ١/١٧٨، وغيبة الطوسي/٢٦٣،
وفيه: قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن عليا (عليه السلام) كان يقول: إلى
السبعين بلاء وكان يقول بعد البلاء رخاء، وقد مضت السبعون ولم نر رخاء؟ فقال أبو
جعفر (عليه السلام).. وفيه: وقلت ذلك لابي عبد الله (عليه السلام)، فقال: قد كان
ذاك).
وفي تحف العقول/٣١٠، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، في حديث قال: يا بن النعمان
إن العالم لا يقدر أن يخبرك بكل ما يعلم، لأنه سر الله الذي أسره إلى جبرئيل وأسره
جبرئيل إلى محمد، وأسره محمد إلى علي، وأسره علي إلى الحسن، وأسره الحسن إلى الحسين
وأسره الحسين إلى علي، وأسره علي إلى محمد وأسره محمد إلى من أسرَّه، فلا تعجلوا،
فوالله لقد قرب هذا الأمر ثلاث مرات فأذعتموه فأخره الله. والله ما لكم سر إلا
وعدوكم أعلم به منكم) وعنه: البحار: ٧٨/٢٨٩.
وفي الكافي: ٨/٣٦٢، عن زرارة، قال: سأله حمران فقال: جعلني الله فداك لو حدثتنا متى
يكون هذا الأمر فسررنا به؟ فقال: يا حمران إن لك أصدقاء وإخواناً ومعارف، إن رجلاً
كان فيما مضى من العلماء وكان له ابن لم يكن يرغب في علم أبيه ولا يسأله عن شيء،
وكان له جار يأتيه ويسأله ويأخذ عنه، فحضر الرجل الموت فدعا ابنه فقال: يا بني إنك
قد كنت تزهد فيما عندي وتقل رغبتك فيه ولم تكن تسألني عن شيء، ولي جار قد كان
يأتيني ويسألني ويأخذ مني ويحفظ عني فإن احتجت إلى شيء فأته وعرفه جاره، فهلك الرجل
وبقي ابنه فرأى ملك ذلك الزمان رؤيا فسأل عن الرجل فقيل له قد هلك، فقال الملك: هل
ترك ولداً؟ فقيل له نعم ترك ابناً، فقال إئتوني به فبعث إليه ليأتي الملك، فقال
الغلام: والله ما أدري لما يدعوني الملك وما عندي علم، ولئن سألني عن شيء لأفتضحن،
فذكر ما كان أوصاه أبوه به فأتى الرجل الذي كان يأخذ العلم من أبيه فقال له: إن
الملك قد بعث
إلي
يسألني ولست أدري فيم بعث إليَّ وقد كان أبي أمرني أن آتيك إن احتجت إلى شيء فقال
الرجل: ولكني أدري فيما بعث إليك، فإن أخبرتك فما أخرج الله لك من شيء فهو بيني
وبينك، فقال: نعم، فاستحلفه واستوثق منه أن يفي له فأوثق له الغلام فقال: إنه يريد
أن يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا؟ فقل له: هذا زمان الذئب. فأتاه الغلام فقال له
الملك: هل تدري لم أرسلت إليك؟ فقال: أرسلت إلي تريد أن تسألني عن رؤيا رأيتها أي
زمان هذا؟ فقال له الملك: صدقت فأخبرني أي زمان هذا؟ فقال له: زمان الذئب فأمر له
بجائزة، فقبضها الغلام وانصرف إلى منزله وأبى أن يفي لصاحبه، وقال: لعلي لا أنفذ
هذا المال ولا آكله حتى أهلك، ولعلي لا أحتاج ولا أسأل عن مثل هذا الذي سئلت عنه،
فمكث ما شاء الله.
ثم إن الملك رأى رؤيا فبعث إليه يدعوه فندم على ما صنع، وقال: والله ما عندي علم
آتيه به، وما أدري كيف أصنع بصاحبي وقد غدرت به ولم أف له، ثم قال: لآتينه على كل
حال ولأعتذرن إليه ولأحلفن له فلعله يخبرني، فأتاه فقال له: إني قد صنعت الذي صنعت،
ولم أف لك بما كان بيني وبينك وتفرق ما كان في يدي، وقد احتجت إليك فأنشدك الله أن
لا تخذلني وأنا أوثق لك أن لا يخرج لي شيء إلا كان بيني وبينك، وقد بعث إلي الملك
ولست أدري عما يسألني، فقال: إنه يريد أن يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا؟ فقل له:
إن هذا زمان الكبش، فأتى الملك فدخل عليه، فقال: لما بعثت إليك؟ فقال: إنك رأيت
رؤيا، وإنك تريد أن تسألني أي زمان هذا، فقال له: صدقت: فأخبرني أي زمان هذا؟ فقال:
هذا زمان الكبش، فأمر له بصلة، فقبضها وانصرف إلى منزله، وتدبر في رأيه في أن يفي
لصاحبه أو لا يفي له فهم مرة أن يفعل ومرة أن لا يفعل، ثم قال: لعلي أن لا أحتاج
إليه بعد هذه المرة أبداً، وأجمع رأيه على ما صنع على الغدر وترك الوفاء فمكث ما
شاء الله، ثم إن الملك رأى رؤيا فبعث إليه فندم على ما صنع فيما بينه وبين صاحبه،
وقال: بعد غدر مرتين كيف أصنع وليس عندي علم، ثم أجمع رأيه على إتيان الرجل،
فأتاه
فناشده الله تبارك وتعالى وسأله أن يعلمه وأخبره أن هذه المرة يفي له وأوثق له
وقال: لا تدعني على هذه الحال فإني لا أعود إلى الغدر وسأفي لك، فاستوثق منه فقال:
إنه يدعوك يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا؟ فإذا سألك فأخبره أنه زمان الميزان، قال
فأتى الملك فدخل عليه فقال له: لم بعثت إليك؟ فقال: إنك رأيت رؤيا وتريد أن تسألني
أي زمان هذا، فقال: صدقت فأخبرني أي زمان هذا؟ فقال: هذا زمان الميزان، فأمر له
بصلة فقبضها وانطلق بها إلى الرجل، فوضعها بين يديه وقال: قد جئتك بما خرج لي
فقاسمنيه، فقال له العالم: إن الزمان الأول كان زمان الذئب وإنك كنت من الذئاب، وإن
الزمان الثاني كان زمان الكبش يهم ولا يفعل وكذلك كنت أنت تهم ولا تفي، وكان هذا
زمان الميزان وكنت فيه على الوفاء، فاقبض مالك لا حاجة لي فيه ورده عليه)! والبحار:
١٤/٤٩٧ وقال: إن لك أصدقاء وإخواناً: لعل المقصود من إيراد الحكاية بيان أن هذا
الزمان ليس زمان الوفاء بالعهود، فإن عرفتك زمان ظهور الأمر فلك أصدقاء ومعارف
فتحدثهم به فيشيع الخبر بين الناس وينتهي إلى الفساد، والعهد بالكتمان لا ينفع).
أقول: معناه أن الإمام الباقر (عليه السلام) يعرف وقت ظهور المهدي (عليه السلام)
ولكن يتجنب الضرر بتسرب الخبر كما ذكر المجلسي (رحمه الله). ويؤيده ما دل على أن
ظهوره (عليه السلام) تأخر بسبب إذاعته. وفي أحاديث هذا الفصل بحوث في معنى توقيت
ظهوره (عليه السلام) وتأخيره بسبب فعل الناس، وفي معنى مشيئة الله تعالى وقضائه
وقدره، والحكمة من إظهار أمر سيكون فيه البداء، وكذلك معنى نهي الأئمة (عليهم
السلام) عن الخروج على الحاكم الظالم وهل يحتاج ذلك إلى قيادة الإمام المعصوم (عليه
السلام) أو إذنه أم أن أحاديثه ظرفية كما يرى السيد الخميني (قدّس سره). وهي بحوث
مفيدة لكن لا يتسع لها هذا الكتاب.
الفصل الثالث والثلاثون: ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)
١ - الإبتكار النبوي لتعيين شخص المهدي (عليه السلام)
من معجزات النبي (صلى الله عليه وآله) أنه أوتي جوامع الكلم، ومن ذلك تحديده الدقيق
للإمام المهدي (عليه السلام) بأنه التاسع من ذرية الحسين (عليه السلام)، وابن خيرة
الإماء، فهو تحديد دقيق، وإبطال لادعاء المدعين، وفي نفس الوقت إخبارٌ بغيبته (عليه
السلام).
وقد تقدمت أحاديثه (صلى الله عليه وآله) في فصل البشارة النبوية بالإمام المهدي
(عليه السلام)، وكذا تعبيره (صلى الله عليه وآله): المهدي من عترتي.. من أولاد
فاطمة.. بنا فتح الله وبنا يختم.. لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوله الله.. يملأ
الأرض قسطاً وعدلاً.. يحثو المال حثواً ولا يعده عداً.. نحن سبعة ولد عبد المطلب
سادة أهل الجنة.. أنا وعلي أخي وحمزة عمي وجعفر ابن عمي والحسن والحسين والمهدي..
الخ. وكذا الحديث الذي قال فيه: المهدي هو الخامس بعد السابع من ولدي، الذي تقدم
أنهم رووه محرفاً..
ونلفت هنا إلى أن حديث العترة (عليهم السلام) هو حديث النبي (صلى الله عليه وآله)
بحكم قوله: إني تارك
فيكم الثقلين، فتعابيرهم البليغة في تحديد المهدي (عليه السلام) هي للنبي (صلى الله
عليه وآله).
٢ - من ابتكارات الأئمة (عليهم السلام) في تحديد شخصية المهدي (عليه السلام)
أ - بأبي ابن خيرة الإماء
في النعماني/٢٢٩، بسنده عن الحارث الهمداني، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
(بأبي ابن خيرة الإماء، يعني القائم من ولده (عليهم السلام)، يسومهم خسفاً ويسقيهم
بكأس مصبَّرة ولا يعطيهم إلا السيف هرجاً، فعند ذلك تتمنى فَجَرَةُ قريش لو أن لها
مفاداةً من الدنيا وما فيها ليَغفر لها، لا يكفُّ عنهم حتى يرضى الله).
مقتضب الأثر/٣١، بسنده عن جماعة أنهم كانوا عند علي (عليه السلام) فكان إذا أقبل
ابنه الحسن (عليه السلام) يقول: مرحباً يا ابن رسول الله، وإذا أقبل الحسين يقول:
بأبي أنت وأمي يا أبا ابن خيرة الإماء، فقيل له: يا أمير المؤمنين ما بالك تقول هذا
للحسن وتقول هذا للحسين؟ ومن ابن خيرة الإماء؟ فقال: ذاك الفقيد الطريد الشريد محمد
بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين هذا،
ووضع يده على رأس الحسين (عليه السلام)). ومثله كنز الفوائد/١٧٥، وعنهما إثبات
الهداة: ٣/٤٦٣ و٥٧١ والبحار: ٥١/١١٠ و١٢٠.
وفي النعماني/٢٢٨، عن عبد الرحيم القصير قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام): قول أمير
المؤمنين (عليه السلام): بأبي ابن خيرة الإماء أهي فاطمة (عليها السلام)؟ فقال: إن
فاطمة (عليها السلام) خيرة الحرائر. ذاك المبدح بطنه المشرب حمرة، رحم الله
فلاناً). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٣٨، والبحار: ٥١/٤٢.
وفي الإرشاد: ٢/٣٨٢: (عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) قال: سأل
عمر بن الخطاب أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: أخبرني عن المهدي ما اسمه؟ فقال:
أما اسمه فإن حبيبي (عليه السلام) عهد إلي ألا أحدث به حتى يبعثه الله، قال:
فأخبرني عن صفته؟ قال: هو شاب مربوع حسن الوجه حسن الشعر، يسيل شعره على منكبيه
ويعلو نور وجهه
سواد شعر لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة الإماء). وروضة الواعظين/٢٦٦، وكمال الدين:
٢/٦٤٨ والغيبة للطوسي/٤٧٠، والأنوار المضيئة/٥٦، وعقد الدور/٤١، وفرائد فوائد
الفكر/٤، وإعلام الورى/٤٣٤، وروضة الواعظين: ٢/٢٦٦، والخرائج: ٣/١١٥٢، وكشف الغمة:
٣/٢٤٥، وإثبات الهداة: ٣/٤٩٠ و٧٣٠، عن كمال الدين وغيبة الطوسي، والبحار: ٥١/٣٣..
الخ.
تعبير: التاسع من صلب الحسين وابن خيرة الإماء
صح عندنا أن النبي (صلى الله عليه وآله) حدد المهدي بأنه التاسع من صلب الحسين
(عليهما السلام). وصح عندنا وعندهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه
السلام) قالا في وصف المهدي (عليه السلام): (بأبي ابن خيرة الإماء) وهذا لا ينطبق
إلا على المهدي بن الحسن العسكري (عليهما السلام) فهو التاسع من صلب الحسين، وأمه
نرجس (رضي الله عنها) أمةٌ رومية.
أما المخالفون لمذهب أهل البيت (عليه السلام) فوقعوا في مشكلة عندما ادعوا أن
المهدي (عليه السلام) سيولد فلا يمكن أن ينطبق عليه أنه ابن أمة حيث انتهى عصر
الإماء! ولا وصف أنه التاسع من صلب الحسين (عليه السلام)، لأنه يفصله عنه اليوم
أكثر من أربعين جداً فمعدل الجد الواحد ثلاثون سنة، والحسين (عليه السلام) استشهد
في سنة ستين هجرية؟!
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: ٧/٥٨، في شرح قوله (عليه السلام): (فانظروا أهل
بيت نبيكم، فإن لبدوا فالبدوا وإن استنصروكم فانصروهم، فليفرجن الله الفتنة برجل
منا أهل البيت، بأبي ابن خيرة الإماء لا يعطيهم إلا السيف هرجاً هرجاً موضوعاً على
عاتقه ثمانية أشهر، حتى تقول قريش: لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا! يغريه الله
ببني أمية حتى يجعلهم حطاماً ورفاتاً، (مَلْعُونِينَ
أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً. سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ
خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً). فإن قيل:
ومن هذا الرجل الموعود به الذي قال عنه: بأبي ابن خيرة الإماء؟ قيل: أما الإمامية
فيزعمون أنه إمامهم الثاني عشر وأنه ابن أمة اسمها نرجس، وأما أصحابنا فيزعمون أنه
فاطمي يولد في مستقبل الزمان لأم ولد، وليس بموجود الآن). انتهى.
أقول: أين الإماء كما تخيل ابن أبي الحديد، لتكون والدة الإمام
المهدي (عليه السلام) منهن؟!
الإمام المهدي ابن خيرة الإماء وكذا جده الإمام الجواد (عليهما السلام)
ورد تعبير (ابن خيرة الإماء) عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حق الإمام المهدي
(عليه السلام) وفي حق جده الإمام الجواد (عليه السلام) وأمه أمةٌ نوبية سوداء (رضي
الله عنها) ولذا كان اسمر شديد السمرة، فاستغلت ذلك السلطة زمن هارون للنيل من
الإمام الرضا (عليه السلام) قبل أن يجبره المأمون أن يكون ولي عهده، وأشاعت أن ولده
الوحيد محمد الجواد ليس ابنه لأنه ليس أبيض مثله! وجاؤوا بالقافة فحكم القافة بأنه
ابنه فنصره الله على الكذابين! (قال عمه علي بن جعفر في قصة حكم القافة وتكذيبهم
ادعاء المفترين: فقمت فمصصت ريق أبي جعفر (عليه السلام) ثم قلت له: أشهد أنك إمامي
عند الله! فبكى الرضا (عليه السلام) ثم قال: يا عم! ألم تسمع أبي وهو يقول: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): بأبي ابن خيرة الإماء، ابن النوبية الطيبة الفم،
المنتجبة الرحم، ويْلَهم، لعن الله الأعَيْبِس وذريته صاحب الفتنة، ويقتلهم (ابنه
ابن خيرة الإماء) سنين وشهوراً وأياماً يسومهم خسفاً ويسقيهم كأساً مصبرة، وهو
الطريد الشريد الموتور بأبيه وجده صاحب الغيبة، يقال: مات أو هلك أي واد سلك؟!
أفيكون هذا يا عم إلا مني؟! فقلت: صدقت جعلت فداك). الكافي: ١/٣٢٢، والإرشاد/٣١٧،
وإعلام الورى/٣٣٠ والبحار: ٥٠/٢١.
فالمهدي (عليه السلام) ابن خيرة الإماء وجده الجواد ابن خيرة الإماء، والمهدي (عليه
السلام) هو الطريد الشريد صاحب الغيبة، وهو المعني بكلام النبي (صلى الله عليه
وآله) بأنه المنتقم من خط الضلال الذي أسسه بنو أمية ومشى عليه بنو الأعيبس أي
العباس.
ويظهر أن قول النبي (صلى الله عليه وآله) في المهدي (عليه السلام): (بأبي ابن خيرة
الإماء) كان معروفاً حتى ادعى بعضهم انطباقه على زيد الشهيد (رحمه الله)، ففي
النعماني/٢٢٩، عن أبي الصباح قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي: ما
وراءك؟ فقلت: سرور من عمك زيد، خرج
يزعم أنه ابن سبية وهو قائم هذه الأمة وأنه ابن خيرة الإماء، فقال: كذب ليس هو كما
قال، إن خرج قتل). والبحار: ٥١/٤٢.
أقول: التكذيب هنا لادعاء من ادعى أن زيداً هو المهدي (عليه السلام)، وقد وردت
أحاديث صحيحة عن الإمام الصادق وغيره من الأئمة (عليه السلام) في مدح زيد الشهيد
وعلو مقامه وأنه دعا إلى مقاومة الظلم وإمامة الرضا من آل محمد (صلى الله عليه
وآله).
بـ - تحديدات المهدي (عليه السلام) بالاسماء والعدد والصفات والشخص
النعماني/١٧٩، عن أبي الهيثم الميثمي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)
أنه قال: إذا توالت ثلاثة أسماء محمد وعلي والحسن، كان رابعهم قائمهم). ومثله إثبات
الوصية/٢٢٧، وكمال الدين: ١/٣٣٣ و٣٣٤، وفيه: إذا اجتمعت ثلاثة أسماء متوالية..
فالرابع القائم. وكفاية الأثر/٢٨٠، والغيبة للمفيد/٤٠٠، وغيبة الطوسي/١٣٩، وفيه:
فالرابع القائم، وإعلام الورى/٤٠٣، وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٧٠، والبحار: ٥١/٣٨ و١٤٣،
عن النعماني والطوسي.
غيبة الطوسي/٣٦، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): على رأس السابع
منا الفرج). وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٩٩، وقال: المراد السابع منه (عليه السلام) لا
من علي (عليه السلام).
غيبة الطوسي/٢٨، في خبر آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام): يظهر صاحبنا، وهو من
صلب هذا، وأومأ بيده إلى موسى بن جعفر (عليه السلام)، فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً
وظلماً، وتصفو له الدنيا). وعنه إثبات الهداة: ٣/٢٤١، والبحار: ٤٩/٢٦.
كمال الدين: ٢/٣٣٤، عن المفضل بن عمر قال: دخلت على سيدي جعفر بن محمد (عليهما
السلام) فقلت: يا سيدي لو عهدت إلينا في الخلف من بعدك؟ فقال لي: يا مفضل: الإمام
من بعدي ابني موسى، والخلف المأمول المنتظر محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن
موسى). وعنه إعلام الورى/٤٠٤، وإثبات الهداة: ٣/٧٠، والبحار: ٤٨/١٥.
كمال الدين/٣٨٣، عن الصقر بن أبي دلف قال: سمعت علي بن محمد بن علي الرضا (عليه
السلام) يقول: إن الإمام بعدي الحسن ابني، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض
قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً). ومثله كفاية الأثر/٢٨٨، وإعلام الورى/٤١٠
وعنه الصراط المستقيم: ٢/٢٣١، وإثبات الهداة: ٣/٣٩٤، والبحار: ٥٠/٢٣٩.
الكافي: ١/٣٤١، عن أبي حمزة قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له: أنت
صاحب هذا الأمر؟ فقال: لا، فقلت: فولدك؟ فقال: لا، فقلت فولد ولدك هو؟ قال: لا،
فقلت: فولد ولد ولدك؟ فقال: لا، قلت: من هو؟ قال: الذي يملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً
وجوراً، على فترة من الأئمة، كما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث على فترة
من الرسل). ونحوه النعماني/١٨٦، وعقد الدرر/١٥٨، وقد حسب أن أبا عبد الله الصادق هو
الإمام الحسين (عليهما السلام) وكرر هذا الاشتباه مرات. وإثبات الهداة: ٣/٤٤٥،
والبحار: ٥١/٣٩.
جـ - تجري في ولادته وغيبته سنن عدد من الأنبياء (عليهم السلام)
كمال الدين: ١/١٥٢ و٣٤٠، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
سمعته يقول: في القائم سنة من موسى بن عمران. فقلت: وما سنته من موسى بن عمران؟
قال: خفاء مولده وغيبته عن قومه، فقلت: وكم غاب موسى عن أهله وقومه؟ فقال: ثماني
وعشرين سنة). وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٥٩، والبحار: ٥١/٢١٦.
كمال الدين: ٢/٣٥٠، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن في صاحب
هذا الأمر سنناً من الأنبياء: سنة من موسى بن عمران، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف،
وسنة من محمد صلوات الله عليهم، فأما سنة من موسى بن عمران فخائف يترقب، وأما سنة
من عيسى فيقال فيه ما قيل في عيسى، وأما سنة من يوسف فالستر، يجعل الله بينه وبين
الخلق حجابا يرونه ولا يعرفونه، وأما سنة من محمد (صلى الله عليه وآله) فيهتدي
بهداه ويسير بسيرته).
وفي كمال الدين: ٢/٢٨، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: في القائم سنة من موسى،
وسنة من يوسف، وسنة من عيسى، وسنة من محمد (صلى الله عليه وآله)، فأما سنة موسى
فخائف يترقب، وأما سنة يوسف فإن إخوته كانوا يبايعونه ويخاطبونه ولا يعرفونه، وأما
سنة عيسى فالسياحة، وأما سنة محمد (صلى الله عليه وآله) فالسيف). ودلائل
الإمامة/٢٥١: يكون في أمتي يعني القائم سنة من أربعة أنبياء، سنة من موسى خائف
يترقب، وسنة من يوسف يعرفهم وهم له
منكرون وسنة من عيسى وما قتلوه وما صلبوه، وسنة من محمد يقوم بالسيف. ومثله
الخرائج: ٢/٩٣٦، وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٥٨، و٤٧٤، والبحار: ٥١/٢٢٣.
كمال الدين: ١/٣٢١، عن سعيد بن جبير قال: سمعت سيد العابدين علي بن الحسين يقول: في
القائم منا سنن من الأنبياء: سنة من أبينا آدم وسنة من نوح وسنة من إبراهيم وسنة من
موسى وسنة من عيسى وسنة من أيوب وسنة من محمد صلوات الله عليهم. فأما من آدم ونوح
فطول العمر، وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس، وأما من موسى فالخوف
والغيبة، وأما من عيسى فاختلاف الناس فيه، وأما من أيوب فالفرج بعد البلوى، وأما من
محمد (صلى الله عليه وآله) فالخروج بالسيف). ورواه بأسانيد أخرى، وعنه إعلام
الورى/٤٠٢، وكشف الغمة: ٣/٣١٢، وإثبات الهداة: ٣/٤٦٦، والبحار: ٥١/٢١٧
النعماني/١٦٤، عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول: في صاحب
هذا الأمر سنن من أربعة أنبياء: سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من
محمد صلوات الله عليهم أجمعين، فقلت: ما سنة موسى؟ قال: خائف يترقب. قلت: وما سنة
عيسى؟ فقال: يقال فيه ما قيل في عيسى، قلت: فما سنة يوسف؟ قال: السجن والغيبة. قلت:
وما سنة محمد (صلى الله عليه وآله)؟ قال: إذا قام سار بسيرة رسول الله (صلى الله
عليه وآله) إلا أنه يبين آثار محمد، ويضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجاً هرجاً
حتى يرضى الله، قلت: فكيف يعلم رضا الله؟ قال: يلقي الله في قلبه الرحمة). ومثله
الإمامة والتبصرة/٩٣، وإثبات الوصية/٢٢٦، وفيه: سنة من موسى في غيبته، وسنة من عيسى
في خوفه ومراقبته اليهود، وقولهم مات ولم يمت وقتل ولم يقتل، وسنة من يوسف في جماله
وسخائه، وسنة من محمد (صلى الله عليه وآله) في السيف يظهر به. ومثله كمال الدين:
١/١٥٢ و٣٢٦، و٣٢٧ و٣٢٩، ودلائل الإمامة/٢٩١، وفيه: وأما شبهه من يوسف فإن إخوته
يبايعونه ويخاطبونه وهم لا يعرفونه، وأما شبهه من موسى فخائف، وأما شبهه من عيسى
فالسياحة، وأما شبهه من محمد فالسيف. وتقريب المعارف/١٩٠، كما في الإمامة والتبصرة
وفيه: وأما يوسف (عليه السلام) فالغيبة عن أهله بحيث لا يعرفهم ولا يعرفونه. وكنز
الفوائد/١٧٥ كتقريب المعارف. وغيبة الطوسي/١٤٠، كالإمامة والتبصرة، وإعلام
الورى/٤٠٣، عن كمال الدين وإثبات الهداة: ٣/٤٦٠، و٤٦٨ و٤٩٩، و٥١٣، والبحار: ١٤/٣٣٩،
و: ٥١/٢١٦.
كمال الدين: ١/٣٢٧، بسنده عن محمد بن مسلم قال: دخلت علي أبي جعفر محمد بن علي
الباقر (عليه السلام) وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد صلى الله عليه
وعليهم فقال لي مبتدئاً: يا محمد بن مسلم إن في القائم من آل محمد (صلى الله عليه
وآله)، شبهاً من خمسة من الرسل: يونس بن متى ويوسف بن يعقوب وموسى وعيسى ومحمد
صلوات الله عليهم. فأما شبهه من يونس بن متى: فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر
السن. وأما شبهه من يوسف بن يعقوب (عليهما السلام) فالغيبة عن خاصته وعامته،
واختفاؤه من إخوته وإشكال أمره على أبيه يعقوب (عليه السلام) مع قرب المسافة بينه
وبين أبيه وأهله وشيعته. وأما شبهه من موسى (عليه السلام) فداوم خوفه وطول غيبته
وخفاء ولادته، وتعب شيعته من بعده مما لقوا من الأذى والهوان، إلى أن أذن الله
(عزَّ وجلَّ) في ظهوره ونصره وأيده على عدوه. وأما شبهه من عيسى (عليه السلام)
فاختلاف من اختلف فيه، حتى قالت طائفة منهم ما ولد، وقالت طائفة مات وقالت طائفة
قتل وصلب.
وأما شبهه من جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) فخروجه بالسيف وقتله أعداء الله
وأعداء رسوله والجبارين والطواغيت، وأنه ينصر بالسيف والرعب وأنه لا ترد له راية.
وإن من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني (من اليمن) وصيحة من
السماء في شهر رمضان، ومنادياً ينادي من السماء باسمه واسم أبيه). ومثله
المضيئة/١٧٦، وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٦، والبحار: ١٤/٣٣٩، وإعلام الورى/٤٠٣، بتفاوت
يسير وكشف الغمة: ٣/٣١٣، عن إعلام الورى، وفيه: وخفاء مولده على عدوه.. وحيرة شيعته
من بعده.. وأما شبهه من جده محمد (صلى الله عليه وآله) فتجريده السيف).
كمال الدين: ٢/٣٤٥، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن سنن
الأنبياء (عليهم السلام) بما وقع بهم من الغيبات حادثة في القائم منا أهل البيت حذو
النعل بالنعل والقذة بالقذة. قال أبو بصير فقلت: يا ابن رسول الله، ومن القائم منكم
أهل البيت؟ فقال: يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى، ذلك ابن سيدة الإماء،
يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون ثم يظهره الله (عزَّ وجلَّ) فيفتح الله على يده
مشارق الأرض
ومغاربها، وينزل روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنور
ربها، ولا تبقى في الأرض بقعة عبد فيها غير الله (عزَّ وجلَّ) إلا عبد الله فيها،
ويكون الدين كله لله ولو كره المشركون). وعنه الإيقاظ/٣٢٦، والبحار: ٥١/١٤٦.
كمال الدين/٤٨٠، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن
للقائم منا غيبة يطول أمدها، فقلت له: يا ابن رسول الله ولم ذلك؟ قال: لأن الله
(عزَّ وجلَّ) أبى إلا أن تجري فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) في غيباتهم، وإنه
لابد له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله تعالى: (لَتَرْكَبُنَّ
طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ)، أي سنن من كان قبلكم). ومثله علل الشرائع/٢٤٥، وعنه
إثبات الهداة: ٣/٤٨٦، والبحار.
الكافي: ١/٣٣٦، عن سدير الصيرفي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن في
صاحب هذا الأمر شبهاً من يوسف (عليه السلام)، قال: قلت له: كأنك تذكره حياته أو
غيبته؟ قال فقال لي: وما ينكر من ذلك، هذه الأمة أشباه الخنازير إن إخوة يوسف (عليه
السلام) كانوا أسباطاً أولاد الأنبياء تاجروا يوسف وبايعوه وخاطبوه وهم إخوته وهو
أخوهم، فلم يعرفوه حتى (قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي)!
فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يفعل الله (عزَّ وجلَّ) بحجته في وقت من الأوقات
كما يفعل بيوسف! إن يوسف (عليه السلام) كان إليه ملك مصر وكان بينه وبين والده
مسيرة ثمانية عشر يوماً فلو أراد أن يعلمه لقدر على ذلك لقد سار يعقوب (عليه
السلام) وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر، فما تنكر هذه الأمة أن يفعل
الله (عزَّ وجلَّ) بحجته كما فعل بيوسف، أن يمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم حتى يأذن
الله في ذلك له كما أذن ليوسف، (قَالُوا أَإِنَّكَ لأَنْتَ
يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ)). ومثله وعنه النعماني/١٦٣، ١٦٤، ومثله كمال
الدين: ١/١٤٤، و٣٤١، وعلل الشرائع: ١/٢٤٤، كالكافي بتفاوت يسير، ودلائل
الإمامة/٢٩٠، بتفاوت، وإعلام الورى/٤٠٥، عن كمال الدين، الخرائج: ٢/٩٣٤، وفيه: وفي
القائم (عليه السلام) منا سنة من موسى بن عمران وهو خفاء مولده وغيبته عن قومه،
وفيه سنة من يوسف، قيل: كأنك تذكر خبره وغيبته. قال: وما ينكر هؤلاء أشباه الخنازير
من ذلك. إن إخوته وهم أسباط لم يعرفوه حتى قال لهم: أنا يوسف، فما تنكرون أن يسير
القائم في أسواقهم ويطأ بسطهم، وهم لا يعرفونه حتى يأذن الله أن يعرفهم نفسه.
وإثبات الهداة: ٣/٤٤٢ و٤٧٢،
عن الكافي وكمال الدين والعلل. والبحار: ١٢/٢٨٣، و: ٥١/١٤٢، و٥٢/١٤٥، عن كمال
الدين، وعلل الشرائع والنعماني.
كمال الدين: ١/١٣٦، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن صالحاً
(عليه السلام) غاب عن قومه زماناً وكان يوم غاب عنهم كهلاً مبدح البطن حسن الجسم
وافر اللحية خميص البطن خفيف العارضين، مجتمعاً ربعة من الرجال، فلما رجع إلى قومه
لم يعرفوه بصورته، فرجع إليهم وهم على ثلاث طبقات: طبقة جاحدة لا ترجع أبداً، وأخرى
شاكة فيه، وأخرى على يقين، فبدأ حيث رجع بالطبقة الشاكة فقال لهم: أنا صالح، فكذبوه
وشتموه وزجروه وقالوا: برئ الله منك إن صالحاً كان في غير صورتك، قال: فأتي
الجُحَّاد فلم يسمعوا منه القول ونفروا منه أشد النفور، ثم انطلق إلى الطبقة
الثالثة وهم أهل اليقين فقال لهم: أنا صالح، فقالوا: أخبرنا خبراً لا نشك فيك معه
أنك صالح، فإنا لا نمتري أن الله تبارك وتعالى الخالق ينقل ويحول في أي صورة شاء،
وقد أخبرنا وتدارسنا فيما بيننا بعلامات القائم إذا جاء وإنما يصح عندنا إذا أتى
الخبر من السماء، فقال لهم صالح: أنا صالح الذي أتيتكم بالناقة، فقالوا: صدقت وهي
التي نتدارس فما علامتها؟ فقال: لها شرب ولكم شرب يوم معلوم، قالوا آمنا بالله وبما
جئتنا به، فعند ذلك قال الله تبارك وتعالى: (قَالَ الْمَلأُ
الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ
مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ)؟ فقال أهل
اليقين: (إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ).
قال الذين استكبروا وهم الشكاك والجحاد: (إِنَّا بِالَّذِي
آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ). قلت: هل كان فيهم ذلك اليوم عالم به؟ قال: الله
أعدل من أن يترك الأرض بلا عالم يدل على الله (عزَّ وجلَّ)، ولقد مكث القوم بعد
خروج صالح سبعة أيام على فترة لا يعرفون إماماً، غير أنهم على ما في أيديهم من دين
الله (عزَّ وجلَّ)، كلمتهم واحدة، فلما ظهر صالح (عليه السلام) اجتمعوا عليه. وإنما
مثل القائم (عليه السلام) مثل صالح). ومثله قصص الأنبياء/٩٨، بتفاوت يسير، وعنه
البرهان: ٢/٢٤، والبحار: ١١/٣٨٦، عن قصص الأنبياء، و: ٥١/٢١٥، عن كمال الدين.
غيبة الطوسي/١٠٣، عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: في القائم شبه من
يوسف قلت وما هو؟ قال: الحيرة والغيبة). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٠١، والبحار:
٥١/٢٢٤.
النعماني/١٦٣، ونحوه٢٢٨، عن يزيد الكناسي قال: سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام)
يقول: إن صاحب هذا الأمر فيه شبه من يوسف ابن أمة (سوداء) يصلح الله له أمره في
ليلة). وكمال الدين: ١/٣٢٩، وفيه ضريس الكناسي، وإثبات الهداة: ٣/٤٦٩ و٥٣٨، وليس
وفيه (سوداء) وفي سنده: أبي عمر الليثي بدل أبو عمرو الكشي). والبحار: ٥١/٤١.
أقول: كلمة سوداء في نسخة النعماني لا تصح، لأن أم يوسف ليست سوداء وأم الإمام
المهدي (عليه السلام) ليست سوداء، فقد اتفقت الروايات على أنها رومية! فشبهه بيوسف
(عليهما السلام) من جهة كونه ابن أمة وبأن الله يصلح أمره في ليلة، أي كما أرى
فرعون المنام فكان ذلك سبب نجاة يوسف وحكمه، فكذلك يحدث تطورات في العالم في ليلة
تمهد لبداية أمر المهدي (عليه السلام) وظهوره.
وفي الكشي/٤٧٦، عن الحسن بن قياما الصيرفي قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام)
فقلت جعلت فداك: ما فعل أبوك؟ قال: مضى كما مضى آباؤه (عليهم السلام)، قلت: فكيف
أصنع بحديث حدثني به زرعة بن محمد الحضرمي، عن سماعة بن مهران أن أبا عبد الله
(عليه السلام) قال: إن ابني هذا فيه شبه من خمسة أنبياء: يُحْسَد كما حسد يوسف
ويغيب كما غاب يونس، وذكر ثلاثة أخر، قال: كذب زرعة ليس هكذا حديث سماعة إنما قال:
صاحب هذا الأمر يعني القائم فيه شبه من خمسة أنبياء ولم يقل ابني).
كمال الدين: ١/٣٢٢، عن سعيد بن جبير قال: قال علي بن الحسين سيد العابدين: القائم
منا تخفى ولادته على الناس حتى يقولوا لم يولد بعده، ليخرج حين يخرج وليس لأحد في
عنقه بيعة). وعنه إعلام الورى/٤٠٢، وإثبات الهداة: ٣/٤٦٦، والبحار: ٥١/١٣٥
كمال الدين: ٢/٤٧٩، عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: صاحب هذا الأمر
تعمى ولادته على هذا الخلق لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج).
وفي/٤٨٠: صاحب هذا الأمر تغيب ولادته عن هذا الخلق كيلا يكون لأحد في
عنقه بيعة إذا خرج، ويصلح الله (عزَّ وجلَّ) أمره في ليلة واحدة). وعنه إثبات
الهداة: ٣/٤٨٦، والبحار: ٥٢/٩٥ و٩٥. وفي الكافي: ١/٣٤٢، عن هشام بن سالم، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: يقوم القائم وليس لأحد في عنقه عهد ولا عقد ولا بيعة.
ونحوه النعماني/١٧١، و١٩١، وكمال الدين: ٢/٤٧٩، وإثبات الهداة: ٣/٤٤٦، والبحار:
٥١/٣٩، و: ٥٢/٩٥، عن النعماني وكمال الدين.
د - صاحب هذا الأمر من خفي مولده وقال الناس لم يولد!
إثبات الوصية/٢٢٢، وعن سعد بن عبد الله بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
القائم من تخفى ولادته على الناس). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٧٩.
وفي النعماني/١٨٢، عن أبي الجارود قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لا
تزالون حتى يبعث الله لهذا الأمر من لا يدرون خلق أم لم يخلق).
وفي/١٨٣، بسندين عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: لا تزالون تمدون أعناقكم
إلى الرجل منا تقولون هو هذا فيذهب الله به، حتى يبعث.. من لا تدرون ولد أم لم يولد
خلق أم لم يخلق). وعنه وإثبات الهداة: ٣/٥٣٥، والبحار: ٥١/١٣٩.
وفي الكافي: ١/٣٤٢، عن عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له:
إن شيعتك بالعراق كثيرة والله ما في أهل بيتك مثلك فكيف لا تخرج؟ قال: فقال: يا عبد
الله بن عطاء قد أخذت تفرش أذنيك للنوكى، إي والله ما أنا بصاحبكم، قال قلت له: فمن
صاحبنا؟ قال: أنظروا من عَمِيَ على الناس ولادته فذاك صاحبكم، إنه ليس منا أحد يشار
إليه بالإصبع ويمضغ بالألسن إلا مات غيظاً أو رغم أنفه). ومثله النعماني/١٦٧، وفيه:
عن عبد الله بن عطاء المكي قال: خرجت حاجاً من واسط فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي
(عليهما السلام) فسألني عن الناس والأسعار فقلت: تركت الناس مادِّينَ أعناقهم إليك
لو خرجت لاتبعك الخلق، فقال: يا ابن عطا قد أخذت تفرش أذنيك للنوكى لا والله ما أنا
بصاحبكم ولا يشار إلى رجل منا بالأصابع ويمط إليه بالحواجب إلا مات قتيلاً أو حتف
أنفه، قلت: وما حتف أنفه؟ قال: يموت بغيظه على فراشه حتى يبعث من لا يؤبه لولادته.
قلت: ومن لا يؤبه لولادته؟ فقال: أنظر من لا يدري الناس أنه ولد أم لا فذاك
صاحبكم). وكمال الدين: ١/٣٢٥، ورسائل المفيد/٤٠٠، وعنه إعلام الورى/٤٠٢، وإثبات
الهداة: ٣/٤٤٦، والبحار: ٥١/٣٤.
وفي كمال الدين: ٢/٣٦٠، عن العباس بن عامر القصباني قال: سمعت أبا الحسن
موسى بن جعفر (عليهما السلام) يقول: صاحب هذا الأمر من يقول الناس لم يولد بعد).
وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٧٦، والبحار: ٥١/١٥١. وفي: ٢/٣٨١، عن الإمام علي الهادي
(عليه السلام) قال: صاحب هذا الأمر من يقول الناس لم يولد بعد). وعنه إعلام
الورى/٤١١، وإثبات الهداة: ٣/٤٧٩، والبحار: ٥١/١٥٩، ومثله الخرايج: ٣/١١٧٣، وعنه
منتخب الأنوار /٤٠.
كمال الدين: ٢/٤٣٢، بسند صحيح: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه (رضي الله عنه) قال:
حدثنا محمد بن يحيى العطار قال: حدثنا الحسين بن علي النيسابوري قال: حدثنا الحسن
بن المنذر، عن حمزة بن أبي الفتح قال: جاءني يوماً فقال لي: البشارة، ولد البارحة
في الدار مولود لأبي محمد (عليه السلام)، وأمر بكتمانه، قلت: وما اسمه؟ قال: سمي
بمحمد وكني بجعفر). وعنه البحار: ٥١/١٥.
العباسيون على سنة نمرود وفرعون!
ذكرت مصادر الأديان والتاريخ أن المنجمين أخبروا نمروداً بأن ولداً يولد في تلك
السنة في عاصمته يخشى على ملكه منه، فمنع نمرود الإنجاب وكان يقتل كل مولود ذكر!
وكذلك أخبروا فرعون فكان يقتل كل مولود ذكر من بني إسرائيل.
في تفسير القمي: ١/٢٠٧: (ووكل نمرود بكل امرأة حامل فكان يذبح كل ولد ذكر، فهربت أم
إبراهيم بإبراهيم من الذبح، وكان يشب إبراهيم في الغار يوماً كما يشب غيره في
الشهر، حتى أتى له في الغار ثلاثة عشر سنة، فلما كان بعد ذلك زارته أمه فلما أرادت
أن تفارقه تشبث بها فقال يا أمي أخرجيني، فقالت له يا بني إن المَلِك إنْ علم أنك
ولدت في هذا الزمان قتلك..).
وفي كمال الدين/٢١: (وكان إبراهيم (عليه السلام) في سلطان نمرود مستتراً لأمره وكان
غير مظهر نفسه، ونمرود يقتل أولاد رعيته وأهل مملكته في طلبه إلى أن دلهم إبراهيم
(عليه السلام) على نفسه، وأظهر لهم أمره بعد أن بلغت الغيبة أمدها ووجب إظهار ما
أظهره للذي أراده الله في إثبات حجته وإكمال دينه). وروى في/١٣٨، عن الإمام الصادق
(عليه السلام) قصة حمل إبراهيم ونشأته في الغار مخفياً مغيباً.
وفي مستدرك الحاكم: ٢/٥٧٤: (عن وهب بن منبه قال: ولما حملت أم موسى بموسى كتمت
أمرها جميع الناس فلم يطلع على حملها أحد من خلق الله وذلك شيء أسرها الله به لما
أراد أن يمن به على بني إسرائيل فلما كانت السنة التي يولد فيها موسى بن عمران بعث
فرعون القوابل وتقدم إليهن وفتش النساء تفتيشاً لم يفتشهن قبل ذلك، وحملت أم موسى
بموسى فلم ينتأ بطنها ولم يتغير لونها ولم يفسد لبنها ولكن القوابل لا تعرض لها
فلما كانت الليلة التي ولد فيها موسى ولدته أمه ولا رقيب عليها ولا قابل ولم يطلع
عليها أحد إلا أختها مريم وأوحى الله إليها (أَنْ
أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا
تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِين)،
قال: فكتمته أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها لا يبكي ولا يتحرك، فلما خافت عليه
وعليها عملت له تابوتاً مطبقاً ومهدت له فيه ثم ألقته في البحر ليلاً كما أمرها
الله! وعملت التابوت على عمل سفن البحر خمسة أشبار في خمسة أشبار ولم يقبر فأقبل
التابوت يطفو على الماء فألقى البحر التابوت بالساحل في جوف الليل، فلما أصبح فرعون
جلس في مجلسه على شاطئ النيل فبصر بالتابوت فقال لمن حوله من خدمه: إئتوني بهذا
التابوت فأتوه به، فلما وضع بين يديه فتحوه فوجد فيه موسى، قال فلما نظر إليه فرعون
قال: كيف أخطأ هذا الغلام الذبح وقد أمرت القوابل أن لا يكتمن مولوداً يولد! قال
وكان فرعون قد استنكح امرأة من بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم وكانت من خيار
النساء المعدودات ومن بنات الأنبياء (عليهم السلام) وكانت أماً للمسلمين ترحمهم
وتتصدق عليهم وتعطيهم ويدخلون عليها، فقالت لفرعون وهي قاعدة إلى جنبه هذا الوليد
أكبر من ابن سنة وإنما أمرت أن تذبح الولدان لهذه السنة فدعه يكون قرة عين لي ولك،
(لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ
وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ). أن هلاكهم على يديه وكان فرعون لا يولد له
إلا البنات..). انتهى.
السلطة القرشية من قديم تبحث عن الإمام المهدي (عليه السلام)
في إثبات الهداة: ٣/٥٧٠، عن الفضل بن شاذان بسند صحيح عن الإمام العسكري (عليه
السلام) قال: (وضع بنو أمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلتين: إحداهما أنهم كانوا
يعلمون أنه ليس لهم في الخلافة حق فيخافون من ادعائنا إياها وتستقر في مركزها.
وثانيهما أنهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة والظلمة على
يد القائم منا، وكانوا لا يشكون أنهم من الجبابرة والظلمة فسعوا في قتل أهل بيت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول إلى منع تولد
القائم أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم، إلا أن يتم نوره ولو كره
الكافرون). وكشف الحق/٥٢.
كان السؤال عن المهدي (عليه السلام) ملحاً عند الجميع، فقد تقدم أن عمر سأل علياً
(عليه السلام) عن اسم المهدي فاعتذر لأن النبي (صلى الله عليه وآله) أسرَّه اليه
فسأله عن صفته. وتقدم في فصل تحريفاتهم للبشارة النبوية من ملاحم ابن طاوس وتاريخ
أهل البيت للطبري المؤرخ، قول معاوية لابن عباس: (وقد زعمتم أن لكم مُلكاً هاشمياً
ومهدياً قائماً والمهدي عيسى بن مريم، وهذا الأمر في أيدينا حتى نسلمه إليه)!
ويظهر أن معاوية بسبب ذلك ادعى أنه هو المهدي، كما وثقناه من مسند أحمد. لكن رغم
ادعائه فقد كان الأمويون بعده يبحثون عن المهدي (عليه السلام)! ففي النعماني/٢٨٨،
عن أبي خالد الكابلي قال: (لما مضى علي بن الحسين (عليهما السلام) دخلت على محمد بن
علي الباقر (عليهما السلام) فقلت له: جعلت فداك قد عرفت انقطاعي إلى أبيك وأنسي به
ووحشتي من الناس، قال: صدقت يا أبا خالد فتريد ماذا؟ قلت: جعلت فداك، قد وصف لي
أبوك صاحب هذا الأمر بصفة لو رأيته في بعض الطريق لأخذت بيده، قال: فتريد ماذا يا
أبا خالد؟ قلت أريد أن تسميه لي حتى أعرفه باسمه، فقال: سألتني والله يا أبا خالد
عن سؤال مجهد، ولقد سألتني عن أمر ما كنت محدثاً به أحداً ولو كنت محدثاً به أحداً
لحدثتك، ولقد سألتني عن أمر لو أن بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطعوه بضعة بضعة).
ومثله غيبة الطوسي/٢٠٢، وعنه إثبات الهداة٣/٥٠٩، وعنهما البحار: ٥١/٣١، و: ٥٢/٩٨.
وفي كمال الدين/٤٧، أن شامياً ناقش هشام بن الحكم زمن الإمام الصادق (عليه السلام)
عن صحة غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) التي أخبر عنها الإمام الصادق (عليه
السلام) فقال له هشام: (كفعل فرعون في قتل أولاد بني إسرائيل، للذي قد كان ذاع منهم
وانتشر بينهم من كون موسى (عليه السلام) بينهم وهلاك فرعون ومملكته على يديه، وكذلك
كان فعل نمرود قبله في قتل أولاد رعيته وأهل مملكته في طلب إبراهيم (عليه السلام)
زمان انتشار الخبر بوقت ولادته وكون هلاك نمرود وأهل مملكته ودينه على يديه، كذلك
طاغية زمان الحسن بن علي والد صاحب الزمان (عليهما السلام) وطلب ولده والتوكيل
بداره وحبس جواريه والإنتظار بهن وضع الحمل الذي كان بهن).
كان الملوك العباسيون يعرفون إمامة العترة (عليهم السلام)
كان العباسيون يعرفون جيداً أن الأئمة من عترة النبي (صلى الله عليه وآله) اختارهم
الله تعالى وأوصى النبي (صلى الله عليه وآله) بطاعتهم، ولكن الملك عقيم! وقد شهد
بذلك هارون الرشيد لابنه المأمون في الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) فسأله
المأمون: لماذا لا يسلم إليه الأمر؟! فأجابه بأن الملك عقيم! روى الصدوق في عيون
أخبار الرضا (عليه السلام): ٢/٨٥، عن المأمون أن أرشيد لما زار المدينة زاره الإمام
الكاظم (عليه السلام): (فقام الرشيد لقيامه وقبل عينيه ووجهه ثم أقبل عليَّ وعلى
الأمين والمؤتمن فقال: يا عبد الله ويا محمد ويا إبراهيم إمشوا بين يدي عمكم
وسيدكم، خذوا بركابه وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله، فأقبل عليَّ أبو الحسن
موسى بن جعفر سراً بيني وبينه فبشرني بالخلافة فقال لي: إذا ملكت هذا الأمر فأحسن
إلى وُلدي، ثم انصرفنا وكنت أجرأ وُلد أبي عليه فلما خلا المجلس قلت: يا أمير
المؤمنين من هذا الرجل الذي قد أعظمته وأجللته وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته
وأقعدته في صدر المجلس وجلست دونه ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟! قال: هذا إمام الناس
وحجة الله على خلقه وخليفته على عباده. فقلت: يا أمير المؤمنين أوَليست هذه الصفات
كلها لك وفيك؟ فقال: أنا امام
الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنه لاحق بمقام رسول الله مني ومن الخلق جميعاً! ووالله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك فإن الملك عقيم. فلما أراد الرحيل من المدينة إلى مكة أمر بصرة سوداء فيها مائتا دينار ثم أقبل على الفضل بن الربيع فقال له: إذهب بهذه إلى موسى بن جعفر وقل له: يقول لك أمير المؤمنين: نحن في ضيقه وسيأتيك برنا بعد الوقت فقمت في صدره فقلت: يا أمير المؤمنين تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وساير قريش وبني هاشم ومن لا تعرف حسبه ونسبه خمسه آلاف دينار إلى ما دونها وتعطى موسى بن جعفر وقد أعظمته وأجللته مئتي دينار أخس عطيه أعطيتها أحدا من الناس؟! فقال: أسكت لا أم لك فإني لو أعطيت هذا ما ضمنته له ما كنت أمنته أن يضرب وجهي غداً بمائه ألف سيف من شيعته ومواليه! وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم! فلما نظر إلى ذلك مخارق المغنى دخله في ذلك غيظ فقام إلى الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين قد دخلت المدينة وأكثر أهلها يطلبون مني شيئاً وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئاً لم يتبين لهم تفضل أمير المؤمنين عليَّ ومنزلتي عنده! فأمر له بعشره آلاف دينار فقال: يا أمير المؤمنين هذا لأهل المدينة وعليَّ دين أحتاج أن أقضيه فأمر له بعشره آلاف دينار أخرى، فقال له: يا أمير المؤمنين بناتي أريد أزوجهن وأنا محتاج إلى جهازهن، فأمر له بعشره آلاف دينار أخرى فقال له: يا أمير المؤمنين لا بد من غلة تعطينيها ترد على وعلى عيالي وبناتي وأزواجهن القوت، فأمر له بإقطاع ما تبلغ غلته في السنة عشره آلاف دينار وأمر أن يعجل ذلك عليه من ساعته! ثم قام مخارق من فوره وقصد موسى بن جعفر وقال له: قد وقفت على ما عاملك به هذا الملعون وما أمر لك به! وقد احتلت عليه لك وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار وإقطاعاً يغل في السنة عشره آلاف دينار، ولا والله يا سيدي ما أحتاج إلى شيء من ذلك، ما أخذته إلا لك! وأنا أشهد لك بهذه الإقطاع وقد حملت المال إليك! فقال: بارك الله لك في مالك وأحسن جزاك
ما كنت لآخذ منه درهماً واحداً ولا من هذه الإقطاع شيئاً، وقد قبلت صلتك وبرك
فانصرف راشداً ولا تراجعني في ذلك، فقبل يده وانصرف)!
وقبل زمن هارون والإمام الكاظم (عليه السلام) كان العباسيون يعرفون أن علياً
والعترة (عليهم السلام) أئمة ربانيون، فقد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) العباس
وأولاده بأنهم سيحكمون ويَطْغَوْن وعندما ولد جدهم علي بن عبد الله بن العباس في
الكوفة أتى به عبد الله إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ليباركه ويسميه، فسماه
علياً وقال له: خذ إليك أبا الأملاك! وكانت أسماء ملوكهم في صحيفة عند محمد بن
الحنفية، ويقال إنها وصلت إلى بني العباس من أبي هاشم بن محمد بن الحنفية. ثم كان
أبناؤهم يعرفون جيداً إمامة الإمام زين العابدين ومحمد الباقر والصادق (عليهم
السلام)، ويحرصون على معرفة مستقبلهم منهم ولو بكلمة يتفوه بها أحدهم، ولهم في ذلك
أخبار لا يتسع لها المجال.
زادت السلطة رقابتها وتحداها الإمام العسكري (عليه السلام)
عندما اقترب تسلسل أئمة العترة (عليهم السلام) من الثاني عشر، تفاقم خوف السلطة
العباسية ولهذا أجبروا الإمام علي الهادي وولده الإمام الحسن (عليهما السلام) على
الإقامة في العاصمة سامراء، التي كانت تسمى العسكر، فعرفا بلقب العسكريين. ثم بدا
للخليفة العباسي أن يقتل الإمام الهادي (عليه السلام) فقتله وشدد الرقابة على ولده
الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام)، ثم قرر أن يقتله لستريح منه ويمنع ولادة
الإمام الثاني عشر الموعود الذي يهدد ملكهم! وليس بعيداً أن تكون السلطة هددت
الإمام العسكري (عليه السلام) بالقتل إن هو تزوج وكانوا يتصورون أنه سيتزوج امرأة
قرشية ليكون أولاده منها كما يفعل شخصيات قريش، لأن ابن الجارية ليس له تلك
المكانة. لكن الإمام (عليه السلام) أعتق جاريته نرجس الرومية وتزوجها، وشاء الله أن
يكون ولده المهدي (عليه السلام) منها. ففي كمال الدين: ٢/٤٠٨، عن علان الرازي قال:
أخبرني بعض أصحابنا أنه لما حملت جارية أبي محمد (عليه السلام) قال: ستحملين ذكراً
واسمه محمد وهو القائم من بعدي). وكفاية الأثر/٢٨٩، والبحار: ٥١/٢.
وفي كمال الدين: ٢/٤٠٧، بسند صحيح عن موسى بن جعفر بن وهب البغدادي أنه خرج من أبي
محمد (عليه السلام) توقيع: زعموا أنهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل! وقد كذب الله
(عزَّ وجلَّ) قولهم، والحمد لله). وكفاية الأثر/٢٨٩، وإثبات الهداة: ٣/٤٨١،
والبحار: ٥١/١٦٠.
وفي غيبة الطوسي/١٣٤ و١٣٨، بسند صحيح قال أبو محمد حين ولد الحجة (عليهما السلام):
زعمت الظلمة أنهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل! كيف رأوا قدرة القادر! وسماه
المؤمل). وعنه مهج الدعوات/٢٧٦، وتاريخ الأئمة/٢٢، والبحار: ٥١/٣٠.
الكافي: ١/٣٢٩، و٥١٤، بسند صحيح: عن أحمد بن محمد بن عبد الله قال: خرج عن أبي محمد
(عليه السلام) حين قتل الزبيري لعنه الله: هذا جزاء من اجترأ على الله في أوليائه
يزعم أنه يقتلني وليس لي عقب فكيف رأى قدرة الله فيه؟ وولد له ولد سماه م ح م د في
سنة ست وخمسين ومائتين). ومثله كمال الدين: ٢/٤٣٠، وسنده صحيح: حدثنا جعفر بن محمد
بن مسرور (رضي الله عنه) قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن معلى بن محمد
البصري قال: خرج عن أبي محمد (عليه السلام) حين قتل الزبيري.. والإرشاد/٣٤٩،
كالكافي الأولى، وتقريب المعارف/١٨٤، وغيبة الطوسي/١٣٨، وإعلام الورى/٤١٤، وكشف
الغمة: ٣/٢٣٩، وإثبات الهداة: ٣/٤٤١، والبحار: ٥١/٤
أقول: لعل الزبيري كان وزيراً للمهتدي أو المعتمد، وقد فسره بعضهم بأنه كناية عن
الخليفة العباسي نفسه. وقد عاصر الإمام العسكري بعد وفاة أبيه (عليهما السلام):
المعتز، الذي حكم ثلاث سنوات وتسعة أشهر، ثم أجبره القادة الأتراك على خلع نفسه،
وهو الذي قتل الإمام الهادي (عليه السلام)، ونصبوا بعده المهتدي فحكم أحد عشر شهراً
حتى قتله الأتراك، وهو الذي حبس الإمام العسكري (عليه السلام) وأراد قطع نسله!
وبعده نصب الأتراك المسيطرون المعتمد بن المتوكل وحكم ثلاثاً وعشرين سنة، وفي السنة
الخامسة قام بجريمة قتل الإمام العسكري (عليه السلام).
وفي غيبة الطوسي/٢٠٥: (عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت محبوساً مع أبي محمد (عليه
السلام) في حبس المهتدي بن الواثق فقال لي: يا أبا هاشم إن هذا الطاغي أراد أن يعبث
بالله في هذه الليلة وقد بتر الله عمره وجعله للقائم من بعده، ولم يكن لي ولد
وسأرزق ولداً. قال أبو هاشم: فلما أصبحنا شغب الأتراك على المهتدي فقتلوه وولي
المعتمد مكانه وسلمنا الله تعالى).
وفي دلائل الإمامة للطبري/٤٢٣: وعاش بعد أبيه أيام إمامته بقية ملك المعتز ثم ملك
المهتدي. ثم ملك أحمد بن جعفر المتوكل المعروف بالمعتمد اثنين وعشرين سنة وأحد عشر
شهراً، وبعد خمس سنين من ملكه استشهد ولي الله وقد كمل عمره تسعاً وعشرين سنة. ومات
مسموماً يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين من الهجرة
بسر من رأى ودفن في داره إلى جانب قبر أبيه (عليهما السلام)).
وقال ابن حبيب في المحبر/٤٢: (ووليَ المهتدي... لست خلون من رجب سنة ست وخمسين
ومائتين فكانت ولايته أحد عشر شهراً وفى خلافته خرج الخارجي بالبصرة في شهر رمضان
سنة ست وخمسين ومائتين. وتولى المعتمد وأمه فتيان مولده يوم الأحد لست خلون من رجب
سنة ست وخمسين ومائتين وكنيته أبو العباس، فأقام ثلاثاً وعشرين سنة).
الخرائج: ١/٤٧٨، عن عيسى بن صبيح قال: دخل الحسن العسكري (عليه السلام) علينا الحبس
وكنت به عارفاً فقال لي: لك خمس وستون سنة وشهر ويومان، وكان معي كتاب دعاء عليه
تاريخ مولدي وإني نظرت فيه فكان كما قال، ثم قال: هل رزقت ولداً؟ قلت: لا، فقال:
اللهم ارزقه ولداً يكون له عضداً فنعم العضد الولد، ثم تمثل (عليه السلام):
من كان ذا عضد يدركْ ظلامتَه * * * إن الذليل الذي ليست له عضد
قلت له: ألك ولد؟ قال: إي والله سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فأما الآن فلا، ثم تمثل وقال:
لعلك يوماً أن تراني كأنما * * * بنيَّ حَوَالَيَّ الأسودُ اللوابد
فإن تميماً قبل أن يلد الحصى * * * أقام زماناً وهو في الناس واحد).
وعنه كشف الغمة: ٣/٢٩٣، والفصول المهمة/٢٨٨، وإثبات الهداة: ٣/٤٢٢، والبحار: ٥٠/٢٧٥، و: ٥١/١٦٢.
الإمام العسكري (عليه السلام) يبشر بولادة المهدي (عليه السلام) وينص على إمامته!
كمال الدين: ٢/٤٣١، حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل (رضي الله عنه) قال: حدثنا عبد
الله بن جعفر الحميري قال: حدثنا محمد بن أحمد العلوي، عن أبي غانم الخادم قال: ولد
لأبي محمد (عليه السلام) ولد فسماه محمداً، فعرضه على أصحابه يوم الثالث، وقال: هذا
صاحبكم من بعدي وخليفتي عليكم، وهو القائم الذي تمتد إليه الأعناق بالانتظار، فإذا
امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً). وعنه العدد القوية/٧٢، وإثبات
الهداة: ٣/٤٨٣، وتبصرة الولي/٧٦٤، والبحار: ٥١/٥.
كمال الدين: ٢/٤٠٨، بسند صحيح: حدثنا المظفر بن جعفر العلوي السمرقندي (رضي الله
عنه) قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود العياشي، عن أبيه، عن أحمد بن علي بن كلثوم،
عن علي بن أحمد الرازي، عن أحمد بن إسحاق بن سعد قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي
العسكري (عليهما السلام) يقول: الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف
من بعدي، أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) خلقاً وخلقاً، يحفظه الله
تبارك وتعالى في غيبته، ثم يظهره الله فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً
وظلماً). ومثله كفاية الأثر/٢٩٠، والصراط المستقيم: ٢/٢٣١، وعنه البحار: ٥١/١٦١،
وإثبات الهداة: ٣/٤٨١، وفي/٥٦٩، عن الفضل بن شاذان في كتاب إثبات الرجعة.
كمال الدين: ٢/٤٣٥، بسند صحيح: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه (رضي الله عنه) قال:
حدثنا محمد بن يحيى العطار قال: حدثني جعفر بن محمد بن مالك الفزاري قال: حدثني
معاوية بن حكيم ومحمد بن أيوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) قالوا:
عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) ونحن في منزله وكنا أربعين رجلاً
فقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم
فتهلكوا، أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا! قالوا فخرجنا من عنده فما مضت إلا أيام
قلائل حتى مضى أبو محمد (عليه السلام)).
كمال الدين: ٢/٣٨٤، بسند صحيح عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري قال:
دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) وأنا أريد أن أسأله عن الخلف بعده، فقال لي مبتدئاً: يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم (عليه السلام) ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض. قال: فقلت له: يا ابن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض (عليه السلام) مسرعاً فدخل البيت، ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر من أبناء الثلاث سنين، فقال: يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على الله (عزَّ وجلَّ) وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنه سمي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنيه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. يا أحمد بن إسحاق مَثَلُهُ في هذه الأمة مثل الخضر (عليه السلام) ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبن غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلا من ثبته الله (عزَّ وجلَّ) على القول بإمامته ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه. فقال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي فهل من علامة يطمئن إليها قلبي؟ فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربي فصيح فقال: أنا بقية الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق. فقال أحمد بن إسحاق: فخرجت مسروراً فرحاً، فلما كان من الغد عدت إليه فقلت له: يا ابن رسول الله لقد عظم سروري بما مننت عليَّ فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال: طول الغيبة يا أحمد، قلت: يا ابن رسول الله وإن غيبته لتطول؟ قال: إي وربي حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به ولا يبقى إلا من أخذ الله (عزَّ وجلَّ) عهده لولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه. يا أحمد بن إسحاق: هذا أمر من أمر الله، وسر من سر الله، وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غداً في عليين. قال مصنف هذا الكتاب (رضي الله عنه): لم اسمع بهذا الحديث إلا من علي بن عبد الله الوراق وجدت بخطه مثبتاً فسألته عنه فرواه لي عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن
إسحاق (رضي الله عنه) كما ذكرته). والخرائج: ٣/١١٧٤، بعضه، وإعلام الورى/٤١٢، كما
في كمال الدين. وكشف الغمة: ٣/٣١٦، وإثبات الهداة: ١/١١٣، و: ٣/٤٧٩، عن كمال
الدين.. إلى آخر المصادر.
وروى الطوسي في الغيبة/١٥١، أن أحمد بن إسحاق الأشعري (رحمه الله): في مرة أخرى سأل
أبا محمد (عليه السلام) عن صاحب هذا الأمر فأشار بيده، أي أنه حي غليظ الرقبة).
وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٠٩، والبحار: ٥١/١٦١.
غيبة الطوسي/٢١٧، عن جماعة من الشيعة منهم علي بن بلال، وأحمد بن هلال ومحمد بن
معاوية بن حكيم والحسن بن أيوب بن نوح قالوا جميعاً: اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن
علي (عليهما السلام) نسأله عن الحجة من بعده وفي مجلسه (عليه السلام) أربعون رجلاً
فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري فقال له: يا ابن رسول الله أريد أن أسألك
عن أمر أنت أعلم به مني فقال له: أجلس يا عثمان، فقام مغضباً ليخرج فقال: لا يخرجن
أحد، فلم يخرج منا أحد إلى أن كان بعد ساعة فصاح (عليه السلام) بعثمان فقام على
قدميه فقال: أخبركم بما جئتم؟ قالوا: نعم يابن رسول الله، قال: جئتم تسألوني عن
الحجة من بعدي، قالوا نعم، فإذا غلام كأنه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمد (عليه
السلام)، فقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي
فتهلكوا في أديانكم. ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر، فاقبلوا
من عثمان ما يقوله وانتهوا إلى أمره، واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه).
ومثله إعلام الورى/٤١٤، وعنه كشف الغمة: ٣/٣١٧، والعدد القوية/٧٣، بعضه وإثبات
الهداة: ٣/٤١٥ و٥١١ و٤٨٥، عن غيبة الطوسي وكمال الدين. وفي تبصرة الولي/٧٦٤، كما في
كمال الدين وفي البحار: ٥١/٣٤٦ و: ٥٢/٢٥، عن غيبة الطوسي وكمال الدين.
كمال الدين/٤٣٣، بسند صحيح: حدثنا أبو العباس أحمد بن الحسين بن عبد الله بن مهران
الأبي الأزدي العروضي بمرو: قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق القمي قال: لما ولد
الخلف الصالح (عليه السلام) ورد عن مولانا أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام)
إلى جدي أحمد بن إسحاق كتاب، فإذا فيه مكتوب بخط يده (عليه السلام)، الذي كان ترد
به التوقيعات عليه، وفيه: ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً وعن جميع الناس مكتوماً
فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته والولي لولايته، أحببنا إعلامك ليسرك الله به
مثل ما سرنا به، والسلام). وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٨٤، والبحار: ٥١/١٦.
الكافي: ١/٣٢٨، علي بن محمد، عن جعفر بن محمد الكوفي، عن جعفر بن محمد المكفوف، عن
عمرو الأهوازي قال: أراني أبو محمد ابنه وقال: هذا صاحبكم من بعدي). ومثله في/٣٣٢،
وليس فيه (من بعدي). ومثلهما الإرشاد/٤٩ و٣٥١، ومثل الأولى: تقريب المعارف/١٨٤،
وغيبة الطوسي/١٤٠، وإعلام الورى/٤١٤، وكشف الغمة: ٣/٢٣٩، عن الإرشاد، وإثبات
الهداة: ٣/٤٤١، و٣١٤، و٥٨٦، وتبصرة الولي/٧٦٤، والبحار: ٥٢/٦٠.
الكافي: ١/٣٢٨، علي بن محمد، عن محمد بن علي بن بلال قال: خرج إلي من أبي محمد قبل
مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثم خرج إلي من قبل مضيه بثلاثة أيام يخبرني
بالخلف من بعده). وعنه إعلام الورى/٤١٣، والفصول المهمة/٢٩٢، وإثبات الهداة: ٣/٤٤٠،
والإرشاد/٣٤٩، وكشف الغمة: ٣/٢٣٨، عن الإرشاد.
الكافي: ١/٣٢٨، بسند صحيح: محمد بن يحيى، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري
قال: قلت لأبي محمد (عليه السلام) جلالتك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أن أسألك
فقال: سل، قلت: يا سيدي هل لك ولد؟ فقال: نعم فقلت: فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه؟
قال: بالمدينة). ومثله الإرشاد/٣٤٩، وتقريب المعارف/١٨٤، وغيبة الطوسي/١٣٩، وروضة
الواعظين: ٢/٢٦٢، وإعلام الورى/٤١٣، وكشف الغمة: ٣/٢٣٩، والفصول المهمة/٢٩٢، وإثبات
الهداة: ٣/٤٤١، والبحار: ٥١/١٦١.
كمال الدين: ٢/٤٠٧، و٤٣٦، عن يعقوب بن منقوش قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي
(عليهما السلام) وهو جالس على دكان في الدار وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل فقلت له:
سيدي من صاحب هذا الأمر؟ فقال: إرفع الستر، فرفعته فخرج إلينا غلام خماسي له عشر أو
ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، دري المقلتين شثن الكفين، معطوف
الركبتين، في خده الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمد (عليه السلام)
ثم قال لي: هذا صاحبكم، ثم وثب فقال له: يا بني أدخل إلى
الوقت المعلوم فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثم قال لي: يا يعقوب أنظر من في البيت
فدخلت فما رأيت أحداً). ومثله إعلام الورى/٤١٣، والخرائج: ٢/٩٥٨، وعنه كشف الغمة:
٣/٣١٧، ومثله منتخب الأنوار/١٤٥، وعنهما إثبات الهداة: ٣/٤٨٠، وتبصرة الولي/٧٦٦،
والبحار: ٥٢/٢٥.
الكافي: ١/٣٢٩، بسنده عن ضوء بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس سماه قال: أتيت
سامرا ولزمت باب أبي محمد (عليه السلام) فدعاني، فدخلت عليه وسلمت فقال: ما الذي
أقدمك؟ قلت: رغبة في خدمتك، قال فقال لي: فالزم الباب، قال فكنت في الدار مع الخدم،
ثم صرت أشتري لهم الحوائج من السوق وكنت أدخل عليهم من غير إذن إذا كان في الدار
رجال، قال فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرجال فسمعت حركة في البيت فناداني: مكانك
لا تبرح، فلم أجسر أن أدخل ولا أخرج فخرجت عليَّ جارية معها شيء مغطى، ثم ناداني
أدخل فدخلت ونادى الجارية فرجعت إليه، فقال لها: إكشفي عما معك، فكشفت عن غلام أبيض
حسن الوجه، وكشف عن بطنه فإذا شعر نابت من لبته إلى سرته، أخضر ليس بأسود، فقال:
هذا صاحبكم، ثم أمرها فحملته، فما رأيته بعد ذلك). ومثله في/٥١٤، وفيه: فقال ضوء بن
علي: فقلت للفارسي: كم كنت تقدر له من السنين؟ قال: سنتين. قال العبدي: فقلت لضوء:
كم تقدر له (اليوم) أنت؟ قال: أربع عشرة سنة. قال أبو علي وأبو عبد الله ونحن نقدر
له إحدى وعشرين سنة) وكمال الدين: ٢/٤٣٥، وتقريب المعارف/١٨٤، وغيبة الطوسي/١٤٠،
والخرائج: ٢/٩٥٧، وفيه: وقال لي: يا أبا فلان كيف حالك؟ فدعاني بكنيتي ثم قال لي:
يا فلان فسماني باسمي، ثم سألني عن رجل رجل من رجال ونساء من أهلي، فتعجبت من ذلك
ثم قال لي..). وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٤١، و٤٨٨، عن الكافي، وتبصرة الولي/٢٠،
والبحار: ٥٢/٢٦.
غيبة الطوسي/٢١٥، عن محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنيين قالا: دخلنا على
أبي محمد الحسن (عليه السلام) بسر من رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته حتى
دخل عليه بدر خادمه فقال: يا مولاي بالباب قوم شعث غبر، فقال لهم: هؤلاء نفر من
شيعتنا باليمن، في حديث طويل يسوقانه إلى أن قال الحسن (عليه السلام) لبدر: فامض
فائتنا بعثمان بن سعيد العمري، فما لبثنا إلا يسيراً حتى دخل عثمان فقال له سيدنا
أبو
محمد (عليه السلام): إمض يا عثمان فإنك الوكيل والثقة المأمون على مال الله، واقبض
من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال. ثم ساق الحديث إلى أن قالا: ثم قلنا
بأجمعنا: يا سيدنا والله إن عثمان لمن خيار شيعتك، ولقد زدتنا علماً بموضعه من
خدمتك، وأنه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى، قال: نعم واشهدوا علي أن عثمان بن
سعيد العمري وكيلي وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥١١،
والبحار: ٥١/٣٤٥.
نور المهدي (عليه السلام) وملائكته عند ولادته
كمال الدين: ٢/٤٣٣، عن محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه يقول: لما ولد الخلف
المهدي (عليه السلام) سطع نور من فوق رأسه إلى أعناق السماء، ثم سقط لوجهه ساجداً
لربه تعالى ذكره ثم رفع رأسه وهو يقول: (شَهِدَ اللهُ
أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً
بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ
اللهِ الإسلام). قال وكان مولده يوم الجمعة). وعنه إثبات الهداة: ٣/٦٦٩،
ومثله حلية الأبرار: ٢/٥٤٣، والبحار: ٥١/١٥.
كمال الدين: ٢/٤٣٤، عن محمد بن الحسن الكرخي قال: سمعت أبا هارون رجلاً من أصحابنا
يقول: رأيت صاحب الزمان (عليه السلام) ووجهه يضيء كأنه القمر ليلة البدر، ورأيت على
سرته شعراً يجري كالخط، وكشفت الثوب عنه فوجدته مختوناً، فسألت أبا محمد (عليه
السلام) عن ذلك فقال: هكذا ولد وهكذا ولدنا ولكنا سنمر الموسى عليه لإصابة السنة).
ونحوه غيبة الطوسي/١٥٠، وإعلام الورى/٣٩٧، والخرائج: ٢/٩٥٧، وإثبات الهداة: ٣/٥٠٨،
عن غيبة الطوسي. وعنهما البحار: ٥٢/٢٥.
وفي كمال الدين: ٢/٤٩٩، قال أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الكندي قال: قال لي أبو
طاهر البلالي: التوقيع الذي خرج إلي من أبي محمد (عليه السلام) فعلقوه في الخلف
بعده وديعة في بيتك، فقلت له: أحب أن تنسخ لي من لفظ التوقيع ما فيه، فأخبر أبا
طاهر بمقالتي فقال له: جئني به حتى يسقط الإسناد بيني وبينه فخرج إلي من أبى محمد
(عليه السلام) قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثم خرج إلي بعد مضيه
بثلاثة أيام يخبرني بذلك، فلعن الله من جحد أولياء الله حقوقهم، وحمل الناس على
أكتافهم، والحمد الله كثيراً). وعنه تقريب المعارف/١٨٣، وإثبات الهداة: ٣/٤٨٨
والبحار: ٥١/٣٣٣.
تَعَمَّدَ الإمام العسكري أن يوسع العقيقة عن ابنه (عليهما السلام)
أمر الله نبيه (صلى الله عليه وآله) عندما بشره بكوثر العترة (عليهم السلام) أن
يصلي لربه وينحر، فنحر عقيقة عن الحسن والحسين (عليهما السلام) وقد اقتدى به الأئمة
(عليهم السلام) وقد حرص الإمام العسكري (عليه السلام) على توسيع العقيقة عن ولده
الإمام المهدي (عليه السلام) وأكثرَ منها.
ففي كمال الدين: ٢/٤٣٢، بسند صحيح عن محمد بن موسى بن المتوكل قال: حدثني عبد الله
بن جعفر الحميري قال: حدثني محمد بن إبراهيم الكوفي، أن أبا محمد (عليه السلام) بعث
إلي بعض من سماه لي بشاة مذبوحة وقال: هذه عقيقة ابني محمد). وعنه العدد القوية/٧٣،
وإثبات الهداة: ٣/٤٨٤، والبحار: ٥١/١٥
كمال الدين: ٢/٤٣٠، عن إسحاق بن رياح البصري، عن أبي جعفر العمري قال: لما ولد
السيد (عليه السلام) قال أبو محمد (عليه السلام): إبعثوا إلى أبي عمرو، فبعث إليه
فصار إليه فقال له: اشتر عشرة آلاف رطل خبز وعشرة آلاف رطل لحم وفرقه، أحسبه قال
على بني هاشم وعق عنه بكذا وكذا شاة). ومثله روضة الواعظين: ٢/٢٦٠ وعنه إثبات
الهداة: ٣/٤٨٣، والبحار: ٥١/٥.
وفي الهداية الكبرى/٣٥٨، عن البشار بن إبراهيم بن إدريس صاحب نفقة أبي محمد (عليه
السلام) قال: وجه إليَّ مولاي أبو محمد كبشين وقال: أعقرهما عن أبي الحسن وكل وأطعم
إخوانك، ففعلت ثم لقيته بعد ذلك فقال: المولود الذي ولد لي مات، ثم وجه لي بأربع
أكبشة وكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم. أعقر هذه الأربعة أكبشة عن مولاك وكل
هنأك الله، ففعلت ولقيته بعد ذلك فقال لي: إنما ستر الله يا بُنيَّ الحسن بابنيَّ
الحسين وموسى، لولادة محمد مهدي هذه الأمة والفرج الأعظم). وعنه مستدرك الوسائل:
١٥/١٥٤، ونحوه إثبات الوصية/٢٢١ وغيبة الطوسي/١٤٨، وإثبات الهداة: ٣/٥٠٨،
والبحار: ٥١/٢٢. ومعنى الحديث: أن الله تعالى ستر ولادة المهدي (عليه السلام)
بمولود قبله سماه الحسين، فمات وبلغ خبر موته السلطان فاطمأن أنه لم يبق للإمام
(عليه السلام) ولد حي!
كمال الدين: ٢/٤٧٥، عن أبي الأديان قال: (كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن
موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وأحمل
كتبه إلى الأمصار، فدخلت عليه في علته التي توفي فيها صلوات الله عليه فكتب معي
كتباً وقال: إمض بها إلى المدائن فإنك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى سر من رأى
يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل. قال أبو الأديان: فقلت:
يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال: من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي، فقلت:
زدني فقال: من يصلي عليَّ فهو القائم بعدي، فقلت: زدني، فقال: من أخبر بما في
الهميان فهو القائم بعدي، ثم منعتني هيبته أن أسأله عما في الهميان. وخرجت بالكتب
إلى المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما ذكر لي (عليه
السلام) فإذا أنا بالواعية في داره وإذا به على المغتسل وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه
بباب الدار والشيعة من حوله يعزونه ويهنونه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد
بطلت الإمامة، لأني كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور، فتقدمت
فعزيت وهنيت فلم يسألني عن شيء، ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد كفن أخوك فقم وصل
عليه، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن علي قتيل المعتصم
المعروف بسلمة، فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه
مكفناً فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة،
بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجبذ برداء جعفر بن علي وقال: تأخر يا عم فأنا أحق
بالصلاة على أبي، فتأخر جعفر وقد اربَدَّ وجهه واصْفَرَّ فتقدم الصبي وصلى عليه
ودفن إلى جانب قبر أبيه (عليهما السلام). ثم قال: يا بصري هات جوابات الكتب التي
معك، فدفعتها إليه، فقلت في نفسي: هذه بينتان بقي الهميان،
ثم خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر، فقال له حاجز الوشاء: يا سيدي من الصبي لنقيم
الحجة عليه؟ فقال: والله ما رأيته قط ولا أعرفه فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا
عن الحسن بن علي (عليهما السلام) فعرفوا موته فقالوا: فمن نعزي؟ فأشار الناس إلى
جعفر بن علي فسلموا عليه وعزوه وهنوه وقالوا: إن معنا كتباً ومالا، فتقول ممن
الكتب؟ وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: تريدون منا أن نعلم الغيب، قال: فخرج
الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان وفلان وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير منها
مطلية، فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا: الذي وجه بك لأخذ ذلك هو الإمام، فدخل
جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك، فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية
فطالبوها بالصبي فأنكرته وادعت حَبَلاً بها لتغطي حال الصبي فسلمت إلى ابن أبي
الشوارب القاضي! وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج
بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم، والحمد لله رب العالمين). وعنه
ثاقب المناقب/٢٦٥، وإثبات الهداة: ٣/٤٨٥ و٦٧٢، وتبصرة الولي/٧٧٦، والبحار: ٥٠/٣٣٢،
و: ٥٢/٦٧.
المهدي كعيسى ويحيى (عليهم السلام) آتاه الله الحكم صبياً
الكافي: ١/٣٨٤، عن محمد بن اسماعيل بن بزيع قال: سألته يعني أبا جعفر (عليه السلام)
عن شيء من أمر الإمام فقلت: يكون الإمام ابن أقل من سبع سنين؟ فقال: نعم، وأقل من
خمس سنين! فقال سهل: فحدثني علي بن مهزيار بهذا في سنة إحدى وعشرين ومائتين).
وإثبات الوصية/١٩٣، وفيه: يقضى هذا الأمر إلى أبي الحسن، وهو ابن سبع سنين، ثم قال:
نعم، وأقل من سبع سنين، كما كان عيسى (عليه السلام)، وعنه حلية الأبرار: ٢/٣٩٨،
والبحار: ٢٥/١٠٣، وقال: إشارة إلى القائم (عليه السلام)، لأنه (عليه السلام) على
أكثر الروايات كان ابن أقل من خمس سنين بأشهر.
وفي إثبات الوصية/٢٢٣: (وعنه(عبد الله بن جعفر الحميري) عن علي بن مهزيار قال: قلت
لأبي الحسن (عليه السلام) وقد نص على أبي محمد: يا سيدي أيجوز أن يكون الإمام ابن
سبع
سنين؟ قال: نعم، وابن خمس سنين). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٧٩.
* * *
الفصل الرابع والثلاثون: من الأحاديث الصحيحة السند في ولادته (عليه السلام)
تبلغ
الأحاديث والآثار والشهادات في مولد الإمام المهدي أرواحنا فداه، المئات وليس
العشرات. وقد نص على صحة أسانيد العديد منها علماء ماضون ومعاصرون، ومن المعاصرين
آية الله الميلاني في كتابه الإمام المهدي (عليه السلام) في الفكر الإسلامي، نشرته
دار الرسالة، وآية الله المهري في كتابه رد على أباطيل أحمد الكاتب، نشرته شبكة
رافد الثقافية، والشيخ أحمد الماحوزي في كتابه ولادة القائم المهدي (عليه السلام)
بالروايات الصحيحة الصريحة، تقرير السيد وليد المزيدي.
خلاصة بحث السيد الميلاني
هذه خلاصة من كتاب السيد الميلاني المذكور/١٠٦: (إن ولادة أي إنسان في هذا الوجود
تثبت بإقرار أبيه، وشهادة القابلة، وإن لم يره أحد قط غيرهما، فكيف لو شهد المئات
برؤيته، واعترف المؤرخون بولادته وصرح علماء الأنساب بنسبه، وظهر على يديه ما عرفه
المقربون إليه، وصدرت منه وصايا وتعليمات، ونصائح وإرشادات، ورسائل وتوجيهات،
وأدعية وصلوات، وأقوال مشهورة، وكلمات مأثورة وكان وكلاؤه معروفين، وسفراؤه
معلومين، وأنصاره في كل عصر وجيل بالملايين. ولعمري، هل يريد من استغل تلك
الملابسات، وأنكر ولادة الإمام
المهدي (عليه السلام) أكثر من هذا لإثبات ولادته، أم تراه يقول في بلسان الحال كما
قال المشركون بلسان المقال لجده النبي (صلى الله عليه وآله): (وَقَالُوا
لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً. أَوْ تَكُونَ
لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً.
أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ
وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى
فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً
نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَراً رَسُولاً)).
(الاسراء: ٩٠ - ٩٣) إخبار الإمام العسكري بولادة ابنه المهدي (عليهما السلام):
ويدل عليه الخبر الصحيح عن محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم
الجعفري قال: قلت لأبي محمد (عليه السلام): جلالتك تمنعني من مسألتك فتأذن لي أن
أسألك؟ فقال: سل، قلت: يا سيدي هل لك ولد؟ فقال: نعم، فقلت: فإن حدث بك حدث فأين
أسأل عنه؟ قال: بالمدينة. والخبر الصحيح عن علي بن محمد، عن محمد بن علي بن بلال
قال: خرج إلي من أبي محمد قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثم خرج إلي من
قبل مضيه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده. والمراد بعلي بن محمد هو الثقة الأديب
الفاضل ابن بندار، وأما عن محمد بن علي بن بلال فإنه من الوثاقة والجلالة أشهر من
نار على علم بحيث كان يراجعه من مثل أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه)، كما
هو معلوم عند أهل الرجال.
شهادة القابلة بولادة الإمام المهدي (عليه السلام):
وهي السيدة العلوية الطاهرة حكيمة بنت الإمام الجواد وأخت الإمام الهادي وعمة
الإمام العسكري (عليهم السلام) وهي التي تولت أمر نرجس أم الإمام المهدي (عليه
السلام) في ساعة الولادة وصرحت بمشاهدة الإمام الحجة بعد مولده، وقد ساعدتها بعض
النسوة في عملية الولادة منهن جارية أبي علي الخيزراني التي أهداها إلى الإمام
العسكري (عليه السلام) فيما صرح بذلك الثقة محمد بن يحيى، ومارية ونسيم خادمة
الإمام العسكري (عليه السلام).
ولا
يخفى أن ولادات المسلمين لا يطلع عليها غير النساء القوابل، ومن ينكر هذا فعليه أن
يثبت لنا مشاهدة غيرهن لأمه في مولده! هذا وقد أجرى الإمام العسكري (عليه السلام)
السنة الشريفة بعد ولادة المهدي (عليه السلام) فعقَّ عنه بعقيقة كما يفعل الملتزمون
بالسنة حينما يرزقهم الله من فضله مولوداً.
من شهد برؤية المهدي من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) وغيرهم:
شهد برؤية الإمام المهدي في حياة أبيه العسكري (عليهما السلام) وبإذن منه عدد من
أصحاب العسكري وأبيه الهادي (عليهما السلام) كما شهد آخرون منهم ومن غيرهم برؤية
الإمام المهدي بعد وفاة أبيه العسكري (عليهما السلام) ذلك في غيبته الصغرى التي
ابتدأت من سنة٢٦٠ هـ. إلى سنة ٣٢٩ هـ.، ولكثرة من شهد على نفسه بذلك سوف نقتصر
على ما ذكره المشايخ المتقدمون وهم: الكليني (ت٣٢٩ ه) الذي أدرك الغيبة الصغرى
بتمامها تقريباً، والصدوق (ت٣٨١ ه) وقد أدرك من الغيبة الصغرى أكثر من عشرين
عاماً، والشيخ المفيد(ت٤١٣ ه)، والشيخ الطوسي (ت٤٦٠ ه) ولا بأس بذكر اليسير جداً
من رواياتهم الخاصة في تسمية من رآه (عليه السلام) ثم الاكتفاء ببيان أسماء
المشاهدين للإمام المهدي (عليه السلام) مع تعيين موارد رواياتهم في كتب المشايخ
الأربعة لأجل الاختصار.
٢ - فمن تلك الروايات: ما رواه الكليني في أصول الكافي بسند صحيح: عن محمد بن عبد
الله ومحمد بن يحيى جميعاً، عن عبد الله بن جعفر الحميري، قال: اجتمعت أنا والشيخ
أبو عمرو (رحمه الله) عند أحمد بن إسحاق فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف،
فقلت له: يا أبا عمرو إني أريد أن أسألك عن شيء وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك
عنه، إلى أن قال بعد إطراء العمري وتوثيقه على لسان الأئمة (عليهم السلام)، فخر أبو
عمرو ساجداً وبكى ثم قال: سل حاجتك. فقلت له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد (عليه
السلام)؟ فقال: إي والله ورقبته مثل ذا وأومأ بيده.. (ويأتي بتمامه).
٣ - ومنها: ما رواه في الكافي بسند صحيح: عن علي بن محمد وهو ابن بندار
الثقة، عن مهران القلانسي الثقة قال: قلت للعمري: قد مضى أبو محمد؟ فقال لي: قد مضى
ولكن خلف فيكم من رقبته مثل هذه، وأشار بيده).
٤ - ومنها: ما رواه الصدوق بسند صحيح عن أجلاء المشايخ قال: حدثنا محمد بن الحسن
(رضي الله عنه) قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري قال: قلت لمحمد بن عثمان
العمري (رضي الله عنه): إني أسألك سؤال إبراهيم ربه جل جلاله حين قال: ((رَبِّ
أَرِني كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ
لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) فأخبرني عن صاحب هذا الأمر هل رأيته؟ قال: نعم، وله
رقبه مثل ذي وأشار بيده إلى عنقه).
٥ - ومنها: ما رواه الصدوق في كمال الدين قال: وحدثنا أبو جعفر محمد ابن علي الأسود
(رضي الله عنه) قال: سألني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (رضي الله عنه) بعد موت
محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) أن أسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا
صاحب الزمان (عليه السلام) أن يدعو الله (عزَّ وجلَّ) أن يرزقه ولداً ذكراً قال:
فسألته، فأنهى ذلك ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنه قد دعا لعلي بن الحسين وأنه
سيولد له ولد مبارك ينفع الله به وبعده أولاد - وقال الصدوق بعد ذلك - قال مصنف هذا
الكتاب (رضي الله عنه): كان أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رضي الله عنه)، كثيراً ما
يقول لي إذا رآني أختلف إلى مجلس شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله
عنه)، وأرغب في كتب العلم وحفظه: ليس بعجب أن تكون لك هذه الرغبة في العلم، وأنت
ولدت بدعاء الإمام (عليه السلام).
٦ - ومنها: ما رواه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن أجلاء هذه الطائفة وشيوخها قال:
وأخبرني محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيد الله، عن أبي عبد الله محمد بن
أحمد الصفواني قال: (أوصى الشيخ أبو القاسم (رضي الله عنه) إلى أبي الحسن علي بن
محمد السمري (رضي الله عنه) فقام بما كان إلى أبي القاسم(السفير الثالث) فلما حضرته
الوفاة، حضرت الشيعة عنده وسألته عن الموكل بعده ولمن
يقوم
مقامه فلم يظهر شيئاً من ذلك، وذكر أنه لم يؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذا
الشأن). ولا يخفى أن مقام السمري مقام أبي القاسم الحسين بن روح في الوكالة عن
الإمام تتطلب رؤيته في كل أمر يحتاج إليه فيه، ومن هنا تواتر ما خرج على يد السفراء
الأربعة الذين ذكرناهم في هذه الروايات).
من وصايا وإرشادات وأوامر وكلمات الإمام المهدي (عليه
السلام):
٧ - وهناك روايات أخرى كثيرة صريحة برؤية السفراء الأربعة كل في زمان وكالته
للإمام المهدي وكثير منها بمحضر من الشيعة وها نحن نشير إلى اسماء من رآه (عليه
السلام) وهم: إبراهيم بن إدريس أبو أحمد، وإبراهيم بن عبدة النيسابوري، وإبراهيم بن
محمد التبريزي، وإبراهيم بن مهزيار أبو إسحاق الأهوازي، وأحمد بن إسحاق بن سعد
الأشعري ورآه مرة أخرى مع سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري (من مشايخ والد
الصدوق والكليني) وأحمد بن الحسين بن عبد الملك أبو جعفر الأزدي وقيل الأودي، وأحمد
بن عبد الله الهاشمي من ولد العباس مع تمام تسعة وثلاثين رجلاً وأحمد بن محمد بن
المطهر أبو علي من أصحاب الهادي والعسكري (عليهما السلام) وأحمد بن هلال أبو جعفر
العبرتائي الغالي الملعون، وكان معه جماعة منهم: علي بن بلال، ومحمد بن معاوية بن
حكيم، والحسن بن أيوب بن نوح، وعثمان بن سعيد العمري (رضي الله عنه) إلى تمام
أربعين رجلاً، وإسماعيل بن علي النوبختي أبو سهل، وأبو عبد الله بن صالح، وأبو محمد
الحسن بن وجناء النصيبي، وأبو هارون من مشايخ محمد بن الحسن الكرخي، وجعفر الكذاب
عم الإمام المهدي (عليه السلام) رأى الإمام المهدي (عليه السلام) مرتين، والسيدة
العلوية الطاهرة حكيمة بنت الإمام محمد بن علي الجواد (عليهما السلام)، والزهري
وقيل الزهراني ومعه العمري (رضي الله عنه)، ورشيق صاحب المادراي، وأبو القاسم
الروحي (رضي الله عنه)، وعبد الله السوري، وعمرو الأهوازي، وعلي بن إبراهيم بن
مهزيار الأهوازي، وعلي بن محمد الشمشاطي رسول جعفر بن إبراهيم
اليماني، وغانم أبو سعيد الهندي، وكامل بن إبراهيم المدني، وأبو عمرو عثمان بن سعيد
العمري (رضي الله عنه)، ومحمد بن أحمد الأنصاري أبو نعيم الزيدي، وكان معه في
مشاهدة الإمام المهدي (عليه السلام): أبو علي المحمودي، وعلان الكليني، وأبو الهيثم
الديناري، وأبو جعفر الأحول الهمداني، وكانوا زهاء ثلاثين رجلاً فيهم السيد محمد بن
القاسم العلوي العقيقي، والسيد الموسوي محمد بن إسماعيل بن الإمام موسى بن جعفر
(عليهما السلام) وكان أسن شيخ في عصره من ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
ومحمد بن جعفر أبو العباس الحميري على رأس وفد من شيعة مدينة قم، ومحمد بن الحسن بن
عبيد الله التميمي الزيدي المعروف بأبي سورة، ومحمد بن صالح بن علي بن محمد بن قنبر
الكبير مولى الإمام الرضا (عليه السلام)، ومحمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه)
وكان قد رآه مع أربعين رجلاً بإذن الإمام العسكري (عليه السلام)، وكان من جملتهم:
معاوية بن حكيم، ومحمد بن أيوب بن نوح، ويعقوب بن منقوش، ويعقوب بن يوسف الضراب
الغساني، ويوسف بن أحمد الجعفري.
شهادة وكلاء المهدي ومن وقف على معجزاته (عليه السلام)
برؤيته:
لقد ذكر الصدوق من وقف على معجزات الإمام المهدي (عليه السلام) ورآه، من
الوكلاء وغيرهم، مع تسمية بلدانهم، وقد أشرنا إلى بعضهم، وقد بلغوا من الكثرة حداً
يمتنع معه اتفاقهم على الكذب، لا سيما وهم من بلدان شتى، وإليك بعضهم: فمن بغداد:
العمري، وابنه، وحاجز، والبلالي، والعطار. ومن الكوفة: العاصمي. ومن أهل الأهواز:
محمد بن إبراهيم بن مهزيار. ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق. ومن أهل همدان: محمد بن
صالح. ومن أهل الري: البسامي، والأسدي (محمد بن أبي عبد الله الكوفي) ومن أهل
آذربيجان: القاسم بن العلاء. ومن أهل نيسابور: محمد بن شاذان. ومن غير الوكلاء. من
أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حليس، وأبو عبد الله الكندي، وأبو عبد الله الجنيدي،
وهارون القزاز، والنيلي، وأبو القاسم بن دبيس، وأبو عبد الله بن فروخ، ومسرور
الطباخ مولى أبي الحسن (عليه السلام)، وأحمد ومحمد ابنا
الحسن، وإسحاق الكاتب من بني نوبخت وغيرهم. ومن همدان: محمد بن كشمرد وجعفر بن
حمدان، ومحمد بن هارون بن عمران. ومن الدينور: حسن بن هارون، وأحمد بن أخية، وأبو
الحسن. ومن أصفهان: ابن باشاذالة. ومن الصيمرة: زيدان. ومن قم: الحسن بن النضر،
ومحمد بن محمد، وعلي بن محمد بن إسحاق، وأبوه والحسن بن يعقوب. ومن أهل الري:
القاسم بن موسى، وابنه، وأبو محمد بن هارون، وعلي بن محمد، ومحمد بن محمد الكليني،
وأبو جعفر الرفاء. ومن قزوين: مرداس، وعلي بن أحمد. ومن نيسابور: محمد بن شعيب بن
صالح. ومن اليمن: الفضل بن يزيد، والحسن بن الفضل بن يزيد، والجعفري، وابن الأعجمي،
وعلي بن محمد الشمشاطي. ومن مصر: أبو رجاء وغيره. ومن نصيبين: أبو محمد الحسن بن
الوجناء النصيبي. كما ذكر أيضاً من رآه (عليه السلام) من أهل شهرزور، والصيمرة،
وفارس وقابس، ومرو.
شهادة الخدم والجواري والإماء برؤية المهدي (عليه السلام):
كما شاهد الإمام المهدي من كان يخدم أباه العسكري (عليهما السلام) في داره
مع بعض الجواري والإماء، كطريف الخادم أبي نصر، وخادمة إبراهيم بن عبدة النيسابوري
التي شاهدت مع سيدها الإمام المهدي (عليه السلام)، وأبي الأديان الخادم، وأبي غانم
الخادم الذي قال: ولد لأبي محمد (عليه السلام) ولد فسماه محمداً، فعرضه على أصحابه
يوم الثالث وقال: هذا صاحبكم من بعدي وخليفتي عليكم وهو القائم الذي تمتد إليه
الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً. وشهد
بذلك أيضاً: عقيد الخادم، والعجوز الخادمة، وجارية أبي علي الخيزراني التي أهداها
إلى الإمام العسكري (عليه السلام)، ومن الجواري اللواتي شهدن برؤية الإمام المهدي
(عليه السلام): نسيم ومارية، كما شهد بذلك مسرور الطباخ مولى أبي الحسن (عليه
السلام)، وكل هؤلاء قد شهدوا بنحو ما شهد به أبو غانم الخادم في بيت العسكري (عليه
السلام).
تصرف السلطة دليل على ولادة الإمام المهدي (عليه السلام):
ولد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في شهر ربيع الآخر سنة٢٣٢ ه، وقد عاصر ثلاثة من سلاطين بني العباس وهم: المعتز (ت ٢٥٥ ه)، والمهتدي (ت٢٥٦ ه)، والمعتمد (ت٢٧٩هـ) وقد كان المعتمد شديد التعصب والحقد على آل البيت (عليهم السلام) ومن تصفح كتب التاريخ المشهورة كالطبري وغيره، واستقرأ ما في حوادث سنة٢٥٧ - ٢٦٠، وهي السنوات الأولى من حكمه علم مدى حقده على أئمة أهل البيت (عليهم السلام). ولقد عاقبه الله في حياته إذ لم يكن في يده شيء من ملكه حتى إنه احتاج إلى ثلاثمائة دينار فلم ينلها، ومات ميتة سوء إذ ضجر منه الأتراك فرموه في رصاص مذاب باتفاق المؤرخين. ومن مواقفه الخسيسة أمره شرطته بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) مباشرة بتفتيش داره تفتيشاً دقيقاً والبحث عن الإمام المهدي (عليه السلام) والأمر بحبس جواري أبي محمد (عليه السلام) واعتقال حلائله يساعدهم بذلك جعفر الكذاب طمعاً في أن ينال منزلة أخيه العسكري (عليه السلام) في نفوس شيعته حتى جرى بسبب ذلك كما يقول الشيخ المفيد على مخلفي أبي محمد (عليه السلام) كل عظيمة من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذل. كل هذا والإمام المهدي (عليه السلام) في الخامسة من عمره الشريف ولا يهم المعتمد العباسي العمر بعد أن عرف أن هذا الصبي هو الإمام الذي سَيَهُدُّ عرش الطاغوت نظراً لما تواتر من الخبر بأن الثاني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) سيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً. فكان موقفه من مهدي الأمة كموقف فرعون من نبي الله موسى (عليه السلام) الذي ألقته أمه خوفاً عليه في اليم صبياً. وبعض الشر أهون من بعض. ولم يكن المعتمد العباسي قد عرف هذه الحقيقة وحده وإنما عرفها من كان قبله كالمعتز والمهدي ولهذا كان الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) حريصاً على أن لا ينتشر خبر ولادة المهدي إلا بين الخلص من شيعته ومواليه (عليه السلام) مع أخذ التدابير اللازمة والاحتياطات الكافية لصيانة قادة التشيع من الاختلاف بعد وفاته (عليه السلام) إذ أوقفهم بنفسه على المهدي الموعود مرات عديدة وأمرهم بكتمان أمره لمعرفة الطواغيت بأنه الثاني عشر الذي ينطبق عليه حديث جابر بن
سمرة
الذي رواه القوم وأدركوا تواتره، وإلا فأي خطر يهدد كيان المعتمد في مولود يافع لم
يتجاوز من العمر خمس سنين لو لم يدرك أنه هو المهدي المنتظر، الذي رسمت الأحاديث
المتواترة دوره العظيم بكل وضوح، وبينت موقفه من الجبابرة عند ظهوره. ولو لم يكن
الأمر على ما وصفناه فلماذا لم تقتنع السلطة بشهادة جعفر الكذاب وزعمه بأن أخاه
العسكري (عليه السلام) مات ولم يخلف ولداً؟ أما كان بوسع السلطة أن تعطي جعفراً
الكذاب ميراث أخيه (عليه السلام) من غير ذلك التصرف الأحمق الذي يدل على ذعرها
وخوفها من ابن الحسن (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)....
اعترافات علماء الأنساب بولادة الإمام المهدي (عليه السلام):
لا شك أن الرجوع إلى أصحاب كل فن ضرورة والأولى بصدد ما نحن فيه هم علماء
الأنساب وإليك بعضهم:
١ - النسابة الشهير أبو نصر سهل بن عبد الله بن داود بن سليمان البخاري من أعلام
القرن الرابع الهجري، كان حياً سنة ٣٤١ ه) وهو من أشهر علماء الأنساب المعاصرين
لغيبة الإمام المهدي (عليه السلام) الصغرى التي انتهت سنة ٣٢٩ ه. قال في سر
السلسلة العلوية: وولد علي بن محمد التقي (عليه السلام): الحسن ابن علي العسكري
(عليه السلام) من أم ولد نوبية تدعى: ريحانة، وولد سنة إحدى وثلاثين ومائتين وقبض
سنة ستين ومائتين بسامراء، وهو ابن تسع وعشرين سنة.. وولد علي بن محمد التقي (عليه
السلام) جعفراً وهو الذي تسميه الإمامية جعفر الكذاب، وإنما تسميه الإمامية بذلك
لادعائه ميراث أخيه الحسن (عليه السلام) دون ابنه القائم الحجة (عليه السلام)، لا
طعناً في نسبه).
٢ - السيد العمري النسابة المشهور من أعلام القرن الخامس الهجري قال ما نصه: ومات
أبو محمد (عليه السلام) وولده من نرجس (عليها السلام) معلوم عند خاصة أصحابه وثقات
أهله، وسنذكر حال ولادته والأخبار التي سمعناها بذلك، وامتحن المؤمنون بل كافة
الناس بغيبته، وشره جعفر بن علي إلى مال أخيه وحاله فدفع أن يكون له ولد، وأعانه
بعض الفراعنة على قبض جواري أخيه).
٣ -
الفخر الرازي الشافعي (ت/٦٠٦ ه)، قال في كتابه الشجرة المباركة في أنساب الطالبية
تحت عنوان: أولاد الإمام العسكري (عليه السلام) ما هذا نصه: أما الحسن العسكري
الإمام (عليه السلام) فله ابنان وبنتان: إما الابنان، فأحدهما: صاحب الزمان (عجل
الله فرجه الشريف)، والثاني موسى درج في حياة أبيه. وأما البنتان: ففاطمة درجت في
حياة أبيها، وأم موسى درجت أيضاً).
٤ - المروزي الأزورقاني (ت بعد سنة ٦١٤ ه) فقد وصف في كتاب الفخري جعفر ابن الإمام
الهادي في محاولته إنكار ولد أخيه بالكذاب (٢)، وفيه أعظم دليل على اعتقاده بولادة
الإمام المهدي.
٥ - السيد النسابة جمال الدين أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عنبه (ت ٨٢٨ ه)
قال في عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: أما علي الهادي فيلقب العسكري لمقامه بسر
من رأى، وكانت تسمى العسكر، وأمه أم ولد، وكان في غاية الفضل ونهاية النبل، أشخصه
المتوكل إلى سر من رأى فأقام بها إلى أن توفي، وأعقب من رجلين هما: الإمام أبو محمد
الحسن العسكري (عليه السلام)، وكان من الزهد والعلم على أمر عظيم، وهو والد الإمام
محمد المهدي صلوات الله عليه ثاني عشر الأئمة عند الإمامية وهو القائم المنتظر
عندهم من أم ولد اسمها نرجس. واسم أخيه أبو عبد الله جعفر الملقب بالكذاب، لادعائه
الإمامة بعد أخيه الحسن). وقال في الفصول الفخرية (مطبوع باللغة الفارسية) ما
ترجمته: أبو محمد الحسن الذي يقال له العسكري، والعسكر هو سامراء، جلبه المتوكل
وأباه إلى سامراء من المدينة، واعتقلهما. وهو الحادي عشر من الأئمة الاثني عشر، وهو
والد محمد المهدي (عليه السلام) ثاني عشرهم).
٦ - النسابة الزيدي السيد أبو الحسن محمد الحسيني اليماني الصنعاني من أعيان القرن
الحادي عشر. ذكر في المشجرة التي رسمها لبيان نسب أولاد أبي جعفر محمد بن علي
الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وتحت اسم
الإمام علي التقي المعروف بالهادي (عليه السلام) خمسة من البنين وهم: الإمام
العسكري، الحسين، موسى، محمد، علي. وتحت اسم الإمام العسكري (عليه السلام) مباشرة
كتب: (محمد بن) وبإزائه: (منتظر الإمامية).
٧ - محمد أمين السويدي (ت ١٢٤٦ ه) قال في سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب: محمد
المهدي: وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، وكان مربوع القامة، حسن الوجه والشعر،
أقنى الأنف، صبيح الجبهة).
٨ - النسابة المعاصر محمد ويس الحيدري السوري قال في الدرر البهية في الأنساب
الحيدرية والأويسية في بيان أولاد الإمام الهادي (عليه السلام): أعقب خمسة أولاد:
محمد وجعفر والحسين والإمام الحسن العسكري وعائشة. فالحسن العسكري أعقب محمد المهدي
صاحب السرداب. ثم قال بعد ذلك مباشرة وتحت عنوان: (الإمامان محمد المهدي والحسن
العسكري): الإمام الحسن العسكري: ولد بالمدينة سنة٢٣١هوتوفي بسامراء سنة٢٦٠ ه.
الإمام محمد المهدي: لم يذكر له ذرية ولا أولاد له أبداً) ثم علق في هامش العبارة
الأخيرة بما هذا نصه: ولد في النصف من شعبان سنة٢٥٥، وأمه نرجس، وصف فقالوا عنه:
ناصع اللون، واضح الجبين، أبلج الحاجب، مسنون الخد، أقنى الأنف، أشم، أروع، كأنه
غصن بان، وكأن غرته كوكب دري في خده الأيمن خال كأنه فتات مسك على بياض الفضة، وله
وفرة سمحاء تطالع شحمة أذنه، ما رأت العيون أقصد منه ولا أكثر حسناً وسكينة وحياء).
اعتراف علماء أهل السنة بولادة الإمام المهدي (عليه السلام):
هناك اعترافات ضافية سجلها الكثير من أهل السنة بأقلامهم بولادة الإمام
المهدي (عليه السلام) وقد قام البعض باستقراء هذه الاعترافات في بحوث خاصة، فكانت
متصلة الأزمان بحيث لا تتعذر معاصرة صاحب الاعتراف اللاحق لصاحب الاعتراف السابق
بولادة المهدي (عليه السلام) وذلك ابتداء من عصر الغيبة الصغرى للإمام المهدي (عليه
السلام) ٢٦٠ه٣٢٩ه وإلى الوقت الحاضر). انتهى.
ثم أورد كلام ابن الأثير في تاريخ سنة٢٦٠ وابن خلكان في وفيات الأعيان والذهبي في سيره وفي كتابه العبر، في تاريخ سنة ٢٥٦.
* * *
وقال المحقق الحلي (رحمه الله) في كتابه المسلك في أصول الدين/٣١١:
(ويدل على وجوده من حيث النقل اتفاق طائفة كثيرة من الشيعة على مشاهدته، وطائفة على
مكاتبته ومراسلته، اتفاقاً يحصل من مجموعه اليقين بجوده. فمن المشاهدين له من
النساء حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) ونسيم ومارية وجارية
الخيزراني. ومن الرجال: أبو هارون فإنه قال: رأيت صاحب الزمان صلوات الله عليه وكان
مولده يوم الجمعة سنة ست وخمسين ومائتين. وأبو غانم الخادم قال: ولد لأبي محمد
(عليه السلام) ولد فسماه محمداً وعرضه على أصحابه الثالث. وعن محمد بن معاوية أبو
حكيم ومحمد بن أيوب ومحمد بن عثمان العمري قالوا: عرض علينا أبو محمد (عليه السلام)
ابنه صلوات الله عليه ونحن أربعون رجلاً فقال: هذا إمامكم بعدي. ومن وكلائه
ومكاتبيه العمري وابنه ومحمد بن مهزيار وأحمد ابن إسحاق والقاسم بن العلاء والبسامي
ومحمد بن شاذان وغيرهم مما لا يحصى كثرة، ممن يحصل بهم التواتر عند الوقوف على
أخبارهم والإطلاع على ما نقل عنهم ويزول به الريب.
وربما استبعد كثير من المخالفين بقاءه (عليه السلام) هذا العمر المتطاول، غفولاً
منهم عن قدرة الله تعالى، وقلة تأمل في ما نقل من أخبار المعمرين مثل نوح (عليه
السلام) فإنه عاش بنص القرآن ما يزيد على ألف سنة إلا خمسين عاماً، وفي الأخبار ألف
سنة وخمسمائة سنة، ومثل سليمان فإنه عاش سبعمائة سنة واثنتي عشرة سنة. وفي زمن
نبينا (صلى الله عليه وآله) سلمان الفارسي (رضي الله عنه) فإنه عاش أربعمائة سنة
وخمسين عاماً. فلو لم نقف على ذلك لعلمنا أن ذلك داخل في قدرة الله تعالى وغير
متعذر عليه سبحانه إذا اقتضت المصلحة). انتهى.
* * *
أقول: مضافاً إلى التواتر الذي احتج به المحقق الحلي (رحمه الله)، والصحاح التي
أوردها السيد الميلاني، وغيرها مما أوردناه، نضيف إلى ذلك عشرة أحاديث صحيحة صريحة،
حتى لا تبقى ذريعة لأعداء أهل البيت (عليهم السلام):
١ - كشف الحق/٣٣، قال: قال أبو محمد بن شاذان (رحمه الله): حدثنا محمد بن حمزة بن
الحسن بن عبد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، قال: سمعت أبا
محمد (عليه السلام) يقول: ولد ولي الله وحجته على عباده وخليفتي من بعدي، مختوناً،
ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين عند طلوع الفجر، وكان أول من غسله
رضوان خازن الجنان مع جمع من الملائكة المقربين بماء الكوثر والسلسبيل ثم غسلته
عمتي حكيمة بنت محمد بن علي الرضا (عليهما السلام). قال محمد بن حمزة: أمه مليكة
التي يقال لها بعض الأيام سوسن وفي بعضها ريحانة وكان صقيل ونرجس أيضاً من
أسمائها). وكفاية المهتدي/٣٠، والنجم الثاقب/١٣.
أقول: إن تغيير الإمام (عليه السلام) اسم جاريته التي أعتقها وتزوجها، يدلك على
ظروف الرقابة المشددة التي كانت تحيط به وبولده المنتظر صلوات الله عليهما.
٢ - تقدم في فصل كيف أعد النبي (صلى الله عليه وآله) الأمة لغيبة الإمام (عليه
السلام) من كمال الدين: ٢/٤٠٩ عن محمد بن عثمان العمري (قدّس سره) قال: سمعت أبي
يقول: سئل أبو محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن
آبائه (عليهم السلام): إن الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه إلى يوم القيامة، وأن
من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية؟ فقال: إن هذا حق كما أن النهار حق،
فقيل له: يا ابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك؟ فقال: ابني محمد هو الإمام
والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون
ويهلك فيها المبطلون ويكذب فيها الوقاتون، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض
تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة). ومثله كفاية الأثر/٢٩٢، وإعلام الورى/٤١٥، وعنه كشف
الغمة: ٣/٣١٨، وإثبات الهداة: ٣/٤٨٢، ووسائل الشيعة: ١١/٤٩١، الخ.
٣ - إثبات الوصية/٢١٧، عن أحمد بن إسحاق قال: دخلت على أبي محمد (عليه السلام) فقال
لي: يا أحمد ما كان حالكم فيما كان الناس فيه من الشك والارتياب؟ قلت يا سيدي لما
ورد الكتاب بخبر سيدنا ومولده لم يبق منا رجل ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم إلا قال
بالحق، فقال أما علمتم أن الأرض لا تخلو من حجة الله، ثم أمر أبو محمد (عليه
السلام) والدته بالحج في سنة تسع وخمسين ومائتين وعرفها ما يناله في سنة الستين
وأحضر الصاحب (عليه السلام)، فأوصى إليه وسلم الاسم الأعظم والمواريث والسلاح إليه،
وخرجت أم أبى محمد مع الصاحب (عليهم السلام) جميعاً إلى مكة). ومثله عيون المعجزات:
١٣٨ وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٧٩، والبحار: ٥٠/٣٣٥.
٤ - الكافي: ١/٣٢٨، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي محمد
(عليه السلام) جلالتك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أن أسألك فقال: سل، قلت: يا سيدي
هل لك ولد؟ فقال: نعم فقلت: فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه؟ قال: بالمدينة). ومثله
الإرشاد/٣٤٩ وتقريب المعارف/١٨٤، وغيبة الطوسي/١٣٩، وروضة الواعظين: ٢/٢٦٢، وإعلام
الورى/٤١٣، وكشف الغمة: ٣/٢٣٩، والصراط المستقيم: ٢/١٧١، والفصول المهمة/٢٩٢،
وإثبات الهداة: ٣/٤٤١، والبحار: ٥١/١٦١.
٥ - وقد تقدم من إثبات الهداة: ٣/٥٦٩، عن الفضل بن شاذان في كتاب إثبات الرجعة، عن
محمد بن عبد الجبار قال: قلت لسيدي الحسن بن علي (عليه السلام): يا ابن رسول الله
جعلني الله فداك: أحب أن أعلم من الإمام وحجة الله على عباده من بعدك؟ فقال: إن
الإمام وحجة الله من بعدي ابني سميُّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنِيُّه،
الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه، قلت: ممن هو يا بن رسول الله؟ قال: من ابنة ابن
قيصر ملك الروم، ألا إنه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة ثم يظهر).
٦ - كمال الدين: ٢/٤٤٠، عن عبد الله بن جعفر الحميري قال: سمعت محمد بن عثمان
العمري (رضي الله عنه) يقول: رأيته صلوات الله عليه متعلقاً بأستار الكعبة في
المستجار وهو يقول: اللهم انتقم لي من أعدائي). ومثله الفقيه: ٢/٥٢٠، وغيبة
الطوسي/١٥١ و٢٢١، وإثبات الهداة: ٣/٤٥٢ و٤٥٣، الخ.
٧ - كمال الدين: ٢/٤٣٣، عن محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه يقول: لما ولد الخلف
المهدي (عليه السلام) سطع نور من فوق رأسه إلى أعناق السماء، ثم سقط لوجهه ساجداً
لربه تعالى ذكره ثم رفع رأسه وهو يقول: (شَهِدَ اللهُ
أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً
بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ
اللهِ الإسلام). قال: وكان مولده يوم الجمعة). وعنه إثبات الهداة: ٣/٦٦٩،
وحلية الأبرار: ٢/٥٤٣، والبحار: ٥١/١٥.
٨ - كمال الدين: ٢/٤٣٥، بسند صحيح، عن معاوية بن حكيم ومحمد بن أيوب بن نوح ومحمد
بن عثمان العمري قالوا: عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي (عليهما السلام)، ونحن في
منزله وكنا أربعين رجلاً فقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا
تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا، أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا! قالوا
فخرجنا من عنده فما مضت إلا أيام قلائل حتى مضى أبو محمد (عليه السلام)). وغيبة
الطوسي/٢١٧، وفيه: (قالوا جميعاً: اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليهما
السلام) نسأله عن الحجة من بعده وفي مجلسه (عليه السلام) أربعون رجلاً... قال: جئتم
تسألوني عن الحجة من بعدي؟ قالوا نعم، فإذا غلام كأنه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمد
(عليه السلام) فقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي
فتهلكوا في أديانكم! ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر، فاقبلوا
من عثمان ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه).
ومثله إعلام الورى/٤١٤، وعنه كشف الغمة: ٣/٣١٧، والعدد القوية/٧٣ وإثبات الهداة:
٣/٤١٥، والبحار: ٥١/٣٤٦، عن غيبة الطوسي. وفي: ٥٢/٢٥، عن كمال الدين).
٩ - كمال الدين: ٢/٣٨١، عن أبي هاشم داود بن القاسم قال: سمعت أبا الحسن (عليه
السلام) يقول: الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف، فقلت: ولم جعلني
الله فداك؟ فقال إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه، فقلت فكيف نذكره؟ فقال
قولوا: الحجة من آل محمد (عليهم السلام)). ومثله الكافي: ١/٣٢٨ و٣٣٢، والهداية/٨٧،
وإثبات الوصية/٢٠٨ و٢٢٤،، وعلل الشرائع: ١/٢٤٥، وعنه الإرشاد/٣٣٨ و٣٤٩، وروضة
الواعظين: ٢/٢٦٢، وإعلام الورى/٣٥١، وكشف الغمة: ٣/١٩٦، وإثبات الهداة: ٣/٣٩٢،
والبحار: ٥٠/٢٤٠، و: ٥١/٣١.
١٠ - إثبات الهداة: ٣/٧٠٠: روى الفضل بن شاذان في كتاب إثبات الرجعة قال: حدثنا
إبراهيم بن محمد بن فارس النيسابوري قال: لما هم الوالي عمرو بن عوف بقتلي غلب
عليَّ خوف عظيم، فودعت أهلي وتوجهت إلى دار أبي محمد (عليه السلام) لأودعه وكنت
أردت الهرب، فلما دخلت عليه رأيت غلاماً جالساً في جنبه وكان وجهه مضيئاً كالقمر
ليلة البدر فتحيرت من نوره وضيائه وكاد ينسيني ما كنت فيه، فقال: يا إبراهيم لا
تهرب فإن الله سيكفيك شره فازداد تحيري، فقلت لأبي محمد (عليه السلام): يا سيدي يا
ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هذا وقد أخبرني بما كان في ضميري؟ قال: هو
ابني وخليفتي من بعدي. وفي آخره أنه لما خرج أخبره عمه بأن المعتمد قد أرسل أخاه
وأمره بقتل عمرو بن عوف). وعنه كشف الحق/٤٤، عن الفضل بن شاذان، وفيه: وهو الذي
يغيب غيبة طويلة، ويظهر بعد امتلاء الأرض جوراً وظلماً فيملؤها عدلاً وقسطاً.
فسألته عن اسمه، قال: هو سمي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنيه، ولا يحل لأحد
أن يسميه باسمه أو يكنيه بكنيته، إلى أن يظهر الله دولته وسلطنته، فاكتم يا إبراهيم
ما رأيت وسمعت منا اليوم إلا عن أهله، فصليت عليهما وآبائهما وخرجت مستظهراً بفضل
الله تعالى، واثقاً بما سمعته من الصاحب (عليه السلام)، فبشرني علي بن فارس بأن
المعتمد قد أرسل أبا أحمد أخاه وأمره بقتل عمرو، فأخذه أبو أحمد في ذلك اليوم وقطعه
عضواً عضواً، والحمد لله رب العالمين). وعنه مستدرك الوسائل: ١٢/٢٨١.
* * *
أحاديث أخرى في ولادته (عليه السلام) أكثرها صحيح السند
الكافي: ١/٣٢٩، عن عبد الله بن جعفر الحميري قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو (رحمه
الله) عند أحمد بن إسحاق فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف فقلت له: يا أبا
عمرو إني أريد أن أسألك عن شيء وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه، فإن اعتقادي
وديني أن الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً، فإذا
كان ذلك رفعت الحجة وأغلق باب التوبة فلم يك (يَنْفَعُ
نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي
إِيمَانِهَا خَيْراً)، فأولئك شرار من خلق الله (عزَّ وجلَّ) وهم الذين تقوم
عليهم القيامة، ولكني أحببت أن أزداد يقيناً، وإن إبراهيم (عليه السلام) سأل ربه
(عزَّ وجلَّ) أن يريه كيف يحيي الموتى: (قَالَ أَوَلَمْ
تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)، وقد أخبرني أبو علي
أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته وقلت من أعامل أو عمن آخذ
وقولَ من أقبل؟ فقال له: العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني
فعني يقول فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون، وأخبرني أبو علي أنه سأل أبا محمد
(عليه السلام) عن مثل ذلك، فقال له: العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك عني فعني
يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان،
فهذا قول إمامين قد مضيا فيك. قال: فخرَّ أبو عمرو ساجداً وبكى ثم قال: سل حاجتك،
فقلت له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد (عليه السلام)؟ فقال: إي والله ورقبته مثل
ذا وأومأ بيده(أي إلى رقبته) فقلت له: فبقيت واحدة فقال لي: هات، قلت: فالاسم؟ قال:
محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أحلل ولا أحرم ولكن
عنه (عليه السلام)، فإن الأمر عند السلطان أن أبا محمد مضى ولم يخلف ولداً، وقسم
ميراثه وأخذه من لاحق له فيه، وهو ذا وعياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو
ينيلهم شيئاً وإذا وقع الاسم وقع الطلب فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك). وتقدمت بعض رواياته في كلام السيد الميلاني، ورواه بسند آخر عن حمدان القلانسي، ورواه في: ١/٣٣١، ونحوه غيبة الطوسي/٣٥٥، بسند صحيح وفيه: قال: قد رأيته (عليه السلام) وعنقه هكذا، يريد أنها أغلظ الرقاب حسناً وتماماً، قلت: فالاسم؟ قال: نهيتم عن هذا).
* * *
وفي
كمال الدين: ٢/٤٣٥، عن عبد الله بن جعفر الحميري قال: قلت لمحمد بن عثمان العمري
(رضي الله عنه): إني أسألك سؤال إبراهيم ربه جل جلاله حين قال له (رَبِّ
أَرنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ
لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)، فأخبرني عن صاحب هذا الأمر هل رأيته؟ قال: نعم وله
رقبة مثل ذي، وأشار بيده إلى عنقه).
وفي كمال الدين: ٢/٤٤١، عن عبد الله بن جعفر الحميري قال: كنت مع أحمد بن إسحاق عند
العمري (رضي الله عنه). وفيه: وله عنق مثل ذي وأومأ بيديه جميعاً إلى عنقه، قال:
قلت: فالاسم؟ قال: إياك أن تبحث عن هذا، فإن عند القوم أن هذا النسل قد انقطع).
ونحوه الإرشاد/٣٥٠، وغيبة الطوسي/١٤٦ و١٨ وعنه إعلام الورى/٣٩٦، وحلية الأبرار:
٢/٥٤٩ و٥٨١ و٦٨٧، وتبصرة الولي/٧٦٤، كرواية كمال الدين الأولى والكافي الثانية،
والبحار: ٥١/٣٣ و: ٥٢/٢٦، عن كمال الدين والإرشاد.
* * *
غيبة الطوسي/٢٢٣: عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت محبوساً مع أبي محمد (عليه السلام) في حبس المهتدي بن الواثق فقال لي: يا با هاشم إن هذا الطاغي أراد أن يعبث بالله في هذه الليلة وقد بتر الله عمره وجعله للقائم من بعده، ولم يكن لي ولد وسأرزق ولداً. قال أبو هاشم: فلما أصبحنا شغب الأتراك على المهتدي فقتلوه وولي المعتمد مكانه، وسلمنا الله تعالى). والخرائج: ١/٤٣١، والبحار: ٥٠/٣١٣، وفيه: فلما أصبحنا شغب الأتراك على المهتدي وأعانهم الأمة لما عرفوا من قوله بالاعتزال والقدر، وقتلوه ونصبوا مكانه المعتمد وبايعوا له، وكان المهتدي قد صحح العزم على قتل أبي محمد (عليه السلام) فشغله الله بنفسه حتى قتل).
* * *
غيبة الطوسي/٢٢٣، عن الحسن بن علي الخزاز قال: دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال له: أنت إمام؟ قال: نعم، فقال له: إني سمعت
جدك جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: لا يكون الإمام إلا وله عقب. فقال: أنسيت يا شيخ أو تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر (عليه السلام) إنما قال جعفر (عليه السلام): لا يكون الإمام إلا وله عقب إلا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنه لا عقب له، فقال له: صدقت جعلت فداك هكذا سمعت جدك يقول).
* * *
الكافي: ١/٣٢٨، عن محمد بن علي بن بلال قال: خرج إلي من أبي محمد قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثم خرج إلي من قبل مضيه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده). ورواه في كمال الدين: ٢/ ٤٩٩، عن الحسين بن إسماعيل الكندي قال: قال لي أبو طاهر البلالي: التوقيع الذي خرج إليَّ من أبي محمد فعلقوه في الخلف بعده وديعة في بيتك؟ فقلت له: أحب أن تنسخ لي من لفظ التوقيع ما فيه، فأخبر أبا طاهر بمقالتي فقال له: جئني به حتى يسقط الإسناد بيني وبينه، فخرج إلي من أبى محمد (عليه السلام) قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثم خرج إلي بعد مضيه بثلاثة أيام يخبرني بذلك فلعن الله من جحد أولياء الله حقوقهم، وحمل الناس على أكتافهم، والحمد الله كثيراً). والإرشاد/٣٤٩، وعنه إعلام الورى/٤١٣، وكشف الغمة: ٣/٢٣٨، والفصول المهمة/٢٩٢، وإثبات الهداة: ٣/٤٤٠، و: ٥/٢١٨، والبحار: ٥١/٣٣٣.
* * *
الهداية الكبرى/٨٦، عن نسيم خادمة أبي محمد (عليه السلام) قالت: قال صاحب الزمان المهدي (عليه السلام) وقد دخلت عليه بعد مولده بثلاثة أيام فعطست عنده فقال لي: يرحمك الله، قالت نسيم: ففرحت بكلامه بطفوليته ودعائه لي بالرحمة، فقال لي: ألا أبشرك في العطاس؟ قلت: بلى يا مولاي، قال: هو أمان من الموت لثلاثة أيام). ومثله إثبات الوصية/٢٢١، وفيه: بعد مولده بليلة. وكمال الدين: ٢/٤٣٠ و٤٤١، وغيبة الطوسي/١٣٩، والخرائج: ١/٤٦٥، و: ٢/٦٩٣، وإعلام الورى/٣٩٥، وثاقب المناقب/٨٥، وكشف الغمة: ٣/٢٩٠، عن الخرائج، ومنتخب الأنوار /١٦٠، وإثبات الهداة: ٣/٦٦٨، عن رواية كمال الدين الأولى، وأشار إلى روايته الثانية، وغيبة الطوسي، والبحار: ٥١ /٥، وفي: ٥٢/٣٠، و: ٧٦/١٠٣، عن كمال الدين وغيبة الطوسي.
* * *
وفي
الهداية الكبرى/٨٧، بسنده عن كامل بن إبراهيم المدني المعروف بصناعة أنه زار الإمام
العسكري (عليه السلام) فرأى فتى: (كأنه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها فقال
لي: يا كامل بن إبراهيم فاقشعررت من ذلك وألهمت أن قلت: لبيك يا سيدي فقال: جئت إلى
ولي الله وحجته تريد أن تسأل: لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك وقال مقالتك؟ فقلت:
إي والله، فقال: إذن والله يقلُّ داخلها، والله إنه يدخلها خلق كثير، قوم يقال لهم
الحقية، قلت: سيدي ومن هم؟ قال: قوم من حبهم لأمير المؤمنين يحلفون بحقه ولا يدرون
ما فضله، ثم سكت (عليه السلام) ساعة ثم قال: وجئت تسأله عن مقالة المفوضة، كذبوا بل
قلوبنا أوعية لمشية الله فإذا شاء الله شئنا والله يقول: (وَمَا
تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ). ثم رجع الستر إلى حاله فلم أستطع
كشفه، فنظر إليَّ أبو محمد (عليه السلام) وتبسم وقال: يا كامل بن إبراهيم: ما جلوسك
وقد أنبأك المهدي والحجة من بعدي بما كان في نفسك وجئتني تسألني عنه، وقال: فنهضت
وقد أخذت الجواب الذي أسررته في نفسي من الإمام المهدي ولم ألقه بعد ذلك. قال أبو
نعيم: فلقيت كاملاً فسألته عن هذا الحديث فحدثني به عن آخره بلا نقصان ولا زيادة).
ومثله إثبات الوصية/٢٢٢، ودلائل الإمامة/٢٧٣، وغيبة الطوسي/١٤٨، وفي/١٤٩ بسند آخر،
والخرائج: ١/٤٥٨، وعنه كشف الغمة: ٣/٢٨٩، ومنتخب الأنوار /١٣٩، وإثبات الهداة:
٣/٤١٥، و٥٠٨ و٦٨٣، عن غيبة الطوسي. وكذا تبصرة الولي/٧٦٥، والبحار: ٢٥/٣٣٦، و:
٥٠/٢٥٣، و: ٥٢/٥٠، و٧٠ و٧٢.
لقاء سعد بن عبد الله الأشعري بالإمام (عليه السلام)
كمال الدين: ٢/٤٥٤، عن أحمد بن مسرور، عن سعد بن عبد الله (الأشعري) قال: كنت امرءً
لَهِجاً بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقها، كلفاً باستظهار ما يصح لي
من حقائقها، مغرماً بحفظ مشتبهها ومسغلقها، شحيحاً على ما أظفر به من معضلاتها
ومشكلاتها، متعصباً لمذهب الإمامية، راغباً عن الأمن والسلامة في انتظار التنازع
والتخاصم والتعدي إلى التباغض والتشاتم، معيباً للفرق ذوي الخلاف كاشفاً عن مثالب
أئمتهم، هتاكاً لحجب قادتهم، إلى أن بليت بأشد النواصب منازعة
وأطولهم مخاصمة وأكثرهم جدلاً وأشنعهم سؤالاً وأثبتهم على الباطل قدماً. فقال ذات يوم وأنا أناظره: تباً لك ولأصحابك يا سعد إنكم معاشر الرافضة تقصدون على المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما، وتجحدون من رسول الله ولايتهما وإمامتهما، هذا الصديق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته، أما علمتم أن رسول الله ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلا علماً منه أن الخلافة له من بعده وأنه هو المقلد لأمر التأويل والملقى إليه أزمة الأمة، وعليه المعول في شعب الصدع، ولم الشعث، وسد الخلل، وإقامة الحدود، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك، وكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعدة إلى مكان يستخفي فيه، ولما رأينا النبي متوجها إلى الانجحار ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله بأبي بكر للغار للعلة التي شرحناها، وإنما أبات علياً على فراشه لما لم يكن يكترث به، ولم يحفل به لاستثقاله، ولعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها. قال سعد: فأوردت عليه أجوبة شتى، فما زال يعقب كل واحد منها بالنقض والرد علي، ثم قال: يا سعد ودونكها أخرى بمثلها تخطم أنوف الروافض، ألستم تزعمون أن الصديق المبرأ من دنس الشكوك والفاروق المحامي عن بيضة الإسلام كان يسران النفاق، واستدللتم بليلة العقبة، أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعا أو كرهاً؟ قال سعد: فاحتلت لدفع هذه المسألة عني خوفاً من الإلزام وحذرا من أني إن أقررت له بطوعهما للإسلام احتج بأن بدء النفاق ونشأه في القلب لا يكون إلا عند هبوب روائح القهر والغلبة وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد إليه قلبه نحو قول الله تعالى: (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا). وإن قلت: أسلما كرها كان يقصدني بالطعن إذ لم تكن ثمة سيوف منتضاة كانت تريهما البأس. قال سعد: فصدرت عنه مزوراً قد انتفخت أحشائي من الغضب وتقطع كبدي من
الكرب وكنت قد اتخذت طوماراً وأثبت فيه نيفاً وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيباً على أن أسأل عنها خبير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد (عليه السلام) فارتحلت خلفه وقد كان خرج قاصداً نحو مولانا بسر من رأى فلحقته في بعض المنازل فلما تصافحنا قال: بخير لحاقك بي، قلت: الشوق ثم العادة في الأسئلة قال: قد تكافينا على هذه الخطة الواحدة، فقد برح بي القرم إلى لقاء مولانا أبي محمد (عليه السلام) وأنا أريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ومشاكل في التنزيل فدونكها الصحبة المباركة فإنها تقف بك على ضفة بحر لا تنقضي عجائبه، ولا تفنى غرائبه، وهو إمامنا. فوردنا سر من رأى فانتهينا منها إلى باب سيدنا فاستأذنا فخرج علينا الإذن بالدخول عليه وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطاه بكساء طبري فيه مائة وستون صرة من الدنانير والدراهم، على كل صرة منها ختم صاحبها. قال سعد: فما شبهت وجه مولانا أبي محمد (عليه السلام) حين غشينا نور وجهه إلا ببدر قد استوفى من لياليه أربعاً بعد عشر، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر، على رأسه فرق بين وفرتين كأنه ألف بين واوين، وبين يدي مولانا رمانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة، وبيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض شيئاً قبض الغلام على أصابعه، فكان مولانا يدحرج الرمانة بين يديه ويشغله بردها كيلا يصده عن كتابة ما أراد، فسلمنا عليه فألطف في الجواب وأومأ إلينا بالجلوس فلما فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده، أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه فوضعه بين يديه فنظر الهادي (عليه السلام) إلى الغلام وقال له: يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك، فقال: يا مولاي أيجوز أن أمد يداً طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلها بأحرمها؟ فقال مولاي: يا ابن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميز ما بين الحلال والحرام منها، فأول صرة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام: هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم، يشتمل على
اثنين وستين ديناراً، فيها من ثمن حجيرة باعها صاحبها وكانت إرثاً له عن أبيه خمسة وأربعون ديناراً، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر ديناراً، وفيها من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير! فقال مولانا: صدقت يا بني دل الرجل على الحرام منها، فقال (عليه السلام): فتش عن دينار رازي السكة، تاريخه سنة كذا، قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه، وقراضة آملية وزنها ربع دينار، والعلة في تحريمها أن صاحب هذه الصرة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل مَنّاً وربع مَنّ فأتت على ذلك مدة وفي انتهائها قيض لذلك الغزل سارق، فأخبر به الحائك صاحبه فكذبه واسترد منه بدل ذلك مناً ونصف مَنٍّ غزلاً أدق مما كان دفعه إليه واتخذ من ذلك ثوباً، كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه! فلما فتح رأس الصرة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال! واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة. ثم أخرج صرة أخرى فقال الغلام: هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم تشتمل على خمسين ديناراً لا يحل لنا لمسها. قال: وكيف ذاك؟ قال: لأنها من ثمن حنطة حاف صاحبها على أكاره في المقاسمة وذلك أنه قبض حصته منها بكيل واف وكان ما حص الأكار بكيل بخس! فقال مولانا: صدقت يا بني. ثم قال: يا أحمد بن إسحاق إحملها بأجمعها لتردها أو توصي بردها على أربابها فلا حاجة لنا في شيء منها، وائتنا بثوب العجوز. قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته. فلما انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إليَّ مولانا أبو محمد (عليه السلام) فقال: ما جاء بك يا سعد؟ فقلت: شوقني أحمد بن إسحاق على لقاء مولانا قال: والمسائل التي أردت أن تسأله عنها؟ قلت: على حالها يا مولاي قال: فسل قرة عيني وأومأ إلى الغلام! فقال لي الغلام: سل عما بدا لك منها فقلت له: مولانا وابن مولانا إنا روينا عنكم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة: إنك قد أرهجت على الإسلام وأهله بفتنتك وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك، فإن كففت عني غربك وإلا طلقتك،
ونساء رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد كان طلاقهن وفاته، قال: ما الطلاق؟ قلت: تخلية السبيل، قال: فإذا كان طلاقهن وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد خليت لهن السبيل فلم لا يحل لهن الأزواج؟ قلت: لأن الله تبارك وتعالى حرم الأزواج عليهن، قال: كيف وقد خلى الموت سبيلهن؟ قلت: فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله (صلى الله عليه وآله) حكمه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ قال: إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي (صلى الله عليه وآله) فخصهن بشرف الأمهات فقال رسول الله: يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق لهن ما دمن لله على الطاعة فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج، وأسقطها من شرف أمومة المؤمنين. قلت: فأخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في عدتها حل للزوج أن يخرجها من بيته؟ قال: الفاحشة المبينة وهي السحق دون الزنا فإن المرأة إذا زنت وأقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزوج بها لأجل الحد وإذا سحقت وجب عليها الرجم والرجم خزي، ومن قد أمر الله برجمه فقد أخزاه ومن أخزاه فقد أبعده ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه. قلت: فأخبرني يا ابن رسول الله عن أمر الله لنبيه موسى (عليه السلام): (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً)، فإن فقهاء الفريقين يزعمون أنها كانت من إهاب الميتة؟ فقال (عليه السلام): من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوته لأنه ما خلا الأمر فيها من خطيئتين إما أن تكون صلاة موسى فيهما جائزة أو غير جائزة، فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة، وإن كانت مقدسة مطهرة فليست بأقدس وأطهر من الصلاة، وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب على موسى أنه لم يعرف الحلال من الحرام وما علم ما تجوز فيه الصلاة وما لم تجز، وهذا كفر. قلت: فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما قال: إن موسى ناجى ربه بالواد المقدس فقال: يا رب إني قد أخلصت لك المحبة مني، وغسلت قلبي عمن سواك وكان شديد الحب لأهله فقال الله تعالى: إخلع نعليك، أي إنزع حب أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة، وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولاً.
قلت:
فأخبرني يا ابن رسول الله عن تأويل (كهيعص)؟ قال: هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع
الله عليها عبده زكريا، ثم قصها على محمد (صلى الله عليه وآله) وذلك أن زكريا سأل
ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل فعلمه إياها، فكان زكريا إذا ذكر
محمداً وعلياً وفاطمة والحسن والحسين سريَ عنه همه وانجلى كربه، وإذا ذكر الحسين
خنقته العبرة، ووقعت عليه البهرة! فقال ذات يوم: يا إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعاً
منهم تسليت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه
الله تعالى عن قصته، وقال: كهيعص. فالكاف اسم كربلا، والهاء هلاك العترة، والياء
يزيد وهو ظالم الحسين (عليه السلام)، والعين عطشه، والصاد صبره، فلما سمع ذلك زكريا
لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيها الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء
والنحيب وكانت ندبته: إلهي أتفجع خير خلقك بولده إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية
بفنائه، إلهي أتلبس علياً وفاطمة ثياب هذه المصيبة، إلهي أتحل كربة هذه الفجيعة
بساحتهما؟! ثم كان يقول: اللهم ارزقني ولداً تقر به عيني على الكبر، واجعله وارثاً
وصياً واجعل محلة مني محل الحسين، فإذا رزقتنيه فافتني بحبه، ثم افجعني به كما تفجع
محمداً حبيبك بولده! فرزقه الله يحيى وفجعه به، وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين
(عليه السلام) كذلك وله قصة طويلة.
قلت: فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم؟ قال: مصلح
أو مفسد؟ قلت: مصلح، قال: فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما
يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت: بلى، قال: فهي العلة، وأوردها لك ببرهان
ينقاد له عقلك أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله تعالى وأنزل عليهم الكتاب وأيدهم
بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الأمم وأهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى (عليهما
السلام) هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا هما بالاختيار أن يقع خيرتهما على
المنافق وهما يظنان أنه مؤمن، قلت: لا، فقال: هذا موسى كليم الله مع وفور عقله
وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان
قومه
ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلاً ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم فوقعت خيرته
على المنافقين! قال الله تعالى: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ
سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا... إلى قوله: لَنْ
نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً... فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ
بِظُلْمِهِمْ..) فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا على
الأفسد دون الأصلح وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد، علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم
ما تخفي الصدور وما تكن الضمائر وتتصرف عليه السرائر، وأنه لا خطر لاختيار
المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح.
ثم قال مولانا: يا سعد، وحين ادعى خصمك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أخرج
مع نفسه مختار هذه الأمة إلى الغار إلا علماً منه أن الخلافة له من بعده وأنه هو
المقلد أمور التأويل والملقى إليه أزمة الأمة وعليه المعول في لم الشعث وسد الخلل
وإقامة الحدود وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر، فكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته
إذ لم يكن من حكم الإستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعدة من غيره إلى
مكان يستخفي فيه، وإنما أبات علياً على فراشه لما لم يكن يكترث له ولم يحفل به
لاستثقاله إياه وعلمه أنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان
يصلح لها. فهلا نقضت عليه دعواه بقولك أليس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
الخلافة بعدي ثلاثون سنة، فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء
الراشدون في مذهبكم؟ فكان لا يجد بداً من قوله لك: بلى، قلت: فكيف تقول حينئذ: أليس
كما علم رسول الله أن الخلافة من بعده لأبي بكر علم أنها من بعد أبي بكر لعمر ومن
بعد عمر لعثمان ومن بعد عثمان لعلي؟ فكان أيضاً لا يجد بداً من قوله لك: نعم، ثم
كنت تقول له: فكان الواجب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يخرجهم جميعاً على
الترتيب إلى الغار ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر ولا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة
بتركه إياهم وتخصيصه أبا بكر وإخراجه مع نفسه دونهم! ولما قال: أخبرني عن الصديق
والفاروق أسلما طوعاً أو كرهاً؟ لمَ لمْ تقل له: بل أسلما
طمعاً
وذلك بأنهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عما كانوا يجدون في التوراة وفي سائر
الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال من قصة محمد (صلى الله عليه وآله)
ومن عواقب أمره، فكانت اليهود تذكر أن محمداً يسلط على العرب كما كان بختنصر سلط
على بني إسرائيل، ولا بد له من الظفر بالعرب كما ظفر بختنصر ببني إسرائيل، غير أنه
كاذب في دعواه أنه نبي! فأتيا محمداً فساعداه على شهادة ألا إله إلا الله وبايعاه
طمعاً في أن ينال كل واحد منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت أموره واستتبت
أحواله..... كما أتى طلحة والزبير علياً (عليه السلام) فبايعاه وطمع كل واحد منهما
أن ينال من جهته ولاية بلد فلما آيسا نكثا بيعته وخرجا عليه فصرع الله كل واحد
منهما مصرع أشباههما من الناكثين.
قال سعد: ثم قام مولانا الحسن بن علي الهادي (عليه السلام) للصلاة مع الغلام
فانصرفت عنهما وطلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكياً، فقلت: ما أبطاك وأبكاك؟
قال: قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره، قلت: لا عليك فأخبره، فدخل عليه
مسرعاً وانصرف من عنده متبسماً وهو يصلي على محمد وآل محمد، فقلت: ما الخبر؟ قال:
وجدت الثوب مبسوطاً تحت قدمي مولانا يصلي عليه. قال سعد: فحمدنا الله تعالى على ذلك
وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا أياماً، فلا نرى الغلام بين يديه، فلما
كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا وانتصب أحمد بن إسحاق
بين يديه قائماً وقال: يا بن رسول الله قد دنت الرحلة واشتدت المحنة، فنحن نسأل
الله تعالى أن يصلي على المصطفى جدك وعلى المرتضى أبيك وعلى سيدة النساء أمك وعلى
سيدي شباب أهل الجنة عمك وأبيك وعلى الأئمة الطاهرين من بعدهما آبائك، وأن يصلي
عليك وعلى ولدك ونرغب إلى الله أن يعلي كعبك ويكبت عدوك، ولا جعل الله هذا آخر
عهدنا من لقائك. قال: فلما قال هذه الكلمات استعبر مولانا حتى استهلت دموعه وتقاطرت
عبراته ثم قال: يا ابن إسحاق لا تَكَلَّفْ في دعائك شططاً فإنك ملاق الله تعالى في
صدرك
هذا، فخرَّ أحمد مغشياً عليه، فلما أفاق قال: سألتك بالله وبحرمة جدك إلا شرفتني
بخرقة أجعلها كفناً، فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهماً فقال:
خذها ولا تنفق على نفسك غيرها، فإنك لن تعدم ما سألت، وإن الله تبارك وتعالى لن
يضيع أجر من أحسن عملاً.
قال سعد: فلما انصرفنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا من حلوان على ثلاثة فراسخ حُمَّ
أحمد بن إسحاق وثارت به علة صعبة أيس من حياته فيها، فلما وردنا حلوان ونزلنا في
بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطناً بها، ثم قال: تفرقوا
عني هذه الليلة واتركوني وحدي، فانصرفنا عنه ورجع كل واحد منا إلى مرقده. قال سعد:
فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فترة، ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم
خادم مولانا أبي محمد (عليه السلام) وهو يقول: أحسن الله بالخير عزاكم، وجبر
بالمحبوب رزيتكم، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه، فقوموا لدفنه فإنه من أكرمكم
محلاً عند سيدكم، ثم غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل حتى قضينا
حقه، وفرغنا من أمره (رحمه الله)). ومثله دلائل الإمامة/٢٧٤، ونحوه الاحتجاج:
٢/٤٦١، وثاقب المناقب/٢٥٤، مختصراً، وكذا الخرائج: ١/٤٨١، وتأويل الآيات: ١/٢٩٩،
وإرشاد القلوب: ١/٤٢١.. إلى آخر المصادر.
شهادة قابلته عمة أبيه حكيمة بنت الجواد (عليهم السلام)
قال في الذريعة: ٣/٣٢٦، معرفاً كتاب تبصرة الولي: (تبصرة الولي فيمن رأى المهدي
(عليه السلام) في زمان أبيه أو في غيبته الصغرى أو الكبرى للعلامة التوبلي البحراني
السيد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن جواد الكتكاني المتوفى سنة ١١٠٧، أوله: الحمد
لله الذي لا يخلي الأرض من حجة، فذكر أول من تشرف بزيارته عمة أبيه السيدة حكيمة
بنت الجواد (عليه السلام)، ثم ذكر سائر من فاز بلقائه حتى انتهى إلى ستة وسبعين
رجلاً من خلص الشيعة المؤمنين، والثالث والسبعون منهم هو الرجل الجليل الصالح
إسماعيل بن الحسين بن علي الهرقلي المعاصر للسيد رضي الدين بن طاووس الذي
توفي
سنة٦٦٤، وصاحب الجرح في رجله الذي برأ ببركة يد الحجة (عليه السلام)، وهو والد
العالم الجليل الشيخ محمد بن إسماعيل المجاز من العلامة الحلي، والموجود بخطه عدة
كتب فقهية. فرغ من تأليف التبصرة سنة ١٠٩٩، رأيت نسخة مصححة منقولة عن نسخة خط
المصنف في بقايا كتب الشيخ عبد الحسين الطهراني، وقد طبع مع غاية المرام سنة ١٢٧٢،
وأدرج كثيراً منهم شيخنا العلامة النوري في الجنة المأوى فيمن فاز بلقائه (عليه
السلام) في الغيبة الكبرى، وكتب في من رأى المهدي (عليه السلام) مستقلاً عدة كتب
منها بدايع الكلام، وبهجة الأولياء، وغيرهما مما سبق ويأتي، وأما ذكرهم استطراداً
فلا يخلو منه كتاب من الكتب المؤلفة في الغيبة). انتهى.
أقول: روت مصادرنا شهادة حكيمة رحمها الله بولادة الإمام المهدي صلوات الله عليه،
بعدة طرق وبضع روايات فيها صحيح السند، وبين رواياتها تفاوت وأكثره لا يضر لأنه في
الإجمال والتفصيل، وبعضه من الظروف الخطيرة التي كانت تحيط بآل الإمام العسكري
(عليه السلام) خاصة القريبين منه كوالدته وعمته حكيمة، ويظهر من الروايات أن حكيمة
كانت في المدينة، ومعناه أنها اضطرت أن تترك سامراء مدة، ثم عادت إليها في فسحة من
أحداث الصراع بين القادة الأتراك على نصب الخليفة وعزله، وتوفيت بها ودفنت إلى جنب
قبر الإمامين العسكريين (عليهما السلام)!
ونورد فيما يلي بعض رواياتها ونشير إلى الباقي:
دلائل الإمامة/٢٦٨، بسنده عن إسماعيل الحسني عن حكيمة ابنة محمد بن علي الرضا (عليه
السلام) قالت: قال لي الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) ذات ليلة أو ذات يوم: أحب
أن تجعلي إفطارك الليلة عندنا فإنه يحدث في هذه الليلة أمر، فقلت ما هو؟ قال: إن
القائم من آل محمد يولد في هذه الليلة، فقلت ممن؟ قال من نرجس، فصرت إليه ودخلت
الجواري فكان أول من تلقتني نرجس فقالت: يا عمة كيف أنت أنا أفديك، فقلت لها: بل
أنا أفديك يا سيدة نساء هذا العالم فخلعتُ خُفي وجاءت لتصب على رجلي الماء، فحلفتها
ألا تفعل، وقلت لها: إن الله قد أكرمك بمولود تلدينه في هذه
الليلة، فرأيتها لما قلت لها ذلك قد لبسها ثوب من الوقار والهيبة، ولم أر بها حملاً ولا أثر حمل فقالت: أي وقت يكون ذلك؟ فكرهت أن أذكر وقتاً بعينه فأكون قد كذبت، فقال لي أبو محمد: في الفجر الأول، فلما أفطرت وصليت وضعت رأسي ونمت، ونامت نرجس معي في المجلس، ثم انتبهت وقت صلاتنا فتأهبت، وانتبهت نرجس وتأهبتْ، ثم إني صليت وجلست أنتظر الوقت ونام الجواري ونامت نرجس فلما ظننت أن الوقت قد قرب خرجت فنظرت إلى السماء وإذا الكواكب قد انحدرت، وإذا هو قريب من الفجر الأول، ثم عدت فكأن الشيطان خبث قلبي، قال أبو محمد: لا تعجلي فكأنه قد كان، وقد سجدت فسمعته يقول في دعائه شيئاً لم أدر ما هو، ووقع عليَّ الثبات في ذلك الوقت، فانتبهت بحركة جارية فقلت لها: بسم الله عليك، فسكنت إلى صدري فرمت به عليَّ، وخرت ساجدة فسجد الصبي وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعلي حجة الله وذكر إماماً إماماً حتى انتهى إلى أبيه فقال أبو محمد إليَّ ابني، فذهبت لأصلح منه شيئاً فإذا هو مسوى مفروغ منه فذهبت به إليه، فقبل وجهه ويديه ورجليه، ووضع لسانه في فمه وزقه كما يزق الفرخ، ثم قال اقرأ: فبدأ بالقرآن من بسم الله الرحمن الرحيم إلى آخره، ثم إنه دعا بعض الجواري ممن علم أنها تكتم خبره فنظرت، ثم قال سلموا عليه وقبلوه وقولوا استودعناك الله وانصرفوا. ثم قال يا عمة أدعي لي نرجس فدعوتها وقلت لها: إنما يدعوك لتودعيه فودعته، وتركناه مع أبي محمد ثم انصرفنا. ثم إني صرت إليه من الغد فلم أره عنده فهنيته فقال: يا عمة هو في ودايع الله إن يأذن الله في خروجه). وعنه حلية الأبرار: ٢/٥٣٣، ومثله تبصرة الولي/٧٦٠، ومدينة المعاجز/٥٨٩.
* * *
الخرائج: ١/٤٥٥، عن حكيمة قالت: (دخلت يوماً على أبي محمد (عليه السلام) فقال يا عمة بيتي عندنا الليلة فإن الله سيظهر الخلف فيها. قلت: وممن؟ قال: من نرجس قلت: فلست أرى بنرجس حملاً. قال: يا عمة إن مثلها كمثل أم موسى، لم يظهر حملها
بها
إلا وقت ولادتها، فبت أنا وهي في بيت، فلما انتصف الليل صليت أنا وهي صلاة الليل،
فقلت في نفسي: قد قرب الفجر ولم يظهر ما قال أبو محمد فناداني أبو محمد (عليه
السلام) من الحجرة لا تعجلي، فرجعت إلى البيت خجلة، فاستقبلتني نرجس ترتعد فضممتها
إلى صدري، وقرأت عليها قل هو الله أحد وإنا أنزلناه وآية الكرسي، فأجابني الخلف من
بطنها يقرأ كقراءتي. قالت: وأشرق نور في البيت فنظرت فإذا الخلف تحتها ساجد إلى
القبلة، فأخذته فناداني أبو محمد (عليه السلام) من الحجرة: هلمي بابني إلي يا عمة.
قالت فأتيته به فوضع لسانه في فيه وأجلسه على فخذه، وقال: أنطق يا بني بإذن الله.
فقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، (وَنُرِيدُ
أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً
وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ
وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)، وصلى الله
على محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد
بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن
بن علي أبي.
قالت حكيمة: وغمرتنا طيور خضر فنظر أبو محمد إلى طائر منها فدعاه فقال له: خذه
واحفظه حتى يأذن الله فيه فإن الله بالغ أمره. قالت حكيمة: قلت لأبي محمد: ما هذا
الطائر وما هذه الطيور؟ قال: هذا جبرئيل وهذه ملائكة الرحمة، ثم قال: يا عمة رديه
إلى (أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ
وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ).
فرددته إلى أمه. قالت: ولما ولد كان نظيفاً مفروغاً منه، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب:
(جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ
زَهُوقاً). وعنه كشف الغمة: ٣/٢٨٨، وحلية الأبرار: ٢/٥٣٦ وتبصرة الولي/٧٦٣.
ويظهر أن في الرواية تقديماً وتأخيراً، وأن قول حكيمة رحمها الله (وغمرتنا طيور
خضر) كان آخر الرواية، فقدمها الراوي. وهذا طبيعي في الروايات الطويلة والمتعددة
الأحداث.
* * *
غيبة الطوسي/١٤٠، عن أبي عبد الله المطهري، عن حكيمة بنت محمد بن علي
الرضا (عليهما السلام) قالت: بعث إلي أبو محمد (عليه السلام) سنة خمس وخمسين ومأتين في النصف من شعبان وقال: يا عمة إجعلي الليلة إفطارك عندي فإن الله (عزَّ وجلَّ) سيسرك بوليه وحجته على خلقه خليفتي من بعدي، قالت حكيمة: فتداخلني لذلك سرور شديد وأخذت ثيابي عليَّ وخرجت من ساعتي حتى انتهيت إلى أبي محمد (عليه السلام) وهو جالس في صحن داره وجواريه حوله فقلت: جعلت فداك يا سيدي الخلف ممن هو؟ قال: من سوسن فأدرت طرفي فيهن فلم أر جارية عليها أثر غير سوسن، قالت حكيمة: فلما أن صليت المغرب والعشاء الآخرة أتيت بالمائدة فأفطرت أنا وسوسن وبايتها في بيت واحد، فغفوت غفوة ثم استيقظت فلم أزل مفكرة فيما وعدني أبو محمد (عليه السلام) من أمر ولي الله (عليه السلام)، فقمت قبل الوقت الذي كنت أقوم في كل ليلة للصلاة، فصليت صلاة الليل حتى بلغت إلى الوتر، فوثبت سوسن فزعة وخرجت فزعة، وأسبغت الوضوء ثم عادت فصلت صلاة الليل وبلغت إلى الوتر، فوقع في قلبي أن الفجر قد قرب فقمت لأنظر فإذا بالفجر الأول قد طلع، فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد (عليه السلام) فناداني من حجرته لا تشكي وكأنك بالأمر الساعة قد رأيته إن شاء الله تعالى، قالت حكيمة: فاستحييت من أبي محمد (عليه السلام) ومما وقع في قلبي، ورجعت إلى البيت وأنا خجلة فإذا هي قد قطعت الصلاة وخرجت فزعة فلقيتها على باب البيت فقلت: بأبي أنت وأمي هل تحسين شيئاً؟ قالت: نعم يا عمة إني لأجد أمراً شديداً قلت: لا خوف عليك إن شاء الله تعالى، وأخذت وسادة فألقيتها في وسط البيت وأجلستها عليها وجلست منها حيث تقعد المرأة من المرأة للولادة، فقبضت على كفي وغمزت غمزة شديدة ثم أنت أنة وتشهدت ونطرت تحتها فإذا أنا بولي الله صلوات الله عليه متلقياً الأرض بمساجده فأخذت بكتفيه فأجلسته في حجري فإذا هو نظيف مفروغ منه، فناداني أبو محمد (عليه السلام): يا عمة هلمي فأتيني بابني، فأتيته به فتناوله وأخرج لسانه فمسح عينيه ففتحها، ثم أدخله في فيه فحنكه ثم في أذنيه، وأجلسه في راحته اليسرى فاستوى ولي الله جالساً فمسح يده على رأسه وقال له: يا
بني أنطق بقدرة الله فاستعاذ ولي الله (عليه السلام) من الشيطان الرجيم واستفتح: بسم الله الرحمن الرحيم، (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ). وصلى على رسول الله وعلى أمير المؤمنين والأئمة واحداً واحداً حتى انتهى إلى أبيه، فناولنيه أبو محمد وقال: يا عمة رديه إلى أمه حتى (تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ)، فرددته إلى أمه وقد انفجر الفجر الثاني فصليت الفريضة وعقبت إلى أن طلعت الشمس، ثم ودعت أبا محمد وانصرفت إلى منزلي فلما كان بعد ثلاث اشتقت إلى ولي الله فصرت إليهم فبدأت بالحجرة التي كانت سوسن فيها فلم أر أثراً ولا سمعت ذكراً فكرهت أن أسأل، فدخلت على أبي محمد فاستحييت أن أبدأ بالسؤال، فبدأني فقال: هو يا عمة في كنف الله وحرزه وستره وغيبه حتى يأذن الله له، فإذا غيب الله شخصي وتوفاني ورأيت شيعتي قد اختلفوا فأخبري الثقات منهم، وليكن عندك وعندهم مكتوماً فإن ولي الله يغيبه الله عن خلقه ويحجبه عن عباده فلا يراه أحد حتى يقدم له جبرئيل (عليه السلام) فرسه (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً). وبعضه في/١٤٣ وفيه: وقال: واكتمي خبر هذا المولود علينا، ولا تخبري به أحداً حتى يبلغ الكتاب أجله فأتيت أمه وودعتهم.. وعنه إثبات الهداة: ٣/٤١٤ و٥٠٦، و٦٨٢، والبحار: ٥١/١٧ و١٩. ورواها في دلائل الإمامة/٢٦٩، عن محمد بن القاسم العلوي، وعنه حلية الأبرار: ٢/٥٣٤ وتبصرة الولي/٧٦٠.. الخ. ورواها في كمال الدين: ٢/٤٢٤ و٤٣٠، و/٤٢٦، وستأتي في ذكر والدة الإمام (عليه السلام)، ورواها في غيبة الطوسي/١٤٢، بسندين، و١٤٣ و١٤٧، مختصراً. وروضة الواعظين: ٢/ ٢٥٦، وإعلام الورى/٣٩٤، وإثبات الوصية/٢١٨، وعيون المعجزات/١٣٩، وثاقب المناقب/٢٥٤، وغيبة الطوسي/ والخرائج: ١/٤٥٧، والهداية الكبرى/٧٠، بتفصيلات أكثر، إلى آخر المصادر.
* * *
المجدي في أنساب الطالبين/١٣١، بسنده عن علان الكلابي قال: صحبت أبا جعفر محمد بن علي بن محمد بن علي الرضا وهو حديث السن، فما رأيت أوقر ولا
أزكى ولا أجل منه، وكان خلفه أبو الحسن العسكري (عليه السلام) بالحجاز طفلاً وقدم عليه مشتداً، فكان مع أخيه الإمام أبى محمد لا يفارقه وكان أبو محمد يأنس به وينقبض مع أخيه جعفر. قال علان: حدثنى أبو جعفر (رضي الله عنه) قال: كانت عمتي حكيمة تحب سيدي أبا محمد وتدعو له وتتضرع أن ترى له ولداً، وكان أبو محمد اصطفى جارية يقال لها نرجس وكان اسمها قبل ذلك صقيل فلما كانت ليلة النصف من شعبان دخلت فدعت لأبي محمد فقال لها: يا عمة كوني الليلة عندنا لأمر قد حدث، فقالت حكيمة: وكنت أتفقد جواري أبي محمد فلا أرى عليهن أثر حمل، وكنت آنس بنرجس وأقلبها الظهر والبطن، ولا أرى دلالة الحمل عليها. قال أبو جعفر: فأقامت كما رسم فلما كان وقت الفجر اضطربت نرجس فقامت إليها عمتي قالت: فأدخلت يدي إلى ثيابها ووقع علي نوم عظيم، فما أدري فيما كان مني غير أني رأيت المولود على يدي، فأتيت به أبا محمد وهو مختون مفروغ منه، فأخذه وأمر يده على ظهره وعينه، وأدخل لسانه في فيه، وأذن في أذنه وقام في الأخرى ثم رده الي، وقال: يا عمة اذهبي به إلى أمه، قالت: فذهبت به فقبلته ورددته إليه. ثم رفع حجاب بيني وبين سيدي أبي محمد فانسفر عنه وحده، فقلت يا سيدي ما فعل المولود؟ فقال أخذه من هو أحق به، فإذا كان يوم السابع فأتينا. قالت: فجئت إليه (عليه السلام) في اليوم السابع، فإذا المولود بين يديه في ثياب صفر وعليه من البهاء والنور ما أخذ بمجامع قلبي، فقلت: سيدي هل عندك من علم في هذا المولود المبارك فتلقيه إلي فقال: يا عمة، هذا المنتصر لأولياء الله المنتقم من أعداء الله الذي يأخذ الله بثأره ويجمع به ألفتنا، هذا الذي بشرنا به ودللنا عليه، قالت: فخررت لله ساجدة شكراً على ذلك. قالت: ثم كنت أتردد إلى أبي محمد فلا أراه فقلت له يوماً: يا مولاي ما فعل سيدنا ومنتظرنا؟ فقال أودعناه الذي استودعته أم موسى ابنها).
* * *
وفي كمال الدين/٥٠٧، عن أحمد بن إبراهيم قال: دخلت على حكيمة بنت
محمد بن علي الرضا، أخت أبي الحسن صاحب العسكر (عليهم السلام) في سنه اثنتين وستين ومائتين فكلمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها، فسمت لي من تأتم بهم، ثم قالت: والحجة ابن الحسن بن علي فسمته، فقلت لها: جعلني الله فداك معاينةً أو خبراً؟ فقالت خبراً عن أبي محمد (عليه السلام) كتب به إلى أمه، فقلت لها: فأين الولد؟ فقالت: مستور، فقلت: إلى من تفزع الشيعة؟ فقالت إلى الجدة أم أبي محمد (عليه السلام)، فقلت لها: أقتدي بمن وصيته إلى امرأة؟ فقالت: اقتداءً بالحسين بن علي فإن الحسين بن علي (عليهما السلام) أوصى إلى أخته زينب بنت علي في الظاهر فكان ما يخرج عن علي بن الحسين من علم ينسب إلى زينب ستراً على علي بن الحسين، ثم قالت: إنكم قوم أصحاب أخبار، أما رويتم أن التاسع من ولد الحسين بن علي يقسم ميراثه وهو في الحياة). ومثله غيبة الطوسي/٣٠، ونحوه الهداية الكبرى/٣٦٦، ونحوه كمال الدين/٥٠١.
* * *
وروى في كمال الدين: ٢/٥١٧، عن محمد بن علي بن أحمد البزرجي، أن أحد الهاشميين أمر جاريته المسنة أن تروي له فقالت إن سيدتها قالت لها: (إمضي إلى دار الحسن بن علي (عليهما السلام) فقولي لحكيمة: تعطينا شيئاً نستشفي به لمولودنا هذا، فلما مضيت وقلت كما قال لي مولاي قالت حكيمة: إيتوني بالميل الذي كحل به المولود الذي ولد البارحة، تعني ابن الحسن بن علي (عليهما السلام) فأتيت بميل فدفعته إلي، وحملته إلى مولاتي فكحلت به المولود فعوفي، وبقي عندنا وكنا نستشفي به ثم فقدناه). وعنه إثبات الهداة: ٣/٦٨٠، والبحار: ٥١/٣٤٢.
* * *
وروى الطوسي في الغيبة/١٤٤، عن أحمد بن بلال بن داود الكاتب، وكان عامياً بمحل من النصب لأهل البيت (عليهم السلام) يظهر ذلك ولا يكتمه، قال: (كانت دورنا بسر من رأى مقابل دار ابن الرضا يعني أبا محمد الحسن بن علي فغبت عنها دهراً طويلاً إلى قزوين وغيرها، ثم قضي لي الرجوع إليها فلما وافيتها وقد كنت فقدت جميع من خلفته من أهلي وقراباتي إلا عجوزاً كانت ربتني ولها بنت معها وكانت من طبع
الأول مستورة صائنة لا تحسن الكذب وكذلك موليات لنا بقين في الدار، فأقمت عندهن أياماً ثم عزمت الخروج، فقالت العجوزة: كيف تستعجل الانصراف وقد غبت زماناً؟ فأقم عندنا لنفرح بمكانك، فقلت لها على جهة الهزؤ: أريد أن أصير إلى كربلاء وكان الناس للخروج في النصف من شعبان أو ليوم عرفة، فقالت: يا بني أعيذك بالله أن تستهين بما ذكرت أو تقوله على وجه الهزؤ، فإني أحدثك بما رأيته يعني بعد خروجك من عندنا بسنتين: كنت في هذا البيت نائمة بالقرب من الدهليز ومعي ابنتي وأنا بين النائمة واليقظانة إذ دخل رجل حسن الوجه نظيف الثياب طيب الرائحة فقال: يا فلانة يجيئك الساعة من يدعوك في الجيران فلا تمتنعي من الذهاب معه ولا تخافي ففزعت فناديت ابنتي، وقلت لها هل شعرت بأحد دخل البيت؟ فقالت: لا، فذكرت الله وقرأت ونمت فجاء الرجل بعينه، وقال لي: مثل قوله، ففزعت وصحت بابنتي فقالت: لم يدخل البيت فاذكري الله ولا تفزعي فقرأت ونمت فلما كان في الثالثة جاء الرجل وقال: يا فلانة قد جاءك من يدعوك ويقرع الباب فاذهبي معه، وسمعت دق الباب فقمت وراء الباب وقلت: من هذا؟ فقال: إفتحي ولا تخافي، فعرفت كلامه وفتحت الباب فإذا خادم معه إزار فقال: يحتاج إليك بعض الجيران لحاجة مهمة فادخلي ولف رأسي بالملاءة وأدخلني الدار وأنا أعرفها فإذا بشقاق مشدودة وسط الدار ورجل قاعد بجنب الشقاق، فرفع الخادم طرفه فدخلت وإذا امرأة قد أخذها الطلق وامرأة قاعدة خلفها كأنها تقبلها، فقالت المرأة تعينيننا فيما نحن فيه، فعالجتها بما يعالج به مثلها، فما كان إلا قليلا حتى سقط غلام فأخذته على كفي وصحت: غلام غلام! وأخرجت رأسي من طرف الشقاق، أبشر الرجل القاعد، فقيل لي لا تصيحي، فلما رددت وجهي إلى الغلام قد كنت فقدته من كفي فقالت لي المرأة القاعدة: لا تصيحي! وأخذ الخادم بيدي ولف رأسي بالملاءة وأخرجني من الدار وردني إلى داري وناولني صرة، وقال: لا تخبري بما رأيت أحداً فدخلت الدار ورجعت إلى فراشي في هذا البيت وابنتي نائمة فأنبهتها
وسألتها هل علمت بخروجي ورجوعي؟ فقالت: لا وفتحت الصرة في ذلك الوقت وإذا فيها عشرة
دنانير عدداً وما أخبرت بهذا أحداً إلا في هذا الوقت لما تكلمت بهذا الكلام على حد
الهزؤ فحدثتك إشفاقاً عليك، فإن لهؤلاء القوم عند الله (عزَّ وجلَّ) شأناً ومنزلة،
وكل ما يدعونه حق! قال: فعجبت من قولها وصرفته إلى السخرية والهزء ولم أسألها عن
الوقت غير أني أعلم يقيناً أني غبت عنهم في سنة نيف وخمسين ومائتين ورجعت إلى سر من
رأى في وقت أخبرتني العجوزة بهذا الخبر في سنة إحدى وثمانين ومائتين في وزارة عبد
الله بن سليمان لما قصدته، قال حنظلة فدعوت بأبي الفرج المظفر بن أحمد حتى سمع معي
هذا الخبر). وتبصرة الولي/٧٦٣، والبحار: ٥١/٢٠.
وفي هذا الخبر دلالةٌ على إرهاب السلطة وتجسسها، وحساسيتها من ولادة الثاني عشر
صلوات الله عليه. ودلالةٌ على أن زيارة قبر الحسين (عليه السلام) كانت ظاهرة شعبية
مرتين سنوياً في شعبان وعرفة، وأن زوار قبره (عليه السلام) من سامراء كانوا كثرة،
وذلك رغم ما قام به المتوكل العباسي من منع زيارته وهدم القبر الشريف.. الخ.
ودلالةٌ على أن الإمام العسكري (عليه السلام) أراد أن يطلع على ولادة المهدي (عليه
السلام) نساء يثق بكتمانهن كهذه العجوز التي دعاها لتكون مع عمته حكيمة قابلة
للإمام (عليه السلام) ونفعها الله ببركته. ودلالةٌ على أن كبار موظفي الدولة كصاحب
الخبر ابن بلال كانوا نواصب، وأنه أراد بعد سنين أن يتقرب إلى شيعي فروى له الخبر..
الخ.
* * *
أم الإمام المهدي (رضي الله عنها) حفيدة قيصر الروم
كمال الدين: ٢/٤٣١، عن أبي علي الخيزراني عن جارية له كان أهداها لأبي محمد (عليه
السلام)، فلما أغار جعفر الكذاب على الدار جاءته فارَّةً من جعفر فتزوج بها، قال
أبو على: فحدثتني أنها حضرت ولادة السيد (عليه السلام) وأن اسم أم السيد صقيل، وأن
أبا محمد (عليه السلام) حدثها بما يجري على عياله فسألته أن يدعو الله (عزَّ وجلَّ)
لها أن يجعل منيتها قبله! فماتت في حياة أبي محمد (عليه السلام) وعلى قبرها لوح
مكتوب عليه: هذا قبر
أم محمد، قال أبو علي: وسمعت هذه الجارية تذكر أنه لما ولد السيد (عليه السلام) رأت له نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ أفق السماء، ورأيت طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ثم تطير، فأخبرنا أبا محمد (عليه السلام) بذلك فضحك ثم قال: تلك الملائكة نزلت للتبرك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج). وثاقب المناقب/٢٥٤، والصراط المستقيم: ٢/٢٣٤، وإثبات الهداة: ٣/٦٦٨، وتبصرة الولي/٧٦٤، والبحار: ٥١/٥.
* * *
غيبة الطوسي/١٤٧: وروي أن بعض أخوات الحسن (عليه السلام) كانت لها جارية ربتها تسمي نرجس فلما كبرت دخل أبو محمد (عليه السلام) فنظر إليها فقالت له أراك يا سيدي تنظر إليها؟ فقال: إني ما نظرت إليها إلا متعجباً، أما إن المولود الكريم على الله تعالى يكون منها، ثم أمرها أن تستأذن أبا الحسن (عليه السلام) في دفعها إليه ففعلت فأمرها بذلك). وروضة الواعظين: ٢/٢٥٧، وثاقب المناقب/٨٤، والعدد القوية/٧٢، وإثبات الهداة: ٣/٣٦٥.
* * *
كمال الدين: ٢/٤٣٣، عن محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه أنه قال: ولد السيد مختوناً، وسمعت حكيمة تقول: لم ير بأمه دم من نفاسها وهكذا سبيل أمهات الأئمة (عليهم السلام)). وعنه حلية الأبرار: ٢/٥٤٣، والبحار: ٥١/١٦.
* * *
المجموعة النفيسة/٢٠٠، ابن الخشاب: وحدثني الجراح بن سفيان قال: حدثني أبو القاسم طاهر بن هارون بن موسى العلوي، عن أبيه هارون، عن أبيه موسى قال: قال سيدي جعفر بن محمد: الخلف الصالح من ولدي المهدي، اسمه محمد كنيته أبو القاسم، يخرج في آخر الزمان، يقال لأمه صيقل. قال لنا أبو بكر الزارع: وفي رواية أخرى، بل أمه حكيمة. وفي رواية أخرى ثالثة: يقال لها: نرجس. ويقال: بل سوسن والله أعلم بذلك. يكنى بأبي القاسم، وهو ذو الاسمين: خلف ومحمد يظهر في آخر الزمان، على رأسه غمامة تظله من الشمس تدور معه حيثما دار، تنادي بصوت فصيح هذا المهدي). وعنه كشف الغمة: ٣/٢٦٥، وإثبات الهداة: ٣/٥٩٧ و٦١٨،
والبحار: ٥١/٢٤.
وتقدم بسند صحيح من كشف الحق/٣٣، أنها كانت تسمى مليكة وفي بعض الأيام سوسن، وفي
بعضها ريحانة، وكان صقيل ونرجس أيضاً من أسمائها). وهو يدل على اضطرار الإمام (عليه
السلام) لتغيير اسمها، ليضيعه على جاسوسات السلطة.
كمال الدين: ٢/٤١٧، عن محمد بن بحر الشيباني قال: وردت كربلا سنة ست وثمانين
ومائتين، قال: وزرت قبر غريب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم انكفأت إلى مدينة
السلام متوجها إلى مقابر قريش في وقت قد تضرمت الهواجر وتوقدت السمائم، فلما وصلت
منها إلى مشهد الكاظم (عليه السلام) واستنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة،
المحفوفة بحدائق الغفران أكببت عليها بعبرات متقاطرة، وزفرات متتابعة وقد حجب الدمع
طرفي عن النظر، فلما رقأت العبرة وانقطع النحيب فتحت بصري فإذا أنا بشيخ قد انحنى
صلبه وتقوس منكباه، وثفنت جبهته وراحتاه، وهو يقول لآخر معه عند القبر: يا ابن أخي
لقد نال عمك شرفاً بما حمله السيدان من غوامض الغيوب وشرائف العلوم التي لم يحمل
مثلها إلا سلمان، وقد أشرف عمك على استكمال المدة وانقضاء العمر، وليس يجد في أهل
الولاية رجلاً يفضي إليه بسره، قلت: يا نفس لا يزال العناء والمشقة ينالان منك
بإتعابي الخف والحافر في طلب العلم، وقد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدل على علم
جسيم وأثر عظيم، فقلت: أيها الشيخ ومن السيدان؟ قال: النجمان المغيبان في الثرى بسر
من رأى، فقلت: إني أقسم بالموالاة وشرف محل هذين السيدين من الإمامة والوراثة إني
خاطب علمهما، وطالب آثارهما وباذل من نفسي الإيمان المؤكدة على حفظ أسرارهما، قال:
إن كنت صادقاً فيما تقول فأحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة أخبارهم، فلما فتش الكتب
وتصفح الروايات منها قال: صدقت أنا بشر بن سليمان النخاس من ولد أبي أيوب الأنصاري
أحد موالي أبي الحسن وأبي محمد (عليهما السلام) وجارهما بسر من رأى، قلت: فأكرم
أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما قال: كان مولانا أبو الحسن علي
بن محمد العسكري (عليهما السلام) فقهني في أمر الرقيق فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلا بإذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتى كملت معرفتي فيه فأحسنت الفرق بين الحلال والحرام. فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسر من رأى وقد مضى هوي من الليل إذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعاً فإذا أنا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) يدعوني إليه، فلبست ثيابي ودخلت عليه فرأيته يحدث ابنه أبا محمد وأخته حكيمة من وراء الستر، فلما جلست قال: يا بشر إنك من ولد الأنصار وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها شأو الشيعة في الموالاة بها: بسر أطلعك عليه وأنفذك في ابتياع أمة، فكتب كتاباً ملصقاً بخط رومي ولغة رومية وطبع عليه بخاتمه، وأخرج شستقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً فقال: خذها وتوجه بها إلى بغداد واحضر معبر الفرات ضحوة كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وبرزن الجواري منها فستحدق بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس وشراذم من فتيان العراق، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمى عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرتين صفيقتين، تمتنع من السفور ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها ويشغل نظره بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرقيق فيضربها النخاس فتصرخ صرخة رومية، فأعلم أنها تقول: واهتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين علي بثلاثمائة ديناراً فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول بالعربية: لو برزت في زي سليمان وعلى مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك، فيقول النخاس: فما الحيلة ولا بد من بيعك، فتقول الجارية: وما العجلة ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى أمانته وديانته، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخاس وقل له: إن معي كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخط رومي، ووصف فيه كرمه ووفاه ونبله وسخاءه فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في
ابتياعها منك. قال بشر بن سليمان النخاس: فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبو الحسن (عليه السلام) في أمر الجارية، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديداً وقالت لعمر بن زيد النخاس: بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرجة المغلظة إنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت أشاحه في ثمنها حتى استقر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي (عليه السلام) من الدنانير في الشستقة الصفراء، فاستوفاه مني وتسلمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولاها (عليه السلام) من جيبها وهي تلثمه وتضعه على خدها وتطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها، فقلت: تعجبا منها أتلثمين كتاباً ولا تعرفين صاحبه؟ قالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء أعرني سمعك وفرغ لي قلبك: أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون، أنبئك العجب العجيب، إن جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين ومن القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل ومن ذوي الأخطار سبعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد وقواد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهو ملكه عرشاً مصوغاً من أصناف الجواهر إلى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة، فلما صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عكفا ونشرت أسفار الإنجيل تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض، وتقوضت الأعمدة فانهارت إلى القرار، وخر الصاعد من العرش مغشياً عليه! فتغيرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدي: أيها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني، فتطير جدي من ذلك تطيراً شديداً، وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جده لأزوج منه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده، فلما فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث
على الأول، وتفرق الناس وقام جدي قيصر مغتماً ودخل قصره وأرخيت الستور، فأريت في تلك الليلة كأن المسيح وشمعون وعدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدي ونصبواً فيه منبراً يباري السماء علواً وارتفاعاً في الموضع الذي كان جدي نصب فيه عرشه، فدخل عليهم محمد (صلى الله عليه وآله) مع فتية وعدة من بنيه فيقوم إليه المسيح فيعتنقه فيقول: يا روح الله إني جئتك خاطباً من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا وأومأ بيده إلى أبي محمد صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح إلى شمعون فقال له: قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: قد فعلت، فصعد ذلك المنبر وخطب محمد وزوجني وشهد المسيح وشهد بنو محمد والحواريون، فلما استيقظت من نومي أشفقت أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدي مخافة القتل، فكنت أسرها في نفسي ولا أبديها لهم، وضرب صدري بمحبة أبي محمد حتى امتنعت من الطعام والشراب، وضعفت نفسي ودق شخصي ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدي وسأله عن دوائي، فلما برح به اليأس قال: يا قرة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فأزودكها في هذه الدنيا؟ فقلت: يا جدي أرى أبواب الفرج علي مغلقة فلو كشفت العذاب عمن في سجنك من أسارى المسلمين وفككت عنهم الأغلال وتصدقت عليهم ومننتهم بالخلاص لرجوت أن يهب المسيح وأمه لي عافية وشفاء، فلما فعل ذلك جدي تجلدت في إظهار الصحة في بدني وتناولت يسيراً من الطعام فسر بذلك جدي، وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم، فرأيت أيضاً بعد أربع ليال كأن سيدة النساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف وصيفة من وصائف الجنان فتقول لي مريم: هذه سيدة النساء أم زوجك أبي محمد (عليه السلام)، فأتعلق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمد من زيارتي، فقالت لي سيدة النساء (عليها السلام): إن ابني أبا محمد لا يزورك وأنت مشركة بالله وعلى مذهب النصارى، وهذه أختي مريم تبرأ إلى الله تعالى من دينك، فإن ملت إلى رضا الله (عزَّ وجلَّ) ورضا المسيح ومريم عنك وزيارة أبي محمد إياك فتقولي: أشهد أن لا
إله إلا الله وأشهد أن أبي محمداً رسول الله، فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمتني سيدة النساء إلى صدرها فطيبت لي نفسي، وقالت: الآن توقعي زيارة أبي محمد إياك فإني منفذته إليك، فانتبهت وأنا أقول: واشوقاه إلى لقاء أبي محمد، فلما كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمد (عليه السلام) في منامي فرأيته كأني أقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك؟ قال: ما كان تأخيري عنك إلا لشركك، وإذ قد أسلمت فإني زائرك في كل ليلة، إلى أن يجمع الله شملنا في العيان، فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية. قال بشر فقلت لها: وكيف وقعت في الأسر فقالت: أخبرني أبو محمد ليلة من الليالي أن جدك سيسرب جيوشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا، ثم يتبعهم، فعليك باللحاق بهم متنكرة في زي الخدم مع عدة من الوصائف من طريق كذا، ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتى كان من أمري ما رأيت وما شاهدت وما شعر أحد بي بأني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك، وذلك باطلاعي إياك عليه، ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت: نرجس. فقال: اسم الجواري، فقلت: العجب إنك رومية ولسانك عربي؟ قالت: بلغ من ولوع جدي وحمله إياي على تعلم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمان له في الاختلاف إلي، فكانت تقصدني صباحاً ومساء وتفيدني العربية حتى استمر عليها لساني واستقام. قال بشر: فلما انكفأت بها إلى سر من رأى دخلت على مولانا أبي الحسن العسكري (عليه السلام) فقال لها: كيف أراك الله عز الإسلام وذل النصرانية وشرف أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله)؟ قالت: كيف أصف لك يا ابن رسول الله ما أنت أعلم به مني؟ قال: فإني أريد أن أكرمك فأيما أحب إليك عشرة آلاف درهم؟ أم بشرى لك فيها شرف الأبد؟ قالت: بل البشري، قال (عليه السلام): فأبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، قالت: ممن؟ قال (عليه السلام): ممن خطبك رسول الله (صلى الله عليه وآله) له من ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالرومية، قالت: من المسيح ووصيه؟ قال: فممن زوجك المسيح ووصيه؟ قالت: من ابنك أبي
محمد؟ قال: فهل تعرفينه؟ قالت: وهل خلوت ليلة من زيارته إياي منذ الليلة التي أسلمت فيها على يد سيدة النساء أمه، فقال أبو الحسن (عليه السلام): يا كافور ادع لي أختي حكيمة فلما دخلت عليه قال (عليه السلام) لها: ها هيه فاعتنقتها طويلاً وسرت بها كثيراً، فقال لها مولانا: يا بنت رسول الله أخرجيها إلى منزلك وعلميها الفرائض والسنن فإنها زوجة أبي محمد وأم القائم (عليه السلام)). ونحوه دلائل الإمامة/٢٦٢، بتفاوت يسير، وروضة الواعظين: ١/٢٥٢، ومناقب ابن شهرآشوب: ٤/٤٤٠ مختصراً، ومنتخب الأنوار /٥١،، وإثبات الهداة: ٣/٣٦٣، و٣٦٥، و٤٠٩ و٤٩٥، عنه وعن غيبة الطوسي ومسند فاطمة، وعنهما البحار: ٥١/٦ و١٠.
* * *
كمال الدين: ٢/٤٢٦، عن محمد بن عبد الله الطهوي قال: قصدت حكيمة بنت محمد بعد مضي أبو محمد (عليه السلام) أسألها عن الحجة وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي هم فيها فقالت لي: أجلس فجلست، ثم قالت: يا محمد إن الله تبارك وتعالى لا يخلي الأرض من حجة ناطقة أو صامتة، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين تفضيلاً للحسن والحسين (عليهما السلام) وتنزيهاً لهما أن يكون في الأرض عديلهما، إلا أن الله تبارك وتعالى خص ولد الحسين بالفضل على ولد الحسن (عليهما السلام) كما خص ولد هارون على ولد موسى (عليه السلام) وإن كان موسى حجة على هارون، والفضل لولده إلى يوم القيامة، ولابد للأمة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ويخلص فيها المحقون كي لا يكون للخلق على الله حجة. وإن الحيرة لا بد واقعة بعد مضي أبي محمد الحسن (عليه السلام)! فقلت: يا مولاتي هل كان للحسن (عليه السلام) ولد؟ فتبسمت ثم قالت: إذا لم يكن للحسن (عليه السلام) عقب فمن الحجة من بعده وقد أخبرتك أنه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام) فقلت: يا سيدتي حدثيني بولادة مولاي وغيبته (عليه السلام)؟ قالت: نعم كانت لي جارية يقال لها: نرجس فزارني ابن أخي فأقبل يحدق النظر إليها فقلت له: يا سيدي لعلك هويتها فأرسلها إليك؟ فقال لها: لا يا عمة ولكني أتعجب منها فقلت: وما أعجبك؟ فقال (عليه السلام): سيخرج منها ولد كريم على الله (عزَّ وجلَّ) الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، فقلت:
فأرسلها إليك يا سيدي؟ فقال: إستأذني في ذلك أبي (عليه السلام) قالت: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن (عليه السلام) فسلمت وجلست فبدأني (عليه السلام) وقال: يا حكيمة إبعثي نرجس إلى ابني أبي محمد قالت: فقلت: يا سيدي على هذا قصدتك على أن أستأذنك في ذلك، فقال لي: يا مباركة إن الله تبارك وتعالى أحب أن يشركك في الأجر ويجعل لك في الخير نصيباً، قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزينتها ووهبتها لأبي محمد (عليه السلام) وجمعت بينه وبينها في منزلي فأقام عندي أياماً، ثم مضى إلى والده (عليهما السلام) ووجهت بها معه. قالت حكيمة: فمضى أبو الحسن (عليه السلام) وجلس أبو محمد (عليه السلام) مكان والده وكنت أزوره كما كنت أزور والده، فجاءتني نرجس يوماً تخلع خفي، فقالت: يا مولاتي ناوليني خفك فقلت: بل أنت سيدتي ومولاتي والله لا أدفع إليك خفي لتخلعيه ولا لتخدميني، بل أنا أخدمك على بصري، فسمع أبو محمد (عليه السلام) ذلك فقال: جزاك الله يا عمة خيراً، فجلست عنده إلى وقت غروب الشمس فصحت بالجارية وقلت: ناوليني ثيابي لأنصرف فقال (عليه السلام): لا، يا عمتا بيتي الليلة عندنا، فإنه سيولد الليلة المولود الكريم على الله (عزَّ وجلَّ) الذي يحيي الله (عزَّ وجلَّ) به الأرض بعد موتها فقلت: ممن يا سيدي ولست أرى بنرجس شيئاً من أثر الحَبَل؟ فقال: من نرجس لا من غيرها، قالت: فوثبت إليها فقلبتها ظهراً لبطن فلم أر بها أثر حبل فعدت إليه (عليه السلام) فأخبرته بما فعلت فتبسم ثم قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل لأن مثلها مثل أم موسى لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى (عليه السلام) وهذا نظير موسى (عليه السلام). قالت حكيمة: فعدت إليها فأخبرتها بما قال وسألتها عن حالها فقالت: يا مولاتي ما أرى بي شيئاً من هذا، قالت حكيمة: فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي لا تقلب جنباً إلى جنب، حتى إذا كان آخر الليل وقت طلوع الفجر وثبت فزعة فضممتها إلى صدري وسميت عليها فصاح أبو محمد (عليه السلام) وقال: إقرئي عليها إنا أنزلناه في ليلة القدر، فأقبلت أقرأ عليها وقلت لها:
ما حالك؟ قالت: ظهر الأمر الذي أخبرك به مولاي فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ مثل ما أقرأ وسلم عليَّ. قالت حكيمة: ففزعت لما سمعت، فصاح بي أبو محمد (عليه السلام) لا تعجبي من أمر الله (عزَّ وجلَّ) إن الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغاراً ويجعلنا حجة في أرضه كباراً، فلم يستتم الكلام حتى غيبت عني نرجس فلم أرها كأنه ضرب بيني وبينها حجاب فعدوت نحو أبي محمد (عليه السلام) وأنا صارخة، فقال لي: إرجعي يا عمة فإنك ستجديها في مكانها. قالت: فرجعت فلم ألبث أن كشف الغطاء الذي كان بيني وبينها وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشى بصري وإذا أنا بالصبي (عليه السلام) ساجداً لوجهه جاثياً على ركبتيه رافعاً سبابتيه، وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن جدي محمداً رسول الله وأن أبي أمير المؤمنين، ثم عد إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه. ثم قال: اللهم أنجز لي ما وعدتني وأتمم لي أمري وثبت وطأتي، وأملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً. فصاح بي أبو محمد (عليه السلام) فقال: يا عمة تناوليه وهاتيه، فتناولته وأتيت به نحوه فلما مثلت بين يدي أبيه وهو على يدي سلم على أبيه فتناوله الحسن (عليه السلام) منى وناوله لسانه فشرب منه، ثم قال: امضي به إلى أمه لترضعه ورديه إلي قالت: فتناولته أمه فأرضعته، فرددته إلى أبي محمد (عليه السلام) والطير ترفرف على رأسه فصاح بطير منها فقال له: أحمله واحفظه ورده إلينا في كل أربعين يوماً، فتناوله الطير وطار به في جو السماء وأتبعه سائر الطير، فسمعت أبا محمد (عليه السلام) يقول: أستودعك الله الذي أودعته أم موسى موسى فبكت نرجس فقال لها: أسكتي فإن الرضاع محرم عليه إلا من ثديك وسيعاد إليك كما رد موسى إلى أمه وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): (فَرَدَدْنَاهُ إلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ). قالت حكيمة فقلت: وما هذا الطير؟ قال: هذا روح القدس الموكل بالأئمة (عليهم السلام) يوفقهم ويسددهم ويربيهم بالعلم. قالت حكيمة: فلما كان بعد أربعين يوماً رد الغلام ووجه إلي ابن أخي (عليه السلام) فدعاني، فدخلت عليه فإذا أنا بالصبي متحرك يمشي بين يديه، فقلت: يا سيدي هذا ابن سنتين؟ فتبسم (عليه السلام) ثم قال:
إن
أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمة ينشؤون بخلاف ما ينشؤ غيرهم، وإن الصبي
منا إذا كان أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة، وإن الصبي منا ليتكلم في بطن أمه
ويقرأ القرآن ويعبد ربه (عزَّ وجلَّ)، وعند الرضاع تطيعه الملائكة وتنزل عليه
صباحاً ومساء. قالت حكيمة: فلم أزل أرى ذلك الصبي في كل أربعين يوماً إلى أن رأيته
رجلاً قبل مضي أبي محمد (عليه السلام) بأيام قلائل فلم أعرفه، فقلت لابن أخي (عليه
السلام) من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال لي: هذا ابن نرجس وهذا خليفتي
من بعدي، وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي. قالت حكيمة: فمضى أبو محمد (عليه
السلام) بعد ذلك بأيام قلائل، وافترق الناس كما ترى ووالله إني لأراه صباحاً ومساء
وإنه لينبئني عما تسألون عنه فأخبركم، ووالله إني لأريد أن أسأله عن الشيء فيبدأني
به وإنه ليرد عليَّ الأمر فيخرج إلي منه جوابه من ساعته من غير مسألتي. وقد أخبرني
البارحة بمجيئك إلي وأمرني أن أخبرك بالحق. قال محمد بن عبد الله: فوالله لقد
أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطلع عليها أحد إلا الله (عزَّ وجلَّ)، فعلمت أن ذلك صدق
وعدل من الله (عزَّ وجلَّ)، لأن الله (عزَّ وجلَّ) قد أطلعه على ما لم يطلع عليه
أحداً من خلقه).
كمال الدين: ٢/٤٩٨: سعد بن عبد الله: وحدثني أبو جعفر المروزي: عن جعفر بن عمرو
قال: خرجت إلى العسكر وأم أبي محمد (عليه السلام) في الحياة، ومعي جماعة فوافينا
العسكر فكتب أصحابي يستأذنون في الزيارة من داخل باسم رجل رجل، فقلت: لا تثبتوا
اسمي فإني لا أستأذن فتركوا اسمي فخرج الإذن: أدخلوا ومن أبي أن يستأذن)
ومثله غيبة الطوسي/٢٠٨، والخرائج: ٣/١١٣١، وعنه إثبات الهداة: ٣/٦٧٦، وعنهما
البحار: ٥١/٢٩٣، و٣٣٤. والمرجح عندي أن أمه توفيت في حياة أبيه (عليهما السلام) وأن
أمه في هذه الرواية هي الجارية المؤمنة صقيل التي كانت أمه تسمى باسمها وقد حبسوها
مدة. وقد تقدمت بعض أخبارها رحمها الله بمناسبتها في الفصول السابقة.
ختام في فضل ليلة مولده (عليه السلام) ليلة النصف من شعبان
في مصنف عبد الرزاق: ٤/٣١٦، عن كثير بن مرة: إن الله يطلع ليلة النصف من
شعبان
إلى العباد، فيغفر لأهل الأرض إلا رجل مشرك أو مشاحن).
وفي/٣١٧: عن ابن عمر قال: خمس ليال لا ترد فيهن الدعاء، ليلة الجمعة، وأول ليلة من
رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلتا العيدين).
وفي مسند أحمد: ٢/١٧٦، عن عبد الله بن عمرو، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال: يطلع الله (عزَّ وجلَّ) إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا لاثنين
مشاحن وقاتل نفس). وابن ماجة: ١/٤٤٥ ب، كما في رواية عبد الرزاق الأولى، وابن
حبان: ٧/٤٧٠، وتاريخ بغداد: ١٤/٢٨٥، كما في أحمد بتفاوت يسير. وفي مجمع الزوائد:
٨/٦٥، عن البزار عن عوف بن مالك وعن الطبراني في الكبير والأوسط، عن معاذ بن جبل
وقال: رجالهما ثقات.
وفي ابن ماجة: ١/٤٤٤: (عن عائشة قالت: فقدت النبي (صلى الله عليه وآله) ذات ليلة
فخرجت أطلبه، فإذا هو بالبقيع رافع رأسه إلى السماء فقال: يا عائشة أكنت تخافين أن
يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت قلت: وما بي ذلك ولكني ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال:
إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر
غنم كلب). ومثله الترمذي: ٣/١١٦.
وفي أمالي الشجري: ٢/١٠٧، عن أبي بكر عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن الله
تبارك وتعالى ينزل في النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لكل بشر ما خلا مشركا
أو إنسانا في قلبه شحناء).
وفي أمالي الشجري: ٢/١٠١، عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى
الله عليه وآله): إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا
سبحانه هو أجل وأعظم من أن يزول عن مكانه، ولكن نزوله على الشيء إقباله عليه لا
بجسم، فيقول: هل من سائل فأعطيه سؤله، هل من مستغفر فأغفر له، هل من تائب فأقبل
توبته، هل من مدين فأسهل عليه قضاء دينه؟ فاغتنموا هذه الليلة وسرعة الإجابة فيها).
أقول: ردَّ أهل البيت (عليهم السلام) أحاديث نزول الله سبحانه، لأنها تجسيم توجب
خضوع الله لقوانين الزمان والمكان وهو خالقهما، سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً.
ففي التوحيد للصدوق (رحمه الله) /١٧٦: (عن إبراهيم بن أبي محمود، قال: قلت للرضا (عليه السلام): يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا؟ فقال (عليه السلام): لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول الله كذلك! إنما قال: إن الله تبارك وتعالى ينزل ملكاً إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير، وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي هل من سائل فأعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ يا طالب الخير أقبل، يا طالب الشر أقصر، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء، حدثني بذلك أبي عن جدي، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)).
* * *
ومن
مصادرنا: ثواب الأعمال/١٠١، عن كردوس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من
أحيا ليلة العيد، وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه يوم تموت القلوب).
وفي أمالي الطوسي: ١/٣٠٢، عن جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) قال: سئل الباقر
(عليه السلام) عن فضل ليلة النصف من شعبان فقال: هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر، فيها
يمنح الله تعالى العباد فضله، ويغفر لهم بمنه، فاجتهدوا في القربة إلى الله فيها،
فإنها ليلة إلى الله تعالى على نفسه أن لا يرد سائلاً له فيها ما لم يسأل معصية.
وإنها الليلة التي جعلها الله لنا أهل البيت بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبينا (صلى
الله عليه وآله)، فاجتهدوا في الدعاء والثناء على الله (عزَّ وجلَّ) فإنه من سبح
الله تعالى فيها مائة مرة وحمده مائة مرة وكبره مائة مرة غفر الله تعالى له ما سلف
من معاصيه، وقضى له حوائج الدنيا والآخرة ما التمسه منه وما علم حاجته إليه وإن لم
يلتمسه منه، كرماً منه تعالى وتفضلاً على عباده. قال أبو يحيى: فقلت لسيدنا الصادق
(عليه السلام): أيش الأدعية فيها؟ فقال: إذا أنت صليت العشاء الآخرة فصل ركعتين،
اقرأ في الأولى بالحمد وسورة الجحد وهي: قل يا أيها الكافرون، واقرأ في الركعة
الثانية بالحمد وسورة التوحيد وهي: قل هو
الله
أحد، فإذا أنت سلمت قلت: سبحان الله " ثلاثاً وثلاثين مرة والحمد لله ثلاثاً
وثلاثين مرة، والله أكبر أربعاً وثلاثين مرة، ثم قل: يا من إليه ملجأ العباد في
المهمات... إلى آخر الدعاء. فإذا فرغ سجد يقول: يا رب عشرين مرة. يا محمد، سبع
مرات. لا حول ولا قوة إلا بالله، عشر مرات. ما شاء الله، عشر مرات. لا قوة إلا
بالله، عشر مرات. ثم تصلي على النبي (صلى الله عليه وآله) وتسأل الله حاجتك، فوالله
لو سألت بها بفضله وبكرمه عدد القطر لبلغك الله إياها بكرمه وفضله). ومثله مصباح
المتهجد/٧٦٢، وإقبال الأعمال/٧١٨، ووسائل الشيعة: ٥/٢٣٧، والبحار: ٩٧/٨٥، الخ.
وفي كامل الزيارات: ١/١٧٩، عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: (من أحب أن يصافحه
مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي، فليزر قبر أبي عبد الله الحسين بن علي (عليه
السلام) في النصف من شعبان، فإن أرواح النبيين (عليهم السلام) يستأذنون الله في
زيارته فيؤذن لهم. منهم خمسة أولو العزم من الرسل، قلنا من هم؟ قال: نوح وإبراهيم
وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم أجمعين. قلنا له: ما معنى أولي العزم؟ قال: بعثوا
إلى شرق الأرض وغربها، جنها وإنسها). والتهذيب: ٦/٤٨، ومصباح المتهجد/٧٦١،
والإقبال/٧١٠، ووسائل الشيعة: ١٠/٣٦٤، الخ.
وفي إثبات الهداة: ٣/٥٨١: (وقد وجد بخط الشهيد (رحمه الله) عن الصادق (عليه السلام)
قال: إن الليلة التي يولد فيها القائم (عليه السلام) لا يولد فيها مولود إلا كان
مؤمناً وإن ولد في أرض الشرك نقله الله إلى الإيمان ببركة الإمام (عليه السلام)).
وعنه البحار: ٥١/٢٨.
* * *
الفصل الخامس والثلاثون: من سيرة الإمام (عليه السلام) في غيبته الصغرى
السلطة تبحث عن الإمام بعد وفاة أبيه (عليهما السلام)
الكافي: ١/٥٢٥، عن الحسين بن الحسن العلوي قال: كان رجل من ندماء روز حسني وآخر معه
فقال له: هو ذا يَجبي الأموال وله وكلاء، وسموا جميع الوكلاء في النواحي وأنهى ذلك
إلى عبيد الله بن سليمان الوزير، فهمَّ الوزير بالقبض عليهم فقال السلطان: أطلبوا
أين هذا الرجل فإن هذا أمر غليظ، فقال عبيد الله بن سليمان: نقبض على الوكلاء، فقال
السلطان: لا ولكن دسوا لهم قوماً لا يعرفون بالأموال فمن قبض منهم شيئاً قبض عليه،
قال فخرج بأن يتقدم إلى جميع الوكلاء أن لا يأخذوا من أحد شيئاً وأن يمتنعوا من ذلك
ويتجاهلوا الأمر، فاندس لمحمد بن أحمد رجل لا يعرفه وخلا به فقال: معي مال أريد أن
أوصله، فقال له محمد: غلطت أنا لا أعرف من هذا شيئاً، فلم يزل يتلطفه ومحمد يتجاهل
عليه، وبثوا الجواسيس وامتنع الوكلاء كلهم لما كان تقدم إليهم). ونحوه تقريب
المعارف/١٩٧، وفيه: ورووا أن قوماً وشوا إلى عبيد الله بن سليمان الوزير بوكلاء
النواحي وقالوا: الأموال تجبى إليهم وسموهم له جميعهم فهم بالقبض عليهم، فخرج الأمر
من السلطان.. ونحوه إعلام الورى/٤٢١، وعنه إثبات الهداة: ٣/٦٦٥، والبحار: ٥١/٣١٠.
السلطة تمنع زيارة قبر الإمام الحسين وموسى بن جعفر (عليهما
السلام)
الكافي: ١/٥٢٥، عن علي بن محمد قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحير، فلما كان
بعد أشهر دعا الوزير الباقطائي فقال له: إلق بني الفرات والبرسيين وقل
لهم: لا يزوروا مقابر قريش فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليه). ومثله
تقريب المعارف/١٧٩، والإرشاد/٣٥٦، وغيبة الطوسي/١٧٢، والخرائج: ١/٤٦٥، وإعلام
الورى/٤٢١، وعنه إثبات الهداة: ٣/٦٦٥، وكشف الغمة: ٣/٢٤٦، عن الإرشاد، والبحار:
٥١/٣١٢، وقال: بنو الفرات رهط الوزير أبي الفتح الفضل بن جعفر بن فرات كان من وزراء
بني العباس... وبرس قرية بين الحلة والكوفة، والمراد بزيارة مقابر قريش زيارة
الكاظمين (عليهما السلام)).
هجوم السلطة على دار الإمام العسكري (عليه السلام) بعد وفاته
كمال الدين: ٢/٤٧٣، عن أبي الحسين الحسن بن وجناء قال: حدثنا أبي عن جده أنه كان في
دار الحسن بن علي (عليهما السلام) فكبستنا الخيل وفيهم جعفر بن علي الكذاب واشتغلوا
بالنهب والغارة، وكانت همتي في مولاي القائم (عليه السلام)، قال فإذا أنا به (عليه
السلام) قد أقبل وخرج عليهم من الباب وأنا أنظر إليه وهو (عليه السلام) ابن ست سنين
فلم يره أحد حتى غاب). ومثله منتخب الأنوار/١٥٩، وتبصرة الولي/٧٧٥، وعنه حلية
الأبرار: ٢/٥٤٦، والبحار: ٥٢/٤٧.
كمال الدين: ٢/٤٩٨، بسند صحيح: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، عن سعد بن عبد الله قال:
حدثني أبو علي المتيلي قال: جاءني أبو جعفر، فمضى بي إلى العباسية وأدخلني خربة
وأخرج كتاباً فقرأه عليَّ فإذا فيه شرح جميع ما حدث على الدار وفيه: إن فلانة يعني
أم عبد الله تؤخذ بشعرها وتُخرج من الدار ويُحدر بها إلى بغداد فتقعد بين يدي
السلطان، وأشياء مما يحدث! ثم قال لي: إحفظ، ثم مزق الكتاب، وذلك من قبل أن يحدث ما
حدث بمدة). وعنه إثبات الهداة: ٣/٦٧٦ والبحار: ٥١/٣٣٣.
أقول: يقصد بأبي جعفر: محمد بن عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله)، ومعناه أن العمري
أخبره بقصة هجوم السلطة لتفتيش بيت العسكري (عليه السلام) بعد وفاته بحثاً عن
المهدي (عليه السلام) وأنهم يشكُّون في امرأة أنها أم المهدي (عليه السلام) فيطلب
الخليفة إحضارها إليه فيأخذونها إلى بغداد! وقد تقدم في ذكر والدة الإمام أن الإمام
العسكري (عليه السلام) أخبرها بما سيجري فطلبت منه أن يدعو لها الله تعالى أن تموت
قبله، فدعا لها وماتت قبله وكتب على قبرها: هذا قبر أم محمد، (رضي الله عنها).
جعفر الكذاب يدعي أنه إمام
تقدم من مختصر إثبات الرجعة/٨، عن أبي خالد الكابلي عن الإمام زين العابدين (عليه
السلام) أن سبب تسمية الإمام جعفر بالصادق (عليه السلام) أنه سيكون من ذريتهم جعفر
الكذاب الذي يدعي الإمامة! وهو عم الإمام المهدي (عليه السلام)، وكان فاسقاً ماجناً
يشرب الخمر ويضرب بالطنبور ويقامر بالجوسق، وينادم الخليفة العباسي!
وتقدم من كمال الدين: ٢/٤٧٥، أن الخليفة قدم نديمه جعفر الكذاب ليصلي على جنازة
الإمام العسكري (عليه السلام) (فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما هم بالتكبير
خرج صبي بوجهه سمرة بشعره قطط بأسنانه تفليج فجبذ برداء جعفر بن علي وقال: تأخر يا
عم فأنا أحق بالصلاة على أبي! فتأخر جعفر وقد أربد وجهه واصفرّ! فتقدم الصبي وصلى
عليه. وأضاف الراوي: ثم خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر، فقال له حاجز الوشاء: يا
سيدي من الصبي لنقيم الحجة عليه؟ فقال: والله ما رأيته قط ولا أعرفه فنحن جلوس إذ
قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي (عليهما السلام) فعرفوا موته فقالوا: فمن
نعزي؟ فأشار الناس إلى جعفر بن علي فسلموا عليه وعزوه وهنوه وقالوا: إن معنا كتباً
ومالاً فتقول ممن الكتب وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: تريدون منا أن نعلم
الغيب، قال: فخرج الخادم(أي جاءهم بعد ذلك خادم الإمام المهدي (عليه السلام)) فقال:
معكم كتب فلان وفلان وفلان وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير منها مطلية، فدفعوا
إليه الكتب والمال وقالوا: الذي وجه بك لأخذ ذلك هو الإمام (عليه السلام) فدخل جعفر
بن علي على المعتمد وكشف له ذلك، فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية
فطالبوها بالصبي فأنكرته وادعت حَبَلاً بها لتغطي حال الصبي، فسلمت إلى ابن أبي
الشوارب القاضي! وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج
بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم، والحمد لله رب العالمين). انتهى.
وذكرت رواية أن الخليفة أمر بحبس الجارية صقيل، وهو اسم أطلق على أم الإمام (عليه
السلام) مع بقية النساء لسنتين لأن فتوى فقهائهم أن أكثر الحمل سنتين! وغرضهم أن
تلد الحامل منهن فيقبضوا على ابنها ويقتلوه! وجعل حبسهن بإشراف مباشر من قاضي قضاة
الخلافة ابن أبي الشوارب، بسبب أهمية الموضوع عنده.
وتقدم في ترجمة والدة الإمام المهدي (عليه السلام) أن شخصاً باسم الخيزراني كان
أهدى جارية إلى الإمام العسكري (عليه السلام) ففرت من المنزل عندما داهمته السلطة
إلى بيت سيدها السابق وحدثته عن ولادة الإمام (عليه السلام)). (كمال الدين: ٢/٤٣١).
* * *
وفي
روضة الواعظين/٢٦٦: وكان قد أخفى مولده، وستر أمره لصعوبة الوقت وشدة طلب سلطان
الزمان إياه واجتهاده في البحث عن أمره، فلما شاع من مذهب الشيعة الإمامية فيه وعرف
من انتظارهم له فلم يظهر والده في حياته (عليه السلام)، ولا عرفه الجمهور بعد
وفاته، وتولى جعفر بن علي أخو أبى محمد (عليه السلام) أخذ تركته وسعى في حبس جواري
أبى محمد واعتقال حلائله، وشنع على أصحابه بانتظارهم ولده، وقطعهم بوجوده والقول
بإمامته وأغرى بالقوم حتى أخافهم وشردهم، وجرى على مخلفي أبى محمد (عليه السلام)
بسبب ذلك عظيم من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذل، ولم يظفر السلطان منهم
بطائل وحاز جعفر ظاهر تركة أبي محمد، واجتهد في القيام عند الشيعة مقام أخيه فلم
يقبل أحد منهم ذلك ولا اعتقد فيه، فصار إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه وبذل
مالاً جليلاً وتقرب بكل ما ظن أنه يتقرب به فلن ينتفع بشيء من ذلك).
ويظهر أن الهجوم الأول على دار الإمام (عليه السلام) وقع بمجرد دفن الإمام العسكري
(عليه السلام)، وسببه أن الإمام (عليه السلام) فاجأهم وصلى على جنازة أبيه (عليهما
السلام).
والهجوم الثاني كان لتنفيذاً مرسوم الخليفة لجعفر الكذاب بأنه الوارث الوحيد لأخيه
الإمام العسكري (عليه السلام) فجاء جعفر مع الشرطة وضبط تركة أخيه (عليه السلام)
واستلم داره
وتصدر
مجلسه، وكتب إلى علماء الشيعة وشخصياتهم أن يقبلوه إماماً!
ففي كمال الدين: ٢/٤٤٢، عن محمد بن صالح بن علي بن محمد بن قنبر الكبير مولى الرضا
(عليه السلام) قال: خرج صاحب الزمان على جعفر الكذاب من موضع لم يعلم به، عندما
نازع في الميراث بعد مضي أبي محمد (عليه السلام) فقال له: يا جعفر مالك تعرض في
حقوقي؟! فتحير جعفر وبهت! ثم غاب عنه فطلبه جعفر بعد ذلك في الناس فلم يره! فلما
ماتت الجدة أم الحسن أمرت أن تدفن في الدار، فنازعهم وقال: هي داري لا تدفن فيها
فخرج (عليه السلام) فقال: يا جعفر أدارك هي؟ ثم غاب عنه فلم يره بعد ذلك). وعنه
الخرائج: ٢/٩٦٠، وتبصرة الولي/٧٦٧، والبحار: ٥٢/٤٢.
وفي الكافي: ١/٥٢٤، عن علي بن محمد قال: باع جعفر فيمن باع صبية جعفرية كانت في
الدار يربونها، فبعث بعض العلويين وأعلم المشتري خبرها! فقال المشتري: قد طابت نفسي
بردها وأن لا أرزأ من ثمنها شيئاً فخذها، فذهب العلوي فأعلم أهل الناحية الخبر
فبعثوا إلى المشتري بأحد وأربعين ديناراً، وأمروه بدفعها إلى صاحبها). وعنه إثبات
الهداة: ٣/٦٦٥، والبحار: ٥٠/٢٣٢.
وفي غيبة الطوسي/١٧٤، بسند صحيح عن سعد بن عبد الله الأشعري قال: حدثنا الشيخ
الصدوق أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري (رحمه الله) أنه جاءه بعض أصحابنا يعلمه أن
جعفر بن علي كتب إليه كتاباً يعرفه فيه نفسه ويعلمه أنه القيم بعد أخيه، وأن عنده
من علم الحلال والحرام وما يحتاج إليه وغير ذلك من العلوم كلها! قال أحمد بن إسحاق:
فلما قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان (عليه السلام) وصيرت كتاب جعفر في درجه،
فخرج الجواب إليَّ في ذلك: (بسم الله الرحمن الرحيم أتاني كتابك أبقاك الله،
والكتاب الذي أنفذته درجه وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمنه على اختلاف ألفاظه، وتكرر
الخطأ فيه، ولو تدبرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه، والحمد لله رب العالمين
حمداً لا شريك له على إحسانه إلينا، وفضله علينا.
أبى الله (عزَّ وجلَّ) للحق إلا إتماماً وللباطل إلا زهوقاً، وهو شاهد علي بما أذكره، ولي عليكم بما أقوله إذا اجتمعنا ليوم لا ريب فيه، ويسألنا عما نحن فيه مختلفون. إنه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه ولا عليك ولا على أحد من الخلق جميعاً إمامة مفترضة ولا طاعة ولا ذمة، وسأبين لكم جملة تكتفون بها إن شاء الله تعالى. يا هذا يرحمك الله إن الله تعالى لم يخلق الخلق عبثاً ولا أهملهم سدى، بل خلقهم بقدرته وجعل لهم أسماعاً وأبصاراً وقلوباً وألباباً، ثم بعث إليهم النبيين (عليهم السلام) مبشرين ومنذرين، يأمرونهم بطاعته وينهونهم عن معصيته، ويعرفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم، وأنزل عليهم كتاباً وبعث إليهم ملائكة، يأتين بينهم وبين من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعله لهم عليهم، وما آتاهم من الدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة والآيات الغالبة، فمنهم من جعل النار عليه برداً وسلاماً واتخذه خليلاً، ومنهم من كلمه تكليماً وجعل عصاه ثعباناً مبيناً، ومنهم من أحيا الموتى بإذن الله، وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله، ومنهم من علمه منطق الطير وأوتي من كل شيء. ثم بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) رحمة للعالمين وتمم به نعمته وختم به أنبياءه، وأرسله إلى الناس كافة، وأظهر من صدقه ما أظهر وبين من آياته وعلاماته ما بين، ثم قبضه (صلى الله عليه وآله) حميداً فقيداً سعيداً، وجعل الأمر بعده إلى أخيه وابن عمه ووصيه ووارثه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم إلى الأوصياء من ولده واحداً واحداً، أحيا بهم دينه وأتم بهم نوره وجعل بينهم وبين إخوانهم وبني عمهم والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقاناً بيناً يعرف به الحجة من المحجوج والإمام من المأموم، بأن عصمهم من الذنوب، وبرأهم من العيوب، وطهرهم من الدنس، ونزههم من اللبس وجعلهم خزان علمه ومستودع حكمته وموضع سره، وأيدهم بالدلائل، ولولا ذلك لكان الناس على سواء، ولادعى أمر الله (عزَّ وجلَّ) كل أحد، ولما عرف الحق من الباطل ولا العالم من الجاهل. وقد ادعى هذا المبطل المفتري على الله الكذب بما ادعاه، فلا أدري بأية حالة هي له رجاء أن يتم دعواه، أبفقه في دين الله؟ فو الله ما
يعرف حلالاً من حرام ولا يفرق بين خطأ وصواب! أم بعلم؟ فما يعلم حقاً من باطل ولا محكماً من متشابه، ولا يعرف حد الصلاة ووقتها! أم بورع؟ فالله شهيد على تركه الصلاة الفرض أربعين يوماً، يزعم ذلك لطلب الشعوذة، ولعل خبره قد تأدى إليكم، وهاتيك ظروف مسكره منصوبة، وآثار عصيانه لله (عزَّ وجلَّ) مشهورة قائمة. أم بآية فليأت بها! أم بحجة فليقمها! أم بدلالة فليذكرها! قال الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. (مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ. قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرض أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُواْ مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ. وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ). فالتمس تولى الله توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت لك وامتحنه وسله عن آية من كتاب الله يفسرها أو صلاة فريضة يبين حدودها، وما يجب فيها لتعلم حاله ومقداره ويظهر لك عواره ونقصانه، والله حسيبه. حفظ الله الحق على أهله وأقره في مستقره، وقد أبى الله (عزَّ وجلَّ) أن تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام)، وإذا أذن الله لنا في القول ظهر الحق واضمحل الباطل وانحسر عنكم. وإلى الله أرغب في الكفاية وجميل الصنع والولاية، وحسبنا الله ونعم الوكيل). ومثله الاحتجاج: ٢/٤٦٨، وعنه إثبات الهداة: ١/٥٥٠.. الخ.
* * *
وفي كمال الدين: ٢/٤٧٦، عن أبي الحسن علي بن سنان الموصلي قال: حدثني أبي قال: لما قبض سيدنا أبو محمد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليهما وفد من قم والجبال وفود بالأموال التي كانت تحمل على الرسم والعادة، ولم يكن عندهم خبر وفاة الحسن (عليه السلام) فلما أن وصلوا إلى سر من رأى سألوا عن سيدنا الحسن بن علي (عليهما السلام) فقيل لهم: إنه قد فقد، فقالوا: ومن وارثه؟ قالوا: أخوه جعفر بن علي
فسألوا عنه فقيل لهم إنه قد خرج متنزهاً وركب زورقاً في الدجلة يشرب ومعه المغنون، قال: فتشاور القوم فقالوا: هذه ليست من صفة الإمام، وقال بعضهم لبعض: امضوا بنا حتى نرد هذه الأموال على أصحابها! فقال أبو العباس محمد بن جعفر الحميري القمي: قفوا بنا حتى ينصرف هذا الرجل ونختبر أمره بالصحة. قال: فلما انصرف دخلوا عليه فسلموا عليه وقالوا: يا سيدنا نحن من أهل قم ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها، وكنا نحمل إلى سيدنا أبي محمد الحسن بن علي الأموال فقال: وأين هي؟ قالوا: معنا، قال: إحملوها إليَّ، قالوا: لا، إن لهذه الأموال خبراً طريفاً، فقال: وما هو؟ قالوا: إن هذه الأموال تجمع ويكون فيها من عامة الشيعة الدينار والديناران، ثم يجعلونها في كيس ويختمون عليه، وكنا إذا وردنا بالمال على سيدنا أبي محمد (عليه السلام) يقول: جملة المال كذا وكذا ديناراً من عند فلان كذا ومن عند فلان كذا، حتى يأتي على أسماء الناس كلهم، ويقول ما على الخواتيم من نقش. فقال جعفر: كذبتم تقولون على أخي ما لا يفعله، هذا علم الغيب ولا يعلمه إلا الله. قال: فلما سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر إلى بعض فقال لهم: إحملوا هذا المال إليَّ، قالوا: إنا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب المال ولا نسلم المال إلا بالعلامات التي كنا نعرفها من سيدنا الحسن بن علي (عليهما السلام) فإن كنت الإمام فبرهن لنا وإلا رددناها إلى أصحابها يرون فيها رأيهم. قال: فدخل جعفر على الخليفة وكان بسر من رأى فاستعدى عليهم، فلما أحضروا قال الخليفة: إحملوا هذا المال إلى جعفر، قالوا: أصلح الله أمير المؤمنين إنا قوم مستأجرون، وكلاء لأرباب هذه الأموال وهي وداعة لجماعة وأمرونا بأن لا نسلمها إلا بعلامة ودلالة، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام)! فقال الخليفة: فما كانت العلامة التي كانت مع أبي محمد قال القوم: كان يصف لنا الدنانير وأصحابها والأموال وكم هي؟ فإذا فعل ذلك سلمناها إليه، وقد وفدنا إليه مراراً فكانت هذه علامتنا معه ودلالتنا، وقد مات فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه، وإلا رددناها
إلى
أصحابها! فقال جعفر: يا أمير المؤمنين إن هؤلاء قوم كذابون يكذبون على أخي وهذا علم
الغيب فقال الخليفة: القوم رسل وما على الرسول إلا البلاغ المبين. قال: فبهت جعفر
ولم يرد جواباً، فقال القوم: يتطول أمير المؤمنين بإخراج أمره إلى من يبدرقنا حتى
نخرج من هذه البلدة، قال: فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها، فلما أن خرجوا من البلد خرج
إليهم غلام أحسن الناس وجهاً كأنه خادم، فنادي يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان
أجيبوا مولاكم، قال فقالوا: أنت مولانا، قال: معاذ الله أنا عبد مولاكم فسيروا
إليه، قالوا: فسرنا معه حتى دخلنا دار مولانا الحسن بن علي (عليهما السلام) فإذا
ولده القائم سيدنا (عليه السلام) قاعد على سرير كأنه فلقة قمر، عليه ثياب خضر،
فسلمنا عليه فرد علينا السلام ثم قال: جملة المال كذا وكذا ديناراً حمل فلان كذا،
وفلان كذا، ولم يزل يصف حتى وصف الجميع. ثم وصف ثيابنا ورحالنا وما كان معنا من
الدواب، فخررنا سجدا لله (عزَّ وجلَّ) شكراً لما عرفنا وقبلنا الأرض بين يديه
وسألناه عما أردنا فأجاب، فحملنا إليه الأموال، وأمرنا القائم (عليه السلام) أن لا
نحمل إلى سر من رأى بعدها شيئاً من المال. فإنه ينصب لنا ببغداد رجلاً يحمل إليه
الأموال ويخرج من عنده التوقيعات، قال فانصرفنا من عنده، ودفع إلى أبي العباس محمد
بن جعفر القمي الحميري شيئاً من الحنوط والكفن فقال له: أعظم الله أجرك في نفسك،
قال: فما بلغ أبو العباس عقبة همدان حتى توفي (رحمه الله). وكان بعد ذلك نحمل
الأموال إلى بغداد إلى النواب المنصوبين بها ويخرج من عندهم التوقيعات. قال مصنف
هذا الكتاب (رضي الله عنه): هذا الخبر يدل على أن الخليفة كان يعرف هذا الأمر كيف
هو وأين موضعه، فلهذا كف عن القوم عما معهم من الأموال، ودفع جعفراً الكذاب عن
مطالبتهم ولم يأمرهم بتسليمها إليه إلا أنه كان يحب أن يَخفى هذا الأمر ولا ينشر
لئلا يهتدي إليه الناس فيعرفونه!
وقد كان جعفر الكذاب حمل إلى الخليفة عشرين ألف دينار لما توفي الحسن بن
علي
(عليهما السلام) وقال: يا أمير المؤمنين تجعل لي مرتبة أخي الحسن ومنزلته. فقال
الخليفة: إعلم أن منزلة أخيك لم تكن بنا إنما كانت بالله (عزَّ وجلَّ) ونحن كنا
نجتهد في حط منزلته والوضع منه، وكان الله (عزَّ وجلَّ) يأبى إلا أن يزيده كل يوم
رفعة لما كان فيه من الصيانة وحسن السمت والعلم والعبادة، فإن كنت عند شيعة أخيك
بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، وإن لم تكن عندهم بمنزلته ولم يكن فيك ما كان في أخيك
لم نغنك في ذلك شيئاً). ومثله ثاقب المناقب/٢٦٧، وتبصرة الولي/٧٧٦، وعنه إثبات
الهداة: ٣/٦٧٢، والبحار: ٥٢/٤٧ و: ٧٦/٦٣، ونحوه الخرائج: ٣/١١٠٨..
كمال الدين: ٢/٤٨٨، عن محمد بن شاذان بن نعيم قال: بعث رجل من أهل بلخ بمال ورقعة
ليس فيها كتابة قد خط فيها بأصبعه كما تدور من غير كتابة، وقال للرسول: إحمل هذا
المال فمن أخبرك بقصته وأجاب عن الرقعة فأوصل إليه المال، فصار الرجل إلى العسكر
وقد قصد جعفراً وأخبره الخبر فقال له جعفر: تقر بالبداء؟ قال الرجل: نعم، قال له:
فإن صاحبك قد بدا له وأمرك أن تعطيني المال! فقال له الرسول: لا يقنعني هذا الجواب،
فخرج من عنده وجعل يدور على أصحابنا فخرجت إليه رقعة قال: هذا مال قد كان غرر به
وكان فوق صندوق فدخل اللصوص البيت وأخذوا ما في الصندوق وسلم المال، وردت عليه
الرقعة وقد كتب فيها كما تدور، وسألت الدعاء فعل الله بك وفعل). ومثله دلائل
الإمامة/٢٨٧، والخرائج: ٣/١١٢٩، وثاقب المناقب/٢٦١، عنه إثبات الهداة: ٣/٦٧٣،
والبحار: ٥١/٣٢٧.
* * *
الكافي: ١/٥٢٣، عن الحسن بن عيسى العريضي قال: لما مضى أبو محمد (عليه السلام) ورد رجل من أهل مصر بمال إلى مكة للناحية فاختلف عليه، فقال بعض الناس: إن أبا محمد (عليه السلام) مضى من غير خلف والخلف جعفر، وقال بعضهم: مضى أبو محمد عن خلف، فبعث رجلاً يكنى بأبي طالب فورد العسكر ومعه كتاب فصار إلى جعفر وسأله عن برهان، فقال: لا يتهيأ في هذا الوقت، فصار إلى الباب وأنفذ الكتاب إلى أصحابنا فخرج إليه: آجرك الله في صاحبك فقد مات وأوصى بالمال الذي كان معه
إلى ثقة ليعمل فيه بما يجب، وأجيب عن كتابه). ومثله الإرشاد/٣٥٥، وتقريب المعارف/١٩٥، وكشف الغمة: ٣/٢٤٥، وإثبات الهداة: ٣/٦٦٣، والبحار: ٥١/٢٩٩، عن الإرشاد.
* * *
كمال
الدين: ٢/٤٨٣، عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) أن
يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ، فوردت في التوقيع بخط مولانا
صاحب الزمان (عليه السلام): أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك من أمر المنكرين لي
من أهل بيتنا وبني عمنا فاعلم أنه ليس بين الله (عزَّ وجلَّ) وبين أحد قرابة ومن
أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح (عليه السلام). أما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل
إخوة يوسف (عليه السلام). وأما الفقاع فشربه حرام ولا بأس بالشلماب، وأما أموالكم
فلا نقبلها إلا لتطهروا فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع، فما آتاني الله خير مما
آتاكم. وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله تعالى ذكره وكذب الوقاتون. وأما قول من زعم
أن الحسين (عليه السلام) لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال. وأما الحوادث الواقعة فارجعوا
فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم. وأما محمد بن عثمان
العمري (رضي الله عنه) وعن أبيه من قبل، فإنه ثقتي وكتابه كتابي. وأما محمد بن علي
بن مهزيار الأهوازي فسيصلح الله له قلبه ويزيل عنه شكه. وأما ما وصلتنا به فلا قبول
عندنا إلا لما طاب وطهر وثمن المغنية حرام. وأما محمد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من
شيعتنا أهل البيت. وأما أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع فملعون وأصحابه
ملعونون، فلا تجالس أهل مقالتهم فإني منهم برئ، وآبائي (عليهم السلام) منهم براء.
وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئاً فأكله فإنما يأكل النيران. وأما
الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا
تخبث. وأما ندامة قوم قد شكوا في دين الله (عزَّ وجلَّ) على ما وصلونا به فقد أقلنا
من استقال ولا حاجة في صلة الشاكين.
وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ
أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)، إنه لم
يكن أحد من آبائي (عليهم السلام) إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني
أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي. وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي
فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن
النجوم أمان لأهل السماء، فأغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم ولا تتكلفوا علم ما قد
كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم. والسلام عليك يا إسحاق بن
يعقوب وعلى من اتبع الهدى). وغيبة الطوسي/١٧٦، ومثله إعلام الورى/٤٢٣، والخرائج:
٣/١١١٣، والاحتجاج: ٢/٤٦٩، وكشف الغمة: ٣/٣٢١، عن إعلام الورى. وعنه منتخب الأنوار
/١٢٢، وإثبات الهداة: ٣/٧٥٦، أوله، عن غيبة الطوسي، والبحار: ٥٠/٢٢٧، بعضه، عن
الاحتجاج. وفي: ٥١/٣٤٩، عن غيبة الطوسي... إلى آخر المصادر.
هذا، وسيأتي بعض ما يتعلق بجعفر الكذاب في توقيعات الإمام (عليه السلام).
الكافي: ١/٣٣١، عن أبي عبد الله بن صالح أنه رآه عند الحجر الأسود والناس يتجاذبون
عليه وهو يقول: ما بهذا أمروا). ومثله الإرشاد/٣٥٠، والمستجاد/٥٣٠ وعنه كشف الغمة:
٣/٢٤٠، والصراط المستقيم: ٢/٢٤٠، وتبصرة الولي/٧٦٦، والبحار: ٥٢/٦٠.
* * *
من معجزات المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) وإجاباته الفقهية والعقائدية
ولادة الصدوق (رحمه الله) بدعاء الإمام (عليه السلام):
كمال الدين/٥٠٢: (وحدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رضي الله عنه) قال: سألني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (رضي الله عنه) بعد موت محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه)، أن أسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) أن يدعو الله (عزَّ وجلَّ) أن يرزقه ولداً ذكراً قال: فسألته فأنهى ذلك، ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنه قد دعا لعلي بن الحسين وأنه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به وبعده أولاد. قال أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رضي الله عنه)، وسألته في أمر نفسي أن يدعو الله لي أن يرزقني ولداً، فلم يجبني إليه وقال: ليس إلى هذا سبيل، قال: فولد لعلي بن الحسين (رضي الله عنه)
محمد
بن علي وبعده أولاد ولم يولد لي شيء. قال مصنف هذا الكتاب (رضي الله عنه): كان أبو
جعفر محمد بن علي الأسود (رضي الله عنه) كثيراً ما يقول لي إذا رآني أختلف إلى مجلس
شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد وأرغب في كتب العلم وحفظه: ليس بعجب أن يكون
لك هذه الرغبة في العلم، أنت ولدت بدعاء الإمام). وفي رجال النجاشي/٢٦١: علي بن
الحسين بن موسى بن بابويه القمي أبو الحسن شيخ القميين في عصره ومتقدمهم وفقيههم
وثقتهم، كان قدم العراق واجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روح (رحمه الله) وسأله
مسائل، ثم كاتبه بعد ذلك على يد علي بن جعفر بن الأسود يسأله أن يوصل له رقعة إلى
الصاحب (عليه السلام) ويسأله فيها الولد فكتب إليه: قد دعونا الله لك بذلك، وسترزق
ولدين ذكرين خيرين. فولد له أبو جعفر وأبو عبد الله من أم ولد، وكان أبو عبد الله
الحسين بن عبد الله يقول سمعت أبا جعفر يقول: أنا ولدت بدعوة صاحب الأمر (عليه
السلام)، ويفتخر بذلك).
وفي غيبة الطوسي/١٨٧، بمعناه، وفيه: (أن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه كانت تحته
بنت عمه محمد بن موسى بن بابويه، فلم يرزق منها ولداً، فكتب إلى الشيخ أبي القاسم
الحسين بن روح (رضي الله عنه) أن يسأل الحضرة أن يدعو الله أن يرزقه أولاداً فقهاء
فجاء الجواب: إنك لا ترزق من هذه وستملك جارية ديلمية وترزق منها ولدين فقيهين.
قال: وقال لي أبو عبد الله بن سورة حفظه الله، ولأبي الحسن بن بابويه (رحمه الله)
ثلاثة أولاد محمد والحسين فقيهان ماهران في الحفظ ويحفظان ما لا يحفظ غيرهما من أهل
قم، ولهما أخ اسمه الحسن وهو الأوسط مشتغل بالعبادة والزهد لا يختلط بالناس ولا فقه
له. قال ابن سورة: كلما روى أبو جعفر وأبو عبد الله ابنا علي بن الحسين شيئاً يتعجب
الناس من حفظهما ويقولون لهما: الشأن خصوصية لكما بدعوة الإمام لكما، وهذا أمر
مستفيض في أهل قم). والخرائج: ٢/٧٩٠ و: ٣/١١٢٤، والبحار: ٥١/٣٠٦ و٣٢٤. إلى آخر
المصادر.
* * *
غيبة الطوسي/٢٢٦، عن جعفر بن أحمد النوبختي قال: قال لي أبي أحمد بن إبراهيم وعمي أبو جعفر عبد الله بن إبراهيم وجماعة من أهلنا يعني بني نوبخت: إن أبا جعفر العمري لما اشتدت حاله اجتمع جماعة من وجوه الشيعة منهم أبو علي بن همام، وأبو عبد الله بن محمد الكاتب، وأبو عبد الله الباقطاني، وأبو سهل بن إسماعيل النوبختي، وأبو عبد الله بن الوجنا، وغيرهم من الوجوه والأكابر، فدخلوا على أبي جعفر (رضي الله عنه) فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر (عليه السلام)، والوكيل والثقة الأمين فارجعوا إليه في أموركم وعولوا عليه في مهماتكم، فبذلك أمرت وقد بلغت). وعنه البحار: ٥١/٣٥٥. وفي كمال الدين: ٢/٥٠٢: (وحدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رضي الله عنه) أن أبا جعفر العمري حفر لنفسه قبراً وسواه بالساج، فسألته عن ذلك فقال: للناس أسباب. ثم سألته بعد ذلك فقال: قد أمرت أن أجمع أمري فمات بعد ذلك بشهرين (رضي الله عنه)). ومثله غيبة الطوسي/٢٢٢، والخرائج: ٣/١١٢٠، وعنه إعلام الورى/٤٢٢، وعنهما إثبات الهداة: ٣/٦٧٧، والبحار: ٥١/٣٥١. وسيأتي فصل السفراء رضوان الله عليهم.
* * *
الخرايج: ١/٤٧٥، عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال: لما وصلت بغداد في سنة تسع وثلاثين(وثلاثمائة) للحج وهي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت، كان أكبر همي الظفر بمن ينصب الحجر، لأنه مضى في أثناء الكتب(كذا) قصة أخذه وأنه ينصبه في مكانه الحجة في الزمان، كما في زمان الحجاج وضعه زين العابدين (عليه السلام) في مكانه فاستقر. فاعتللت علة صعبة خفت منها على نفسي، ولم يتهيأ لي ما قصدت له فاستنبت المعروف بابن هشام وأعطيته رقعة مختومة أسأل فيها عن مدة عمري، وهل تكون المنية في هذه العلة أم لا؟ وقلت: همي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه وأخذ جوابه وإنما أندبك لهذا. قال فقال المعروف بابن هشام: لما حصلت بمكة وعُزم على إعادة الحجر بذلت
لسدنة البيت جملة تمكنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه، وأقمت معي منهم من يمنع عني ازدحام الناس، فكلما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام اسمر اللون حسن الوجه فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام كأنه لم يزل عنه وعلت لذلك الأصوات، وانصرف خارجاً من الباب، فنهضت من مكاني أتبعه وأدفع الناس عني يميناً وشمالاً حتى ظن بي الاختلاط في العقل والناس يفرجون لي وعيني لا تفارقه، حتى انقطع عن الناس، فكنت أسرع السير خلفه وهو يمشي على تؤده ولا أدركه، فلما حصل بحيث لا أحد يراه غيري، وقف والتفت إلي فقال: هات ما معك فناولته الرقعة، فقال من غير أن ينظر فيها: قل له لا خوف عليك في هذه العلة، ويكون ما لا بد منه بعد ثلاثين سنة! قال: فوقع عليَّ الزمع حتى لم أطق حراكاً وتركني وانصرف! قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة، فلما كان سنة تسع وستين اعتل أبو القاسم فأخذ ينظر في أمره وتحصيل جهازه إلى قبره وكتب وصيته واستعمل الجد في ذلك. فقيل له: ما هذا الخوف؟ وترجو أن يتفضل الله تعالى بالسلامة فما عليك مخوفة. فقال: هذه السنة التي خوفت فيها، فمات في علته). وعنه كشف الغمة: ٣/٢٩٢، وكذا فرج المهموم/٢٥٤ والصراط المستقيم: ٢/٢١٣، وإثبات الهداة: ٣/٦٩٤، والبحار: ٥٢/٥٨ و: ٩٩/٢٢٦.
* * *
غيبة الطوسي/١٦٤، محمد بن يعقوب رفعه عن الزهري قال: طلبت هذا الأمر طلباً شاقاً حتى ذهب لي فيه مال صالح، فوقعت إلى العمري وخدمته ولزمته وسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان، فقال لي: ليس إلى ذلك وصول، فخضعت فقال لي: بكر بالغداة فوافيت فاستقبلني ومعه شاب من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم رائحة بهيئة التجار وفي كمه شيء كهيئة التجار، فلما نظرت إليه دنوت من العمري فأومأ إلي فعدلت إليه وسألته فأجابني عن كل ما أردت، ثم مر ليدخل الدار وكانت من الدور التي لا يكترث لها، فقال العمري إن أردت أن تسأل سل فإنك لا تراه بعد ذا،
فذهبت
لأسأل فلم يسمع ودخل الدار وما كلمني بأكثر من أن قال: ملعون ملعون من أخر العشاء
إلى أن تشتبك النجوم، ملعون ملعون من أخر الغداة إلى أن تقضي النجوم، ودخل الدار).
ومثله الاحتجاج: ٢/٤٧٩، ومنتخب الأنوار/١٤٢ ووسائل الشيعة: ٣/١٤٧، وتبصرة
الولي/٧٨١، وعنهما البحار: ٥٢/١٥.
غيبة الطوسي/١٧٨، عن علي بن أحمد الدلال القمي قال: اختلف جماعة من الشيعة في أن
الله (عزَّ وجلَّ) فوض إلى الأئمة صلوات الله عليهم أن يخلقوا أو يرزقوا، فقال قوم
هذا محال لا يجوز على الله تعالى لأن الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله (عزَّ
وجلَّ)، وقال آخرون بل الله تعالى أقدر الأئمة على ذلك وفوضه إليهم فخلقوا ورزقوا،
وتنازعوا في ذلك تنازعاً شديداً فقال قائل: ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد
بن عثمان العمري فتسألونه عن ذلك فيوضح لكم الحق فيه، فإنه الطريق إلى صاحب الأمر
(عجّل الله فرجه)، فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلمت وأجابت إلى قوله، فكتبوا المسألة
وأنفذوها إليه فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته: إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام
وقسم الأرزاق، لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء وَهُوَ
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. وأما الأئمة (عليهم السلام) فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق،
ويسألونه فيرزق، إيجاباً لمسألتهم وإعظاماً لحقهم). ومثله الاحتجاج/٤٧١، وعنهما
إثبات الهداة: ٣/٧٥٧ و٧٦٣، والبحار: ٢٥/٣٢٩.
* * *
الاحتجاج: ٢/٤٧٣، قال: ومما خرج عن صاحب الزمان صلوات الله عليه رداً على الغلاة من التوقيع، جواباً لكتاب كتب على يدي محمد بن علي بن هلال الكرخي: يا محمد بن علي، تعالى الله وجل عما يصفون سبحانه وبحمده، ليس نحن شركاءه في علمه ولا في قدرته، بل لا يعلم الغيب غيره كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض الْغَيْبَ إِلا اللهُ). وأنا وجميع آبائي من الأولين آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم من النبيين، ومن الآخرين محمد رسول
الله وعلي بن أبي طالب وغيرهم ممن مضى من الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين، إلى مبلغ
أيامي ومنتهى عصري، عبيد الله (عزَّ وجلَّ)، يقول الله (عزَّ وجلَّ): (وَمَنْ
أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَعْمَى. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ
بَصِيراً. قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ
تُنْسَى).
يا محمد بن علي قد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم، ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه،
فأشهد الله الذي لا إله إلا هو وكفى به شهيداً ورسوله محمداً (صلى الله عليه وآله)
وملائكته وأنبياءه وأولياءه (عليهم السلام) وأشهدك وأشهد كل من سمع كتابي هذا، أني
برئ إلى الله وإلى رسوله ممن يقول إنا نعلم الغيب ونشاركه في ملكه، أو يحلنا محلاً
سوى المحل الذي رضيه الله لنا وخلقنا له، أو يتعدى بنا عما قد فسرته لك وبينته في
صدر كتابي. وأشهدكم أن كل من نبرأ منه فإن الله يبرأ منه وملائكته ورسله وأولياؤه
وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب أمانة في عنقك وعنق من سمعه أن لا يكتمه لأحد
من مواليَّ وشيعتي حتى يظهر على هذا التوقيع الكل من مواليَّ لعل الله (عزَّ وجلَّ)
يتلافاهم فيرجعون إلى دين الله الحق، وينتهون عما لا يعلمون منتهى أمره ولا مبلغ
منتهاه فكل من فهم كتابي ولا يرجع إلى ما قد أمرته ونهيته فقد حلت عليه اللعنة من
الله وممن ذكرت من عباده الصالحين). وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٦٣، والبحار: ٢٥/٢٦٦.
* * *
العياشي: ١/١٦، عن يوسف بن السخت البصري، قال: رأيت التوقيع بخط محمد بن محمد بن
علي فكان فيه: الذي يجب عليكم ولكم أن تقولوا إنا قدوة الله وأئمة وخلفاء الله في
أرضه وأمناؤه على خلقه، وحججه في بلاده، نعرف الحلال والحرام ونعرف تأويل الكتاب
وفصل الخطاب). وعنه البرهان: ١/١٧ والبحار: ٩٢/٩٦.
وفي الكافي: ١/٥١٩، عن علي بن الحسين اليماني، فيه قصة مجيئه إلى سامراء، وتشرفه
بلقاء الإمام (عليه السلام). وكمال الدين: ٢/٤٩١، والهداية الكبرى/٧٢،
والإرشاد/٣٥٢، وتقريب
المعارف/١٩٣، وكلها كما في الكافي بتفاوت يسير. وكشف الغمة: ٣/٢٤٢، عن الإرشاد،
والبحار: ٥١/٣٢٩ و٣٣٠، عن كمال الدين والإرشاد.
غيبة الطوسي/١٧٢، عن علي بن إبراهيم الرازي قال: حدثني الشيخ الموثوق به بمدينة
السلام قال: تشاجر ابن أبي غانم القزويني وجماعة من الشيعة في الخلف فذكر ابن أبي
غانم أن أبا محمد (عليه السلام) مضى ولا خلف له، ثم إنهم كتبوا في ذلك كتاباً
وأنفذوه إلى الناحية وأعلموه بما تشاجروا فيه. فورد جواب كتابهم بخطه عليه وعلى
آبائه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم. عافانا الله وإياكم من الضلالة والفتن ووهب
لنا ولكم روح اليقين، وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب. إنه أنهيَ إليَّ ارتياب جماعة
منكم في الدين، وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمورهم، فغمنا ذلك لكم لا لنا
وساءنا فيكم لا فينا، لأن الله معنا ولا فاقة بنا إلى غيره، والحق معنا فلن يوحشنا
من قعد عنا، ونحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائعنا. يا هؤلاء ما لكم في الريب تترددون
وفي الحيرة تنعكسون، أوَ ما سمعتم الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر
مِنْكُمْ)؟ أوَما علمتم ما جاءت به الآثار مما يكون ويحدث في أئمتكم عن
الماضين والباقين منهم (عليهم السلام)؟ أوَما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون
إليها، وأعلاماً تهتدون بها من لدن آدم (عليه السلام) إلى أن ظهر الماضي (عليه
السلام)، كلما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم؟ فلما قبضه الله إليه ظننتم
أن الله تعالى أبطل دينه وقطع السبب بينه وبين خلقه! كلا، ما كان ذلك ولا يكون حتى
تقوم الساعة ويظهر أمر الله سبحانه وهم كارهون. وإن الماضي (عليه السلام) مضى
سعيداً فقيداً على منهاج آبائه (عليهم السلام) حذو النعل بالنعل، وفينا وصيته وعلمه
ومن هو خلفه ومن هو يسد مسده، لا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم، ولا يدعيه دوننا إلا
جاحد كافر، ولولا أن أمر الله تعالى لا يغلب وسره لا يظهر ولا يعلن لظهر لكم من
حقنا ما تبيَّن منه عقولكم ويزيل شكوككم، لكنه ما شاء الله كان لكل أجل كتاب،
فاتقوا الله وسلموا لنا وردوا الأمر إلينا، فعلينا الإصدار كما كان منا
الإيراد، ولا تحاولوا كشف ما غطي عنكم، ولا تميلوا عن اليمين وتعدلوا إلى الشمال،
واجعلوا قصدكم إلينا بالمودة على السنة الواضحة، فقد نصحت لكم والله شاهد عليَّ
وعليكم. ولولا ما عندنا من محبة صلاحكم ورحمتكم والإشفاق عليكم، لكنا عن مخاطبتكم
في شغل فيما قد امتحنا به من منازعة الظالم العتل الضال المتتابع في غيه المضاد
لربه، الداعي ما ليس له الجاحد حق من افترض الله طاعته. وفي ابنة رسول الله (صلى
الله عليه وآله) لي أسوة حسنة، وسيردي الجاهل رداءة عمله، وسيعلم الكافر لمن عقبى
الدار، عصمنا الله وإياكم من المهالك والأسواء والآفات والعاهات كلها برحمته، فإنه
ولي ذلك والقادر على ما يشاء، وكان لنا ولكم ولياً وحافظاً، والسلام على جميع
الأوصياء والأولياء والمؤمنين، ورحمة الله وبركاته). ومثله الاحتجاج/٢٦٦، والصراط
المستقيم: ٢/٢٣٥، ومنتخب الأنوار/١١٨ وعنه إثبات الهداة: ١/ ١٢٤، وفي: ١/٧٠١، عن
الصراط المستقيم، والبحار: ٥٣/١٧٨، عن الاحتجاج.
وفي الكافي: ١/٣٣٣، عن أبي عبد الله الصالحي قال: سألني أصحابنا بعد مضي أبي محمد
(عليه السلام) أن أسأل عن الاسم والمكان. فخرج الجواب: إن دللتهم على الاسم أذاعوه،
وإن عرفوا المكان دلوا عليه).
كمال الدين: ٢/٥٠٩، عن أحمد بن الخضر بن أبي صالح الخجندي (رضي الله عنه)، أنه خرج
إليه من صاحب الزمان (عليه السلام) توقيع بعد أن كان أُغريّ بالفحص والطلب وسار عن
وطنه ليتبين له ما يعمل عليه، وكان نسخة التوقيع: من بحث فقد طلب، ومن طلب فقد دل،
ومن دل فقد أشاط، ومن أشاط فقد أشرك)! فكفَّ عن الطلب ورجع.
وفي غيبة الطوسي/١٩٦، أنه كتب على يد الشيخ أبى القاسم بن روح (رضي الله عنه) إلى
الصاحب (عليه السلام) يشكو تعلق قلبه واشتغاله بالفحص والطلب ويسأل الجواب بما تسكن
إليه نفسه ويكشف له عما يعمل عليه... وسكنت نفسي وعدت إلى وطني مسروراً والحمد
لله). ومثله منتخب الأنوار/١٢٧، والبحار: ٥١/ ٣٣ و٣٤٠، و: ٥٣/١٩٦، عن الكافي
وكمال
الدين وغيبة الطوسي.
وفي كمال الدين: ٢/٤٩٣، عن أبي القاسم بن أبي حليس، في كرامة رآها من الإمام (عليه
السلام) في سامراء. وعيون المعجزات/١٤٤، والخرائج: ٣/١١٣١، وإثبات الهداة: ٣/٦٧٤
و٦٩٩، عن كمال الدين، وعيون المعجزات، والبحار: ٥١/٣٣١، عن كمال الدين.
تنبيه الخواطر: ٢/٣٠٣، عن الشريف عمر بن حمزة، ومشاهدته الإمام (عليه السلام).
وإثبات الهداة: ٣/٧٠٤، والبحار: ٥٢/٥٥.
الكافي: ٤/١٣٦، عن علي بن مهزيار، قال: كتبت إليه (عليه السلام) امرأة طهرت من
حيضها أو من دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان... وعلل الشرائع: ١/٢٩٣، والفقيه:
٢/١٤٤، والتهذيب: ٤/٣١٠، والبحار: ٨١/١١٢، عن العلل.
كمال الدين: ٢/٥٠٠، عن الحسين بن اسماعيل الكندي: وكتب جعفر بن حمدان: فخرجت إليه
هذه المسائل... في أحكام الأولاد والوقف. وعنه البحار: ٥٣/١٨٦ و: ١٠٤/٦٢.
كمال الدين: ٢/٥١٠، عن إسحاق بن حامد الكاتب في كرامة له (عليه السلام) مع رجل أرسل
له قماشاً. والخرائج: ٢/١١٣٢، وثاقب المناقب/٢٦٢، وعنه إثبات الهداة: ٣/٦٨٠،
والبحار: ٥١/٣٤٠.
الكافي: ١/٥٢٠، عن زيد اليماني في كرامة ظهرت له في توقيع من الإمام (عليه السلام).
وكمال الدين: ٢/٤٩٠، والإرشاد/ ٣٥٣، وإعلام الورى/٤١٩، والخرائج: ٢/٧٠٤، والبحار:
٥١/٣١١ و٣٢٨.
الكافي: ١/٥٢٣، عن محمد بن علي بن شاذان النيسابوري، ظهرت له كرامة في حقوق أرسلها
إلى الإمام (عليه السلام). وكمال الدين: ٢/٤٨٥ و٥٠٩، ودلائل الإمامة/٢٨٦،
والإرشاد/٣٥٥، وإعلام الورى/٤٢٠، وإثبات الهداة: ٣/٦٦٣، والبحار: ٥١/٢٩٥، و٣٢٥
و٣٣٩.
ومن نوعها: ما رواه كمال الدين: ٢/٤٨٦، عن علي بن محمد الرازي. وإعلام الورى/٤٢٢
وإثبات الهداة: ٣/٦٧٣ و٦٩٧، والبحار: ٥١/٣٢٦.
والكافي: ١/٥١٨، عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار. وغيبة الطوسي/١٧٠، والخرائج: ١/٤٦٢،
وإثبات الهداة: ٣/٦٥٨، والبحار: ٥١/٣١٠.
والكافي: ١/٥٢٤، عن محمد بن هارون بن عمران الهمداني. وكمال الدين: ٢/٤٩٢،
والإرشاد/٣٥٦، والخرائج: ١/٤٧٢، وإثبات الهداة: ٣/٦٦٤ والبحار: ٥١/٢٩٤ و٣٣١.
والكافي: ١/٥١٩ و٥٢٣ و٥٢٤، عن علي بن محمد. وكمال الدين: ٢/٤٨٦، والخرائج: ٢/٧٠٣،
وإثبات الهداة: ٣/٦٥٩، والبحار: ٥١/٣٢٦.
والخرائج: ٢/٦٩٦، عن محمد بن الحسين أن التميمي... وعنه الصراط المستقيم: ٢/ ٢١٣،
وإثبات الهداة: ٣/٦٩٥، والبحار: ٥١/٢٩٤.
والكافي: ١/٥٢٣، عن الحسن بن علي العلوي. وإثبات الهداة: ٣/٦٦٣.
والخرائج: ٢/٦٩٧، عن محمد بن الحسين... وإثبات الهداة: ٣/٦٩٥، والبحار: ٥١/ ٢٩٥.
وكمال الدين: ١/٥٢٢، عن أبي الحسين الأسدي. والاحتجاج: ٢/٤٨٠، والخرائج: ٣/١١١٨،
وإثبات الهداة: ٣/٦٨٢، والبحار: ٥٣/١٨٣.
* * *
الخرائج: ٢/٧٠٢، عن أحمد بن أبي روح قال: خرجت إلى بغداد في مال لأبي الحسن الخضر بن محمد لأوصله، وأمرني أن أدفعه إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري وأمرني أن لا أدفعه إلى غيره وأمرني أن أسأله الدعاء للعلة التي هو فيها وأسأله عن الوبر يحل لبسه؟ فدخلت بغداد وصرت إلى العمري، فأبى أن يأخذ المال وقال: صر إلى أبي جعفر محمد بن أحمد وادفع إليه فإنه أمره بأخذه وقد خرج الذي طلبت، فجئت إلى أبي جعفر فأوصلته إليه فأخرج إلي رقعة فإذا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم سألت الدعاء من العلة التي تجدها، وهب الله لك العافية ودفع عنك الآفات وصرف عنك بعض ما تجده من الحرارة وعافاك، وأصح لك جسمك، وسألت ما يحل أن يصلى فيه من الوبر والسمور والسنجاب والفنك والدلق والحواصل؟ فأما السمور والثعالب فحرام عليك وعلى غيرك الصلاة فيه، ويحل لك جلود المأكول من اللحم إذا لم يكن لك غيره، فإن لم يكن لك بد فصل فيه. والحواصل جايز لك أن تصلي فيه، والفراء متاع الغنم ما لم تذبح بأرمينية تذبحه النصارى على الصليب، فجايز لك أن تلبسه إذا ذبحه أخ لك أو مخالف تثق
به). ومثله منتخب الأنوار/١٣٦، وعنه إثبات الهداة: ٣/٦٩٦، والبحار: ٥٣/١٩٧.
* * *
الاحتجاج/٤٨٧: وكتب إليه صلوات الله عليه أيضاً(يعني محمد بن عبد الله الحميري) في
سنة ثمان وثلاث مائة كتاباً سأله فيه عن مسائل أخرى: بسم الله الرحمن الرحيم، أطال
الله بقاك وأدام عزك وكرامتك وسعادتك وسلامتك وأتم نعمته عليك وزاد في إحسانه إليك
وجميل مواهبه لديك، وفضله عليك وجزيل قسمه لك، وجعلني من السوء كله فداك وقدمني
قبلك: إن قبلنا مشايخ وعجايز يصومون رجباً منذ ثلاثين سنة وأكثر ويصلونه بشعبان
وشهر رمضان، وروى لهم بعض أصحابنا: أن صومه معصية؟ فأجاب (عليه السلام): قال
الفقيه: يصوم منه أياماً إلى خمسة عشر يوماً، إلا أن يصومه عن الثلاثة الأيام
الفائتة، للحديث: إن نعم القضاء رجب. وسأل عن رجل يكون في محمله والثلج كثير بقامة
رجل، فيتخوف إن نزل الغوص فيه وربما يسقط الثلج وهو على تلك الحال ولا يستوي له أن
يلبد شيئاً عنه لكثرته وتهافته، هل يجوز أن يصلي في المحمل الفريضة؟ فقد فعلنا ذلك
أياماً فهل علينا في ذلك إعادة أم لا؟ فأجاب: لا بأس عند الضرورة والشدة.
وسأل عن الرجل يلحق الإمام وهو راكع فيركع معه ويحتسب تلك الركعة، فإن بعض أصحابنا
قال: إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتد بتلك الركعة؟ فأجاب: إذا لحق مع
الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتد بتلك الركعة، وإن لم يسمع تكبيرة الركوع.
وسأل عن رجل صلى الظهر ودخل في صلاة العصر، فلما أن صلى من صلاة العصر ركعتين
استيقن أنه صلى الظهر ركعتين، كيف يصنع؟ فأجاب: إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة
يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين، وإن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الآخرتين تتمة
لصلاة الظهر، وصلى العصر بعد ذلك. وسأل عن أهل الجنة يتوالدون إذا دخلوها أم لا؟
فأجاب: إن الجنة لا حمل فيها للنساء ولا ولادة، ولا طمث ولا نفاس ولا شقاء
بالطفولية، وفيها ما
تشتهي الأنفس وتلذ الأعين كما قال سبحانه، فإذا اشتهى المؤمن ولداً خلقه الله بغير
حمل ولا ولادة، على الصورة التي يريد، كما خلق آدم عبرة. وسأل عن رجل تزوج امرأة
بشيء معلوم إلى وقت معلوم، وبقي له عليها وقت فجعلها في حل مما بقي له عليها وقد
كانت طمثت قبل أن يجعلها في حل من أيامها بثلاثة أيام، أيجوز أن يتزوجها رجل معلوم
إلى وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة أو يستقبل بها حيضة أخرى؟ فأجاب: يستقبل
حيضة غير تلك الحيضة لأن أقل تلك العدة حيضة وطهرة تامة. وسأل عن الأبرص والمجذوم
وصاحب الفالج هل يجوز شهادتهم فقد روى لنا أنهم لا يأمون الأصحاء؟ فأجاب: إن كان ما
بهم حادثاً جازت شهادتهم، وإن كان ولادة لم يجز.
وسأل: هل يجوز للرجل أن يتزوج ابنة امرأته. فأجاب: إن كانت ربيت في حجره فلا يجوز،
وإن لم تكن ربيت في حجره وكانت أمها في غير عيالة فقد روي أنه جائز. وسأل هل يجوز
أن يتزوج بنت ابنة امرأة ثم يتزوج جدتها بعد ذلك؟ فأجاب: قد نهي عن ذلك. وسأل عن
رجل ادعى على رجل ألف درهم وأقام به البينة العادلة وادعى عليه أيضاً خمسمائة درهم
في صك آخر، وله بذلك بينة عادلة، وادعى عليه أيضاً ثلاثمائة درهم في صك آخر ومائتي
درهم في صك آخر، وله بذلك كله بينة عادلة. ويزعم المدعى عليه أن هذه الصكاك كلها قد
دخلت في الصك الذي بألف درهم، والمدعي منكر أن يكون كما زعم، فهل يجب الألف الدرهم
مرة واحدة أو يجب عليه كلما يقيم البينة به؟ وليس في الصكاك استثناء إنما هي صكاك
على وجهها. فأجاب: يؤخذ من المدعى عليه ألف درهم مرة وهي التي لا شبهة فيها، ويرد
اليمين في الألف الباقي على المدعي، فإن نكل فلا حق له. وسأل عن طين القبر يوضع مع
الميت في قبره هل يجوز لك أم لا؟ فأجاب: يوضع مع الميت في قبره، ويخلط بحنوطه إن
شاء الله. وسأل فقال: روي لنا عن
الصادق (عليه السلام) أنه كتب على إزار ابنه: إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله، فهل
يجوز أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره؟ فأجاب: يجوز ذلك. وسأل هل يجوز أن يسبح
الرجل بطين القبر، وهل فيه فضل؟ فأجاب: يسبح الرجل به فما من شيء من السبح أفضل
منه، ومن فضله أن الرجل ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له التسبيح.
وسأل عن السجدة على لوح من طين القبر وهل فيه فضل؟ فأجاب: يجوز ذلك وفيه الفضل.
وسأل: عن الرجل يزور قبور الأئمة (عليه السلام) هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟
وهل يجوز لمن صلى عند بعض قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند
رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعل للقبر خلفه أم لا؟ فأجاب: أما
السجود على القبر، فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة، والذي عليه العمل أن يضع
خده الأيمن على القبر. وأما الصلاة فإنها خلفه ويجعل القبر أمامه ولا يجوز أن يصلي
بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره لأن الإمام لا يتقدم ولا يساوى. وسأل فقال:
يجوز للرجل إذا صلى الفريضة أو النافلة وبيده السبحة أن يديرها وهو في الصلاة؟
فأجاب: يجوز ذلك إذا خاف السهو والغلط. وسأل هل يجوز أن يدير السبحة بيد اليسار إذا
سبح، أو لا يجوز؟ فأجاب: يجوز ذلك. والحمد لله رب العالمين.
وسأل فقال: روى عن الفقيه في بيع الوقف خبر مأثور: إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم
وأعقابهم، فاجتمع أهل الوقف على بيعه وكان ذلك لصالح لهم أن يبيعوه، فهل يجوز أن
يشتري من بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم على البيع، أم لا يجوز إلا أن يجتمعوا كلهم على
ذلك؟ وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟ فأجاب: إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا
يجوز بيعه، وإن كان على قوم من المسلمين فليجمع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين
ومتفرقين إن شاء الله. وسأل هل يجوز للمحرم أن يصير على إبطه المرتك والتوتيا لريح
العرق أم لا يجوز؟ فأجاب: يجوز ذلك وبالله التوفيق. وسأل عن الضرير إذا شهد في حال
صحته على شهادة، ثم كف
بصره ولا يرى خطه فيعرفه، هل يجوز شهادته أم لا وإن ذكر هذا الضرير الشهادة، هل
يجوز أن يشهد على شهادته أم لا يجوز؟ فأجاب: إذا حفظ الشهادة وحفظ الوقت جازت
شهادته. وسأل عن الرجل يوقف ضيعة أو دابة ويشهد على نفسه باسم بعض وكلاء الوقف، ثم
يموت هذا الوكيل أو يتغير أمره ويتولى غيره، هل يجوز أن يشهد الشاهد لهذا الذي أقيم
مقامه إذا كان أصل الوقف لرجل واحد أم لا يجوز ذلك؟ فأجاب: لا يجوز ذلك لأن الشهادة
لم تقم للوكيل، وإنما قامت للمالك وقد قال الله: (وَأَقِيمُوا
الشَّهَادَةَ لله). وسأل عن الركعتين الأخراوين قد كثرت فيهما الروايات فبعض
يروي أن قراءة الحمد وحدها أفضل وبعض يروي أن التسبيح فيهما أفضل، فالفضل لأيهما
لنستعمله؟ فأجاب قد نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح، والذي نسخ
التسبيح قول العالم (عليه السلام): كل صلاة لا قراءة فيها فهي خداج إلا العليل، أو
يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه.
وسأل فقال: يتخذ عندنا رب الجوز لوجع الحلق والبحبحة، يؤخذ الجوز الرطب من قبل أن
ينعقد ويدق دقاً ناعماً ويعصر ماؤه ويصفى ويطبخ على النصف ويترك يوماً وليلة ثم
ينصب على النار، ويلقى على كل ستة أرطال منه رطل عسل ويغلى رغوته، ويسحق من
النوشادر والشب اليماني من كل واحدة نصف مثقال ويداف بذلك الماء، ويلقى فيه درهم
زعفران مسحوق، ويغلى ويؤخذ رغوته حتى يصير مثل العسل ثخيناً، ثم ينزل عن النار
ويبرد ويشرب منه، فهل يجوز شربه أم لا؟
فأجاب: إذا كان كثيره يسكر أو يغير فقليله وكثيره حرام، وإن كان لا يسكر فهو حلال.
وسأل عن الرجل يعرض له الحاجة مما لا يدري أن يفعلها أم لا، فيأخذ خاتمين فيكتب في
أحدهما: نعم إفعل، وفي الآخر: لا تفعل، فيستخير الله مراراً ثم يرى فيهما فيخرج
أحدهما فيعمل بما يخرج، فهل يجوز ذلك أم لا؟ والعامل به والتارك له أهو مثل
الاستخارة أم هو سوى ذلك؟ فأجاب: الذي سنه العالم (عليه السلام) في
هذه الاستخارة بالرقاع والصلاة. وسأل عن صلاة جعفر بن أبي طالب (رحمه الله) في أي
أوقاتها أفضل أن تصلي فيه، وهل فيها قنوت؟ وإن كان ففي أي ركعة منها؟ فأجاب: أفضل
أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة، ثم في أي الأيام شئت وأي وقت صليتها من ليل أو
نهار فهو جائز، والقنوت فيها مرتان: في الثانية قبل الركوع وفي الرابعة بعد الركوع.
وسأل عن الرجل ينوي إخراج شيء من ماله وأن يدفعه إلى رجل من إخوانه، ثم يجد في
أقربائه محتاجاً، أيصرف ذلك عمن نواه له أو إلى قرابته؟ فأجاب: يصرفه إلى أدناهما
وأقربهما من مذهبه، فإن ذهب إلى قول العالم (عليه السلام): لا يقبل الله الصدقة وذو
رحم محتاج، فليقسم بين القرابة وبين الذي نوى حتى يكون قد أخذ بالفضل كله. وسأل
فقال: اختلف أصحابنا في مهر المرأة، فقال بعضهم: إذا دخل بها سقط المهر ولا شيء
لها، وقال بعضهم هو لازم في الدنيا والآخرة، فكيف ذلك وما الذي يجب فيه؟ فأجاب: إن
كان عليه بالمهر كتاب فيه ذكر دين فهو لازم له في الدنيا والآخرة، وإن كان عليه
كتاب فيه ذكر الصداق سقط إذا دخل بها، وإن لم يكن عليه كتاب فإذا دخل بها سقط باقي
الصداق.
وسأل فقال: روي لنا عن صاحب العسكر (عليه السلام) أنه سئل عن الصلاة في الخز الذي
يغش بوبر الأرانب فوقع: يجوز وروي عنه أيضاً أنه لا يجوز، فأي الخبرين يعمل به؟
فأجاب: إنما حرم في هذه الأوبار الجلود فأما الأوبار وحدها فكل حلال. وقد سأل بعض
العلماء عن معنى قول الصادق (عليه السلام) لا يصلى في الثعلب ولا في الأرنب ولا في
الثوب الذي يليه؟ فقال: إنما عنى الجلود دون غيرها. وسأل فقال: يتخذ بأصفهان ثياب
عتابية على عمل الوشا من قز أو إبريسم يجوز الصلاة فيها أم لا؟ فأجاب: لا يجوز
الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان. وسأل: عن المسح على الرجلين وبأيهما
يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعاً معاً؟ فأجاب (عليه السلام): يمسح عليهما معاً
فإن بدأ بأحدهما قبل الأخرى فلا يبتدئ إلا باليمين. وسأل عن
صلاة جعفر في السفر هل يجوز أن يصلي أم لا؟ فأجاب (عليه السلام)، يجوز ذلك.
وسأل عن تسبيح فاطمة (عليها السلام) من سهى فجاز التكبير أكثر من أربع وثلاثين هل
يرجع إلى أربع وثلاثين أو يستأنف؟ وإذا سبح تمام سبع وستين هل يرجع إلى ستة وستين
أو يستأنف وما الذي يجب في ذلك؟ فأجاب: إذا سها في التكبير حتى يجوز أربعة وثلاثين
عاد إلى ثلاثة وثلاثين وبنى عليها، وإذا سهى في التسبيح فتجاوز سبعاً وستين تسبيحة
عاد إلى ستة وستين وبنى عليها، فإذا جاوز التحميد مائة فلا شيء عليه). ومثله
التهذيب: ٢/٢٢٨، وعنه وسائل الشيعة: ١/٣١٦ و: ٢/٧٤٢ و٥٨ و: ٣/٢٦٠، و٢٦٦، و٢٧٢،
و٦٠٨، و: ٤/٧٩٤، و١٠٣٣، و١٠٣٩، و: ٥/١٩٩، و٢١٢، و٣٢٥، و٤٤٢، و: ٧/٣٥٥ و: ٩/ ١٠٧، و:
١٠/٤٢٠، و: ١٣/ ٣٠٦، و: ١٤/٣٥٢، و٤٧٤، و: ١٥/١٨، و: ١٧/٣٠٦، و: ١٨/١٩٩، و٢٣٤.. الخ.
* * *
غيبة الطوسي/٢٢٨، وفيه نسخة أجوبته (عليه السلام) عن مسائل محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري: بسم الله الرحمن الرحيم، أطال الله بقاءك، وأدام عزك وتأييدك وسعادتك وسلامتك وأتم نعمته وزاد في إحسانه إليك، وجميل مواهبه لديك وفضله عندك وجعلني من السوء فداك وقدمني قبلك. الناس يتنافسون في الدرجات فمن قبلتموه كان مقبولاً، ومن دفعتموه كان وضيعاً والخامل من وضعتموه ونعوذ بالله من ذلك، وببلدنا أيدك الله جماعة من الوجوه يتساوون ويتنافسون في المنزلة، وورد أيدك الله كتابك إلى جماعة منهم في أمر أمرتهم به من معاونة، وأخرج علي بن محمد بن الحسين بن مالك المعروف بادوكة وهو ختن رحمهم الله من بينهم فاغتم بذلك، وسألني أيدك الله أن أعلمك ما ناله من ذلك، فإن كان من ذنب استغفر الله منه، وإن يكن غير ذلك عرفته ما يسكن نفسه إليه إن شاء الله التوقيع، لم نكاتب إلا من كاتبنا. وقد عودتني أدام الله عزك من تفضلك ما أنت أهل أن تجريني على العادة وقبلك أعزك الله فقهاء أنا محتاج إلى أشياء تسأل لي عنها، فرويَ لنا عن العالم (عليه السلام) أنه سئل عن إمام قوم صلى بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة كيف
يعمل
من خلفه؟ فقال: يؤخر ويقدم بعضهم ويتم صلاتهم ويغتسل من مسه؟ التوقيع: ليس على من
نحاه إلا غسل اليد، وإذا لم تحدث حادثة تقطع الصلاة تمم صلاته مع القوم.
وروي عن العالم (عليه السلام) أن من مس ميتاً بحرارته غسل يديه ومن مسه وقد برد
فعليه الغسل، وهذا الإمام في هذه الحالة لا يكون مسه إلا بحرارته والعمل من ذلك على
ما هو، ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه فكيف يجب عليه الغسل؟
التوقيع: إذا مسه على هذه الحالة لم يكن عليه إلا غسل يده.
وعن صلاة جعفر: إذا سهى في التسبيح أو قيام أو قعود أو ركوع أو سجود، وذكره في حالة
أخرى قد صار فيها من هذه الصلاة هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي
ذكرها أم يتجاوز في صلاته؟
التوقيع: إذا سهى في حالة من ذلك ثم ذكر في حالة أخرى قضى ما فاته في الحالة التي
ذكر. وعن المرأة يموت زوجها هل يجوز أن تخرج في جنازته أم لا؟ التوقيع: تخرج في
جنازته. وهل يجوز لها وهي في عدتها أن تزور قبر زوجها أم لا؟ التوقيع: تزور قبر
زوجها ولا تبيت عن بيتها. وهل يجوز لها أن تخرج في قضاء حق يلزمها أم لا تبرح من
بيتها وهي في عدتها؟ التوقيع: إذا كان حق خرجت وقضته، وإذا كانت حاجة لم يكن لها من
ينظر فيها خرجت لها حتى تقضى ولا تبيت عن منزلها. وروي في ثواب القرآن في الفرائض
وغيرها أن العالم (عليه السلام) قال: عجباً لمن لم يقرأ في صلاته إنا أنزلناه في
ليلة القدر كيف تقبل صلاته؟ وروي ما زكت صلاة لم يقرأ فيها بقل هو الله أحد، وروي
أن من قرأ في فرائضه الهمزة أعطي من الدنيا، فهل يجوز أن يقرأ الهمزة ويدع هذه
السور التي ذكرناها، مع ما قد روي أنه لا تقبل صلاة ولا تزكو إلا بهما؟
التوقيع: الثواب في السور على ما قد روي، وإذا ترك سورة مما فيها الثواب وقرأ قل هو
الله أحد وإنا أنزلناه لفضلهما أعطي ثواب ما قرأ وثواب السورة التي ترك
ويجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين وتكون صلاته تامة، ولكن يكون قد ترك الفضل. وعن وداع شهر رمضان متى يكون فقد اختلف فيه أصحابنا، فبعضهم يقول يقرأ في آخر ليلة منه، وبعضهم يقول: هو في آخر يوم منه إذا رأى هلال شوال؟ التوقيع: العمل في شهر رمضان في لياليه، والوداع يقع في آخر ليلة منه، فإن خاف أن ينقص جعله في ليلتين. وعن قول الله (عزَّ وجلَّ): (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)؟ إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) المعني به. (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ)؟ ما هذه القوة؟ (مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ): ما هذه الطاعة وأين هي؟ فرأيك أدام الله عزك بالتفضل علي بمسألة من تثق به من الفقهاء عن هذه المسائل وإجابتي عنها منعماً، مع ما تشرحه لي من أمر محمد بن الحسين بن مالك المقدم ذكره بما يسكن إليه ويعتد بنعمة الله عنده، وتفضل علي بدعاء جامع لي ولإخواني للدنيا والآخرة، فعلت مثاباً إن شاء الله تعالى. أطال الله بقاءك وأدام عزك وتأييدك وكرامتك وسعادتك وسلامتك، وأتم نعمته عليك وزاد في إحسانه إليك وجميل مواهبه لديك وفضله عندك، وجعلني من كل سوء ومكروه فداك وقدمني قبلك، الحمد الله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله أجمعين. التوقيع: جمع الله لك ولإخوانك خير الدنيا والآخرة). والاحتجاج/٤٨١، والبحار: ٥٣/١٥٠، الخ.
* * *
غيبة الطوسي/٢٣٢، من كتاب آخر(لمحمد بن عبد الله بن جعفر الحميري): (فرأيك أدام الله عزك في تأمل رقعتي والتفضل بما يسهل لأضيفه إلى سائر أياديك علي، واحتجت أدام الله عزك أن تسأل لي بعض الفقهاء عن المصلي إذا قام من التشهد الأول للركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبر؟ فإن بعض أصحابنا قال لا يجب عليه التكبير ويجزيه أن يقول بحول الله وقوته أقوم وأقعد. الجواب قال: إن فيه حديثين أما أحدهما فإنه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه تكبير، وأما الآخر فإنه روي: أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه للقيام بعد القعود تكبير، وكذلك التشهد الأول يجري هذا المجرى، وبأيهما أخذت من جهة التسليم كان
صواباً. وعن الفص الخماهن هل تجوز فيه الصلاة إذا كان في إصبعه. الجواب: فيه كراهة
أن يصلي فيه، وفيه إطلاق والعمل على الكراهة. وعن رجل اشترى هديا لرجل غائب عنه
وسأله أن ينحر عنه هديا بمنى، فلما أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل ونحر الهدي ثم
ذكره بعد ذلك أيجزي عن الرجل أم لا؟ الجواب: لا بأس بذلك وقد أجزأ عن صاحبه. وعندنا
حاكة مجوس يأكلون الميتة ولا يغتسلون من الجنابة، وينسجون لنا ثيابا فهل تجوز
الصلاة فيها قبل أن تغسل؟ الجواب: لا بأس بالصلاة فيها. وعن المصلي يكون في صلاة
الليل في ظلمة فإذا سجد يغلط بالسجادة ويضع جبهته على مسح أو نطع، فإذا رفع رأسه
وجد السجادة هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها؟ الجواب: ما لم يستو جالسا فلا شيء
عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة. وعن المحرم يرفع الظلال هل يرفع خشب العمارية أو
الكنيسة ويرفع الجناحين أم لا؟ الجواب لا شيء عليه في تركه وجميع الخشب.
وعن المحرم يستظل عن المطر بنطع أو غيره حذراً على ثيابه وما في محمله أن يبتل فهل
يجوز ذلك؟ الجواب: إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم. والرجل يحج عن أجرة هل
يحتاج أن يذكر الذي حج عنه عند عقد إحرامه أم لا؟ وهل يجب أن يذبح عمن حج عنه وعن
نفسه أم يجزيه هدي واحد؟ الجواب: يذكره وإن لم يفعل فلا بأس. وهل يجوز للرجل أن
يحرم في كساء خز أم لا؟ الجواب: لا بأس بذلك وقد فعله قوم صالحون. وهل يجوز: للرجل
أن يصلي وفي رجليه بطيط لا يغطي الكعبين أم لا يجوز؟ الجواب: جائز ويصلي الرجل ومعه
في كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد هل يجوز ذلك؟ الجواب: جائز. والرجل يكون مع
بعض هؤلاء ومتصلا بهم يحج ويأخذ على الجادة ولا يحرمون هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز
لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه إلى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لا يجوز أن
يحرم إلا من المسلخ؟ الجواب: يحرم من ميقاته ثم يلبس ويلبي في نفسه، فإذا بلغ إلى
ميقاتهم أظهر. وعن لبس النعل المعطون فإن
بعض
أصحابنا يذكر أن لبسه كريه وعن الرجل من وكلاء الوقف يكون مستحلاً لما في يده لا
يرع عن أخذ ماله، ربما نزلت في قرية وهو فيها، أو أدخل منزله، وقد حضر طعامه
فيدعوني إليه، فإن لم آكل من طعامه عاداني عليه وقال فلان لا يستحل أن يأكل من
طعامنا، فهل يجوز لي أن آكل من طعامه وأتصدق بصدقة وكم مقدار الصدقة؟ وإن أهدى هذا
الوكيل هدية إلى رجل آخر فأحضر فيدعوني أن أنال منها وأنا أعلم أن الوكيل لا يرع عن
أخذ ما في يده، فهل علي فيه شيء إن أنا نلت منها؟. الجواب: إن كان لهذا الرجل مال
أو معاش غير ما في يده فكل طعامه واقبل بره وإلا فلا. وعن الرجل يقول الحق ويرى
المتعة ويقول بالرجعة إلا أن له أهلا موافقة له في جميع أمره، وقد عاهدها أن لا
يتزوج عليها ولا يتسرى. وقد فعل هذا منذ بضع عشرة سنة ووفى بقوله، فربما غاب عن
منزله الأشهر فلا يتمتع ولا تتحرك نفسه أيضاً لذلك، ويرى أن وقوف من معه من أخ وولد
وغلام ووكيل وحاشية مما يقلله في أعينهم، ويحب المقام على ما هو عليه محبة لأهله
وميلاً إليها وصيانة لها ولنفسه، لا يحرم المتعة بل يدين الله بها فهل عليه في تركه
ذلك مأثم أم لا؟
الجواب: في ذلك يستحب له أن يطيع الله تعالى ليزول عنه الحلف على المعرفة ولو مرة
واحدة. فإن رأيت أدام الله عزك أن تسأل لي عن ذلك وتشرحه لي وتجيب في كل مسألة بما
العمل به وتقلدني المنة في ذلك، جعلك الله السبب في كل خير وأجراه على يدك، فعلت
مثابا إن شاء الله، أطال الله بقاءك، وأدام عزك وتأييدك وسعادتك وسلامتك وكرامتك،
وأتم نعمته عليك، وزاد في إحسانه إليك، وجعلني من السوء فداك وقدمني عنك وقبلك.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم كثيراً). قال ابن نوح:
نسخت هذه النسخة من المدرجين القديمين اللذين فيهما الخط والتوقيعات. وكان أبو
القاسم (رحمه الله) من أعقل
الناس عند المخالف والموافق ويستعمل التقية). ومثله الاحتجاج/٤٨٣، وعنهما وسائل الشيعة: ٢/١٠٩٤، و: ٣/٣٠٥ و٣١٠، و: ٤/٩٦٢، و٩٦٧.. إلى آخر المصادر.
* * *
الاحتجاج/٤٨٥، وفي كتاب آخر لمحمد بن عبد الله الحميري إلى صاحب الزمان (عليه السلام) من جواب مسائله التي سأل عنها في سنة سبع وثلاث مائة: سأل عن المحرم يجوز أن يشد الميزر من خلفه على عقبه بالطول، ويرفع طرفيه إلى حقويه ويجمعهما في خاصرته ويعقدهما، ويخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه ويرفعهما إلى خاصرته، ويشد طرفيه إلى وركيه، فيكون مثل السراويل يستر ما هناك، فإن الميزر الأول كنا نتزر به إذا ركب الرجل جمله يكشف ما هناك، وهذا ستر؟ فأجاب (عليه السلام): جاز أن يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في الميزر حدثا بمقراظ ولا إبرة يخرجه به عن حد الميزر، وغرزه غرزاً ولم يعقده ولم يشد بعضه ببعض. وإذا غطى سرته وركبتيه كلاهما فإن السنة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة والركبتين والأحب إلينا والأفضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعاً إن شاء الله. وسأل: هل يجوز أن يشد عليه مكان العقد تكة؟ فأجاب: لا يجوز شد الميزر بشيء سواه من تكة ولا غيرها. وسأل عن التوجه للصلاة أن يقول على ملة إبراهيم ودين محمد (صلى الله عليه وآله) فإن بعض أصحابنا ذكر: أنه إذا قال على دين محمد فقد أبدع لأنا لم نجده في شيء من كتب الصلاة خلا حديثاً في كتاب القاسم بن محمد عن جده الحسن بن راشد: أن الصادق (عليه السلام) قال للحسن: كيف تتوجه؟ فقال: أقول لبيك وسعديك، فقال له الصادق (عليه السلام) ليس عن هذا أسألك، كيف تقول وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً. قال الحسن: أقول، فقال الصادق (عليه السلام): إذا قلت ذلك فقل: على ملة إبراهيم
ودين محمد ومنهاج علي بن أبي طالب، والإيتمام بآل محمد، حنيفاً مسلماً وما أنا من
المشركين. فأجاب (عليه السلام): التوجه كله ليس بفريضة، والسنة المؤكدة فيه التي هي
كالإجماع الذي لا خلاف فيه: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً على
ملة إبراهيم ودين محمد وهدي أمير المؤمنين وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي
ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهم
اجعلني من المسلمين. أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن
الرحيم، ثم اقرأ الحمد. قال الفقيه الذي لا يشك في علمه: إن الدين لمحمد والهداية
لعلي أمير المؤمنين لأنها له (صلى الله عليه وآله) وفي عقبه باقية إلى يوم القيامة،
فمن كان كذلك فهو من المهتدين، ومن شك فلا دين له ونعوذ بالله من الضلالة بعد
الهدى. وسأله عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه، يجوز أن يرد يديه على وجهه
وصدره للحديث الذي روى: إن الله (عزَّ وجلَّ) أجل من أن يرد يدي عبده صفراً بل
يملؤها من رحمته أم لا يجوز، فإن بعض أصحابنا ذكر أنه عمل في الصلاة؟. فأجاب (عليه
السلام): رد اليدين من القنوت على الرأس والوجه غير جايز في الفرائض، والذي عليه
العمل فيه إذا رجع يده في قنوت الفريضة وفرغ من الدعاء أن يرد بطن راحتيه مع صدره
تلقاء ركبتيه على تمهل ويكبر ويركع، والخبر صحيح وهو في نوافل النهار والليل دون
الفرائض والعمل به فيها أفضل. وسأل عن سجدة الشكر بعد الفريضة، فإن بعض أصحابنا ذكر
أنها بدعة، فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة؟ وإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد
الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟ فأجاب (عليه السلام): سجدة الشكر من ألزم
السنن وأوجبها، ولم يقل إن هذه السجدة بدعة إلا من أراد أن يحدث بدعة في دين الله.
فأما الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب والاختلاف في أنها بعد الثلاث أو بعد
الأربع، فإن فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعقيب النوافل كفضل
الفرائض على النوافل، والسجدة دعاء وتسبيح، فالأفضل أن تكون بعد الفرض، فإن جعلت
بعد النوافل أيضاً جاز.
وسأل: إن لبعض إخواننا ممن نعرفه ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب، للسلطان
فيها حصة، وأكرته ربما زرعوا حدودها ويؤذيهم عمال السلطان، ويتعرضون في الكل من غلات ضيعته، وليس لها قيمة لخرابها وإنما هي بائرة منذ عشرين سنة وهو يتحرج من شرائها لأنه يقال إن هذه الحصة من هذه الضيعة كانت قبضت عن الوقف قديماً للسلطان، فإن جاز شراؤها من السلطان، وكان ذلك صلاحاً له وعمارة لضيعته، وإنه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة لفضل ماء ضيعته العامرة، وينحسم عنه طمع أولياء السلطان، وإن لم يجز ذلك عمل بما تأمره به إن شاء الله تعالى؟ فأجاب: الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا من مالكها أو بأمره أو رضاء منه. وسأل: عن رجل استحل امرأة خارجة من حجابها، وكان يحترز من أن يقع له ولد فجاءت بابن فتحرج الرجل ألا يقبله فقبله وهو شاك فيه، وجعل يجري على أمه وعليه حتى ماتت الأم، وهو ذا يجري عليه غير أنه شاك فيه ليس يخلطه بنفسه، فإن كان ممن يجب أن يخلط بنفسه ويجعله كساير ولده فعل ذلك، وإن جاز أن يجعل له شيئاً من ماله دون حقه فعل؟ فأجاب (عليه السلام): الاستحلال بالمرأة يقع على وجوه، الجواب يختلف فيها فليذكر الوجه الذي وقع الاستحلال به مشروحاً ليعرف الجواب فيما يسأل عنه من أمر الولد إن شاء الله. وسأله الدعاء له فخرج الجواب: جاد الله عليه بما هو جل وتعالى أهله، إيجابنا لحقه ورعايتنا لأبيه (رحمه الله) وقربه منا، وقد رضينا بما علمناه من جميل نيته، ووقفنا عليه من مخاطبته المقر له من الله التي يرضى الله (عزَّ وجلَّ) ورسوله، وأولياؤه (عليهم السلام) والرحمة بما بدنا (كذا)، نسأل الله بمسألته ما أمله من كل خير عاجل وآجل وأن يصلح له من أمر دينه ودنياه ما يجب صلاحه، إنه ولي قدير). وعنه وسائل الشيعة: ٣/٧٢٤، و٩١٩، و١٠٥٨، و: ٩/١٣٦، و: ١٢/٢٥٠، إلى آخر المصادر.
* * *
كمال الدين: ٢/٥٢٠، عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي (رضي الله عنه) قال: كان فيما ورد علي من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان قدس الله روحه في جواب مسائلي إلى صاحب الزمان (عليه السلام): أما ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس
وعند
غروبها، فلئن كان كما يقولون أن الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني
الشيطان، فما أرغم أنف الشيطان أفضل من الصلاة، فصلها وأرغم أنف الشيطان. وأما ما
سألت عنه من أمر الوقف على ناحيتنا وما يجعل لنا ثم يحتاج إليه صاحبه، فكل ما لم
يسلم فصاحبه فيه بالخيار، وكل ما سلم فلا خيار فيه لصاحبه، احتاج إليه صاحبه أو لم
يحتج، افتقر إليه أو استغنى عنه. وأما ما سألت عنه من أمر من يستحل ما في يده من
أموالنا ويتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا، فمن فعل ذلك فهو ملعون ونحن خصماؤه
يوم القيامة، فقد قال النبي (صلى الله عليه وآله): المستحل من عترتي ما حرم الله
ملعون على لساني ولسان كل نبي! فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين وكان لعنة الله عليه
لقوله تعالى: ألا لعنة الله على الظالمين. وأما ما سألت عنه من أمر المولود الذي
تنبت غلفته بعد ما يختن هل يختن مرة أخرى؟ فإنه يجب أن تقطع غلفته فإن الأرض تضج
إلى الله (عزَّ وجلَّ) من بول الأغلف أربعين صباحاً.
وأما ما سألت عنه من أمر المصلي والنار والصورة والسراج بين يديه هل تجوز صلاته فإن
الناس اختلفوا في ذلك قبلك، فإنه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام أو عبدة
النيران أن يصلي والنار والصورة والسراج بين يديه، ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد
عبدة الأصنام والنيران.
وأما ما سألت عنه من أمر الضياع التي لناحيتنا هل يجوز القيام بعمارتها وأداء
الخراج منها وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية احتساباً للأجر وتقرباً إلينا، فلا
يحل لأحد أن يتصرف من مال غيره بغير إذنه فكيف يحل ذلك في مالنا، من فعل شيئاً من
ذلك من غير أمرنا فقد استحل منا ما حرم عليه، ومن أكل من أموالنا شيئاً فإنما يأكل
في بطنه ناراً وسيصلى سعيراً.
وأما ما سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة ويسلمها إلى قيم يقوم بها
ويعمرها ويؤدي من دخلها خراجها ومؤونتها ويجعل ما يبقى من الدخل لناحيتنا
فإن ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيماً عليها، إنما لا يجوز ذلك لغيره. وأما ما سألت عنه من أمر الثمار من أموالنا يمر بها المار فيتناول منه ويأكله هل يجوز ذلك له؟ فإنه يحل له أكله ويحرم عليه حمله). ومثله الفقيه: ١/٤٩٨، أوله، والتهذيب: ٢/١٧٥، والاستبصار: ١/٢٩١، والخرائج: ٣/١١١٨، بعضه، والاحتجاج/٤٧٩، ووسائل الشيعة: ٣/١٧٢، والبحار: ٥٣/١٨٢ و: ٨٣/١٤٦. إلى آخر المصادر.
* * *
كمال
الدين: ٢/٤٩٣، عن أبي القاسم بن أبي حليس قال: كنت أزور الحسين (عليه السلام) في
النصف من شعبان فلما كان سنة من السنين وردت العسكر قبل شعبان وهممت أن لا أزور في
شعبان، فلما دخل شعبان قلت: لا أدع زيارة كنت أزورها، فخرجت زائراً وكنت إذا وردت
العسكر أعلمتهم برقعة أو برسالة فلما كان في هذه الدفعة قلت لأبي القاسم الحسن بن
أحمد الوكيل: لا تعلمهم بقدومي فإني أريد أن أجعلها زورة خالصة، قال فجاءني أبو
القاسم وهو يتبسم وقال: بعث إلي بهذين الدينارين وقيل لي ادفعهما إلى الحليسي وقل
له: من كان في حاجة الله (عزَّ وجلَّ) كان الله في حاجته. قال: واعتللت بسر من رأى
علة شديدة أشفقت منها فاطَّليت مستعداً للموت فبعث إلي بستوقة فيها بنفسجين وأمرت
بأخذه، فما فرغت حتى أفقت من علتي، والحمد لله رب العالمين.
قال: ومات لي غريم، فكتبت أستأذن في الخروج إلى ورثته بواسط، وقلت أصير إليهم حدثان
موته لعلي أصل إلى حقي فلم يؤذن لي، ثم كتبت ثانية فلم يؤذن لي، ثم كتبت ثالثة فلم
يؤذن لي، فلما كان بعد سنتين كتب إلي ابتداء صر إليهم فخرجت إليهم فوصل إلي حقي.
قال أبو القاسم: وأوصل أبو رميس عشرة دنانير إلى حاجز فنسيها حاجز أن يوصلها فكتب
إليه تبعث بدنانير أبو رميس، ابتداء. قال: وكتب هارون بن موسى بن الفرات في أشياء،
وخط بالقلم بغير مداد يسأل الدعاء لابني أخيه وكانا محبوسين، فورد عليه جواب كتابه
وفيه دعاء للمحبوسين باسمهما.
قال:
وكتب رجل من ربض حميد يسأل الدعاء في حمل له فورد عليه الدعاء في الحمل قبل الأربعة
أشهر وستلد أنثى، فجاء كما قال (عليه السلام). قال: وكتب محمد بن محمد البصري يسأل
الدعاء في أن يكفي أمر بناته وأن يرزق الحج ويرد عليه ماله، فورد عليه الجواب بما
سأل، فحج من سنته ومات من بناته أربع، وكان له ست ورُدَّ عليه ماله. قال: وكتب محمد
بن يزداذ يسأل الدعاء لوالديه، فورد: غفر الله لك ولوالديك ولأختك المتوفاة الملقبة
كلكى، وكانت هذه امرأة صالحة متزوجة بجوار.
وكتبت في إنفاذ خمسين ديناراً لقوم مؤمنين منها عشرة دنانير لابنة عم لي لم تكن من
الإيمان على شيء، فجعلت اسمها آخر الرقعة والفصول، ألتمس بذلك الدلالة في ترك
الدعاء، فخرج في فصول المؤمنين تقبل الله منهم وأحسن إليهم وأثابك، ولم يدع لابنة
عمي بشيء. قال: وأنفذت أيضاً دنانير لقوم مؤمنين، فأعطاني رجل يقال له محمد بن سعيد
دنانير فأنفذتها باسم أبيه متعمداً ولم يكن من دين الله على شيء، فخرج الوصول من
عنوان اسمه محمد. قال: وحملت في هذه السنة التي ظهرت لي فيها هذه الدلالة ألف
دينار، بعث بها أبو جعفر، ومعي أبو الحسين محمد بن محمد بن خلف، وإسحاق بن الجنيد،
فحمل أبو الحسين الخرج إلى الدور واكترينا ثلاثة أحمرة، فلما بلغت القاطول لم نجد
حميرا، فقلت لأبي الحسين: احمل الخرج الذي فيه المال واخرج مع القافلة حتى أتخلف في
طلب حمار لإسحاق بن الجنيد يركبه فإنه شيخ، فاكتريت له حمارا ولحقت بأبي الحسين في
الحير حير سر من رأى، وأنا أسمره وأقول له: أحمد الله على ما أنت عليه، فقال: وددت
أن هذا العمل دام لي، فوافيت سر من رأى وأوصلت ما معنا، فأخذه الوكيل بحضرتي، ووضعه
في منديل وبعث به مع غلام أسود، فلما كان العصر جاءني برزيمة خفيفة، ولما أصبحنا
خلا بي أبو القاسم وتقدم أبو الحسين وإسحاق، فقال أبو القاسم للغلام الذي حمل
الرزيمة جاءني بهذه الدراهم وقال لي: ادفعها
إلى الرسول الذي حمل الرزيمة، فأخذتها منه، فلما خرجت من باب الدار قال لي أبو الحسين من قبل أن أنطق أو يعلم أن معي شيئا: لما كنت معك في الحير تمنيت أن يجئني منه دراهم أتبرك بها، وكذلك عام أول حيث كنت معك بالعسكر. فقلت له: خذها فقد آتاك الله، والحمد لله رب العالمين. قال: وكتب محمد بن كشمرد يسأل الدعاء أن يجعل ابنه أحمد من أم ولده في حل، فخرج: والصقري أحل الله له ذلك فأعلم (عليه السلام) أن كنيته أبو الصقر). ومثله الخرائج: ١/٤٤٣، و: ٣/١١٣١، بعضه، وثاقب المناقب/٢٤٩، وإثبات الهداة: ٣/٦٧٤، و٦٧٥، و٦٩٩، إلى آخر المصادر.
* * *
كمال الدين: ٢/٤٧٠، عن أبي نعيم الأنصاري الزيدي قال: كنت بمكة عند المستجار وجماعة من المقصرة وفيهم المحمودي وعلان الكليني وأبو الهيثم الديناري وأبو جعفر الأحول الهمداني وكانوا زهاء ثلاثين رجلاً، ولم يكن منهم مخلص علمته غير محمد بن القاسم العلوي العقيقي، فبينا نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين ومائتين من الهجرة إذ خرج علينا شاب من الطواف عليه إزاران محرم بهما وفي يده نعلان، فلما رأيناه قمنا جميعاً هيبةً له فلم يبق منا أحد إلا قام وسلم عليه، ثم قعد والتفت يميناً وشمالاً ثم قال: أتدرون ما كان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول في دعاء الإلحاح؟ قلنا: وما كان يقول؟ قال: كان يقول: اللهم إني أسألك باسمك الذي به تقوم السماء وبه تقوم الأرض، وبه تفرق بين الحق والباطل وبه تجمع بين المتفرق وبه تفرق بين المجتمع، وبه أحصيت عدد الرمال وزنة الجبال وكيل البحار، أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً. ثم نهض فدخل الطواف، فقمنا لقيامه حين انصرف، وأنسينا أن نقول له من هو؟ فلما كان من الغد في ذلك الوقت خرج علينا من الطواف فقمنا كقيامنا الأول بالأمس، ثم جلس في مجلسه متوسطاً ثم نظر يميناً وشمالاً وقال: أتدرون ما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول بعد صلاة الفريضة؟ قلنا: وما كان يقول؟ قال كان يقول: اللهم إليك رفعت الأصوات ودعيت الدعوات، ولك
عنت الوجوه، ولك خضعت الرقاب، وإليك التحاكم في الأعمال، يا خير مسؤول وخير من أعطى، يا صادق يا بارئ يا من لا يخلف الميعاد، يا من أمر بالدعاء وتكفل بالإجابة، يا من قال: أدعوني أستجب لكم، يا من قال: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون. يا من قال: يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم. ثم نظر يميناً وشمالاً بعد هذا الدعاء فقال: أتدرون ما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في سجدة الشكر؟ قلنا: وما كان يقول؟ قال كان يقول: يا من لا يزيده إلحاح الملحين إلا جوداً وكرماً، يا من له خزائن السماوات والأرض، يا من له خزائن ما دق وجل لا تمنعك إساءتي من إحسانك إلي، إني أسألك أن تفعل بي ما أنت أهله وأنت أهل الجود والكرم والعفو، يا رباه يا ألله إفعل بي ما أنت أهله فأنت قادر على العقوبة وقد استحققتها، لا حجة لي ولا عذر لي عندك، أبوء إليك بذنوبي كلها، وأعترف بها كي تعفو عني، وأنت أعلم بها مني، بؤت إليك بكل ذنب أذنبته وبكل خطيئة أخطأتها وبكل سيئة عملتها، يا رب إغفر لي وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم. وقام فدخل الطواف فقمنا لقيامه، وعاد من غد في ذلك الوقت فقمنا لاستقباله كفعلنا فيما مضى فجلس متوسطاً ونظر يميناً وشمالاً فقال: كان علي بن الحسين سيد العابدين (عليه السلام) يقول في سجوده في هذا الموضع وأشار بيده إلى الحجر نحو الميزاب: عبيدك بفنائك، مسكينك ببابك، أسألك ما لا يقدر عليه سواك. ثم نظر يميناً وشمالاً ونظر إلى محمد بن القاسم العلوي فقال: يا محمد بن القاسم أنت على خير إن شاء الله، وقام فدخل الطواف! فما بقي أحد منا إلا وقد تعلم ما ذكر من الدعاء وأنسينا أن نتذاكر أمره إلا في آخر يوم، فقال لنا المحمودي: يا قوم أتعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا والله صاحب الزمان (عليه السلام)! فقلنا: وكيف ذاك يا أبا علي؟ فذكر أنه مكث يدعو ربه عز
وجل ويسأله أن يريه صاحب الأمر سبع سنين قال: فبينا أنا يوماً في عشية عرفة فإذا بهذا الرجل بعينه، فدعا بدعاء وعيته فسألته ممن هو؟ فقال: من الناس، فقلت: من أي الناس من عربها أو مواليها؟ فقال: من عربها، فقلت: من أي عربها؟ فقال: من أشرفها وأشمخها، فقلت: ومن هم؟ فقال بنو هاشم، فقلت: من أي بني هاشم؟ فقال: من أعلاها ذروة وأسناها رفعة، فقلت: وممن هم؟ فقال: ممن فلق الهام، وأطعم الطعام، وصلى بالليل والناس نيام، فقلت: إنه علوي فأحببته على العلوية ثم افتقدته من بين يدي، فلم أدر كيف مضى في السماء أم في الأرض، فسألت القوم الذين كانوا حوله أتعرفون هذا العلوي؟ فقالوا: نعم يحج معنا كل سنة ماشياً! فقلت: سبحان الله والله ما أرى به أثر مشي، ثم انصرفت إلى المزدلفة كئيباً حزيناً على فراقه وبتُّ في ليلتي تلك فإذا أنا برسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد رأيت طلبتك؟ فقلت: ومن ذاك يا سيدي؟ فقال: الذي رأيته في عشيتك فهو صاحب زمانكم. فلما سمعنا ذلك منه عاتبناه على ألا يكون أعلمنا ذلك، فذكر أنه كان ناسياً أمره إلى وقت ما حدثنا). ثم ذكر لهذا الحديث سندين آخرين أحدهما عن أبي نعيم الأنصاري والآخر عن محمد بن علي المنقذي، ومثله دلائل الإمامة/٢٩٨، وغيبة الطوسي/١٥٦، و١٥٨، بسندين، ومصباح المتهجد/٥١، بعضه، ونزهة الناظر/١٤٧، وتبصرة الولي/٧٧٤، إلى آخر المصادر.
* * *
الكافي: ١/٥٢٤، عن أبي عقيل عيسى بن نصر، قال: كتب علي بن زياد الصيمري يسأل كفنا
فكتب إليه: إنك تحتاج إليه في سنة ثمانين فمات في سنة ثمانين، وبعث إليه بالكفن قبل
موته بأيام). ومثله تقريب المعارف/١٩٦، وكمال الدين: ١/٥٠١، وفيه: وبعث إليه بالكفن
قبل موته بشهر! ودلائل الإمامة/٢٨٥، والإرشاد/٣٥٦، وغيبة الطوسي/١٧٢، وإعلام
الورى/٤٢١، والخرائج: ١/٤٦٣.. الخ..
تحريم تسمية الإمام (عليه السلام) في الغيبة الصغرى
في الكافي: ١/٣٣٣، عن ابن رئاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: صاحب هذا الأمر
لا يسميه باسمه إلا كافر). ومثله كمال الدين: ٢/٦٤٨، وعنه البحار: ٥١/٣٣.
وفي
كمال الدين: ٢/٤٨٢، عن علي بن عاصم الكوفي يقول: خرج في توقيعات صاحب الزمان: ملعون
ملعون، من سماني في محفل من الناس). وعنه وسائل الشيعة: ١١/٤٨٨، والبحار: ٥١/٣٣.
وفي كمال الدين: ٢/٤٨٣: من سماني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله، قال أبو
علي محمد بن همام: وكتبت أسأله عن الفرج متى يكون؟ فخرج إلي: كذب الوقاتون. وعنه
وسائل الشيعة: ١١/٤٨٩، وأشار إلى الإرشاد وإعلام الورى. والبحار: ٥١/٣٣، عن كمال
الدين. ومثله إعلام الورى/٤٢٣، وعنه كشف الغمة: ٣/٣٢١.
وقد أفتى النادر من فقهائنا استناداً إلى هذه الرواية وأمثالها بحرمة تسمية المهدي
(عليه السلام) باسمه حتى في عصرنا، لكن جمهور فقهائنا أفتوا بجواز تسميته لأن النهي
عن تسميته كان في عصور معينة قبل ولادته أو بعدها بقليل في غيبته الصغرى عندما كان
أعداؤه يطلبونه طلباً حثيثاً قبل ولادته وبعدها، حتى حبسوا كل من كان يظن أو يحتمل
أنه هو، وكل من يظن أنها أمه!
* * *
الفصل السادس والثلاثون: علامات الظهور المبارك
تقدم
في الفصول السابقة ذكر أكثر العلامات، ومن أوثق أحاديثها ما روي عن جابر الجعفي عن
الإمام الباقر (عليه السلام)، وذكرناه في فصل أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام).
(تفسير العياشي: ١/٦٤). وينبغي التذكير بأن بعضهم أفرط في تعداد العلامات
وتطبيقاتها، وأفرط آخرون في رد تطبيقاتها الواضحة. والمنهج الصحيح هو التثبت من
النص والالتزام به عندما يثبت، وقبول تطبيقه عندما يكون جلياً.
وجَّهَ الأئمة (عليهم السلام) شيعتهم أن يتوقعوا الفرج من أول الغيبة
الإمامة والتبصرة/٩٣: عن علي بن محمد الصيمري، عن علي بن مهزيار: قال: كتبت إلى أبي
الحسن صاحب العسكر (عليه السلام): أسأله عن الفرج؟ فكتب: إذا غاب صاحبكم عن دار
الظالمين، فتوقعوا الفرج).
وفي الإرشاد/٣٦٠، عن الحسن بن الجهم قال: سأل رجل أبا الحسن (عليه السلام) عن الفرج
فقال: تريد الإكثار أم أجمل لك؟ فقال: بل تجمل لي، قال: إذا ركزت رايات قيس بمصر،
ورايات كندة بخراسان). ومثله غيبة الطوسي/٢٧٢، والخرائج: ٣/١١٦٥، وإعلام الورى/٤٢٩،
وكشف الغمة: ٣/٢٥١، ومنتخب الأنوار /٣٦، وإثبات الهداة: ٣/٧٢٨، والبحار: ٥٢/٢١٤.
أقول: السؤال هنا عن فَرَج خاص بزمن الإمام الكاظم (عليه السلام) حيث كانت شدة
السلطة وبطش هارون عاماً على الشيعة، ولا دليل على أنه الفرج بظهور الإمام المهدي
(عليه السلام).
وصف عصور الظلم وخاصة عصر ظهوره (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)
مختصر
إثبات الرجعة/٢١٧، عن محمد بن مسلم قال: سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام): متى
يظهر قائمكم؟ قال: إذا كثرت الغواية وقلت الهداية، وكثر الجور والفساد وقل الصلاح
والسداد، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ومال الفقهاء إلى الدنيا، وأكثر
الناس إلى الأشعار والشعراء، ومسخ قوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير، وأقبل
السفياني، ثم خرج الدجال وبالغ في الإغواء والإضلال، فعند ذلك ينادى باسم القائم
(عليه السلام) في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، ويقوم في يوم عاشوراء، فكأني أنظر
إليه قائماً بين الركن والمقام وينادي جبرئيل بين يديه: البيعة لله، فتقبل إليه
شيعته). وإثبات الهداة: ٣/٥٧٠، عن الغيبة للفضل بن شاذان، وفيه: فتقبل شيعته إليه
من أطراف الأرض تطوى لهم طياً حتى يبايعوا، ثم يسير إلى الكوفة فينزل على نجفها، ثم
يفرق الجنود منها إلى الأمصار لدفع عمال الدجال، فيملؤ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت
جوراً وظلماً. قال فقلت له: يا بن رسول الله فداك أبي وأمي، أيعلم أحد من أهل مكة
من أين يجيء قائمكم إليها؟ قال: لا ثم قال لا يظهر إلا بغتة بين الركن والمقام).
أقول: المقصود بالدجال في هذا الحديث ليس الدجال الموعود بل الحاكم في عصر ظهوره
(عليه السلام). كما ينفرد الحديث بأن قتل السفياني يكون قبل ظهور المهدي (عليه
السلام) وهو مخالف لنص الأحاديث العديدة، ويبدو أن فيه خللاً في ترتيب فقراته.
النعماني/٢٧٨، عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت عليا (عليه السلام) يقول: إن بين يدي
القائم سنين خداعة، يكذب فيها الصادق ويصدق فيها الكاذب ويقرب فيها الماحل. وفي
حديث: وينطق فيها الرويبضة فقلت: وما الرويبضة وما الماحل؟ قال: أوَما تقرؤون
القرآن قوله: وهو شديد المحال؟ قال: يريد المكر فقلت: وما الماحل، قال: يريد
المكار). وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٣٨، والبحار: ٥٢/٢٤٥.
كفاية الأثر/٢١٣، عن علقمة بن قيس قال: خطبنا أمير المؤمنين (عليه السلام) على منبر
الكوفة خطبة اللؤلؤة فقال فيما قال في آخرها: ألا وإني ظاعن عن قريب ومنطلق إلى
المغيب، فارتقبوا الفتنة الأموية والمملكة الكسروية وإماتة ما أحياه الله وإحياء ما
أماته
الله، واتخذوا صوامعكم بيوتكم، وعضوا على مثل جمر الغضا، فاذكروا الله ذكراً كثيراً
فذكره أكبر لو كنتم تعلمون. ثم قال: وتبنى مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة ودجيلة
والفرات، فلو رأيتموها مشيدة بالجص والأجر مزخرفة بالذهب والفضة واللازورد المستسقى
والمرمر والرخام وأبواب العاج والأبنوس والخيم والقباب والشارات وقد عليت بالساج
والعرعر والصنوبر والخشب، وشيدت بالقصور وتوالت عليها ملوك بني الشيصبان أربعة
وعشرون ملكاً على عدد سني الملك الكديد، فيهم السفاح والمقلاص والجموع والخدوع
والمظفر والمؤنث والنظار والكبش والمهتور والعشار والمصطلم والمستصعب والعلام
والرهباني والخليع والسيار والمسرف والكديد والأكتب والمترف والأكلب والوشيم
والظلام والعيوق، وتعمل القبة الغبراء ذات القلاة الحمراء، في عقبها قائم الحق يسفر
عن وجهه بين الأقاليم كالقمر المضيء بين الكواكب الدرية. ألا وإن لخروجه علامات
عشراً: أولها طلوع الكوكب ذي الذنب ويقارب من الحاوي ويقع فيه هرج ومرج وشغب، وتلك
علامات الخصب، ومن العلامة إلى العلامة عجب، فإذا انقضت العلامات العشر إذ ذاك يظهر
بنا القمر الأزهر وتمت كلمة الإخلاص لله على التوحيد...
نعم إنه لعهد عهده إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن الأمر يملكه اثنا عشر
إماماً تسعة من صلب الحسين، ولقد قال النبي (صلى الله عليه وآله): لما عرج بي إلى
السماء نظرت إلى ساق العرش فإذا مكتوب عليه: لا اله إلا الله محمد رسول الله أيدته
بعلي ونصرته بعلي ورأيت اثني عشر نوراً فقلت: يا رب أنوار من هذه؟ فنوديت يا محمد
هذه الأنوار الأئمة من ذريتك قلت: يا رسول الله أفلا تسميهم لي... وذكر أسماء
الأئمة (عليهم السلام) وقال: والقائم من ولد الحسين سميي وأشبه الناس بي، يملؤها
قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).
وملاحم ابن طاووس/١٣٦، وفيه: ذكر السليلي أنه خطب بها قبل خروجه من البصرة بخمسة
عشر يوماً، وفيها: وتمت الفتنة الغبراء والقلادة الحمراء وفي عنقها قائم الحق ثم
يسفر عن وجه بيِّن
أصبحت الأقاليم كالقمر المضيء. ومناقب ابن شهرآشوب: ٢/٢٧٣، ومشارق البرسي/١٦٤، قال: ومن ذلك ما ورد عنه في خطبة الافتخار، وعنه إثبات الهداة: ١/٥٩٨ و: ٢/٤٤٢، والبحار: ٣٦/٣٥٤، و: ٤١/٣١٨ و٣٢٩، و: ٥٢/٢٦٧.
* * *
الكافي: ٨/٣٧، عن حمران قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) وذكر هؤلاء عنده وسوء حال الشيعة عندهم، فقال: إني سرت مع أبي جعفر المنصور وهو في موكبه وهو على فرس وبين يديه خيل ومن خلفه خيل، وأنا على حمار إلى جانبه فقال لي: يا أبا عبد الله قد كان ينبغي لك أن تفرح بما أعطانا الله من القوة وفتح لنا من العز ولا تخبر الناس أنك أحق بهذا الأمر منا وأهل بيتك فتغرينا بك وبهم! قال فقلت: ومن رفع هذا إليك عني فقد كذب! فقال لي: أتحلف على ما تقول؟ قال فقلت: إن الناس سحرة يعني يحبون أن يفسدوا قلبك علي فلا تمكنهم من سمعك فإنا إليك أحوج منك إلينا. فقال لي: تذكر يوم سألتك هل لنا ملك؟ فقلت: نعم طويل عريض شديد فلا تزالون في مهلة من أمركم وفسحة من دنياكم حتى تصيبوا منا دماً حراماً في شهر حرام في بلد حرام، فعرفت أنه قد حفظ الحديث فقلت: لعل الله (عزَّ وجلَّ) أن يكفيك فإني لم أخصك بهذا وإنما هو حديث رويته، ثم لعل غيرك من أهل بيتك يتولى ذلك فسكت عني! فلما رجعت إلى منزلي أتاني بعض موالينا فقال: جعلت فداك والله لقد رأيتك في موكب أبي جعفر وأنت على حمار وهو على فرس وقد أشرف عليك يكلمك كأنك تحته، فقلت بيني وبين نفسي: هذا حجة الله على الخلق وصاحب هذا الأمر الذي يقتدى به وهذا الآخر يعمل بالجور ويقتل أولاد الأنبياء ويسفك الدماء في الأرض بما لا يحب الله، وهو في موكبه وأنت على حمار، فدخلني من ذلك شك حتى خفت على ديني ونفسي! قال فقلت: لو رأيت من كان حولي وبين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي من الملائكة لاحتقرته واحتقرت ما هو فيه! فقال: الآن سكن قلبي، ثم قال: إلى متى هؤلاء يملكون أو متى الراحة منهم؟ فقلت: أليس تعلم أن لكل شيء مدة؟ قال: بلى. فقلت: هل ينفعك
علمك؟
إن هذا الأمر إذا جاء كان أسرع من طرفة العين؟ إنك لو تعلم حالهم عند الله (عزَّ
وجلَّ) وكيف هي كنت لهم أشد بغضاً، ولو جهدت أو جهد أهل الأرض أن يدخلوهم في أشد
مما هم فيه من الإثم لم يقدروا، فلا يستفزنك الشيطان (فإن
العزة لله وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا
يَعْلَمُونَ). ألا تعلم أن من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف
هو غداً في زمرتنا؟ فإذا رأيت الحق قد مات وذهب أهله ورأيت الجور قد شمل البلاد،
ورأيت القرآن قد خلق وأحدث فيه ما ليس فيه ووجه على الأهواء، ورأيت الدين قد انكفأ
كما ينكفئ الماء، ورأيت أهل الباطل قد استعملوا على أهل الحق، ورأيت الشر ظاهراً لا
ينهى عنه ويعذر أصحابه، ورأيت الفسق قد ظهر واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء،
ورأيت المؤمن صامتاً لا يقبل قوله، ورأيت الفاسق يكذب ولا يرد عليه كذبه وفريته،
ورأيت الصغير يستحقر الكبير، ورأيت الأرحام قد تقطعت.. الخ. وإثبات الهداة: ٣/٨٦،
والبحار: ٥٢/٢٥٤.
دلائل الإمامة/٢٥٣، عن سلمان الفارسي قال: خطبنا أمير المؤمنين بالمدينة، وقد ذكر
الفتنة وقربها ثم ذكر قيام القائم من ولده وأنه يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً قال
سلمان فأتيته خالياً فقلت: يا أمير المؤمنين متى يظهر القائم من ولدك؟ فتنفس
الصعداء وقال: لا يظهر القائم حتى يكون أمور الصبيان وتضييع حقوق الرحمان ويتغنى
بالقرآن بالتطريب والألحان... إلى آخر صفات عصور الظلم وعصر الظهور. ومثله العدد
القوية/٧٥، وفيه: ويتغنى بالقرآن، فإذا قتلت ملوك بني العباس أولي العمى
والالتباس.. وخربت البصرة هناك يقوم القائم من ولد الحسين، والبحار: ٥٢/٢٧٥.
الكسوف والخسوف قبل ظهور المهدي (عليه السلام)
كمال الدين: ٢/٦٥٥، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تنكسف الشمس لخمس مضين من
شهر رمضان قبل قيام القائم (عليه السلام)). وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٢٣، والبحار:
٥٢/٢٠٧.
النعماني/٢٧٢، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: علامة خروج
المهدي كسوف الشمس في شهر رمضان في ثلاث عشرة وأربع عشرة منه). والبحار: ٥٢/٢٤٢.
دلائل
الإمامة/٢٥٩، عن أم سعيد الأحمسية قالت: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت
فداك يا ابن رسول الله إجعل في يدي علامة من خروج القائم، قالت: قال لي: يا أم سعيد
إذا انكسف القمر ليلة البدر من رجب، وخرج رجل من تحته، فذاك عند خروج القائم). وعنه
إثبات الهداة: ٣/٥٧٥.
الكافي: ٨/٢١٢، عن بدر بن الخليل الأزدي قال: كنت جالساً عند أبي جعفر (عليه
السلام) فقال: آيتان تكونان قبل قيام القائم (عليه السلام)، لم تكونا منذ هبط آدم
إلى الأرض: تنكسف الشمس في النصف من شهر رمضان، والقمر في آخره. فقال رجل: يا ابن
رسول الله تنكسف الشمس في آخر الشهر والقمر في النصف! فقال أبو جعفر (عليه السلام):
إني أعلم ما تقول، ولكنهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم (عليه السلام)). ومثله
النعماني/٢٧١، والإرشاد/٣٥٩، وغيبة الطوسي/٢٧٠، وإعلام الورى/٤٢٩، والخرائج:
٣/١١٥٨، الخ.
النعماني/٢٧١، عن ورد أخي الكميت، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) أنه
قال: إن بين يدي هذا الأمر انكساف القمر لخمس تبقى، والشمس لخمس عشرة، وذلك في شهر
رمضان. وعنده يسقط حساب المنجمين). ومثله كمال الدين: ٢/٦٥٥، والعدد القوية/٦٦،
وعنهما إثبات الهداة: ٣/٧٢٣ و٧٣٧، والبحار: ٥٢/٢٠٧.
سنن الدارقطني: ٢/٦٥، عن جابر، عن محمد بن علي قال: إن لمهدينا آيتين لم تكونا منذ
خلق السماوات والأرض، ينكسف القمر لأول ليلة من رمضان، وتنكسف الشمس في النصف منه،
ولم تكونا منذ خلق الله السماوات والأرض). وعنه تذكرة القرطبي: ٢/٧٠٣، والحاوي:
٢/٦٦، ومرقاة المفاتيح: ٥/١٨٦، وإثبات الهداة: ٣/٦٢١.
والسيرة الحلبية: ١/١٩٣، أوله وقال: وظهوره يكون بعد أن يكسف القمر في أول ليلة من
رمضان وتكسف الشمس في النصف منه، فإن مثل ذلك لم يوجد منذ خلق الله السماوات
والأرض). انتهى. وقد أخذه من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ولم يذكر ذلك!
من العلامات جرأة دول العالم على مخالفة الجبارين
النعماني/٢٦٩، عن أبي بصير قال: سئل أبو جعفر الباقر (عليه السلام) عن تفسير قول
الله عز
وجل:
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ):
فقال: يريهم في أنفسهم المسخ، ويريهم في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم، فيرون قدرة
الله في أنفسهم وفي الآفاق. وقوله: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ
لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ): يعني بذلك خروج القائم هو من الله (عزَّ وجلَّ)
يراه هذا الخلق لا بد منه). وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٣٧، وفيه: خروج القائم هو الحق
من عند الله. والمحجة/١٨٨، والبرهان: ٤/١١٤، والبحار: ٥٢/٢٤١.
تأويل الآيات: ٢/٥٤١، عن أبي حمزة، عن إبراهيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
قوله (عزَّ وجلَّ): سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق،
قال: في الآفاق: انتقاض الأطراف عليهم. وفي أنفسهم: بالمسخ. حتى يتبين لهم أنه الحق:
أي أنه القائم (عليه السلام)). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٦٥، والمحجة/١٨٨، والبحار:
٢٤/١٦٤.
الحرب والطاعون قبل ظهور المهدي (عليه السلام)
النعماني/٢٧٧، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (بين يدي القائم موت أحمر، وموت
أبيض وجراد في حينه، وجراد في غير حينه، أحمر كالدم. فأما الموت الأحمر فبالسيف
وأما الموت الأبيض فالطاعون). ومثله الإرشاد/٣٥٩، وغيبة الطوسي/٢٦٧، وإعلام الورى/٤٢٧
والخرائج: ٣/١١٥٢، والفصول المهمة: ٣٠١، والبحار: ٥٢/٢١١.
كمال الدين: ٢/٦٥٥، عن سليمان بن خالد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
قدام القائم موتان: موت أحمر وموت أبيض، حتى يذهب من كل سبعة خمسة، الموت الأحمر
السيف، والموت الأبيض الطاعون). ومثله العدد القوية/٦٦، وعنه إثبات الهداة: ٣/٧٢٣،
والبحار: ٥٢/٢٠٧. وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
كمال الدين: ٢/٦٥٥، عن أبي بصير، ومحمد بن مسلم قالا: سمعنا أبا عبد الله (عليه
السلام) يقول: لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلث الناس، فقيل له: إذا ذهب ثلث الناس
فما يبقى؟ فقال (عليه السلام): أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي). ومثله غيبة
الطوسي/٢٠٦، والعدد القوية/٦٦، وعنه إثبات الهداة: ٣/٥١٠،، والبحار: ٥٢/١١٣.
وفي قرب الإسناد/١٧٠، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال سألت أبا الحسن
الرضا
(عليه السلام)، وقال: قدام هذا الأمر بيوح، قلت وما البيوح؟ قال: قتل دائم لا يفتر)!
ومثله النعماني/٢٧١، وفيه: فلم أدر ما البيوح، فحججت فسمعت أعرابياً يقول هذا يوم
بيوح، فقلت له: ما البيوح؟ فقال: الشديد الحر. والبحار: ٥٢/٢٤٢.
ابن حماد/٩١، عن كيسان الرواشي القصار وكان ثقة، قال حدثني مولاي قال: سمعت علياً
(رضي الله عنه) يقول: لا يخرج المهدي حتى يقتل ثلث، ويموت ثلث، ويبقى ثلث).
والداني/٩٤، عن كيسان الرواسي، حدثني مولاي علي بن أبي طالب، كما في ابن حماد، وعقد
الدرر/٦٣، والحاوي: ٢/٦٨، عن ابن حماد، وجمع الجوامع: ٢/١٠٣، الخ.
الصراط المستقيم: ٢/٢٥٨، مرسل عن كتاب عبد الله بن بشار رضيع الحسين (عليه السلام):
إذا أراد الله أن يظهر آل محمد بدأ الحرب من صفر إلى صفر، وذلك أوان خروج المهدي.
قال ابن عباس: يا أمير المؤمنين ما أقرب الحوادث الدالة على ظهوره؟ فدمعت عيناه
وقال: إذا فتق بثق في الفرات فبلغ أزقة الكوفة، فليتهيأ شيعتنا للقاء القائم). وعنه
إثبات الهداة: ٣/٥٧٨.
ملاحظة: تتفاوت الأحاديث التي يفهم منها أن الحرب العامة من علامات ظهور الإمام
(عليه السلام)، فبعضها كالحديث الأول يذكر موتين قرب ظهوره أحمر وأبيض ولا يذكر
هلاك ثلث العالم أو ثلثيه، وبعضها يذكر ذهاب ثلث الناس ولا يحدد أنهم من المشاركين
في القتال أو من أهل منطقة أو من كل العالم. وبعضها كرواية ابن حماد كأنها تشير إلى
تأخر ظهوره عن عصر الراوي حتى يهلك ثلث الموجودين، وبعضها يذكر الحرب من صفر إلى
صفر دون ذكر عدد القتلى. وأقواها سنداً رواية محمد بن مسلم التي تذكر أن أكثر الناس
يهلكون قبل ظهوره ولا تذكر متى وأين، وتفسرها رواية سليمان بن خالد بحرب يهلك فيها
نحو الثلثين، ثم رواية ابن أبي نصر التي تذكر القتل البيوح قبل ظهوره (عليه السلام)
ولا تحدد خسائره. والنتيجة: من مجموعها أن هذه الحرب قد تكون متزامنة مع ظهوره
(عليه السلام) أو بعده بقليل، وقد يعبر عما يقع بعد الظهور بالعلامة كما في جيش
الخسف، فهو من العلامات وهو بعد ظهوره (عليه السلام).
الفصل السابع والثلاثون: رجعة نبينا وبعض الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) في زيارة إلى الدنيا
أصالة عقيدة الرجعة عند الشيعة
من لا يحضره الفقيه: ٣/٤٥٨، قال الصادق (عليه السلام): ليس منا من لم يؤمن بكرتنا
ويستحل متعتنا). ومثله الهداية/٦٠، وفيه: برجعتنا، وأجوبة المسائل السروية
للمفيد/٢٠٧، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ليس منا من لم يقل بمتعتنا ويؤمن
برجعتنا. وقال: فإنما أراد بذلك ما اختصه من القول به في أن الله تعالى يحيى قوماً
من أمة محمد (صلى الله عليه وآله) بعد موتهم قبل يوم القيامة، وهذا مذهب مختص به آل
محمد (صلى الله عليه وآله). والمحتضر/١٢، كما في الهداية وقال: وذلك مما أجمع عليه
الإمامية، نقل الإجماع من الشيعة على هذه المسألة الشيخ المفيد محمد بن محمد بن
النعمان (رضي الله عنه)، ونقل الإجماع أيضاً السيد المرتضى (رضي الله عنه)، فقد
نقلا إجماع الإمامية على رجعة جماعة من المؤمنين من قبورهم بعد موتهم مع الإمام
(عليه السلام) إذا ظهر. ووسائل الشيعة: ١٤/٤٣٨، والبحار: ٥٣/٩٢.. الخ.
من سخريتهم بنا لعقيدتنا بالرجعة
كان الاعتقاد بالرجعة معروفاً عن أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، وكثرت قصص
السخرية والتشنيع على الشيعة بذلك، ففي الفصول المختارة/٥٩، عن معاذ بن سعيد
الحميري قال: شهد السيد إسماعيل بن محمد الحميري (رحمه الله) عند سوار القاضي
بشهادة
فقال له: ألستَ إسماعيل بن محمد الذي يعرف بالسيد؟ فقال: نعم، فقال له: كيف أقدمت على الشهادة عندي وأنا أعرف عداوتك للسلف؟ فقال السيد: قد أعاذني الله من عداوة أولياء الله وإنما هو شيء لزمني! ثم نهض فقال له: قم يا رافضي فوالله ما شهدت بحق! فخرج السيد (رحمه الله) وهو يقول:
أبوك
ابنُ سارقِ عنزِ النبيِّ * * * وأنت ابنُ بنت أبي جُحْدُرِ
ونحن على رغمك الرافضونَ * * * لأهل الضلالة والمنكر
ثم عمل شعراً وكتبه في رقعة وأمر من ألقاها في الرقاع بين يدي سوار، فأخذ الرقعة سوار فلما وقف عليها خرج إلى أبي جعفر المنصور، وكان قد نزل الجسر الأكبر، ليستعدي على السيد فسبقه السيد إلى المنصور فأنشأ قصيدته التي يقول فيها:
يا
أمين الله يا منصور يا خير الولات * * * إن سوار بن عبد الله من شر القضاة
جده سارق عنزٍ فجرةٌ من فجرات * * * نعثليٌّ جمليٌّ لكم غير موات
يا هنات اخرج إلينا إننا أهل هنات * * * والذي كان ينادي من وراء الحجرات
سنَّ فينا سنناً كانت مواريث الطغاة * * * فاكفنيه لا كفاه الله شر الطارقاتِ
قال: فضحك المنصور وقال: نصبتك قاضياً فامدحه كما هجوته، فأنشد السيد:
إني
امرؤ من حمير أسرتي * * * بحيث تحوي سروها حمير
آليتُ لا أمدح ذا نائل * * * له سناءٌ وله مفخر
إلا من الغر بني هاشم * * * إن لهم عندي يداً تشكر
إن لهم عندي يداً شكرها * * * حق وإن أنكرها منكر
يا أحمد الخير الذي إنما * * * كان علينا رحمة تنشر
حمزة
والطيار في جنة * * * فحيث ما شاء دعا جعفر
منهم وهادينا الذي نحن من * * * بعد عمانا فيه نستبصر
لما دجا الدين ورق الهدى * * * وجار أهل الأرض واستكبروا
ذاك عليُّ بن أبي طالب * * * ذاك الذي دانت له خيبر
دانت وما دانت له عنوةً * * * حتى تدهدا عرشها الأكبر
ويوم سلع إذا أتى عاتياً * * * عمرو بن عبد مصلتا يخطر
يخطر بالسيف مدلاً كما * * * يخطر فحل الصرمة الدوسر
إذ جلل السيف على رأسه * * * أبيض عضبا حده مبتر
فخرَّ كالجذع وأوداجُه * * * ينصبُّ منها حَلَبٌ أحمرُ
وكان أيضاً مما جرى له من سوار ما حدث به الحرث بن عبيد الله الربعي قال: كنت جالساً في مجلس المنصور وهو بالجسر الأكبر وسوار عنده والسيد ينشده:
إن
الإله الذي لا شيء يشبهه * * * آتاكمُ الملك للدنيا وللدين
آتاكم الله ملكاً لا زوالَ له * * * حتى يقاد إليكم صاحب الصين
وصاحب الهند مأخوذ برمته * * * وصاحب الترك محبوس على هون
حتى أتى على القصيدة والمنصور مسرور، فقال سوار: هذا والله يا أمير المؤمنين يعطيك بلسانه ما ليس في قلبه، والله أن القوم الذين يدين بحبهم لغيركم وإنه
لينطوي في عداوتكم، فقال السيد: والله إنه لكاذب وإنني في مديحك لصادق، ولكنه حمله
الحسد إذ رآك على هذه الحال، وإن انقطاعي ومودتي لكم أهل البيت لمعرق لي فيها عن
أبويَّ، وإن هذا وقومه لأعداؤكم في الجاهلية والإسلام، وقد أنزل الله (عزَّ وجلَّ)
على نبيه عليه وآله السلام في أهل بيت هذا: (إِنَّ الَّذِينَ
يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)! فقال
المنصور: صدقت! فقال سوار: يا أمير المؤمنين إنه يقول بالرجعة ويتناول الشيخين
بالسب والوقيعة فيهما!
فقال السيد: أما قوله بأني أقول بالرجعة فإن قولي في ذلك على ما قال الله تعالى: (وَيَوْمَ
نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنَا فَهُمْ
يُوزَعُونَ). وقد قال في موضع آخر: (وَحَشَرْنَاهُمْ
فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً). فعلمت أن هاهنا حشرين أحدهما عام
والآخر خاص، وقال سبحانه: (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا
اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إلى
خُرُوجٍ مِنْ سَبِيل). وقال الله تعالى: (فَأَمَاتَهُ
اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ). وقال الله تعالى: (أَلَمْ
تَرَ إلى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ
فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ). فهذا كتاب الله (عزَّ
وجلَّ). وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يحشر المتكبرون في صور الذر يوم
القيامة. وقال: لم يجر في بني إسرائيل شيء إلا ويكون في أمتي مثله حتى المسخ والخسف
والقذف. وقال حذيفة: والله ما أبعد أن يمسخ الله كثيراً من هذه الأمة قردة وخنازير!
فالرجعة التي نذهب إليها هي ما نطق به القرآن وجاءت به السنة، وإنني لأعتقد أن الله
تعالى يرد هذا يعني سواراً إلى الدنيا كلباً أو قرداً أو خنزيراً أو ذرة فإنه والله
متجبر متكبر كافر! قال: فضحك المنصور وأنشأ السيد يقول:
جاثيتُ سواراً أبا شملة * * * عند الإمام الحاكم العادل
فقال قولاً خطأ كله * * * عند الورى الحافيِ والناعل
ما ذب عما قلت من وصمة * * * في أهله بل لج في الباطل
وبان
للمنصور صدقي كما * * * قد بان كذب الأنوك الجاهل
يبغض ذا العرش ومن يصطفي * * * من رسله بالنير الفاضل
ويشنأ الحبر الجواد الذي * * * فضل بالفضل على الفاضل
ويعتدي بالحكم في معشر * * * أدوا حقوق الرسل للراسل
فبين الله تزاويقه * * * فصار مثل الهائم الهائل
قال
فقال المنصور: كفَّ عنه! فقال السيد: يا أمير المؤمنين البادي أظلم يكف عني حتى أكف
عنه فقال المنصور لسوار: تكلم بكلام فيه نَصَفة كفَّ عنه حتى لايهجوك).
الرجعة خاصة ببعض الأبرار والفجار وليست عامة
تصحيح الإعتقاد/٢١٥، عن الصادق (عليه السلام): إنما يرجع إلى الدنيا عند قيام
القائم (عليه السلام) من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً، فأما ما سوى هذين
فلا رجوع لهم إلى يوم المآب). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٧٧، والبحار: ٦/٢٥٤.
مختصر البصائر/١٩٤، عن محمد بن سلام، عند أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: (قَالُوا
رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا
بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ)؟ قال: هو خاص لأقوام في
الرجعة بعد الموت ويجري في القيامة فبعداً للقوم الظالمين). وعنه الإيقاظ/٢٩٨،
والبحار: ٥٣/١١٦. ومثله تفسير القمي: ٢/٢٥٦، عن الصادق (عليه السلام)، وعنه البحار:
٥٣/٥٩، وقال المجلسي: أي أحد الإحيائين في الرجعة والآخر في القيامة، وإحدى
الإماتتين في الدنيا والأخرى في الرجعة، وبعض المفسرين صححوا التثنية بالإحياء في
القبر للسؤال والإماتة فيه، ومنهم من حمل الإماتة الأولى على خلقهم ميتين ككونهم
نطفة).
وفي مختصر البصائر/٢٥، عن أبي بصير قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): ينكر أهل
العراق الرجعة؟ قلت: نعم، قال: أما يقرؤن القرآن: (وَيَوْمَ
نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً)؟
الآية). وعنه الإيقاظ/٢٧٨، والبحار: ٥٣/٤٠.
وفي تفسير القمي: ١/٢٤ و: ٢/٣٦، بسند صحيح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما
يقول الناس في هذه الآية: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ
أُمَّةٍ فَوْجاً)؟ قلت: إنها في القيامة، قال: ليس كما يقولون إن ذلك في
الرجعة، أيحشر الله في القيامة من كل أمة فوجاً ويدع الباقين! إنما آية القيامة
قوله: (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً))
ومثله مختصر البصائر/٤١، وعنه الإيقاظ/٢٤٦، والبحار: ٥٣/ ٥١ و٦٠.
وفي تفسير القمي: ٢/١٣١، عن المفضل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى:
(وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً)،
قال: ليس أحد من المؤمنين قتل إلا يرجع حتى يموت، ولا يرجع إلا من محض الإيمان
محضاً ومن محض الكفر محضاً). ومثله مختصر البصائر/٢٥، وفي/٤٣، عن تفسير القمي، وعنه
تأويل الآيات: ١/٤٠٩، والإيقاظ/٢٥٨ و٢٧٨ و٣٤٣ وقال: ومثل هذا كثير جدا تقدم بعضه،
ولا يخفى أن هذا دال على رجعتهم (عليهم السلام) بطريق الأولوية مضافا إلى التصريحات
الكثيرة، والبحار: ٥٣/٥٣، عن تفسير القمي.
عقيدة الرجعة في زيارات النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)
مصباح المتهجد/٢٥٣: ويستحب زيارة النبي والأئمة (عليهم السلام) في يوم الجمعة، روي
عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: من أراد أن يزور قبر رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وقبر أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وقبور الحجج (عليهم
السلام) وهو في بلده فليغتسل يوم الجمعة وليلبس ثوبين نظيفين، وليخرج إلى فلاة من
الأرض، ثم يصلي أربع ركعات يقرأ فيهن ما تيسر من القرآن، فإذا تشهد وسلم فليقم
مستقبل القبلة وليقل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليك أيها
النبي المرسل والوصي المرتضى، والسيدة الكبرى والسيدة الزهراء والسبطان المنتجبان،
والأولاد والأعلام والأمناء المنتجبون المستخزنون، جئت انقطاعاً إليكم وإلى آبائكم،
وولدكم الخلف على بركة الحق، فقلبي لكم مُسَلِّم ونصرتي لكم معدة حتى يحكم الله
بدينه، فمعكم معكم لامع عدوكم، إني لمن القائلين بفضلكم مقر برجعتكم، لا
أنكر
الله قدرة ولا أزعم إلا ما شاء الله، سبحان الله ذي الملك والملكوت يسبح الله
بأسمائه جميع خلقه، والسلام على أرواحكم وأجسادكم، والسلام عليكم ورحمة الله
وبركاته). وعنه جمال الأسبوع/٢٣١، والإيقاظ/٣٠١، والبحار: ٨٩/٣٣٠.
وقد ورد ذلك في أهم زيارة عندنا وهي الزيارة الجامعة، ففي عيون أخبار الرضا: ٢/٢٧٢،
عن موسى بن عمران النخعي أنه قال للإمام الهادي (عليه السلام): علمني يا ابن رسول
الله قولاً أقوله بليغاً كاملاً إذا زرت واحداً منكم فقال: إذا صرت إلى الباب فقف
واشهد الشهادتين وأنت على غسل، فإذا دخلت ورأيت القبر فقف وقل: الله أكبر ثلثين
مرة... ثم ادن من القبر وكبر الله أربعين مرة، تمام مائة تكبيرة ثم قل... وفيها:
مؤمن بإيابكم، مصدق برجعتكم منتظر لأمركم، مرتقب لدولتكم، آخذ بقولكم، عامل بأمركم
مستجير بكم، مؤمن بسركم وعلانيتكم، وشاهدكم وغائبكم وأولكم وآخركم، ونصرتي لكم معدة
حتى يحيي الله تعالى دينه بكم، ويردكم في أيامه ويظهركم لعدله ويمكنكم في أرضه،
وجعلني ممن يقتص آثاركم ويسلك سبيلكم، ويهتدي بهداكم، ويحشر في زمرتكم، ويكر في
رجعتكم ويُمَلَّك في دولتكم، ويُشَرَّفَ في عافيتكم). ومثله الفقيه: ٢/٦٠٩،
والتهذيب: ٦/٩٥، وعنه الإيقاظ/٢٣٤، والبحار: ٥٣/٩٢.
تشبيه الرجعة بإحياء قوم موسى (عليه السلام) في الميقات
المحكم والمتشابه/١١٢، عن تفسير النعماني عن إسماعيل بن جابر قال: سمعت أبا عبد
الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) يقول: في حديث طويل عن أنواع آيات القرآن،
فيه مجموعة أسئلة لأمير المؤمنين (عليه السلام) عن آيات القرآن وأحكامه، قال فيه:
(وأما الرد على من أنكر الرجعة فقول الله (عزَّ وجلَّ): (وَيَوْمَ
نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنَا فَهُمْ
يُوزَعُونَ)، أي إلى الدنيا وأما معنى حشر الآخرة فقوله (عزَّ وجلَّ): (وَحَشَرْنَاهُمْ
فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً). وقوله سبحانه: (وَحَرَامٌ
عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ): في الرجعة فأما
في القيامة فهم يرجعون. ومثل قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ
اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا
آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ
رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ):
وهذا لا يكون إلا في الرجعة. ومثله ما خاطب الله به الأئمة ووعدهم من النصر
والانتقام من أعدائهم فقال سبحانه: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ
آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا
اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي
ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً
يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)، وهذا إنما يكون إذا رجعوا إلى
الدنيا، ومثل قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى
الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ
الْوَارِثِين)، وقوله سبحانه: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ
عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ): أي رجعة الدنيا. ومثله قوله:
(أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ
وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ)،
وقوله (عزَّ وجلَّ): (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ
رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا)، فردهم الله تعالى بعد الموت إلى الدنيا). وفي تفسير
القمي: ٢/٧٥، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله وأبي جعفر (عليهما السلام) قالا:
(كل قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة. فهذه الآية من أعظم الدلالة
في الرجعة، لأن أحداً من أهل الإسلام لا ينكر أن الناس كلهم يرجعون إلى القيامة من
هلك ومن لم يهلك، وقوله: ولايرجعون أيضاً عنى في الرجعة، فأما إلى القيامة فيرجعون
حتى يدخلوا النار). وعنه الإيقاظ/٢٥٥، والبحار: ٥٣/٥٢.
الرجعة من التأويل الذي لا يحيط الناس بعلمه
العياشي: ٢/١٢٢، عن حمران قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الأمور العظام من
الرجعة وغيرها فقال: إن هذا الذي تسألوني عنه لم يأت أوانه، قال الله: بل كذبوا بما
لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله). ومثله مختصر البصائر/٢٤
الأرض تحيا بالرجعة
تفسير القمي: ٢/١٧١، في قوله: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا
نَسُوقُ الْمَاءَ إلى الأرض الْجُرُزِ)، قال: الأرض الخراب وهو مثل ضربه
الله في الرجعة والقائم (عليه السلام) فلما أخبرهم رسول
الله
(صلى الله عليه وآله) بخبر الرجعة قالوا متى هذا الفتح إن كنتم صادقين). وعنه
البرهان: ٣/٢٨٩.
بعض آيات الآخرة هي في الرجعة
تفسير العياشي: ٢/٣٠٦، عن أبي بصير، عن أحدهما في قول الله: (وَمَنْ
كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً).
فقال: الرجعة). ومختصر البصائر/٢٠، وعنهما الإيقاظ/٢٧٤، والبحار: ٥٣/ ٦٧.
الاعتقاد بالمهدي (عليه السلام) والرجعة من الإيمان بالغيب
تفسير القمي: ٢/٣٩١: (علي بن إبراهيم: وقوله: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً..
إلخ، قال: يخبر الله رسوله الذي يرتضيه بما كان قبله من الأخبار، وما يكون بعده من
أخبار القائم (عليه السلام)، والرجعة، والقيامة). وعنه البرهان: ٤/٣٩٥.
تفسير القمي: ١/٣٨٣، عن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في قوله
تعالى: (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ
مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ). يعني أنهم لا يؤمنون بالرجعة أنها حق).
ومثله العياشي: ٢/٢٥٦ و٢٥٧، وعنه الإيقاظ/٢٥٣، والبحار: ٣٦/١٠٣ و: ٥٣/١١٨.
الرجعة هي الصيحة في الآية
تفسير القمي: ٢/٣٢٧، عن جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: (يَوْمَ
يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوج). قال: هي
الرجعة). وعنه مختصر البصائر/٤٦، والإيقاظ/٢٥٩.
بعض المسلمين سيحلفون أن الرجعة لا تكون
تفسير العياشي: ٢/٢٥٩، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: (وَأَقْسَمُوا
بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ)؟ قال: ما
يقولون فيها؟ قلت: يزعمون أن المشركين كانوا يحلفون لرسول الله أن الله لا يبعث
الموتى، قال: تباً لمن قال هذا. ويلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللات
والعزى؟ قلت: جعلت فداك فأوجدنيه أعرفه، قال: لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوماً
من شيعتنا قبايع سيوفهم على عواتقهم، فيبلغ ذلك قوماً من شيعتنا لم يموتوا فيقولون:
بعث فلان وفلان من
قبورهم مع القائم، فيبلغ ذلك قوماً من أعدائنا فيقولون: يا معشر الشيعة ماأكذبكم،
هذه دولتكم وأنتم تكذبون فيها، لا والله ما عاشوا ولا تعيشوا إلى يوم القيامة، فحكى
الله قولهم فقال: (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ
أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ)). والكافي: ٨/٥٠، وتأويل
الآيات: ١/٢٥٣، وإثبات الهداة: ٣/٤٤٩، والإيقاظ/٢٤٧، والبحار: ٥٣/٩٢، وشبيه به
تفسير العياشي: ٢/٢٦٠، عن الفضيل، ودلائل الإمامة/٢٤٨، والمحجة/ ١١٨.
تفسير العياشي: ٢/٢٥٩، عن سيرين قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ قال:
ما يقول الناس في هذه الآية: (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ
أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ)؟ قال يقولون لا قيامة ولا
بعث ولا نشور، فقال: كذبوا والله إنما ذلك إذا قام القائم وكر معه المكرون، فقال
أهل خلافكم: قد ظهرت دولتكم يا معشر الشيعة، وهذا من كذبكم، تقولون رجع فلان وفلان
وفلان، لا والله لا يبعث الله من يموت؟ ألا ترى أنهم قالوا: وأقسموا بالله جهد
أيمانهم، كانت المشركون أشد تعظيماً باللات والعزى من أن يقسموا بغيرها، فقال الله:
(بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً.. لِيُبَيِّنَ لَهُمُ
الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا
كَاذِبِينَ. إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ)). وعنه الإيقاظ/٢٩٣، والمحجة/١١٧، والبحار: ٥٣/ ٧١ ونحوه تفسير
القمي: ١/٣٨٥، وعنه الإيقاظ/٥٣.
رجعة بعض النواصب والإقتصاص منهم
دلائل الإمامة/٢٤٧، عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله: إذا قام قائمنا رد
الله كل مؤذ للمؤمنين في زمانه في الصورة التي كانوا عليها وفيها بين أظهرهم،
لينتصف منهم المؤمنون). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٧٣، وحلية الأبرار: ٢/٦١٨.
تفسير القمي: ٢/٦٥، عن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) عن قول
الله: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً
ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)، قال: هي والله النصاب،
قال: جعلت فداك قد رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية حتى ماتوا، قال: ذلك والله في
الرجعة). ومختصر البصائر/١٨، والإيقاظ/٢٥٥، والبحار: ٥٣/٥١.
مختصر
البصائر/١٧، عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وقوله: حتى إذا فتحنا عليهم
باباً ذا عذاب شديد، هو علي بن أبي طالب صلوات الله عليه إذا رجع في الرجعة).
تفسير القمي: ٢/١٧٠: وأما قوله: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ
الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)؟
قال: العذاب الأدنى عذاب الرجعة بالسيف ومعنى قوله: لعلهم يرجعون، يعني فإنهم
يرجعون في الرجعة حتى يعذبوا). وعنه البرهان: ٣/٢٨٩، والبحار: ٥٣/٥٦.
مختصر البصائر/٢٨، عن محمد بن عبد الله بن الحسين قال: دخلت مع أبي على أبي عبد
الله (عليه السلام) فجرى بينهما حديث فقال أبي لأبي عبد الله (عليه السلام): ما
تقول في الكرَّة؟ قال: أقول فيها ما قال الله (عزَّ وجلَّ)، وذلك أن تفسيرها صار
إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل أن يأتي هذا الحرف بخمس وعشرين ليلة، قول
الله (عزَّ وجلَّ): (قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ)،
إذا رجعوا إلى الدنيا ولم يقضوا ذحولهم. فقال له أبي: يقول الله (عزَّ وجلَّ): (فَإِنَّمَا
هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ)، أي شيء أراد بهذا؟
فقال: إذا انتقم منهم وماتت الأبدان بقيت الأرواح ساهرة لا تنام ولا تموت).
والإيقاظ/٢٧٩، والبحار: ٥٣/٤٤.
مختصر البصائر/٢٩ و١٣٨، عن خالد بن يحيى: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال:
إتقوا دعوة سعد؟ قال: نعم، قلت: وكيف ذلك؟ قال: إن سعداً يكر فيقاتل عليا (عليه
السلام)). والإيقاظ/٢٨٠، والبحار: ٥٣/٧٥.
أقول: حديث خالد بن يحيى المذكور طويل، وقد سأل الإمام الباقر (عليه السلام) عن صحة
ما يقوله العوام أو رواة السلطة من أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (إتقوا دعوة
سعد) أي ابن وقاص. فأجاب الإمام (عليه السلام) بأن قولهم يصح إذا كانت دعوة سعد
بمعنى ما يدعو إليه لأنه كان مخالفاً لأمير المؤمنين (عليه السلام) وسيرجع ويكون
عدوه! ولا يوجد في مصادرهم حديث بهذا النص، بل في فتح الباري: ٢/١٩٩(وكان سعد
معروفاً بإجابة الدعوة... وروى الترمذي وابن حبان والحاكم عن سعد أن النبي (صلى
الله عليه وآله) قال: اللهم استجب لسعد إذا دعاك). ومصنف عبد الرزاق: ٩/٦٥، وراجع
صحيح بخاري: ١/١٨٤.
مختصر
البصائر/٢١، عن أبي بصير، قال: دخلت على أبى عبد الله (عليه السلام) فقلت: إنا
نتحدث أن عمرو بن ذر لا يموت حتى يقاتل قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله)، فقال:
إن مثل ابن ذر مثل رجل في بني إسرائيل يقال له عبد ربه، وكان يدعو أصحابه إلى ضلالة
فمات، فكانوا يلوذون بقبره ويتحدثون عنده، إذ خرج عليهم من قبره ينفض التراب من
رأسه ويقول لهم كيت وكيت). وعنه الإيقاظ/١٥٥، والبحار: ٥٣/٦٧.
أقول: عمرو بن ذر الهمداني فهو قصاص معروف بطول لحيته، تقرب إلى بني العباس وكان
قصاصاً في جيشهم يحرضهم على الثورة (تاريخ الإسلام للذهبي: ٨/٤٠٥) وجعلوه قاضياً،
وقد وثقه ابن حجر في رواة الآثار/١٤٤، قال: (عمرو بن ذر الهمداني... والصواب عمر
بضم العين وهو ثقة مشهور). انتهى. لكنه عندنا مذموم ففي رجال الطوسي: ٢/٤٨٣، أنه
استعد مع ابن قيس الماصر والصلت بن بهرام ليتحدوا الإمام الباقر (عليه السلام)
وزعموا أنهم حرروا له أربعة آلاف مسألة ليسألوه عنها ويحرجوه، فلما دخلوا لم يسألوه
عن شيء كأنهم أصابهم الخرس! فقال الإمام الباقر (عليه السلام) لعمرو بن ذر: يا ابن
ذر ألا تحدثنا ببعض ما سقط إليكم من حديثنا؟ قال: بلى يا ابن رسول الله قال: أني
تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وأهل بيتي إن تمسكتم بهما لن
تضلوا. فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا ابن ذر فإذا لقيت رسول الله (صلى الله عليه
وآله) فقال ما خلفتني في الثقلين فماذا تقول له؟ قال: فبكي ابن ذر حتى رأيت دموعه
تسيل على لحيته، ثم قال: أما الأكبر فمزقناه وأما الأصغر فقتلناه. فقال أبو جعفر
(عليه السلام): إذن تصدقه يا ابن ذر لا والله لا تزول قدم يوم القيامة حتى يسأله عن
ثلاث: عن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل
البيت. قال: فقاموا وخرجوا، فقال أبو جعفر لمولى له أتبعهم فانظر ما يقولون، قال:
فتبعهم ثم رجع، فقال: جعلت فداك سمعتهم يقولون لابن ذر: على هذا خرجنا معك؟! فقال:
ويلكم ما أقول؟! إن رجلاً يزعم أن الله يسألني عن ولايته، وكيف أسأل رجلاً يعلم حد
الخوان وحد الكوز). انتهى. ويفهم منه أنه كان ناصبياً كبيراً وأن
الرجعة تشمله!
النبي (صلى الله عليه وآله) يرجع إلى الدنيا حسب الوعد الإلهي
تفسير القمي: ١/٢٥، عن عمرو بن شمر قال: ذكر عند أبي جعفر (عليه السلام) جابر فقال:
رحم الله جابراً لقد بلغ من علمه أنه كان يعرف تأويل هذه الآية: (إِنَّ
الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ)، يعني الرجعة).
ومثله في: ٢/١٤٧، ومختصر البصائر/ ٤٢، و٤٤ وتأويل الآيات: ١/٤٢٤، والإيقاظ: ٣٣٣،
والبحار: ٢٢/٩٩.
وفيه: ٢/١٤٧، عن أبي خالد الكابلي، عن علي بن الحسين (عليه السلام) في قوله: (إِنَّ
الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ): قال: يرجع
إليكم نبيكم (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام)). وعنه
الإيقاظ/٣٤٣، والبحار: ٥٣/٥٦. وفي: ٢/٣٩١: قوله: (حَتَّى
إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ): قال: القائم وأمير المؤمنين (عليهم السلام)
في الرجعة. (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً
وَأَقَلُّ عَدَداً): قال هو قول أمير المؤمنين (عليه السلام): والله يا بن
صهاك: لولا عهد من رسول الله وكتاب من الله سبق لعلمت أينا أضعف ناصراً وأقل عدداً.
قال فلما أخبرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما يكون من الرجعة قالوا: متى يكون
هذا؟ قال الله قل يا محمد: (إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا
تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً)).
الكافي: ٨/٢٤٧، عن الحسن بن شاذان الواسطي قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه
السلام) أشكو جفاء أهل واسط وحملهم علي وكانت عصابة من العثمانية تؤذيني، فوقع
بخطه: إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق أوليائنا على الصبر في دولة الباطل فاصبر
لحكم ربك، فلو قد قام سيد الخلق لقالوا: (يَا وَيْلَنَا مَنْ
بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)).
وتأويل الآيات: ٢/٤٩١، والإيقاظ/٢٩٥، والبحار: ٥٣/٨٩.
مختصر البصائر/٢٦، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (عزَّ
وجلَّ): يا أيها المدثر قم فأنذر: يعني بذلك محمداً (صلى الله عليه وآله) وقيامه في
الرجعة ينذر فيها. وفي قوله: (إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ)،
يعني محمداً (صلى الله عليه وآله)، (نَذِيرًا لِلْبَشَرِ):
في الرجعة. وفي قوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً
لِلنَّاسِ): في الرجعة). وعنه البرهان: ٤/٣٩٩، والبحار: ٥٣/٤٢. ومثله: تفسير
القمي: ٢/٣٩٣، وعنهما البحار: ٩/٢٤٤، و: ١٦/٩٧.
مختصر البصائر/٢٦، عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر (عليه السلام) أن أمير المؤمنين
صلوات الله عليه كان يقول: إن المدثر هو كائن عند الرجعة، فقال له رجل: يا أمير
المؤمنين أحياة قبل القيامة ثم موت؟ فقال له عند ذلك: نعم والله لكفرة من الكفر بعد
الرجعة أشد من كفرات قبلها). وعنه الإيقاظ/٣٥٨، البحار: ٥٣/٤٢.
تأويل الآيات: ١/٤٢٤، عن أبي مروان، وعن عبد الله بن حماد الأنصاري قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (إِنَّ
الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ)؟ قال: فقال لي:
لا والله لا تنقضي الدنيا ولا تذهب حتى يجتمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي
(عليه السلام) بالثوية، فيلتقيان ويبنيان بالثوية مسجداً له اثنا عشر ألف باب. يعني
موضعاً بالكوفة). وعنه مختصر البصائر/٢١٠، والإيقاظ/٣٨٦، والبحار: ٥٣/ ١١٣.
مختصر البصائر/٢٤، عن بكير بن أعين قال: قال لي من لا أشك فيه، يعني أبا جعفر (عليه
السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليا (عليه السلام) سيرجعان). وعنه
الإيقاظ/٣٧٩، والبحار: ٥٣/٣٩.
الرجعة على مراحل وأول من يرجع الإمام الحسين (عليه السلام)
مختصر البصائر/١٨، عن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام): (إن أول من يكر في
الرجعة الحسين بن علي (عليهما السلام) ويمكث في الأرض أربعين سنة حتى يسقط حاجباه
على عينيه). وعنه حلية الأبرار: ٢/٦٥٠، والبرهان: ٢/٤٠٨، والبحار: ٥٣/٦٣. ومثله في
مختصر البصائر/٢٨، وزاد فيه: فقال: أبو عبد الله (عليه السلام): في قول الله (عزَّ
وجلَّ): إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد، قال: نبيكم (صلى الله عليه وآله)
راجع إليكم). وعنه الإيقاظ/٣٦٣ والبحار: ٥٣/٤٦.
مختصر البصائر/٢٤، عن حمران بن أعين وأبي الخطاب أنهما سمعا أبا عبد الله (عليه
السلام) يقول: أول من تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي (عليهما
السلام)، وإن الرجعة ليست بعامة وهي خاصة لا يرجع إلا من محض الإيمان محضاً أو محض
الشرك
محضاً). وعنه الإيقاظ/٢٧٧، والبحار: ٥٣/٣٩.
مختصر البصائر/٢٢ و٢٧: عن حمران بن أعين: قال أبو جعفر (عليه السلام) لنا: ولسوف
يرجع جاركم الحسين بن علي (عليهما السلام) ألفاً فيملك حتى تقع حاجباه على عينيه من
الكبر). وعنه الإيقاظ/٣٥٩ و٣٦٢، والبحار: ٥٣/٤٣.
مختصر البصائر/٤٨: وعنه (عليه السلام): (ويقبل الحسين (عليه السلام) في أصحابه
الذين قتلوا معه ومعه سبعون نبياً كما بعثوا مع موسى بن عمران (عليه السلام) فيدفع
إليه القائم (عليه السلام) الخاتم فيكون الحسين (عليه السلام) هو الذي يلي غسله
وكفنه وحنوطه ويواريه في حفرته).
مختصر البصائر/٤٨، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، سئل عن الرجعة أحق هي؟ قال: نعم
فقيل له: من أول من يخرج؟ قال الحسين (عليه السلام) يخرج على أثر القائم (عليه
السلام). قلت: ومعه الناس كلهم؟ قال: لا، بل كما ذكر الله تعالى في كتابه: (يَوْمَ
يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً): قوم بعد قوم). ومثله منتخب
الأنوار /٢٠١، وعنه الإيقاظ/٢٨١، والبحار: ٥٣/١٠٣.
تفسير فرات/٢٠٣: (حدثنا أبو القاسم العلوي معنعناً عن أبي عبد الله (عليه السلام)
في قوله: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا
الرَّادِفَة). الراجفة: الحسين بن علي (عليه السلام) والرادفة: علي بن أبي
طالب (عليه السلام)، وهو أول من ينفض رأسه من التراب مع الحسين بن علي في خمسة
وتسعين ألفاً وهو قول الله: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا
وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ.
يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ
سُوءُ الدَّارِ)).
مختصر البصائر/٤٨، عن عقبة عن أبي عبد الله (عليه السلام): ويقبل الحسين في أصحابه
الذين قتلوا معه، ومعه سبعون نبياً كما بعثوا مع موسى بن عمران، فيدفع إليه القائم
الخاتم فيكون الحسين (عليه السلام) هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ويواريه في
حفرته). وعنه الإيقاظ/٣٦٨، والبحار: ٥٣/١٠٣.
مختصر البصائر/٢٧، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الذي
يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي (عليهما السلام) فأما يوم القيامة
فإنما هو بعث إلى الجنة وبعث إلى النار). وعنه البحار: ٥٣/٤٣.
* * *
الخرائج: ٢/٨٤٨، عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال الحسين (عليه السلام) لأصحابه قبل أن يقتل: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا بني إنك ستساق إلى العراق، وهي أرض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين، وهي أرض تدعى عمورا وإنك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مس الحديد، وتلا: يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم، تكون الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً. فأبشروا فوالله لئن قتلونا فإنا نرد على نبينا، ثم أمكث ما شاء الله فأكون أول من تنشق عنه الأرض فأخرج خرجة توافق خرجة أمير المؤمنين وقيام قائمنا وحياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم لينزلن عليَّ وفد من السماء من عند الله لم ينزلوا إلى الأرض قط، ولينزلن إلي جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وجنود من الملائكة، ولينزلن محمد وعلي وأنا وأخي وجميع من منَّ الله عليه في حمولات من حمولات الرب، خيل بلق من نور لم يركبها مخلوق، ثم ليهزن محمدٌ (صلى الله عليه وآله) لواءه وليدفعنه إلى قائمنا مع سيفه، ثم إنا نمكث من بعد ذلك ما شاء الله. ثم إن الله يخرج من مسجد الكوفة عيناً من دهن وعيناً من لبن وعيناً من ماء ثم إن أمير المؤمنين (عليه السلام) يدفع إليَّ سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيبعثني إلى الشرق والغرب ولا آتي على عدو إلا أهرقت دمه، ولا أدع صنماً إلا أحرقته، حتى أقع إلى الهند فأفتحها، وإن دانيال ويونس يخرجان إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يقولان صدق الله ورسوله ويبعث الله معهما إلى البصرة سبعين رجلاً فيقتلون مقاتلتهم، ويبعث بعثاً إلى الروم فيفتح الله لهم، ثم لأقتلن كل دابة حرم الله لحمها حتى لا يكون على وجه الأرض إلا الطيب، وأعرض على اليهود والنصارى وساير الملل ولأخيرنهم بين الإسلام والسيف، فمن أسلم مننت عليه ومن كره الإسلام أهرق الله دمه، ولا يبقى رجل من شيعتنا إلا أنزل الله إليه ملكاً يمسح عن وجهه التراب ويعرفه أزواجه ومنزلته في الجنة، ولا يبقى على وجه الأرض أعمى ولا مقعد ولا مبتلى إلا كشف الله عنه بلاءه بنا أهل البيت. ولتنزلن البركة من السماء إلى الأرض حتى أن الشجرة لتقصف بما يريد الله فيها من الثمرة، وليأكلن
ثمرة الشتاء في الصيف وثمرة الصيف في الشتاء. وذلك قوله تعالى: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا. ثم إن الله ليهب لشيعتنا كرامة لا يخفى عليهم شيء في الأرض وما كان فيها حتى أن الرجل منهم يريد أن يعلم علم أهل بيته فيخبرهم بعلم ما يعملون). ونحوه مختصر البصائر /٣٦، وعنهما البحار: ٤٥/٨٠، و: ٥٣/٦١.
* * *
تفسير
العياشي: ٢/٢٨٢، عن رفاعة بن موسى: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن أول من يكر
إلى الدنيا الحسين بن علي (عليه السلام) وأصحابه ويزيد بن معاوية وأصحابه فيقتلهم
حذو القذة بالقذة! ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): (ثُمَّ
رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً)). وعنه البرهان: ٢/٤٠٨، والبحار: ٥٣/٧٦.
مختصر البصائر/٢٩، عن جابر بن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لعلي
(عليه السلام) في الأرض كرة مع الحسين ابنه صلوات الله عليهما يقبل برايته حتى
ينتقم له من أمية ومعاوية وآل معاوية ومن شهد حربه، ثم يبعث الله إليهم بأنصاره
يومئذ من أهل الكوفة ثلاثين ألفاً ومن ساير الناس سبعين ألفاً، فيلقاهما بصفين مثل
المرة الأولى حتى يقتلهم، ولا يبقى منهم مخبر. ثم يبعثهم الله (عزَّ وجلَّ) فيدخلهم
أشد عذابه مع فرعون وآل فرعون. ثم كرة أخرى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى
يكون خليفة في الأرض وتكون الأئمة (عليهم السلام) عماله، وحتى يعبد الله علانية،
فتكون عبادته علانية في الأرض كما عبد الله سراً في الأرض. ثم قال: إي والله وأضعاف
ذلك ثم عقد بيده أضعافاً يعطي الله نبيه (صلى الله عليه وآله) ملك جميع أهل الدنيا
منذ يوم خلق الله الدنيا إلى يوم يفنيها، حتى ينجز له موعده في كتابه كما قال:
ويظهره على الدين كله ولو كره المشركون). وعنه الإيقاظ/٢٧٩، بعضه، والبرهان: ٢/٤٠٨،
والبحار: ٥٣/٧٤. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي في سننه، عن جابر في
قوله: ليظهره على الدين كله، قال: لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا
صاحب ملة إلا الإسلام، حتى تأمن الشاة الذئب والبقرة الأسد والإنسان الحية، وحتى لا
تقرض فأرة جراباً وحتى توضع الجزية ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير وذلك إذا نزل عيسى
بن مريم (عليه السلام). ونحوه تأويل
الآيات: ٢/٦٨٩، عن مجاهد عن ابن عباس، وإثبات الهداة: ٣/٥٦٦، بعضه، والبحار: ٥١/٦١،
كلاهما عن تأويل الآيات.
اسماعيل النبي (عليه السلام) يرجع مع الحسين (عليه السلام)
كامل الزيارات/٦٥، عن بريد بن معاوية العجلي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
يا بن رسول الله أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول: (وَاذْكُرْ
فِي الْكِتَابِ إسماعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً
نَبِيّاً)، أكان إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام)، فإن الناس يزعمون أنه
إسماعيل بن إبراهيم؟ فقال (عليه السلام): إن إسماعيل مات قبل إبراهيم، وإن إبراهيم
كان حجة لله قائماً صاحب شريعة فإلى من أرسل إسماعيل إذن؟ فقلت: جعلت فداك: فمن
كان؟ قال (عليه السلام): ذاك إسماعيل بن حزقيل النبي (عليه السلام) بعثه الله إلى
قومه فكذبوه فقتلوه وسلخوا وجهه، فغضب الله له عليهم، فوجه إليه إسطاطائيل ملك
العذاب فقال له: يا إسماعيل أنا إسطاطائيل ملك العذاب وجهني إليك رب العزة لأعذب
قومك بأنواع العذاب إن شئت، فقال له إسماعيل: لا حاجة لي في ذلك، فأوحى الله إليه
فما حاجتك يا إسماعيل؟ فقال: يا رب إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية ولمحمد
بالنبوة ولأوصيائه بالولاية، وأخبرت خير خلقك بما تفعل أمته بالحسين بن علي (عليه
السلام) من بعد نبيها، وإنك وعدت الحسين (عليه السلام) أن تُكرَّه إلى الدنيا حتى
ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به، فحاجتي إليك يا رب أن تكرني إلى الدنيا حتى أنتقم ممن
فعل ذلك بي كما تكر الحسين (عليه السلام). فوعد الله إسماعيل بن حزقيل ذلك فهو يكر
مع الحسين (عليه السلام)). وعنه مختصر البصائر/١٧٧، والإيقاظ/٢٤٦ و٣٢٨، والبحار:
١٣/٣٩٠، و: ٤٤/٢٣٧، و: ٥٣/١٠٥.
رجعة بعض الأنبياء والأئمة (عليه السلام)
العياشي: ١/١٨١، عن فيض بن أبي شيبة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وتلا هذه
الآية: (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا
آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا
مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ
أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ
فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)، قال: لتؤمنن برسول الله
(صلى الله عليه وآله) ولتنصرن أمير المؤمنين (عليه السلام). قلت: ولتنصرن أمير
المؤمنين؟ قال: نعم من آدم فهلم جراً ولا يبعث الله نبياً ولا رسولاً إلا رد إلى
الدنيا حتى يقاتل بين يدي أمير المؤمنين (عليه السلام)).
وفي تفسير القمي: ١/١٠٦، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما بعث
الله نبياً من لدن آدم فهلم جراً إلا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين (عليه
السلام)، وهو قوله: لتؤمنن به يعني: رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولتنصرنه يعني
أمير المؤمنين (عليه السلام)). ومثله مختصر البصائر/٢٥، عن فيض بن أبي شيبة، قال:
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)، وفي/٤٢، كما في تفسير القمي، والإيقاظ/٣٦٠، عن
مختصر البصائر، والبحار: ٥٣/٤١.
تفسير القمي: ٢/١٣٢، قال: الآيات أمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام) إذا رجعوا
يعرفهم أعداؤهم إذا رأوهم، والدليل على أن الآيات هم الأئمة قول أمير المؤمنين:
(عليه السلام) والله ما لله آية أكبر مني فإذا رجعوا إلى الدنيا يعرفهم أعداؤهم في
الدنيا). والبحار: ٢٣/٢٠٧.
مختصر البصائر/٢٨، عن سليمان الديلمي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول
الله (عزَّ وجلَّ): (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ
وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً)؟ فقال: الأنبياء رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وإبراهيم وإسماعيل وذريته. والملوك: الأئمة (عليهم السلام). قال فقلت: وأي ملك
أعطيتم؟ فقال: ملك الجنة، وملك الكرة). وعنه البرهان: ١/٤٥٥، والبحار: ٥٣/٤٥.
مختصر البصائر/٢٩، عن جابر بن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لعلي
(عليه السلام) في الأرض كرة مع الحسين ابنه صلوات الله عليهما يقبل برايته حتى
ينتقم له من أمية ومعاوية وآل معاوية ومن شهد حربه.... وتقدم تحت عنوان الرجعة على
مراحل.
دلائل الإمامة/٢٩٦، عن علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي قال: خرجت في بعض السنين
حاجاً إذ دخلت المدينة وأقمت بها أياماً أسأل وأستبحث عن صاحب الزمان في حديث طويل
تقدم بعضه عن تشرفه بلقائه (عليه السلام)، ووصفه (عليه السلام) لظهوره، قال
ابن
مهزيار: (قلت: يا سيدي ما يكون بعد ذلك؟ قال: الكرة الكرة الرجعة الرجعة ثم تلا هذه
الآية: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ
وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً)).
ومثله المحجة/١٢٣، وعنه البرهان: ٢/٤٠٧، وتبصرة الولي/٧٧٨، والبحار: ٥٢/١٢.
معاينة الناس الحق في الرجعة
التنزيل والتحريف للسياري/٧٠: (عن أبي عبد الله بن نجيح اليماني قال: قلت: لأبي عبد
الله (عليه السلام): (لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ
النَّعِيمِ)؟ قال: النعيم الذي أنعم الله عليكم محمد وآل محمد صلى الله عليه
وعليهم أجمعين. في قوله (عزَّ وجلَّ)، عين اليقين: قال المعاينة. وقوله تعالى: كلا
سوف تعلمون، ثم كلا سوف تعلمون، قال: مرة في الكوفة الكرة، ومرة في القيامة). وعنه
مختصر البصائر/٢٠٤، وتأويل الآيات: ٢/٨٥٠، والإيقاظ/٢٨٢، والبحار: ٥٣ /١٠٧.
رواية أن إبليس يظهر ويرجمه المؤمنون
معاني الأخبار/١٣٩، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: سمعت أبا الحسن علي بن
محمد العسكري (عليهم السلام) يقول: معنى الرجيم أنه مرجوم باللعن، مطرود من مواضع
الخير، لا يذكره مؤمن إلا لعنه، وإن في علم الله السابق أنه إذا خرج القائم (عليه
السلام) لا يبقى مؤمن في زمانه إلا رجمه بالحجارة كما كان قبل ذلك مرجوماً باللعن).
وعنه مجمع البحرين/٤٧٢، والبرهان: ١/٢٨١، والبحار: ٦٣/٢٤٢.
وفي سعد السعود/٣٢ لابن طاووس: فصل فيما نذكره من صحائف إدريس (عليه السلام) وجدت
هذه الصحف بنسخة عتيقة يوشك أن يكون تاريخها من مائتين من السنين، بخزانة كتب مشهد
مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد ذهب أولها وآخرها، فكان
الموجود منها نحو سبعة كراسات وقوائمه بقالب ربع الورقة الكبيرة إلى أن قال في وصف
المسلمين: أولئك أوليائي اخترت لهم نبياً مصطفى وأميناً
مرتضى
فجعلته لهم نبياً ورسولاً وجعلتهم له أولياء وأنصاراً، تلك أئمة اخترتها للنبي
المصطفى وأميني المرتضي، ذلك وقت حجبته في علم غيبي ولابد أنه واقع ليبيدك يومئذ
وخيلك ورجلك وجنودك أجمعين فاذهب: (فَإِنَّكَ مِنَ
الْمُنْظَرِينَ إلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)). وعنه البحار: ٥٢/٣٨٤.
رواية أن النبي (صلى الله عليه وآله) يقتل إبليس وحزبه في الرجعة
مختصر البصائر/٢٦، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي قال: سمعت أبا عبد الله يقول: إن
إبليس قال: أنظرني إلى يوم يبعثون، فأبى الله ذلك عليه، فقال: إنك من المنظرين إلى
يوم الوقت المعلوم، فإذا كان يوم الوقت المعلوم ظهر إبليس لعنه الله في جميع أشياعه
منذ خلق الله آدم إلى يوم الوقت المعلوم، وهي آخر كرة يكرها أمير المؤمنين (عليه
السلام)، فقلت: وإنها لكرات؟ قال: نعم إنها لكرات وكرات، ما من إمام في قرن إلا
ويكر معه البر والفاجر في دهره حتى يديل الله المؤمن من الكافر، فإذا كان يوم الوقت
المعلوم كر أمير المؤمنين في أصحابه وجاء إبليس في أصحابه، ويكون ميقاتهم في أرض من
أراضي الفرات يقال لها: الروحا قريب من كوفتكم، فيقتتلون قتالاً لم يقتتل مثله منذ
خلق الله (عزَّ وجلَّ) العالمين، فكأني أنظر إلى أصحاب أمير المؤمنين قد رجعوا إلى
خلفهم القهقرى مائة قدم، وكأني أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في الفرات، فعند ذلك
يهبط الجبار (عزَّ وجلَّ) في ظلل من فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ
وَقُضِيَ الأمر، ورسول الله بيده حربة من نور، فإذا نظر إليه إبليس رجع القهقرى
ناكصاً على عقبيه فيقول له أصحابه: أين تريد وقد ظفرت؟ فيقول: (إِنِّي
أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ)، فيلحقه النبي (صلى الله عليه
وآله) فيطعنه طعنة بين كتفيه فيكون هلاكه وهلاك جميع أشياعه، فعند ذلك يعبد الله
(عزَّ وجلَّ) ولا يشرك به شيئاً ويملك أمير المؤمنين (عليه السلام) أربعاً وأربعين
ألف سنة، حتى يلد الرجل من شيعة علي ألف ولد من صلبه ذكراً في كل سنة ذكراً، وعند
ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء الله). وعنه
الإيقاظ/٣٦١، والبحار: ٥٣/٤٢.
تفسير
القمي: ٢/٢٤٥، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تبارك وتعالى: (قَالَ
رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُون. قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ.
إلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)، قال: يوم الوقت المعلوم: يوم يذبحه
رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الصخرة التي في بيت المقدس). وعنه البحار:
١١/١٥٤. والصافي: ٣/١١٣، والبرهان: ٢/٣٤٣.
رواية أن المهدي (عليه السلام) يقتل إبليس
تفسير العياشي: ٢/٢٤٢، عن وهب بن جميع مولى إسحق بن عمار قال: سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن قول إبليس: رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى
يوم الوقت المعلوم؟ قال له وهب: جعلت فداك أي يوم هو؟ قال: يا وهب أتحسب أنه يوم
يبعث الله فيه الناس؟ إن الله أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا، فإذا بعث الله قائمنا
كان في مسجد الكوفة، وجاء إبليس حتى يجثو بين يديه على ركبتيه فيقول: يا ويله من
هذا اليوم فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه فذلك اليوم هو الوقت المعلوم). ومثله دلائل
الإمامة/٢٤٠، بسنده عن وهب بن جميع مولى إسحق بن عمار، وفيه: فإذا بعث الله (عزَّ
وجلَّ) قائمنا فيأخذ بناصيته ويضرب عنقه، وذلك يوم الوقت المعلوم. ومثله تأويل
الآيات: ٢/٥٠٩، وإثبات الهداة: ٣/٥٥١، والمحجة/١١٢، عن دلائل الإمامة، والعياشي
والبرهان: ٢/٣٤٣، والبحار: ٦٣/٢٢١. وينابيع المودة/٤٢٤، عن المحجة، وفيه: هو يوم
يقتله رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد قيام قائمنا المهدي (عليه السلام). ونحوه
منتخب الأنوار /٢٠٣، عن إسحاق بن عمار: سألته، يعني زين العابدين (عليه السلام)، عن
إنظار الله تعالى إبليس وقتاً معلوماً... وعنه البحار: ٥٢/٣٧٦.
وتقدم في فصل العراق من تفسير القمي: ٢/٣٣٩: (وَالْمُؤْتَفِكَةَ
أَهْوَى، قال: المؤتفكة البصرة، والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين (عليه
السلام): يا أهل البصرة وياأهل المؤتفكة... وقد ائتفكت بأهلها مرتين وعلى الله تمام
الثالثة وتمام الثالثة في الرجعة).
الفصل الثامن والثلاثون: بعض الآيات المفسرة بالإمام المهدي (عليه السلام)
تضمنت
فصول المعجم العديد من الآيات المفسرة بالإمام المهدي (عليه السلام) في أحاديث
النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) وكلمات علماء التفسير. وعقدنا
هذا الفصل لما بقي منها، وهو يدل على عمق عقيدة المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه
الشريف) في نسيج القرآن والإسلام.
آيات الوعد الإلهي بالإستخلاف في الأرض
الكافي: ١/١٩٣، عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول
الله جل جلاله: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)؟ قال: هم الأئمة (عليهم السلام)). وإثبات
الهداة: ١/٨١، ومثله تأويل الآيات: ١/٣٦٨، وفيه: نزلت في علي بن أبي طالب والأئمة
من ولده (عليهم السلام) وعنى به ظهور القائم (عليه السلام).
النعماني/٢٤٠، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في معنى قوله (عزَّ وجلَّ): (وَعَدَ
اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ
فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ
دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ
أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)؟ قال: نزلت في القائم
وأصحابه). وعنه المحجة/١٤٨، والبحار: ٥١/٥٨.
النعماني/٢٧٦، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا كان ليلة
الجمعة أهبط الرب تعالى ملكاً إلى السماء الدنيا، فإذا طلع الفجر جلس ذلك الملك على
العرش فوق البيت المعمور، ونصب لمحمد وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) منابر من
نور
فيصعدون عليها، وتجمع لهم الملائكة والنبيون والمؤمنون، وتفتح أبواب السماء فإذا
زالت الشمس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رب ميعادك الذي وعدت به في
كتابك وهو هذه الآية: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا
مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا
اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي
ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً)، ثم
يقول الملائكة والنبيون مثل ذلك، ثم يخر محمد وعلي والحسن والحسين سجداً ثم يقولون:
يارب إغضب فإنه قد هتك حريمك وقتل أصفياؤك وأذل عبادك الصالحون! فيفعل الله ما يشاء
وذلك يوم معلوم). والبرهان: ٣/١٤٦، والبحار: ٥٢/٢٩٧.
تفسير القمي: ١/١٤: (وقوله: وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا
مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض، نزلت
في القائم من آل محمد (صلى الله عليه وآله)). ومجمع البيان: ٤/١٥٢، وتأويل الآيات:
١/٣٦٩.
تفسير القمي: ٢/٨٧: أبو الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: (الَّذِينَ
إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا
بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) قال
(عليه السلام): وهذه الآية لآل محمد (عليهم السلام) إلى آخر الآية، والمهدي وأصحابه
يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها، ويظهر الدين ويميت الله به وأصحابه البدع
والباطل كما أمات السفهاء الحق، حتى لا يرى أثر للظلم). وعنه تأويل الآيات: ١/٣٤٣،
وإثبات الهداة: ٣/٥٦٣، والمحجة/١٤٣، والبحار: ٢٤/١٦٥، عن تأويل الآيات. وفي: ٥١/٤٧،
عن تفسير القمي.
الاحتجاج: ١/٢٥٦، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من حديث طويل قال فيه: كل ذلك
لتتم النظرة التي أوحاها الله تعالى لعدوه إبليس إلى أن يبلغ الكتاب أجله ويحق
القول على الكافرين، ويقترب الوعد الحق الذي بينه في كتابه بقوله: (وَعَدَ
اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ
فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)، وذلك إذا لم يبق
من الإسلام إلا اسمه، ومن القرآن إلا رسمه، وغاب صاحب الأمر بإيضاح الغدر له في ذلك
لاشتمال الفتنة على القلوب، حتى يكون أقرب الناس إليه أشدهم عداوة له، وعند ذلك
يؤيده الله بجنود لم تروها، ويظهر دين نبيه (صلى الله عليه وآله) على
يديه
على الدين كله ولو كره المشركون). وعنه البحار: ٩٣/١٢٥.
غيبة الطوسي/١١٠، عن إسحاق بن عبد الله بن علي بن الحسين، في هذه الآية: (فَوَرَبِّ
السَّمَاءِ وَالأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ):
قال: قيام القائم (عليه السلام) من آل محمد (صلى الله عليه وآله) قال: وفيه نزلت: (وَعَدَ
اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ
فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ
دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ
أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً): قال: نزلت في المهدي).
وتأويل الآيات: ٢/٦١٥، وعنهما إثبات الهداة: ٣/٥٠١ و٥٦٥، والمحجة/١٤٩، والبحار: ٥١/
٥٣.
البحار: ٥١/٦٤: (ووجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجباعي قال: وجدت بخط الشيخ الشهيد
(رحمه الله) روى الصفواني في كتابه عن صفوان عن أبي عبد الله (عليه السلام) وذكر
حديثاً يقول فيه: اللهم أنجز لنا ما وعدتنا إنك لا تخلف الميعاد، قال: قلت: يا سيدي
فأين وعد الله؟ قال: قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَعَدَ اللهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي
الأرض)). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٨١.
كفاية الأثر/٥٦، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخل جندب بن جنادة اليهودي من
خيبر، على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد أخبرني عما ليس لله، وعما
ليس عند الله، وعما لايعلمه الله؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما ما ليس
لله فليس لله شريك، وأما ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد، وأما ما لا
يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود إنه عزير بن الله والله لا يعلم له ولداً!
فقال جندب: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله حقاً. ثم قال: يا رسول الله إني
رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران (عليه السلام) فقال لي: يا جندب أسلم على يد
محمد واستمسك بالأوصياء من بعده، فقد أسلمت فرزقني الله ذلك، فأخبرني بالأوصياء
بعدك لأتمسك بهم؟ فقال: يا جندب أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل. فقال: يا
رسول الله إنهم كانوا اثني عشر، هكذا وجدنا في التوراة، قال: نعم، الأئمة بعدي إثنا
عشر. فقال:
يا رسول الله كلهم في زمن واحد؟ قال: لا ولكنهم خلف بعد خلف، فإنك لا تدرك منهم إلا ثلاثة، قال: فسمهم لي يا رسول الله، قال: نعم إنك تدرك سيد الأوصياء ووارث الأنبياء وأبا الأئمة علي بن أبي طالب بعدي، ثم ابنه الحسن، ثم الحسين، فاستمسك بهم من بعدي ولا يغرنك جهل الجاهلين. فإذا كانت وقت ولادة ابنه علي بن الحسين سيد العابدين يقضي الله عليك ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه. فقال: يا رسول الله هكذا وجدت في التوراة اليانقطه شبراً وشبيراً فلم أعرف اسميهم، فكم بعد الحسين من الأوصياء وما اسميهم؟ فقال: تسعة من صلب الحسين والمهدي منهم، فإذا انقضت مدة الحسين قام بالأمر بعده ابنه علي ويلقب بزين العابدين، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد ابنه يدعى بالباقر، فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده ابنه جعفر يدعى بالصادق، فإذا انقضت مدة جعفر قام بالأمر بعده ابنه موسى يدعى بالكاظم، ثم إذا انتهت مدة موسى قام بالأمر بعده ابنه علي يدعى بالرضا، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد ابنه يدعى بالزكي، فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده علي ابنه يدعي بالنقي، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده الحسن ابنه يدعى بالأمين، ثم يغيب عنهم إمامهم. قال: يا رسول الله هو الحسن يغيب عنهم، قال: لا ولكن ابنه الحجة. قال يا رسول الله فما اسمه؟ قال: لايسمى حتى يظهره الله. قال جندب: يا رسول الله قد وجدنا ذكرهم في التوراة، وقد بشرنا موسى بن عمران بك وبالأوصياء بعدك من ذريتك. ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله): (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً)، فقال جندب: يا رسول الله فما خوفهم؟ قال: يا جندب في زمن كل واحد منهم سلطان يعتريه ويؤذيه، فإذا عجل الله خروج قائمنا يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. ثم قال (عليه السلام): طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمتقين على محجتهم، أولئك وصفهم الله في كتابه وقال: (الَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)، وقال: (أُولَئِكَ
حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). وعنه إثبات
الهداة: ١/٥٧٧، والبرهان: ٣/١٤٦، وغاية المرام/٣٧٦، والمحجة/١٤٩، والبحار: ٣٦/٣٠٤.
الخصال: ٢/٤٧٤، عن عمرو البكائي، عن كعب الأحبار، قال في الخلفاء: هم اثنا عشر فإذا
كان عند انقضائهم وأتى طبقة صالحة مد الله لهم في العمر، كذلك وعد الله هذه الأمة
ثم قرأ: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)، قال: وكذلك فعل الله ببني إسرائيل، وليست بعزيز
أن تجمع هذه الأمة يوماً أو نصف يوم، (وَإِنَّ يَوْماً
عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)). ومثله العيون: ١/٤١،
وعنهما إثبات الهداة: ١/٤٧٣، والبحار: ٣٦/٢٤٠.
هذا، وتقدمت روايات أخرى في تفسير الآية في فصل أصحاب الإمام (عليه السلام)، وفصل
الرجعة. وينبغي التذكير بأن الاستخلاف الإلهي والخلافة الإلهية في القرآن مفهوم خاص
ببعض الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، وقد عممه أتباع الخلافة لكل حاكم، ثم عممه
المتصوفة إلى عامة الناس، وقد بحثنا ذلك في كتاب ألف سؤال وإشكال!
المستضعفون الموعودون بالتمكين هم آل محمد (صلى الله عليه وآله)
غيبة الطوسي/١١٣، عن علي (عليه السلام) في قوله تعالى: (وَنُرِيدُ
أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً
وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ
وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا
كَانُوا يَحْذَرُونَ). قال: هم آل محمد يبعث الله
مهديهم بعد جهدهم فيعزهم ويذل عدوهم). ومثله منتخب الأنوار /١٧، وفيه: المستضعفون
في الأرض المذكورون في الكتاب الذين يجعلهم الله أئمة نحن أهل البيت، يبعث الله
مهديهم فيعزهم ويذل عدوهم. وعنهما إثبات الهداة: ٣/٥٠٣، و٥٦٨، والبحار: ٥١/٥٤ و٦٣.
خصائص الأئمة (عليهم السلام) /٧٠: (قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما
السلام): قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: لتعطفن علينا الدنيا بعد شماسها، عطف
الضروس على ولدها، ثم قرأ: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى
الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ
الْوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ
وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)). ونهج البلاغة: ١/٥٠٦،
وشواهد التنزيل: ١/٤٣١، وفي/٤٣٢، عن ربيعة بن ناجذ قال: سمعت علياً يقول وتلا هذه
الآية، وفيه: ليعطفن هذه الدنيا على بني هاشم عطف الناب. وعنه مجمع البيان: ٤/٢٣٩،
وشرح ابن أبي الحديد: ١٩/ ٢٩، وشرح ابن ميثم البحراني: ٥/٣٤٩، وتأويل الآيات: ١/
٤١٣، وفيه: لتعطفن هذه الدنيا على أهل البيت.. وفي/٤١٤، وعن أبي صالح نحوه،
والبرهان: ٣/٢١٨، والبحار: ٢٤/١٦٧، و١٧٠.
دلائل الإمامة/٢٣٧، عن سلمان قال: قال لي رسول الله: إن الله تعالى لم يبعث نبياً
ولا رسولاً إلا جعل له اثني عشر نقيباً... ثم سمى نقباءه الاثني عشر (عليهم السلام)
وقال: ثم ابنه محمد بن الحسن المهدي القائم بأمر الله ثم قال: يا سلمان وذلك تأويل
هذه الآية: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ.
وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا
مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ). قال فقمت من بين يديه وما أبالي لقيت
الموت أو لقيني).
معاني الأخبار/٧٩، عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) نظر إلى علي والحسن والحسين (عليهم السلام) فبكى
وقال: أنتم المستضعفون بعدي! قال المفضل: فقلت له: ما معنى ذلك يا بن رسول الله؟
قال: معناه أنكم الأئمة بعدي، إن الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (وَنُرِيدُ
أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً
وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)، فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة).
والبرهان: ٣/٢١٧، والبحار: ٢٤/١٦٨. وفي البرهان: ٣/٢٢٠: عن الباقر والصادق (عليهما
السلام): إن فرعون وهامان هنا هما شخصان من جبابرة قريش، يحييهما الله تعالى عند
قيام القائم من آل محمد (عليهم السلام) في آخر الزمان، فينتقم منهما بما أسلفا).
ومثله المحجة/١٦٨.
هذا، وقد تقدمت روايات في ذلك في فصل ولادته (عليه السلام) في حديث حكيمة، وفي فصل
الرجعة. وتقدم تفسير آيات توريث الأرض للصالحين في فصل أصحابه (عليه السلام).
آيات الوعد الإلهي بإظهار دينه وإتمام نوره
الكافي: ١/٤٣٢، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: سألته
عن
قول
الله (عزَّ وجلَّ): (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ
بِأَفْوَاهِهِمْ)؟ قال: يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)
بأفواههم. قلت: (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ)؟ قال:
والله متم الإمامة لقوله (عزَّ وجلَّ): (فَآمِنُوا بِاللهِ
وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا)، فالنور هو الإمام. قلت: (هُوَ
الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ)؟ قال: هو الذي أمر
رسوله بالولاية لوصيه والولاية هي دين الحق. قلت: (لِيُظْهِرَهُ
عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)؟ قال: يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم،
قال: يقول الله: (مُتِمُّ نُورِهِ): ولاية القائم. (وَلَوْ
كَرِهَ الْكَافِرُونَ): بولاية علي، قلت: هذا تنزيل؟ قال: نعم أما هذا الحرف
فتنزيل وأما غيره فتأويل). ومناقب ابن شهرآشوب: ٣/٨٢، وتأويل الآيات: ٢/٦٨٦،
والإيقاظ/٣٢٠، وإثبات الهداة: ٣/٤٤٨، والبحار: ٢٣/٣١٨.
تفسير القمي: ٢/٣٦٥: ((يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ
بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ)؟ قال: بالقائم من آل محمد (عليهم
السلام) حتى إذا خرج يظهره الله على الدين كله حتى لا يعبد غير الله، وهو قوله (صلى
الله عليه وآله): يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً). والبحار: ٥١/٤٩.
تفسير القمي: ٢/٣١٧: ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ
بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ
عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)، هو الإمام الذي يظهره الله
على الدين كله فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وهذا مما ذكرنا أن
تأويله بعد تنزيله). ونحوه في: ١/٢٨٩ وعنه والبحار: ٥١/٥٠.
كمال الدين: ٢/٦٧٠، بسنده عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في قول
الله (عزَّ وجلَّ): (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ
بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُونَ): والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج
القائم (عليه السلام) فإذا خرج القائم لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام
إلا كره خروجه، حتى أن لو كان كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني
كافر فاكسرني واقتله). ومثله تفسير فرات/١٨٤، والعياشي: ٢/٨٧، أوله، والعدد
القوية/٦٩، وتأويل الآيات: ٢/٦٨٨، وإثبات الهداة: ٣/٥٥٠، عن العياشي، وفي/٥٦٥،
بعضه، عن تأويل الآيات، والبحار: ٥١/٦٠.
تفسير مجمع البيان: ٩/٤٦٤: (وروى العياشي بالإسناد عن عمران بن ميثم عن عباية أنه
سمع أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (هُوَ الَّذِي
أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، أظهرَ بعد ذلك؟ قالوا: نعم. قال:
كلا، فوالذي نفسي بيده حتى لا تبقى قرية إلا وينادى فيها بشهادة أن لا إله إلا الله
بكرة وعشياً). ولا يوجد في نسخة تفسير العياشي الناقصة التي بأيدينا، ومثله تأويل
الآيات: ٢/٦٨٩، وفيه: وأن محمداً رسول الله. وعنه حلية الأبرار: ٢/٦٤٩، والبحار:
٥١/٦٠.
التهذيب: ٦/١٥٤، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن القائم إذا
قام بأي سيرة يسير في الناس؟ فقال: بسيرة ما سار به رسول الله (صلى الله عليه وآله)
حتى يظهر الإسلام، قلت: وما كانت سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: أبطل
ما كان في الجاهلية واستقبل الناس بالعدل، وكذلك القائم (عليه السلام) إذا قام يبطل
ما كان في الهدنة مما كان في أيدي الناس ويستقبل بهم العدل). وعنه وسائل الشيعة:
١١/٥٧، وإثبات الهداة: ٣/٤٥٤، والبحار: ٥٢/٣٨١.
* * *
ومن
مصادر السنيين: مسلم: ٤/٢٢٣٠، عن عائشة قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يقول: لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى! فقلت يا رسول الله إن كنت لأظن
حين أنزل الله: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى
وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُونَ)، أن ذلك تاماً! قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث
الله ريحاً طيبة فتوفي كل من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيبقى من لا خير
فيه فيرجعون إلى دين آبائهم). ونحوه في/٢٢٣١، والحاكم: ٤/٤٤٦، بتفاوت يسير وصححه
على شرط مسلم. ومصابيح البغوي: ٣/٥١٩، من صحاحه، وجامع الأصول: ١١/٨٤، عن رواية
مسلم الأولى. وعبد الرزاق: ١١/٣٨١، وروى مسلم بعضه عن أبي هريرة: ١/١٠٩.
تفسير الطبري: ١٠/٨٢، عن أبي هريرة في قوله: (لِيُظْهِرَهُ
عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)، قال: حين خروج عيسى بن مريم). والبيهقي: ٩/١٨٠، عن
جابر بن عبد الله، ومثله الدر المنثور: ٣/٢٤١، وقال:: وأخرج عبد بن حميد، وأبو
الشيخ، عن أبي هريرة).
البيهقي: ٩/١٨٠، عن مجاهد في قوله: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، قال: إذا نزل عيسى بن مريم
لم يكن في الأرض إلا الإسلام).
بيان الشافعي/٥٢٨، عن سعيد بن جبير في تفسير قوله (عزَّ وجلَّ): (لِيُظْهِرَهُ
عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، قال: هو
المهدي من عترة فاطمة، وقال: وأما من قال إنه عيسى (عليه السلام) فلا تنافي بين
القولين إذ هو مساعد للإمام على ما تقدم). وعنه نور الأبصار/١٨٦، وكشف الغمة:
٣/٢٨٠، وعنه البحار: ٥١/٩٨. وفي تفسير الرازي: ١٦/٤٠: (روي عن أبي هريرة أنه قال:
هذا وعد من الله بأنه تعالى يجعل الإسلام عالياً على جميع الأديان ثم قال الراوي:
وتمام هذا إنما يحصل عند خروج عيسى، وقال السدي: ذلك عند خروج المهدي لا يبقى أحد
إلا دخل في الإسلام أو أدى الخراج). وعنه البحار: ١٧/١٨٢.
آيات القتال حتى لا تكونَ فتنة
الكافي: ٨/٢٠١، عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): قول الله (عزَّ
وجلَّ): (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ
وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ)؟ فقال: لم يجئ تأويل هذه الآية بعد، إن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) رخص لهم لحاجته وحاجة أصحابه، فلو قد جاء تأويلها لم يقبل
منهم لكنهم يقتلون حتى يوحد الله (عزَّ وجلَّ) وحتى لا يكون شرك). والمحجة/٧٨،
والبرهان: ٢/٨١.
تفسير العياشي: ٢/٥٦، عن زرارة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): سئل أبي عن
قول الله: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا
يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً. وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ
الدِّينُ للهِ)؟ فقال: إنه تأويل لم يجئ تأويل هذه الآية، ولو قد قام قائمنا
بعده سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية، وليبلغن دين محمد (صلى الله عليه
وآله) ما بلغ الليل حتى لا يكون شرك على ظهر الأرض كما قال الله). مجمع البيان:
٣/٥٤٣، كما في العياشي عن زرارة وغيره، وإثبات الهداة: ٣/٥٢٤، عن مجمع البيان.
الهداية الكبرى/٧٤، عن المفضل بن عمر، قال: سألت سيدي أبا عبد الله جعفر بن محمد
الصادق (عليهما السلام).. في حديث طويل إلى جاء فيه: قلت قوله: (لِيُظْهِرَهُ
عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ): ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ظهر على
الدين؟ قال: يا مفضل لو كان ظهر على الدين كله ما كان مجوسية ولا نصرانية ولا
يهودية ولا صابئة ولا فرقة ولا خلاف ولا شك ولا شرك ولا عبدة أصنام ولا أوثان ولا
اللات ولا العزى ولا عبدة الشمس ولا القمر ولا
النجوم ولا النار ولا الحجارة، وإنما قوله: (لِيُظْهِرَهُ
عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)، في هذا اليوم وهذا المهدي وهذه الرجعة وهو قوله: (وَقَاتِلُوهُمْ
حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ)). ومختصر البصائر/١٧٨،
وعنهما إثبات الهداة: ٣/٥٢٣، والبحار: ٥٣/١.
لا تضع الحرب أوزارها إلا على يد المهدي (عليه السلام)
الخصال: ٢/٥٧٢، عن مكحول قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لقد
علم المستحفظون من أصحاب النبي محمد (صلى الله عليه وآله) أنه ليس فيهم رجل له
منقبة إلا وقد شركته فيها وفضلته! ولي سبعون منقبة لم يشركني فيها أحد منهم. قلت:
يا أمير المؤمنين فأخبرني بهن، فقال (عليه السلام)...: وأما الثالثة والخمسون، فإن
الله تبارك وتعالى لن يذهب بالدنيا حتى يقوم منا القائم، يقتل مبغضينا ولا يقبل
الجزية، ويكسر الصليب والأصنام، وتضع الحرب أوزارها، ويدعو إلى أخذ المال فيقسمه
بالسوية ويعدل في الرعية). وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٩٦.
أقول: تقدمت أحاديث في تفسير آية (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ
أَوْزَارَهَا)، في فصل الفئة الثابتة حتى يظهر إمامها المهدي (عليه السلام)،
وفي نزول عيسى (عليه السلام)، وقد فسرتها روايات السنة بنزول المسيح (عليه السلام)
وخروج الدجال.
تفسير القمي: ٢/٣٢٠، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال سأل رجل عن حروب أمير
المؤمنين (عليه السلام) وكان السائل من محبينا فقال أبو جعفر (عليه السلام): بعث
الله محمداً (صلى الله عليه وآله) بخمسة أسياف ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلى أن تضع
الحرب أوزارها، ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت الشمس
من مغربها آمن الناس كلهم في ذلك اليوم، فيومئذ (لا يَنْفَعُ
نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي
إِيمَانِهَا خَيْراً). وسيف منها ملفوف، وسيف منها مغمود سله إلى غيرنا
وحكمه إلينا). ومثله الكافي: ٥/١٠، والخصال: ١/٢٧٤، وتحف العقول/٢٨٨، وتهذيب
الأحكام: ٤/١١٤، و: ٦/١٣٦، تحف العقول/٢٨٨، وعنه البحار: ١٩/١٨١ و: ٧٨/١٦٦ و:
١٠٠/١٦.
لا ييأس الكفار من دين المسلمين إلا في عصره (عليه السلام)
العياشي: ١/٢٩٢، عن جابر قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) في هذه الآية: (الْيَوْمَ
يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ):
يوم يقوم القائم (عليه السلام) يئس بنو أمية فهم الذين كفروا يئسوا من آل محمد (صلى
الله عليه وآله)). وعنه البرهان: ١/٤٣٤، والبحار: ٥١/٥٥.
الإمام المهدي (عليه السلام) من الغيب الموعود
كمال الدين: ٢/٣٤٠، عن داود بن كثير الرقي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول
الله (عزَّ وجلَّ): (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)؟
قال: من أقر بقيام القائم أنه حق). وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٥٨، والمحجة/١٦، والبحار:
٥١/٥٢.
تأويل الآيات: ١/٣١، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أ. ل. م، وكل حرف في القرآن
مقطعة من حروف اسم الله الأعظم الذي يؤلفه الرسول والإمام فيدعو به فيجاب. قال قلت
قوله: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ؟ فقال: الكتاب أمير المؤمنين لا شك فيه
إنه إمام هدى للمتقين، فالآيتان لشيعتنا هم المتقون الذين يؤمنون بالغيب، وهو البعث
والنشور وقيام القائم والرجعة. ومما رزقناهم ينفقون، قال: مما علمناهم من القرآن
يتلون). وعنه البحار: ٢٤/٣٥١. وقال المجلسي (قدّس سره): هذا الخبر على هذا الوجه
كان في بعض نسخ التفسير.
كمال الدين: ٢/٣٤٠، عن يحيى بن أبي القاسم قال: سألت الصادق (عليه السلام) عن قول
الله (عزَّ وجلَّ): (اَلَمِ. ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ
فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)؟ قال:
المتقون شيعة علي (عليه السلام)، والغيب: فهو الحجة الغائب، وشاهد ذلك قول الله
(عزَّ وجلَّ): (وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ
مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ
الْمُنْتَظِرِينَ)). ومثله تأويل الآيات: ١/٣٢، وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٥٨،
والبحار: ٥١/٥٢، و: ٥٢/١٢٤.
آيات الحث على الثبات والمرابطة العقائدية
النعماني/٢٧ و١٩٩، عن بريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر
(عليهما السلام) في معنى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا)؟ قال:
إصبروا على أداء الفرائض، وصابروا عدوكم ورابطوا إمامكم المنتظر). وعنه إثبات
الهداة: ٣/٥٣١، والمحجة/٥٢، والبحار: ٢٤/٢١٩.
العياشي: ١/٢١٢، عن يعقوب السراج قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): تبقى الأرض
يوماً بغير عالم منكم يفزع الناس إليه؟ قال: فقال لي: إذاً لا يعبد الله يا أبا
يوسف لا تخلو الأرض من عالم منا، ظاهر يفزع الناس إليه في حلالهم وحرامهم، وإن ذلك
لمبين في كتاب الله، قال الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اصْبِرُوا)، على دينكم، (وَصَابِرُوا)،
عدوكم ومن يخالفكم، (وَرَابِطُوا)، على إمامكم، (وَاتَّقُوا
اللهَ)، فيما أمركم به وافترض عليكم). وعنه إثبات الهداة: ١/١٣٦، والبحار:
٢٤/٢١٧.
الكافي: ١/٤٢٠، عن محمد بن مسلم: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله
(عزَّ وجلَّ): (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ
ثُمَّ اسْتَقَامُوا)؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): استقاموا على الأئمة
واحداً بعد واحد، (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ
أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ
تُوعَدُونَ)). ومثله مناقب ابن شهرآشوب: ٤/٣٣٠، وعنه البحار: ٢٤/٢١.
أن المهدي (عليه السلام) من أولي الأمر بنص الآية
كمال الدين: ١/٢٢٢، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (عزَّ
وجلَّ): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)؟ قال: الأئمة من ولد
علي وفاطمة (عليهما السلام) إلى أن تقوم الساعة). ومثله دلائل الإمامة/٢٣١، وعنه
البحار: ٢٣/٢٨٨.
العياشي: ١/٢٥١، عن أبان، أنه دخل على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: فسألته
عن قول الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)؟ فقال: ذلك علي
بن أبي طالب (عليه السلام) ثم سكت، قال فلما طال سكوته قلت: ثم من؟ قال: ثم الحسن
ثم سكت فلما طال سكوته قلت: ثم من؟ قال: الحسين، قلت: ثم من؟ قال: ثم علي بن الحسين
وسكت، فلم يزل يسكت عند كل واحد حتى أعيد المسألة فيقول حتى سماهم إلى آخرهم (عليهم
السلام)). وعنه البرهان: ١/٣٨٥، والبحار: ٢٣/٢٩٢.
الكافي: ١/٤٢٦، عن الحسين بن نعيم الصحاف قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) إلى
أن
قال
وسألته عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَأَطِيعُوا اللهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا
الْبَلاغُ الْمُبِينُ)؟ فقال: أما والله ما هلك من كان قبلكم، وما هلك من
هلك حتى يقوم قائمنا (عليه السلام)، إلا في ترك ولايتنا وجحود حقنا. وما خرج رسول
الله (صلى الله عليه وآله) من الدنيا حتى ألزم رقاب هذه الأمة حقنا، والله يهدي من
يشاء إلى صراط مستقيم). وعنه تأويل الآيات: ١/١٦١، والبحار: ٢٣/٣٨٠.
العياشي: ١/٢٤٦، عن بريد بن معاوية، قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فسألته عن
قول الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ). قال فكان جوابه أن قال: (أَلَمْ
تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ
وَالطَّاغُوتِ - فلان وفلان - وَيَقُولُونَ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً):
الأئمة الضالة والدعاة إلى النار هؤلاء أهدى من آل محمد وأوليائهم سبيلاً.
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ
نَصِيراً. أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ - يعني الإمامة والخلافة -
فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً. نحن الناس
الذين عنى الله. والنقير النقطة التي رأيت في وسط النواة.
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ؟ فنحن
المحسودون على ما آتانا الله من الإمامة دون خلق الله جميعاً.
فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. يقول: فجعلنا منهم الرسل والأنبياء
والأئمة، فكيف يقرون بذلك في آل إبراهيم وينكرونه في آل محمد (صلى الله عليه
وآله)؟! فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ
عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ
نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً
غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ
مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً.
قال قلت: قوله في آل إبراهيم: وآتيناهم ملكا عظيماً، ما الملك العظيم؟ قال: أن جعل
منهم أئمةً من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله فهو الملك العظيم. قال ثم قال:
إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلى
أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ
تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ
بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً. قال: إيانا عنى أن يؤدي الأول
منا إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلاح. وَإِذَا
حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ، الذي في أيديكم،
ثم قال للناس:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، فجمع المؤمنين إلى
يوم القيامة أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ: إيانا عنى خاصة.
فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللهِ
وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً. فإن خفتم تنازعاً في الأمر فارجعوا إلى الله وإلى
الرسول وأولي الأمر منكم، هكذا نزلت وكيف يأمرهم بطاعة أولي الأمر ويرخص لهم في
منازعتهم، إنما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي
الأمر منكم). ونحوه الكافي: ١/٢٠٥ و٢٠٦، بعضه، وفي ٢٧٦، آخره، عن بريد العجلي قال:
سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ):
أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ
مِنْكُمْ؟ فكان جوابه.. وعنه البحار: ٢٣/٢٨٩.
أهل البيت (عليهم السلام) هم الصديقون الذين أنعم الله عليهم
تفسير فرات/٣٠، عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل
جاء فيه: وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين مع
الملائكة لم يحل بحليته أحد من الآدميين في الجنة شيء شرفه الله به والسبطان الحسن
والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ومن ولدت إياهما، والمهدي يجعله الله من أحب منا أهل
البيت، ثم قال: أبشروا ثلاثاً. وَمَنْ يُطِعِ اللهَ
وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ
النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ
رَفِيقاً. ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيماً).
وبمعناه في تفسير فرات/٣٥، عن الأصبغ بن نباتة، وفيه: إذا جمع الله الأولين
والآخرين كان أفضلهم سبعة منا بني عبد المطلب: الأنبياء أكرم الخلق على الله،
ونبينا أكرم الأنبياء ثم الأوصياء أفضل الأمم بعد الأنبياء ووصيه أفضل الأوصياء ثم
الشهداء أفضل الأمم بعد الأنبياء والأوصياء وحمزة سيد الشهداء وجعفر ذو الجناحين
يطير
مع الملائكة). وفي الكافي: ١/٤٥٠، بمعناه وفيه: رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام)
يوم افتتح البصرة وركب بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا أيها الناس ألا
أخبركم بخير الخلق يوم يجمعهم الله؟..).
آية: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ
النعماني/١٧٤، عن المفضل بن عمر، قال: سمعته يقول: يعني أبا عبد الله (عليه
السلام): قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام): إذا قام القائم (عليه
السلام) قال:
فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِي
حُكْمًا وَجَعَلَنِى مِنَ اَلْمُرْسَلِينَ). ومثله كمال الدين: ١/٣٢٨،
وعنهما إثبات الهداة: ٣/٤٦٨ و٥٨٣، والبحار: ج ٥٢ /٢٨١ و٢٩٢، وفي تأويل الآيات:
١/٣٨٨، عن المفيد وفيه: تلا هذه الآية مخاطباً للناس. وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٦٢،
والبحار: ٥٢/٢٩٢، عن النعماني. ونحوه في النعماني/١٧٤، وفيه: إن لصاحب هذا الأمر
غيبة يقول فيها: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ..
وعنه إثبات الهداة: ٣/ ٥٣٥، والبحار: ٥٢/١٥٧، و٢٩٢.
آية: أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ
تأويل الآيات: ١/٤٠٣، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله
(عزَّ وجلَّ): أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ؟
قال: هذه نزلت في القائم (عليه السلام) إذا خرج تعمم وصلى عند المقام وتضرع إلى
ربه، فلا ترد له راية أبداً). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٦٤، والمحجة/١٦٤، والبحار:
٥١/٥٩. وفي تفسير القمي: ٢/١٢٩، عن صالح بن عقبة عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: نزلت في القائم من آل محمد (عليهم السلام)، هو والله المضطر إذا صلى في المقام
ركعتين ودعا الله فأجابه، ويكشف السوء ويجعله خليفة في الأرض). وعنه تأويل الآيات:
١/٤٠٣، والمحجة/١٦٥، والبحار: ٥١/٤٨، وإثبات الهداة: ٣/٥٥٣، وفي ٥٧٦: عن كتاب علل
الأشياء، لمحمد بن علي بن إبراهيم، وفيه: فهذا مما لم يكن بعد وسيكون إن شاء الله).
تأويل الآيات: ١/٤٠٢، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: إن القائم إذا خرج دخل المسجد الحرام فيستقبل الكعبة، ويجعل ظهره إلى المقام،
ثم يصلى ركعتين، ثم يقوم فيقول: يا أيها الناس أنا أولى الناس بآدم، يا أيها الناس
أنا أولى الناس بإبراهيم، يا أيها الناس أنا أولى الناس بإسماعيل، يا أيها الناس
أنا أولى الناس بمحمد (صلى الله عليه وآله)، ثم يرفع يديه إلى السماء فيدعو ويتضرع
حتى يقع على
وجهه،
وهو قوله (عزَّ وجلَّ): أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ
إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرض الَهٌ مَعَ
اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ). وبعضه إثبات الهداة: ٣/٥٦٣ والمحجة/١٦٤،
والبحار: ٥١/٥٩. هذا، وقد تقدمت بقية رواياته وخطبته (عليه السلام) في فصل أصحاب
المهدي (عليه السلام)، في بيعتهم له عند الكعبة، وفي جيش الخسف في فصل الحجاز.
يوم الفتح الموعود في الآية هو المهدي (عليه السلام)
تأويل الآيات: ٢/٤٤٥، عن ابن دراج قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في
قول الله (عزَّ وجلَّ): وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا
إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ. يوم الفتح يوم تفتح الدنيا على القائم
لا ينفع أحداً تقرب بالإيمان ما لم يكن قبل ذلك مؤمناً وبهذا الفتح موقناً فذلك
الذي ينفعه إيمانه ويعظم عند الله قدره وشأنه، وتزخرف له يوم البعث جنانه وتحجب عنه
نيرانه، وهذا أجر الموالين لأمير المؤمنين وذريته الطيبين صلوات الله عليهم
أجمعين). وعنه المحجة/١٧٤، وعنه ينابيع المودة/٤٢٦.
كمال الدين/١٨ و٣٠، عن علي بن رئاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال في قول
الله (عزَّ وجلَّ): هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأتِيَهُمُ
الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأتِيَ رَبُّكَ أَوْ يأتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ
يأتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ
مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا
مُنْتَظِرُونَ، فقال: الآيات هم الأئمة، والآية المنتظرة هو القائم (عليه
السلام)، فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف، وإن آمنت
بمن تقدمه من آبائه (عليهم السلام)). وعنه البرهان: ١/٥٦٤، والمحجة/٦٩، عن ابن
بابويه، والبحار: ٥١ /٥١، و: ٦٧/٣٣. وفي تفسير القمي: ٢/٣٦٦: وأخرى تحبونها نصر من
الله وفتح قريب: يعني في الدنيا بفتح القائم (عليه السلام)). وعنه البحار: ٥١/٤٩.
هذا، وتقدمت بقية رواياته في فصل الطائفة الثابتة حتى يظهر إمامها، في مجددي
الإسلام، وفصل فضل الثابتين في غيبته (عليه السلام).
يوم المهدي (عليه السلام) يأتي تأويل القرآن
تفسير القمي: ١/٢٣٥: (وقوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا
تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ.. فهو من
الآيات التي تأويلها بعد تنزيلها، قال: ذلك في القائم (عليه السلام) ويوم القيامة).
والبرهان: ٢/٢٣.
آية: حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا
في دلائل الإمامة/٢٥٠، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نزلت
في بني فلان ثلاث آيات: قوله (عزَّ وجلَّ): حَتَّى إِذَا
أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ
عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً، يعني القائم بالسيف.
فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ.
وقوله (عزَّ وجلَّ): فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ
شيء حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ
مُبْلِسُونَ. فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ للهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ. قال أبو عبد الله: السيف. وقوله (عزَّ وجلَّ):
فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا
يَرْكُضُونَ. لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ
وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ: يعني القائم، يسأل بني فلان كنوز
بني أمية). وعنه المحجة/٩٨، والبرهان: ١/٥٢٥.
أن الله أخذ ميثاق الأنبياء على الإقرار بالمهدي (عليهم السلام)
البصائر/٧٠، ومثله في/٧١، عن حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال فيه: (ثم
أخذ الميثاق على النبيين فقال: أَلَسْتُ بِربِّكم؟ ثم
قال: وإن هذا محمد رسول الله، وإن هذا علي أمير المؤمنين؟
قَالُوا بَلَى، فثبتت بهم النبوة. وأخذ الميثاق على أولي العزم: ألا إني
ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي، وإن
المهدي أنتصر به لديني وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي وأعبد به طوعاً وكرهاً.
قَالُوا أَقْرَرْنَا، وشهدنا يا رب ولم يجحد آدم ولم يقر، فثبتت العزيمة
لهؤلاء الخمسة في المهدي، ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به وهو قوله (عزَّ وجلَّ):
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً،
قال: إنما يعني فترك). والكافي: ٢/٨، وتأويل الآيات: ١/ ٣١٩، وقال: ويؤيده ما رواه
الشيخ المفيد (رحمه الله) …عن أبي جعفر (عليه السلام)، والمحجة/١٣٦، والبحار:
٢٦/٢٧٩، و: ٦٧/١١٣.
البصائر/٧٠، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ):
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً،
قال: عهد إليه في محمد والأئمة من بعده فترك ولم يكن له
عزم
فيهم أنهم هكذا. وإنما سمي أولو العزم أولي العزم لأنه عهد إليهم في محمد والأوصياء
من بعده، والمهدي وسيرته، فأجمع عزمهم أن ذلك كذلك، والإقرار به). ومثله تفسير
القمي: ٢/٦٥، والكافي: ١/٤١٦، وعلل الشرائع/١٢٢، والبحار: ١١/٣٥، و: ٢٦/٢٧٨.
أخبر الله إبراهيم بولده المهدي (عليهما السلام)
تأويل الآيات: ٢/٤٩٦، عن أبي بصير يحيى بن أبي القاسم قال: سأل جابر بن يزيد الجعفي
جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) عن تفسير هذه الآية:
وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ، فقال (عليه السلام): إن الله سبحانه
لما خلق إبراهيم/ (عليه السلام) كشف له عن بصره فنظر فرأى نوراً إلى جنب العرش،
فقال: إلهي ما هذا النور؟ فقيل له: هذا نور محمد صفوتي من خلقي. ورأى نوراً إلى
جنبه، فقال: إلهي وما هذا النور؟ فقيل له: هذا نور علي بن أبي طالب ناصر ديني. ورأى
إلى جنبهم ثلاثة أنوار فقال: إلهي ما هذه الأنوار؟ فقيل له: هذا نور فاطمة فطمت
محبيها من النار، ونور ولديها الحسن والحسين. ورأى تسعة أنوار قد حفوا بهم فقال:
إلهي وما هذه الأنوار التسعة؟ قيل: يا إبراهيم هؤلاء الأئمة من ولد علي وفاطمة.
فقال إبراهيم: إلهي بحق هؤلاء الخمسة إلا عرفتني من التسعة؟ قيل: يا إبراهيم أولهم
علي بن الحسين وابنه محمد وابنه جعفر وابنه موسى وابنه علي وابنه محمد وابنه علي
وابنه الحسن والحجة القائم ابنه. فقال إبراهيم: إلهي وسيدي أرى أنواراً قد أحدقوا
بهم لا يحصي عددهم إلا أنت قيل: يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم شيعة أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب. فقال إبراهيم: وبم تعرف شيعته؟ قال: بصلاة إحدى وخمسين، والجهر ببسم الله
الرحمن الرحيم، والقنوت قبل الركوع، والتختم في اليمين، فعند ذلك قال إبراهيم:
اللهم اجعلني من شيعة أمير المؤمنين، قال: فأخبر الله في كتابه فقال: وإن من شيعته
لإبراهيم). وعنه إثبات الهداة: ١/٦٤٦، والمحجة/١٨١، والبحار: ٣٦/١٥١، و: ٨٥/٨٠.
ونحوه الفضائل/١٥٨، عن عبد الله بن أبي وقاص، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
وعنه مدينة المعاجز/ ٢٥٧، والبحار: ٣٦/ ٢١٣.
أن المهدي (عليه السلام) يرث مساكن الذين ظلموا
العياشي: ٢/٢٣٥، عن سعد بن عمر، عن غير واحد ممن حضر أبا عبد الله (عليه السلام)
ورجل يقول: قد ثبت دار صالح ودار عيسى بن علي ذكر دور العباسيين فقال رجل: أراناها
الله خراباً أو خربها بأيدينا، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): لاتقل هكذا، بل
تكون مساكن القائم وأصحابه، أما سمعت الله يقول:
وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ). وعنه إثبات
الهداة: ٣/٥٥١، والبحار: ٥٢/٣٤٧.
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ
مختصر البصائر/٢٠٠، ووقفت على كتاب خطب لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) وعليه
خط السيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس ما صورته: هذا الكتاب ذكر
كاتبه رجلين بعد الصادق (عليه السلام) فيمكن أن يكون تاريخ كتابته بعد المائتين من
الهجرة لأنه (عليه السلام) انتقل بعد سنة مائة وأربعين من الهجرة، وقد روى بعض ما
فيه عن أبي روح فرج بن فروة عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد (عليه السلام)، وبعض
ما فيه عن غيرهما ذكر في الكتاب المشار إليه خطبة لمولانا أمير المؤمنين (عليه
السلام) تسمى المخزون، ثم ذكر الخطبة بطولها، جاء فيها: ثم يخرج عن الكوفة مائة ألف
بين مشرك ومنافق حتى يضربوا دمشق لا يصدهم عنها صاد وهي إرم ذات العماد وتقبل رايات
من شرقي الأرض ليست بقطن ولا كتان ولا حرير مختمة في رؤوس القنا بخاتم السيد
الأكبر، يسوقها رجل من آل محمد (صلى الله عليه وآله) يوم تطير بالمشرق.. إلى أن
قال: ويأتيهم يومئذ الخسف والقذف والمسخ فيومئذ تأويل هذه الآية:
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ).
يُحِقُّ حق أهل البيت (عليهم السلام) ويبطل باطل بني أمية وأمثالهم
تفسير العياشي: ٢/٥٠، عن جابر قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن تفسير هذه الآية
في قول الله: وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ
بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ، لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ
الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ؟ قال أبو جعفر (عليه السلام):
تفسيرها في الباطن يريد الله فإنه شيء
يريده
ولم يفعله بعد، وأما قوله: يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ،
فإنه يعني يحق حق آل محمد، وأما قوله: بِكَلِمَاتِهِ،
قال: كلماته في الباطن علي هو كلمة الله في الباطن، وأما قوله:
وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ، فهم بنو أمية هم الكافرون يقطع الله
دابرهم، وأما قوله: لِيُحِقَّ الْحَقَّ، فإنه يعني
ليحق حق آل محمد حين يقوم القائم، وأما قوله: وَيُبْطِلَ
الْبَاطِلَ، يعني القائم فإذا قام يبطل باطل بني أمية، وذلك قوله:
لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ).
وإثبات الهداة: ٣/٥٥٠، والبحار: ٢٤/١٧٨.
أن المهدي (عليه السلام) آخر حلقات العروة الوثقى
مائة منقبة/٧١، عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: معاشر
الناس اعلموا أن الله تعالى جعل لكم بابا من دخله أمن من النار ومن الفزع الأكبر.
فقام إليه أبو سعيد الخدري فقال: يا رسول الله اهدنا إلى هذا الباب حتى نعرفه قال:
هو علي بن أبي طالب سيد الوصيين وأمير المؤمنين وأخو رسول رب العالمين.
معاشر الناس من أحب أن يتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها فليتمسك بولاية علي
بن أبي طالب، فإن ولايته ولايتي، وطاعته طاعتي. معاشر الناس من أحب أن يعرف الحجة
بعدي فليعرف علي بن أبي طالب. معاشر الناس من أراد أن يتولى الله ورسوله فليقتد
بعلي بن أبي طالب بعدي والأئمة من ذريتي فإنهم خُزَّان علمي. فقام جابر بن عبد الله
الأنصاري فقال: يا رسول الله وما عدة الأئمة؟ فقال: يا جابر سألتني رحمك الله عن
الإسلام بأجمعه عدتهم عدة الشهور وهي عِنْدَ اللهِ اثْنَا
عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ،
وعدتهم عدة العيون التي انفجرت لموسى بن عمران (عليه السلام) حين ضرب بعصاه
الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ. وعدتهم عدة نقباء بني
إسرائيل: وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً،
فالأئمة يا جابر اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وآخرهم القائم
المهدي). وعنه استنصار للكراجكي/٢٠، واليقين/٦٠، و١٣٢، والبحار: ٣٦/٢٦٣.
أن المهدي (عليه السلام) هو السنبلة السابعة بعد الإمام الصادق (عليه السلام)
العياشي: ١/١٤٧، عن المفضل بن محمد الجعفي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
قول الله: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ؟
قال: الحبة فاطمة صلى الله عليها، والسبع السنابل سبعة من ولدها سابعهم قائمهم،
قلت: الحسن؟ قال: إن الحسن إمام من الله مفترض طاعته، ولكن ليس من السنابل السبعة
أولهم الحسين وآخرهم القائم، فقلت: قوله في كل سنبلة مائة حبة، قال: يولد الرجل
منهم في الكوفة مائة من صلبه وليس ذاك إلا هؤلاء السبعة). وعنه إثبات الهداة:
٣/٥٤٨، وقال: هؤلاء السبعة من جملة الاثني عشر، وليس فيه إشعار بالحصر كما هو واضح.
ولعل المراد السابع من الصادق (عليه السلام) لأنه هو المتكلم بهذا الكلام. وعنه
البرهان: ١/٢٥٣. والمعنى الذي ذكره (قدّس سره) هو المتعين بقوله (عليه السلام):
سابعهم قائمهم، ولعل المراد بالكوفة الولاء لأهل البيت لأنها كانت مركز مواليهم
(عليهم السلام).
المهدي (عليه السلام) صاحب ليلة القدر
تفسير فرات/٢١٨، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟ الليلة فاطمة، والقدر الله، فمن عرف
فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر. وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن
معرفتها أو معرفتها - الشك من أبي القاسم - قوله: وَمَا
أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ:
يعني خيراً من ألف مؤمن وهي أم المؤمنين.
تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ، والملائكة المؤمنون الذين
يملكون علم آل محمد (صلى الله عليه وآله).
وَالرُّوحُ القدس هي فاطمة.
بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ،
يعني حتى يخرج القائم). وعنه البحار: ٤٣/ ٦٥.
تأويل الآيات: ٢/٨٢٠، عن أبي يحيى الصنعاني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
سمعته يقول: قال لي أبي محمد: قرأ علي بن أبي طالب: إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر، وعنده الحسن والحسين (عليهم السلام)
فقال له الحسين: يا أبتاه كأن بها من فيك حلاوة؟ فقال له: يا بن رسول الله وابني،
إني أعلم فيها ما لا تعلم، إنها لما نزلت بعث إلي جدك رسول الله (صلى الله عليه
وآله) فقرأها عليَّ ثم ضرب على كتفي الأيمن وقال: يا أخي ووصيي وولي أمتي بعدي،
وحرب أعدائي إلى يوم يبعثون: هذه السورة لك من بعدي ولولدك من
بعدك،
إن جبرئيل أخي من الملائكة حدَّث إليَّ أحداثَ أمتي في سنتها. وإنه ليحدث ذلك إليك
كأحداث النبوة. ولها نور ساطع في قلبك وقلوب أوصيائك إلى مطلع فجر القائم (عليه
السلام)). وعنه المحجة/٢٥٥، والبحار: ٢٥/٧٠.
تأويل الآيات: ٢/٨١٨، عن حمران قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عما يفرق في
ليلة القدر هل هو ما يقدر الله فيها؟ قال: لا توصف قدرة الله إلا أنه قال:
فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم، فكيف يكون
حكيماً إلا ما فرق. ولا توصف قدرة الله سبحانه لأنه يحدث ما يشاء. وأما قوله:
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، يعني فاطمة سلام الله عليها
وقوله: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا،
والملائكة في هذا الموضع المؤمنون الذين يملكون علم آل محمد (صلى الله عليه وآله)،
والرُّوحُ روح القدس، وهو في فاطمة سلام الله عليها. ومن كل أمر سلام": يقول من كل
أمر مسلَّمة. حتى مطلع الفجر: حتى يقوم القائم (عليه السلام)). وعنه المحجة/٢٥٥،
والبحار: ٢٥/٩٧.
أن المهدي (عليه السلام) يضع الأغلال والآصار عن المؤمنين
الكافي: ١/٤٢٩، عن أبي عبيدة الحذاء قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الاستطاعة
وقول الناس؟ فقال وتلا هذه الآية: وَلا يَزَالُونَ
مُخْتَلِفِينَ، إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ: يا أبا
عبيدة الناس مختلفون في إصابة القول وكلهم هالك، قال: قلت قوله:
إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ؟ قال: هم شيعتنا ولرحمته خلقهم، وهو قوله:
وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ، يقول: لطاعة الإمام الرحمة التي يقول:
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء: يقول: علم الإمام
ووسع علمه الذي هو علمه بكل شيء هم شيعتنا، ثم قال:
فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ: يعني ولاية غير الإمام وطاعته. ثم
قال: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ
الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ
وَالإِنْجِيلِ: يعني النبي (صلى الله عليه وآله) والوصي والقائم.
يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ: والمنكر من
أنكر فضل الإمام وجحده. وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ:
أخذ العلم من أهله. وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ:
والخبائث قول من خالف.
وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ: وهي الذنوب التي كانوا
فيها قبل معرفتهم فضل الإمام
وَالأَغْلالَ
الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ: والأغلال ما كانوا
يقولون مما لم يكونوا أمروا به من ترك فضل الإمام، فلما عرفوا فضل الإمام وضع عنهم
إصرهم، والإصر الذنب وهي الآصار، ثم نسبهم فقال: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ: يعني
بالإمام،
وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي
أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ: يعني الذين اجتنبوا الجبت
والطاغوت أن يعبدوها، والجبت والطاغوت فلان وفلان وفلان، والعبادة طاعة الناس لهم،
ثم قال: وَأَنِيبُوا إلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ..
ثم جزاهم فقال: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَفِي الآخِرَةِ. والإمام يبشرهم بقيام القائم وبظهوره وبقتل أعدائهم
وبالنجاة في الآخرة والورود على محمد صلى الله على محمد وآله الصادقين على الحوض).
وعنه تأويل الآيات: ١/١٧٨، ووسائل الشيعة: ١٨/ ص ٤٥، مختصراً، وإثبات الهداة:
٣/٤٤٧، والبحار: ٢٤/٣٥٣.
ولكل قوم هاد
العياشي: ٢/٢٠٤، عن حنان بن سدير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول في
قول الله تبارك وتعالى: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ
قَوْمٍ هَاد: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا المنذر وعلي الهادي،
وكل إمام هاد للقرن الذي هو فيه). ومثله البصائر: ١/٣٠، والكافي: ١/١٩١ وعنها إثبات
الهداة: ١/٨١ و٦٢٩، والبحار: ٢٣/٣ و٥٤، و: ٣٥/٤٠٤.
يوم ندعو كل أناس بإمامهم
الكافي: ١/٥٣٦، عن عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ، قال:
إمامهم الذي بين أظهرهم وهو قائم أهل زمانه). وإثبات الهداة: ١/٨٩.
حرمان الناس من الإستفادة من المهدي (عليه السلام)
تفسير القمي: ٢/٨٥: قوله: وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ
مَشِيدٍ، قال: هو مَثَلٌ لآل محمد (صلى الله عليه وآله) قوله: بئر معطلة: هي
التي لا يستسقى منها وهو الإمام الذي قد غاب فلا يقتبس منه العلم، والقصر المشيد هو
المرتفع وهو مَثَلٌ لأمير المؤمنين (عليه السلام)، والأئمة وفضائلهم المشرفة على
الدنيا وهو قوله:
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ). وعنه تأويل
الآيات: ١/٣٤٥، والبرهان: ٣/٩٦، والبحار: ٢٤/١٠١. أقول: المقصود بتفسير الآية بأهل
البيت (عليهم السلام) أنهم هم أئمة
الأمة
ومنبع علمها وخيرها، وقد صاروا بسبب ظلم الأمة لهم كالعيون المعطلة والقصور
المتروكة، وهذا هو السبب الذي أدى إلى انحطاط الأمة.
آيات الفتنة والتمحيص في عصر غيبته (عليه السلام)
قرب الإسناد/١٦٢، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الرضا (عليه السلام) قال: وكان
جعفر (عليه السلام) يقول: والله لا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تميزوا
وتمحصوا ثم يذهب من كل عشرة شيء ولا يبقى منكم إلا الأندر، ثم تلا هذه الآية:
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا
يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ).
وعنه البحار: ٥٢/١١٣.
أن ظهور المهدي (عليه السلام) تأويل الآية
تأويل الآيات: ١/٣٧٢، عن علي بن أسباط في قول الله (عزَّ وجلَّ):
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ: قال: إن الملك للرحمن اليوم
وقبل اليوم وبعد اليوم، ولكن إذا قام القائم (عليه السلام) لم يعبد إلا الله (عزَّ
وجلَّ) بالطاعة). وعنه البرهان: ٣ /١٦٢، والمحجة/١٥٥.
أن المهدي (عليه السلام) مظهر قدرة الله تعالى في عترة النبي (صلى الله عليه وآله)
مناقب ابن شهرآشوب: ٢/١٨١، ابن عباس، وابن مسعود، وجابر، والبراء، وأنس وأم سلمة
والسدي وابن سيرين والباقر (عليه السلام) في قوله تعالى:
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ
رَبُّكَ قَدِيراً: قالوا: هو محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، والقائم في
آخر الزمان، لأنه لم يجتمع نسب وسبب في الصحابة والقرابة إلا له، فلأجل ذلك استحق
الميراث بالنسب والسبب). والبرهان: ٣/١٧١، والبحار: ٤٣/١٠٦.
أن الأوصياء (عليهم السلام) هم عباد الرحمن في الآية
تفسير فرات/١٠٧، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تبارك وتعالى:
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ
هَوْناً... إلى قوله:
خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً،
ثلاث عشرة آية قال: هم الأوصياء يمشون على الأرض هوناً، فإذا قام القائم عرفوا كل
ناصب عليه فإن أقر بالإسلام وهي الولاية، وإلا ضربت عنقه أو أقر بالجزية
فأداها كما يؤدي أهل الذمة). وعنه البحار: ٥٢/٣٧٣.
إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَمَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ
غيبة الطوسي/١٠٩، عن ابن عباس، في قوله: وَفِي السَّمَاءِ
رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ. فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ
مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ. قال: هو خروج المهدي (عليه السلام)). وعنه
المحجة/٢١١، ومثله منتخب الأنوار /١٨، وعنهما البحار: ٥١/٥٣ و٦٣، وعنه وعن البحار
إثبات الهداة: ٣/٥٠١، و٥٨١. ومجمع البيان: ٧/١٥٢: وروى العياشي بإسناده عن علي بن
الحسين (عليه السلام) أنه قرأ الآية.. وقال: هم شيعتنا أهل البيت، يفعل الله ذلك
بهم على يدي رجل منا، وهو مهدي هذه الأمة، وهو الذي قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من عترتي
اسمه اسمي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً). وعنه تأويل الآيات:
١/٣٦٩، والإيقاظ/٣٧، وإثبات الهداة: ٣/٥٢٥، والمحجة/١٥١.
العذاب على أعداء المهدي (عليه السلام)
القمي: ١/٣١٢، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: قُلْ
أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً: يعني ليلا
أو نهاراً،
مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ؟ فهذا
عذاب ينزل في آخر الزمان على فسقة أهل القبلة، وهم يجحدون نزول العذاب عليهم).
والبحار: ٥٢/١٨٥.
سنة يعقوب في بنيه جرت في المهدي (عليه السلام)
العياشي: ١/٦١، عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن تفسير هذه الآية
من قول الله: أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ
الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ
إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وإسماعيل وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً
وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ؟ قال: جرت في القائم (عليه السلام)). وعنه إثبات
الهداة: ٣/٥٤٨، والبرهان: ١/١٥٦.
عند المهدي جفنة فاطمة وهي مائدة أهل البيت (عليهم السلام)
العياشي: ١/١٧١، عن نجم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن فاطمة (عليها السلام)
ضمنت لعلي (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز وقم البيت وضمن لها علي (عليه
السلام) ما كان خلف الباب من نقل الحطب وأن يجيء بالطعام فقال لها يوماً: يا فاطمة
هل عندك شيء؟ قالت: لا والذي
عظم
حقك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شيء نقريك به. قال: أفلا أخبرتني؟ قالت: كان رسول
الله (صلى الله عليه وآله) نهاني أن أسألك شيئاً! فقال: لا تسألي ابن عمك شيئاً إن
جاءك بشيء عفواً وإلا فلا تسأليه. قال: فخرج الإمام (عليه السلام) فلقي رجلاً
فاستقرض منه ديناراً ثم أقبل به وقد أمسى فلقي مقداد بن الأسود فقال للمقداد: ما
أخرجك في هذه الساعة؟ قال: الجوع والذي عظم حقك يا أمير المؤمنين. قال: قلت لأبي
جعفر: ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حيٌّ؟ قال: ورسول الله (صلى الله عليه وآله)
حيّ! قال: فهو أخرجني فقد استقرضت ديناراً وسأوثرك به فدفعه إليه فأقبل فوجد رسول
الله (صلى الله عليه وآله) جالساً وفاطمة تصلي وبينهما شيء مغطى فلما فرغت أحضرت
ذلك الشيء فإذا جفنة من خبز ولحم، قال: يا فاطمة أنى لك هذا؟
قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ
يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا أحدثك
بمثَلك ومَثَلها؟ قال: بلى، قال: مثل زكريا إذا دخل على مريم المحراب فوجد عندها
رزقاً، قال: يا مريم أنى لك هذا
قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ
يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ فأكلوا منها شهراً وهي الجفنة التي يأكل منها
القائم (عليه السلام) وهي عندنا). وعنه تأويل الآيات: ١/١١٠، وعنه البرهان: ١/٢٨٢،
والبحار: ١٤/١٩٧، و: ٤٣/٣١.
أن ظهور المهدي (عليه السلام) هو الأجل القريب في الآية
العياشي: ١/٢٥٨، و: ٢/٢٣٥، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: والله الذي صنعه الحسن
بن علي (عليه السلام) كان خيراً لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس، والله لفيه نزلت
هذه الآية: أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا
أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ.. إنما هي طاعة
الإمام فطلبوا القتال. فلما كتب عليهم القتال مع الحسين قالوا:
رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إلى أَجَلٍ
قَرِيبٍ، وقوله: رَبَّنَا أَخِّرْنَا إلى أَجَلٍ
قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ، أرادوا تأخير ذلك إلى
القائم (عليه السلام)). ومثله الكافي: ٨/٣٣٠، وعنهما إثبات الهداة: ٣/٥٥١، والبحار:
٤٤/٢٥، و٢١٧، و: ٥٢/١٣٢، ونحوه العياشي: ١/٢٥٧، والبحار: ٤٤/٢١٧.
ظهور المهدي (عليه السلام) هو العذاب الأكبر في الآية
تأويل
الآيات: ٢/٤٤٤، عن مفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله
(عزَّ وجلَّ): وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى
دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ؟ قال: الأدنى غلاء
السعر، والأكبر المهدي بالسيف). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٦٤، والبحار: ٥١/٥٩
والمحجة/١٧٣، وفيه: عن محمد بن الحسن الشيباني في كشف البيان قال: روي عن جعفر
الصادق (عليه السلام) في معنى الآية: إن الأدنى القحط والجدب، والأكبر: خروج القائم
المهدي (عليه السلام) بالسيف في آخر الزمان). وفي الصراط المستقيم: ٢/٢٦٢، من تفسير
النقاش مرسلا عن الصادق (عليه السلام).
مسخ بعض أعداء الحق عند ظهور المهدي (عليه السلام)
النعماني/٢٦٩، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قول الله (عزَّ
وجلَّ):
لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا،
ما هو عذاب خزي الدنيا؟ فقال: وأي خزي أخزى يا أبا بصير من أن يكون الرجل في بيته
وحجاله وعلى إخوانه وسط عياله، إذ شق أهله الجيوب عليه وصرخوا فيقول الناس ما هذا؟
فيقال: مسخ فلان الساعة. فقلت: قبل قيام القائم (عليه السلام) أو بعده؟ قال: لا بل
قبله). وإثبات الهداة: ٣/٧٣٧، والبحار: ٥٢/٢٤١.
أن ظهور المهدي (عليه السلام) هو النصر الموعود في الآية
تفسير القمي: ٢/١٤٩: وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ:
يعني القائم (عليه السلام)،
لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ
بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ). وعنه البحار: ٩/٢٢٩، وفي:
٥١/٤٨، و: ٧٠/١٣٣.
أن المهدي (عليه السلام) آية في صدور المؤمنين
تأويل الآيات: ١/٤٣٢، عن عبد العزيز العبدي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن قول الله (عزَّ وجلَّ): بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي
صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ؟ قال: هم الأئمة من آل محمد صلوات الله
عليهم أجمعين باقية دائمة في كل حين). والبحار: ٢٣/١٨٩.
التنزيل والتحريف/٤٣، عن ابن أسباط قال: سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه
الآية: هو آيات بينات، فقال: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ
فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ: نحن هم. فقال الرجل جعلت فداك متى
يقوم القائم: فقال: كلنا قائم بأمر الله واحد بعد واحد حتى يجيء صاحب السيف، فإذا
جاء كان الأمر غير هذا). ومثله تأويل الآيات: ١/٤٣٢، عن
علي
بن أسباط، وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٦٤، والبحار: ٢٣/ ١٨٩.
الإمام المهدي (عليه السلام) ختام الكلمة الباقية
كمال الدين: ١/٣٢٣، عن ثابت الثمالي، عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم
السلام) أنه قال: فينا نزلت هذه الآية: وَأُولُوا
الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ، وفينا نزلت هذه
الآية: وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ،
والإمامة في عقب الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) إلى يوم القيامة. وإن
للقائم منا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى أما الأولى فستة أيام أو ستة أشهر أو ست
سنين، وأما الأخرى فيطول أمدها حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به، فلا يثبت
عليه إلا من قوي يقينه وصحت معرفته ولم يجد في نفسه حرجاً مما قضينا، وسلم لنا أهل
البيت). انتهى.
أقول: من الثابت أن الأئمة (عليهم السلام) لم يوقتوا مدة الغيبة الأولى ولا
الثانية، فنرجح أن يكون أصل كلمة يغيب ستة، أنه يغيب سبتاً من الدهر، ثم صحفت ستة،
ثم فسرها بعض الرواة بالشهور أو السنين وتخيلوها جزءً من الرواية، وقد تقدمت في فصل
كيف أعد النبي والأئمة (صلى الله عليه وآله) الأمة لغيبة الإمام (عجَّل الله تعالى
فرجه الشريف).
كفاية الأثر/٨٦، عن أبي هريرة قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن قوله
(عزَّ وجلَّ): وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ؟
قال: جعل الإمامة في عقب الحسين (عليه السلام) يخرج من صلبه تسعة من الأئمة ومنهم
مهدي هذه الأمة. ثم قال (عليه السلام): لو أن رجلاً صَفَنَ بين الركن والمقام ثم
لقي الله مبغضاً لأهل بيتي دخل النار). ومثله مناقب ابن شهرآشوب: ٤/٢٦ والمحجة/١٩٩،
والبحار: ٢٥/٢٥٣، و: ٣٦/٣١٥.
الإمامة والتبصرة/٤٩، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله تعالى:
وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ، قال في
عقب الحسين (عليه السلام) فلم يزل هذا الأمر منذ أفضى إلى الحسين (عليه السلام)
ينتقل من والد إلى ولد لا يرجع إلى أخ ولا إلى عم ولا يعلم أن أحداً منهم إلا وله
ولد).
وعلل الشرائع: ١/٢٠٧، وفيه: وإن عبد الله خرج من الدنيا ولا ولد له ولم يمكث بين
ظهراني أصحابه إلا شهراً. وكمال الدين/٤١٥، ومثله تأويل الآيات: ٢/٥٥٦، وعنهما
البحار: ٢٤/١٧٩، و: ٢٥/٢٥٣، و٢٥٨.
تأويل النبأ العظيم عند ظهور المهدي (عليه السلام)
الكافي: ٨/٢٨٧، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله (عزَّ وجلَّ):
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ...
إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ: هو أمير المؤمنين (عليه السلام).
وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين: قال: عند خروج القائم (عليه
السلام)). وعنه تأويل الآيات: ٢/٥١٠، وينابيع المودة/٤٢٧.
أن المهدي (عليه السلام) لا يعمل بالتقية
تأويل الآيات: ٢/٥٣٩، عن سورة بن كليب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما
نزلت هذه الآية على رسول الله: إدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ،
فقال رسول الله: أُمِرْتُ بالتقية، فسار بها عشراً حتى أمر أن يصدع بما أمر. ثم أمر
بها علياً فسار بها حتى أمر أن يصدع بها، ثم أمر الأئمة بعضهم بعضاً فساروا بها
فإذا قام قائمنا سقطت التقية وجرد السيف ولم يأخذ من الناس ولم يعطهم إلا السيف
وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٦٤، والبحار: ٢٤/ ٤٧.
الحروف المقطعة ترتبط بالإمام المهدي (عليه السلام)
تفسير القمي: ٢/٢٦٧، عن يحيى بن ميسيرة الخثعمي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال
سمعته يقول: ح. م. ع. س. ق: أعداد سني القائم. وقاف: جبل محيط بالدنيا من زمرد أخضر
فخضرة السماء من ذلك الجبل. وعلم كل شيء في عسق). وعنه تأويل الآيات: ٢/٥٤٢،
والبرهان: ٤/١١٥، والبحار: ٦٠/١١٩.
تأويل الآيات: ٢/٥٤٢، عن السكوني عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: حم: حتم، وعين:
عذاب، وسين: سنون كسني يوسف، وقاف: قذف وخسف ومسخ يكون في آخر الزمان بالسفياني
وأصحابه وناس من كلب ثلاثون ألف ألف يخرجون معه. وذلك حين يخرج القائم (عليه
السلام) بمكة، وهو مهدي هذه الأمة). والبرهان: ٤/١١٥، والبحار: ٢٤/٣٧٣.
تفسير الثعلبي، سورة الشورى الآية١: وقال بكر بن عبد الله المزني: سين: سناء
المهدي، ق: قوة عيسى (عليه السلام) حين ينزل فيقتل النصارى ويخرب البيع). وعنه
العمدة/٤٢٩، والطرائف/١٧٦، وإثبات الهداة: ٣/٦٠٤، وعنهما البحار: ٣٦/٣٦٧، و: ٥١/
١٠٥.
البدء
والتاريخ: ٢/١٧٠: (وقال بعض أهل التفسير في: حم عسق، إن الحاء حرب والميم ملك بني
أمية، والعين عباسية، والسين سفيانية)!
أن ظهور المهدي (عليه السلام) نهاية مهلة الظالمين
تأويل الآيات: ١/٣٩٢، عن معلى بن خنيس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله
(عزَّ وجلَّ): أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ
ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ؟ قال: خروج القائم.
مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ: قال: هم بنو أمية الذين
متعوا في دنياهم). والبحار: ٢٤/٣٧٢.
الكافي: ١/٤٣٥، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): في حديث قال فيه: قلت:
مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ؟ قال: معرفة
أمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة نَزِدْ لَهُ فِي
حَرْثِهِ نزيده منها قال: يستوفي نصيبه من دولتهم.
وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا
وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ: قال: ليس له في دولة الحق مع القائم
نصيب). وعنه المحجة/١٩٢، والبحار: ٢٤/٣٤٩.
المهدي (عليه السلام) يسلطه الله تعالى على دماء الظلمة
التنزيل والتحريف/٤٩، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ: يا محمد من تكذيبهم
إياك، فإني منتقم منهم برجل منك، وهو قائمي الذي سلطته على دماء الظلمة واذكر عبدنا
داود.. الآية). ونحوه تأويل الآيات: ٢/٥٠٣، وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٦٤، والبحار:
٢٤/٢٢٠.
مهلة ظالمي أهل البيت (عليهم السلام) إلى ظهور القائم (عليه السلام)
تفسير القمي: ٢/٤١٦، عن أبي بصير في قوله: فَمَا لَهُ مِنْ
قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ: ما له قوة يقوى بها على خالقه، ولا ناصر من الله
ينصره إن أراد به سوءً. قلت:
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً؟ قال: كادوا رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وكادوا علياً وكادوا فاطمة (عليهما السلام)! فقال الله: يا
محمد إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً فمَهِّل الكافرين يا محمد أمهلهم رويداً، لوقت
بعث القائم (عليه السلام) فينتقم لي من الجبارين والطواغيت من قريش وبني أمية وسائر
الناس). وعنه تأويل الآيات: ٢/٧٨٤، والمحجة/٢٤٨، والبحار: ٢٣/٣٦٨، و: ٥١/٤٩، و:
٥٣/٥٨.
أن المهدي (عليه السلام) يُصْلِي أعداءه نار الحرب
الكافي: ٨/٥٠، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: هَلْ
أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ: قال: يغشاهم القائم بالسيف. قال: قلت:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ: قال: خاضعة لا تطيق الامتناع. قال: قلت:
عَامِلَةٌ؟ قال: عملت بغير ما أنزل الله. قال: قلت:
نَاصِبَةٌ؟ قال: نصبت غير ولاة الأمر. قال: قلت:
تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً؟ قال: تصلى نار الحرب في
الدنيا على عهد القائم وفي الآخرة نار جهنم). وثواب الأعمال/٢٤٨، وتأويل الآيات:
٢/٧٨٧، وإثبات الهداة: ٣/٤٩٧، والمحجة/٢٤٩، والبحار: ١٦/٨٩، و: ٢٤/٣١٠، و: ٥١/٥٠.
أن الله تعالى يحق الحق بالمهدي (عليه السلام)
تفسير القمي: ٢/٢٧٥، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: في
قول الله (عزَّ وجلَّ): قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ
أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى: يعني في أهل بيته قال: جاءت
الأنصار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: إنا قد آوينا ونصرنا، فخذ
طائفة من أموالنا فاستعن بها على ما نابك. فأنزل الله: قُلْ
لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً، يعني على النبوة.
إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى: يعني في أهل بيته.
ثم قال: ألا ترى أن الرجل يكون له صديق وفي نفس ذلك الرجل شيء على أهل بيته فلا
يسلم صدره، فأراد الله أن لا يكون في نفس رسول الله شيء على أمته ففرض عليهم المودة
في القربى، فإن أخذوا أخذوا مفروضاً وإن تركوا تركوا مفروضاً. قال: فانصرفوا من
عنده وبعضهم يقول: عرضنا عليه أموالنا فقال: قاتلوا عن أهل بيتي من بعدي. وقالت
طائفة ما قال هذا رسول الله! وجحدوه وقالوا كما حكى الله:
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً! فقال
الله:
فَإِنْ يَشَأِ اللهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ: قال لو
افتريت، وَيَمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ
بِكَلِمَاتِهِ: يعني بالنبي وبالأئمة والقائم من آل محمد
إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ). وعنه البحار:
٢٣/٢٣٧.
العهد المكتوب للمهدي (عليه السلام) من جده (صلى الله عليه وآله)
دلائل الإمامة/٢٥٦، عن محمد بن علي الهمداني، عن أبي عبد الله قال: الليلة التي
يقوم
فيها قائم آل محمد ينزل رسول الله وأمير المؤمنين وجبرئيل على حراء فيقول له
جبرئيل: أجب، فيخرج رسول الله رقاً من حجزة إزاره فيدفعه إلى علي فيقول له أكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من الله ورسوله ومن علي بن أبي طالب لفلان بن فلان
باسمه واسم أبيه وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه: والطور وكتاب مسطور في رق
منشور. وهو الكتاب الذي كتبه علي بن أبي طالب، والرق المنشور: الذي أخرجه رسول الله
من حجزة إزاره، قلت: والبيت المعمور وهو رسول الله؟ قال: نعم، المملي رسول الله
والكاتب علي). وعنه المحجة/٢١٢.
أن المهدي (عليه السلام) وشيعته من السابقين
النعماني/٩٠، عن داود بن كثير الرقي قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما
السلام): جعلت فداك أخبرني عن قول الله (عزَّ وجلَّ):
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ؟ قال: نطق الله
بها يوم ذرأ الخلق في الميثاق قبل أن يخلق الخلق بألفي عام فقلت: فسِّر لي ذلك،
فقال: إن الله (عزَّ وجلَّ) لما أراد أن يخلق الخلق خلقهم من طين ورفع لهم ناراً
فقال أدخلوها فكان أول من دخلها محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير
المؤمنين والحسن والحسين وتسعة من الأئمة إمام بعد إمام، ثم أتبعهم بشيعتهم، فهم
والله السابقون). وعنه مختصر البصائر/١٧٥، وتأويل الآيات: ٢/٦٤٢، والبحار: ٣٥/٣٣٣.
حياة الأرض بعدل المهدي (عليه السلام) بعد موتها بالجور
كمال الدين: ٢/٦٦٨، عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله
(عزَّ وجلَّ): اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الأَرْضَ
بَعْدَ مَوْتِهَا: قال: يحييها الله (عزَّ وجلَّ) بالقائم (عليه السلام)،
بعد موتها، موتها: كفر أهلها والكافر ميت). وعنه العدد القوية/٦٩ وتأويل الآيات:
٢/٦٦٣ وفي آخره: فيعدل فيها فتحيا الأرض ويحيى أهلها بعد موتهم، وإثبات الهداة:
٣/٤٩٢، والبرهان: ١/٢٩١، والمحجة/٢٢١، والبحار: ٢٤/٣٢٥، و: ٥١/٥٤.
غيبة الطوسي/١٠٩، عن ابن عباس في قوله: إعلموا أن الله يحيي الأرض: يعني يصلح الأرض
بقائم آل محمد. بَعْدَ مَوْتِهَا، يعني من بعد جور
أهل مملكتها.
قَدْ بَيَّنَّا
لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ: الآيات:
بقائم آل محمد لعلكم تعقلون). وعنه منتخب الأنوار /١٨، وإثبات الهداة: ٣/٥٠١،
والمحجة/٢٢١، والبحار: ٥١ /٥٣ و٦٣.
النعماني/٢٤، عن رجل من أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال:
سمعته يقول: نزلت هذه الآية في سورة الحديد: وَلا يَكُونُوا
كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ
قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ: في أهل زمان الغيبة، ثم قال
(عزَّ وجلَّ):
إعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا
قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ: وقال: إنما الأمد
أمد الغيبة فإنه أراد (عزَّ وجلَّ) يا أمة محمد أو يا معشر الشيعة، لا تكونوا
كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد، فتأويل هذه الآية جاء في أهل زمان
الغيبة وأيامها دون غيرهم من أهل الأزمنة وإن الله تعالى نهى الشيعة عن الشك في حجة
الله تعالى، أو أن يظنوا أن الله تعالى يخلي أرضه منها طرفة عين، كما قال أمير
المؤمنين (عليه السلام) في كلامه لكميل بن زياد: بلى اللهم لا تخلو الأرض من حجة
الله إما ظاهر معلوم أو خائف مغمور، لئلا تبطل حجج الله وبيناته. وحذرهم من أن
يشكوا ويرتابوا فيطول عليهم الأمد فتقسو قلوبهم. ثم قال (عليه السلام) ألا تسمع
قوله تعالى في الآية التالية لهذه الآية:
إعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا
قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ: أي يحييها الله
بعدل القائم عند ظهوره بعد موتها بجور أئمة الضلال). ونحوه تأويل الآيات: ٢/٦٦٢،
وإثبات الهداة: ٣/٥٣١، والبرهان: ٤/٢٩١.
المهدي (عليه السلام) هو الماء المعين في الآية
كمال الدين: ١/٣٢٥، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (عزَّ
وجلَّ):
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ
يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ؟ فقال: هذه نزلت في القائم، يقول: إن أصبح
إمامكم غائباً لا تدرون أين هو فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماء والأرض،
وحلال الله (عزَّ وجلَّ) وحرامه؟ ثم قال (عليه السلام): والله ما جاء تأويل هذه
الآية ولا بد أن يجيء تأويلها). ومثله غيبة الطوسي/١٠١، ومنتخب الأنوار /١٩، ما عدا
آخره، وإثبات الهداة: ٣/٤٦٧، والبحار: ٥١ /٥٢.
التحريف والتنزيل/٦٢، عن الحلبي، عن أبي عبد الله: فَمَنْ
يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ: إن غاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم بإمام جديد).
ومثله كمال الدين: ٢/٣٥١، عن علي بن جعفر عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما
السلام)..). ومثله تأويل الآيات: ٢/٧٠٨ وعنه المحجة/٢٣١، والبحار: ٢٤/١٠٠ وفي:
٥١/٥٣، عن كمال الدين. والكافي: ١/٣٣٩، ومثله النعماني/١٧٦، وعنه تأويل الآيات:
٢/٧٠٨، وإثبات الهداة: ٣/٤٤٤ والمحجة/٢٣١، والبحار: ٢٤/١٠٠.
وفي إثبات الوصية/٢٢٦، عن عباد بن يعقوب الأسدي عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)
قال: سألته عن قول الله (عزَّ وجلَّ): قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً... قال: فقدتم إمامكم فلم تروه فما أنتم
صانعون)؟ ومثله كمال الدين: ٢/٣٦٠، وغيبة الطوسي/١٠١، وعنهما إثبات الهداة: ٣/٤٧٦،
والمحجة/٢٣٠، والبحار: ٢٤/١٠٠.
إنكار المكذبين لنسب الإمام المهدي (عليه السلام)
تأويل الآيات: ٢/٧٧١، عن عبد الله بن بكير، يرفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام)
في قوله (عزَّ وجلَّ)...: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا
قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ: قال: يعني تكذيبه بالقائم (عليه السلام) إذ
يقول له لسنا نعرفك، ولست من ولد فاطمة (عليها السلام) كما قال المشركون لمحمد (صلى
الله عليه وآله)). وعنه البرهان: ٤/٤٣٧، والبحار: ٢٤/ ٢٨٠.
أن الإمام المهدي (عليه السلام) يلهم ببدء ظهوره
الكافي: ١/٣٤٣، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ
وجلَّ):
فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ: قال: إن منا إماماً
مظفراً مستتراً، فإذا أراد الله عز ذكره إظهار أمره، نكت في قلبه نكتة فظهر فقام
بأمر الله تبارك وتعالى). ومثله إثبات الوصية/٢٢٨، عن المفضل بن عمر قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن تفسير جابر فقال: لا تحدث به السفلة فيذيعوه، أما تقرأ
في كتاب الله (عزَّ وجلَّ).. ومثله النعماني/١٨٧، وكمال الدين: ٢/٣٤٩، وغيبة
الطوسي/١٠٣، كلاهما كإثبات الوصية. وتأويل الآيات: ٢/٧٣٢، عن المفيد عن الكليني،
وقال: وفي حديث آخر عنه (عليه السلام): قال: إذا نقر في أذن الإمام القائم أذن له
في القيام، وإثبات الهداة: ٣/٤٤٧ و٥٠١ عن الكافي وغيبة الطوسي، والمحجة/٢٣٨ و٢٣٩،
عن الكافي وكمال الدين، والبحار: ٢/٧٠، عن الكشي وقال: لعل المراد أن تلك الأسرار
إنما تظهر عند قيام القائم (عليه السلام) ورفع التقية، ويحتمل أن يكون الاستشهاد
بالآية لبيان عسر فهم تلك العلوم التي يظهرها القائم (عليه السلام) وشدتها على
الكافرين كما يدل عليه تمام الآية وما بعدها. وفي: ٥١/٥٧، عن
النعماني.
أن دولة إبليس تنتهي بظهور المهدي (عليه السلام)
تأويل الآيات: ٢/٧٣٤، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله (عزَّ
وجلَّ):
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً: قال: يعني بهذه
الآية إبليس اللعين خلقه وحيداً من غير أب ولا أم، وقوله:
وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً: يعني هذه الدولة إلى يوم الوقت المعلوم
يوم يقوم القائم. وَبَنِينَ شُهُوداً. وَمَهَّدْتُ لَهُ
تَمْهِيداً. وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً. ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ. كَلا
إِنَّهُ كَانَ لآياتنَا عَنِيداً: يقول: معانداً للأئمة يدعوا إلى غير
سبيلها ويصد الناس عنها وهي آيات الله). وعنه البرهان: ٤/٤٠٢، والمحجة/٢٤٠،،
البحار: ٢٤/٣٢٥.
تفسير القمي: ٢/٣٩٥، عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله:
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً، إلى قوله:
فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ:
قال: عذاب بعد عذاب يعذبه القائم (عليه السلام)). وعنه تأويل الآيات: ٢/٧٣٣،
والمحجة/٢٤١.
يغيب المهدي (عليه السلام) كالنجم الغائب ويقبل كالشهاب الثاقب
الكافي: ١/٣٤١، عن أم هاني قالت: سألت أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) عن قول
الله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ، الْجَوَارِ
الْكُنَّسِ: قالت: فقال: إمام يخنس سنة ستين ومائتين ثم يظهر كالشهاب يتوقد
في الليلة الظلماء، فإن أدركت زمانه قرت عينك). وفي رواية ثانية: الخُنس: إمام يخنس
في زمانه عند انقطاع من علمه عند الناس.. ثم يبدو). ونحوه الهداية الكبرى/٨٨، عن
أسد بن ثعلبة، وإثبات الوصية/٢٢٤، والنعماني/١٤٩، بثلاث روايات، وكمال الدين:
٢/٣٢٤، وغيبة الطوسي/١٠١، وتأويل الآيات: ٢/٧٦٩، ومنتخب الأنوار /٢٠، كلها بنحو
رواية الكافي. وعنها إثبات الهداة: ٣/٤٤٥، والمحجة/٢٤٤، والبحار: ٢٤/٧٨، و: ٥١/٥١
و١٣٧.
كمال الدين/٣٣٠، عن أم هاني الثقفية قالت: غدوت على سيدي محمد بن علي الباقر (عليه
السلام) فقلت له: يا سيدي آية في كتاب الله (عزَّ وجلَّ) عرضت بقلبي فأقلقتني
وأسهرت ليلي، قال: فسلي يا أم هاني قالت: قلت: يا سيدي قول الله (عزَّ وجلَّ):
فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ؟ قال: نعم المسألة سألتني
يا أم هاني. هذا مولود في
آخر
الزمان، هو المهدي من هذه العترة، تكون له حيرة وغيبة، يضل فيها أقوام، ويهتدي فيها
أقوام: فيا طوبى لك إن أدركته، ويا طوبى لمن أدركه). وعنه إثبات الهداة: ٣/٤٦٩،
والبحار: ٥١/١٣٧.
النبي (صلى الله عليه وآله) السماء والأئمة (عليهم السلام) البروج
الاختصاص/٢٢٣، عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت ابن عباس يقول: قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله): إلى أن قال: أتقدر يا ابن عباس أن الله يقسم بالسماء ذات البروج
ويعني به السماء وبروجها؟ قلت يا رسول الله فما ذاك؟ أما السماء فأنا، وأما البروج
فالأئمة بعدي أولهم علي وآخرهم المهدي). وعنه إثبات الهداة: ١/٦٣٥، والبحار:
٣٦/٣٧٠.
تأويل الآيات: ٢/٨٠٥، عن سليمان الديلمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته
عن قول الله (عزَّ وجلَّ): وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا؟
قال: الشمس: رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوضح للناس دينهم. قلت:
وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا؟ قال: ذاك أمير المؤمنين تلا رسول الله (صلى الله
عليه وآله). قلت: وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا؟ قال:
ذاك الإمام من ذرية فاطمة نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيجلي ظلام الجور
والظلم، فحكى الله سبحانه عنه فقال: وَالنَّهَارِ إِذَا
جَلاهَا، يعني به القائم (عليه السلام)). وعنه إثبات الهداة: ٣/ ٥٦٦،
والمحجة/٢٥١، والبحار: ٢٤/٧١.
المهدي (عليه السلام) هو الوتر في الآية
مناقب ابن شهرآشوب: ١/٢٨١، جابر الجعفي عن الباقر (عليه السلام) في تفسير قوله:
وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْر: يا جابر، والفجر جدي
وليال عشر أئمة، والشفع أمير المؤمنين والوتر اسم القائم). وعنه تأويل الآيات:
١/٧٩٢.
المهدي (عليه السلام) هو الفجر في سورة الفجر
تأويل الآيات: ٢/٧٩٢، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
قوله (عزَّ وجلَّ): وَالْفَجْرِ: هو القائم (عليه
السلام). وَلَيَالٍ عَشْر: الأئمة (عليهم السلام) من الحسن إلى الحسن. والشفع: أمير
المؤمنين وفاطمة (عليهما السلام). والوتر: هو الله وحده لا شريك له. والليل إذا
يسر: هي دولة حبتر، فهي تسري إلى قيام القائم (عليه السلام)). والبرهان: ٤/٤٥٧،
والبحار: ٢٤/٧٨.
المهدي (عليه السلام) في سورة الضحى والشمس والليل
تفسير فرات/٢١٢، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال الحارث الأعور للحسين (عليه
السلام): يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعلت فداك أخبرني عن قول الله في
كتابه: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا: قال: ويحك يا حارث
ذلك محمدٌ رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال قلت: جعلت فداك قوله:
وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا؟ قال: ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه
السلام) يتلو محمدا (صلى الله عليه وآله). قال: قلت: قوله:
وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا؟ قال: ذلك القائم من آل محمد (صلى الله عليه
وآله) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً). وعنه البحار: ٢٤/٧٩.
تأويل الآيات: ٢/٨٠٧، عن جابر بن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله
(عزَّ وجلَّ): وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، قال: دولة
إبليس إلى يوم القيامة، وهو يوم قيام القائم. وَالنَّهَارِ
إِذَا تَجَلَّى: وهو القائم (عليه السلام) إذا قام. وقوله:
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى: أعطى نفسه الحق
واتقى الباطل.
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى: أي الجنة.
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى: يعني بنفسه عن
الحق واستغنى بالباطل عن الحق. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى:
بولاية علي بن أبي طالب والأئمة من بعده. فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْعُسْرَى: يعني النار. وأما قوله:
إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى: يعني أن علياً هو الهدى
وأن له الآخرة والأولى.
فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى: قال: هو القائم
إذا قام بالغضب فيقتل من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين.
لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَى: قال: عدو آل محمد.)
وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى: قال: ذاك أمير المؤمنين (عليه السلام) وشيعته).
وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٦٦، والمحجة/٢٥٣، والبحار: ٢٤ /٣٩٨، ونحوه تفسير فرات/٢١٤.
تأويل الآيات: ٢/٨٠٣، عن الفضل بن العباس، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال:
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا: الشمس أمير المؤمنين (عليه
السلام)، وضحاها قيام القائم (عليه السلام) لأن الله سبحانه قال:
مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ
ضُحىً. وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا: الحسن والحسين (عليهما السلام).
وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا: هو قيام القائم (عليه
السلام). وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا: حبتر ودولته
قد غشي عليه الحق. وأما قوله:
وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا، قال: هو محمد عليه وآله
السلام هو السماء الذي يسمو إليه الخلف في العلم. وقوله:
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا، قال: ثمود
رهط
من الشيعة فإن الله سبحانه يقول: وَأَمَّا ثَمُودُ
فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ
الْعَذَابِ الْهُونِ، وهو السيف إذا قام القائم (عليه السلام). وقوله تعالى:
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا، هو النبي (صلى
الله عليه وآله). ناقة الله وسقياها: قال: الناقة
الإمام الذي فهم عن الله وفهم عن رسوله، وسقياها: أي عنده مستقى العلم.
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ
فَسَوَّاهَا، قال: في الرجعة. ولا يخاف عقباها: قال: لا يخاف من مثلها إذا
رجع). وعنه إثبات الهداة: ٣/٥٦٦، والإيقاظ/٢٩٨، والبحار: ٢٤/٧٢.
تفسير القمي: ٢/٤٢٥، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله
(عزَّ وجلَّ): وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى؟ قال: الليل
في هذا الموضع فلان غشي أمير المؤمنين في دولته التي جرت له عليه وأمير المؤمنين
(عليه السلام) يصبر في دولتهم حتى تنقضي. قال: وَالنَّهَارِ
إِذَا تَجَلَّى؟ قال: النهار هو القائم (عليه السلام) منا أهل البيت، إذا
قام غلب دولته الباطل والقرآن ضرب فيه الأمثال للناس وخاطب الله نبيه به ونحن فليس
يعلمه غيرنا). وعنه المحجة/٢٥٣، والبرهان: ٤/٤٧٠، والبحار: ٢٤/٧١ و: ٥١/٤٩.
المهدي (عليه السلام) يأتي بدين القيمة
تأويل الآيات: ٢/٨٣١، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله (عزَّ
وجلَّ): وذلك دين القيمة قال: إنما هو ذلك دين القائم (عليه السلام)). وعنه
المحجة/٢٥٧، والبحار: ٢٣/٣٧٠.
* * *
الفصل التاسع والثلاثون: من الأدعية له (عليه السلام) والزيارات
اهتم
رواتنا وعلماؤنا رضوان الله عليهم بتدوين الأدعية والزيارات عن النبي والأئمة من
عترته (صلى الله عليه وآله)، فتميز تراث مذهبنا بالعديد من كتب الأدعية والزيارة،
وهي ثروةٌ مهمة علمية وتربوية، وتسجيلٌ تاريخي لارتباط الشيعة بنبيهم (صلى الله
عليه وآله) وأئمتهم الطاهرين (عليهم السلام). ومن أقدم كتب الأدعية في الإسلام
الصحيفة السجادية التي كتبها الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) التي
تدهش العلماء ببلاغتها وإفكارها. ومن أقدمها في الزيارة كتاب كامل الزيارات لمحمد
بن قولويه (رحمه الله) المتوفى سنة٣٦٨، هجرية، وولده جعفر أستاذ الشيخ المفيد محمد
بن النعمان (رحمه الله) المتوفى سنة٤١٣.. إلى عشرات المؤلفات من كتب المزار
والأدعية.
لذلك نُحيل إلى تلك المصادر وما فيها من ثروة فكرية وروحية، وأنواع الأدعية
والزيارات للأئمة (عليهم السلام) عامة والإمام المهدي (عليه السلام) خاصة، ونكتفي
هنا بذكر نماذج منها:
الصلاة والتسليم على أطائب العترة (عليهم السلام) والدعاء لهم
الصحيفة السجادية/٢٥٠قال (عليهم السلام) بعد الصلاة على النبي (صلى الله عليه
وآله): ربِّ صل على أطائب أهل بيته الذين اخترتهم لأمرك، وجعلتهم خَزَنةَ علمك
وحَفَظةَ دينك وخلفاءك في أرضك وحججك على عبادك، وطهرتهم من الرجس والدنس تطهيراً
بإرادتك، وجعلتهم الوسيلة إليك والمسلك إلى جنتك.
ربِّ صل على محمد وآله صلاةً تُجْزِلُ لهم بها من نِحلك وكرامتك، وتكمل
لهم
الأشياء من عطاياك ونوافلك، وتوفر عليهم الحظ من عوائدك وفوائدك.
ربِّ صل عليه وعليهم صلاة لا أمَد في أولها ولا غاية لأمدها ولا نهاية لآخرها. ربِّ
صل عليهم زِنَةَ عرشك وما دونه ومِلْءَ سمواتك وما فوقهن، وعدد أرضيك وما تحتهن وما
بينهن، صلاةً تقربهم منك زلفى وتكون لك ولهم رضاً، متصلة بنظائرهن أبداً.
اللهم إنك أيدت دينك في كل أوان بإمام أقمته علماً لعبادك ومناراً في بلادك، بعد أن
وصلت حبله بحبلك وجعلته الذريعة إلى رضوانك، وافترضت طاعته وحذرت معصيته، وأمرت
بامتثال أمره والانتهاء عند نهيه وألا يتقدمه متقدم ولا يتأخر عنه متأخر، فهو عصمة
اللائذين وكهف المؤمنين وعروة المتمسكين وبهاء العالمين. اللهم فأوزع لوليك شكر ما
أنعمت به عليه وأوزعنا مثله فيه، وآته من لدنك سلطاناً نصيراً وافتح له فتحاً
يسيراً، وأعنه بركنك الأعز واشدد أزره وقوِّ عضده، وراعه بعينك واحمه بحفظك وانصره
بملائكتك وامدده بجندك الأغلب، وأقم به كتابك وحدودك وشرائعك وسنن رسولك صلواتك
اللهم عليه وآله، وأحْيِ به ما أماته الظالمون من معالم دينك واجْلُ به صدأ الجور
عن طريقتك، وأَبِنْ به الضرِّاء من سبيلك، وأزل به الناكبين عن صراطك، وامحق به
بغاة قصدك عوجاً، وألن جانبه لأوليائك وابسط يده على أعدائك، وهب لنا رأفته ورحمته
وتعطفه وتحننه، واجعلنا له سامعين مطيعين وفي رضاه ساعين وإلى نصرته والمدافعة عنه
مكنفين، وإليك وإلى رسولك صلواتك اللهم عليه وآله بذلك متقربين. اللهم وصل على
أوليائهم المعترفين بمقامهم، المتبعين منهجهم المقتفين آثارهم، المستمسكين بعروتهم
المتمسكين بولايتهم المؤتمين بإمامتهم، المسلِّمين لأمرهم، المجتهدين في طاعتهم،
المنتظرين
أيامهم، المادين إليهم أعينهم، الصلوات المباركات الزاكيات الناميات الغاديات
الرائحات، وسلم عليهم وعلى أرواحهم واجمع على التقوى أمرهم، وأصلح لهم شؤونهم وتب
عليهم إنك أنت التواب الرحيم وخير الغافرين، واجعلنا معهم في دار السلام برحمتك يا
أرحم الراحمين). وعنه إقبال الأعمال/٣٥٢.
الدعاء له (عليه السلام) في يوم الجمعة ويوم العيد
الصحيفة السجادية/٢٨٣، وكان من دعائه (عليه السلام) يوم الأضحى ويوم الجمعة: اللهم
هذا يوم مبارك والمسلمون فيه مجتمعون في أقطار أرضك... اللهم صل على محمد وآل محمد
إنك حميد مجيد، كصلواتك وبركاتك وتحياتك على أصفيائك إبراهيم وآل إبراهيم، وعجل
الفرج والروح والنصرة والتمكين والتأييد لهم. اللهم واجعلني من أهل التوحيد
والإيمان بك والتصديق برسولك، والأئمة الذين حتمت طاعتهم ممن يجري ذلك به وعلى يديه
آمين رب العالمين). ومصباح المتهجد/٣٣٠، وجمال الأسبوع/٤٢٧.
الدعاء له (عليه السلام) بالحفظ والنصر
روي هذا الدعاء عن الأئمة (عليهم السلام) تدعو به لكل واحد منهم وتسميه، ففي
الكافي: ٤/١٦٢: تكرر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ساجداً وقائماً
وقاعداً وعلى كل حال وفي الشهر كله وكيف أمكنك ومتى حضرك من دهرك، تقول بعد تحميد
الله تبارك وتعالى والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله): اللهم كن لوليك فلان بن
فلان في هذه الساعة، وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وناصراً ودليلاً وقائداً وعيناً حتى
تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً). ومصباح المتهجد/٦٣٠، والتهذيب: ٣/١٠٣،
ومختصر البصائر/١٩٣، ومزار ابن المشهدي/٦١١، والإقبال: ١/١٩١، والمصباح/٥٨٦،
والبحار: ٩٤/٣٤٩.
الدعاء له (عليه السلام) في ليالي شهر رمضان
رواه في الكافي: ٣/٤٢٢، عن الإمام الباقر (عليه السلام) علمه لمحمد بن مسلم (رحمه
الله) كجزء من
الخطبة الأولى في صلاة الجمعة، ويقصد به الدعاء للإمام المعصوم في كل عصر، وروته
عامة مصادرنا في الدعاء المعروف بدعاء الافتتاح الذي يقرؤه الشيعة في ليالي شهر
رمضان، لأن أوله: اللهم إني أفتتح الثناء بحمدك وأنت مسدد للصواب بمنك.. وفيه تمجيد
بليغ لله تعالى وصلاة بليغة على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم على عترته الطاهرين
(عليهم السلام) وفيه الدعاء التالي للإمام المهدي (عليه السلام):
اللهم وصلِّ على وليِّ أمرك القائم المؤمَّل والعدل المنتظر، أحففه بملائكتك
المقربين وأيده بروح القدس يا رب العالمين. اللهم اجعله الداعيَ إلى كتابك والقائمَ
بدينك، إستخلفه في الأرض كما استخلفت الذين من قبله، مكِّنْ له دينه الذي ارتضيته
له، أبدله من بعد خوفه أمناً، يعبدك لا يشرك بك شيئاً. اللهم أعزه وأعزز به وانصره
وانتصر به، وانصره نصراً عزيزاً.
اللهم أظهر به دينك وملة نبيك، حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق.
اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله،
وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا
والآخرة. اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه، وما قصرنا عنه فبلغناه. اللهم المُمْ به
شعثنا واشعب به صدعنا وارتق به فتقنا وكثر به قلتنا وأعز به ذلتنا وأغن به عائلنا
واقض به عن مغرمنا واجبر به فقرنا وسُدَّ به خَلتنا ويسر به عسرنا وبيض به وجوهنا
وفك به أسرنا، وأنجح به طلبتنا وأنجز به مواعيدنا، واستجب به دعوتنا، وأعطنا به فوق
رغبتنا.
يا خير المسؤولين وأوسع المعطين إشف به صدورنا وأذهب به غيظ قلوبنا، واهدنا به لما
اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، وانصرنا على عدوك
وعدونا إله الحق آمين.
اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا وغيبة إمامنا وكثرة عدونا وشدة الفتن وتظاهر الزمان
علينا، فصل على محمد وآل محمد وأعنا على ذلك بفتح تعجله وبضر تكشفه ونصر
تعزه
وسلطان حق تظهره ورحمة منك تجللناها وعافية منك تلبسناها برحمتك يا أرحم الراحمين).
ومصباح المتهجد/٥٨٠، وتهذيب الأحكام: ٣/١١٠ وإقبال الأعمال: ١/١٢٧، و١٤١.
زيارة آل ياسين والدعاء بعدها
سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ، السلام عليك يا داعيَ الله ورباني آياته، السلام عليك
يا باب الله وديان دينه، السلام عليك يا خليفة الله وناصر حقه، السلام عليك يا حجة
الله ودليل إرادته، السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه، السلام عليك يا بقية
الله في أرضه، السلام عليك يا ميثاق الله الذي أخذه ووكده، السلام عليك يا وعد الله
الذي ضمنه، السلام عليك أيها العلم المنصوب والعلم المصبوب، والغوث والرحمة الواسعة
وعداً غير مكذوب. السلام عليك حين تقعد، السلام عليك حين تقوم، السلام عليك حين
تقرأ وتبين، السلام عليك حين تصلي وتقنت، السلام عليك حين تركع وتسجد، السلام عليك
حين تكبر وتهلل، السلام عليك حين تحمد وتستغفر، السلام عليك حين تمسي وتصبح، السلام
عليك في الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى، السلام عليك أيها الإمام المأمون، السلام
عليك أيها المقدم المأمول، السلام عليك بجوامع السلام. أشهدك يا مولاي أني أشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، لا حبيب إلا هو وأهله،
وأشهد أن أمير المؤمنين حجته، والحسن حجته والحسين حجته وعلي بن الحسين حجته ومحمد
بن علي حجته وجعفر بن محمد حجته وموسى بن جعفر حجته وعلي بن موسى حجته ومحمد بن علي
حجته وعلي بن محمد حجته والحسن بن علي حجته، وأشهد أنك حجة الله. أنتم الأول
والآخر، وأن رجعتكم حق لا شك فيها يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو
كسبت في إيمانها خيراً، وأن الموت حق، وأن ناكراً ونكيراً حق، وأشهد أن النشر
والبعث حق، وأن الصراط والمرصاد حق، والميزان والحساب حق، والجنة والنار حق، والوعد
والوعيد بهما حق يا
مولاي
شقي من خالفكم وسعد من أطاعكم. فاشهد على ما أشهدتك عليه، وأنا ولي لك برئ من عدوك،
فالحق ما رضيتموه والباطل ما سخطتموه، والمعروف ما أمرتم به والمنكر ما نهيتم عنه،
فنفسي مؤمنة بالله وحده لا شريك له وبرسوله وبأمير المؤمنين وبأئمة المؤمنين وبكم
يا مولاي أولكم وآخركم، ونصرتي معدة لكم فمودتي خالصة لكم. آمين آمين).
الدعاء عقيب هذا القول:
بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إني أسألك أن تصلي على محمد نبي رحمتك وكلمة نورك،
وأن تملأ قلبي نور اليقين، وصدري نور الإيمان، وفكري نور الثبات وعزمي نور العلم،
وقوتي نور العمل، ولساني نور الصدق، وديني نور البصائر من عندك، وبصري نور الضياء،
وسمعي نور وعي الحكمة، ومودتي نور الموالاة لمحمد وآله (عليه السلام) حتى ألقاك وقد
وفيت بعهدك وميثاقك، فلتسعني رحمتك يا ولي يا حميد. اللهم صل على حجتك في أرضك،
وخليفتك في بلادك، والداعي إلى سبيلك والقائم بقسطك، والثائر بأمرك، ولي المؤمنين،
وبوار الكافرين، ومجلي الظلمة، ومنير الحق، والساطع بالحكمة والصدق، وكلمتك التامة
في أرضك، المرتقب الخائف، والولي الناصح، سفينة النجاة، وعلم الهدى، ونور أبصار
الورى وخير من تقمص وارتدى، ومجلي العمى، الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت
ظلماً وجوراً، إنك على كل شيء قدير. اللهم صل على وليك وابن أوليائك الذين فرضت
طاعتهم، وأوجبت حقهم، وأذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيراً. اللهم انصره وانصر به
أولياءك وأولياءه، وشيعته وأنصاره واجعلنا منهم. اللهم أعذه من كل باغ وطاغ. ومن شر
جميع خلقك، واحفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، واحرسه، وامنعه من
أن يوصل إليه بسوء، واحفظ فيه رسولك وآل رسولك، وأظهر به العدل وأيده بالنصر، وانصر
ناصريه واخذل خاذليه، واقصم به جبابرة الكفرة واقتل به الكفار والمنافقين وجميع
الملحدين حيث كانوا في
مشارق
الأرض ومغاربها برها وبحرها، واملأ به الأرض عدلاً، وأظهر به دين نبيك، واجعلني
اللهم من أنصاره وأعوانه وأتباعه وشيعته، وأرني في آل محمد ما يأملون وفي عدوهم ما
يحذرون، إله الحق آمين، يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين). مصباح
الزائر/٣٢٢، والاحتجاج: ٢/٤٩٢، والإيقاظ/٣٥١، والبحار: ٥٣/١٧١، ورواية أخرى البحار:
١٠٢/٨٣ و٩٦.
دعاء الندبة الذي يقرؤه الشيعة صباح يوم الجمعة
رواه في بحار الأنوار في مواضع، منها: ٩٩/١٠٤، عن كتاب محمد بن الحسين بن سفيان
البزوفري (رضي الله عنه): دعاء الندبة، وذكر أنه الدعاء لصاحب الزمان صلوات الله
عليه، ويستحب أن يدعى به في الأعياد الأربعة وهو:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله وسلم تسليماً، اللهم لك
الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك الذين استخلصتهم لنفسك ودينك، إذ اخترت لهم
جزيل ما عندك من النعيم المقيم الذي لا زوال له ولا اضمحلال، بعد أن شرطت عليهم
الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها فشرطوا لك ذلك، وعلمت منهم
الوفاء به فقبلتهم وقربتهم وقدمت لهم الذكر العلي والثناء الجلي، وأهبطت عليهم
ملائكتك وكرمتهم بوحيك ورفدتهم بعلمك، وجعلتهم الذرائع إليك والوسيلة إلى رضوانك.
فبعضٌ أسكنته جنتك إلى أن أخرجته منها، وبعضهم حملته في فلكك ونجيته مع من آمن معه
من الهلكة برحمتك، وبعض اتخذته لنفسك خليلاً، وسألك لسان صدق في الآخرة فأجبته،
وجعلت ذلك علياً، وبعض كلمته من شجرة تكليماً وجعلت له من أخيه ردءاً ووزيراً، وبعض
أولدته من غير أب وآتيته البينات وأيدته بروح القدس. وكل شرعت له شريعة ونهجت له
منهاجاً وتخيرت له أوصياء مستحفظاً بعد مستحفظ، من مدة إلى مدة، إقامةً لدينك وحجة
على عبادك ولئلا يزول الحق عن مقره ويغلب الباطل على أهله، ولئلا يقول أحد: لَوْلا
أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً منذراً وأقمت لنا علماً
هادياً، فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى. إلى أن انتهيت بالأمر إلى حبيبك ونجيبك محمد (صلى الله عليه وآله) فكان كما انتجبته سيد من خلقته وصفوة من اصطفيته وأفضل من اجتبيته، وأكرم من اعتمدته، قدمته على أنبيائك وبعثته إلى الثقلين من عبادك، وأوطأته مشارقك ومغاربك وسخرت له البراق، وعرجت بروحه إلى سمائك، وأودعته علم ما كان وما يكون إلى انقضاء خلقك، ثم نصرته بالرعب وحففته بجبرئيل وميكائيل والمسومين من ملائكتك، ووعدته أن تظهر دينه على الدين كله، ولو كره المشركون وذلك بعد أن بوأته مبوأ صدق من أهله، وجعلت له ولهم أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين، فيه آيات بينات مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمناً، وقلت: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. ثم جعلت أجر محمد صلواتك عليه وآله مودتهم في كتابك، فقلت: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى، وقلت: قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ، وقلت: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً، فكانوا هم السبيل إليك، والمسلك إلى رضوانك. فلما انقضت أيامه، قام وليه علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما وعلى آلهما هادياً إذ كان هو المنذر ولكل قوم هاد، فقال والملا أمامه: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، وقال: من كنت نبيه فعلي أميره، وقال: أنا وعلي من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتى، وأحله محل هارون من موسى، فقال: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وزوجه ابنته سيدة نساء العالمين، وأحل له من مسجده ما حل له، وسد الأبواب إلا بابه، ثم أودعه علمه وحكمته، فقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها، ثم قال: أنت أخي ووصيي ووارثي، لحمك لحمي ودمك دمي وسلمك سلمي وحربك حربي، والإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وأنت غداً على الحوض خليفتي، وأنت تقضي ديني وتنجز عداتي، وشيعتك على منابر من نور
مبيضة
وجوههم حولي في الجنة وهم جيراني. ولولا أنت يا علي لم يعرف المؤمنون بعدي. وكان
بعده هدى من الضلال ونوراً من العمى وحبل الله المتين وصراطه المستقيم، لا يسبق
بقرابة في رحم ولا بسابقة في دين ولا يلحق في منقبة يحذو حذو الرسول صلى الله
عليهما وآلهما ويقاتل على التأويل ولا تأخذه في الله لومة لائم، قد وتر فيه صناديد
العرب وقتل أبطالهم وناوش ذؤبانهم، فأودع قلوبهم أحقاداً بدرية وخيبرية وحنينية
وغيرهن، فأضبت على عداوته وأكبت على منابذته حتى قتل الناكثين والقاسطين والمارقين.
ولما قضى نحبه وقتله أشقى الآخرين يتبع أشقى الأولين لم يمتثل أمر رسول الله (صلى
الله عليه وآله) في الهادين بعد الهادين، والأمة مصرةٌ على مقته مجتمعة على قطيعة
رحمه وإقصاء ولده إلا القليل ممن وفى لرعاية الحق فيهم، فقتل من قتل وسبي من سبي
وأقصي من أقصي، وجرى القضاء لهم بما يرجى له حسن المثوبة، وكانت الأرض لله يورثها
من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، وسبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً، ولن
يخلف الله وعده هو العزيز الحكيم.
فعلى الأطائب من أهل بيت محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون وإياهم
فليندب النادبون، ولمثلهم فلتدر الدموع وليصرخ الصارخون ويعج العاجون! أين الحسن،
أين الحسين، أين أبناء الحسين، صالح بعد صالح، وصادق بعد صادق، أين السبيل بعد
السبيل، أين الخيرة بعد الخيرة، أين الشموس الطالعة، أين الأقمار المنيرة، أين
الأنجم الزاهرة، أين أعلام الدين، وقواعد العلم.
أين بقية الله التي لا تخلو من العترة الهادية، أين المعد لقطع دابر الظلمة، أين
المنتظر لإقامة الأمْتِ والعوج، أين المرتجى لإزالة الجور والعدوان، أين المدخر
لتجديد الفرائض والسنن، أين المتخير لإعادة الملة والشريعة، أين المؤمل لإحياء
الكتاب وحدوده، أين محيى معالم الدين وأهله، أين قاصم شوكة المعتدين، أين هادم
أبنية الشرك والنفاق، أين مبيد أهل الفسوق والعصيان والطغيان، أين حاصد
فروع
الغي والنفاق، أين طامس آثار الزيغ والأهواء، أين قاطع حبائل الكذب والافتراء. أين
مبيد العتاة والمردة، أين مستأصل أهل العناد والتضليل والإلحاد، أين معز الأولياء
ومذل الأعداء، أين جامع الكلم على التقوى، أين باب الله الذي منه يؤتى، أين وجه
الله الذي يتوجه إليه الأولياء، أين السبب المتصل بين الأرض والسماء، أين صاحب يوم
الفتح وناشر راية الهدى، أين مؤلف شمل الصلاح والرضا، أين الطالب بذحول الأنبياء،
أين الطالب بدم المقتول بكربلا، أين المنصور على من اعتدى عليه وافترى، أين المضطر
الذي يجاب إذا دعى، أين صدر الخلائف ذو البر والتقوى، أين ابن النبي المصطفى، وابن
علي المرتضى، وابن خديجة الغرا، وابن فاطمة الكبرى.
بأبي أنت وأمي ونفسي لك الوقا والحمى، يا ابن السادة المقربين، يا ابن النجباء
الأكرمين، يا ابن الهداة المهديين، يا ابن الغطارفة الأنجبين، يا ابن الأطائب
المستظهرين، يا ابن الخضارمة المنتجبين، يا ابن القماقمة الأكبرين، يا ابن البدور
المنيرة، يا ابن السرج المضيئة، يا ابن الشهب الثاقبة، يا ابن الأنجم الزاهرة يا
ابن السبل الواضحة، يا ابن الأعلام اللائحة يا ابن العلوم الكاملة، يا ابن السنن
المشهورة يا ابن المعالم المأثورة، يا ابن المعجزات الموجودة، يا ابن الدلائل
المشهودة، يا ابن الصراط المستقيم، يا ابن النبأ العظيم، يا ابن من هو في أم الكتاب
لدى الله علي حكيم. يا ابن الآيات والبينات، يا ابن الدلائل الظاهرات، يا ابن
البراهين الباهرات، يا ابن الحجج البالغات، يا ابن النعم السابغات، يا ابن طه
والمحكمات، يا ابن يس والذاريات، يا ابن الطور والعاديات، يا ابن من دنا فتدلى،
فكان قاب قوسين أو أدنى، دنواً واقتراباً من العلي الأعلى. ليت شعري أين استقرت بك
النوى بل أي أرض تقلك أو ثرى، أبرضوي أم غيرها أم ذي طوى؟ عزيزٌ عليَّ أن أرى الخلق
ولا ترى، ولا اسمع لك حسيساً ولا نجوى، عزيز عليَّ أن تحيط بك دوني البلوى ولا
ينالك مني ضجيج ولا شكوى. بنفسي أنت من مغيب لم يَخْلُ منا، بنفسي أنت
من
نازح ما نزح عنا، بنفسي أنت أمنية شائق يتمنى، من مؤمن ومؤمنة ذكرا فحنَّا، بنفسي
أنت من عقيد عز لا يسامى، بنفسي أنت من أثيل مجد لا يجارى، بنفسي أنت من تلاد نعم
لا تضاهى، بنفسي أنت من نصيف شرف لا يساوى. إلى متى أحار فيك يا مولاي وإلى متى،
وأي خطاب أصف فيك وأي نجوى؟ عزيزٌ عليَّ أن أجاب دونك وأناغى، عزيز علي أن أبكيك
ويخذلك الورى، عزيز علي أن يجري عليك دونهم ما جرى. هل من معين فأطيل معه العويل
والبكا، هل من جزوع فأساعد جزعه إذا خلا، هل قذيتْ عينٌ فساعدتها عيني على القذى،
هل إليك يا ابن أحمد سبيل فتلقى، هل يتصل يومنا بغده فنحظى، متى نرد مناهلك الروية
فنروي، متى ننتفع من عذب مائك فقد طال الصدى، متى نغاديك ونراوحك فنقر منها عينا،
متى ترانا نراك وقد نشرت لواء النصر ترى، أترانا نحف بك وأنت تؤم الملا وقد ملأت
الأرض عدلاً، وأذقت أعداءك هواناً وعقاباً، وأبرت العتاة وجحدة الحق، وقطعت دابر
المتكبرين واجتثثت أصول الظالمين ونحن نقول الحمد لله رب العالمين.
اللهم أنت كشاف الكرب والبلوى، وإليك أستعدي فعندك العدوى، وأنت رب الآخرة والأولى،
فأغث يا غياث المستغيثين عبيدك المبتلى، وأره سيده يا شديد القوى، وأزل عنه به
الأسى والجوى، وبرد غليله يا من على العرش استوى ومن إليه الرجعي والمنتهى. اللهم
ونحن عبيدك الشائقون إلى وليك، المذكر بك وبنبيك، خلقته لنا عصمة وملاذا، وأقمته
لنا قواماً ومعاذاً، وجعلته للمؤمنين منا إماما، فبلغه منا تحية وسلاما، وزدنا بذلك
يا رب إكراما، واجعل مستقره لنا مستقرا ومقاما وأتمم نعمتك بتقديمك إياه أمامنا،
حتى توردنا جنانك، ومرافقة الشهداء من خلصائك. اللهم صل على محمد وآل محمد، وصل على
محمد جده ورسولك، السيد الأكبر، وعلى أبيه السيد الأصغر، وجدته الصديقة الكبرى،
فاطمة بنت محمد وعلى من اصطفيت من آبائه البررة، وعليه أفضل وأكمل وأتم وأدوم وأكبر
وأوفر
ما صليت على أحد من أصفيائك، وخيرتك من خلقك، وصل عليه صلاة لا غاية لعددها، ولا
نهاية لمددها، ولا نفاد لأمدها، اللهم وأقم به الحق وادحض به الباطل وأدل به
أولياءك، وأذلل به أعداءك وصل اللهم بيننا وبينه وصلة تؤدي إلى مرافقة سلفه،
واجعلنا ممن يأخذ بحجزتهم، ويمكث في ظلهم، وأعنا على تأدية حقوقه إليه، والاجتهاد
في طاعته، والاجتناب عن معصيته، وامنن علينا برضاه، وهب لنا رأفته ورحمته ودعاءه
وخيره، ما ننال به سعة من رحمتك، وفوزا عندك، واجعل صلاتنا به مقبولة، وذنوبنا به
مغفورة ودعاءنا به مستجاباً، واجعل أرزاقنا به مبسوطة وهمومنا به مكفية وحوائجنا به
مقضية، وأقبل إلينا بوجهك الكريم، واقبل تقربنا إليك، وانظر إلينا نظرة رحيمة
نستكمل بها الكرامة عندك، ثم لا تصرفها عنا بجودك واسقنا من حوض جده (صلى الله عليه
وآله) بكأسه وبيده، ريا رويا هنيئا سائغا لا ظمأ بعده، يا أرحم الراحمين). ثم صل
صلاة الزيارة وقد تقدم وصفها ثم تدعو بما أحببت فإنك تجاب إنشاء الله تعالى).
انتهى. وابن المشهدي في المزار/٥٧٣، قال: (الدعاء للندبة: قال محمد بن أبي قرة:
نقلت من كتاب أبي جعفر محمد بن الحسين بن سفيان البزوفري (رضي الله عنه) هذا
الدعاء، وذكر فيه أنه الدعاء لصاحب الزمان صلوات الله عليه وعجل فرجه وفرجنا به،
ويستحب أن يدعى به في الأعياد الأربعة... وفي هامشه: رواه الطبرسي في الاحتجاج:
٢/٤٩٢، بإسناده عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عنه البحار: ٥٣/١٧١، و: ٩٤/٢،
و: ١٠٢/٨١. أورده مع اختلاف عن السيد في مصباح الزائر ٢٢٣، وعنه البحار: ١٠٢/٩٢.
أخرجه في البحار: ٩٤/٣٦، مع اختلاف عن خط الشيخ الجبعي، نقلاً عن خط الشيخ الأجل
علي بن السكون، عن أبي محمد عربي بن مسافر العبادي، عن أبي عبد الله الحسين بن أحمد
بن طحال المقدادي، عن أبي علي الطوسي، عن والده، عن محمد بن إسماعيل، عن محمد بن
حسين البزار، عن محمد بن أحمد بن يحيى القمي، عن محمد بن علي بن زنجويه القمي، عن
الحميري. والإقبال: ١/٥٠٤.
زيارة لكل معصوم يزار بها المهدي (عليهم السلام)
مصباح المتهجد/٣٥٧، عن عبد الله بن محمد بن العابد قال: سألت مولاي أبا محمد الحسن
بن علي (عليهما السلام) في منزله بسر من رأى سنة خمس وخمسين ومائتين أن يملي علي من
الصلاة على النبي وأوصيائه عليه و(عليهم السلام)، وأحضرت معي
قرطاساً كثيراً فأملى علي لفظاً من غير كتاب: اللهم صلِّ على وليك وابن أوليائك
الذين فرضت طاعتهم وأوجبت حقهم وأذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا. اللهم انصره
وانتصر به لدينك، وانصر به أولياءك وأولياءه وشيعته وأنصاره واجعلنا منهم. اللهم
أعذه من شر كل باغ وطاغ ومن شر جميع خلقك، واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه
وعن شماله واحرسه وامنعه أن يوصل إليه بسوء، واحفظ فيه رسولك وآل رسولك وأظهر به
العدل وأيده بالنصر، وانصر ناصريه واخذل خاذليه، واقصم به جبابرة الكفر واقتل به
الكفار والمنافقين وجميع الملحدين حيث كانوا وأين كانوا من مشارق الأرض ومغاربها
وبرها وبحرها، واملأ به الأرض عدلاً وأظهر به دين نبيك عليه وآله السلام. واجعلني
اللهم من أنصاره وأعوانه وأتباعه وشيعته، وأرني في آل محمد ما يأملون وفي عدوهم ما
يحذرون. إله الحق آمين). وعنه جمال الأسبوع/٤٨٣، والبحار: ٩٤/٧٣
زيارة الإمام (عليه السلام) في داره
رواها في مصباح الزائر/٣٣٢، وأولها: (ألله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله
أكبر، ولله الحمد، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وعرفنا أولياءه وأعداءه، ووفقنا
لزيارة أئمتنا ولم يجعلنا من المعاندين الناصبين، ولا من الغلاة المفوضين، ولا من
المرتابين المقصرين، السلام على ولي الله وابن أوليائه...). والبحار: ١٠٢/١٠٢.
الدعاء بالحفظ والنصر لآل محمد (صلى الله عليه وآله)
كتاب مزار المفيد/٩٥، ذكر هذا الدعاء بعد زيارة الحسين (عليه السلام) والصلاة، قال:
ثم استغفر لذنبك وادع بما أحببت، فإذا فرغت من الدعاء فاسجد وقل في سجودك: اللهم
إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت
ربي، والإسلام ديني، ومحمد نبيي، وعلي إمامي، والحسن والحسين، وعلي بن الحسين،
ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن
موسى،
ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والخلف الباقي. عليهم أفضل الصلوات،
أئمتي بهم أتولى، ومن عدوهم أتبرأ. اللهم إني أنشدك دم المظلوم(ثلاثاً). اللهم إني
أنشدك بإيوائك على نفسك لأوليائك لتظفرنهم بعدوك وعدوهم، أن تصلي على محمد وعلى
المستحفظين من آل محمد، اللهم إني أسألك اليسر بعد العسر. ثلاثاً). والتهذيب: ٦/٥٦،
والبحار: ١٠١/٢٠٦.
دعاء تجديد العهد مع الإمام (عليه السلام)
مصباح الكفعمي/٥٥٠، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: من دعا إلى الله تعالى
أربعين صباحا بهذا العهد كان من أنصار قائمنا، فإن مات قبله أخرجه الله من قبره،
وأعطاه الله بكل كلمة ألف حسنة، ومحى عنه ألف سيئة، وهو هذا:
اللهم رب النور العظيم والكرسي الرفيع، ورب البحر المسجور، ومنزل التوراة والإنجيل
والزبور، ورب الظل والحرور، ومنزل الفرقان العظيم، ورب الملائكة المقربين والأنبياء
والمرسلين. اللهم إني أسألك بوجهك الكريم، وبنور وجهك المنير وملكك القديم، يا حيُّ
يا قيوم، وأسألك باسمك الذي أشرقت به السماوات والأرضون، يا حيُّ قبل كل حي، ويا
حيُّ بعد كل حي، لا إله إلا أنت.
اللهم بلغ مولانا الإمام الهادي المهدي القائم بأمرك، صلوات الله عليه وعلى آبائه
الطاهرين، عن المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها سهلها وجبلها وبرها
وبحرها، وعني وعن والديَّ، من الصلوات زنة عرش الله ومداد كلماته، وما أحصاه علمه،
وأحاط به كتابه. اللهم إني أجدد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من أيامي عهداً
وعقداً وبيعةً له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول أبداً.
اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه الذابين عنه. والمسارعين إليه في قضاء حوائجه
والمحامين عنه والسابقين إلى إرادته والمستشهدين بين يديه.
اللهم إن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتماً فأخرجني من قبري
مؤتزراً كفني شاهراً سيفي مجرداً قناتي ملبياً دعوة الداعي في الحاضر والباد.
اللهم أرني الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة واكحل ناظري بنظرة مني إليه، وعجل فرجه
وسهل مخرجه وأوسع منهجه واسلك بي محجه، وأنفذ أمره واشدد أزره، واعمر اللهم به
بلادك وأحي به عبادك، فإنك قلت وقولك الحق: (ظَهَرَ
الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)،
فأظهر اللهم وليك وابن بنت نبيك المسمى باسم رسولك، حتى لا يظفر بشيء من الباطل إلا
مزقه ويحق الحق ويحققه، واجعله اللهم مفزعاً لمظلوم عبادك وناصراً لمن لا يجد له
ناصراً غيرك، ومجدداً لما عطل من أحكام كتابك، ومشيداً لما ورد من أعلام دينك، وسنن
نبيك (صلى الله عليه وآله)، واجعله ممن حصنته من بأس المعتدين. اللهم وسُرَّ نبيك
محمداً (صلى الله عليه وآله) برؤيته ومن تبعه على دعوته، وارحم استكانتنا بعده.
اللهم واكشف هذه الغمة عن هذه الأمة بحضوره، وعجل لنا فرجه وظهوره، (إِنَّهُمْ
يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً). برحمتك يا أرحم الراحمين. العجل
العجل العجل، يا مولاي يا صاحب الزمان). والبلد الأمين/٨٢، والإيقاظ/٢٩٧، والبحار:
٥٣/٩٥
مناجاة الله تعالى والدعاء للإمام المهدي (عليه السلام)
مهج الدعوات/١٦ و٢٣٢: حرز لمقتدي الساجدين الإمام زين العابدين (عليه السلام): بسم
الله الرحمن الرحيم، يا اسمع السامعين، يا أبصر الناظرين، يا أسرع الحاسبين، يا
أحكم الحاكمين، يا خالق المخلوقين، يا رازق المرزوقين، يا ناصر المنصورين، يا أرحم
الراحمين، يا دليل المتحيرين، يا غياث المستغيثين، أغثني يا مالك يوم الدين، إياك
نعبد وإياك نستعين. يا صريخ المكروبين، يا مجيب دعوة المضطرين، أنت الله رب
العالمين، أنت الله لا إله إلا أنت الملك الحق المبين، الكبرياء رداؤك.
اللهم صل على محمد المصطفى، وعلى علي المرتضى، وفاطمة الزهراء، وخديجة الكبرى،
والحسن المجتبى، والحسين الشهيد بكربلاء، وعلى علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد
بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى
بن
جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي التقي، وعلي بن محمد النقي، والحسن
بن علي العسكري، والحجة القائم المهدي بن الحسن الإمام المنتظر صلوات الله عليهم
أجمعين. اللهم وال من والاهم وعاد من عاداهم، وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم والعن
من ظلمهم، وعجل فرج آل محمد، وانصر شيعة آل محمد، وأهلك أعداء آل محمد، وارزقني
رؤية قائم آل محمد، واجعلني من أتباعه وأشياعه والراضين بفعله، برحمتك يا أرحم
الراحمين). وعنه البحار: ٩٤/٢٦٥
الدعاء للنبي والأئمة (عليهم السلام) في سجدة الشكر وطلب الحاجة
الكافي: ٣/٣٢٥، بسنده عن عبد الله بن جندب قال: سألت أبا الحسن الماضي (عليه
السلام) عما أقول في سجدة الشكر فقد اختلف أصحابنا فيه؟ فقال: قل وأنت ساجد: اللهم
إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أنك الله ربي والإسلام ديني
ومحمداً نبيي وعلياً وفلاناً وفلاناً إلى آخرهم أئمتي، بهم أتولى ومن عدوهم أتبرأ.
اللهم إني أنشدك دم المظلوم، ثلاثاً، اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأوليائك
لتظفرنهم بعدوك وعدوهم أن تصلي على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد، اللهم إني
أسألك اليسر بعد العسر، ثلاثاً، ثم ضع خدك الأيمن على الأرض وتقول: يا كهفي حين
تعييني المذاهب وتضيق علي الأرض بما رحبت، ويا بارئ خلقي رحمة بي وقد كان عن خلقي
غنياً، صل على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد. ثم ضع خدك الأيسر وتقول: يا مذل كل
جبار ويا معز كل ذليل، قد وعزتك بلغ بي مجهودي، ثلاثاً، ثم تقول: يا حنان يا منان
يا كاشف الكرب العظام، ثلاثاً، ثم تعود للسجود فتقول مائة مرة: شكراً شكراً. ثم
تسأل حاجتك إن شاء الله تعالى). ومثله المزار للمفيد/٩٥، والتهذيب: ٦/٥٦، والبحار:
١٠١/٢٠٦.
الدعاء للإمام المهدي (عليه السلام) بعد صلاة جعفر الطيار
جمال الأسبوع/٢٨٥، عن الحسن بن القاسم العباسي قال دخلت على أبي الحسن
موسى
بن جعفر (عليهما السلام) ببغداد وهو يصلي صلاة جعفر عند ارتفاع النهار يوم الجمعة
فلم أصل خلفه حتى فرغ ثم رفع يديه إلى السماء ثم قال:
يا من لا تخفى عليه اللغات، ولا تتشابه عليه الأصوات، ويا من هو كل يوم في شأن، يا
من لا يشغله شأن عن شأن، يا مدبر الأمور يا باعث من في القبور يا محيي العظام وهي
رميم... اللهم صل على محمد وآل محمد، وعلى منارك في عبادك الداعي إليك بإذنك القائم
بأمرك، المؤدي عن رسولك عليه وآله السلام.
اللهم إذا أظهرته فأنجز له ما وعدته، وسق إليه أصحابه وانصره وقو ناصريه، وبلغه
أفضل أمله وأعطه سؤله، وجدد به عن محمد وأهل بيته بعد الذل الذي قد نزل بهم بعد
نبيك، فصاروا مقتولين مطرودين مشردين خائفين غير آمنين، لقُوا في جنبك ابتغاء
مرضاتك وطاعتك الأذى والتكذيب، فصبروا على ما أصابهم فيك، راضين بذلك مسلِّمين لك
في جميع ما ورد عليهم وما يرد عليهم.
اللهم عجل فرج قائمهم بأمرك وانصره وانصر به دينك الذي غُيِّر وبُدِّل، وجَدِّدْ به
ما انمحى منه وبُدل بعد نبيك (صلى الله عليه وآله)). وعنه البحار: ٩١/١٩٥
الدعاء له (عليه السلام) في قنوت صلاة الجمعة
مصباح المتهجد/٣٢٦، عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: أي شيء تقولون في قنوت صلاة
الجمعة؟ قال قلت: ما تقول الناس. قال: لا تقل كما يقولون ولكن قل:
اللهم أصلح عبدك وخليفتك بما أصلحت به أنبياءك ورسلك وحفه بملائكتك، وأيده بروح
القدس من عندك، واسلكه من بين يديه ومن خلفه رصداً يحفظونه من كل سوء، وأبدله من
بعد خوفه أمناً يعبدك لا يشرك بك شيئاً، ولا تجعل لأحد من خلقك على وليك سلطاناً،
وائذن له في جهاد عدوك وعدوه، واجعلني من أنصاره. إنك على كل شيء قدير). وعنه جمال
الأسبوع/٤١٣.
الدعاء له (عليه السلام) في سجدة الشكر
من لا
يحضره الفقيه: ١/٣٢٩، عن عبد الله بن جندب، عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) أنه
قال: تقول في سجدة الشكر: اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع
خلقك، أنك أنت الله ربي، والإسلام ديني، ومحمداً نبيي، وعلياً والحسن والحسين وعلي
بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي
وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة بن الحسن بن علي، أئمتي بهم أتولى ومن أعدائهم
أتبرَّا). وعنه مصباح المتهجد/٢١٣.
الدعاء بتعجيل الفرج بالمهدي (عليه السلام)
مصباح المتهجد/٣٢٨ عن الإمام الصادق (عليه السلام): من قال بعد صلاة الفجر وبعد
صلاة الظهر: اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم، لم يمت حتى يدرك القائم).
وجمال الأسبوع/٤٢٢. وفي أعلام الدين/٣٦٦: ومن قال عقيب صلاة الظهر ثلاث مرات: اللهم
اجعل صلواتك وصلوات ملائكتك ورسلك على محمد وآل محمد، كانت له أماناً بين الجمعتين.
ومن قال أيضاً عقيب ظهر الجمعة سبع مرات: اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرج آل
محمد، كان من أصحاب القائم (عليه السلام)).
الدعاء له (عليه السلام) بعد الفريضة
الكافي: ٢/٥٤٧، عن الإمام الجواد (عليه السلام) قال: وإذا انصرفت من صلاة مكتوبة
فقل: رضيت بالله ربا، وبمحمد نبيا، وبالإسلام دينا، وبالقرآن كتابا، وبفلان وفلان
أئمة. اللهم وليك فلان، فاحفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه
ومن تحته. وامدد له في عمره، واجعله القائم بأمرك، والمنتصر لدينك، وأره ما يحب وما
تقر به عينه في نفسه وذريته وفي أهله، وماله وفي شيعته وفي عدوه وأرهم منه ما
يحذرون، وأره فيهم ما يحب وتقر به عينه، واشف صدورنا وصدور قوم مؤمنين). والفقيه:
١/٣٢٧ ح، ومصباح الكفعمي/٢٥، والبلد الأمين/١٣، والبحار: ٨٦/٤٢
دعاء عام لكل إمام معصوم (عليهم السلام)
مصباح المتهجد/٣٦٦: روى يونس بن عبد الرحمن، أن الرضا (عليه السلام) أنه كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر بهذا: اللهم ادفع عن وليك وخليفتك وحجتك على خلقك ولسانك المعبر عنك الناطق بحكمك، وعينك الناظرة بإذنك، وشاهدك على عبادك الجِحْجاح العائذ بك العابد عندك، وأعذه من شر جميع ما خلقت وبرأت وأنشأت وصورت، واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته بحفظك الذي لا يضيع من حفظته به، واحفظ فيه رسولك وآباءه أئمتك ودعائم دينك، واجعله في وديعتك التي لا تضيع، وفي جوارك الذي لا يخفر، وفي منعك وعزك الذي لا يقهر، وآمنه بأمانك الوثيق الذي لا يخذل من آمنته به، واجعله في كنفك الذي لا يرام من كان فيه، وانصره بنصرك العزيز، وأيده بجندك الغالب، وقوه بقوتك، وأردفه بملائكتك، ووال من والاه وعاد من عاداه، وألبسه درعك الحصينة، وحفه بالملائكة حفا. اللهم اشعب به الصدع، وارتق به الفتق وأمت به الجور، وأظهر به العدل، وزين بطول بقائه الأرض، وأيده بالنصر وانصره بالرعب، وقو ناصريه، واخذل خاذليه، ودمدم من نصب له، ودمر من غشه، واقتل به جبابرة الكفر وعمده ودعائمه، واقصم به رؤوس الضلالة، وشارعة البدع، ومميتة السنة، ومقوية الباطل، وذلل به الجبارين، وأبر به الكافرين وجميع الملحدين في مشارق الأرض ومغاربها، وبرها وبحرها وسهلها وجبلها، حتى لا تدع منهم دياراً، ولا تبقي لهم آثاراً. اللهم طهر منهم بلادك، واشف منهم عبادك، وأعز به المؤمنين، وأحي به سنن المرسلين، ودارس حكم النبيين، وجدد به ما امتحى من دينك، وبدل من حكمك، حتى تعيد دينك به وعلى يديه جديداً غضاً صحيحاً لا عوج فيه ولا بدعة معه، وحتى تنير بعدله ظلم الجور، وتطفئ به نيران الكفر، وتوضح به معاقد الحق ومجهول العدل، فإنه عبدك الذي استخلصته لنفسك، واصطفيته على غيبك، وعصمته من الذنوب، وبرأته من العيوب، وطهرته من الرجس، وسلمته من الدنس. اللهم فإنا نشهد له يوم القيامة ويوم طول الطامة أنه لم
يذنب
ذنباً ولا أتى حوباً ولم يرتكب معصية، ولم يضيع لك طاعة ولم يهتك لك حرمة، ولم يبدل
لك فريضة، ولم يغير لك شريعة، وأنه الهادي المهتدي، الطاهر التقي النقي الرضي
الزكي. اللهم أعطه في نفسه وأهله وولده وذريته وأمته وجميع رعيته ما تقر به عينه
وتسر به نفسه، وتجمع له ملك الملل كلها قريبها وبعيدها وعزيزها وذليلها، حتى تجري
حكمه على كل حكم، وتغلب بحقه كل باطل. اللهم اسلك بنا على يديه منهاج الهدى والمحجة
العظمى، والطريقة الوسطى، التي يرجع إليها الغالي ويلحق بها التالي، وقونا على
طاعته، وثبتنا على مشايعته، وامنن علينا بمتابعته، واجعلنا في حزبه القوامين بأمره،
الصابرين معه، الطالبين رضاك بمناصحته، حتى تحشرنا يوم القيامة في أنصاره وأعوانه
ومقوية سلطانه. اللهم واجعل ذلك لنا خالصا من كل شك وشبهة ورياء وسمعة، حتى لا
نعتمد به غيرك، ولا نطلب به إلا وجهك، وحتى تحلنا محله، وتجعلنا في الجنة معه،
وأعذنا من السأمة والكسل والفترة، واجعلنا ممن تنتصر به لدينك وتعز به نصر وليك،
ولا تستبدل بنا غيرنا، فإن استبدالك بنا غيرنا عليك يسير وهو علينا كثير). ورواه
جمال الأسبوع/٥٠٦، بسنده عن أبي جعفر الطوسي بسنده بعدة طرق إلى يونس بن عبد
الرحمن.
الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) والدعاء للإمام
المهدي (عليه السلام)
دلائل الإمامة/٣٠٠، عن خط الغضائري (رحمه الله)، عن يعقوب بن يوسف، وفي قصته أنه
رأى كرامات الإمام المهدي (عليه السلام) في الحج وكتب له هذا الدعاء:
اللهم صل على محمد سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وحجة رب العالمين، المنتجب في
الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهر من كل آفة، البرئ من كل عيب، المؤمل للنجاة،
المرتجى للشفاعة، المفوض إليه في دين الله.
وصل على أمير المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين، وقائد الغر المحجلين،
وسيد المؤمنين. وصل على الحسن بن علي إمام المؤمنين، ووارث
المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل على الحسين بن علي إمام المؤمنين، ووارث المرسلين وحجة رب العالمين. وصل على علي بن الحسين إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل على محمد بن علي إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل على جعفر بن محمد إمام المؤمنين، ووارث المرسلين وحجة رب العالمين. وصل على موسى بن جعفر إمام المؤمنين، ووارث المرسلين وحجة رب العالمين. وصل على علي بن موسى إمام المؤمنين، ووارث المرسلين وحجة رب العالمين. وصل على محمد بن علي إمام المؤمنين، ووارث المرسلين وحجة رب العالمين. وصل على علي بن محمد إمام المؤمنين، ووارث المرسلين وحجة رب العالمين. وصلى على الحسن بن علي إمام المؤمنين، ووارث المرسلين وحجة رب العالمين. وصل على الخلف الهادي المهدي إمام المؤمنين، ووارث المرسلين وحجة رب العالمين. وصل على وليك المحيي سنتك، القائم بأمرك الداعي إليك الدليل عليك، حجتك وخليفتك في أرضك وشاهدك على عبادك. اللهم أعزز نصره، ومد في عمره، وزين الأرض بطول بقائه. اللهم اكفه بغي الحاسدين وأعذه من شر الكائدين وادحر عنه إرادة الظالمين وخلصه من أيدي الجبارين. اللهم أره في ذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته، وعدوه وجميع أهل الدنيا ما تقر به عينه وتسر به نفسه، وبلغه أفضل أمله في الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير. اللهم جدد به ما امتحى من دينك وأحي به ما بدل من كتابك، وأظهر به ما غير من حكمك حتى يعود دينك به وعلى يديه غضاً جديداً خالصاً محضاً لا شك فيه ولا شبهة معه، ولا باطل عنده ولا بدعة لديه. اللهم نور بنوره كل ظلمة، وهُدَّ بركنه كل بدعة، واهدم بقوته كل ضلال، واقصم به كل جبار، وأخمد بسيفه كل نار، وأهلك بعدله كل جائر، وأجر حكمه على كل حكم، وأذل بسلطانه كل سلطان. اللهم أذل من ناواه وأهلك من عاداه وامكر بمن كاده واستأصل من جحد حقه واستهزأ بأمره وسعى في إطفاء نوره وأراد إخماد ذكره).
ونحوه
غيبة الطوسي/١٦٥، ومصباح المتهجد/٣٦٣، والخرائج: ١/٤٦١، وجمال الأسبوع/٤٩٤،
والبحار: ٥٢/١٧، و: ٩٤/٧٨.. الخ.
الدعاء له (عليه السلام) في يوم المباهلة
مصباح المتهجد/٧٠٨، عن محمد بن صدقة الغبري، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليهما
السلام) قال: يوم المباهلة اليوم الرابع والعشرون من ذي الحجة تصلي في ذلك اليوم ما
أردت من الصلاة، فكلما صليت ركعتين استغفرت الله تعالى بعقبها سبعين مرة، ثم تقوم
قائماً وترمي بطرفك في موضع سجودك وتقول وأنت على غسل.. من دعاء طويل جاء فيه:
اللهم إنا قد تمسكنا بكتابك وبعترة نبيك صلوات الله عليهم... فاجعلنا من الصادقين
المصدقين لهم، المنتظرين لأيامهم، الناظرين إلى شفاعتهم). ومثله إقبال الأعمال/٥١٥،
ومصباح الكفعمي/٦٨٨، والبلد الأمين/٢٦٥، بتفاوت يسير.
دعاء الإمام الباقر في ولاية أهل البيت (عليهم السلام) والبراءة من أعدائهم
كامل الزيارات/١٧٤، عن مالك الجهني، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: جعلنا
وإياكم من الطالبين بثأره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد (صلى الله عليه وآله)..
فأسال الله الذي أكرم مقامك أن يكرمني بك ويرزقني طلب ثارك مع إمام منصور من آل
محمد (صلى الله عليه وآله) اللهم اجعلني وجيها عندك بالحسين في الدنيا والآخرة، يا
سيدي يا أبا عبد الله إني أتقرب إلى الله تعالى وإلى رسوله وإلى أمير المؤمنين وإلى
فاطمة وإلى الحسن وإليك صلى الله عليك وسلم وعليهم بموالاتك يا أبا عبد الله
وبالبراءة من أعدائك وممن قاتلك ونصب لك الحرب ومن جميع أعدائكم وبالبراءة ممن أسس
الجور وبنى عليه بنيانه وأجرى ظلمه وجوره عليكم وعلى أشياعكم برئت إلى الله وإليكم
منهم وأتقرب إلى الله ثم إليكم بموالاتكم وموالاة وليكم والبراءة من أعدائكم ومن
الناصبين لكم الحرب والبراءة من أشياعهم وأتباعهم إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن
حاربكم وولي لمن والاكم وعدو لمن عاداكم فأسأل الله الذي أكرمني
بمعرفتكم ومعرفة أوليائكم ورزقني البراءة من أعدائكم أن يجعلني معكم في الدنيا
والآخرة وأن يثبت لي عندكم قدم صدق في الدنيا والآخرة وأسأله أن يبلغني المقام
المحمود لكم عند الله وأن يرزقني طلب ثاركم مع إمام مهدي ناطق لكم). ومصباح
المتهجد/٧١٣، ومصباح الكفعمي/ ٤٨٢، والبلد الأمين/٢٦٩، ووسائل الشيعة: ١٠/٣٩٨.
زيارة الأئمة والإمام المهدي (عليهم السلام)
مصباح الزائر/١٧٨، وهي زيارة مروية عن الإمام الهادي (عليه السلام): بسم الله
الرحمن الرحيم أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كما شهد الله لنفسه، وشهدت
له ملائكته وأولوا العلم من خلقه، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، وأشهد أن محمداً
عبده المنتجب ورسوله المرتضى، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون. اللهم اجعل أفضل صلواتك وأكملها، وأنمى بركاتك وأتمها، وأزكى تحياتك
وأتمها، على سيدنا محمد عبدك ورسولك ونبيك، ونجيك ووليك ورضيك وصفيك وخيرتك من خلقك
وخاصتك وخالصتك وأمينك الشاهد لك والدال عليك، والصادع بأمرك، والناصح لك، المجاهد
في سبيلك، والذاب عن دينك، والموضح لبراهينك، والمهدي إلى طاعتك، والمرشد إلى
مرضاتك، والواعي لوحيك، والحافظ لعهدك، والماضي على إنفاد أمرك، المؤيد بالنور
المضيء والمسدد بالأمر المرضي، المعصوم من كل خطأ وزلل، المنزه من كل دنس وخطل،
والمبعوث بخير الأديان والملل، مقوم الميل والعوج، ومقيم البينات والحجج، المخصوص
بظهور الفلج، وإيضاح المنهج، المظهر من توحيدك ما استتر والمحيي من عبادتك ما دثر،
والخاتم لما سبق، والفاتح لما انغلق، المجتبى من خلائقك، والمعتام لكشف حقائقك
والموضحة به أشراط الهدى، والمجلو به غرابيب العمى، دافع حسبات الأباطيل، ودامغ
صولات الأضاليل، المختار من طينة الكرم، وسلالة المجد الأقدم، ومغرس الفخار المعرق،
وفرع العلاء المثمر المورق
المنتجب من شجرة الأصفياء، ومشكاة الضياء، وذؤابة العلياء، وسرة البطحاء، بعيثك بالحق وبرهانك على جميع الخلق، خاتم أنبيائك، وحجتك البالغة في أرضك وسمائك. اللهم صل عليه صلاة ينغمر في جنب انتفاعه بها قدر الانتفاع، ويحوز من بركة التعلق بسببها ما يفوق قدر المتعلقين بسببه، وزده بعد ذلك من الإكرام والإجلال، ما يتقاصر عنه فسيح الآمال، حتى يعلو من كرمك أعلى محال المراتب، ويرقى من نعمك أسنى منازل المواهب، وخذ له اللهم بحقه وواجبه، من ظالميه وظالمي الصفوة من أقاربه... اللهم وصل على الأئمة الراشدين، والقادة الهادين، والسادة المعصومين والأتقياء الأبرار، مأوى السكينة والوقار، وخزان العلم ومنتهى الحلم والفخار ساسة العباد، وأركان البلاد، وأدلة الرشاد، الألباء الأمجاد، العلماء بشرعك الزهاد، ومصابيح الظلم وينابيع الحكم وأولياء النعم وعصم الأمم، قرناء التنزيل وآياته وأمناء التأويل وولاته وتراجمة الوحي ودلالاته، أئمة الهدى ومنار الدجى وأعلام التقى وكهوف الورى، وحفظة الإسلام وحججك على جميع الأنام، الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وسبطي نبي الرحمة، وعلي بن الحسين السجاد زين العابدين، ومحمد بن علي باقر علم الدين، وجعفر بن محمد الصادق الأمين، وموسى بن جعفر الكاظم الحليم، وعلي بن موسى الرضا الوفي، ومحمد بن علي البر التقي، وعلي بن محمد المنتجب الزكي، والحسن بن علي الهادي الرضي، والحجة بن الحسن صاحب العصر والزمان، وصي الأوصياء وبقية الأنبياء، المستتر عن خلقك، والمؤمل لإظهار حقك، المهدي المنتظر، والقائم الذي به ينتصر. اللهم صل عليهم أجمعين، صلاة باقية في العالمين، تبلغهم بها أفضل محل المكرمين. اللهم ألحقهم في الإكرام بجدهم وأبيهم، وخذ لهم الحق من ظالميهم. أشهد يا مولاي أنكم المطيعون لله، القوامون بأمره، العاملون بإرادته، الفائزون بكرامته اصطفاكم بعلمه، واجتباكم لغيبه، واختاركم بسره، وأعزكم بهداه وخصكم ببراهينه وأيدكم بروحه، ورضيكم خلفاء في أرضه ودعاة إلى حقه،
وشهداء على خلقه، وأنصارا لدينه، وحججا على بريته، وتراجمة لوحيه، وخزنة لعلمه،
ومستودعا لحكمته، عصمكم الله من الذنوب وبرأكم من العيوب، وائتمنكم على الغيوب.
زرتكم يا موالي عارفاً بحقكم، مستبصراً بشأنكم، مهتدياً بهداكم، مقتفياً لأثركم،
متبعاً لسنتكم، متمسكاً بولايتكم، معتصماً بحبلكم، مطيعاً لأمركم، موالياً
لأوليائكم معادياً لأعدائكم، عالماً بأن الحق فيكم ومعكم، متوسلاً إلى الله بكم،
مستشفعاً إليه بجاهكم، وحق عليه أن لا يخيب سائله والراجي ما عنده لزواركم،
المطيعين لأمركم. اللهم فكما وفقتني للإيمان بنبيك، والتصديق لدعوته، ومننت علي
بطاعته واتباع ملته، وهديتني إلى معرفته، ومعرفة الأئمة من ذريته، وأكملت بمعرفتهم
الإيمان، وقبلت بولايتهم وطاعتهم الأعمال، واستعبدت بالصلاة عليهم عبادك، وجعلتهم
مفتاحا للدعاء وسببا للإجابة، فصل عليهم أجمعين، واجعلني بهم عندك وجيها في الدنيا
والآخرة ومن المقربين.
اللهم اجعل ذنوبنا بهم مغفورة، وعيوبنا مستورة، وفرايضنا مشكورة ونوافلنا مبرورة،
وقلوبنا بذكرك معمورة، وأنفسنا بطاعتك مسرورة، وجوارحنا على خدمتك مقهورة، وأسماءنا
في خواصك مشهورة، وأرزاقنا من لدنك مدرورة، وحوائجنا لديك ميسورة، برحمتك يا أرحم
الراحمين. اللهم أنجز لهم وعدك، وطهر بسيف قائمهم أرضك، وأقم به حدودك المعطلة،
وأحكامك المهملة والمبدلة وأحي به القلوب الميتة واجمع به الأهواء المتفرقة، وأجل
به صداء الجور عن طريقتك، حتى يظهر الحق في أحسن صورته، ويهلك الباطل وأهله بنور
دولته، ولا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق. اللهم عجل فرجهم، وأظهر فلجهم،
واسلك بنا منهجهم. وأمتنا على ولايتهم، واحشرنا في زمرتهم، وتحت لوائهم، وأوردنا
حوضهم، واسقنا بكأسهم، ولا تفرق بيننا وبينهم، ولا تحرمنا شفاعتهم، حتى نظفر بعفوك
وغفرانك، ونصير إلى رحمتك ورضوانك، إله الحق رب العالمين يا قريب الرحمة من
المؤمنين، عني، ولو أني قدمت حسنات جميع
خلقك،
ثم خالفت طاعة أوليائك، لكانت تلك الحسنات مزعجة لي عن جوارك، غير حائلة بيني وبين
نارك، فلذلك علمت أن أفضل طاعتك طاعة أوليائك. اللهم لو وجدت شفيعا أقرب إليك من
محمد وأهل بيته الأخيار، الأتقياء الأبرار عليه و(عليهم السلام)، لاستشفعت بهم
إليك، وهذا قبر ولي من أوليائك وسيد من أصفيائك، ومن فرضت على الخلق طاعته، قد
جعلته بين يدي، أسألك يا رب بحرمته عندك، وبحقه عليك، لما نظرت إلي نظرة رحيمة من
نظراتك، تلم بها شعثي، وتصلح بها حالي، في الدنيا والآخرة، فإنك على كل شيء قدير.
اللهم إن ذنوبي، لما فاتت العدد وجازت الأمد، علمت أن شفاعة كل شافع دون أوليائك
تقصر عنها، فوصلت المسير من بلدي، قاصدا وليك بالبشرى ومتعلقا منه بالعروة الوثقى،
وها أنا يا مولاي قد استشفعت به إليك، وأقسمت به عليك، فارحم غربتي واقبل توبتي.
اللهم إني لا أعول على صالحة سلفت مني، ولا أثق بحسنة تقوم بالحجة عني). والبحار:
١٠٢ /١٧٨.
زيارة أخرى للإمام (عليه السلام)
رواها في مصباح الزائر/٣٢٧: السلام عليك يا خليفة الله في أرضه، وخليفة رسوله
وآبائه الأئمة المعصومين المهديين، السلام عليك يا حافظ أسرار رب العالمين، السلام
عليك يا وارث علم المرسلين، السلام عليك يا بقية الله من الصفوة المنتجبين السلام
عليك يا ابن الأنوار الزاهرة، السلام عليك يا ابن الأشباح الباهرة السلام عليك يا
ابن الصور النيرة الطاهرة، السلام عليك يا وارث كنز العلوم الإلهية، السلام عليك يا
حافظ مكنون الأسرار الربانية السلام عليك يا من خضعت له الأنوار المجدية، السلام
عليك يا باب الله الذي لا يؤتى إلا منه، السلام عليك يا سبيل الله الذي من سلك غيره
هلك، السلام عليك يا حجاب الله الأزلي القديم، السلام عليك يا ابن شجرة طوبى وسدرة
المنتهى، السلام عليك يا نور الله الذي لا يطفئ، السلام عليك يا حجة الله التي لا
تخفى، السلام عليك يا لسان الله المعبر عنه، السلام عليك
يا
وجه الله المنقلب بين أظهر عباده، سلام من عرفك بما تعرفت به إليه، ونعتك ببعض
نعوتك التي أنت أهلها وفوقها.
أشهد أنك الحجة على من مضى ومن بقي، وأن حزبك هم الغالبون، وأولياءك هم الفائزون،
وأعداءك هم الخاسرون، وأنك حائز كل علم، وفاتق كل رتق، وسابق لا يلحق، رضيت بك يا
مولاي إماما وهاديا، لا أبتغي بك بدلا، ولا أتخذ من دونك وليا، وأنك الحق الثابت
الذي لا اغتاب ولا أرتاب لأمد الغيبة، ولا أتحير لطول المدة، وعد الله بك حق،
ونصرته لدينه بك صدق، طوبى لمن سعد بولايتك وويل لمن شقي بجحودك، وأنت الشافع
المطاع الذي لا يدافع، ذخرك الله سبحانه لنصرة الدين، وإعزاز المؤمنين، والانتقام
من الجاحدين، الأعمال موقوفة على ولايتك، والأقوال معتبرة بإمامتك، من جاء بولايتك
واعترف بإمامتك قبلت أعماله وصدقت أقواله، تضاعف له الحسنات، وتمحى عنه السيئات،
ومن زل عن معرفتك واستبدل بك غيرك، كبه الله على منخريه في النار، ولم يقبل له
عملاً ولم يقم له يوم القيامة وزناً. أشهد يا مولاي أن مقالي ظاهره كباطنه وسره
كعلانيته، وأنت الشاهد علي بذلك وهو عهدي إليك، وميثاقي المعهود لديك إذ أنت نظام
الدين، وعز الموحدين، ويعسوب المتقين، وبذلك أمرني فيك رب العالمين. فلو تطاولت
الدهور وتمادت الأعصار لم أزدد بك إلا يقيناً ولك إلا حباً وعليك إلا اعتماداً،
ولظهورك إلا مرابطة بنفسي ومالي وجميع ما أنعم به علي ربي، فإن أدركت أيامك
الزاهرة، وأعلامك القاهرة، فعبد من عبيدك، معترف بأمرك ونهيك، أرجو بطاعتك الشهادة
بين يديك، وبولايتك السعادة فيما لديك، وإن أدركني الموت قبل ظهورك فأتوسل بك إلى
الله سبحانه أن يصلي على محمد وآل محمد، وأن يجعل لي كرة في ظهورك، ورجعة في أيامك،
لأبلغ من طاعتك مرادي، وأشفي من أعدائك فؤادي، يا مولاي وقفت على زيارتي إياك موقف
الخاطئين، المستغفرين النادمين أقول عملت سوء وظلمت نفسي، وعلى شفاعتك يا مولاي
متكلي ومعولي، وأنت
ركني
وثقتي، ووسيلتي إلى ربي، وحسبي بك وليا ومولي وشفيعا، والحمد لله الذي هداني
لولايتك، وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله حمدا يقتضي ثبات النعمة، وشكرا يوجب
المزيد من فضله، والسلام عليك يا مولاي وعلى آبائك موالي الأئمة المهتدين ورحمة
الله وبركاته، وعليَّ منكم السلام. ثم صل صلاة الزيارة فإذا فرغت منها فقل: اللهم
صل على محمد وأهل بيته، الهادين المهديين العلماء الصادقين الأوصياء المرضيين،
دعائم دينك وتراجمة وحيك وحججك على خلقك وخلفائك في أرضك، فهم الذين اخترتهم لنفسك،
واصطفيتهم على عبادك وارتضيتهم لدينك وخصصتهم بمعرفتك، وجللتهم بكرامتك وغذيتهم
بحكمتك وغشيتهم برحمتك وزينتهم بعلمك وألبستهم من نورك ورفعتهم في ملكوتك، وحففتهم
بملائكتك، وشرفتهم بنبيك.
اللهم صل على محمد وعليهم صلاة زاكية نامية، كثيرة طيبة دائمة، لا يحيط بها إلا
أنت، ولا يسعها إلا علمك، ولا يحصيها أحد غيرك، اللهم صل على وليك المحيي السبيل،
القائم بأمرك، الداعي إليك، الدليل عليك، وحجتك على خلقك، وخليفتك في أرضك، وشاهدك
على عبادك. اللهم أعز نصره، وامدد في عمره، وزين الأرض بطول بقائه، اللهم اكفه بغي
الحاسدين، وأعذه من شر الكائدين، وازجر عنه إرادة الظالمين، وخلصه من أيدي
الجبارين، اللهم أعطه في نفسه وذريته، وشيعته ورعيته، وخاصته وعامته، وجميع أهل
الدنيا ما تقر به عينه، وتسر به نفسه، وبلغه أفضل أمله في الدنيا والآخرة، إنك على
كل شيء قدير. ثم ادع الله بما أحببت). وعنه البحار: ١٠٢/٩٨.
زيارة الإمام المهدي (عليه السلام) في بيته بعد زيارة قبر والده وجده (عليهم
السلام)
رواها السيد ابن طاووس في المصباح/٣١٢، والحر العاملي في الإيقاظ/٢٩٦، عن مزار
المفيد والشهيد وابن طاووس، والبحار: ١٠٢/١٧٨، وهي طويلة نأخذ منها فقرات:
بسم
الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وكبر الله واحمده
وسبحه وهلله، فإذا استقررت فيه فقف مستقبل القبلة وقل: سلام الله وبركاته وتحياته
وصلواته على مولاي صاحب الزمان، صاحب الضياء والنور والدين المأثور، واللواء
المشهور، والكتاب المنشور، وصاحب الدهور والعصور، وخلف الحسن، الإمام المؤتمن،
والقائم المعتمد، والمنصور المؤيد... اللهم كما انتجبته لعلمك واصطفيته لحكمك
وخصصته بمعرفتك وجللته بكرامتك وغشيته برحمتك وربيته بنعمتك وغذيته بحكمتك واخترته
لنفسك واجتبيته لبأسك وارتضيته لقدسك، وجعلته هاديا لمن شئت من خلقك وديان الدين
بعدلك، وفصل القضايا بين عبادك، ووعدته أن تجمع به الكلم وتفرج به عن الأمم وتنير
بعدله الظلم، وتطفئ به نيران الظلم، وتقمع به حر الكفر وآثاره وتطهر به بلادك وتشفي
به صدور عبادك.... اللهم صل عليه صلاة تظهر بها حجته وتوضح بها بهجته وترفع بها
درجته، وتؤيد بها سلطانه وتعظم بها برهانه وتشرف بها مكانه وتعلي بها بنيانه، وتعز
بها نصره وترفع بها قدره وتسمي بها ذكره، وتظهر بها كلمته وتكثر بها نصرته وتعز بها
دعوته، وتزيده بها إكراماً وتجعله للمتقين إماماً، وتبلغه في هذا المكان مثل هذا
الأوان وفي كل مكان، منا تحية وسلاماً، لا يبلى جديده ولا يفنى عديده.
السلام عليك يا بقية الله في أرضه وبلاده، وحجته على عباده... السلام عليك يا خاتم
الأوصياء، وابن الأنبياء، السلام عليك يا معز الأولياء ومذل الأعداء... السلام عليك
يا باب الله، السلام عليك يا ثار الله، السلام عليك يا محيي معالم الدين وأهله
السلام عليك يا قاصم شوكة المعتدين، السلام عليك يا وجه الله الذي لا يهلك ولا يبلى
إلى يوم الدين، السلام عليك أيها السبب المتصل بين الأرض والسماء، السلام عليك يا
صاحب الفتح وناشر راية الهدى، السلام عليك يا مؤلف شمل الصلاح والرضا، السلام عليك
يا طالب ثار الأنبياء، والثائر بدم المقتول
بكربلاء، السلام عليك أيها المنصور على من اعتدى، السلام عليك أيها المنتظر المجاب إذا دعا، السلام عليك يا بقية الخلائف، البر التقي الباقي لإزالة الجور والعدوان. السلام عليك يا ابن محمد المصطفى، السلام عليك يا ابن علي المرتضى. السلام عليك يا ابن فاطمة الزهراء، السلام عليك يا ابن خديجة الكبرى، وابن السادة المقربين، والقادة المتقين، السلام عليك يا ابن النجباء الأكرمين... ثم ترفع يديك وتقول: اللهم أنت كاشف الكرب والبلوى، وإليك نشكو فقد نبينا، وغيبة إمامنا وابن بنت نبينا، اللهم فاملأ به الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، اللهم صل على محمد وأهل بيته، وأرنا سيدنا وصاحبنا وإمامنا ومولانا صاحب الزمان، وملجأ أهل عصرنا ومنجى أهل دهرنا ظاهر المقالة، واضح الدلالة، هاديا من الضلالة، منقذا من الجهالة، وأظهر معالمه وثبت قواعده وأعز نصره، وأطل عمره، وابسط جاهه، وأحي أمره، وأظهر نوره، وقرب بعده، وأنجز وعده... وأعز به المؤمنين، وأحي به سنن المرسلين، وأذل به المنافقين، وأهلك به الجبارين وأيده بجنود من الملائكة مسومين... واحرسه اللهم بعينك التي لا تنام، واكنفه بركنك الذي لا يرام، وأعزه بعزك الذي لا يضام، واجعلني يا إلهي من عدده ومدده، وأنصاره وأعوانه وأركانه، وأشياعه وأتباعه... ثم صل في مكانك اثنتي عشرة ركعة واقرأ فيها ما شئت، واهدها له (عليه السلام)، فإذا سلمت في كل ركعتين فسبح تسبيح الزهراء (عليها السلام) وقل: اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام حينا ربنا منك بالسلام، اللهم إن هذه الركعات هدية مني إلى وليك وابن وليك وابن أوليائك، الإمام ابن الأئمة الخلف الصالح الحجة صاحب الزمان، فصل على محمد وآل محمد وبلغه إياها وأعطني أفضل أملي ورجائي فيك وفي رسولك، صلواتك عليه وعلى آله أجمعين. فإذا فرغت من الصلاة فادع بهذا الدعاء وهو دعاء مشهور يدعى به في غيبة القائم (عليه السلام) وهو: اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك،
اللهم
عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني، اللهم لا تمتني ميتة جاهلية ولا
تزغ قلبي بعد إذ هديتني. اللهم فكما هديتني بولاية من فرضت عليَّ طاعته من ولاة
أمرك بعد رسولك صلواتك عليه وآله، حتى واليت ولاة أمرك أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب والحسن والحسين وعلياً ومحمداً وجعفراً وموسى وعلياً ومحمداً وعلياً والحسن
والحجة القائم المهدي صلواتك عليهم أجمعين. اللهم فثبتني على دينك واستعملني بطاعتك
ولين قلبي لولي أمرك وعافني مما امتحنت به خلقك...). انتهى.
دعاء التوسل بالنبي والأئمة (عليهم السلام)
مهج الدعوات/١٦٥، قال أبو حمزة الثمالي (رحمه الله): انكسرت يد ابني مرة فأتيت به
يحيى بن عبد الله المجبر، فنظر إليه فقال: أرى كسراً قبيحاً، ثم صعد غرفته ليجيء
بعصابة ورفادة، فذكرت في ساعتي تلك ما علمني علي بن الحسين زين العابدين (عليه
السلام) فأخذت يد ابني فقرأت عليه ومسحت الكسر، فاستوى الكسر بإذن الله تعالى فنزل
يحيى بن عبد الله فلم ير شيئاً! فقال: ناولني اليد الأخرى فلم ير كسراً فقال: سبحان
الله، أليس عهدي به كسراً قبيحاً فما هذا؟! أما إنه ليس بعجب من سحركم معاشر
الشيعة! فقلت: ثكلتك أمك ليس هذا بسحر بل إني ذكرت دعاء سمعته من مولاي علي بن
الحسين (عليهما السلام) فدعوت به، فقال: علمنيه، فقلت: أبعد ما سمعت ما قلت لا ولا
نعمة عين لست من أهله. قال حمران بن أعين: فقلت لأبي حمزة: نشدتك بالله إلا ما
أوردتناه وأفدتناه، فقال: سبحان الله ما ذكرت ما قلت إلا وأنا أفيدكم أكتبوا: بسم
الله الرحمن الرحيم، يا حي قبل كل حي، يا حي بعد كل حي، يا حي مع كل حي، يا حي حين
لا حي، يا حي يبقى ويفنى كل حي، لا إله إلا أنت، يا حي يا كريم، يا محيي الموتى، يا
قائم على كل نفس بما كسبت، إني أتوجه إليك، وأتوسل إليك، وأتقرب إليك، بجودك وكرمك
ورحمتك التي
وسعت
كل شيء، وأتوجه إليك وأتوسل إليك بحرمة هذا القرآن، وبحرمة الإسلام، وشهادة أن لا
إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك، وأتوجه إليك وأتوسل إليك
وأستشفع إليك، بنبيك نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله)، بحق خلف الأئمة
الماضين، والإمام الزكي الهادي المهدي، الحجة بعد آبائه على خلقك، المؤدي عن علم
نبيك، ووارث علم الماضين من الوصيين، المخصوص الداعي إلى طاعتك وطاعة آبائه
الصالحين. يا محمد يا أبا القاسماه، بأبي أنت وأمي إلى الله أتشفع بك، وبالأئمة من
ولدك، وبعلي أمير المؤمنين وفاطمة، والحسن والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي،
وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن
بن علي والخلف القائم المنتظر) وعنه البحار: ٩٥/٢٣٠.
دعاء الاعتقاد والتوسل به (عليه السلام) إلى الله تعالى
مهج الدعوات/٢٥٣، من كتاب يونس بن بكير قال: وسألت سيدي أن يعلمني دعاء أدعو به عند
الشدائد فقال لي: يا يونس تحفظ ما أكتبه لك وادع به في كل شدة، تجاب وتعطى ما
تتمناه ثم كتب لي: بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إن ذنوبي وكثرتها قد أخلقت وجهي
عندك.... الخ. والبحار: ٩٤/٣٤٦، والمصباح للكفعمي/٢٧٨.
دعاء آخر يسمى دعاء الاعتقاد أيضاً
مهج الدعوات/٢٣٣، عن علي بن مهزيار قال: سمعت مولاي موسى بن جعفر صلوات الله عليه
يدعو بهذا الدعاء وهو دعاء الاعتقاد، وهو دعاء طويل جاء فيه: (اللهم وقد أصبحت في
يومي هذا لا ثقة لي ولا ملجأ ولا ملتجأ غير من توسلت بهم إليك من آل رسولك...
الخ.). والكفعمي/٢٧٨، ومثله البلد الأمين/٣٨٧، عن الكاظم (عليه السلام).
مجموعة أدعية أخرى
مهج الدعوات/٣٣٤، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن الإمام الباقر (عليه السلام)، أوله، (
اللهم
يا إله الآلهة، يا واحد يا أحد يا آخر الآخرين.... الخ.
وفي مهج الدعوات/٢٩٥، دعاء الإمام الحجة (عليه السلام): (إلهي بحق من ناجاك، وبحق
من دعاك في البر والبحر، تفضل على فقراء المؤمنين والمؤمنات بالغناء والثروة، وعلى
مرضى المؤمنين والمؤمنات بالشفاء والصحة، وعلى أحياء المؤمنين والمؤمنات باللطف
والكرم، وعلى أموات المؤمنين والمؤمنات بالمغفرة والرحمة، وعلى غرباء المؤمنين
والمؤمنات بالرد إلى أوطانهم سالمين غانمين، بمحمد وآله أجمعين). ومصباح
الكفعمي/٣٠٦، وفي مهج الدعوات/٣٠٢: حجاب مولانا صاحب الزمان (عليه السلام)... اللهم
احجبني، عن عيون أعدائي واجمع بيني وبين أوليائي وأنجز لي ما وعدتني..). والبحار:
٩٤/٣٧٨.
وروى في مهج الدعوات/٢٧٨، دعاء العلوي المصري، وأن الإمام المهدي (عليه السلام)
علمه إياه، أوله: رب من ذا الذي دعاك فلم تجبه، ومن ذا الذي سألك فلم تعطه، ومن ذا
الذي ناجاك فخيبته، أو تقرب إليك فأبعدته. رب هذا فرعون ذو الأوتاد مع عناده وكفره
وعتوه، وادعائه الربوبية لنفسه، وعلمك بأنه لا يتوب، ولا يرجع ولا يؤوب، ولا يؤمن
ولا يخشع، استجبت له دعاءه وأعطيته سؤله، كرما منك وجوداً..). والبحار: ٩٥/٢٦٦، و:
٥١/٣٠٧، وتبصرة الولي: /٢١٢.
وفي مصباح المتهجد/٣٣٤: روى جابر عن أبي جعفر عن علي بن الحسين (عليهما السلام): من
عمل يوم الجمعة الدعاء بعد الظهر: اللهم اشتر نفسي الموقوفة عليك، المحبوسة لأمرك
بالجنة مع معصوم من عترة نبيك (صلى الله عليه وآله)، مخزون لظلامته منسوب بولادته
تملؤ به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ولا تجعلني ممن تقدم فمرق أو
تأخر فمحق واجعلني ممن لزم فلحق، واجعلني شهيداً سعيداً في قبضتك) وعنه جمال
الأسبوع/٤٣٣، والبحار: ٩٠/٦٨.
وفي مصباح المتهجد/٦٣٩، دعاء الموقف لعلي بن الحسين (عليه السلام) (اللهم صل على
محمد وآل محمد، وفرج عن آل محمد، واجعلهم أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون،
وانصرهم وانتصر بهم، وأنجز لهم ما وعدتهم، وبلغني فتح آل محمد، واكفني كل هول دونه،
ثم أقسم اللهم لي فيهم نصيباً خالصاً. يا مقدر الآجال يا مقسم الأرزاق، إفسح لي في
عمري وابسط لي في رزقي. اللهم صل على محمد وآل محمد وأصلح لنا إمامنا واستصلحه،
وأصلح على يديه، وآمن خوفه وخوفنا عليه، واجعله اللهم الذي تنتصر به لدينك. اللهم
املا الأرض به عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وامنن به على فقراء المسلمين،
وأراملهم ومساكينهم، واجعلني من خيار مواليه وشيعته، أشدهم له حبا وأطوعهم له طوعا،
وأنفذهم لأمره، وأسرعهم إلى مرضاته، وأقبلهم لقوله، وأقومهم بأمره، وارزقني الشهادة
بين يديه حتى ألقاك وأنت عني راض). وإقبال الأعمال/٣٦٤، والبلد الأمين/٢٥٠،
والبحار: ٩٨/٢٣٤.
وفي مصباح المتهجد/٥٤: ومما يختص تعقيب صلاة الظهر... وذكر الدعاء للإمام (عليه
السلام)، أوله: يا سامع كل صوت، يا جامع كل فوت، يا بارئ النفوس بعد الموت..).
وفلاح السائل/١٧٠، وقال: ومن المهمات عقيب الظهر الإقتداء بالصادق (عليه السلام) في
الدعاء للمهدي (عليه السلام) الذي بشر به محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمته
في صحيح الروايات، ووعدهم أنه يظهر في آخر الأوقات.. ثم ذكر سنده. والبلد
الأمين/١٣، ومصباح الكفعمي/ ٣٢، والبحار: ٨٦/٦٢.
وفي مصباح المتهجد/٣٤٥: وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه يستحب أن يصلي على
النبي (صلى الله عليه وآله) بعد العصر يوم الجمعة بهذه الصلاة: اللهم إن محمداً
(صلى الله عليه وآله) كما وصفته في كتابك.. اللهم صل على محمد وآل محمد وعلى أئمة
المسلمين الأولين منهم والآخرين، اللهم صل على محمد وآل محمد وعلى إمام المسلمين،
واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته، وافتح له فتحا
يسيرا، وانصره نصرا عزيزا، واجعل له من لدنك سلطانا نصيرا، اللهم عجل فرج آل محمد
وأهلك أعداءهم من الجن والإنس). وجمال الأسبوع/٤٧٠.
وفي التهذيب: ٣/١٤٣، عن علي بن الحسين العبدي قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه
السلام) يقول: في حديث طويل في فضل صيام يوم غدير خم، في آخره:
اللهم
إني أسألك بالحق الذي جعلته عندهم، وبالذي فضلتهم على العالمين جميعاً أن تبارك لنا
في يومنا هذا الذي أكرمتنا فيه، وأن تتم علينا نعمتك وتجعله عندنا مستقراً ولا
تسلبناه أبداً.. وارزقنا نصر دينك مع ولي هاد منصور من أهل بيت نبيك، واجعلنا معه
وتحت رايته شهداء صديقين في سبيلك وعلى نصرة دينك). ومصباح المتهجد/٦٩١، وإقبال
الأعمال/٤٧٦، والبلد الأمين/٢٥٩، والبحار: ٩٨/٣٠٢.
وفي مصباح المتهجد/٢٦٦: (صلاة الزهراء (عليها السلام) ركعتان: فإذا سلمت صليت على
النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم ترفع يديك وتقول: اللهم إني أتوجه بهم إليك...
وأسألك أن تصلي على محمد وآله، وأن تفرج عن محمد وآله، وتجعل فرجي مقرونا بفرجهم
وتبدأ بهم فيه.. وأسألك بذلك الاسم فلا شفيع أقوى لي منه، وبحق محمد وآل محمد أن
تصلي على محمد وآل محمد، وأن تقضي لي حوائجي، وتُسْمِعَ محمداً وعلياً وفاطمة
والحسن والحسين وعلياً ومحمداً وجعفراً وموسى وعلياً ومحمداً وعلياً والحسن والحجة
صلواتك عليهم وبركاتك ورحمته صوتي ليشفعوا لي إليك). والإيقاظ/٣١٣، والبحار:
٩١/١٨٣.
دعاء روي أنه (عليه السلام) دعا به في قنوته
في مهج الدعوات/٦٨، أنه (عليه السلام) دعا في قنوته بهذا الدعاء: اللهم مالك الملك،
تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء، وتذل من تشاء بيدك الخير،
إنك على كل شيء قدير، يا ماجد يا جواد، يا ذا الجلال والإكرام، يا بطاش، يا ذا
البطش الشديد، يا فعالا لما يريد، يا ذا القوة المتين، يا رؤوف يا رحيم، يا لطيف،
يا حي حين لا حي، أسألك باسمك المخزون المكنون الحي القيوم، الذي استأثرت به في علم
الغيب عندك لم يطلع عليه أحد من خلقك، وأسألك باسمك الذي تصور به خلقك في الأرحام
كيف يشاء، وبه تسوق إليهم أرزاقهم في أطباق الظلمات من بين العروق والعظام، وأسألك
باسمك الذي ألفت به بين قلوب أوليائك، وألفت بين الثلج والنار، لا هذا يذيب هذا ولا
هذا يطفئ
هذا، وأسألك باسمك الذي كونت به طعم المياه، وأسألك باسمك الذي أجريت به الماء في عروق النبات بين أطباق الثرى، وسقت الماء إلى عروق الأشجار بين الصخرة الصماء، وأسألك باسمك الذي كونت به طعم الثمار وألوانها، وأسألك باسمك الذي به تبدئ وتعيد، وأسألك باسمك الفرد الواحد المتفرد بالوحدانية المتوحد بالصمدانية، وأسألك باسمك الذي فجرت به الماء من الصخرة الصماء وسقته من حيث شئت، وأسألك باسمك الذي خلقت به خلقك ورزقتهم كيف شئت وكيف شاؤوا. يا من لا تغيره الأيام والليالي أدعوك بما دعاك به نوح حين ناداك فأنجيته ومن معه وأهلكت قومه، وأدعوك بما دعاك إبراهيم خليلك حين ناداك فأنجيته وجعلت النار عليه برداً وسلاماً، وأدعوك بما دعاك به موسى كليمك حين ناداك، ففلقت له البحر فأنجيته وبني إسرائيل، وأغرقت فرعون وقومه في اليم، وأدعوك بما دعاك به عيسى روحك حين ناداك، فنجيته من أعدائه وإليك رفعته، وأدعوك بما دعاك حبيبك وصفيك ونبيك محمد (صلى الله عليه وآله)، فاستجبت له ومن الأحزاب نجيته، وعلى أعدائك نصرته، وأسألك باسمك الذي إذا دعيت به أجبت، يا من له الخلق والأمر يا من أحاط بكل شيء علماً، يا من أحصى كل شيء عدداً، يا من لا تغيره الأيام والليالي، ولا تتشابه عليه الأصوات، ولا تخفى عليه اللغات، ولا يبرمه إلحاح الملحين. أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد خيرتك من خلقك، فصل عليهم بأفضل صلواتك، وصل على جميع النبيين والمرسلين الذين بلغوا عنك الهدى، وأعقدوا لك المواثيق بالطاعة، وصل على عبادك الصالحين، يا من لا يخلف الميعاد أنجز لي ما وعدتني، واجمع لي أصحابي، وصبرهم، وانصرني على أعدائك وأعداء رسولك، ولا تخيب دعوتي، فإني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، أسير بين يديك، سيدي أنت الذي مننت علي بهذا المقام، وتفضلت به علي دون كثير من خلقك، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تنجز لي ما وعدتني إنك أنت الصادق ولا تخلف الميعاد، وأنت على كل شيء قدير).
الفصل الأربعون: سفراء الإمام (عليه السلام).. وكذابون ادعوا السفارة
ثقة عموم الشيعة بالسفراء الأربعة رضوان الله عليهم
تقدم خلال فصول الكتاب ما يدل على دقة الشيعة وتشددهم في التعامل مع سفراء الإمام
(عليه السلام)، وأنهم أجمعوا على الثقة بعثمان بن سعيد العمري الأسدي وابنه محمد
(رضي الله عنهما)، لأنهم سمعوا فيهما شهادة الإمامين الهادي والعسكري (عليهما
السلام)، ورأوا على أيديهما المعجزات والكرامات التي توجب اليقين بأن الأجوبة ليست
منهما، بل من الإمام المهدي (عليه السلام). وقد رأيت أنهم ردوا ادعاء جعفر الكذاب
بأنه الإمام وادعاء غيره بأنه سفير الإمام لأنهم طلبوا منهم المعجزة فلم يأتوا بها،
بل كانوا يشهِّرُون بالمدعي ويفضحونه! وهذا دليلٌ على قوة المذهب الحق وقيامه على
الدليل القطعي.
قال في الاحتجاج: ٢/٢٩١: (وأما الأبواب المرضيون والسفراء الممدوحون في زمان
الغيبة: فأولهم الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري، نصبه أولاً أبو
الحسن علي بن محمد العسكري ثم ابنه أبو محمد الحسن (عليهما السلام) فتولى القيام
بأمورهما حال حياتهما (صلى الله عليه وآله)، ثم بعد ذلك قام بأمر صاحب الزمان (عليه
السلام) وكانت توقيعاته وجواب المسائل تخرج على يديه، فلما مضى لسبيله قام ابنه أبو
جعفر محمد بن
عثمان مقامه وناب منابه في جميع ذلك. فلما مضى هو قام بذلك أبو القاسم حسين بن روح من بني نوبخت. فلما مضى قام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري. ولم يقم أحد منهم بذلك إلا بنص عليه من قبل صاحب الأمر (عليه السلام)، ونصب صاحبه الذي تقدم عليه، ولم تقبل الشيعة قولهم إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر (عليه السلام) تدل على صدق مقالتهم وصحة بابيتهم. فلما حان سفر أبي الحسن السمري من الدنيا وقرب أجله قيل له: إلى من توصي؟ فأخرج إليهم توقيعاً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً. وسيأتي إلى شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذابٌ مُفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فنسخوا هذا التوقيع وخرجوا فلما كان اليوم السادس عادوا إليه وهو يجود بنفسه. فقال له بعض الناس: من وصيك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه، وقضى، فهذا آخر كلام سمع منه).
* * *
ونورد فيما يلي نص الشيخ الطوسي (رحمه الله) من كتاب الغيبة/٣٤٥، لأنه يعطي أضواء على وكلاء الأئمة الممدوحين (رضي الله عنهم) قال (رحمه الله): (فصل في ذكر طرف من أخبار السفراء الذين كانوا في حال الغيبة، وقبل ذكر من كان سفيراً حال الغيبة نذكر طرفاً من أخبار من كان يختص بكل إمام ويتولى له الأمر على وجه من الإيجاز، ونذكر من كان ممدوحاً منهم حسن الطريقة ومن كان مذموماً سيء المذهب ليعرف الحال في ذلك، وقد روي في بعض الأخبار أنهم (عليهم السلام) قالوا: خدامنا وقوامنا شرار خلق الله، وهذا ليس على عمومه وإنما قالوه لأن فيهم من غير وبدل وخان على ما
سنذكره. وقد روى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه، عن محمد بن صالح
الهمداني قال: كتبت إلى صاحب الزمان (عليه السلام) إن أهل بيتي يؤذوني ويقرعوني
بالحديث الذي روي عن آبائك (عليهم السلام) أنهم قالوا: خدامنا وقوامنا شرار خلق
الله، فكتب: ويحكم ما تقرؤن ما قال الله تعالى: وَجَعَلْنَا
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً،
فنحن والله القرى التي بارك فيها، وأنتم القرى الظاهرة.
فمن المحمودين: حمران بن أعين: أخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن أبي جعفر محمد بن
سفيان البزوفري، عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن
فضال، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) وذكرنا حمران
بن أعين، فقال: لا يرتد والله أبداً، ثم أطرق هنيئة ثم قال: أجل، لا يرتد والله
أبداً.
ومنهم: المفضل بن عمر: بهذا الإسناد عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن
الحسين بن سعيد، عن محمد بن أبي عمير، عن الحسين بن أحمد المنقري، عن أسد بن أبي
علاء، عن هشام بن أحمر قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وأنا أريد أن
أسأله عن المفضل بن عمر، وهو في ضيعة له في يوم شديد الحر والعرق يسيل على صدره
فابتدأني فقال: نِعْمَ واللهِ الذي لا إله إلا هو الرجل المفضل ابن عمر الجعفي، نعم
والله الذي لا إله إلا هو، الرجل المفضل بن عمر الجعفي حتى أحصيت بضعاً وثلاثين مرة
يكررها وقال: إنما هو والد بعد والد. وروي عن هشام بن أحمر قال: حملت إلى أبي
إبراهيم (عليه السلام) إلى المدينة أموالا فقال: ردها فادفعها إلى المفضل بن عمر،
فرددتها إلى جعفي فحططتها على باب المفضل. وروي عن موسى بن بكر قال: كنت في خدمة
أبي الحسن (عليه السلام) فلم أكن أرى شيئاً يصل إليه إلا من ناحية المفضل، ولربما
رأيت الرجل يجيء بالشيء فلا يقبله منه ويقول: أوصله إلى المفضل.
ومنهم: المعلى بن خُنيس: وكان من قوام أبي عبد الله (عليه السلام)، وإنما قتله داود
بن علي بسببه وكان محموداً عنده، ومضى على منهاجه، وأمره مشهور. فروي عن أبي بصير
قال: لما قَتل داود بن علي المعلى بن خنيس فصلبه، عَظُم ذلك على أبي عبد الله (عليه
السلام) واشتد عليه وقال له: يا داود! على ما قتلت مولاي وقيِّمي في مالي وعلى
عيالي؟ والله إنه لاوجه عند الله منك، في حديث طويل، وفي خبر آخر أنه قال: أما
والله لقد دخل الجنة).
ومنهم: نصر بن قابوس اللخمي: فروي أنه كان وكيلا لأبي عبد الله (عليه السلام) عشرين
سنة ولم يُعلم أنه وكيل، وكان خيراً فاضلاً. وكان عبد الرحمن بن الحجاج وكيلاً لأبي
عبد الله (عليه السلام) ومات في عصر الرضا (عليه السلام) على ولايته.
ومنهم: عبد الله بن جُندب البجلي: وكان وكيلاً لأبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا (عليه
السلام)، وكان عابداً رفيع المنزلة لديهما على ما روي في الأخبار.
ومنهم: ما رواه أبو طالب القمي قال: دخلت على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) في آخر
عمره فسمعته يقول: جزى الله صفوان بن يحيى، ومحمد بن سنان، وزكريا بن آدم، وسعد بن
سعد، عني خيراً، فقد وفوا لي.
وكان زكريا بن آدم ممن تولاهم، وخرج فيه عن أبي جعفر (عليه السلام): ذكرت ما جرى من
قضاء الله في الرجل المتوفى، (رحمه الله تعالى) يَوْمَ
وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً، فقد عاش أيام حياته
عارفاً بالحق قائلاً به، صابراً محتسباً للحق، قائماً بما يجب لله ولرسوله عليه،
ومضى (رحمه الله) غير ناكث ولا مبدل، فجزاه الله أجر نيته وأعطاه جزاء سعيه. وأما
محمد بن سنان: فإنه روي عن علي بن الحسين بن داود قال: سمعت أبا جعفر الثاني (عليه
السلام) يذكر محمد بن سنان بخير ويقول: (رضي الله عنه) برضائي عنه، فما خالفني وما
خالف أبي قط.
ومنهم: عبد العزيز بن المهتدي: القمي الأشعري، خرج فيه عن أبي جعفر (عليه السلام):
قُبضت
والحمد لله وقد عرفت الوجوه التي صارت إليك منها، غفر الله لك ولهم الذنوب ورحمنا
وإياكم. وخرج فيه: غفر الله لك ذنبك، ورحمنا وإياك، ورضي عنك برضائي عنك.
ومنهم: علي بن مهزيار الأهوازي: وكان محموداً. أخبرني جماعة عن التلعكبري عن أحمد
بن علي الرازي، عن الحسين بن علي، عن أبي الحسن البلخي، عن أحمد بن مابندار
الإسكافي، عن العلاء النداري، عن الحسن بن شمون قال: قرأت هذه الرسالة على علي بن
مهزيار عن أبي جعفر الثاني بخطه: بسم الله الرحمن الرحيم يا علي أحسن الله جزاك
وأسكنك جنته ومنعك من الخزي في الدنيا والآخرة، وحشرك الله معنا. يا علي قد بلوتك
وخبرتك في النصيحة والطاعة والخدمة، والتوقير والقيام بما يجب عليك، فلو قلت إني لم
أر مثلك لرجوت أن أكون صادقاً فجزاك الله جنات الفردوس نزلاً، فما خفي عليَّ مقامك
ولا خدمتك في الحر والبرد، في الليل والنهار، فأسأل الله إذا جمع الخلائق للقيامة
أن يحبوك برحمة تغتبط بها، إنه سميع الدعاء.
ومنهم: أيوب بن نوح بن دراج: ذكر عمرو بن سعيد المدائني وكان فطحياً قال: كنت عند
أبي الحسن العسكري (عليه السلام) بصريا إذ دخل أيوب بن نوح ووقف قدامه فأمره بشيء
ثم انصرف، والتفت إليَّ أبو الحسن (عليه السلام) وقال: يا عمرو إن أحببت أن تنظر
إلى رجل من أهل الجنة فانظر إلى هذا.
ومنهم: علي بن جعفر الهمداني: وكان فاضلاً مرضياً من وكلاء أبي الحسن وأبي محمد
(صلى الله عليه وآله). روى أحمد بن علي الرازي عن علي بن مخلد الأيادي قال: حدثني
أبو جعفر العمري (رضي الله عنه) قال: حج أبو طاهر بن بلال فنظر إلى علي بن جعفر وهو
ينفق النفقات العظيمة، فلما انصرف كتب بذلك إلى أبي محمد (عليه السلام) فوقع في
رقعته: قد كنا أمرنا له بمائة ألف دينار ثم أمرنا له بمثلها فأبى
قبوله
إبقاء علينا، ما للناس والدخول في أمرنا فيما لم ندخلهم فيه! قال: ودخل على أبي
الحسن العسكري (عليه السلام) فأمر له بثلاثين ألف دينار.
ومنهم: أبو علي بن راشد: أخبرني ابن أبي جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن
الصفار، عن محمد بن عيسى قال: كتب أبو الحسن العسكري (عليه السلام) إلى الموالي
ببغداد والمدائن والسواد وما يليها: قد أقمتُ أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين
بن عبد ربه ومن قبله من وكلائي، وقد أوجبتُ في طاعته طاعتي وفي عصيانه الخروج إلى
عصياني، وكتبت بخطي. وروى محمد بن يعقوب رفعه إلى محمد بن فرج قال: كتبت إليه أسأله
عن أبي علي بن راشد وعن عيسى بن جعفر بن عاصم وعن ابن بند، وكتب إلي: ذكرت ابن راشد
(رحمه الله) فإنه عاش سعيداً ومات شهيداً ودعا لابن بند والعاصمي، وابن بند ضرب
بعمود وقتل، وابن عاصم ضرب بالسياط على الجسر ثلاثمائة سوط ورميَ به في الدجلة!
فهؤلاء جماعة المحمودين، وتركنا ذكر استقصائهم لأنهم معروفون مذكورون في الكتب).
انتهى.
وفي الخرائج: ٣/١١٠٨: (وكيل أبي محمد (عليه السلام) الشيخ عثمان بن سعيد العمري ثم
ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان، ثم أبو القاسم الحسين بن روح، ثم الشيخ أبو الحسن علي
بن محمد السمري، ثم كانت الغيبة الطولى. وكانوا كل واحد منهم يعرفون كمية المال
جملة وتفصيلاً، ويسمون أربابها، بإعلامهم ذلك من القائم (عليه السلام)).
* * *
وقال الحر العاملي في وسائل الشيعة: ٢٠/٧٩: (الفائدة السابعة في ذكر أصحاب الإجماع وأمثالهم كأصحاب الأصول ونحوهم والجماعة الذين وثقهم الأئمة (عليهم السلام) وأثنوا عليهم وأمروا بالرجوع إليهم والعمل برواياتهم، والذين عُرفت عدالتهم بالتواتر، فيحصل بوجودهم في السند قرينة توجب ثبوت النقل والوثوق وإن رووا بواسطة. قال الشيخ الثقة الجليل أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال ما هذا لفظه: قال الكشي: أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر
وأبي
عبد الله (عليهما السلام) وانقادوا لهم بالفقه فقالوا: أفقه الأولين ستة: زرارة،
ومعروف بن خربوذ، وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم الطائفي
قالوا: وأفقه الستة زرارة. وقال بعضهم: مكان أبي بصير الأسدي: أبو بصير المرادي،
وهو ليث بن البختري. انتهى. ثم أورد أحاديث كثيرة في مدحهم وجلالتهم وعلو منزلتهم
والأمر بالرجوع إليهم تقدم بعضها في كتاب القضاء، ثم قال: تسمية الفقهاء من أصحاب
أبي عبد الله (عليه السلام): أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما
يقولون وأقروا لهم بالفقه من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم ستة نفر: جميل
بن دراج، وعبد الله بن مسكان، وعبد الله بن بكير، وحماد بن عيسى، وحماد بن عثمان،
وأبان بن عثمان، قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه يعني ثعلبة بن ميمون أن أفقه هؤلاء
جميل بن دراج. وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام)).
وقال في الوسائل: ٢٠/٨٨: (وهذا القسم كثير يعلم بالتتبع لكتب الرجال وغيرها، وأما
الجماعة الذين وثقهم الأئمة (عليهم السلام) وأثنوا عليهم وأمروا بالرجوع إليهم
والعمل برواياتهم، ونصبوهم وكلاء وجعلوهم مرجعاً للشيعة، فهم كثيرون ونحن نذكر جملة
منهم وأكثرهم مذكور في كتاب الغيبة للشيخ وقد تقدم بعضهم في القضاء، ويأتي جملة
أخرى منهم. فمن أجلائهم وعظمائهم محمد بن عثمان العمري، وعثمان بن سعيد العمري،
والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري، وحمران بن أعين، والمفضل بن عمر،
والمعلى بن خنيس، ونصر بن قابوس، وعبد الرحمن بن الحجاج، وعبد الله بن جندب، وصفوان
بن يحيى، ومحمد بن سنان، وزكريا بن آدم، وسعد بن سعد، وعبد العزيز بن المهتدي، وعلي
بن مهزيار، وأيوب بن نوح، وعلي بن جعفر الهمَّاني، وأبو علي بن راشد، وبنو فضال
وزرارة، وبريد العجلي، وأبو بصير ليث بن البختري، ومحمد بن مسلم، وأبو بصير الأسدي،
والحارث بن المغيرة، وأبان بن تغلب، وأبان بن عثمان، ويونس بن عبد الرحمن،
وعلي
بن حديد، وأبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي، وهو محمد بن أبي عبد الله، وأحمد بن
إسحاق الأشعري، وإبراهيم بن محمد الهمداني، وأحمد بن حمزة بن اليسع، وحاجز بن يزيد،
ومحمد بن علي بن بلال، والعاصمي، ومحمد بن إبراهيم بن مهزيار، وأبوه، ومحمد بن صالح
الهمداني، وأبوه، والقاسم بن العلاء، ومحمد بن شاذان النيسابوري، والفضل بن شاذان
النيسابوري، وعلي بن مهزيار، والحارث المرزباني، وغيرهم.
ونقل ابن طاووس في كشف المحجة من كتاب الرسائل لمحمد بن يعقوب الكليني، وعن علي بن
إبراهيم بسنده إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه دعا كاتبه عبد الله بن أبي رافع
فقال: أدخل إلى عشرة من ثقاتي فقال، سمهم لي يا أمير المؤمنين فقال: أدخل: أصبغ بن
نباتة، وأبا الطفيل عامر بن واثلة الكناني، وزر بن حبيش، وجويرة بن مسهر، وخندف بن
زهير، وحارث بن مصرف، والحارث الأعور، وعلقمة بن قيس، وكميل بن زياد، وعمير بن
زرارة الحديث.
وروى الصدوق في عيون الأخبار بالإسناد السابق عن الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه
السلام) في كتاب إلى المأمون قال: محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله.. إلى أن
قال: والبراءة من الذين ظلموا آل محمد حقهم، وذكر جملة من أنواعهم وأصنافهم. ثم
قال: والولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام) والمقبولين من الصحابة الذين مضوا على
منهاج نبيهم (صلى الله عليه وآله) ولم يغيروا ولم يبدلوا مثل سلمان الفارسي، وأبي
ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وأبي الهيثم
التيهان، وسهل بن حنيف، وعثمان، وأخويه، وعُبَادَة بن الصامت، وأبي أيوب الأنصاري،
وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي سعيد الخدري، وأمثالهم (رضي الله عنهم).
والولاية لأتباعهم وأشياعهم والمهتدين بهدايتهم السالكين منهاجهم.
وروى الكشي عن الثقات عن أبي محمد الرازي قال: كنت أنا وأحمد ابن أبي عبد الله
البرقي بالعسكر، فورد علينا رسول من الرجل (عليه السلام) فقال: الغائب العليل ثقة،
وأيوب
بن نوح، وإبراهيم بن محمد الهمداني، وأحمد بن حمزة، وأحمد بن إسحاق ثقاتٌ جميعاً.
وروى الشيخ في كتاب الغيبة نحوه.
وقال الكشي: حكى بعض الثقات بنيسابور وذكر توقيعاً طويلاً من جملته، يا إسحاق اقرأ
كتابنا علي البلالي (رضي الله عنه) فإنه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه، واقرأه
على المحمودي عافاه الله فيما أحمدنا لطاعته، فإذا وردت بغداد فاقرأه على الدهقان
وكيلنا وثقتنا، والذي يقبض من موالينا.
وروى الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عبد الله بن أحمد، عن إبراهيم
بن الحسن، عن وهيب بن حفص، عن إسحاق بن جرير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
كان سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وأبو خالد الكابلي، من ثقات علي
بن الحسين (عليه السلام).. الحديث. وقد تقدم في المواريث حديث محمد بن مسلم عن أبي
جعفر (عليه السلام) قال: حدثني جابر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يكن
يكذب جابر أن ابن الأخ يقاسم الجد. وتقدم في المواقيت حديث يزيد بن خليفة قال قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال: إذاً لا يكذب
علينا. وتقدم في القضاء عن العسكري (عليه السلام) أنه سئل عن كتب بني فضال فقال:
خذوا بما رووا ودعوا ما رأوا. وروى الصدوق في كتاب إكمال الدين عن محمد بن محمد
الخزاعي، عن أبي علي الأسدي، عن أبيه، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي أنه ذكر عدد
من انتهى إليه ممن وقف على معجزات صاحب الزمان (عليه السلام) ورآه من الوكلاء
ببغداد: العمري، وابنه، وحاجز، والبلالي، والعطار، ومن الكوفة: العاصمي ومن
الأهواز: محمد بن إبراهيم بن مهزيار، ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق، ومن أهل همدان:
محمد بن صالح، ومن أهل الري: السامي، والأسدي يعني نفسه، ومن آذربيجان: القاسم بن
العلا، ومن نيسابور: محمد بن شاذان النعيمي، ومن غير الوكلاء من أهل بغداد: أبو
القاسم بن أبي حابس، وذكر جماعة كثيرين.
وقال
الشهيد الثاني في شرح الدراية: تعرف العدالة المعتبرة في الراوي بتنصيص عدلين
عليها، أو بالاستفاضة بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل وغيرهم من أهل العلم كمشايخنا
السالفين من عهد الشيخ محمد بن يعقوب الكليني وما بعده إلى زماننا هذا لا يحتاج أحد
من هؤلاء المشايخ المشهورين إلى تنصيص على تزكيته، ولا تنبيه على عدالته، لما اشتهر
في كل عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم، زيادة على العدالة، وإنما يتوقف على التزكية غير
هؤلاء). انتهى.
والحق أن كثيراً من علمائنا المتقدمين والمصنفين المذكورين في كتب الرجال من غير
تضعيف كذلك، لما ظهر من آثارهم واشتهر من أحوالهم وإن لم يصرحوا بتوثيقهم في بعض
المواضع. ومما يؤيد قول الشهيد الثاني أنه قد نقل حصول وضع الحديث في زمان ظهور
الأئمة (عليهم السلام) من بعض الضعفاء وكان الثقات يعرضون ما يشكون فيه على الأئمة
(عليهم السلام) وعلى الكتب المعتمدة، وكان الأئمة (عليهم السلام) يخبرونهم بالحديث
الموضوع ابتداء غالباً، ولم ينقل أنه وقع وضع حديث في زمان الغيبة من أحد من مشهوري
الشيعة ونسب إلى الأئمة (عليهم السلام) أصلاً، وعلى تقدير تحققه فلم يقع من علماء
الإمامية المشهورين شيء من ذلك قطعاً، وهذا ضروري والله أعلم).
بعض ما ورد في السفيرين العَمْرِيَّيْن رحمهما الله
قال في الغيبة/٣٥٣: (فأما السفراء الممدوحون في زمان الغيبة: فأولهم من نصبه أبو
الحسن علي بن محمد العسكري وأبو محمد الحسن بن علي بن محمد ابنه (عليهم السلام) وهو
الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله) وكان أسدياً وإنما سمي
العمري، لما رواه أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب بن بنت أبي جعفر العمري
(رحمه الله)، قال أبو نصر: كان أسدياً فنسب إلى جده فقيل العمري، وقد قال قوم من
الشيعة إن أبا محمد الحسن بن علي (عليه السلام) قال: لا يُجمع على امرئ بين عثمان
وأبو عمرو! وأمر بكسر كنيته فقيل العمري، ويقال له: العسكري أيضاً لأنه كان من عسكر
سر من
رأى، ويقال له: السمان لأنه كان يتجر في السمن تغطية على الأمر، وكان الشيعة إذا
حملوا إلى أبي محمد (عليه السلام) ما يجب عليهم حمله من الأموال أنفذوا إلى أبي
عمرو، فيجعله في جراب السمن وزقاقه ويحمله إلى أبي محمد (عليه السلام) تقية وخوفاً.
فأخبرني جماعة، عن أبي محمد هارون بن موسى، عن أبي علي محمد بن همام الإسكافي قال:
حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري قال: حدثنا أحمد بن إسحاق بن سعد القمي قال: دخلت
على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت: يا سيدي أنا
أغيب وأشهد ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت فقول من نقبل؟ وأمر من
نمتثل؟ فقال لي صلوات الله عليه: هذا أبو عمرو الثقة الأمين ما قاله لكم فعني يقوله
وما أداه إليكم فعني يؤديه. فلما مضى أبو الحسن (عليه السلام) وصلت إلى أبي محمد
ابنه الحسن العسكري (عليه السلام) ذات يوم فقلت له (عليه السلام) مثل قولي لأبيه،
فقال لي: هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات فما قاله
لكم فعني يقوله، وما أدى إليكم فعني يؤديه. قال أبو محمد هارون: قال أبو علي: قال
أبو العباس الحميري: فكنا كثيراً ما نتذاكر هذا القول ونتواصف جلالة محل أبي عمرو.
وأخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون، عن محمد بن همام، عن عبد الله بن جعفر قال: حججنا
في بعض السنين بعد مضي أبي محمد (عليه السلام) فدخلت على أحمد بن إسحاق بمدينة
السلام فرأيت أبا عمرو عنده، فقلت إن هذا الشيخ وأشرت إلى أحمد بن إسحاق وهو عندنا
الثقة المرضي، حدثنا فيك بكيت وكيت واقتصصت عليه ما تقدم يعني ما ذكرناه عنه من فضل
أبي عمرو ومحله، وقلت: أنت الآن ممن لا يشك في قوله وصدقه فأسألك بحق الله وبحق
الإمامين اللذين وثقاك هل رأيت ابن أبي محمد الذي هو صاحب الزمان؟ فبكى ثم قال: على
أن لا تخبر بذلك أحداً وأنا حيٌّ قلت: نعم. قال: قد رأيته (عليه السلام) وعنقه هكذا
يريد أنها أغلظ الرقاب حسناً وتماماً، قلت: فالاسم؟ قال: نهيتم عن هذا.
وروى أحمد بن علي بن نوح أبو العباس السيرافي قال: أخبرنا أبو نصر هبة الله بن
محمد
بن أحمد المعروف بابن برينة الكاتب قال: حدثني بعض الشراف من الشيعة الإمامية أصحاب
الحديث قال: حدثني أبو محمد العباس بن أحمد الصائغ قال: حدثني الحسين بن أحمد
الخصيبي قال: حدثني محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنيان قالا: دخلنا على أبي
محمد الحسن (عليه السلام) بسر من رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته حتى دخل
عليه بدر خادمه فقال: يا مولاي بالباب قوم شعث غبر فقال لهم: هؤلاء نفر من شيعتنا
باليمن في حديث طويل يسوقانه إلى أن ينتهي إلى أن قال الحسن (عليه السلام) لبدر:
فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمري فما لبثنا إلا يسيراً حتى دخل عثمان فقال له
سيدنا أبو محمد (عليه السلام): إمض يا عثمان فإنك الوكيل والثقة المأمون.. (وتقدم
في ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) وجاء فيه): نعم، واشهدوا عليَّ أن عثمان بن
سعيد العمري وكيلي وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم.
عنه، عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب بن بنت أبي جعفر العمري قدس الله
روحه وأرضاه، عن شيوخه أنه لما مات الحسن بن علي (صلى الله عليه وآله) حضر غسله
عثمان بن سعيد (رضي الله عنه) وأرضاه وتولى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه وتقبيره
مأموراً بذلك، للظاهر من الحال التي لا يمكن جحدها ولا دفعها إلا بدفع حقائق
الأشياء في ظواهرها. وكانت توقيعات صاحب الأمر (عليه السلام) تخرج على يدي عثمان بن
سعيد وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان إلى شيعته وخواص أبيه أبي محمد (عليه السلام)
بالأمر والنهي والأجوبة عما يسأل الشيعة عنه إذا احتاجت إلى السؤال فيه، بالخط الذي
كان يخرج في حياة الحسن (عليه السلام)، فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالتهما إلى أن
توفي عثمان بن سعيد (رحمه الله) ورضي عنه، وغسله ابنه أبو جعفر وتولى القيام به
وحصل الأمر كله مردوداً إليه، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته، لما تقدم
له من النص عليه بالأمانة والعدالة والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن (عليه
السلام) وبعد موته في حياة أبيه عثمان رحمة الله عليه. قال: وقال جعفر بن محمد بن
مالك الفزاري البزاز، عن
جماعة
من الشيعة منهم علي بن بلال وأحمد بن هلال ومحمد بن معاوية بن حكيم والحسن بن أيوب
بن نوح في خبر طويل مشهور قالوا جميعاً: اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي (صلى
الله عليه وآله) نسأله عن الحجة من بعده، وفي مجلسه (عليه السلام) أربعون (وروى
إحضار الإمام العسكري ولده المهدي (عليهما السلام) في مجلس ضم أربعين رجلاً، وتقدم
في ولادته (عليه السلام)). وفيه: قال (عليه السلام): هذا إمامكم من بعدي وخليفتي
عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد
يومكم هذا حتى يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا
قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه، في حديث طويل. قال أبو نصر هبة الله بن محمد:
وقبر عثمان بن سعيد بالجانب الغربي من مدينة السلام في شارع الميدان في أول الموضع
المعروف في الدرب المعروف بدرب جبلة في مسجد الدرب يمنة الداخل إليه، والقبر في نفس
قبلة المسجد (رحمه الله). قال محمد بن الحسن مصنف هذا الكتاب: رأيت قبره في الموضع
الذي ذكره وكان بني في وجهه حائط وبه محراب المسجد، وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع
القبر في بيت ضيق مظلم، فكنا ندخل إليه ونزوره مشاهرة، وكذلك من وقت دخولي إلى
بغداد وهي سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيف وثلاثين وأربعمائة. ثم نقض ذلك الحائط
الرئيس أبو منصور محمد بن الفرج وأبرز القبر إلى برَّا، وعمل عليه صندوقاً وهو تحت
سقف يدخل إليه من أراده ويزوره، ويتبرك جيران المحلة بزيارته ويقولون هو رجل صالح،
وربما قالوا: هو ابن داية الحسين (عليه السلام) ولا يعرفون حقيقة الحال فيه وهو إلى
يومنا هذا، وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة، على ما هو عليه.
ذكر أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري والقول فيه: عبد الله بن جعفر الحميري
قال: خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري قدس الله روحه
في التعزية بأبيه رضي الله تعالى عنه، وفي فصل من الكتاب: إنا لله وإنا إليه راجعون
تسليماً لأمره ورضاً بقضائه، عاش أبوك سعيداً
ومات
حميداً فرحمه وألحقه بأوليائه ومواليه، فلم يزل مجتهداً في أمرهم ساعياً فيما يقربه
إلى الله (عزَّ وجلَّ) وإليهم، نضر الله وجهه وأقاله عثرته. وفي فصل آخر: أجزل الله
لك الثواب وأحسن لك العزاء، رزئت ورزئنا وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسره الله في
منقلبه. وكان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مثلك يخلفه من بعده ويقوم
مقامه بأمره ويترحم عليه، وأقول الحمد لله فإن الأنفس طيبة بمكانك وما جعله الله
(عزَّ وجلَّ) فيك وعندك، أعانك الله وقواك وعضدك ووفقك، وكان لك ولياً وحافظاً
وراعياً وكافياً. وأخبرني جماعة، عن هارون بن موسى، عن محمد بن همام قال: قال لي
عبد الله بن جعفر الحميري: لما مضى أبو عمرو رضي الله تعالى عنه أتتنا الكتب بالخط
الذي كنا نكاتب به بإقامة أبي جعفر (رضي الله عنه) مقامه. وبهذا الإسناد عن محمد بن
همام قال: حدثني محمد بن حمويه بن عبد العزيز الرازي في سنة ثمانين ومائتين قال:
حدثنا محمد بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي أنه خرج إليه بعد وفاة أبي عمرو: والابن
وقاه الله لم يزل ثقتنا في حياة الأب (رضي الله عنه) وأرضاه ونضر وجهه يجري عندنا
مجراه ويسد مسده، وعن أمرنا يأمر الإبن وبه يعمل تولاه الله فانته إلى قوله وعرِّف
معامِلتنا ذلك. (بكسر الميم: من يتعامل معنا).
وأخبرنا جماعة عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه وأبي غالب الزراري وأبي محمد
التلعكبري كلهم، عن محمد بن يعقوب، عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان
العمري (رحمه الله) أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ فوقع
التوقيع بخط مولانا صاحب الدار (عليه السلام) وذكرنا الخبر فيما تقدم: وأما محمد بن
عثمان العمري فرضي الله تعالى عنه وعن أبيه من قبل فإنه ثقتي وكتابه كتابي. قال أبو
العباس: وأخبرني هبة الله بن محمد بن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري (رضي الله
عنه) عن شيوخه قالوا: لم تزل الشيعة مقيمة على عدالة عثمان بن سعيد ومحمد بن عثمان
رحمها الله تعالى إلى أن توفي أبو عمرو عثمان
بن
سعيد (رحمه الله تعالى) وغسله ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان وتولى القيام به وجعل
الأمر كله مردوداً إليه، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته، لما تقدم له من
النص عليه بالأمانة والعدالة، والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن (عليه السلام)
وبعد موته في حياة أبيه عثمان بن سعيد، لا يختلف في عدالته ولا يرتاب بأمانته،
والتوقيعات تخرج على يده إلى الشيعة في المهمات طول حياته، بالخط الذي كانت تخرج في
حياة أبيه عثمان، لا يعرف الشيعة في هذا الأمر غيره ولا يرجع إلى أحد سواه. وقد
نقلت عنه دلائل كثيرة، ومعجزات الإمام (عليه السلام) ظهرت على يده، وأمورٌ أخبرهم
بها عنه زادتهم في هذا الأمر بصيرة وهي مشهورة عند الشيعة، وقد قدمنا طرفاً منها
فلا نطول بإعادتها، فإن في ذلك كفاية للمنصف إن شاء الله تعالى.
قال ابن نوح: أخبرني أبو نصر هبة الله ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قال:
كان لأبي جعفر محمد بن عثمان العمري كتب مصنفة في الفقه مما سمعها من أبي محمد
الحسن ومن الصاحب (عليهما السلام) ومن أبيه عثمان بن سعيد، عن أبي محمد، وعن أبيه
علي بن محمد (صلى الله عليه وآله) فيها كتب، ترجمتها: كتب الأشربة ذكرت الكبيرة أم
كلثوم بنت أبي جعفر (رضي الله عنها) أنها وصلت إلى أبي القاسم الحسين بن روح (رضي
الله عنه) عند الوصية إليه وكانت في يده. قال أبو نصر: وأظنها قالت وصلت بعد ذلك
إلى أبي الحسن السمري (رضي الله عنه) وأرضاه. قال أبو جعفر بن بابويه روي عن محمد
بن عثمان العمري (قدّس سره) أنه قال: والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة
يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه. وأخبرني جماعة، عن محمد بن علي بن الحسين
قال: أخبرنا أبي ومحمد بن الحسن ومحمد بن موسى بن المتوكل، عن عبد الله بن جعفر
الحميري أنه قال: سألت محمد بن عثمان (رضي الله عنه) فقلت له: رأيت صاحب هذا الأمر؟
قال: نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو (عليه السلام) يقول: اللهم أنجز لي
ما وعدتني. قال محمد بن عثمان (رضي الله عنه): ورأيته صلوات الله عليه متعلقاً
بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول: اللهم
انتقم
لي من أعدائك. وبهذا الإسناد عن محمد بن علي عن أبيه قال: حدثنا علي بن سليمان
الزراري، عن علي بن صدقة القمي (رحمه الله) قال: خرج إلى محمد بن عثمان العمري (رضي
الله عنه) ابتداءً من غير مسألة ليخبر الذين يسألون عن الاسم: إما السكوت والجنة،
وإما الكلام والنار، فإنهم إن وقفوا على الاسم أذاعوه، وإن وقفوا على المكان دلوا
عليه. قال ابن نوح: أخبرني أبو نصر هبة الله بن محمد قال: حدثني أبو علي بن أبي جيد
القمي (رحمه الله) قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد الدلال القمي قال: دخلت على
أبي جعفر محمد بن عثمان (رضي الله عنه) يوماً لأسلم عليه فوجدته وبين يديه ساجة
ونقاش ينقش عليها، ويكتب آياً من القرآن وأسماء الأئمة (عليهم السلام) على حواشيها،
فقلت له: يا سيدي ما هذه الساجة؟ فقال لي: هذه لقبري تكون فيه أوضع عليها أو قال:
أسند إليها، وقد فرغت منه وأنا في كل يوم أنزل فيه فأقرأ جزءً من القرآن فأصعد،
وأظنه قال: فأخذ بيدي وأرانيه فإذا كان يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا
وكذا صرت إلى الله (عزَّ وجلَّ) ودفنت فيه، وهذه الساجة معي! فلما خرجت من عنده
أثبت ما ذكره ولم أزل مترقباً به ذلك، فما تأخر الأمر حتى اعتل أبو جعفر فمات في
اليوم الذي ذكره من الشهر الذي قاله من السنة التي ذكرها ودفن فيه. قال أبو نصر هبة
الله: وقد سمعت هذا الحديث من غير أبي علي وحدثتني به أيضاً أم كلثوم بنت أبي جعفر
رضي الله تعالى عنهما.
وأخبرني جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (رضي الله عنه) قال: حدثني محمد
بن علي بن الأسود القمي أن أبا جعفر العمري (قدّس سره) حفر لنفسه قبراً وسواه
بالساج فسألته عن ذلك فقال: للناس أسباب، وسألته عن ذلك فقال: قد أمرت أن أجمع
أمري. فمات بعد ذلك بشهرين (رضي الله عنه) وأرضاه. وقال أبو نصر هبة الله: وجدت بخط
أبي غالب الزراري (رحمه الله) وغفر له أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري مات في آخر
جمادي الأولى سنة خمس وثلاثمائة. وذكر أبو نصر
هبة
الله بن محمد بن أحمد أن أبا جعفر العمري (رحمه الله) مات في سنة أربع وثلاثمائة
وأنه كان يتولى هذا الأمر نحواً من خمسين سنة، يحمل الناس إليه أموالهم ويخرج إليهم
التوقيعات بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن (عليه السلام) إليهم بالمهمات في أمر
الدين والدنيا، وفيما يسألونه من المسائل بالأجوبة العجيبة (رضي الله عنه) وأرضاه.
قال أبو نصر هبة الله: إن قبر أبي جعفر محمد بن عثمان عند والدته في شارع باب
الكوفة في الموضع الذي كانت دوره ومنازله فيه، وهو الآن في وسط الصحراء (قدّس سره).
ذكر إقامة أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري أبا القاسم الحسين
ابن روح (رضي الله عنهما) مقامه بعده بأمر الإمام صلوات الله عليه:
أخبرني الحسين بن إبراهيم القمي قال: أخبرني أبو العباس أحمد بن علي بن نوح قال:
أخبرني أبو علي أحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري (رحمه الله) قال: حدثني أبو عبد
الله جعفر بن محمد المدائني المعروف بابن قزدا في مقابر قريش قال: كان من رسمي إذا
حملت المال الذي في يدي إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (قدّس سره) أن
أقول له: ما لم يكن أحد يستقبله بمثله: هذا المال ومبلغه كذا وكذا للإمام (عليه
السلام) فيقول لي: نعم دعه فأراجعه فأقول له: تقول لي: إنه للإمام؟ فيقول: نعم
للإمام (عليه السلام) فيقبضه. فصرت إليه آخر عهدي به (قدّس سره) ومعي أربعمائة
دينار، فقلت له على رسمي فقال لي: إمض بها إلى الحسين بن روح، فتوقفت فقلت: تقبضها
أنت مني على الرسم؟ فرد علي كالمنكر لقولي وقال: قم عافاك الله فادفعها إلى الحسين
بن روح. فلما رأيت في وجهه غضباً خرجت وركبت دابتي فلما بلغت بعض الطريق رجعت
كالشاك فدققت الباب فخرج إلي الخادم فقال: من هذا؟ فقلت أنا فلان فاستأذن لي
فراجعني وهو منكر لقولي ورجوعي! فقلت له: أدخل فاستأذن لي فإنه لابد من لقائه، فدخل
فعرفه خبر رجوعي وكان قد دخل إلى دار النساء فخرج وجلس على سرير ورجلاه في الأرض
وفيهما نعلان يصف حسنهما وحسن رجليه. فقال لي: ما الذي جرأك على الرجوع ولمَ لمْ
تمتثل ما قلته لك؟ فقلت: لم أجسر على ما رسمته لي.
فقال
لي وهو مغضب: قم عافاك الله فقد أقمت أبا القاسم حسين بن روح مقامي ونصبته منصبي،
فقلت: بأمر الإمام؟ فقال: قم عافاك الله كما أقول لك! فلم يكن عندي غير المبادرة
فصرت إلى أبي القاسم بن روح وهو في دار ضيقة فعرَّفته ما جرى فسرَّ به وشكر الله
(عزَّ وجلَّ) ودفعت إليه الدنانير، وما زلت أحمل إليه ما يحصل في يدي بعد ذلك.
وسمعت أبا الحسن علي بن بلال بن معاوية المهلبي يقول في حياة جعفر بن محمد بن
قولويه: سمعت أبا القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي يقول: سمعت جعفر بن أحمد بن
متيل القمي يقول: كان محمد بن عثمان أبو جعفر العمري (رضي الله عنه) له من يتصرف له
ببغداد نحو من عشرة أنفس، وأبو القاسم بن روح (رضي الله عنه) فيهم، وكلهم كانوا أخص
به من أبي القاسم بن روح، حتى أنه كان إذا احتاج إلى حاجة أو إلى سبب ينجزه على يد
غيره لما لم يكن له تلك الخصوصية، فلما كان وقت مضي أبي جعفر (رضي الله عنه) وقع
الاختيار عليه وكانت الوصية إليه. قال: وقال مشايخنا: كنا لا نشك أنه إن كانت كائنة
من أمر أبي جعفر لا يقوم مقامه إلا جعفر بن أحمد بن متيل أو أبوه، لما رأينا من
الخصوصية به وكثرة كينونته في منزله حتى بلغ أنه كان في آخر عمره لا يأكل طعاماً
إلا ما أصلح في منزل جعفر بن أحمد بن متيل وأبيه بسبب وقع له! وكان طعامه الذي
يأكله في منزل جعفر وأبيه! وكان أصحابنا لا يشكون إن كانت حادثة لم تكن الوصية إلا
إليه من الخصوصية به، فلما كان عند ذلك ووقع الإختيار على أبي القاسم سلموا ولم
ينكروا، وكانوا معه وبين يديه كما كانوا مع أبي جعفر (رضي الله عنه)، ولم يزل جعفر
بن أحمد بن متيل في جملة أبي القاسم (رضي الله عنه) وبين يديه كتصرفه بين يدي أبي
جعفر العمري إلى أن مات (رضي الله عنه)، فكل من طعن على أبي القاسم فقد طعن على أبي
جعفر، وطعن على الحجة صلوات الله عليه.
وأخبرنا جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قال: حدثنا أبو
جعفر
محمد بن علي الأسود (رحمه الله) قال: كنت أحمل الأموال التي تحصل في باب الوقف إلى
أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (رحمه الله) فيقبضها مني، فحملت إليه يوماً شيئاً من
الأموال في آخر أيامه قبل موته بسنتين أو ثلاث سنين، فأمرني بتسليمه إلى أبي القاسم
الروحي (رضي الله عنه)، فكنت أطالبه بالقبوض فشكا ذلك إلى أبي جعفر (رضي الله
عنه)(لمراقبة السلطة) فأمرني أن لا أطالبه بالقبوض وقال: كل ما وصل إلى أبي القاسم
فقد وصل إليَّ، فكنت أحمل بعد ذلك الأموال إليه ولا أطالبه بالقبوض.
وبهذا الإسناد عن محمد بن علي بن الحسين قال: أخبرنا علي بن محمد بن متيل، عن عمه
جعفر بن أحمد بن متيل قال: لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه)
الوفاة كنت جالساً عند رأسه أسأله وأحدثه وأبو القاسم بن روح عند رجليه، فالتفت
إليَّ ثم قال: أُمِرْتُ أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح. قال: فقمت من عند
رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحولت إلى عند رجليه. قال ابن نوح:
وحدثني أبو عبد الله الحسين بن علي بن بابويه القمي، قدم علينا البصرة في شهر ربيع
الأول سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، قال: سمعت علوية الصفار والحسين بن أحمد بن إدريس
(رضي الله عنهما) يذكران هذا الحديث، وذكرا أنهما حضرا بغداد في ذلك الوقت وشاهدا
ذلك. وأخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى قال: أخبرني أبو علي محمد بن همام
(رضي الله عنه) وأرضاه أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه جمعنا قبل
موته وكنا وجوه الشيعة وشيوخها فقال لنا: إن حدث علي حدث الموت فالأمر إلى أبي
القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد أمرت أن أجعله في موضعي بعدي، فارجعوا إليه
وعولوا في أموركم عليه. وأخبرني الحسين بن إبراهيم عن ابن نوح، عن أبي نصر هبة الله
بن محمد قال: حدثني خالي أبو إبراهيم جعفر بن أحمد النوبختي قال: قال لي أبي أحمد
بن إبراهيم وعمي أبو جعفر عبد الله بن إبراهيم وجماعة من أهلنا يعني بني نوبخت: أن
أبا جعفر العمري لما اشتدت حاله اجتمع
جماعة
من وجوه الشيعة، منهم أبو علي بن همام، وأبو عبد الله بن محمد الكاتب، وأبو عبد
الله الباقطاني، وأبو سهل اسماعيل بن علي النوبختي، وأبو عبد الله بن الوجناء،
وغيرهم من الوجوه والأكابر، فدخلوا على أبي جعفر فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون
مكانك؟ فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي
والسفير بينكم وبين صاحب الأمر (عليه السلام) والوكيل والثقة الأمين، فارجعوا إليه
في أموركم وعولوا عليه في مهماتكم، فبذلك أمرت وقد بلَّغْتُ.
وبهذا الإسناد عن هبة الله بن محمد بن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قالت:
حدثتني أم كلثوم بنت أبي جعفر (رضي الله عنه) قالت: كان أبو القاسم الحسين بن روح
(رضي الله عنه) وكيلا لأبي جعفر (رضي الله عنه) سنين كثيرة، ينظر له في أملاكه
ويلقي بأسراره الرؤساء من الشيعة، وكان خصيصاً به حتى أنه كان يحدثه بما يجري بينه
وبين جواريه لقربه منه وأنسه. قالت: وكان يدفع إليه في كل شهر ثلاثين ديناراً رزقاً
له غير ما يصل إليه من الوزراء والرؤساء من الشيعة مثل آل الفرات وغيرهم لجاهه
ولموضعه وجلالة محله عندهم، فحل في أنفس الشيعة محلاً جليلاً لمعرفتهم باختصاص أبي
إياه وتوثيقه عندهم ونشر فضله ودينه، وماكان يحتمله من هذا الأمر، فمهدت له الحال
في طول حياة أبي إلى أن انتهت الوصية إليه بالنص عليه، فلم يختلف في أمره ولم يشك
فيه أحد إلا جاهل بأمر أبي أولاً، مع ما لست أعلم أن أحداً من الشيعة شك فيه، وقد
سمعت هذا من غير واحد من بني نوبخت رحمهم الله مثل أبي الحسن بن كبرياء وغيره.
وأخبرني جماعة عن أبي العباس بن نوح قال: وجدت بخط محمد بن نفيس فيما كتبه
بالأهواز: أول كتاب ورد من أبي القاسم (رضي الله عنه): نعرفه عرفه الله الخير كله
ورضوانه وأسعده بالتوفيق، وقفنا على كتابه وثقتنا بما هو عليه، وأنه عندنا بالمنزلة
والمحل اللذين يسرانه، زاد الله في إحسانه إليه إنه ولي قدير، والحمد لله
لا
شريك له، وصلى الله على رسوله محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً. وردت هذه الرقعة يوم
الأحد لست ليال خلون من شوال سنة خمس وثلاثمائة. (ثم روى بعض التوقيعات المتقدمة)
وفي رجال الطوسي (رحمه الله) /٣٨٩: (عثمان بن سعيد العمري، يكني أبا عمرو السمان
ويقال له الزيات، خدمه(أي الإمام الهادي (عليه السلام)) وله إحدى عشره سنة وله إليه
عهد معروف).
وفي/٤٤٧: (محمد بن عثمان بن سعيد العمري، يكنى أبا جعفر وأبوه يكنى أبا عمرو،
جميعاً وكيلان من جهة صاحب الزمان (عليه السلام)، ولهما منزلة جليلة عند الطائفة).
وروى في كمال الدين: ٢/٥١٠، تعزية الإمام (عليه السلام) لمحمد بن عثمان بوفاة أبيه
رحمهما الله. وغيبة الطوسي/٢١٩، والإحتجاج: ٢/٤٨١، والخرائج: ٣/١١١٢، ومنتخب
الأنوار/١٢٨، وعنها البحار: ٥١/٣٤٨.
وقال العلامة في الخلاصة/٢٢٠: (وهو ثقة جليل القدر، وكيل أبي محمد. واختلف في
تسميته بالعمري فقيل إنه ابن بنت أبي جعفر العمري (رضي الله عنه) فنسب إلى جده،
فقيل العمري وقيل: إن أبا محمد العسكري قال: لايُجمع على امرئ بين عثمان وأبي عمرو،
وأمر بكسر كنيته فقيل العمري).
وقال في/٢٥٠: (محمد بن عثمان بن سعيد العمري بفتح العين الأسدي، يكنى أبا جعفر
وأبوه يكنى أبا عمرو، جميعاً وكيلان في خدمة صاحب الزمان (عليه السلام) ولهما منزلة
جليلة عند هذه الطائفة، وكان محمد قد حفر لنفسه قبراً وسوَّاه بالساج فسئل عن ذلك
فقال: للناس أسباب، ثم سئل بعد ذلك فقال: قد أمرت أن أجمع أمري، فمات بعد شهرين من
ذلك في جمادي الأولى سنة خمس وثلاثمائة وقيل سنة أربع وثلاثمائة، وكان يتولى هذا
الأمر نحواً من خمسين سنة، وقال عند موته: أمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن
روح، وأوصى إليه، وأوصى أبو القاسم بن روح إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري، فلما
حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي، فقال: لله أمر هو بالغه. والغيبة الثانية هي التي
وقعت بعد مضي السمري).
وقال
السيد الخوئي (قدّس سره) في معجمه: ١٢/١٢٢، في ترجمة العَمْري: (خدم الهادي (عليه
السلام) وله إحدى عشرة سنة وله إليه عهد معروف... وذكره الشيخ في السفراء الممدوحين
وأثنى عليه وروى عدة روايات في مدحه وجلالته، منها... أحمد بن إسحاق بن سعد القمي
قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت: يا
سيدي أنا أغيب وأشهد ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت، فقول من نقبل
وأمر من نمتثل؟ فقال لي صلوات الله عليه: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم
فعني يقوله، وما أداه إليكم فعني يؤديه، فلما مضى أبو الحسن (عليه السلام) وصلت إلى
أبي محمد ابنه الحسن العسكري (عليه السلام) ذات يوم فقلت له (عليه السلام) مثل قولي
لأبيه، فقال لي: هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات،
فما قاله لكم فعني يقوله، وما أدى إليكم فعني يؤديه).
وروى في: ٧/١٥٤، قول الإمام العسكري (عليه السلام) في العمري: فإنه الطاهر الأمين
العفيف القريب منا وإلينا، فكل ما يحمله إلينا من شيء من النواحي فإليه يصير آخر
أمره ليوصل ذلك إلينا والحمد لله كثيراً. أقول: سند التوقيع قوي وفيه تصريح بجلالة
العمري وعظمته فضلاً عن وثاقته). انتهى.
وفي كمال الدين/٥١٩: (قال الحسين بن علي بن محمد المعروف بأبي علي البغدادي: ورأيت
تلك السنة بمدينة السلام امرأة فسألتني عن وكيل مولانا (عليه السلام) من هو؟
فأخبرها بعض القميين أنه أبو القاسم الحسين بن روح وأشار إليها فدخلت عليه وأنا
عنده، فقالت له أيها الشيخ أي شيء معي؟ فقال: ما معك فألقيه في الدجلة ثم ائتيني
حتى أخبرك، قال: فذهبت المرأة وحملت ما كان معها فألقته في الدجلة، ثم رجعت ودخلت
إلى أبي القاسم الروحي قدس الله روحه، فقال أبو القاسم لمملوكة له: أخرجي إليَّ
الحُق فأخرجت إليه حقةً فقال للمرأة: هذه الحقة التي كانت معك ورميت بها في الدجلة
أخبرك بما فيها أو تخبريني؟ فقالت له: بل أخبرني أنت،
فقال:
في هذه الحقة زوج سوار ذهب، وحلقة كبيرة فيها جوهرة، وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر،
وخاتمان أحدهما فيروزج والآخر عقيق. فكان الأمر كما ذكر لم يغادر منه شيئاً. ثم فتح
الحقة فعرض علي ما فيها فنظرت المرأة إليه، فقالت: هذا الذي حملته بعينه ورميت به
في الدجلة، فغشي علي وعلى المرأة فرحاً بما شاهدناه من صدق الدلالة. ثم قال الحسين
لي بعد ما حدثني بهذا الحديث: أشهد عند الله (عزَّ وجلَّ) يوم القيامة بما حدثت به
أنه كما ذكرته لم أزد فيه ولم أنقص منه، وحلف بالأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم
لقد صدق فيما حدث به وما زاد فيه وما نقص منه)! وروى في كمال الدين/٥٠٣، قصة فيها
أن أبا القاسم بن روح (رحمه الله) تكلم بالفارسية مع امرأة بلهجة بلدها، مع أنه لم
يكن يعرفها.
وفي كمال الدين: ٢/٥٠٤، عن جعفر بن محمد بن متيل: دعاني أبو جعفر محمد بن عثمان
السمان المعروف بالعمري (رضي الله عنه) فأخرج إلى ثويبات معلمة وصرة فيها دراهم
فقال لي: يحتاج أن تصير بنفسك إلى واسط في هذا الوقت، وتدفع ما دفعت إليك إلى أول
رجل يلقاك عن صعودك من المركب إلى الشط بواسط، قال فتداخلني من ذلك غم شديد، وقلت
مثلي يرسل في هذا الأمر ويحمل هذا الشيء الوتح؟ قال: فخرجت إلى واسط وصعدت من
المركب فأول رجل يلقاني سألته عن الحسن بن محمد بن قطاة الصيدلاني وكيل الوقف بواسط
فقال: أنا هو من أنت؟ فقلت: أنا جعفر بن محمد بن متيل، قال فعرفني باسمي وسلم علي
وسلمت عليه وتعانقنا، فقلت له: أبو جعفر العمري يقرأ عليك السلام ودفع إلي هذه
الثويبات وهذه الصرة لأسلمها إليك، فقال: الحمد لله فإن محمد بن عبد الله الحائري
قد مات وخرجت لإصلاح كفنه فحل الثياب وإذا فيها ما يحتاج إليه من حَبر وثياب وكافور
في الصرة وكرى الحمالين والحفار! قال: فشيعنا جنازته وانصرفت). ومثله الخرائج:
٣/١١١٩، وثاقب المناقب/٢٦١، وعنه إثبات الهداة: ٣/٦٧٨، والبحار: ٥١/٣٣٦.
السفير الثالث الحسين بن روح (قدّس سره)
قال العلامة في الخلاصة/٤٣٢: (ووكيله عثمان بن سعيد العمري أبو عمرو، وأول من نصبه
العسكري (عليه السلام) ثم نص أبو عمرو على ابنه أبي جعفر محمد بن عثمان ونص أيضاً
الإمام العسكري (عليه السلام) عليه، فلما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان الوفاة
واشتدت حاله حضر عنده جماعة من وجوه الشيعة منهم أبو علي بن همام وأبو عبد الله
محمد الكاتب، وأبو عبد الله الباقطاني، وأبو سهل اسماعيل بن علي النوبختي، وأبو عبد
الله بن الوجناء، وغيرهم من الوجوه الأكابر فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك
فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي، والسفير
بينكم وبين صاحب الأمر، والوكيل والثقة الأمين فارجعوا في أموركم إليه وعولوا في
مهماتكم عليه، فبذلك أمرتُ وقد بلغت. ثم أوصى أبو القاسم بن روح إلى أبي الحسن علي
بن محمد السمري، فلما حضرته الوفاة سئل أن يوصي فقال: لله أمر هو بالغه. ومات (رحمه
الله) سنة تسع وعشرين وثلاثمائة).
وفي كمال الدين/٥٠٣، عن جعفر بن محمد بن متيل قال: لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان
العمري السمان (رضي الله عنه) الوفاة كنت جالساً عند رأسه أسائله وأحدثه وأبو
القاسم الحسين بن روح، فالتفت إلي ثم قال لي: قد أمرت أن أوصى إلى أبى القاسم
الحسين بن روح قال: فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحولت
عند رجليه). وتقدم من رواية غيره في غيبة الطوسي.
علل الشرائع: ١/٢٤١: (العلة التي من أجلها لم يجعل الله تعالى الأنبياء والأئمة
(عليهم السلام) في جمع أحوالهم غالبين: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني
(رضي الله عنه) قال: كنت عند الشيخ أبى القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه مع
جماعة فيهم علي بن عيسى القصري، فقام إليه رجل فقال له: أريد أسألك عن شيء، فقال
له: سل عما بدا لك، فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي (عليه السلام) أهو وليُّ
الله؟
قال: نعم، قال: أخبرني عن قاتله لعنه الله أهو عدو الله؟ قال: نعم، قال الرجل: فهل يجوز أن يسلط الله عدوه على وليه؟ فقال له أبو القاسم قدس الله روحه: إفهم عني ما أقول لك: إعلم أن الله تعالى لايخاطب الناس بشهادة العيان ولا يشافههم بالكلام، ولكنه (عزَّ وجلَّ) بعث إليهم رسولاً من أجناسهم وأصنافهم بشراً مثلهم، فلو بعث إليهم رسلاً من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم، فلما جاؤوهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، قالوا لهم أنتم مثلنا فلا نقبل منكم حتى تأتون بشيء نعجز أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لانقدر عليه، فجعل الله تعالى لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار والإعذار فغرق جميع من طغى وتمرد، ومنهم من ألقيّ في النار فكانت عليه برداً وسلاماً، ومنهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة وأجرى في ضرعها لبناً، ومنهم من فلق له البحر وفجر له من الحجر العيون وجعل له العصا اليابسة ثعباناً فتلقف ما يأفكون، ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله تعالى وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، ومنهم من انشق له القمر وكلمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك. فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله، كان من تقدير الله تعالى ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبيائه مع هذه المعجزات في حال غالبين وفي أخرى مغلوبين، وفي حال قاهرين في حال مقهورين، ولو جعلهم (عزَّ وجلَّ) في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله تعالى ولمَا عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والإختيار! ولكنه (عزَّ وجلَّ) جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين، وليعلم العباد أن لهم (عليهم السلام) إلهاً هو خالقهم ومدبرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله وتكون حجة الله تعالى ثابتة على من تجاوز الحد فيهم وادعى لهم الربوبية أو عاند وخالف وعصى
وجحد
بما أتت به الأنبياء والرسل، وليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بينة.
قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي الله عنه): فعدت إلى الشيخ أبى القاسم الحسين بن
روح قدس الله روحه من الغد وأنا أقول في نفسي: أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند
نفسه؟ فابتدأني فقال لي: يا محمد بن إبراهيم لأن أخرُّ من السماء فتخطفني الطير أو
تهوي بي الريح في مكان سحيق، أحبُّ إليَّ من أن أقول في دين الله تعالى ذكره برأيي
ومن عند نفسي! بل ذلك عن الأصل ومسموع عن الحجة صلوات الله وسلامه عليه). وكمال
الدين/٥٠٧.
قال في تهذيب المقال: ٢/٤٠٦: (طبقته ومن روى عنه: روى الحسين بن روح عن أبي محمد
الحسن العسكري (عليه السلام) كما في مزار ابن المشهدي باب زيارة أخرى للأمير (عليه
السلام) وغير ذلك مما أوردناه في طبقات أصحابه، وروى عن إمامنا الحجة (عليه السلام)
فإنه بابه وسفيره. وروى عن جماعة منهم محمد بن زياد(التهذيب: ٦/٩٣) وروى عنه جماعة:
منهم جعفر بن أحمد بن متيل كثيراً، وعلي بن محمد بن متيل: الإكمال/٤٦٥، وأبو الحسن
علي بن أحمد العقيقي: الإكمال ٤٦٩ والغيبة/١٩٣، ومحمد بن إبراهيم ابن إسحاق
الطالقاني: الإكمال/٤٧١، والغيبة/٢٩٦، ومحمد بن الحسن الصيرفي الدورقي بأرض بلخ:
الإكمال/٤٨٠، والحسين بن محمد القمي المعروف بأبي علي البغدادي من مشايخ الصدوق:
الإكمال/٤٨٢، وأحمد الداودي الإكمال/٤٨٣، وأحمد بن إبراهيم النوبختي: الغيبة/٢٢٨،
وأبو الحسن بن كبرياء النوبختي: الغيبة/٢٣٧، والحسين بن علي بن سفيان البزوفري:
الغيبة/٢٣٨، وأحمد بن محمد الصفواني: الغيبة/٢٣٨، وترك الهروي المتكلم: الغيبة/٢٣٩،
وأبو جعفر محمد بن أحمد ابن الزكوزكي: الغيبة/٢٣٩، وعبد الله الكوفي خادمه:
الغيبة/٢٣٩، وأبو الحسن الأيادي: الغيبة/٢٤٠، وسلامة بن محمد: الغيبة/٢٤٠، وأبو عبد
الله بن غالب: الغيبة/٢٣٦، وابنه روح بن الحسين بن روح: الغيبة/٢٥١ وأبو علي محمد
بن همام: الغيبة/٢٥٢، والحسن بن محمد بن جمهور: التهذيب: ٦/٩٣، والحسن بن علي
الوجناء النصيبي: الغيبة ١٩٢، وأحمد بن الحسن بن أبي صالح الخجندي: الغيبة/١٩٦،
وأحمد بن محمد أبو غالب الزراري: الغيبة/١٩٧). ثم ذكر من الرواة عنه والد الصدوق
(رحمه الله).
السفير الرابع علي بن محمد السمري (قدّس سره)
في كمال الدين/٤٣٢: (ووكيله عثمان بن سعيد فلما مات عثمان أوصى إلى ابنه
أبي
جعفر محمد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى أبو
القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري (رضي الله عنهم)، قال: فلما حضرت السمري
الوفاة سئل أن يوصى فقال: لله أمر هو بالغه، فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي
السمري (رضي الله عنه)). ومثله روضة الواعظين/٢٦٦.
غيبة الطوسي/٣٩٣: (ذكر أمر أبي الحسن علي بن محمد السمري بعد الشيخ أبي القاسم
الحسين بن روح (رضي الله عنهما) وانقطاع الأعلام به وهم الأبواب:
أخبرني جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قال: حدثنا محمد بن
إبراهيم بن إسحاق، عن الحسن بن علي بن زكريا بمدينة السلام قال: حدثنا أبو عبد الله
محمد بن خليلان قال: حدثني أبي عن جده عتاب، من ولد عتاب بن أسيد، قال: ولد الخلف
المهدي صلوات الله عليه يوم الجمعة، وأمه ريحانة ويقال لها نرجس، ويقال لها صقيل
ويقال لها سوسن، إلا أنه قيل بسبب الحمل صقيل، وكان مولده لثمان خلون من شعبان سنة
ست وخمسين ومائتين، ووكيله عثمان بن سعيد، فلما مات عثمان بن سعيد أوصى إلى أبي
جعفر محمد بن عثمان (رحمه الله) وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح (رضي
الله عنه)، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري (رضي الله عنه)،
فلما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي فقال: لله أمر هو بالغه. فالغيبة التامة هي
التي وقعت بعد مضي السمري (رضي الله عنه).
وأخبرني محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيد الله، عن أبي عبد الله محمد بن
أحمد الصفواني قال: أوصى الشيخ أبو القاسم (رضي الله عنه) إلى أبي الحسن علي بن
محمد السمري (رضي الله عنه)، فقام بما كان إلى أبي القاسم، فلما حضرته الوفاة حضرت
الشيعة عنده وسألته عن الموكل بعده ولمن يقوم مقامه، فلم يظهر شيئاً من ذلك، وذكر
أنه لم يؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذا الشأن. وأخبرني جماعة عن أبي جعفر محمد
بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه،
قال:
حدثنا أبو الحسن صالح بن شعيب الطالقاني (رحمه الله) في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين
وثلاثمائة قال: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن مخلد قال: حضرت بغداد عند
المشايخ رحمهم الله، فقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري (قدّس سره) ابتداءً
منه: رحم الله علي بن الحسين بن بابويه القمي. قال فكتب المشايخ تأريخ ذلك اليوم
فورد الخبر أنه توفي في ذلك اليوم. ومضى أبو الحسن السمري (رضي الله عنه) بعد ذلك،
في النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة.
وأخبرنا جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قال: حدثني أبو محمد
الحسن بن أحمد المكتب قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو
الحسن علي بن محمد السمري (قدّس سره) فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس
توقيعاً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم: يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر
إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم
مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره،
وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً. وسيأتي شيعتي من يدعي
المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر. ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده فلما كان
اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيك من بعدك؟ فقال: لله أمر
هو بالغه وقضى. فهذا آخر كلام سمع منه (رضي الله عنه) وأرضاه). انتهى. وكمال الدين:
٢/٥١٦، وإعلام الورى/٤١٧، والإحتجاج: ٢ /٤٧٨، والخرائج: ٣/١١٢٨، وثاقب المناقب/٢٦٤،
وكشف الغمة: ٣/٣٢٠، والصراط المستقيم: ٢/٢٣٦. وفيه: فنسخت هذا التوقيع وقضى في
اليوم السادس، وقد كانت غيبته القصرى أربعة وستين سنة. ومنتخب الأنوار المضيئة/١٣٠،
وفيه: كانت وفاة الشيخ علي السمري المذكور في النصف من شعبان سنة٣٢٨ وتقدم من غيبة
الطوسي أنها في نصف شعبان٣٢٩، وإثبات الهداة: ٣/٦٩٣، والبحار: ٥١/٣٦١، و: ٥٢/١٥١.
وفي
دلائل الإمامة/٥٢٤: (قال علي بن محمد السمري: كتبت إليه أسأله عما عندك من العلوم،
فوقع (عليه السلام): علمنا على ثلاثة أوجه: ماض، وغابر، وحادث، أما الماضي فتفسير،
وأما الغابر فموقوف، وأما الحادث فقذفٌ في القلوب ونقرٌ في الاسماع وهو أفضل علمنا،
ولا نبي بعد نبينا (صلى الله عليه وآله).. حدثني أبو المفضل قال: حدثني محمد بن
يعقوب قال: كتب علي بن محمد السمري يسأل الصاحب (عليه السلام) كفناً يتبين ما يكون
من عنده، فورد: إنك تحتاج إليه سنة إحدى وثمانين، فمات في الوقت الذي حده وبعث إليه
بالكفن قبل أن يموت بشهر). ولابد أن الكفن كان لغير السمري (رحمه الله). وروى كمال
الدين: ٢/٥٠٣، إخبار السمري بوفاة والد الصدوق (رحمه الله) وغيبة الطوسي/٢٤٢ و٣٩٦،
ومثله ثاقب المناقب/٢٧٠، وعنه الخرائج: ٣/١١٢٨، وإثبات الهداة: ٣/٦٧٨، والبحار:
٥١/٣٦٠.
الحسين بن روح (قدّس سره) شخصيةٌ مُعَدَّةٌ لمرحلة التحولات
نلاحظ أولاً: أن بعض المؤرخين سموا القرن الرابع الهجري (قرن التشيع)، لأنه شهد
موجة شيعية واسعة. وقد وثَّق ذلك المستشرق آدم متز في كتابه (الحضارة الإسلامية في
القرن الرابع). فقد قويت الدولة الفاطمية في المغرب، وأخذت تضغط في مطلع القرن
الرابع على مصر حتى احتلتها وجعلتها عاصمتها.
وقد نجحت ثورة العلويين في شمال إيران وأسسوا دولتهم في طبرستان.
كما تفاقم خطر القرامطة الذين يدعون أنهم شيعة وأن قائدهم من ذرية علي (عليه
السلام)، وتواصلت غاراتهم السنوية الوحشية على قوافل الحجاج! ثم أغاروا على مكة
المكرمة وقتلوا الحجاج بشكل فجيع وسرقوا الحجر الأسود بحماقة، وعطلوا الحج ووصلت
غاراتهم إلى أطراف بغداد، والى بلاد الشام وفلسطين!
لكن هذه الظروف العالمية المحيطة بالدولة العباسية بمقدار ماكانت نفوذاً للعلويين
والتشيع، كانت بنفسها عوامل ضغط على الشيعة داخل الدولة العباسية!
ومن الطبيعي أن يتهم العباسيون الشيعة في بغداد وداخل الدولة بأنهم مؤيدون
للفاطميين أو على صلة بهم، أو أنصارٌ للعلويين في طبرستان، وحتى للقرامطة.
ولم
يقف الخطر على الشيعة عند ذلك، فقد ظهرت من وسطهم حركات الغلو من عدد من مدعي
السفارة الكذابين، الذين كان أحدهم يبدأ بادعاء السفارة والمقام عند الإمام المهدي
(عليه السلام) ثم يدعي حلول روح الإمام (عليه السلام) فيه، ثم يدعي حلول الله تعالى
في النبي والأئمة (عليهم السلام) ثم فيه! وكان أولهم الشريعي وصاحبه ابن نصير، ثم
الحلاج، ثم الشلمغاني.. الخ. وقد وجد كل واحد من هؤلاء أنصاراً من عوام الناس، بل
من بعض شخصيات السلطة وديوان الخلافة ورئاسة الوزراء، هذا إذا لم تكن الخلافة نفسها
وراء تشجيع هذا الغلو لتبرير ضربه، ثم ضرب الشيعة باسمه.
في هذا الخضم كان قائد سفينة التشيع شخصية يمتلئ يقيناً وعمقاً وقوة أعصاب، هو أبو
القاسم الحسين بن روح النوبختي (قدّس سره)، فقد قاد سفينة الشيعة ومثل فكر أهل
البيت (عليه السلام) بجدارة، فحفظ استقلالهم عن الزيدية في طبرستان، والفاطميين في
المغرب ومصر، والقرامطة في الجزيرة وأطرافها، وميزهم عن مفتريات المغالين
وأكاذيبهم، فكان (رحمه الله) رجل المرحلة بحق.
ثانياً: كان للسفير الثاني محمد بن عثمان العمري (رحمه الله) مكانة عظيمة في بغداد
كما تقدم، وكان له نحو عشرة من أصحابه علماء أتقياء مؤهلين لخلافته برأي الناس، ومن
أبرزهم أحمد بن متيل وابنه جعفر، ولم يكن الحسين بن روح منهم، ويبدو أنه كان في جو
المتدينين من آل نوبخت. لكن الله تعالى اختاره لصفات يعلمها، وقد ظهر منها قوة
شخصيته ومتانة أعصابه كما شهد ابن متيل وأبو سهل النوبختي، فقد روى الطوسي في
الغيبة/٣٩١: (قال ابن نوح: وسمعت جماعة من أصحابنا بمصر يذكرون أن أبا سهل النوبختي
سئل فقيل له: كيف صار هذا الأمر إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح دونك؟ فقال: هم
أعلم وما اختاروه، ولكن أنا رجل ألقى الخصوم وأناظرهم ولو علمت بمكانه كما علم أبو
القاسم وضغطتني الحجة لعلي كنت أدل على مكانه، وأبو القاسم فلو كانت الحجة تحت ذيله
وقرض بالمقاريض
ما
كشف الذيل عنه! أو كما قال). انتهى.
أقول: هذه القوة والمتانة في شخصية الحسين بن روح (رحمه الله) كانت معروفة لأصحابه،
وكانت العامل الثاني بعد تدينهم لقبوله والخضوع له بمجرد أن أخبرهم السفير الثاني
بأن الإمام (عليه السلام) أمره أن يعهد اليه. قال جعفر بن متيل (رحمه الله) كما في
كمال الدين/٥٠٣: (لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري السمان (رضي الله عنه)
الوفاة كنت جالساً عند رأسه أسائله وأحدثه وأبو القاسم الحسين بن روح، فالتفت إليَّ
ثم قال لي: قد أمرت أن أوصى إلى أبي القاسم الحسين بن روح قال: فقمت من عند رأسه
وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحولت عند رجليه). انتهى.
ثالثاً: على أن أعجب ما نقرؤه عن الحسين بن روح ورحمه الله شدته في التقية، في ظروف
شديدة الخطر على الشيعة في بغداد، ففي غيبة الطوسي/٣٨٤: (وكان أبو القاسم (رحمه
الله) من أعقل الناس عند المخالف والموافق ويستعمل التقية. فروى أبو نصر هبة الله
بن محمد قال: حدثني أبو عبد الله بن غالب حمو أبي الحسن بن أبي الطيب قال: ما رأيت
من هو أعقل من الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح، ولعهدي به يوماً في دار ابن يسار
وكان له محل عند السيدة والمقتدر عظيم، وكانت العامة أيضاً تعظمه، وكان أبو القاسم
يحضر تقية وخوفاً. وعهدي به وقد تناظر اثنان فزعم واحد أن أبا بكر أفضل الناس بعد
رسول الله، ثم عمر ثم علي، وقال الآخر: بل علي أفضل من عمر، فزاد الكلام بينهما.
فقال أبو القاسم (رضي الله عنه): الذي اجتمعت الصحابة عليه هو تقديم الصديق ثم بعده
الفاروق ثم بعده عثمان ذو النورين ثم علي الوصي وأصحاب الحديث على ذلك وهو الصحيح
عندنا! فبقي من حضر المجلس متعجباً من هذا القول وكاد العامة الحضور يرفعونه على
رؤسهم وكثر الدعاء له والطعن على من يرميه بالرفض. فوقع علي الضحك فلم أزل أتصبر
وأمنع نفسي وأدس كمي في فمي فخشيت أن أفتضح، فوثبت عن المجلس ونظر إلي ففطن بي،
فلما حصلت في منزلي فإذا بالباب يطرق فخرجت مبادراً فإذا بأبي القاسم الحسين
بن
روح (رضي الله عنه) راكباً بغلته قد وافاني من المجلس قبل مضيه إلى داره. فقال لي:
يا أبا عبد الله أيدك الله لم ضحكتَ؟ فأردت أن تهتف بي كأن الذي قلته عندك ليس بحق؟
فقلت: كذاك هو عندي. فقال لي: إتق الله أيها الشيخ فإني لا أجعلك في حل، تستعظم هذا
القول مني! فقلت: يا سيدي رجل يرى بأنه صاحب الإمام ووكيله يقول ذلك القول لا يتعجب
منه ولايضحك من قوله هذا؟! فقال لي: وحياتك لئن عدت لأهجرنك! وودعني وانصرف.
قال أبو نصر هبة الله بن محمد: حدثني أبو الحسن بن كبرياء النوبختي قال: بلغ الشيخ
أبا القاسم (رضي الله عنه) أن بواباً كان له على الباب الأول قد لعن معاوية وشتمه،
فأمر بطرده وصرفه عن خدمته، فبقي مدة طويلة يسأل في أمره فلا والله ما رده إلى
خدمته، وأخذه بعض الأهل فشغله معه! كل ذلك للتقية.
قال أبو نصر هبة الله: وحدثني أبو أحمد درانويه الأبرص الذي كانت داره في درب
القراطيس قال: قال لي إني كنت أنا وإخوتي ندخل إلى أبي القاسم الحسين بن روح (رضي
الله عنه) نعامله قال: وكانوا باعة ونحن مثلاً عشرة، تسعة نلعنه وواحد يشكك فنخرج
من عنده بعدما دخلنا إليه تسعة نتقرب إلى الله بمحبته وواحد واقف! لأنه كان يجارينا
في فضل الصحابة مارويناه وما لم نروه فنكتبه لحسنه عنه، (رضي الله عنه)).
وفي مناقب آل أبي طالب: ٣/١٠٥: (وسأل بزل بديل الهروي الحسين بن روح (رضي الله عنه)
فقال: كم بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: أربع، فقال: أيتهن أفضل؟
فقال: يا فاطمة، قال: ولم صارت أفضل وكانت أصغرهن سناً وأقلهن صحبة لرسول الله؟
قال: لخصلتين خصها الله بهما، أنها ورثت رسول الله ونسل رسول الله منها، ولم يخصها
بذلك إلا بفضل إخلاص عرفه من نيتها). انتهى.
وسيأتي في سجنه (قدّس سره) أن غرضهم من هذه الأسئلة كان الإيقاع به وبالشيعة!
رابعاً: إن اختيار الله تعالى للسفارة عن حجته على عباده (عليه السلام) أحد أوليائه
من بني نوبخت يشبه بعثته نبياً من الوسط الحاكم! فبنو نوبخت لهم مكانة في الدولة
العباسية من زمن المنصور، فعندما دخل المنصور سجن الأمويين في الأهواز رآه نوبخت
وكان مسجوناً أيضاً وكان منجماً ومترجماً، فتفرس فيه أنه من بني هاشم وأنه سيحكم،
فكتب له المنصور وعداً بمقام إذا وصل إلى الحكم، وعندما نجحت الثورة العباسية وفى
المنصور لنوبخت وأعطاه إقطاعات واسعة وأسلم نوبخت على يده، (تاريخ الذهبي: ٩/٤٦٧).
وجعله المنصور مستشاراً، وبنى عاصمته بغداد برأيه، ومن يومها دخلت أسرة نوبخت في
تاريخ البلاط العباسي والحياة الثقافية والسياسية، وكان لهم حيٌّ وسط العاصمة
بغداد، وبيوتهم معروفة يزورها شخصيات الدولة والوزراء، بل ذكر المؤرخون أن رئيس
الوزراء المهلبي دفن في مقبرتهم، مما يدل على أنها كانت في محل مناسب، ويظهر أن بني
نوبخت تشيعوا مبكراً في زمن المأمون أو قبله.
وقد نبغ منهم علماء ومؤلفون إلى جانب المنجمين والمترجمين. وكان الشيخ أبو القاسم
بن روح (قدّس سره) من علمائهم غير المعروفين، فاختاره الله للسفارة. راجع في بني
نوبخت: أنساب السمعاني: ٥/٥٢٩، ووفيات الأعيان: ٢/١٢٧، ومروج الذهب/١٣٠٤، ورجال
النجاشي/٣٧٣، وغيرها من مصادر التراجم والتاريخ.
خامساً: رافقت سفارة الحسين بن روح (قدّس سره) (٣٠٥ - ٣٢٦) مع خلافة المقتدر
العباسي الذي بويع سنة٢٩٥، وكان عمره١٣سنة وحكم ربع قرن حتى قتل سنة٢٢٠. (فقتله رجل
من البربر وقلع ثيابه فمر به رجل فستر سوأته بحشيش ثم حفر له ودفن وخفي أثره).
(مآثر الإنافة في معالم الخلافة: ١/٢٧٤). وقال ابن عبد ربه في العقد الفريد/١٢٧٠:
(وخلع في خلافته دفعتين الأولى بعد جلوسه بأربعة أشهر وأيام با بن المعتز وبطل
الأمر من يومه، والدفعة الثانية بعد إحدى وعشرين سنة وشهرين ويومين من خلافته خلع
نفسه
وأشهد عليه وأجلس القاهر يومين وبعض اليوم الثالث، ووقع الخلف بين العسكرين وعاد
المقتدر إلى حاله! وكان مولده لثمان بقين من شهر رمضان سنة لاثنتين وثمانين
ومائتين. وقتل بالشماسية يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوال سنة عشرين وثلثمائة.
فكانت خلافته خمساً وعشرين سنة إلا خمسة عشراً يوماً. وكانت سنُّه ثمانياً وثلاثين
سنة وشهراً وعشرين يوماً... ووزر له العباس بن الحسن، ثم علي بن محمد بن موسى بن
الفرات، ثم عبيد الله بن خاقان، ثم أبو الحسن على بن عيسى بن داود بن الجراح، ثم
حامد بن العباس، ثم أحمد بن عبيد الله الخصيبي، ثم محمد بن على بن مقلة، ثم سليمان
بن الحسن بن مخلد بن الجراح، ثم عبيد الله بن محمد الكلوذاني، ثم الحسين بن القاسم
بن عبيد الله بن سليمان بن وهب، ثم الفضل بن جعفر بن موسى بن الفرات). انتهى.
أقول: الوزير يومها يعني رئيس الوزراء الذي بيده مالية الدولة وكثير من أمورها
الإدارية، ويشكل هو وقادة الجيش وولاة الأمصار مراكز القوى الثلاث التي تتحكم في
الخليفة نصباً وعزلاً وسياسةً. وكان من هؤلاء الأحد عشر الذين استوزرهم المقتدر
بضعة وزراء شيعة أو يميلون إلى التشيع، منهم ابن مقلة، وأبرزهم ابن الفرات الذي
استوزره الخليفة ثم عزله وصادر أمواله وسجنه مرات، وكانت كفاءته تفرضه عليه في كل
مرة وكان محبوباً عند الناس. ففي تهذيب الأنساب لابن الأثير: ٢/٤١٤: (وكان يقارب
البرامكة في الجود، حتى قال الشاعر:
آل الفرات وآل برمك ما لكمْ قلَّ المعينُ لكم وقلَّ الناصر).
وقال الصابي في تاريخ الوزراء/٣: (بنو الفرات من قرية تدعى بابلي صريفين من
النهروان الأعلى وكان لهم بها أقارب يزيدون على ثلاثمائة نفس. وأول من ساد منهم أبو
العباس أحمد بن محمد بن موسى بن الفرات، وكان حسن الكتابة ظاهر الكفاية خبيراً
بالحساب والأعمال، متقدماً على أهل زمانه في هذه الأحوال... حدث أبوالفضل
بن عبد الحميد الكاتب قال: لما تولى أبو القاسم عبيد الله بن سليمان وزارة المعتضد بالله والدنيا منغلقة بالخوارج، والأطماع مستحكمة من جميع الجوانب، والمواد قاصرة والأموال معدومة، وقد استخرج اسماعيل بن بلبل خراج السواد لسنتين في سنة، وليس في الخزائن موجود من مال ولا صياغة أحتاج في كل يوم إلى ما لا بد منه من النفقات إلى سبعة آلاف دينار وتعذر عليه قيام وجهها! وقال لي يوماً وهو في مجلسه من دار المعتضد بالله: يا أبا الفضل قد وردنا على دنيا خراب مستغلقة وبيوت مال فارغة وابتداء عقد لخليفة جديد الأمر، وبيننا وبين الإفتتاح مدة(وقت قبض الخراج) ولا بد لي في كل يوم من سبعة آلاف دينار لنفقات الحضرة على غاية الإقتصار والتجزئة، فإن كنت تعرف وجهاً تعينني به فأحب أن ترشدني إليه؟ وكنت أعرف منها وجوهاً بالنصف فقلت وأنا أحب تخليص بني الفرات: إن أردت أن أحصل لك ذلك وزيادة فأطلق ابني الفرات واستعملهما. قال: فنهض ودخل على المعتضد بالله وعرفه الصورة وقال: أنا بعيد العهد بالعمل، وابنا الفرات قد خبرا الأعمال ووجوه الأموال وعندهما من علم ذاك ما يحتاج إليهما فيه. فقال له المعتضد: وكيف تصلح لنا نياتهما وقد استفسدناهما وأسأنا إليهما وصادرناهما؟ فقال له: إذا أردت أن تصطنعهما وتستصلحهما صلحاً ونصحاً. فقال له المعتضد: ربما اجتمعا عليك وأفسدا بيني وبينك والأمر في حبسهما وإطلاقهما إليك. فخرج وعرفني ما جرى وأحضر أبا العباس وأدناه وقال له: قد استوهبتك وعملت على اصطناعك والاستعانة بك فكيف تكون؟ قال: أبذل وسعي في كل ما قضى حقك وخفف عنك. وخرج إليه عبيد الله بما هو فيه وقص عليه أمره فيما يعانيه فقال له: يتقدم الوزير بإحضار أحمد بن محمد الطائي وعلي بن محمد أخي يعني أبا الحسن وتفردني وإياهما، ففعل عبيد الله ذلك واعتزل أبو العباس وأبو الحسن وخاطبا الطائي على أن يضمناه أعمال الكوفة والقصر وباروسما الأعلى والأسفل وما يجري مع ذلك، وقررا معه الضمان على أن يحمل من ماله في كل يوم سبعة آلاف دينار
وفي
كل شهر ستة آلاف دينار وأخذا خطة بالتزام الضمان وتصحيح المال على ما تقرر.... فطلب
أبا الحسن علي بن محمد بن الفرات وهو محبوس يومئذ مع أبي العباس أحمد أخيه، وقد
لحقتهما مكاره وعلق أبو العباس بحبال في يديه بقيت آثارها فيهما مدة حياته، وصودر
على مائة وعشرين ألف دينار صح منها ستون، فجيء به من محبسه يرسف في قيوده وعليه جبة
دنسة وشعره طويل فلما مثل بين يديه قال: الله الله أيها الوزير، وجعل يشكو ما أصابه
وأصاب أبا العباس أخاه من المكاره وفرائصه ترعد! فسكنه عبيد الله بن سليمان وقربه
وأجلسه وخاطبه بما أزال به روعه وخوفه. ثم خاطبه في المسألة عن أمر الأعمال والعمال
فانبسط أبو الحسن انبساط رجل جالس في الصدر وأخذ يقول: ناحية كذا مبلغ مالها كذا،
وقد حمل منه كذا وبقي كذا وعاملها مستقيم الطريقة، وناحية كذا على صورة كذا وعاملها
غير مضطلع بها وينبغي أن يستبدل به فيها، وناحية كذا على حال كذا، وعاملها ضعيف
وينبغي أن يشد بمشارك أو مشارف. حتى أتى على أمور الدنيا.... والتفت إلى من كان بين
يديه وقال: أرأيتم مثل ابن الفرات ومثل كتَّابي الذين صرفوه! والله لأخاطبن الخليفة
في العفو عن أبي الحسن وأبي العباس وأستعينن بهما فإنه لاعوض للسلطان عنهما ومضت
أيام وخاطب في معناها واستوهبهما واستعملهما). انتهى.
أقول: كان آل الفرات من العوائل المعروفة البارزة في بغداد، هم وآل نوبخت، وآل
بسطام الجعفيين ويقال لهم بنو سبرة، وكذلك آل حمدان أمراء الموصل وحلب وكان بعضهم
في بغداد، ثم آل مقلة، ويظهر أن الباقطانيين كانوا شيعة أيضاً، ففي الكافي: ١/٥٢٥،
عن علي بن محمد قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحير، فلما كان بعد أشهر دعا
الوزير الباقطائي فقال له: إلق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا يزوروا مقابر قريش
فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليه).
وذكر في نشوار المحاضرة/١٠٦٦، دفاع الوزير ابن الفرات عن إعطائه المناصب
الكبيرة للشيعة بأنهم أكفأ من غيرهم، قال: (يتمعضني الناس بتعطيلي مشايخ الكتاب
وتفريقي الأعمال على آل بسطام وآل نوبخت، والله لولا أنه لا يحسن تعطيل نفر من
العمال وقد قلدتهم، لما استعملت في الدنيا، إلا آل نوبخت دون غيرهم. قال أبو
الحسين: وإنما كان يتعصب لآل بسطام لرياسة أبي العباس عليه وللمذهب، ويتعصب لآل
نوبخت للمذهب).
سادساًً: كانت أم المقتدر من عوامل قوته، وهي جارية صقلبية أي بلغارية(الوافي:
١١/٧٤، ومعجم البلدان: ١/٨٧) كان اسمها ناعمة وسماها المعتضد بعد ولادتها المقتدر:
(شغب) وكانت قوية الشخصية، ويظهر أنها هي التي أقنعت قادة الجيش ببيعة ابنها
الصغير.
قال الزركلي: ٣/١٦٨: (مدبرة حازمة كانت من جواري المعتضد بالله أبي جعفر وأعتقها
وتزوجها. ولما آلت الخلافة إلى ابنها (المقتدر) سنة ٢٩٥ ه، وعمره ثلاث عشرة سنة
قامت بتوجيهه واستولت على أمور الخلافة. وأمرت سنة ٣٠٦ هـ قهرمانة لها اسمها ثمل أن
تجلس للنظر في عرائض الناس يوماً في كل جمعة، فكانت تجلس ويحضر الفقهاء والقضاة
والأعيان وتبرز التواقيع وعليها خطها. ولما ثار عبد الله بن حمدان على المقتدر،
وناصره بعض رجال المقتدر، وخلعوه سنة ٣١٧ استتر عند أمه وقيل حمل هو وأمه إلى دار
مؤنس المظفر. وكان لها ستمائة ألف دينار في الرصافة فأخذت ثم لم تلبث أن عادت إلى
تدبير الشؤون بعد قمع الثورة في السنة نفسها وظلت إلى أن قتل ابنها سنة٣٢٠ وولي
القاهر فضربها وعذبها.... وكانت صالحة وكان متحصلها في السنة ألف ألف دينار فتتصدق
بها وتخرج من عندها مثلها)! انتهى. والطريف قوله: صالحة! وقال الذهبي في تاريخ
الإسلام: ٢٣/٣٩٩: (وأول ما فعل(الخليفة القاهر) أن صادر آل المقتدر وعذبهم وأحضر أم
المقتدر وهي مريضة فضربها بيده ضرباً مبرحاً! فلم تظهر من مالها سوى خمسين ألف
دينار وأحضر القضاة وأشهد عليها ببيع أملاكها.... وما زال يعذبها حتى ماتت معلقة
بحبل)! انتهى.
وقد
خُلع القاهر بعد سنة ونصف، وسملت عيناه! (مروج الذهب/١٣٠٤).
ويظهر أن المقتدر وأمه رأوا كرامات لأبي القاسم بن روح (قدّس سره) فكانا يحترمانه
ويعظمانه في المرحلة الأولى قبل تحريك الحنابلة له ضد الشيعة، ففي غيبة الطوسي/٣٨٤:
(وكان أبو القاسم (رحمه الله) من أعقل الناس عند المخالف والموافق... حدثني أبو عبد
الله بن غالب... قال: ما رأيت من هو أعقل من الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح،
ولعهدي به يوماً في دار ابن يسار وكان له محل عند السيدة والمقتدر عظيم، وكانت
العامة أيضاً تعظمه). انتهى.
وقال ابن حجر في لسان الميزان: ٢/٢٨٣: (أحد رؤساء الشيعة في خلافة المقتدر، وله
وقائع في ذلك مع الوزراء إلى أن قال: كان كثير الجلالة في بغداد.
سابعاً: نورد نصين يكشفان عن دور الحسين بن روح (قدّس سره) في الأحداث الكبرى!
قال الصفدي في الوافي بالوفيات: ١٢/٢٢٦: (أبو القاسم الشيعي، الحسين بن روح بن بحر،
أبو القاسم. قال ابن أبي طي: هو أحد الأبواب لصاحب الأمر نص عليه بالنيابة أبو جعفر
محمد بن عثمان بن سعيد العمري... وكثرت غاشيته حتى كان الأمراء يركبون إليه
والوزراء والمعزولون عن الوزارة والأعيان وتواصف الناس عقله ولم يزل أبو القاسم على
مثل هذه الحال حتى ولي حامد بن العباس الوزارة فجرى له معه أمور وخطوب يطول شرحها،
وقبض عليه وسجن خمسة أعوام، وأطلق من الحبس لما خلع المقتدر فلما أعيد إلى الخلافة
شاوروه فيه قال: دعوه فبخطيئته جرى علينا ما جرى! وبقيت حرمته على ما كانت عليه،
ورمي بأنه كان يكاتب القرامطة ليحاصروا بغداد، وأن الأموال تجبى إليه، وكان يفتي
الشيعة ويفيدهم، وكاد أمره يتم ويستفحل إلى أن توفي سنة ست وعشرين وثلاثمائة).
وقال الذهبي في سيره: ١٥/٢٢٢: (الباب، كبير الإمامية، ومن كان أحد الأبواب إلى صاحب
الزمان المنتظر، الشيخ الصالح أبو القاسم حسين بن روح بن بحر القيني.
قال
ابن أبي طي في تاريخه: نص عليه بالنيابة أبو جعفر محمد بن عثمان العمري....
فروى علي بن محمد الأيادي عن أبيه قال: شاهدته يوماً وقد دخل عليه أبو عمر القاضي
فقال له أبو القاسم: صواب الرأي عند المشفق عبرةٌ عند المتورط، فلا يفعل القاضي ما
عزم عليه، فرأيت أبا عمر قد نظر إليه ثم قال: من أين لك هذا؟ فقال: إن كنت قلتُ لك
ما عرفتَهُ فمسألتي من أين لك فضول! وإن كنت لم تعرفه فقد ظفرت بي. قال: فقبض أبو
عمر على يديه وقال: لا بل والله أؤخرك ليومي أو لغدي! فلما خرج قال أبو القاسم: ما
رأيت محجوجاً قط يلقى البرهان بنفاق مثل هذا! كاشفته بما لم أكاشف به غيره. ولم يزل
أبو القاسم وافر الحرمة إلى أن وزر حامد بن العباس فجرت له معه خطوب يطول شرحها، ثم
سرد ابن أبي طي ترجمته في أوراق، وكيف أخذ وسجن خمسة أعوام وكيف أطلق وقت خلع
المقتدر، فلما أعادوه إلى الخلافة شاوروه فيه فقال: دعوه فبخطيته أوذينا. وبقيت
حرمته على ما كانت إلى أن مات في سنة ست وعشرين وثلاث مئة. وقد كاد أمره أن يظهر!
قلت: ولكن كفى الله شره فقد كان مضمراً لشق العصا. وقيل كان يكاتب القرامطة ليقدموا
بغداد ويحاصروها. وكانت الإمامية تبذل له الأموال، وله تلطف في الذب عنه، وعبارات
بليغة تدل على فصاحته وكمال عقله. وكان مفتي الرافضة وقدوتهم وله جلالة عجيبة! وهو
الذي رد على الشلمغاني لما علم انحلاله). انتهى.
هذا وكانت الثورة على المقتدر من اثنين من قادة جيشه هما نازوك وابن حمدان، لكن
القائد الكبير مؤنس تغلب عليهما وأعاده إلى الخلافة. (صلة تاريخ الطبري/٩٧).
* * *
فهذان
النصَّان للصفدي والذهبي وهما من غير الشيعة غنيان بالدلالات، يكشفان عن جلالة
الحسين بن روح (قدّس سره) ودوره العظيم في أحداث الخلافة وصراعات القوى:
١ - يدلان على أننا أمام شخصية غير عادية! فهو عالم شيعي يعتقد الشيعة بأنه سفير
إمامهم الغائب صلوات الله عليه، لكن له احترام وهيبة وإجلال عند كبار رجال
الدولة، ابتداء من الخليفة ووالدته(السيدة) إلى عامة الناس!
وقولهما: (وتواصف الناس عقله) وقول الذهبي: (وله جلالة عجيبة) يردُّ ادعاء ابن حجر
أن هذه الجلالة والاحترام ادعاها له الشيعة! قال في لسان الميزان: ٢/٢٨٣: (الحسين
بن روح بن بحر أبو القاسم، أحد رؤوساء الشيعة في خلافة المقتدر، وله وقائع في ذلك
مع الوزراء، ثم قبض عليه وسجن في المطمورة، وكان السبب في ذلك(... بياض) ومات سنة
ست وعشرين وثلاث مائة. وقد افترى له الشيعة الإمامية حكايات وزعموا أن له كرامات
ومكاشفات، وزعموا أنه كان في زمانه الباب إلى المنتظر، وأنه كان كثير الجلالة في
بغداد. والعلم عند الله). انتهى.
يقصد ابن حجر بقوله (والعلم عند الله) أنه يشك في كلامه السابق ولا يجزم به! فهو
أسلوب يستعمل عند الشك، ويستعمل للهروب من مسؤولية التدليس والكذب!
٢ - يدل ذلك وغيره على أن الحسين بن روح (قدّس سره) دخل في عمق القضايا السياسة،
لكن بأسلوبه الخاص الذي وجهه به الإمام (عليه السلام)، فكان ينصح ويحذر، ويأمر كبار
الشخصيات بما يخبره به الإمام (عليه السلام)، وكان الجميع يحترمونه ويهابونه، لأنه
لمسوا صدق إخباراته عن المستقبل وتوجيهاته واستفادوا منها!
وحتى القصة التي نقلها الذهبي عن قاضي القضاة، لاتدل على أنه لم ينفذ أمره! فنصها
يقول: (دخل عليه أبو عمر القاضي فقال له أبو القاسم: صواب الرأي عند المشفق عبرةٌ
عند المتورط، فلا يفعل القاضي ما عزم عليه، فرأيت أبا عمر قد نظر إليه ثم قال: من
أين لك هذا؟ فقال: إن كنت قلتُ لك ما عرفتَهُ فمسألتي من أين لك فضول! وإن كنت لم
تعرفه فقد ظفرت بي. قال: فقبض أبو عمر على يديه وقال: لا بل والله أؤخرك ليومي أو
لغدي! فلما خرج قال أبو القاسم: ما رأيت محجوجاً قط يلقى البرهان بنفاق مثل هذا!
كاشفته بما لم أكاشف به غيره). ومعناه أن قاضي
القضاة كان يزوره في بيته كغيره من الوزراء، وقد يكون الخليفة وأمه يزورانه أيضاً!
ولم أجد أي نص في أنه كان يزور أحداً منهم! وكان قاضي القضاة عزم على أمر كبير، قد
يكون قتل أحد المسؤولين في صراع السلطة الذي كانت الأطراف فيه تحتاج إلى حكم القاضي
بقتل بعضهم البعض وسمل العيون والمصادرة والنهب. فبادره الحسين بن روح (قدّس سره)
ناصحاً أن لايفعل ما عزم عليه! فارتبك وسأله: من أخبره بما عزم عليه؟! وكأن المسألة
من نوع التواطؤ السري للغاية بين قاضي القضاة وأحد صناع القرار، وأبرزهم: الخليفة،
وأمه، ورئيس الوزراء، ومؤنس قائد الجيش! فأجابه ابن روح (رحمه الله): مادام ما أقول
لك صحيحاً فلماذا تسأل من أين عرفته؟ وإن كان غير صحيح فلك الحق أن تتهمني!
عندها قال القاضي: لا أتهمك، لكن أمهلك يوماً أو يومين حتى تخبرني من أين عرفت!
فلما ذهب القاضي أظهر ابن روح (قدّس سره) تعجبه من نفاقه، وأنه بدل أن يخضع للبرهان
القطعي الذي كوشف به، ويشكره على نصيحته، استعمل النفاق وقال: أمهلك أياماً حتى
تخبرني من أخبرك!
وهذا يدلنا على أن القاضي اعترف ضمناً بأن ما أخبره به ابن روح صحيح، فقد اتهمه ابن
روح بالنفاق لأنه هرب من الموضوع إلى سؤال من أين عرفت هذا؟ وكأنه يعرف أن مصدر ابن
روح هو الإمام المهدي (عليه السلام) الملهم من ربه تعالى!
وقد ترجم الذهبي في سيره: ١٤/٥٥٥، لهذا القاضي فقال: (أبو عمر القاضي الإمام
الكبير، قاضي القضاة، أبو عمر، محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل ابن عالم البصرة
حماد بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم البصري ثم البغدادي... حدث عنه الدارقطني،
والقاضي أبو بكر الأبهري، وأبو بكر بن المقرئ.... وكان عديم النظير عقلاً وحلماً
وذكاء بحيث إن الرجل كان إذا بالغ في وصف شخص قال: كأنه أبو عمر القاضي.... ولم ير
أجل من مجلسه للحديث: البغوي عن يمينه، وابن صاعد عن شماله، وابن زياد النيسابوري
وغيره بين يديه.... ومات سنة عشرين وثلاث
مئة).
٣ - كان هدف الحسين بن روح (قدّس سره) من تدخله بالسياسة أو هدف الإمام صلوات الله
عليه، أن يترسخ مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في الأمة فكرياً وعملياً، ويتميز عن
غيره من مذاهب الغلو والتقصير، ويأخذ طريقه في حياة الأمة حتى يحين وقت الظهور.
وقد تحققت آخر مراحل هذا الهدف على يد السفراء الأربعة للإمام (عليه السلام) وخاصة
الحسين بن روح (قدّس سره)، وتعلم الشيعة أن يرجعوا إلى فقهائهم ويتكيفوا مع غيبة
إمامهم (عليه السلام) وزمن الفترة الذي امتحن الله به الأمة.
٤ - أقدم حامد بن العباس وزير المقتدر على سجن الحسين بن روح (قدّس سره)، وحبسوه في
سجن قصر الخليفة، وكان سجن القصر أفضل من سجن الوزير، بدليل أنه عندما غضب الخليفة
على الوزير حامد هذا وعزله، طلب أن يكون سجنه في قصر الخليفة وليس في سجن الوزير
الذي جاء بعده. (الكامل: ٨/١٤١).
وعندما وقعت الثورة على الخليفة المقتدر وخلعوه، نهبوا قصره وفتحوا سجنه وأطلقوا من
فيه، ثم أعيد الخليفة فشاوروه هل يرجعون الشيخ ابن روح إلى السجن فقال: (دعوه
فبخطيئته جرى علينا ما جرى) برواية الصفدي، وقال (دعوه فبخطيته أوذينا) برواية
الذهبي! ومعناه أن المقتدر كان يعتقد بأن ابن روح (قدّس سره) رجل صالح وأن الثورة
عليه وخلعه كانا عقوبةً له لأنه سجن ولي الله الحسين بن روح!
أما مدة سجنه (قدّس سره) فرووا أنها خمس سنوات، وذكرت رواية غيبة الطوسي/٣٠٧، أن
خروجه من السجن كان في آخر سنة اثني عشر وثلاث مئة، أو أول ثلاثة عشر.
أما سبب سجنه (قدّس سره) فجعلها ابن حجر في نسخته (بياضاً)! وقال عنها الذهبي: (ولم
يزل أبو القاسم على مثل هذه الحال حتى ولي حامد بن العباس الوزارة فجرى له معه أمور
وخطوب يطول شرحها، وقبض عليه وسجن خمسة أعوام).
ولم نجد في مصادر التاريخ والسير ما ذا كانت تلك الخطوب إلا ما ذكر الذهبي
وغيره
عن تاريخ ابن أبي طي الحلبي (رحمه الله) وهو كتاب مفقود في عصرنا مع الأسف!
والسبب الذي توصلتُ اليه أن المقتدر لم يكن يتبنى سياسة المتوكل في النصب لأهل
البيت (عليهم السلام) والعداء لشيعتهم، بل كان يعمل بسياسة المأمون وحفيده الواثق
في الموازنات بين الشيعة والسنة، وكان يحترم الحسين بن روح احتراماً خاصاً، لكن
مجسمة الحنابلة استطاعوا أن يحدثوا موجة مضادة للشيعة في بغداد ويؤثِّروا على
المقتدر ويفرضوا عليه حامد بن العباس رئيس وزراء، وجعلوا من موقف الشيعة السلبي من
أبي بكر وعمر علماً وشعاراً وأخذوا يمتحنون به الناس، ومنعوا زيارة الإمام الحسين
(عليه السلام) في كربلاء وقبر الإمام الكاظم (عليه السلام) في بغداد.. الخ.
وكان حامد بن العباس فارسياً يتبنى أفكار المتوكل ومجسمة الحنابلة، وهو الذي سجن
الحسين بن روح (رحمه الله)، وذكرت مصادرهم أنه كان يروج لفكرة قدم القرآن ويدعي أن
الواثق وهو العدو اللدود لمجسمة الحنابلة، قد تاب قبل وفاته عن رأيه بخلق القرآن
ووافق المجسمة! ففي تاريخ بغداد: ١٤/١٨: (حدثني حامد بن العباس عن رجل عن المهتدي
أن الواثق مات وقد تاب عن القول بخلق القرآن). انتهى.
ولا يتسع المجال لتفصيل هذه المسألة، وخلاصتها أن المأمون واجه موجة النصب والتجسيم
الأموي التي انتشرت في عصر الرشيد، فكتب منشوراً في البراءة من معاوية، وأمر بقتل
من قال بالتشبيه ورؤية الله تعالى وأن القرآن جزء من ذاته!
ثم جاء أخوه المعتصم بعده فخالفه وقرب مجسمة الحنابلة، ثم جاء الواثق فأعاد سياسة
المأمون، فقام مجسموا الحنابلة بحركة ضده في بغداد فقتل رئيسهم أحمد بن نصر الخزاعي
وذبحه بيده سنة إحدى وثلاثين ومئتين! راجع تاريخ بغداد: ٥/ ٣٨٤، و٣٨٦، وتهذيب
الكمال: ١/٥٠٨، وتاريخ اليعقوبي: ٢/٤٨٢، وغيرها.
قال ابن كثير في النهاية: ١٠/٣٣٤: (وكان الواثق من أشد الناس في القول بخلق القرآن،
يدعو إليه ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً، اعتماداً على ما كان عليه أبوه قبله وعمه
المأمون، من غير دليل ولا برهان ولا حجة ولا بيان ولا سنة ولا قرآن، فقام أحمد
بن
نصر هذا يدعو إلى الله وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول بأن القرآن
كلام الله منزل غير مخلوق، في أشياء كثيرة دعا الناس إليها. فاجتمع عليه جماعة من
أهل بغداد والتف عليه من الألوف..). انتهى.
ولم يُبيِّن ابن كثير معنى(أشياء كثيرة دعا الناس إليها) ولو كان صريحاً لقال إنها
نهيه عن تقديس بني أمية وعن بغض أهل البيت (عليهم السلام) ورؤية الله وتشبيهه
بخلقه، وعن تكفير الشيعة واستباحة دمائهم بحجة أنهم مشركون أو أنهم يسبون الصحابة..
الخ.
ثم جاء المتوكل وتبنى مذهب مجسمي الحنابلة، وأسس منهم حزباً سماه (أهل الحديث) كانت
مهمته محاربة الشيعة ومهاجمة مجالسهم في عاشوراء ومطاردة من يزورون منهم كربلاء
والكاظمية! وانتهت موجة المتوكل بقتله، وسار الخلفاء بعده على سياسة الموازنة بين
المذاهب والقوى السياسية وكان منهم المقتدر، حتى قوي الحنابلة وفرضوا عليه وزارة
حامد بن العباس.
إن ما تراه في سيرة ابن روح (قدّس سره) من استعماله التقية في أبي بكر وعمر
ومعاوية، يدلك على استهداف مجسمة الحنابلة في وزارة صاحبهم أن يقتلوه ويستبيحوا
دماء الشيعة بفتواه! ولكنهملم يجدوا عليه مستنداً فحبسوه! وقد يكون المقتدر أو
والدته (السيدة) تدخلوا وجعلوا حبسه في السجن التابع لقصر الخليفة! ولايبعد أن يكون
الخليفة وأمه وكثيراً من الطبقة السياسية يعتقدون بوجود الإمام المهدي (عليه
السلام) وأن أبا القاسم سفيره، لأنهم لمسوا منه كرامات ومعلومات لا تفسير لها إلا
بصدقه. رضوان الله عليه وصلوات الله على سيده صاحب الزمان، ويؤيد ذلك قول الواثق
المتقدم.
مؤلفات في سيرة السفراء الأربعة رضوان الله عليهم
دوَّن علماؤنا قديماً وحديثاً سيرة السفراء وأحاديثهم رضوان الله عليهم، وألفوا
فيهم الكتب الخاصة، فقد ذكر في الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ١/٣٥٣: (أخبار الوكلاء
الأربعة، وهم عثمان بن سعيد، ومحمد بن عثمان، والحسين بن روح،
وعلي
بن محمد السمري، النواب المخصصون في الغيبة الصغرى والسفراء والأبواب فيها الحجة
المهدي (عليه السلام)، لأبي العباس أحمد بن علي بن العباس بن نوح السيرافي نزيل
البصرة من مشايخ النجاشي، توفي حدود النيف والعشرة بعد الأربعماية، كما يظهر من
فهرس الشيخ، حيث إنه قال فيه إنه مات عن قرب، وكان شروع الشيخ في الفهرس بأمر الشيخ
المفيد، لكنه فرغ منه بعد وفاته حيث ذكر فيه حكاية يوم وفاة المفيد في سنة٤١٣،
فيكون وفاة السيرافي أيضاً في هذه الحدود.
أخبار الوكلاء الأربعة: المذكورين، لأبي عبد الله الجوهري أحمد بن محمد بن عياش،
صاحب مقتضب الأثر المتوفى سنة٤٠١، ذكره النجاشي). انتهى.
راجع في أحوال السفراء الأربعة (رضي الله عنهم)، كل المؤلفات في أحاديث الإمام
المهدي (عليه السلام)، وكذلك عامة كتب الرجال والتراجم.
الشيعة يتبركون بقبور السفراء الأربعة في بغداد
وقبورهم كلهم في بغداد رضوان الله عليهم، فقد انتقل السفير الأول عثمان بن سعيد
(رحمه الله) إلى بغداد بعد سنة أو سنتين من وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) كما
دلت رواية أحمد بن محمد الدينوري، ويظهر أنه توفي بعد سنوات قليلة فأوصى أن يقوم
مقامه ابنه محمد الذي نص عليه الإمام العسكري (عليه السلام) فقال: (نعم واشهدوا
عليَّ أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم). (غيبة
الطوسي/٤١٥) لكن لم أجد تاريخ وفاته (رحمه الله) مع أنهم نصوا على وصيته ومراسم
غسله وقبره.
وقد وصف الشيخ الطوسي (رحمه الله) قبره وزيارته له فقال في الغيبة/٣٥٨: (قال أبو
نصر هبة الله بن محمد: وقبر عثمان بن سعيد بالجانب الغربي من مدينة السلام في شارع
الميدان في أول الموضع المعروف في الدرب، المعروف بدرب جبلة في مسجد الدرب، يمنة
الداخل إليه، والقبر في نفس قبلة المسجد (رحمه الله). قال محمد بن الحسن
مصنف
هذا الكتاب: رأيت قبره في الموضع الذي ذكره، وكان بني في وجهه حائط وبه محراب
المسجد، وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع القبر في بيت ضيق مظلم، فكنا ندخل إليه ونزوره
مشاهرةً، وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد وهي سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيف وثلاثين
وأربعمائة. ثم نقض ذلك الحائط الرئيس أبو منصور محمد بن الفرج وأبرز القبر إلى
برَّا وعمل عليه صندوقاً، وهو تحت سقف يدخل إليه من أراده ويزوره، ويتبرك جيران
المحلة بزيارته ويقولون هو رجل صالح، وربما قالوا هو ابن داية الحسين (عليه
السلام)! ولا يعرفون حقيقة الحال فيه، وهو إلى يومنا هذا، وذلك سنة سبع وأربعين
وأربعمائة، على ما هو عليه). انتهى.
كما نص المحدثون على أن السفير الثاني أبو جعفر محمد بن عثمان (رحمه الله) توفي
سنة٣٠٥، وأن الإمام (عليه السلام) أخبره عن وفاته قبلها بشهرين، فاستعد وحفر قبراً
وكان يقرأ فيه القرآن وكتب على لوحة آيات القرآن واسماء الأئمة (عليهم السلام)
ليدفنها معه.
كما رووا أن وفاة الحسين بن روح (رحمه الله) كانت سنة٣٢٦، في شعبان كما في غيبة
الطوسي/٣٨٦: (عن بنت أبي جعفر العمري (رضي الله عنه) أن قبر أبي القاسم الحسين بن
روح في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل
وإلى الدرب الآخر وإلى قنطرة الشوك (رضي الله عنه). قال: وقال لي أبو نصر: مات أبو
القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة وقد رويت
عنه أخباراً كثيرة).
أما وفاة علي بن محمد السمري فكانت سنة٣٢٩، في النصف من شعبان، وقد وصف الطوسي
(رحمه الله) قبره فقال في/٣٩٦: (عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب أن قبر أبي
الحسن السمري (رضي الله عنه) في الشارع المعروف بشارع الخلنجي من ربع باب المحول
قريب من شاطئ نهر أبي عتاب. وذكر أنه مات (رضي الله عنه) في سنة تسع وعشرين
وثلاثمائة). انتهى. راجع للتفصيل: أعيان الشيعة: ٦/٢١، وتهذيب المقال: ٢/٤٠٠.
وقال
السيد محمد صادق بحر العلوم في مقدمة علل الشرائع:
(أ - أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله) وكان وكيلاً للأئمة الثلاثة أبي
الحسن الهادي وأبي محمد العسكري وأبي القاسم المهدي (عليهم السلام)، قبره بالجانب
الغربي من بغداد مما يلي سوق الميدان، معروف يزار ويتبرك به الشيعة.
بـ - أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله) ابن النائب السابق وخليفته
في مقامه بأمر الصاحب (عليه السلام)، وهو المعروف بالخلاني توفي سنة٣٠٥، آخر جمادى
الأولى وكانت أيام سفارته وسفارة أبيه من قبل خمساً وأربعين سنة، ابتدأت سنة ٢٦٠
إلى سنة٣٠٥ ه، وقبره في الجانب الشرقي من بغداد عند والدته في شارع باب الكوفة في
الموضع الذي كانت دوره ومنازله.
جـ - أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي (رحمه الله) تشرف بالنيابة من
سنة ٣٠٥ إلى أن توفى سنة٣٢٦ ه، في١٨ شعبان، وقبره ببغداد في الجانب الشرقي في سوق
العطارين يزار ويتبرك به، وهو معروف باسم قبر الحسين بن روح.
د - أبو الحسين علي بن محمد السمري (رحمه الله) وهو آخر السفراء تشرف بالنيابة في
١٨ شعبان سنة٣٢٦ إلى أن توفى سنة٣٢٩ ه، وهي آخر الغيبة الصغرى وأول الغيبة الكبرى،
وقبره في الجانب الغربي من بغداد مما يلي سوق الهرج والسراجين، وهو معروف ومشهور
يزار ويتبرك به). انتهى.
وقال الشيخ حرز الدين في مراقد المعارف، عن قبر الكليني (رحمه الله): (مرقده ببغداد
في الجهة المؤدية إلى باب الكوفة بجانب الرصافة، في الضفة الشرقية لنهر دجلة برأس
الجسر القديم، في جامع الصفوية المعروف بجامع الآصفية تحريفاً! ثم بتكية
المولوية... زرنا مرقد الشيخ الكليني لأول مرة سنة١٣٠٥ هببغداد وكان قد دلنا على
قبر الشيخ الكراجكي فضيلة الشيخ إمام الجامع والمقيم بنفس الجامع، فكان رسم قبره
دكة عالية بارتفاع ثلثي قامة إنسان خلف دكة قبر الشيخ الكليني (قدّس سره). وفي وقته
لم نشاهد على الدكة الصخرة القديمة ورأينا رسم موضعها بعد قلعها، وكان إلى
جانب
هذه الدكة رسم قبرين مردومين يظهر ذلك من الحجارة والأنقاض الباقية كالأكمتين. قلت:
المعروف والمشهور أن بهذه الجهة الشرقية من الرصافة في تلك الأزمنة دور سكن متقاربة
لوجوه علماء الشيعة الإمامية، ومنها دار ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
التي صارت من بعد مسجداً ومقبرة له ولبعض وجوه علماء الشيعة، ففي صدر هذا السوق
المستطيل مع مجرى نهر دجلة المعروف بسوق الهرج تارة وسوق السراجين أخرى، وبسوق
السراي في زماننا المتأخر: مرقد الشيخ عثمان بن سعيد العمري، وفي وسطه عند رأس
الجسر العتيق مرقد الشيخ الكليني، والشيخ الكراجكي، وأسفل منهما بيسير عند انحدار
دجلة مرقد الشيخ علي بن محمد السمري في مسجد القبلانية). (هامش كتاب: التعجب من
أغلاط العامة للكراجكي/١٦).
كتب السفراء ومواريثهم العلمية وكتاب الكافي
شاء الله سبحانه أن يمتحن هذه الأمة فتكفل لها بحفظ القرآن فقط، وترك لها سنة نبيه
(صلى الله عليه وآله) مع أنه خاتم الرسل (صلى الله عليه وآله)، فقد عمل النبي (صلى
الله عليه وآله) بأمر ربه، ولم يكتب سنته واكتفى بأن أخبر الأمة أن الكذابة ستكثر
عليه، وحذرهم من ذلك. كما عمل (صلى الله عليه وآله) بأمر ربه وترك كتابة عهده لأمته
الذي يضمن لها الهداية والسيادة على العالم إلى يوم القيامة، لأن طلقاء قريش لم
يقبلوا وهددوا بإعلان الردة، فاكتفى بالقول لهم: (ما أنا فيه خير مما تدعوني اليه!
قوموا عني) فطردهم من بيته وأخبرهم أنه ستجري عليهم سنن الأمم من قبلهم في الضلال
والتفرق! لكنه (صلى الله عليه وآله) كتب عدة كتب أملاها من فمه المقدس وكتبها علي
(عليه السلام) بخط يده وورَّثها للأئمة من عترته (عليهم السلام)، ومنها كتاب
الجامعة الذي ورد أنه يحتوي على كل ما تحتاج اليه الأمة من أحكام إلى يوم القيامة.
وعلى هذه السياسة النبوية سار أهل البيت (عليهم السلام) وكأنهم مأمورون بها، مع
أنهم عاشوا بعد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى غيبة خاتمهم (عليهم السلام) قرنين
ونصفاً، ولم يصدر عنهم إلا
الصحيفة السجادية، مع أنهم وقفوا ضد سياسة تغييب السنة ومنع التحديث والتدوين
وأمروا المسلمين بكتابة الحديث والعلم، وعرض عليهم عدد من تلاميذهم بعض مؤلفاتهم
وأقروها! ولبحث ذلك وتفصيله مجال آخر.
وقد ذكرت روايات السفيرين العمريين رحمهما الله أنه كان عندهما كتب في الفقه وتقدم
قول الطوسي في الغيبة/٣٦٣: (كان لأبي جعفر محمد بن عثمان العمري كتب مصنفة في الفقه
مما سمعها من أبي محمد الحسن ومن الصاحب (عليهما السلام) ومن أبيه عثمان بن سعيد،
عن أبي محمد وعن أبيه علي بن محمد (عليهما السلام) فيها كتب ترجمتها: كتب
الأشربة... وصلت إلى أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) عند الوصية إليه
وكانت في يده... وأظنها قالت وصلت بعد ذلك إلى أبي الحسن السمري).
وفي الذريعة: ٢/١٠٦: (كتب الأشربة) في أبواب الفقه للشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان بن
سعيد العمروي من ولد عمار بن ياسر كان وكيل الناحية المقدسة والمتولي للنيابة
الخاصة نحو خمسين سنة إلى أن توفي سنة٣٠٥ أو سنة٣٠٤ حكى الشيخ الطوسي في كتاب
الغيبة... الخ.).
وفي الذريعة: ٣/٢١٠: (كتاب التأديب) للشيخ أبي القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر
النوبختي ثالث النواب الأربعة والوكلاء الخواص للناحية المقدسة في الغيبة الصغرى
المتوفى سنة٣٢٦، روى الشيخ الطوسي في كتابه الغيبة(ص١٩٠) عند ذكره الحسين بن روح عن
مشايخه بأسنادهم إلى سلامة بن محمد قال: (أنفذ الشيخ الحسين بن روح (رضي الله عنه)
كتاب التأديب إلى قم وكتب إلى جماعة الفقهاء بها وقال لهم انظروا في هذا الكتاب
وانظروا فيه شيء يخالفكم فكتبوا إليه أنه كله صحيح وما فيه شيء يخالف إلا قوله في
الصاع في الفطرة نصف صاع من طعام والطعام عندنا مثل الشعير من كل واحد صاع). انتهى.
وروى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة/٢٦٧، عن روح بن الحسين بن روح أن أباه قرأ كتاب
الشلمغاني الذي ألفه قبل انحرافه، من أوله إلى آخره، وقال: (ما فيه من شيء إلا وقد
روى
عن الأئمة (عليهم السلام) إلا موضعين أو ثلاثة فإنه كذب عليهم في روايتها). انتهى.
أقول: في هذا الجو ألف الكليني (قدّس سره) كتابه الكافي في عشرين سنة، وكان يسكن في
بغداد في المحلة التي يسكن فيها السفراء (رضي الله عنهم)، فليس بعيداً أن يكون
تأليف الكتاب بتوجيههم، وأن يكونوا قرؤوه كله أو جله. ولبحث ذلك مجال آخر.
* * *
بقية الوكلاء في عصر السفراء الأربعة
الأسدي، حاجز بن يزيد، أحمد بن إسحاق، أحمد بن محمد بن عيسى...
قال الطوسي في الغيبة/٤١٥: (قد ذكرنا جملاً من أخبار السفراء والأبواب في زمان
الغيبة، لأن صحة ذلك مبني على ثبوت إمامة صاحب الزمان (عليه السلام) وفي ثبوت
وكالتهم وظهور المعجزات على أيديهم دليل واضح على إمامة من انتموا إليه، فلذلك
ذكرنا هذا، فليس لأحد أن يقول: ما الفائدة في ذكر أخبارهم فيما يتعلق بالكلام في
الغيبة لأنا قد بينا فائدة ذلك، فسقط هذا الاعتراض... وتابع الطوسي (رحمه الله):
وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل
المنصوبين للسفارة من الأصل. منهم أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي (رحمه الله):
أخبرنا أبو الحسين بن أبي جيد القمي، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن يحيى
العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن صالح بن أبي صالح قال: سألني بعض الناس في سنة
تسعين ومائتين قبض شيء، فامتنعت من ذلك وكتبت أستطلع الرأي، فأتاني الجواب: بالري
محمد بن جعفر العربي فليدفع إليه فإنه من ثقاتنا. وروى محمد بن يعقوب الكليني عن
أحمد بن يوسف الشاشي قال: قال لي محمد بن الحسن الكاتب المروزي: وجهت إلى حاجز
الوشاء مائتي دينار وكتبت إلى الغريم
بذلك فخرج الوصول، وذكر: أنه كان له قبلي ألف دينار وأني وجهت إليه مائتي دينار
وقال: إن أردت أن تعامل أحداً فعليك بأبي الحسين الأسدي بالري. فورد الخبر بوفاة
حاجز (رضي الله عنه) بعد يومين أو ثلاثة فأعلمته بموته فاغتم. فقلت له: لا تغتم فإن
لك في التوقيع إليك دلالتين، إحداهما إعلامه إياك أن المال ألف دينار والثانية أمره
إياك بمعاملة أبي الحسين الأسدي لعلمه بموت حاجز. وبهذا الإسناد عن أبي جعفر محمد
بن علي بن نوبخت قال: عزمت على الحج وتأهبت فورد علي: نحن لذلك كارهون، فضاق صدري
واغتممت وكتبت أنا مقيم بالسمع والطاعة غير أني مغتم بتخلفي عن الحج، فوقَّع: لا
يضيقن صدرك فإنك تحج من قابل. فلما كان من قابل استأذنت فورد الجواب فكتبت إني
عادلت محمد بن العباس وأنا واثق بديانته وصيانته فورد الجواب: الأسدي نعم العديل
فإن قدم فلا تختر عليه، قال: فقدم الأسدي فعادلته... عن محمد بن شاذان النيشابوري
قال: اجتمع عندي خمسمائة درهم ينقص عشرون درهماً فلم أحب أن ينقص هذا المقدار،
فوزنت من عندي عشرين درهماً ودفعتها إلى الأسدي ولم أكتب بخبر نقصانها وأني أتممتها
من مالي، فورد الجواب: قد وصلت الخمسمائة التي لك فيها عشرون! ومات الأسدي على ظاهر
العدالة لم يتغير ولم يطعن عليه في شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة.
ومنهم أحمد بن إسحاق وجماعة: خرج التوقيع في مدحهم. روى أحمد بن إدريس، عن أحمد بن
محمد بن عيسى، عن أبي محمد الرازي قال: كنت وأحمد بن أبي عبد الله بالعسكر، فورد
علينا رسول من قبل الرجل فقال: أحمد بن إسحاق الأشعري، وإبراهيم بن محمد الهمداني،
وأحمد بن حمزة بن اليسع ثقات). انتهى.
أقول: والرواية التالية تعطينا صورة عن حالة السفراء ومدعي السفارة في بغداد: ففي
دلائل الإمامة/٢٨٢ (عن أحمد بن الدينوري السراج المكنى بأبي العباس الملقب بأستاره
قال: انصرفت من أربيل إلى الدينور أريد الحج، وذلك بعد مضي
أبي محمد الحسن بن علي بسنة أو سنتين، وكان الناس في حيرة فاستبشروا أهل الدينور بموافاتي واجتمع الشيعة عندي فقالوا قد اجتمع عندنا ستة عشر ألف دينار من مال الموالي ويحتاج أن تحملها معك وتسلمها بحيث يجب تسليمها، قال فقلت يا قوم هذه حيرة ولا نعرف الباب في هذا الوقت، قال فقالوا: إنما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك فاحمله على ألا تخرجه من يدك إلا بحجة، قال فحمل إلي ذلك المال في صرر باسم رجل فحملت ذلك المال وخرجت فلما وافيت قرميسين، وكان أحمد بن الحسن مقيماً بها فصرت إليه مسلماً، فلما لقيني استبشر بي ثم أعطاني ألف دينار في كيس وتخوت ثياب من ألوان معتمة لم أعرف ما فيها، ثم قال لي أحمد: إحمل هذا معك ولا تخرجه عن يدك إلا بحجة، قال فقبضت منه المال والتخوت بما فيها من الثياب، فلما وردت بغداد لم يكن لي همة غير البحث عمن أشير إليه بالبابية، فقيل لي إن ها هنا رجلاً يعرف بالباقطاني يدعي بالبابية، وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدعى بالبابية، وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدعى بالبابية، قال فبدأت بالباقطاني فصرت إليه فوجدته شيخاً بهياً له مروة ظاهرة وفرش عربي وغلمان كثير ويجتمع عنده الناس يتناظرون، قال فدخلت إليه وسلمت عليه فرحب وقرب وبر وسر، قال فأطلت القعود إلى أن خرج أكثر الناس، قال فسألني عن حاجتي فعرفته أني رجل من أهل الدينور ومعي شيء من المال احتاج أن أسلمه، قال لي: أحمله قال فقلت: أريد حجة، قال تعود إليَّ في غد، قال فعدت إليه من الغد فلم يأت بحجة، وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأت بحجة، قال فصرت إلى إسحاق الأحمر فوجدته شاباً نظيفاً، منزله أكبر من منزل الباقطاني وفرشه ولباسه ومروته أسرى وغلمانه أكثر من غلمانه، ويجتمع عنده من الناس أكثر مما يجتمعون عند الباقطاني، قال فدخلت وسلمت فرحب وقرب، قال فصبرت إلى أن خف الناس فسألني عن حاجتي، فقلت له كما قلت للباقطاني،
وعدت إليه ثلاثة أيام فلم يأت بحجة. قال فصرت إلى أبى جعفر العمري فوجدته شيخاً متواضعاً عليه مبطنة بيضاء قاعد على لبد في بيت صغير ليس له غلمان، ولا له من المروة والفرش ما وجدت لغيره، قال فسلمت فرد جوابي وأدناني وبسط مني، ثم سألني عن حالي فعرفته أني وافيت من الجبل وحملت مالاً، فقال إن أحببت أن يصل هذا الشيء إلى حيث يجب، يجب أن تخرج إلى سر من رأى وتسأل عن دار ابن الرضا، وعن فلان بن فلان الوكيل وكانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها، فإنك تجد هناك ما تريد، قال فخرجت من عنده ومضيت نحو سر من رأى، وصرت إلى دار ابن الرضا وسألت عن الوكيل، فذكر البواب أنه مشتغل في الدار وأنه يخرج آنفاً، فقعدت على الباب أنتظر خروجه فخرج بعد ساعة فقمت وسلمت عليه وأخذ بيدي إلى بيت كان له، وسألني عن حالي وعما وردت له، فعرفته أني حملت شيئاً من المال من ناحية الجبل وأحتاج أن أسلمه بحجة، قال فقال نعم ثم قدم إلي طعام وقال لي تغدى بهذا واسترح فإنك تعب، وإن بيننا وبين الصلاة الأولى ساعة فإني أحمل إليك ما تريد، قال فأكلت ونمت فلما كان وقت الصلاة نهضت وصليت وذهبت إلى المشرعة فاغتسلت وانصرفت، ومكثت إلى أن مضى من الليل ربعه، فجاءني ومعه درج فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: وافى أحمد بن محمد الدينوري وحمل ستة عشر ألف دينار وفي كذا وكذا صرة فيها صرة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً، وصرة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً، إلى أن عد الصرار كلها! وصرة فلان بن فلان المراغي ستة عشر ديناراً. قال فوسوس لي الشيطان فقلت إن سيدي أعلم بهذا مني، فما زلت أقرأ ذكر الصرة وذكر صاحبها، حتى أتيت عليها على آخرها، ثم ذكر: قد حمل من قرميسين من عند أحمد بن الحسن البادراني أخي الصراف كيساً فيه ألف دينار وكذا وكذا تختاً ثياباً منها ثوب فلاني وثوب لونه كذا، حتى نسب الثياب إلى آخرها بأنسابها وألوانها. قال فحمدت الله وشكرته على ما منَّ به عليَّ من إزالة الشك عن قلبي، وأمر بتسليم جميع ما حملته إلى حيث ما يأمرك أبو
جعفر العمري! قال فانصرفت إلى بغداد وصرت إلى أبي جعفر العمري، قال وكان خروجي
وانصرافي في ثلاثة أيام، قال فلما بصر بي أبو جعفر العمري قال لي: لمَ لمْ تخرج؟
فقلت يا سيدي من سر من رأى انصرفت، قال فأنا أحدث أبا جعفر بهذا إذ وردت رقعة على
أبي جعفر العمري من مولانا (عليه السلام) ومعها درج مثل الدرج الذي كان معي، فيه
ذكر المال والثياب وأمر أن يسلم جميع ذلك إلى أبي جعفر محمد بن أحمد بن جعفر القطان
القمي، فلبس أبو جعفر العمري ثيابه وقال لي: إحمل ما معك إلى منزل محمد بن أحمد بن
جعفر القطان القمي، قال فحملت المال والثياب إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان
وسلمتها، وخرجت إلى الحج، فلما انصرفت إلى الدينور اجتمع عندي الناس فأخرجت الدرج
الذي أخرجه وكيل مولانا إليَّ وقرأته على القوم، فلما سمع ذكر الصرة باسم الزراع
سقط مغشياً عليه فما زلنا نعلله حتى أفاق سجد شكراً لله (عزَّ وجلَّ) وقال: الحمد
لله الذي من علينا بالهداية، الآن علمت أن الأرض لا تخلو من حجة، هذه الصرة دفعها
والله إلي هذا الزراع ولم يقف على ذلك إلا الله (عزَّ وجلَّ).
قال فخرجت ولقيت بعد ذلك بدهر أبا الحسن البادراني وعرفته الخبر، وقرأت عليه الدرج
قال: يا سبحان الله ما شككت في شيء فلا تشكن في أن الله (عزَّ وجلَّ) لا يخلي أرضه
من حجة. إعلم لما غزا أرتكوكين يزيد بن عبد الله بسهرورد وظفر ببلاده واحتوى على
خزائنه صار إليَّ رجل وذكر أن يزيد بن عبد الله جعل الفرس الفلاني والسيف الفلاني
في باب مولانا، قال فجعلت أنقل خزائن يزيد بن عبد الله إلى أرتكوكين أولاً فأولاً
وكنت أدافع الفرس والسيف إلى أن لم يبق شيء غيرهما، وكنت أرجو أن أخلص ذلك لمولانا،
فلما اشتد مطالبة أرتكوكين إياي ولم يمكنني مدافعته، جعلت في السيف والفرس في نفسي
ألف دينار وزنتها ودفعتها إلى الخازن وقلت أدفع هذه الدنانير في أوثق مكان ولا
تخرجن إليَّ في حال من الأحوال ولو
اشتدت الحاجة إليها، وسلمت الفرس والنصل، قال فأنا قاعد في مجلسي بالري أبرم الأمور
وأوفى القصص وآمر وأنهى إذ دخل أبو الحسن الأسدي، وكان يتعاهدني الوقت بعد الوقت
وكنت أقضي حوائجه، فلما طال جلوسه وعليه بؤس كثير، قلت له ما حاجتك؟ قال: أحتاج منك
إلى خلوة فأمرت الخازن أن يهيئ لنا مكاناً من الخزانة فدخلنا الخزانة، فأخرج إلي
رقعة صغيرة من مولانا فيها: يا أحمد بن الحسن الألف دينار التي لنا عندك ثمن النصل
والفرس سلمها إلى أبي الحسن الأسدي. قال فخررت لله (عزَّ وجلَّ) ساجداً شاكراً لما
منَّ به عليَّ وعرفت أنه خليفة الله حقاً، فإنه لم يقف على هذا أحد غيرك، فأضفت إلى
ذلك المال ثلاثة آلاف دينار سروراً بما من الله عليَّ بهذا الأمر). ومثله فرج
المهموم/٢٣٩، بتفاوت يسير، وإثبات الهداة: ٣/٧٠١، أوله عن مناقب فاطمة وفرج
المهموم، والبحار: ٥١/٣٠٠، ومختصراً في الكافي: ١/٥٢٢ ودلائل الإمامة/٢٨٥، ومثله
الإرشاد/٣٥٤، وغيبة الطوسي/١٧١، والخرائج: ١/٤٦٤، وإعلام الورى/٤٢٠، وإثبات الهداة:
٣/٦٦٢، والبحار: ٥١/٣١١.
أقول: هذا يدل على تشدد الشيعة في من ادعى السفارة، وأنهم كانوا يطلبون المعجزة
ويرونها على يد السفراء والوكلاء الموثقين رضوان الله عليهم. كما يظهر أن حاكم الري
وبعض القادة كانوا شيعة، وأن الإمام (عليه السلام) أرسل وكيله أبا الحسن الأسدي إلى
أحدهم ليقبض منهم الخمس، وأخبره بنيته التي لم يطلع عليها أحد.
كما روى الصدوق في كمال الدين: ٢/٤٨٨، توثيق حاجز بن يزيد والأسدي الوكيلين، عن نصر
بن الصباح البلخي، وأن الإمام المهدي (عليه السلام) أمر بعضهم بأن يراجعهما وكانا
في الري. ونحوه غيبة الطوسي/٢٥٧، والخرائج: ٢/٦٩٥، وعنهما إثبات الهداة: ٣/٦٧٣
و٦٩٣، عن كمال الدين والبحار: ٥١/٢٩٤، و٣٢٦ و٣٦٣.
وفي خلاصة العلامة/١١٧: (روى الكشي عن محمد بن مسعود قال: حدثني محمد بن نصير قال:
حدثني أحمد بن محمد بن عيسى أنه كان وكيلاً، وهذا سند صحيح).
وفي الكافي: ١/٥٢١، عن الحسن بن عبد الحميد قال: شككت في أمر حاجز
فجمعت شيئاً ثم صرت إلى العسكر فخرج إلي: ليس فينا شك ولا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا،
رُدَّ ما معك إلى حاجز بن يزيد). والهداية/٩٠، ونحوه كمال الدين: ٢/٤٩٩،
والإرشاد/٣٥٤، عن الكافي، وإعلام الورى/٤٢٠، وإثبات الهداة: ٣/٦٦٢ و٦٧٧. وشبيه به
في كمال الدين: ٢/٤٨٨، ودلائل الإمامة/٢٨٧، وثاقب المناقب/٢٦١، ومنتخب الأنوار/١٢٦،
وعنه إثبات الهداة: ٣/٦٧٣، والبحار: ٥١/٣٢٧.
سياسة الأئمة (عليه السلام) في قبول الأخماس والنذور والهدايا
من الأمور الملفتة في الإسلام أن الله تعالى خصص مالية عظيمة لعترة النبي (صلى الله
عليه وآله) على مدى الأجيال، وقد اتفق المسلمون على أن هذا التشريع نزل مبكراً بعد
معركة بدر فنزل قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ
مِنْ شيء فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا
أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ
وَاللهُ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ. (الأنفال: ٤١)، وهو تشريع ملفت عند أول
واردات حصلت عليها الدولة الإسلامية وهي غنائم بدر. فسهم الله تعالى من الخمس
لرسوله (صلى الله عليه وآله)، والنصف الآخر يصرفه الرسول (صلى الله عليه وآله) على
ذي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل من بني هاشم. وقد اتفقوا على أن النبي
(صلى الله عليه وآله) بلغهم تكريم الله لبني هاشم، وعين الصحابي محمية بن جزء
مسؤولاً عن الخمس فكان يجمع اليه ويصرفه عليهم بأمر النبي (صلى الله عليه وآله)،
ففي صحيح مسلم: ٣/١١٨: (اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا: والله
لو بعثنا هذين الغلامين إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكلماه فأمَّرهما على
هذه الصدقات فأديا ما يؤدي الناس وأصابا مما يصيب الناس... فلما صلى رسول الله
الظهر سبقناه إلى الحجرة فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا ثم قال: أخرجا ما تصرران
ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش قال: فتواكلنا الكلام ثم تكلم أحدنا
فقال يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على
بعض هذه الصدقات فنؤدي إليك كما يؤدى الناس
ونصيب كما يصيبون. قال فسكت طويلاً... ثم قال إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي
أوساخ الناس ادعوا لي محمية وكان على الخمس ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب قال
فجاءاه فقال لمحمية أنكح هذا الغلام ابنتك للفضل بن عباس، فأنكحه وقال لنوفل بن
الحارث: أنكح هذا الغلام ابنتك، وقال لمحمية أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا... وروى
حديثاً آخر فيه: ثم قال لنا: إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل
لمحمد ولا لآل محمد)!
ونحوه أحمد: ٤/١٦٦، وعون المعبود: ٨/١٤٦، وفي الاستيعاب: ٤/١٤٦٣: (واستعمله رسول
الله (صلى الله عليه وآله) على الأخماس وأمره أن يصدق عن قوم بني هاشم في مهور
نسائهم).
وفي الإصابة: ٦/٣٧: (وكان عامل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الأخماس).
وفي تاريخ اليعقوبي: ٢/٧٦: (وعلى المقاسم يوم بدر محمية بن جزء بن عبد يغوث الزبيدي
حليف بني جمح).
وفي إمتاع الاسماع: ١ /٢٠٥: (وأخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) الخمس من جميع
المغنم فكان يليه محمية بن جزء، وكان يجمع إليه الأخماس وكانت الصدقات على حدتها).
ورواه في شرح فتح القدير: ٢/٢٧٣، وقال: (وكذا ما روى البخاري عنه عليه الصلاة
والسلام نحن أهل البيت لا تحل الصدقة لنا). انتهى.
وليس غرضنا هنا بحث قضية الخمس وهي قضية كبيرة تحير فيها الخلفاء ثم الفقهاء،
وأقروا بها لكنهم لم يعطوا بني هاشم حقهم الشرعي، خوفاً من قوتهم المالية مع قوتهم
المعنوية!
بل غرضنا أن نبين السبب في أن الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم، تفاوت موقفهم من
حقهم المالي الضخم المنصوص عليه في القرآن والسنة، من الخمس وغيره فكانوا أحياناً
يطالبون به كما فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) مع عمر فاستكثره عمر ولم يعطه!
وأحياناً يعرضون عنه ويتركونه في يد غاصبيه، كما فعل أمير المؤمنين (عليه السلام)
في فدك وغيرها، وأحياناً يهبونه لشيعتهم لكي تَحِلَّ معيشتهم وتطيب ولادتهم،
وأحياناً
يطلبون دفعه اليهم أو إلى وكلائهم، ويحذرون من أكل درهم واحد منه! وهذا ما نلاحظه
في سياسة الإمام الهادي والعسكري والمهدي (عليهم السلام).
والسبب في تفاوت مواقفهم صلوات الله عليهم أن الصلاحية التي أعطاهم الله في هذه
المالية واسعة، فلهم تركها أو أخذها، مع أنهم قد لا يصرفون منها شيئاً لأنفسهم
وإنما يصرفونها في عملهم لنصرة الإسلام ومصالح المؤمنين.
فأخذهم لحقهم (عليهم السلام) أو تركه يتبع هذه الحركة، وقد اقتضت في عهود الأئمة
المتأخرين (عليهم السلام) أن يتبنوا التشدد في هذا النظام المالي والإنفاق المفروض،
لكثرة فوائده، من تعليم شيعتهم على الارتباط بالله تعالى وبأئمتهم (عليهم السلام)،
ومن ظهور الآيات والكرامات والبركات لشيعتهم بهذا الارتباط.. إلى آخر الفوائد
العديدة لذلك.
والأدلة على ما ذكرناه كثيرة من كلامهم صلوات الله عليهم، كالذي رواه الصدوق عن
الإمام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) بسند صحيح في كمال الدين: ٢/٤٨٣:
(وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئاً فأكله فإنما يأكل النيران. وأما
الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا
تخبث. وأما ندامة قوم قد شكوا في دين الله (عزَّ وجلَّ) على ما وصلونا به فقد أقلنا
من استقال ولا حاجة في صلة الشاكين). وقال (عليه السلام) كما في غيبة الطوسي/١٧٢:
(إنه أنهيَ إليَّ ارتياب جماعة منكم في الدين، وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة
أمورهم، فغمنا ذلك لكم لا لنا وساءنا فيكم لا فينا، لأن الله معنا ولا فاقة بنا إلى
غيره، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا، ونحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائعنا).
تواتر رؤية الإمام (عليه السلام) في غيبته وتكذيب من ادعى السفارة
تقدمت رواية الصدوق (رحمه الله) في كمال الدين: ٢/٥١٦، حدثنا أبو محمد الحسن بن
أحمد المكتب (رضي الله عنه) قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ
علي بن محمد السمري قدس الله روحه، فحضرته قبل وفاته بأيام، فأخرج
إلى الناس توقيعاً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري، أعظم
الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد
يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله (عزَّ
وجلَّ)، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من
يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر، ولا
حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلما
كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيك من بعدك؟ فقال: لله
أمر هو بالغه. ومضى (رضي الله عنه)، فهذا آخر كلام سمع منه). ومثله غيبة
الطوسي/٢٤٢، وإعلام الورى/٤١٧، والاحتجاج: ٢/٤٧٨، والخرائج: ٣/١١٢٨ وثاقب
المناقب/٢٦٤، وكشف الغمة: ٣/٣٢٠، وتاج المواليد/١٤٤، والصراط المستقيم: ٢/٢٣٦،
وفيه: فنسخت هذا التوقيع وقضى في اليوم السادس وقد كانت غيبته القصرى أربعة وستين
سنة. ومنتخب الأنوار/١٣٠، وفيه: وقال: كانت وفاة الشيخ علي السمري المذكور في النصف
من شعبان سنة ٣٢٨، وعنها إثبات الهداة: ٣/٦٩٣، والبحار: ٥١/٣٦١، و: ٥٢/١٥١.
ويكفي لصحة هذا الحديث أن الصدوق (رحمه الله) رواه بواسطة واحدة عن السمري (رحمه
الله)، وهو الحسن بن أحمد المكتَّب (رحمه الله) الذي يروي عنه بإجلال ويترضى عنه في
كتبه. قال في لسان الميزان: ٢/٢٧١: (قال علي بن الحكم في مشايخ الشيعة، كان مقيماً
بقم، وله كتاب في الفرائض أجاد فيه، وأخذ عنه أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه وكان
يعظمه). انتهى.
راجع تهذيب المقال للأبطحي: ٢/٣٧٢، ومستدركات علم رجال الحديث للنمازي: ٣/٧٢،
وتعليقة الوحيد البهبهاني/١٣٦، ومعجم رجال الحديث للسيد الخوئي: ٢/١٩٨، و: ٣/٣٥،
وغيرها.
أقول: والإشكال الذي يخطر في الذهن هنا أن هذا الحديث يدل على عدم إمكان مشاهدة
الإمام (عليه السلام) في غيبته الكبرى نهائياً، بدليل قوله (عجَّل الله تعالى فرجه
الشريف): (ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر) ولكن
ذلك اشتباه، لأن المقصود بادعاء المشاهدة هنا ادعاء السفارة للإمام (عجَّل الله
تعالى فرجه الشريف) لأن قوله (عليه السلام) قبله: (فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم
مقامك بعد وفاتك) يدل على أن مصب الكلام هو السفارة،
ويؤكده قوله (عليه السلام): (وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة..) فالإدعاء المحكوم
بكذبه هو الذي يأتي صاحبه الشيعة فيخبرهم بأنه يشاهد الإمام (عليه السلام) وأنه
سفيره وواسطته إلى الناس. فهذا هو المقصود بقوله (عليه السلام): (ألا فمن ادعى
المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر). وهذا ينطبق على عدد من مدعي
مقام السفارة ولو لم يسموها سفارة، فيجب ردهم وتكذيبهم ولا يجوز القبول منهم. ومن
أيسر طرق ردهم أن نختبرهم بطلب معجزة كما كان اختبر الشيعة جعفر الكذاب والحلاج،
والشلمغاني، وأضرابهم، لأن هؤلاء ورثتهم وأشباههم شاؤوا أم أبوا.
وعليه، فالذي يدعي مشاهدة الإمام (عليه السلام) في غيبته الكبرى وأنه سفيره أو أنه
كلفه بتبليغهم شيئاً صغيراً أو كبيراً، فهو كذاب مفتر لا يجوز تصديقه ولا اتباعه.
أما الذي لا يأتي الشيعة ولا يدعي مقاماً ولا سفارة من الإمام (عليه السلام)، بل
يدعي أنه تشرف برؤيته (عليه السلام) ورأى منه كرامة، أو أمره بأمر أو عمل لا يتعلق
بمقام السفارة وتبليغ شيء للناس، فلا يجب تكذيبه بل يجب تصديقه إذا تمت فيه شروط
التصديق.
وبهذا نفسر ما تواتر من مشاهدته والتشرف بلقائه صلوات الله عليه في غيبته الطبرى،
من عدد كبير من الثقات الأجلاء العدول السالمي والفكر والدين والحواس والذين ظهر
صدق عدد منهم بأدلة حسية.
* * *
كذابون ادعوا السفارة والنيابة عن الأئمة (عليهم السلام)
أهل البيت (عليهم السلام) ينفون عن مذهبهم الغلو والانحراف
مذهب أهل بيت النبوة (عليهم السلام) هو الوحي الإلهي النقيّ، وقد كان وما زال ينفي
عنه غلو الغالين وادعاء الكذابين نفياً بَتّاً لا لين فيه، كما ينفي تقصير
المقصرين.
وقد سجلت مصادرنا موقف الأئمة الحاسم ممن ادعى لهم الألوهية أو الشراكة مع الله
تعالى، أو النبوة، أو الحلول، أو ادعى كذباً السفارة والوكالة عنهم (عليهم السلام).
وأحد أسباب الغلو أن بعض الناس تعشي أبصارهم معجزات الأئمة (عليه السلام)، فبدل أن
تكون سبباً لتعميق إيمانهم بالله تعالى لما أكرم به أولياءه، نراهم تضيق عقولهم عن
عظمة الله تعالى وعطائه ويسول الشيطان لهم أن المخلوق إلهٌ، أو تسول لأحدهم نفسه أن
يدعي الألوهية لمخلوق، وأن الله تعالى حلَّ فيه، ليدعي بعد ذلك لنفسه أن الله حلَّ
فيه!
وكما يدل هذا التأليه على ضيق عقول المغالين، يدل على أن معجزات وكرامات أهل البيت
(عليهم السلام) أمر واقع.
وقد كان موقفهم صلوات الله عليهم شديداً باتاً من أولئك الكفار حيث ردوا افتراءهم
وعلموا الناس الخضوع والعبودية لله تعالى.
موقف أمير المؤمنين (عليه السلام) من الذين ألَّهُوه معاذ الله:
في مناقب آل أبي طالب: ١/٢٢٧: (أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير
المؤمنين هو الله، فبلغ ذلك أمير المؤمنين فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال: أنت هو،
فقال له ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب! فلما
أبى حبسه واستتابه ثلاثة أيام فأحرقه بالنار! وروي أن سبعين رجلاً من الزط أتوه (عليه السلام) بعد قتال أهل البصرة يدعونه إلهاً بلسانهم وسجدوا له قال لهم: ويلكم لا تفعلوا إنما أنا مخلوق مثلكم! فأبوا عليه فقال: فإن لم ترجعوا عما قلتم فيَّ وتتوبوا إلى الله لأقتلنكم، قال: فأبوا فخدَّ لهم أخاديد وأوقد ناراً فكان قنبر يحمل الرجل بعد الرجل على منكبه فيقذفه في النار، ثم قال:
إني
إذا أبصرت أمراً منكرا * * * أوقدت ناراً ودعوت قنبرا
ثم احتفرت حُفَراً فحُفَرا * * * وقنبرٌ يخطم خطماً منكرا).
والصحيح أنه (عليه السلام) لم يقتلهم دفعة واحدة بل حبسهم وبين لهم وأتم عليهم الحجة واستتابهم فلم يرجعوا، ثم حفر لهم حفراً مثقوبة على بعضها ودخَّن عليهم، فلم يتوبوا فقتلهم. قال ابن عبد البر في التمهيد: ٥/٣١٧: (فاتخذوه ربا وادعوه إلهاً وقالوا له: أنت خالقنا ورازقنا، فاستتابهم واستأنى وتوعدهم، فأقاموا على قولهم، فحفر لهم حفراً دخن عليهم فيها طمعاً في رجوعهم فأبوا فحرقهم). ونحوه فتح الباري: ١٢/٢٣٨، وتاريخ الذهبي: ٣/٦٤٣، وأنساب السمعاني: ٥/٤٩٨، وشرح النهج: ٥/٥، و: ٨/١١٩، ورجال الطوسي: ١/٢٨٨.
* * *
وكذلك موقف الإمام الصادق (عليه السلام) وبراءته ممن ادعى له الربوبية ولعنهم، ففي رجال الطوسي: ٢/٥٨٧: (عن أبي بصير قال قال لي أبو عبد الله: يا أبا محمد إبرأ ممن يزعم انا أرباب، قلت: برئ الله منه، قال: إبرأ ممن يزعم أنا أنبياء. قلت: برئ الله منه... وفي أصل زيد الزراد (رحمه الله) /٤٦، قال: (لما لبى أبو الخطاب بالكوفة وادعى في أبى عبد الله (عليه السلام) ما ادعى دخلت على أبي عبد الله مع عبيد بن زرارة فقلت له: جعلت فداك لقد ادعى أبو الخطاب وأصحابه فيك أمراً عظيماً إنه لبى لبيتك جعفر لبيك معراج! وزعم أصحابه أن أبا الخطاب أسري به إليك فلما هبط إلى الأرض من ذلك دعا إليك ولذلك لبى بك! قال: فرأيت أبا عبد الله (عليه السلام) قد أرسل دمعته من حماليق عينيه وهو يقول: يا رب برئت إليك مما ادعى فيَّ الأجدع عبد بنى أسد! خشع لك
شعري
وبشرى عبدٌ لك ابن عبد لك خاضع ذليل. ثم أطرق ساعة في الأرض كأنه يناجي شيئاً ثم
رفع رأسه وهو يقول: أجل أجل عبد خاضع خاشع ذليل لربه صاغر راغم من ربه خائف وجل. لي
والله ربٌّ أعبده لا أشرك به شيئاً! ماله أخزاه الله وأرعبه ولا آمن روعته يوم
القيامة ما كانت تلبية الأنبياء هكذا ولا تلبية الرسل، إنما لبيت بلبيك اللهم لبيك
لبيك لا شريك لك! ثم قمنا من عنده فقال يا زيد إنما قلت لك هذا لأستقر في قبري. يا
زيد أستر ذلك عن الأعداء). انتهى. وقصده (عليه السلام) أن ينتبه زيد الزراد لئلا
يستغل ذلك بنو العباس ضد الشيعة ويتهمونهم بعبادة أهل البيت (عليهم السلام)!
وفي الكافي: ٨/٢٢٥: (عن مالك بن عطية: خرج إلينا أبو عبد الله (عليه السلام) وهو
مغضب فقال: إني خرجت آنفا في حاجة فتعرض لي بعض سودان المدينة فهتف بي لبيك يا جعفر
بن محمد لبيك، فرجعت عودي على بدئي إلى منزلي خائفاً ذعراً مما قال حتى سجدت في
مسجدي لربي وعفرت له وجهي وذللت نفسي وبرئت إليه مما هتف بي! ولو أن عيسى بن مريم
عدا ما قال الله فيه إذا لصُمَّ صماً لا يسمع بعده أبداً وعمي عمى لا يبصر بعده
أبداً وخرس خرساً لا يتكلم بعد أبداً، ثم قال: لعن الله أبا الخطاب وقتله بالحديد).
وفي هامشه: واستجيب دعاؤه (عليه السلام) فيه ذكر الكشي أنه بعث عيسى بن موسى بن علي
بن عبد الله بن العباس وكان عامل المنصور على الكوفة إلى أبي الخطاب وأصحابه لما
بلغه أنهم قد أظهروا الإباحات ودعوا الناس إلى نبوة أبي الخطاب وأنهم مجتمعون في
المسجد لزموا الأساطين يروون الناس أنهم لزموها للجادة! وبعث إليهم رجلاً فقتلهم
جميعاً فلم يفلت منهم إلا رجل واحد أصابته جراحات فسقط بين القتلى يعد فيهم، فلما
جنه الليل خرج من بينهم فتخلص وهو أبو سلمة سالم بن مكرم الجمال وروى أنهم كانوا
سبعين رجلاً).
وفي رجال الطوسي: ٢/٥٨٤: (عن حنان بن سدير: كنت جالساً عند أبي عبد الله (عليه
السلام) ومُيَسِّر عنده، ونحن في سنة ثمان وثلاثين ومائة، فقال ميسر بياع الزطي:
جعلت فداك عجبت لقوم كانوا يأتون معنا إلى هذا الموضع فانقطعت آثارهم وفنيت
آجالهم، قال: ومن هم؟ قلت: أبو الخطاب وأصحابه، وكان متكئاً فجلس فرفع أصبعه إلى
السماء ثم قال: على أبي الخطاب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فأشهد بالله أنه
كافر فاسق مشرك وأنه يحشر مع فرعون في أشد العذاب غدواً وعشياً، ثم قال: أما والله
اني لأنفس على أجساد أصليت معه النار).
وفي معاني الأخبار/٣٨٨: (قيل له: إن أبا الخطاب يذكر عنك أنك قلت له: إذا عرفت الحق
فاعمل ما شئت فقال (عليه السلام): لعن الله أبا الخطاب والله ما قلت له هكذا ولكني
قلت: إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت من خير يقبل منك، إن الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (مَنْ
عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ
حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ. ويقول تبارك وتعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى
وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)).
* * *
وكذلك موقف الإمام الكاظم (عليه السلام): ففي رجال الطوسي: ٢/٥٨٧: عن ابن المغيرة قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) أنا ويحيى بن عبد الله بن الحسن فقال يحيى: جعلت فداك إنهم يزعمون أنك تعلم الغيب؟ فقال: سبحان الله سبحان الله، ضع يدك على رأسي، فوالله ما بقيت في جسدي شعرة ولا في رأسي إلا قامت! قال، ثم قال: لا والله ما هي الا وراثة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)).
* * *
وكذلك موقف الإمام الرضا (عليه السلام): ففي معجم رجال الحديث: ١٨/١٣٥: (قال الكشي(٤٢٨): قال نصر بن صباح: محمد بن الفرات كان بغدادياً حدثني الحسين بن الحسن القمي قال: حدثني سعد بن عبد الله قال: حدثني العبيدي عن يونس قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): يا يونس أما ترى إلى محمد بن الفرات وما يكذب عليَّ؟ فقلت: أبعده الله وأسحقه وأشقاه فقال: قد فعل الله ذلك به، أذاقه الله حر الحديد كما أذاق من كان قبله ممن كذب علينا، يا يونس إنما قلت ذلك لتحذِّر عنه أصحابي
وتأمرهم بلعنه والبراءة منه، فإن الله يبرأ منه. قال سعد: وحدثني ابن العبيدي قال:
حدثني أخي جعفر بن عيسى، وعلي ابن إسماعيل الميثمي عن أبي الحسن الرضا (عليه
السلام)، أنه قال: آذاني محمد بن الفرات، آذاه الله وأذاقه الله حر الحديد، آذاني
لعنه الله ما آذى أبو الخطاب لعنه الله جعفر بن محمد (عليه السلام) بمثله وما كذب
علينا خطابي مثل ما كذب محمد بن الفرات، والله ما من أحد يكذب علينا إلا ويذيقه
الله حر الحديد. قال محمد بن عيسى: فأخبراني وغيرهما: أنه ما لبث محمد بن الفرات
إلا قليلاً حتى قتله إبراهيم بن شكلة أخبث قتلة فكان محمد بن الفرات يقول: إنه باب
وإنه نبي، وكان القاسم اليقطيني وعلي بن حسكة القمي كذلك يدعيان، لعنهما الله).
وفي الاعتقادات للصدوق/٩٩: (كان الرضا (عليه السلام) يقول في دعائه: اللهم إني أبرأ
إليك من الحول والقوة فلا حول ولا قوة إلا بك. اللهم إني أبرأ إليك من الذين ادعوا
لنا ما ليس لنا بحق. اللهم إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في
أنفسنا. اللهم لك الخلق ومنك الأمر، وإياك نعبد وإياك نستعين. اللهم أنت خالقنا
وخالق آبائنا الأولين وآبائنا الآخرين. اللهم لا تليق الربوبية إلا بك، ولا تصلح
الإلهية إلا لك، فالعن النصارى الذين صغروا عظمتك، والعن المضاهين لقولهم من بريتك.
اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً
ولا نشوراً. اللهم من زعم أننا أرباب فنحن إليك منه براء ومن زعم أن إلينا الخلق
وعلينا الرزق فنحن إليك منه براء كبراءة عيسى من النصارى. اللهم إنا لم ندعهم إلى
ما يزعمون فلا تؤاخذنا بما يقولون واغفر لنا ما يزعمون.
رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ
دَيَّاراً، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا
فَاجِراً كَفَّاراً).
* * *
وكذلك موقف الإمام الهادي (عليه السلام): ففي رجال الطوسي: ٢/٨٠٥: (قال نصر بن
الصباح: الحسن بن محمد المعروف بابن بابا، ومحمد بن نصير النميري، وفارس بن حاتم
القزويني. لعن هؤلاء الثلاثة عليُّ بن محمد العسكري (عليه السلام). وذكر أبو محمد
الفضل بن شاذان في بعض كتبه أن من الكذابين المشهورين ابن بابا القمي. قال سعد:
حدثني العبيدي قال: كتب إلي العسكري (عليه السلام) ابتداءً منه: أبرأ إلى الله من
الفهري والحسن بن محمد بن بابا القمي فأبرأ منهما فإني محذرك وجميع مواليَّ، وإني
ألعنهما عليهما لعنة الله، مستأكليْن يأكلان بنا الناس فتَّانيْن مؤذييْن آذاهما
الله وأركسهما في الفتنة ركساً. يزعم ابن بابا أني بعثته نبياً وأنه باب! عليه لعنة
الله سخر منه الشيطان فأغواه فلعن الله من قبل منه ذلك! يا محمد إن قدرت أن تشدخ
رأسه بالحجر فافعل، فإنه قد آذاني آذاه الله في الدنيا والآخرة.
قال أبو عمرو: وقالت فرقة بنبوة محمد بن نصير النميري، وذلك أنه ادعى أنه نبي رسول،
وأن علي بن محمد العسكري (عليه السلام) أرسله، وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي
الحسن (عليه السلام) ويقول فيه بالربوبية ويقول: بإباحة المحارم، ويحلل نكاح الرجال
بعضهم بعضاً في أدبارهم ويقول إنه من الفاعل والمفعول به أحد الشهوات والطيبات، وأن
الله لم يحرم شيئاً من ذلك. وكان محمد بن موسى بن الحسن بن فرات(رئيس وزراء
الخليفة) يقوي أسبابه ويعضده، وذكر أنه رأى بعض الناس محمد بن نصير عياناً وغلام له
على ظهره وأنه عاتبه على ذلك فقال: إن هذا من اللذات وهو من التواضع لله وترك
التجبر! وافترق الناس فيه وبعده فرقاً). انتهى.
* * *
أقول:
وهناك عدد آخر ادعوا في الأئمة (عليه السلام) الألوهية أو الحلول لكي يصلوا إلى
ادعاء حلول الله سبحانه فيهم أو حلول روح النبي (صلى الله عليه وآله) أو أرواح
الأئمة (عليهم السلام) فيهم ويُضلوا الناس! ولا يتسع المجال لاستعراضهم جميعاً.
ومما يلاحظ أن أغلب هؤلاء المذمومين الذين صدر فيهم اللعن من الأئمة (عليهم السلام)
كانوا شخصيات في عصرهم، وبعضهم كان يساندهم خلفاء أو وزراء،
وهذا
السبب في أنهم جمعوا أتباعاً وأسسوا مذاهب. وطبيعي أن يتزايد هذا الخط التحريفي
للإسلام والتشيع بعد وفاة الإمام العسكري وغيبة المهدي (عليهما السلام)، وقد برز
فيه الشريعي والنصيري النميري والحلاج والشلمغاني. قال الطوسي (رحمه الله) في
الغيبة/٣٩٧:
ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية والسفارة كذباً وافتراءً لعنهم الله
أولهم المعروف بالشريعي: أخبرنا جماعة عن أبي محمد التلعكبري، عن أبي علي محمد بن
همام قال: كان الشريعي يكنى بأبي محمد قال هارون: وأظن اسمه كان الحسن، وكان من
أصحاب أبي الحسن علي بن محمد، ثم الحسن بن علي بعده (عليهم السلام)، وهو أول من
ادعى مقاماً لم يجعله الله فيه ولم يكن أهلاً له وكذب على الله وعلى حججه (عليهم
السلام) ونسب إليهم ما لايليق بهم وما هم منه براء، فلعنته الشيعة وتبرئت منه، وخرج
توقيع الإمام (عليه السلام) بلعنه والبراءة منه. قال هارون: ثم ظهر منه القول
بالكفر والإلحاد، قال: وكل هؤلاء المدعين إنما يكون كذبهم أولاً على الإمام وأنهم
وكلاؤه فيدعون الضعفة بهذا القول إلى موالاتهم، ثم يترقى الأمر بهم إلى قول
الحلاجية، كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه عليهم جميعاً لعائن الله تترى.
ومنهم محمد بن نصير النميري: قال ابن نوح: أخبرنا أبو نصر هبة الله بن محمد قال:
كما محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) فلما
توفي أبو محمد ادعى مقام أبي جعفر محمد بن عثمان أنه صاحب إمام الزمان وادعى له
البابية، وفضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والجهل، ولعن أبي جعفر محمد بن
عثمان له وتبريه منه واحتجابه عنه، وادعى ذلك الأمر بعد الشريعي. قال أبو طالب
الأنباري لما ظهر محمد بن نصير بما ظهر لعنه أبو جعفر (رضي الله عنه) وتبرأ منه،
فبلغه ذلك فقصد أبا جعفر (رضي الله عنه) ليعطف بقلبه عليه أو يعتذر إليه فلم يأذن
له وحجبه ورده خائباً. وقال سعد بن عبد الله: كان محمد بن نصير النميري
يدعي
أنه رسول نبي وأن علي بن محمد (عليه السلام) أرسله، وكان يقول بالتناسخ ويغلو في
أبي الحسن (عليه السلام) ويقول فيه بالربوبية ويقول بالإباحة للمحارم وتحليل نكاح
الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم ويزعم أن ذلك من التواضع والإخبات والتذلل في
المفعول به، وأنه من الفاعل إحدى الشهوات والطيبات، وأن الله (عزَّ وجلَّ) لا يحرم
شيئاً من ذلك! وكان محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات يقوي أسبابه ويعضده. أخبرني
بذلك عن محمد بن نصير أبو زكريا يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان أنه رآه عياناً وغلام
له على ظهره قال: فلقيته فعاتبته على ذلك فقال: إن هذا من اللذات وهو من التواضع
لله وترك التجبر. قال سعد فلما اعتل محمد بن نصير العلة التي توفي فيها، قيل له وهو
مثقل اللسان: لمن هذا الأمر من بعدك؟ فقال بلسان ضعيف ملجلج: أحمد، فلم يدروا من هو
فافترقوا بعده ثلاث فرق، قالت فرقة: إنه أحمد ابنه، وفرقة قالت: هو أحمد بن محمد بن
موسى بن الفرات، وفرقة قالت: إنه أحمد بن أبي الحسين بن بشر بن يزيد، فتفرقوا فلا
يرجعون إلى شيء!
ومنهم أحمد بن هلال الكرخي: قال أبو علي بن همام: كان أحمد بن هلال من أصحاب أبي
محمد (عليه السلام) فاجتمعت الشيعة على وكالة محمد بن عثمان (رضي الله عنه) بنص
الحسن (عليه السلام) في حياته، ولما مضى الحسن قالت الشيعة الجماعة له: ألا تقبل
أمر أبي جعفر محمد بن عثمان وترجع إليه وقد نص عليه الإمام المفترض الطاعة؟ فقال
لهم: لم اسمعه ينص عليه بالوكالة وليس أنكر أباه يعني عثمان بن سعيد فأما أن أقطع
أن أبا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا أجسر عليه فقالوا: قد سمعه غيرك فقال: أنتم وما
سمعتم ووقف على أبي جعفر، فلعنوه وتبرؤا منه ثم ظهر التوقيع على يد أبي القاسم بن
روح بلعنه والبراءة منه في جملة من لعن!
ومنهم: أبو طاهر محمد بن علي بن بلال: وقصته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر
محمد بن عثمان العمري نضر الله وجهه، وتمسكه بالأموال التي كانت
عنده
للإمام وامتناعه من تسليمها وادعائه أنه الوكيل حتى تبرأت الجماعة منه ولعنوه وخرج
فيه من صاحب الزمان (عليه السلام) ما هو معروف. وحكى أبو غالب الزراري قال: حدثني
أبو الحسن محمد بن محمد بن يحيى المعاذي قال: كان رجل من أصحابنا قد انضوى إلى أبي
طاهر بن بلال بعدما وقعت الفرقة، ثم إنه رجع عن ذلك وصار في جملتنا فسألناه عن
السبب قال: كنت عند أبي طاهر بن بلال يوماً وعنده أخوه أبو الطيب وابن حرز وجماعة
من أصحابه إذ دخل الغلام فقال: أبو جعفر العمري على الباب ففزعت الجماعة لذلك
وأنكرته للحال التي كانت جرت وقال: يدخل، فدخل أبو جعفر (رضي الله عنه) فقام له أبو
طاهر والجماعة وجلس في صدر المجلس، وجلس أبو طاهر كالجالس بين يديه فأمهلهم إلى أن
سكتوا. ثم قال: يا أبا طاهر نشدتك الله أو نشدتك بالله ألم يأمرك صاحب الزمان (عليه
السلام) بحمل ما عندك من المال إليَّ؟ فقال: اللهم نعم. فنهض أبو جعفر (رضي الله
عنه) منصرفاً ووقعت على القوم سكتة، فلما تجلت عنهم قال له أخوه أبو الطيب: من أين
رأيت صاحب الزمان؟ فقال أبو طاهر: أدخلني أبو جعفر (رضي الله عنه) إلى بعض دوره
فأشرف علي من علو داره فأمرني بحمل ما عندي من المال إليه، فقال له أبو الطيب: ومن
أين علمت أنه صاحب الزمان؟ قال: قد وقع علي من الهيبة له ودخلني من الرعب منه ما
علمت أنه صاحب الزمان، فكان هذا سبب انقطاعي عنه.
ومنهم الحسين بن منصور الحلاج: أخبرنا الحسين بن إبراهيم، عن أبي العباس أحمد بن
علي بن نوح، عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر
العمري قال: لما أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلاج ويظهر فضيحته ويخزيه، وقع له
أن أبا سهل إسماعيل بن علي النوبختي (رضي الله عنه) ممن تجوز عليه مخرقته وتتم عليه
حيلته، فوجه إليه يستدعيه وظن أن أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله،
وقدر أن يستجره إليه فيتمخرق به ويتشوف بانقياده على غيره، فيستتب له ما قصد إليه
من الحيلة والبهرجة على الضعفة، لقدر
أبي سهل في أنفس الناس ومحله من العلم والأدب أيضاً عندهم، ويقول له في مراسلته إياه: إني وكيل صاحب الزمان (عليه السلام) - وبهذا أولاً كان يستجر الجهال ثم يعلو منه إلى غيره - وقد أمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك لتقوي نفسك ولا ترتاب بهذا الأمر. فأرسل إليه أبو سهل (رضي الله عنه) يقول له: إني أسألك أمراً يسيراً يخفُّ مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين، وهو أني رجل أحب الجواري وأصبو إليهن، ولي منهن عدة أتحظاهن والشيب يبعدني عنهن، وأحتاج أن أخضبه في كل جمعة وأتحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك وإلا انكشف أمري عندهن، فصار القرب بعداً والوصال هجراً، وأريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤنته وتجعل لحيتي سوداء فإني طوع يديك وصائر إليك وقائل بقولك وداع إلى مذهبك، مع ما لي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة! فلما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته وجهل في الخروج إليه بمذهبه، وأمسك عنه ولم يرد إليه جواباً ولم يرسل إليه رسولاً وصيره أبو سهل (رضي الله عنه) أحدوثة وضحكة يطنَّز به عند كل أحد، وشهَّر أمره عند الصغير والكبير، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره وتنفير الجماعة عنه. وأخبرني جماعة عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أن ابن الحلاج صار إلى قم وكاتب قرابة أبي الحسن يستدعيه ويستدعي أبا الحسن أيضاً ويقول: أنا رسول الإمام ووكيله قال: فلما وقعت المكاتبة في يد أبي (رضي الله عنه) خرقها وقال لموصلها إليه: ما أفرغك للجهالات؟ فقال له الرجل - وأظن أنه قال إنه ابن عمته أو ابن عمه - فإن الرجل قد استدعانا فلم خرقت مكاتبته وضحكوا منه وهزئوا به، ثم نهض إلى دكانه ومعه جماعة من أصحابه وغلمانه. قال: فلما دخل إلى الدار التي كان فيها دكانه نهض له من كان هناك جالساً غير رجل رآه جالساً في الموضع فلم ينهض له ولم يعرفه أبي فلما جلس وأخرج حسابه ودواته كما يكون التجار أقبل
على
بعض من كان حاضراً، فسأله عنه فأخبره فسمعه الرجل يسأل عنه فأقبل عليه وقال له:
تسأل عني وأنا حاضر؟ فقال له أبي: أكبرتك أيها الرجل وأعظمت قدرك أن أسألك فقال له:
تخرق رقعتي وأنا أشاهدك تخرقها؟ فقال له أبي: فأنت الرجل إذاً! ثم قال: يا غلام
برجله وبقفاه، فخرج من الدار العدو لله ولرسوله ثم قال له: أتدعي المعجزات عليك
لعنة الله أو كما قال! فأخرج بقفاه فما رأيناه بعدها بقم!
ومنهم ابن أبي العزاقر: أخبرني الحسين بن إبراهيم، عن أحمد بن نوح، عن أبي نصر هبة
الله بن محمد بن أحمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري (رضي الله عنه)
قال: حدثتني الكبيرة أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري (رضي الله عنه) قالت: كان أبو
جعفر بن أبي العزاقر وجيهاً عند بني بسطام، وذاك أن الشيخ أبا القاسم رضي الله
تعالى عنه وأرضاه كان قد جعل له عند الناس منزلة وجاهاً، فكان عند ارتداده يحكي كل
كذب وبلاء وكفر لبني بسطام ويسنده عن الشيخ أبي القاسم فيقبلونه منه ويأخذونه عنه،
حتى انكشف ذلك لأبي القاسم (رضي الله عنه) فأنكره وأعظمه ونها بني بسطام عن كلامه
وأمرهم بلعنه والبراءة منه فلم ينتهوا وأقاموا على توليه. وذاك أنه كان يقول لهم:
إنني أذعت السر وقد أخذ عليَّ الكتمان، فعوقبت بالإبعاد بعد الاختصاص لأن الأمر
عظيم لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن، فيؤكد في نفوسهم عظم الأمر
وجلالته. فبلغ ذلك أبا القاسم (رضي الله عنه) فكتب إلى بني بسطام بلعنه والبراءة
منه وممن تابعه على قوله وأقام على توليه، فلما وصل إليهم أظهروه عليه فبكى بكاء
عظيماً، ثم قال: إن لهذا القول باطناً عظيماً وهو أن اللعنة الإبعاد، فمعنى قوله:
لعنه الله أي باعده الله عن العذاب والنار، والآن قد عرفت منزلتي ومرغ خديه على
التراب وقال: عليكم بالكتمان لهذا الأمر. قالت الكبيرة (رضي الله عنها): وقد كنت
أخبرت الشيخ أبا القاسم أن أم أبي جعفر بن بسطام قالت لي يوماً وقد دخلنا إليها
فاستقبلتني وأعظمتني وزادت في إعظامي حتى انكبت علي رجلي تقبلها فأنكرت ذلك! وقلت
لها: مهلاً يا ستي فإن
هذا أمر عظيم، وانكببت على يدها، فبكت ثم قالت: كيف لا أفعل بك هذا وأنت مولاتي فاطمة؟ فقلت لها وكيف ذاك يا ستي؟ فقالت لي: إن الشيخ أبا جعفر محمد بن علي خرج إلينا بالسر! قالت: فقلت لها: وما السر؟ قالت: قد أخذ علينا كتمانه وأفزع إن أنا أذعته عوقبت قالت: وأعطيتها موثقاً أني لا أكشفه لأحد واعتقدت في نفسي الاستثناء بالشيخ (رضي الله عنه) يعني أبا القاسم الحسين بن روح. قالت: إن الشيخ أبا جعفر قال لنا: إن روح رسول الله (صلى الله عليه وآله) انتقلت إلى أبيك يعني أبا جعفر محمد بن عثمان (رضي الله عنه)، وروح أمير المؤمنين (عليه السلام) انتقلت إلى بدن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح، وروح مولاتنا فاطمة (عليها السلام) انتقلت إليك، فكيف لا أعظمك يا ستنا. فقلت لها: مهلاً لا تفعلي فإن هذا كذب يا ستنا، فقالت لي: هو سر عظيم وقد أخذ علينا أننا لا نكشف هذا لأحد فالله الله فيَّ لا يحل لي العذاب، ويا ستي فلو لا أنك حملتيني على كشفه ما كشفته لك ولا لأحد غيرك! قالت الكبيرة أم كلثوم (رضي الله عنها): فلما انصرفت من عندها دخلت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح (رضي الله عنه) فأخبرته بالقصة وكان يثق بي ويركن إلى قولي، فقال لي: يا بنية إياك أن تمضي إلى هذه المرأة بعدما جرى منها، ولا تقبلي لها رقعة إن كاتبتك، ولا رسولاً إن أنفذته إليك ولا تلقيها بعد قولها، فهذا كفر بالله تعالى وإلحاد قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم، ليجعله طريقاً إلى أن يقول لهم: بأن الله تعالى اتحد به وحل فيه كما يقول النصارى في المسيح (عليه السلام)! ويعدو إلى قول الحلاج لعنه الله. قالت: فهجرت بني بسطام وتركت المضي إليهم ولم أقبل لهم عذراً ولا لقيت أمهم بعدها، وشاع في بني نوبخت الحديث، فلم يبق أحد إلا وتقدم إليه الشيخ أبو القاسم وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه وممن يتولاه ورضي
بقوله
أو كلمه فضلاً عن موالاته. ثم ظهر التوقيع من صاحب الزمان (عليه السلام) بلعن أبي
جعفر محمد بن علي والبراءة منه وممن تابعه وشايعه ورضي بقوله وأقام على توليه بعد
المعرفة بهذا التوقيع. وله حكايات قبيحة وأمور فظيعة ننزه كتابنا عن ذكرها ذكرها
ابن نوح وغيره. وكان سبب قتله أنه لما أظهر لعنه أبو القاسم بن روح (رضي الله عنه)
واشتهر أمره وتبرأ منه وأمر جميع الشيعة بذلك، لم يمكنه التلبيس فقال في مجلس حافل
فيه رؤساء الشيعة وكل يحكي عن الشيخ أبي القاسم لعنه والبراءة منه: إجمعوا بيني
وبينه حتى آخذ يده ويأخذ بيدي، فإن لم تنزل عليه نار من السماء تحرقه وإلا فجميع ما
قاله فيَّ حق، ورقي ذلك إلى الراضي لأنه كان ذلك في دار ابن مقلة فأمر بالقبض عليه
وقتله، فقتل واستراحت الشيعة منه.
وقال أبو الحسن محمد بن أحمد بن داود: كان محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي
العزاقر لعنه الله يعتقد القول بحمل الضد، ومعناه أنه لا يتهيأ إظهار فضيلة للولي
إلا بطعن الضد فيه، لأنه يحمل سامعي طعنه على طلب فضيلته فإذا هو أفضل من الولي، إذ
لا يتهيأ إظهار الفضل إلا به! وساقوا المذهب من وقت آدم الأول إلى آدم السابع لأنهم
قالوا: سبع عوالم وسبع أوادم، ونزلوا إلى موسى وفرعون ومحمد وعلي مع أبي بكر
ومعاوية. وأما في الضد فقال بعضهم: الولي ينصب الضد ويحمله على ذلك، كما قال قوم من
أصحاب الظاهر: إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) نصب أبا بكر في ذلك المقام! وقال
بعضهم: لا ولكن هو قديم معه لم يزل قالوا: والقائم الذي ذكر أصحاب الظاهر أنه من
ولد الحادي عشر فإنه يقوم معناه إبليس لأنه قال: فَسَجَدَ
الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إلا إبليس فلم يسجد، ثم قال:
لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، فدل على أنه كان قائماً في
وقت ما أمر بالسجود ثم قعد بعد ذلك! وقوله: يقوم القائم: إنما هو ذلك القائم الذي
أمر بالسجود فأبى وهو إبليس لعنه الله. وقال شاعرهم لعنهم الله:
يا لاعناً للضد من عَديِّ * * * ما الضدُّ إلا ظاهرُ الوليِّ
والحمد للمهيمن الوفي * * * لستُ على حال كحماميِّ
ولا حجامٍ ولا جَغْديِّ * * * قد فُقت من قولي على الفهديِّ
نعم وجاوزتُ مدى العبديّ * * * فوق عظيم ليس بالمجوسيِّ
لأنه الفرد بلا كيفيِّ * * * متحد بكل أوحديِّ
مخالط النوري والظلْمِيِّ * * * يا طالباً من بيت هاشميِّ
وجاحداً من بيت كسرويِّ * * * قد غاب في نسبة أعجميِّ
في الفارسي الحسب الرضيِّ* * * كما التوى في العُرْب من لؤيِّ!
وقال الصفواني: سمعت أبا علي بن همام يقول: سمعت محمد بن علي العزاقري الشلمغاني يقول: الحق واحد وإنما تختلف قمصه! فيوم يكون في أبيض، ويوم يكون في أحمر، ويوم يكون في أزرق. قال ابن همام: فهذا أول ما أنكرته من قوله لأنه قول أصحاب الحلول! وأخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى، عن أبي علي محمد بن همام أن محمد بن علي الشلمغاني لم يكن قط باباً إلى أبي القاسم ولا طريقاً له، ولا نصبه أبو القاسم لشيء من ذلك على وجه ولا سبب، ومن قال بذلك فقد أبطل، وإنما كان فقيهاً من فقهائنا وخلط وظهر عنه ما ظهر وانتشر الكفر والإلحاد عنه. فخرج فيه التوقيع على يد أبي القاسم بلعنه والبراءة ممن تابعه وشايعه وقال بقوله! وأخبرني الحسين بن إبراهيم عن أحمد بن علي بن نوح، عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد، قال: حدثني أبو عبد الله الحسين بن أحمد الحامدي البزاز المعروف بغلام أبي علي بن جعفر المعروف بابن زهومة النوبختي وكان شيخاً مستوراً، قال: سمعت روح بن أبي القاسم بن روح يقول: لما عمل محمد بن علي الشلمغاني كتاب التكليف قال الشيخ يعني أبا القاسم (رضي الله عنه): أطلبوه إلي لأنظره فجاؤوا به فقرأه من أوله إلى آخره، فقال: ما فيه شيء إلا وقد روي عن الأئمة إلا موضعين أو ثلاثة، فإنه كذب عليهم في روايتها لعنه الله.
وأخبرني جماعة عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود وأبي عبد الله الحسين بن علي بن
الحسين بن موسى بن بابويه أنهما قالا: مما أخطأ محمد بن علي في المذهب في باب
الشهادة أنه روى عن العالم (عليه السلام) أنه قال: إذا كان لأخيك المؤمن على رجل حق
فدفعه عنه ولم يكن له من البينة عليه إلا شاهد واحد وكان الشاهد ثقة رجعت إلى
الشاهد فسألته عن شهادته، فإذا أقامها عندك شهدت معه عند الحاكم على مثل ما يشهده
عنده لئلا يتوي حق امرئ مسلم. واللفظ لابن بابويه وقال: هذا كذب منه ولسنا نعرف
ذلك. وقال: في موضع آخر كذب فيه.
نسخة التوقيع الخارج في لعنه: أخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى قال: حدثنا
محمد بن همام قال: خرج على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) في ذي
الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة في لعن ابن أبي العزاقر والمداد رطب لم يجف.
وأخبرنا جماعة عن ابن داود قال: خرج التوقيع من الحسين بن روح في الشلمغاني، وأنفذ
نسخته إلى أبي علي بن همام في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة. قال ابن نوح:
وحدثنا أبو الفتح أحمد بن ذكا، مولى علي بن محمد بن الفرات (رحمه الله) قال: أخبرنا
أبو علي بن همام بن سهيل بتوقيع خرج في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة. قال
محمد بن الحسن بن جعفر بن اسماعيل بن صالح الصيمري: أنفذ الشيخ الحسين بن روح (رضي
الله عنه) من محبسه في دار المقتدر إلى شيخنا أبي علي بن همام في ذي الحجة سنة
اثنتي عشرة وثلاثمائة، وأملاه أبو علي وعرفني إن أبا القاسم (رضي الله عنه) راجع في
ترك إظهاره، فإنه في يد القوم وحبسهم فأمر بإظهاره وأن لا يخشى ويأمن، فتخلص وخرج
من الحبس بعد ذلك بمدة يسيرة والحمد لله. التوقيع: عرفك الله الخير أطال الله بقاءك
وعرفك الخير كله وختم به عملك من تثق بدينه وتسكن إلى نيته من إخواننا أسعدكم الله
وقال ابن داود: أدام الله سعادتكم من تسكن إلى دينه وتثق بنيته جميعاً بأن محمد بن
علي المعروف بالشلمغاني، زاد بن داود وهو ممن عجل الله له النقمة ولا أمهله، قد
ارتد
عن الإسلام وفارقه - اتفقوا - وألحد في دين الله وادعى ما كفر معه بالخالق جل
وتعالى وافترى كذباً وزوراً وقال بهتاناً وإثماً عظيماً. كذب العادلون بالله وضلوا
ضلالاً بعيداً وخسروا خسراناً مبيناً، وإننا قد برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله
وآله صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليهم منه، ولعناه عليه لعائن الله - زاد بن
داود تترى - في الظاهر منا والباطن في السر والجهر وفي كل وقت وعلى كل حال، وعلى من
شايعه وتابعه أو بلغه هذا القول منا وأقام على توليه بعده... قال هارون: وأخذ أبو
علي هذا التوقيع ولم يدع أحداً من الشيوخ إلا وأقرأه إياه، وكوتب من بعد منهم
بنسخته في ساير الأمصار، فاشتهر ذلك في الطائفة فاجتمعت على لعنه والبراءة منه.
وقتل محمد بن علي الشلمغاني في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة.
ذكر أمر أبي بكر البغدادي بن أخي الشيخ أبى جعفر محمد بن عثمان العمري، وأبي دلف
المجنون. أخبرني الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، عن أبي الحسن علي بن
بلال المهلبي قال: سمعت أبا القاسم جعفر بن محمد بن قولويه يقول: أما أبو دلف
الكاتب لا حاطه الله فكنا نعرفه ملحداً ثم أظهر الغلو، ثم جن وسلسل، ثم صار مفوضاً
وما عرفناه قط إذا حضر في مشهد إلا استخف به، ولا عرفته الشيعة إلا مدة يسيرة،
والجماعة تتبرأ منه وممن يومي إليه وينمس به. وقد كنا وجهنا إلى أبي بكر البغدادي
لما ادعى له هذا ما ادعاه فأنكر ذلك وحلف عليه، فقبلنا ذلك منه فلما دخل بغداد مال
إليه وعدل عن الطائفة وأوصى إليه، لم نشك أنه على مذهبه فلعناه وبرئنا منه، لأن
عندنا أن كل من ادعى الأمر بعد السمري (رحمه الله) فهو كافر منمس ضال مضل، وبالله
التوفيق.
وذكر أبو عمرو محمد بن محمد بن نصر السكري قال: لما قدم ابن محمد بن الحسن بن
الوليد القمي من قبل أبيه والجماعة على أبي بكر البغدادي وسألوه عن الأمر الذي حكي
فيه من النيابة أنكر ذلك وقال: ليس إلي من هذا شيء، وعرض
عليه
مال فأبى وقال: محرم علي أخذ شيء منه فإنه ليس إلي من هذا الأمر شيء ولا ادعيت
شيئاً من هذا، وكنت حاضراً لمخاطبته إياه بالبصرة.
وذكر ابن عياش قال: اجتمعت يوماً مع أبي دلف فأخذنا في ذكر أبي بكر البغدادي فقال
لي: تعلم من أين كان فضل سيدنا الشيخ قدس الله روحه وقدس به على أبي القاسم الحسين
بن روح وعلى غيره؟ فقلت له: ما أعرف قال: لأن أبا جعفر محمد بن عثمان قدم اسمه على
اسمه في وصيته، قال: فقلت له: فالمنصور إذاً أفضل من مولانا أبي الحسن موسى (عليه
السلام) قال: وكيف؟ قلت: لأن الصادق (عليه السلام) قدم اسمه على اسمه في الوصية!
فقال لي: أنت تتعصب على سيدنا وتعاديه، فقلت: والخلق كلهم تعادي أبا بكر البغدادي
وتتعصب عليه غيرك وحدك، وكدنا نتقاتل ونأخذ بالأزياق. وأمر أبي بكر البغدادي في قلة
العلم والمروة أشهر، وجنون أبي دلف أكثر من أن يحصى لا نشغل كتابنا بذلك ولا نطول
بذكره، وذكر ابن نوح طرفاً من ذلك. وروى أبو محمد هارون بن موسى، عن أبي القاسم
الحسين بن عبد الرحيم الابراروري قال: أنفذني أبي عبد الرحيم إلى أبي جعفر محمد بن
عثمان العمري (رضي الله عنه) في شيء كان بيني وبينه فحضرت مجلسه وفيه جماعة من
أصحابنا وهم يتذاكرون شيئاً من الروايات وما قاله الصادقون (عليهم السلام) حتى أقبل
أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان المعروف بالبغدادي بن أخي أبي جعفر العمري (رضي الله
عنه)، فلما بصر به أبو جعفر (رضي الله عنه) قال للجماعة: أمسكوا فإن هذا الجائي ليس
من أصحابكم. وحكي أنه توكل لليزيدي بالبصرة فبقي في خدمته مدة طويلة وجمع مالاً
عظيماً فسعي به إلى اليزيدي فقبض عليه وصادره وضربه على أم رأسه حتى نزل الماء في
عينيه، فمات أبو بكر ضريراً.
وقال أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب بن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر محمد
بن عثمان العمري (رضي الله عنه): إن أبا دلف محمد بن مظفر الكاتب كان في ابتداء
أمره مخمساً مشهوراً بذلك، لأنه كان تربية الكرخيين وتلميذهم وصنيعتهم،
وكان
الكرخيون(أتباع الكرخي) مخمسة لا يشك في ذلك أحد من الشيعة، وقد كان أبو دلف يقول
ذلك ويعترف به ويقول: نقلني سيدنا الشيخ الصالح قدس الله روحه ونور ضريحه عن مذهب
أبي جعفر الكرخي إلى المذهب الصحيح يعني أبا بكر البغدادي. وجنون أبي دلف وحكايات
فساد مذهبه أكثر من أن تحصى، فلا نطول بذكرها الكتاب ها هنا). انتهى. والمخمسة مذهب
حلولي اخترعه الكرخي.
وقال الطوسي (رحمه الله) في/٣٥١: (فأما المذمومون منهم فجماعة: فروى علي بن إبراهيم
بن هاشم، عن أبيه قال: كنت عند أبي جعفر الثاني (عليه السلام) إذ دخل عليه صالح بن
محمد بن سهل الهمداني وكان يتولى له فقال له: جعلت فداك إجعلني من عشرة آلاف درهم
في حل فإني أنفقتها، فقال له أبو جعفر: أنت في حل. فلما خرج صالح من عنده قال أبو
جعفر (عليه السلام): أحدهم يثب على أموال آل محمد وفقرائهم ومساكينهم وأبناء
سبيلهم، فيأخذه ثم يقول إجعلني في حل! أتراه ظن بي أني أقول له لا أفعل! والله
ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً.
ومنهم علي بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي،
كلهم كانوا وكلاء لأبي الحسن موسى (عليه السلام) وكان عندهم أموال جزيلة فلما مضى
أبو الحسن موسى (عليه السلام) وقفوا طمعاً في الأموال ودفعوا إمامة الرضا (عليه
السلام) وجحدوه، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى فلا نطول بإعادته. ومنهم فارس بن حاتم بن
ماهويه القزويني على مارواه عبد الله بن جعفر الحميري قال كتب أبو الحسن العسكري
(عليه السلام) إلى علي بن عمرو القزويني بخطه: اعتقد فيما تدين الله تعالى به أن
الباطن عندي حسب ما أظهرت لك فيمن استنبأت عنه، وهو فارس لعنه الله فإنه ليس يسعك
إلا الاجتهاد في لعنه وقصده ومعاداته والمبالغة في ذلك بأكثر ما تجد السبيل إليه.
ما كنت آمر أن يدان الله بأمر غير صحيح، فجدَّ وشد في لعنه وهتكه وقطع أسبابه،
وصدَّ أصحابنا عنه وإبطال أمره وأبلغهم ذلك مني واحكه لهم عني،
وإني
سائلكم بين يدي الله عن هذا الأمر المؤكد، فويل للعاصي وللجاحد. وكتبت بخطي ليلة
الثلاثاء لتسع ليال من شهر ربيع الأول سنة خمسين ومائتين، وأنا أتوكل على الله
وأحمده كثيراً. ومنهم أحمد بن هلال العبرتائي، روى محمد بن يعقوب قال: خرج إلى
العمري في توقيع طويل اختصرناه: ونحن نبرأ إلى الله تعالى من ابن هلال لا (رحمه
الله) وممن لا يبرأ منه فأعْلِم الإسحاقي وأهل بلده مما أعلمناك من حال هذا الفاجر،
وجميع من كان سألك ويسألك عنه. ومنهم أبو طاهر محمد بن علي بن بلال، وغيرهم مما لا
نطول بذكرهم لأن ذلك مشهور موجود في الكتب). انتهى.
ملاحظات على نصوص الشيخ الطوسي (قدّس سره)
١ - يلاحظ وجود أشخاص من الطبقة الحاكمة أو الغنية مع الشلمغاني والنصيري، كآل فرات
وآل بسطام، وقد يكون بعضهم مغرراً به، وقد يكون بعضهم مدفوعاً من السلطة لتأييد
حركة الانحراف والكفر، لأجل الطعن بالشيعة ومحاربتهم!
٢ - يلاحظ أن شجب الإمام (عليه السلام) لحركات الانحراف كان شديداً حاسماً يتناسب
مع خطورتها على الإسلام، وأن جمهور الشيعة كانوا يمتثلون أمره (عليه السلام) بمجرد
أن يبلغهم من سفيره المعتمد.
٣ - موقف أبي سهل النوبختي ووالد الصدوق رحمهما الله من الحلاج وطلبهما من معجزة
تدل على أنه سفير الإمام المهدي (عليه السلام) هو الموقف الصحيح من كل من يدعي أي
نوع من السفارة للإمام (عليه السلام) والوساطة عنه للناس!
ولكن الذي حدث في عصرنا أن بعضهم ادعى السفارة والنيابة، بل ادعى أنه خليفة الإمام
(عليه السلام) ووصيه! وتبعهم عدد من الجهال والمغرضين، ولم يطلبوا منهم معجزة تدل
على صدقهم، بل قبلوا منهم الظنون والأوهام، وبنوا عليها دينهم!
٤ - جعلت السلطة موقف الشيعة السلبي من أبي بكر وعمر ذنباً لهم يستحقون به الكفر،
وحكم فقهاء مذاهبها بقتل الشيعة لذلك! فشكل ذلك ضغطاً اجتماعياً
وسياسياً عليهم، لذلك اختار بعض مدعي البابية كالشلمغاني وابن نصير مقولة الضد
المحمود لإظهار ضده! وأن أبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية أضداد محمودة لإظهار كمال
الأئمة من اهل البيت (عليهم السلام)، وسيأتي في مذهب الشلمغاني.
٥ - مضافاً إلى ما تقدم عن مدعي السفارة الكذابين، نورد المزيد عن أشهرهم:
السريعي أو الشريعي ووارثه ابن نصير
واسمه محمد بن موسى، وقيل اسمه الحسن، وكان أبوه كاتباً في ديوان الخلافة والكاتب
قريب من رتبة وزير في عصرنا، وكان صاحبه الخصيص به محمد بن نصير النميري، ولهما
علاقة ببعض بني الفرات الوزراء!
وكان الشريعي أول أمره شيعياً مستقيماً: (من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد، وهو أول
من ادعى مقاماً لم يجعله الله فيه من قبل صاحب الزمان (عليه السلام)، وكذب على الله
وحججه (عليهم السلام) ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه براء، ثم ظهر منه القول
بالكفر والإلحاد). (الاحتجاج: ٢/٢٨٩) والصحيح في نسبته السريعي بالسين، قال
السمعاني في الأنساب: ٣/٢٥٢: (السريعي بفتح السين المهملة، وكسر الراء وسكون الياء
المنقوطة باثنتين من تحتها، وفي آخرها العين المهملة. هذه النسبة إلى بني سريع، وهم
من المعافر، والمنتسب إليهم أبو قبيل حي بن هانئ بن ناصر بن تبيع السريعي المعافري،
عمل مقتل عثمان بن عفان وهو باليمن، وقدم مصر في أيام معاوية). وأنساب ابن الأثير:
٢/١١٥، وفي لب اللباب/١٣٦: (نسبة) إلى بني سرع بطن من المعافر).
ولعل اسم الشريعي جاءهم من مصر، ففي مستدركات أعيان الشيعة: ١/١٠٠: (فتألفت لجنة
فيها(لمناهج الدراسة) ضمت سبع عشرة شخصية كبرى من أبرزهم: أحمد تيمور باشا، محمد
باشا الشريعي، رفيق بك العظم، الدكتور شبلي شميل، الخ.). انتهى.
وكان أبوه موسى السريعي شيعياً معروفاً عند كبار موظفي الخلافة، فقد حدث
عنه في أمالي الطوسي/٣٢٠، عن الفضل بن محمد بن أبي طاهر الكاتب قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن موسى السريعي الكاتب قال: حدثني أبي موسى بن عبد العزيز قال: لقيني يوحنا بن سراقيون النصراني المتطبب في شارع أبي أحمد فاستوقفني، وقال لي: بحق نبيك ودينك، من هذا الذي يزور قبره قوم منكم بناحية قصر ابن هبيرة، من هو من أصحاب نبيكم؟ قلت: ليس هو من أصحابه هو ابن بنته، فما دعاك إلى المسألة عنه؟ فقال: له عندي حديث طريف. فقلت: حدثني به. فقال: وجه إليَّ سابور الكبير الخادم الرشيدي في الليل، فصرت إليه فقال لي: تعال معي فمضى وأنا معه حتى دخلنا على موسى بن عيسى الهاشمي(العباسي) فوجدناه زائل العقل متكئاً على وسادة وإذا بين يديه طست فيها حشو جوفه، وكان الرشيد استحضره من الكوفة، فأقبل سابور على خادم كان من خاصة موسى فقال له: ويحك ما خبره؟ فقال له: أخبرك أنه كان من ساعة جالساً وحوله ندماؤه وهو من أصح الناس جسماً وأطيبهم نفساً إذ جرى ذكر الحسين بن علي، قال يوحنا هذا الذي سألتك عنه، فقال موسى: إن الرافضة لتغلو فيه حتى إنهم فيما عرفت يجعلون تربته دواء يتداوون به! فقال له رجل من بني هاشم كان حاضراً: قد كانت بي علة غليظة فتعالجت لها بكل علاج فما نفعني حتى وصف لي كاتبي أن آخذ من هذه التربة فأخذتها فنفعني الله بها وزال عني ما كنت أجده. قال: فبقي عندك منها شيء؟ قال: نعم، فوجه فجاءوه منها بقطعة فناولها موسى بن عيسى فأخذها موسى فاستدخلها دبره استهزاء بمن تداوى بها واحتقاراً وتصغيراً لهذا الرجل الذي هذه تربته! فما هو إلا أن استدخلها دبره حتى صاح: النار النار الطست الطست، فجئناه بالطست فأخرج فيها ما ترى! فانصرف الندماء وصار المجلس مأتماً، فأقبل عليَّ سابور فقال: أنظر هل لك فيه حيلة؟ فدعوت بشمعة فنظرت فإذا كبده وطحاله ورئته وفؤاده خرج منه في الطست فنظرت إلى أمر عظيم فقلت: ما لأحد في هذا صنع إلا أن يكون لعيسى الذي كان يحيي الموتى! فقال لي سابور: صدقت ولكن كن هاهنا في الدار إلى أن يتبين ما يكون
من
أمره، فبتُّ عندهم وهو بتلك الحال ما رفع رأسه، فمات وقت السحر. قال محمد بن موسى:
قال لي موسى بن سريع: كان يوحنا يزور قبر الحسين وهو على دينه، ثم أسلم بعد هذا
وحسن إسلامه). انتهى.
ويظهر أن الشريعي كان أبرز تلاميذ أستاذه ابن حسكة القمي، وكان دينهم الكفر برسول
الله (صلى الله عليه وآله) وتأليه الأئمة (عليهم السلام) وادعاء أن الله تعالى حل
فيهم! ولا بد أن تكون نسبة القمي لوجوده فترة من عمره في قم، فقد كان أهل قم يخرجون
المنحرفين منها.
قال في البحار: ٢٥/٣١٧: (رجال الكشي: قال نصر بن الصباح: موسى السواق له أصحاب
علياوية يقعون في محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله)! وعلي بن الحسكة الجوَّاز
القمي كان أستاذ القاسم الشعراني اليقطيني. وابن بابا ومحمد بن موسى الشريعي كانا
من تلامذة علي بن حسكة ملعونون لعنهم الله. وذكر الفضل بن شاذان في بعض كتبه أن من
الكذابين المشهورين علي بن حسكة وفارس بن حاتم القزويني. أقول: ثم روى الكشي روايات
في لعن فارس وأن أبا الحسن العسكري (عليه السلام) أمر جنيداً بقتله فقتله وحرض على
قتل جماعة أخرى من الغلاة كأبي السمهري بن أبي الزرقاء). انتهى.
وهذا يعني أنهم كانوا كفاراً متأثرين بالفلسفة المجوسية في الحلول، لكن الشريعي لم
يعلن طعنه بالنبي (صلى الله عليه وآله)، ففي مقالات الإسلاميين/٧: (أصحاب الشريعي
يزعمون أن الله حل في خمسة أشخاص: في النبي وفي علي وفي الحسن وفي الحسين وفي فاطمة
فهؤلاء آلهة عندهم، وليس يطعن أصحاب الشريعي على النبي ولا يقولون عنه ما حكيناه عن
الصنف الذي ذكرناه قبلهم. وقالوا: لهذه الأشخاص الخمسة التي حل فيها الإله خمسة
أضداد، فالأضداد أبو بكر وعمر عثمان ومعاوية وعمرو بن العاص، وافترقوا في الأضداد
على مقالتين: فزعم بعضهم أن الأضداد محمودة لأنه لا يعرف فضل الأشخاص الخمسة إلا
بأضدادها، فهي محمودة من هذا
الوجه! وزعم بعضهم أن الأضداد مذمومة وأنها لا تحمد بحال من الأحوال، وحكي أن
الشريعي كان يزعم أن البارئ جل جلاله يحل فيه، وحكي أن فرقة من الرافضة يقال لهم
النميرية أصحاب النميري يقولون أن البارئ كان حالاً في النميري). انتهى.
لكن النميري لم يصل إلى ذلك إلا بعد قطع مراحل من الإدعاءات! ففي غيبة الطوسي/٣٩٨:
(قال ابن نوح: أخبرنا أبو نصر هبة الله بن محمد قال: كما محمد بن نصير النميري من
أصحاب أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) فلما توفي أبو محمد ادعى مقام أبي
جعفر محمد بن عثمان، أنه صاحب إمام الزمان وادعى البابية، وفضحه الله تعالى بما ظهر
منه من الإلحاد والجهل، ولعن أبي جعفر محمد بن عثمان له وتبريه منه واحتجابه عنه،
وادعى ذلك الأمر بعد الشريعي).
وفي الإحتجاج: ٢/٢٨٩: (وكذلك كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن
(عليه السلام)، فلما توفي ادعى البابية لصاحب الزمان، ففضحه الله تعالى بما ظهر منه
من الإلحاد والغلو والتناسخ، وكان يدعي أنه رسول نبي أرسله علي بن محمد (عليه
السلام) ويقول بالإباحة للمحارم. وكان أيضاً من جملة الغلاة أحمد بن هلال الكرخي
وقد كان من قبل في عدد أصحاب أبي محمد (عليه السلام)، ثم تغير عما كان عليه وأنكر
بابية أبي جعفر محمد بن عثمان، فخرج التوقيع بلعنه من قبل صاحب الأمر والزمان
وبالبراءة منه، في جملة من لعن وتبرء منه، وكذا كان أبو طاهر محمد بن علي بن بلال،
والحسين بن منصور الحلاج، ومحمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقري، لعنهم
الله، فخرج التوقيع بلعنهم والبراءة منهم جميعاً على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن
روح (رحمه الله)، ونسخته: عرِّف أطال الله بقاك وعرَّفك الله الخير كله وختم به
عملك، من تثق بدينه وتسكن إلى نيته من إخواننا أدام الله سعادتهم: بأن محمد بن علي
المعروف بالشلمغاني عجل الله له النقمة ولا أمهله قد ارتد عن الإسلام وفارقه وألحد
في دين الله وادعى ماكفر معه
بالخالق جل وتعالى، وافترى كذباً وزوراً وقال بهتاناً وإثماً عظيماً، كذب العادلون
بالله وضلوا ضلالا بعيداً وخسروا خسراناً مبيناً، وأنا برئنا إلى الله تعالى وإلى
رسوله صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته، منه ولعناه، عليه لعاين الله تترى في
الظاهر منا والباطن في السر والجهر وفي كل وقت وعلى كل حال، وعلى كل من شايعه وبلغه
هذا القول منا فأقام على توليه بعده. أعلمهم تولاك الله أننا في التوقي والمحاذرة
منه على مثل ماكنا عليه ممن تقدمه من نظرائه من: السريعي والنميري والهلالي
والبلالي وغيرهم، وعادة الله جل ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة، وبه نثق
وإياه نستعين، وهو حسبنا في كل أمورنا ونعم الوكيل).
وفي معجم رجال الحديث للسيد الخوئي: ١٨/٣١٧: (محمد بن نصير النميري: قال
الكشي(٣٨٣): قال أبو عمرو: وقالت فرقة بنبوة محمد بن نصير الفهري النميري، وذلك أنه
أدعى أنه نبي رسول وأن علي بن محمد العسكري (عليه السلام) أرسله! وكان يقول
بالتناسخ والغلو في أبي الحسن (عليه السلام) ويقول فيه بالربوبية، ويقول بإباحة
المحارم، ويحلل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم ويقول: إنه من الفاعل والمفعول
به أحد الشهوات والطيبات وأن الله لم يحرم شيئاً من ذلك! وكان محمد بن موسى بن
الحسن بن فرات يقوي أسبابه ويعضده، وذكر أنه رأى بعض الناس محمد بن نصير عياناً
وغلام على ظهره فرآه على ذلك فقال: إن هذا من اللذات وهو من التواضع لله وترك
التجبر! وافترق الناس فيه بعده فرقاً.... لما ظهر محمد بن نصير بما ظهر لعنه أبو
جعفر (رضي الله عنه) وتبرأ منه فبلغه ذلك، فقصد أبا جعفر ليعطف بقلبه عليه أو يعتذر
إليه، فلم يأذن له وحجبه ورده خائباً.. إلى آخر ما في غيبة الطوسي/٣٩٨.
وفي خلاصة الأقوال/٣٨٧: (قال الكشي: قال نصر: الحسن بن محمد المعروف
بابن
بابا ومحمد بن نصير النميري وفارس بن حاتم القزويني، لعن هؤلاء الثلاثة علي بن محمد
(عليهما السلام). وقال في فارس بن حاتم: انه متهم غال. ثم قال: وذكر الفضل بن شاذان
في بعض كتبه أن من الكذابين المشهورين الفاجر فارس بن حاتم القزويني، وروى أن أبا
الحسن أمر بقتله فقتله جنيد. قال سعد: وحدثني جماعة من أصحابنا العراقيين وغيرهم
بهذا الحديث عن جنيد، ثم سمعته انا بعد ذلك من جنيد).
خلاصة الأقوال/٤٠٥: (محمد بن نصير بالنون المضمومة والصاد المهملة والياء قبل
الراء. قال ابن الغضائري: قال لي أبو محمد بن طلحة بن علي بن عبد الله بن غلالة:
قال لنا أبو بكر بن الجعابي: كان محمد بن نصير من أفاضل أهل البصرة علماً وكان
ضعيفاً بدؤ النصيرية واليه ينسبون).
وفي قاموس الرجال: ٩/٦٢٤: (وعنون الخلاصة بعد محمد بن نصير النميري: محمد بن نصير،
قائلاً: قال ابن الغضائري: قال أبو محمد بن طلحة بن علي بن عبد الله بن غلالة: قال
لنا أبو بكر الجعابي: كان محمد بن نصير من أفاضل أهل البصرة علماً وكان ضعيفاً، منه
بدو النصيرية وإليه ينسبون. أقول: وقال النوبختي: وقد شذت فرقة من القائلين بإمامة
علي بن محمد في حياته فقالت بنبوة رجل يقال له: محمد بن نصير النميري، وكان يدعي
أنه نبي بعثه الهادي)... الخ.
وقال الشيخ في رجاله في أصحاب العسكري (عليه السلام): محمد بن نصير غال. وزاد
الغيبة على ما نقل: وقال سعد: كان النميري يدعي أنه رسول نبي وأن علي بن محمد
أرسله! وكان يقول بالتناسخ ويغلو في أبي الحسن (عليه السلام) ويقول فيه بالربوبية!
وزاد بعد خبره الرابع: وكان محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات يقوي أسبابه ويعضده.
وفي خبره الخامس: وفرقة قالت: هو أحمد بن محمد بن موسى بن الفرات، لا كما نقل. وخبر
الكشي مع كلامه ذاك في موضع واحد عنونه مع ابن بابا وفارس في طي الغلاة في وقت
الهادي (عليه السلام)، وحينئذ فخبره الثاني إما الفهري فيه محرف النميري،
وإما
المراد به محمد بن حصين الفهري المتقدم وسقط اسمه من العنوان، وإلا فالفهري
والنميري لا يجتمعان. ويظهر باقي تحريفات الكشي من الغيبة والفرق ومنها قوله:
وافترق الناس فيه وبعده، فإنه محرف "وافترقوا في وصيه بعده".
هذا، وعنون الخلاصة تارة محمد بن نصر وقال من أصحاب أبي محمد (عليه السلام) غال.
وأخرى: محمد بن نصير النميري وقال: لعنه علي بن محمد العسكري. وثالثة: محمد بن نصير
النميري، ونقل عن ابن الغضائري عن ابن غلالة عن الجعابي أنه كان بدو النصيرية وإليه
ينسبون كما مر، مع أن الأصل في الثلاثة واحد، وقد أخذ الأول عن رجال الشيخ مع
التحريف، والثاني عن الكشي، والثالث عن ابن الغضائري.
هذا، وفي أنساب السمعاني: (النصيري بضم النون نسبة إلى طائفة من غلاة الشيعة يقال
لهم: النصيرية نسبوا إلى رجل اسمه نصير وكان في جماعة قريباً من سبعة عشر نفساً
كانوا يزعمون أن علياً هو الله وكان ذلك زمن علي فأمر بهم فأحرقوا وهرب منهم نصير
واشتهر عنه هذا الكفر)! وأظن أنه خلط بين محمد بن نصير هذا وبين عبد الله بن سبأ
المتقدم توهماً منه أن النصيري نسبة إلى مسمى بنصير، مع أنه نسبة إلى محمدابن
نصير).
وفي الذريعة: ٣/٢٦٨: (تاريخ العلويين. تأليف محمد أمين بن علي غالب بن سليمان آقا
بن إبراهيم آقا المنتهي نسبه على ما ذكره المؤلف في الكتاب إلى يعرب بن قحطان، وذكر
أن العلويين القاطنين في سواحل بحر الشام في عدة بلاد وعاصمتهم اللاذقية وهم أتباع
محمد بن نصير النميري كلهم شيعة اثنا عشرية معتقدون بإمامة الحجة بن الحسن العسكري
(عليهما السلام) وإنما ينكرون نيابة النواب الأربعة ويكذبونهم ويقولون إن باب
الإمام العسكري كان السيد أبا شعيب محمد بن نصير البصري النميري، وبعده أبو محمد
عبد الله بن محمد الحنان الجنبلاني، المولود سنة ٢٣٥ والمتوفى سنة٢٨٧، واليه تنسب
الطريقة الجنبلانية، وبعده تلميذه السيد حسين
بن
حمدان الخصيبي المولود سنة٢٦٠والمتوفى سنة٣٤٦، كان يسكن جنبلان ثم رحل إلى حلب وبها
ألف الهداية الكبرى لحاكمها سيف الدولة بن حمدان، وكان له وكلاء منهم السيد علي
الجسري وكيله في بغداد. أقول: تظهر الحقائق بالرجوع إلى ترجمة محمد بن نصير والحسين
بن حمدان في كتب الغيبة وكتب رجالنا). انتهى.
هذا وتجد جملة من أخبار محمد بن نصير وغلو أتباعه فيه، في كتاب الهداية الكبرى
للحسين بن حمدان الخصيبي.
محمد بن نصير آخر
يوجد بهذا الاسم أكثر من محمد بن نصير، قال في هامش جامع الرواة: ٢/٢٠٨: (يظهر من
العلامة في المختلف وعدة أن محمد بن نصير الذي يروى عنه العياشي هو الثقة الآتي لا
النميري الغالي، لأنه طعن في رواية محمد بن مسلم في مسألة المبطون بأن في رجالها
ابن بكير وهو فطحي ولم يطعن فيها بمحمد بن نصير مع وجوده فيها والراوي عنه العياشي.
وأيضاً قد عد الرواية المذكورة فيه من الموثقات وكذا في المدارك وكشف اللثام، وهو
يدل أيضاً على كون محمد بن نصير فيها ليس بالنميري فتأمل. ولا يذهب عليك أن مراعاة
الطبقة لاتأبى عن كونه النميري لأن العياشي يروى عن عبد الله بن محمد بن خالد
الطيالسي، وهو من أصحاب الإمام العسكري (عليه السلام) كالنميري). وفي قاموس الرجال:
١٢/٣١: (الخلدي هو: أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير بن قاسم المعروف بالخلدي. روى
أمالي ابن الشيخ في أول جزئه الرابع عشر عن أبيه عن ابن مخلد عن هذا خمسة أخبار،
وفي الأول سماه باسمه وفي الباقي عبر بالعنوان، ثم بعد ثمانية أخبار عاد فروى
بالإسناد عنه بالعنوان..).
كذابون صغار بالجملة
مضافاً إلى تقدم من المذمومين ممن كذبوا وادعوا السفارة للإمام (عليه السلام) أو
الحلول، نجد في المصادر عدداً كبيراً من الكذابين الصغار الذين لم يؤثروا في عصرهم
أو
العصور المسلمين وبادت دعواتهم والحمد لله، وهذه نصوص في بعضهم:
رجال الطوسي: ٢/٨١٦: (عن أبي حامد أحمد بن إبراهيم المراغي قال: ورد على القاسم بن
العلاء نسخة ما خرج من لعن ابن هلال وكان ابتداء ذلك، أن كتب (عليه السلام) إلى
قوامه بالعراق: إحذروا الصوفي المتصنع! قال: وكان من شأن أحمد بن هلال أنه قد كان
حج أربعاً وخمسين حجة، عشرون منها على قدميه. قال: وكان رواة أصحابنا بالعراق لقوه
وكتبوا منه وأنكروا ما ورد في مذمته، فحملوا القاسم بن العلاء على أن يراجع في
أمره. فخرج إليه: قد كان أمرنا نفذ إليك في المتصنع ابن هلال لا (رحمه الله) بما قد
علمت لم يزل، لا غفر الله له ذنبه ولا أقاله عثرته يداخل في أمرنا بلا إذن منا ولا
رضى يستبد برأيه، فيتحامي من ديوننا، لا يمضي من أمرنا الا بما يهواه ويريد، أراده
الله بذلك في نار جهنم، فصبرنا عليه حتى تبر الله بدعوتنا عمره. وكنا قد عرفنا خبره
قوما من موالينا في أيامه لا (رحمه الله)، وأمرناهم بالقاء ذلك إلى الخاص من
موالينا، ونحن نبرأ إلى الله من ابن هلال لا (رحمه الله)، وممن لا يبرء منه. واعلم
الإسحاقي سلمه الله وأهل بيته مما أعلمناك من حال هذا الفاجر، وجميع من كان سألك
ويسألك عنه من أهل بلده والخارجين، ومن كان يستحق أن يطلع على ذلك، فإنه لا عذر
لاحد من موالينا في التشكيك فيما يؤديه عنا ثقاتنا، قد عرفوا بأننا نفاوضهم سرنا،
ونحمله إياه إليهم وعرفنا ما يكون من ذلك ان شاء الله تعالى. وقال أبو حامد: فثبت
قوم على إنكار ما خرج فيه، فعاودوه فيه فخرج: لا شكر الله قدره، لم يدع المرء ربه
بأن لا يزيغ قلبه بعد أن هداه، وأن يجعل ما من به عليه مستقراً ولا يجعله مستودعاً!
وقد علمتم ما كان من أمر الدهقان عليه لعنة الله وخدمته وطول صحبته، فأبدله الله
بالإيمان كفراً حين فعل ما فعل، فعاجله الله بالنقمة ولا يمهله، والحمد الله لا
شريك له، وصلى الله على محمد وآله وسلم).
كمال الدين: ٢/٤٨٩، عن محمد بن الصالح: ولما ورد نعي ابن هلال لعنه الله
جاءني
الشيخ فقال لي: أخرج الكيس الذي عندك، فأخرجته إليه فأخرج إلي رقعة فيها: وأما ما
ذكرت من أمر الصوفي المتصنع يعني الهلالي فبتر الله عمره، ثم خرج من بعد موته: فقد
قصدنا، فصبرنا عليه فبتر الله تعالى عمره بدعوتنا). وعنه إثبات الهداة: ٣/٦٧٤،
والبحار: ٥١/٣٢٨.
وفي التحرير الطاووسي/٥١٦: (محمد بن الفرات. ورد فيه آثار متعددة تقتضي ذمة الفظيع
وإن كان في الطريق جميعاً إشكال. ومما ورد قال محمد بن عيسى: فأخبراني، إشارة إلى
أخيه جعفر وعلي بن إسماعيل الميثمي، وغيرهما أنه ما لبث محمد بن فرات إلا قليلاً
حتى قتله إبراهيم بن شكلة، وكان محمد بن الفرات يدعي أنه باب وأنه نبي، وكان القاسم
اليقطيني وعلي بن حسكة القمي كذلك يدعيان، لعنهما الله). وفي نقد الرجال: ٤/٣٣٣:
(من أصحاب الهادي والعسكري (عليهما السلام)... وكأن هذا هو المذكور من قبل بعنوان:
محمد بن موسى بن الحسن بن فرات).
وفي خلاصة الأقوال/٤٢٣: (قال الفضل بن شاذان في بعض كتبه: إن من الكذابين
المشهورين: علي بن حسكة، والعباس بن صدقة، وأبو العباس الطبرناني، وأبو عبد الرحمان
الكندي المعروف بشاه رئيس منهم أيضاً. وقال نصر بن الصباح: العباس بن صدقة، وأبو
العباس الطبرناني، وأبو عبد الرحمان الكندي المعروف بشاه رئيس من الغلاة الكبار
الملعونين).
وفي عيون المعجزات/١٤٦، عن الحصني قال: خرج في أحمد بن عبد العزيز توقيع أنه قد
ارتد، فتبين ارتداده بعد التوقيع بأحد عشر يوماً).
* * *
الحسين بن منصور الحلاج
اتفق رأي الشيعة وعامة فقهاء المذاهب وعامة المؤرخين، على أن الحلاج ادعى ادعاءات
خطيرة خرج بها عن ملة الإسلام. ولم يخالف في ذلك إلا بعض الصوفية،
وتبعهم كافة الباحثين الغربيين، ومن تأثر بهم!
رأي علمائنا في الحلاج
تقدم أن الشيخ الطوسي نص على أن توقيع الشلمغاني يشمل الحلاج، وتقدمت روايته قول
السفير الثاني محمد بن عثمان لابنته: (يا بنية إياك أن تمضي إلى هذه المرأة بعدما
جرى منها، ولا تقبلي لها رقعة إن كاتبتك، ولا رسولاً إن أنفذته إليك ولا تلقيها بعد
قولها، فهذا كفرٌ بالله تعالى وإلحاد، قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء
القوم، ليجعله طريقاً إلى أن يقول لهم: بأن الله تعالى اتحد به وحل فيه كما يقول
النصارى في المسيح (عليه السلام)! ويعدو إلى قول الحلاج لعنه الله).
وقد ارتضى الشيخ الطوسي في الغيبة ٣٩٧، القول بأن كل المدعين للسفارة غرضهم النهائي
أن يكونوا مثل الحلاج، ومعناه: (قال: وكل هؤلاء المدعين إنما يكون كذبهم أولاً على
الإمام وأنهم وكلاؤه، فيدعون الضعفة بهذا القول إلى موالاتهم، ثم يترقى الأمر بهم
إلى قول الحلاجية، كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه عليهم جميعاً لعائن
الله تترى).
كما روى رأي عدد من كبار علمائنا فيه، منهم أبو سهل النوبختي، ومنهم والد الصدوق
الذي جبه الحلاج وطرده من قم.
وقال المفيد في تصحيح اعتقادات الإمامية/١٣٤: (والحلاجية ضرب من أصحاب التصوف، وهم
أصحاب الإباحة والقول بالحلول، ولم يكن الحلاج يتخصص بإظهار التشيع وإن كان ظاهر
أمره التصوف، وهم قوم ملحدة وزنادقة يموهون بمظاهرة كل فرقة بدينهم ويدعون للحلاج
الأباطيل، ويجرون في ذلك مجرى المجوس في دعواهم لزرادشت المعجزات، ومجرى النصارى في
دعواهم لرهبانهم الآيات والبينات، والمجوس والنصارى أقرب إلى العمل بالعبادات منهم،
وهم أبعد من الشرائع والعمل بها من النصارى والمجوس).
الصراط المستقيم: ١/١٠٤: (إن قيل: فقد ظهر عن حسين بن منصور الحلاج وغيره من
المشايخ أمور خارقة للعادة، فلا دلالة في ذلك على الإمامة. قلنا: إن صح ذلك فهو من
الحيل المشهورة لهم وقد وقفت على كشف أسرارهم والتمويه على أتباعهم والله سبحانه
أجل من أن يخرق العادة للكذابين، وقد علم أن الحلاج دعا أصحابه إلى أنه المغني! وفي
هذا تجسيم الرب تعالى)!
مستدرك سفينة البحار: ٥/٢٣١: (في٢٣ ذي القعدة قتل حسين بن منصور الحلاج اللعين
الصوفي، الذي خرج التوقيع الشريف من الإمام بلعنه).
الحدائق الناضرة: ١/١٢: (ومن ذلك أيضاً ما خرج عن الأئمة المتأخرين صلوات الله
عليهم أجمعين في لعن جماعة ممن كانوا كذلك، كفارس بن حاتم القزويني، والحسن بن محمد
بن بابا، ومحمد بن نصير النميري، وأبي طاهر محمد بن علي بن بلال، وأحمد بن هلال،
والحسين بن منصور الحلاج، وابن أبي العزاقر، وأبي دلف، وجمع كثير ممن يتسمى بالشيعة
ويظهر المقالات الشنيعة من الغلو والإباحات والتناسخ ونحوها، وقد خرجت في لعنهم
التوقيعات عنهم (عليهم السلام) في جميع الأماكن والبراءة منهم).
الإثنا عشرية للحر العاملي/١٨٠: (وقد تقدم بعض ما ورد في أبي يزيد مع الحلاج(عن
الغيبة للطوسي) وقد قال في بعض كلامه: سبحاني سبحاني ما أعظم شاني! وقال: ليس في
جبتي سوى الله! فانظر إلى من هذا كلامه وهذه دعواه واعتقاده الذي هو أعظم الكفر
والإلحاد! ولا سبيل إلى تأويله ولا ضرورة له إلى إطلاقه لو كان يريد به خلاف ظاهره
لا ما هو نص فيه. وقد عرفت في أحاديث الباب الثاني أنه لا يجوز تأويل كلامهم وذلك
النص المشار إليه موافق لغيره من الأدلة الشرعية الدالة على وجوب الحكم على المقر
بإقراره، وما يقتضيه من إسلام أو كفر أو ارتداد أو قتل أو مال. وليت شعري كيف
تعيَّن تأويل هذا الكفر والإلحاد وأمثاله من أقوالهم وأفعالهم؟! ولو فتح هذا الباب
لما أمكن الحكم بارتداد أحد ولا فسقه ولا ثبوت
حد عليه ولا مال ولا قصاص! فإن باب التأويل واسع وذلك يستلزم بطلان الشريعة وهدمها،
والتأويل إنما يلزم إذا عارضه من كلام ذلك القائل ما هو صريح في المخالفة لا يحتمل
التأويل وكان القائل معصوماً، وإلا لزم الحكم عليه بتغيير الاعتقاد فيحكم على غير
المعصوم بحكمين في وقتين! وفي مثل هذا بل فيما دونه ما يرتاب به اللبيب العاقل
لاحتمال كون الإسلام إن ثبت ساعة والكفر طول العمر! وأي ضرورة بنا إلى حسن الظن
بأمثال هؤلاء فضلاً عن تقليدهم في الأصول والفروع ومتابعتهم فيما ليس بمعقول ولا
مشروع.
فصل: وأما أهل هذا الزمان من الصوفية فمن نظر في أحوالهم علم أنهم مساوون لسادتهم
وكبرائهم في تلك الأوصاف الذميمة والمعايب القبيحة، والعيان كاف عن البرهان، ولنذكر
بطريق التنبيه والإشارة أقساماً كلية يندرج كل فرد منهم تحت قسم منها أو قسمين
فصاعداً ونقتصر على اثني عشر قسماً..). انتهى. وذكر آراءهم المنحرفة!
شخصية الحلاج التي صنعها المتصوفة
تعليقة الوحيد البهبهاني/١٤٩: (قوله الحسين بن منصور في الوجيزة فيه ذم كثير، وفي
البلغة بلغ بعض الأجلة من الشيعة في مدحه حتى ادعوا أنه من الأولياء مثل صاحب مجالس
المؤمنين وصاحب محبوب القلوب وغيرهما، ولا يخلو من غرابة. انتهى. وسيجيء في ترجمة
المفيد ره ان من كتبه كتاب الرد على أصحاب الحلاج).
فيض الإله في ترجمة القاضي نور الله/٤٣: (قال الفاضل الكشميري في كتاب نجوم السماء
في ضمن ترجمة القاضى (قدّس سره) ما محصله: لا يخفى أن ما ذكره القاضى السيد نور
الله التسترى في كتاب مجالس المؤمنين وغيره من مدح جماعة من الصوفية وحسن الظن بهم
كمدح الحسين بن منصور الحلاج الذي صدر التوقيع المشتمل على لعنه من مولانا صاحب
الزمان (عجَّل الله تعالى فرجه)، كما نقله علمائنا
الإمامية رضوان الله عليهم في كتبهم المعتبرة، ومثل مدح سفيان الثوري وأبى يزيد
البسطامي ومحيي الدين العربي وأضرابهم من متقدمي الصوفية ومتأخريهم، من الذين ثبت
عند علماء الإمامية فساد مذهبهم وسوء عقيدتهم، لا يستلزم تصوف القاضي المادح لهم،
لأن مدح شخص لا ينحصر في اختيار مسلكه وقبول مذهبه، بل ما ذكره القاضي في كتبه من
مدح أعاظم علماء الإمامية وأكابرهم كالشيخين الجليلين ابن بابويه والمفيد وغيرهما
من أعيان العلماء من الذين قدحوا في الصوفية وطعنوا على طريقتهم وشنعوا على سيرتهم
وأظهروا براءتهم منهم، يشعر ببراءته ونزاهة ساحته من مذهب جماعة الصوفية وطريقتهم
المبتدعة.
وأيضاً مما يدل على المطلوب كتابه إحقاق الحق لأنه مع اشتماله على سائر المباحث من
توحيد الله تعالى ومعرفة ذاته وصفاته ومباحث النبوة والإمامة والمعاد وغير ذلك، لا
يظهر منه أن اعتقاده يوافق أقوال أهل التصوف ويخالف أصول علماء الإمامية كالقول
بوحدة الوجود وغير ذلك من الأمور التي زعم الصوفية حقانيتها وأثبت الإمامية
بطلانها. بل السيد المذكور أثبت عقائد الإمامية الثابتة عند علمائهم بالدلائل
الوافية والبراهين الشافية إثباتاً لا مزيد عليه، وذلك ينافي التصوف وهو المطلوب.
ومما يويد هذا المدعى ما كتبه بعض الأعاظم على ظهر نسخة من مجالس المؤمنين بعد نقل
العبارة التي نقلناها فيما سبق من تذكرة علي قلي خان الداغستاني وهو: الحق أن
المساعى الجميلة التى بذلها السيد نور الله في إعلاء كلمة الحق وتشييد بنيان الدين
وترويج مذهب الإمامية الحقة أكثر وأوضح من أن يحتاج إلى البيان، بل هي أظهر من
الشمس وأبهر من الأمس وعلو مراتب تصانيفه وسمو مقامات كتبه، واضح عند من كان من
أولي العلم والكياسة وذوي الفهم والفراسة، ولا سترة عليه ولا خفاء فيه بوجه من
الوجوه.
وأيضاً لا يخفى أن تصوف القاضى (رحمه الله) لا يستفاد من مطاوي كلامه وتضاعيف مرامه
في كتبه وتأليفاته ورسائله وتحقيقاته، بنهج واضح وطريق جلي بحيث يمكن أن
يستدل به على كونه من الصوفية. نعم يؤخذ منها أنه كان له (رحمه الله) حسن ظن ببعض
المتصوفة وأين هذا من ذاك؟ لأن مدح بعض الأشخاص لا ينحصر في اختيار مسلكه لأن
الأغراض والغايات متفاوتة بحسب الأزمنة والأوقات، ومختلفة بحسب الأمكنة والمقامات،
ومدح القاضي (رحمه الله) للعلماء والأعاظم الذين صرحوا بلعن الصوفية وبراءتهم منهم
أدل دليل). انتهى.
أقول: قام أتباع الحلاج ومحبوه بصناعة شخصية محببة للحلاج، فرووا له كلمات رنانة،
وكذبوا له قصصاً فتانة، فصار الحلاج في عالم التصوف والفلسفة والعرفان غير الحلاج
في عالم العيان! وتأثر بذلك الحلاج الوهمي بعض العلماء من السنة والشيعة، وكذلك
الأمر في ابن عربي.
وكان الأحرى بالدفاع عن القاضي الشهيد نور الله التستري (قدّس سره) وأمثاله أن نقول
إنه عالم كبير دافع عن المذهب الحق والأئمة الطاهرين (صلى الله عليه وآله) واستشهد
بسبب ذلك، لكنه اشتبه في حسن ظنه بالحلاج وابن عربي اشتباهاً كبيراً، ولو قرأ عن
شخصيته أكثر وتعمق لما وقع في هذا الاشتباه (قدّس سره).
خلاصة سيرة الحلاج وشخصيته
يبلغ ما كتبته مصادر التاريخ والسير عن الحلاج نحو مجلد، ونحوه ما كذبه أتباع
الحلاج من أقواله وقصصه. أما ما كتبوه حوله في عصرنا من رسائل جامعية ومقالات وبحوث
عن عرفانه وعشقه لله تعالى وظلامته وماساته، فيبلغ أضعافاً!
وفيما يلي خلاصة عن شخصيته من أوثق المصادر وأقدمها:
تاريخ الطبري: ٨/٢٥٥: (ثم دخلت سنة إحدى وثلاثمائة... وفيها أحضر دار الوزير علي بن
عيسى رجل ذكر أنه يعرف بالحلاج ويكنى أبا محمد، مشعوذ، ومعه صاحب له، سمعت جماعة من
الناس يزعمون أنه يدعى الربوبية فصلب هو وصاحبه ثلاثة أيام كل يوم من ذلك من أوله
إلى انتصافه ثم ينزل بهما فيؤمر بهما
إلى الحبس، فحبس مدة طويلة فافتتن به جماعة منهم نصر القشوري وغيره إلى أن ضج الناس
ودعوا على من يعيبه وفحش أمره وأخرج من الحبس فقطعت يداه ورجلاه ثم ضربت عنقه ثم
أحرق بالنار).
أنساب السمعاني: ٢/٢٩٢: (الحلاج: بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام ألف، هذه النسبة
إلى حلج القطن والمشهور بها أبو مغيث الحسين بن منصور الحلاج... وكان جده مجوسياً
اسمه محمي من أهل بيضاء فارس، نشأ الحسين بواسط وقيل بتستر وقدم بغداد فخالط
الصوفية وصحب من مشيختهم الجنيد بن محمد وأبا الحسين النوري وعمرو بن عثمان
المكي.... وتلمذ لسهل بن عبد الله سنين ثم صعد إلى بغداد وكان بالأوقات يلبس
المسوح، وبالأوقات يمشي بخرقتين مصبغ، ويلبس بأوقات الدراعة والعمامة، ويمشي
بالقباء أيضاً على زي الجند، وأول ما سافر من تستر إلى البصرة كان له ثمان عشرة سنة
ثم خرج بخرقتين إلى عمرو بن عثمان المكي وإلى الجنيد بن محمد وأقام مع عمرو بن
عثمان ثمانية عشر شهراً.... ثم رجع إلى بغداد مع جماعة من الفقراء، ثم عاد إلى مكة
وجاور سنة ورجع إلى بغداد وقصد الجنيد... ورجع إلى تستر وأقام نحو سنة، ووقع له عند
الناس قبول عظيم حتى حسده جميع من في وقته، ولم يزل عمرو بن عثمان يكتب في أمره إلى
خوزستان ويتكلم فيه بالعظائم حتى حرد(غضب، أي الحلاج) ورمى بثياب الصوفية ولبس قباء
وأخذ في صحبة أبناء الدنيا، ثم خرج وغاب عنا خمس سنين إلى خراسان وما وراء النهر
ورحل إلى سجستان وكرمان، ثم رجع إلى فارس فأخذ يتكلم على الناس ويتخذ المجلس ويدعو
الخلق إلى الله، وكان يعرف بفارس بأبي عبد الله الزاهد وصنف لهم تصانيف... ثم خرج
إلى البصرة وأقام مدة يسيرة، وخرج ثانيا إلى مكة ولبس المرقعة والفوطة وخرج معه في
تلك السفرة خلق كثير وحسده أبو يعقوب النهر جوري فتكلم فيه فرجع إلى البصرة وأقام
شهراً وجاء إلى الأهواز ورجع إلى بغداد ومكة، ثم وقع له أن يدخل بلاد الشرك ويدعو
الخلق إلى الله
فقصد الهند والصين وتركستان ورجع وحج وجاور ثم رجع إلى بغداد واقتنى العقار وبنى
داراً.
تاريخ بغداد: ٨/١١٢: (وأقام ببغداد سنة واحدة، ثم قال لبعض أصحابه: إحفظ ولدي حمد
إلى أن أعود أنا، فإني قد وقع لي أن أدخل إلى بلاد الشرك وأدعو الخلق إلى الله
(عزَّ وجلَّ) وخرج. فسمعت بخبره أنه قصد إلى الهند ثم قصد خراسان ثانياً ودخل ما
وراء النهر وتركستان... ثم كثرت الأقاويل عليه بعد رجوعه من هذه السفرة، فقام وحج
ثالثاً وجاور سنتين، ثم رجع وتغير عما كان عليه في الأول واقتنى العقار ببغداد وبنى
داراً.... فكان يقول قوم إنه ساحر. وقوم يقولون مجنون، وقوم يقولون له الكرامات
وإجابة السؤال، واختلفت الألسن في أمره حتى أخذه السلطان وحبسه).
تاريخ بغداد: ٨/١١٦: (سمعت محمد بن علي الكتاني يقول: دخل الحسين بن منصور مكة في
ابتداء أمره، فجهدنا حتى أخذنا مرقعته، قال السوسي: أخذنا منها قملة فوزناها فإذا
فيها نصف دانق من كثرة رياضته وشدة مجاهدته..... علي بن أحمد الحاسب قال: سمعت
والدي يقول: وجهني المعتضد إلى الهند لأمور أتعرفها ليقف عليها، وكان معي في
السفينة رجل يعرف بالحسين بن منصور، وكان حسن العشرة طيب الصحبة، فلما خرجنا من
المركب ونحن على الساحل والحمالون ينقلون الثياب من المركب إلى الشط فقلت له: إيش
جئت إلى هاهنا؟ قال: جئت لأتعلم السحر وأدعو الخلق إلى الله تعالى قال: وكان على
الشط كوخ وفيه شيخ كبير فسأله الحسين بن منصور: هل عندكم من يعرف شيئاً من السحر؟
قال: فأخرج الشيخ كبة غزل وناول طرفه الحسين بن منصور، ثم رمى الكبة في الهواء
فصارت طاقة واحدة، ثم صعد عليها ونزل! وقال للحسين بن منصور: مثل هذا تريد؟ ثم
فارقني ولم أره بعد ذلك إلا ببغداد.... سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت الشبلي
يقول: كنت أنا والحسين بن منصور شيئا واحدا، إلا أنه أظهر وكتمت. قال: وسمعت منصورا
يقول: سمعت بعض أصحابنا يقول: وقف الشبلي عليه وهو مصلوب، فنظر إليه وقال: ألم ننهك
عن العالمين...
سمعت جعفر بن أحمد يقول: سمعت أبا بكر بن أبي سعدان يقول: الحسين بن منصور مموه
مُمَخْرِق. قال أبو عبد الرحمن: وحكى عن عمرو المكي أنه قال: كنت أماشيه في بعض
أزقة مكة، وكنت أقرأ القرآن فسمع قراءتي فقال: يمكنني أن أقول مثل هذا! ففارقته....
سمعت عمرو بن عثمان يلعنه ويقول: لو قدرت عليه لقتلته بيدي فقلت إيش الذي وجد الشيخ
عليه؟ قال: قرأت آية من كتاب الله فقال: يمكنني أن أؤلف مثله وأتكلم به. قال: وسمعت
أبا زرعة الطبري يقول: سمعت أبا يعقوب الأقطع يقول: زوجت ابنتي من الحسين بن منصور
لما رأيت من حسن طريقته واجتهاده، فبان لي بعد مدة يسيرة أنه ساحر محتال خبيث كافر.
لما قدم بغداد يدعو، استغوى كثيراً من الناس والرؤساء، وكان طمعه في الرافضة أقوى
لدخوله في طريقهم فراسل أبا سهل بن نوبخت يستغويه، وكان أبو سهل من بينهم مثقفاً
فهماً فطناً، فقال أبو سهل لرسوله: هذه المعجزات التي يظهرها قد تأتي فيها الحيل
ولكن أنا رجل غزل ولا لذة لي أكبر من النساء وخلوتي بهن، وأنا مبتلى بالصلع حتى إني
أطول قحفي وآخذ به إلى جبيني وأشده بالعمامة واحتال فيه بحيل ومبتلى بالخضاب لستر
المشيب، فإن جعل لي شعراً ورد لحيتي سوداء بلا خضاب آمنت بما يدعوني إليه كائناً ما
كان! إن شاء قلت إنه باب الإمام وإن شاء الإمام وإن شاء قلت إنه النبي وإن شاء قلت
إنه الله!! قال: فلما سمع الحلاج جوابه أيس منه وكف عنه..... سمعت أبا بكر بن سعدان
يقول: قال لي الحسين بن منصور: تؤمن بي حتى أبعث إليك بعصفورة تطرح من ذرقها وزن
حبة على كذا مناً من نحاس فيصير ذهباً؟! قال: فقلت له: بل أنت تؤمن بي حتى أبعث
إليك بفيل يستلقي فتصير قوائمه في السماء، فإذا أردت أن تخفيه أخفيته في إحدى
عينيك؟ قال فبهت وسكت).
تاريخ بغداد: ٨/١٢٣: (عن سعدان قال: قال لي الحسين بن منصور: تؤمن بي حتى أبعث إليك بعصفورة تطرح من ذرقها وزن حبة على كذا منا من نحاس فيصير ذهباً؟! قال: فقلت له: بل أنت تؤمن بي حتى أبعث إليك بفيل يستلقي فتصير قوائمه في السماء، فإذا أردت أن تخفيه أخفيته في إحدى عينيك؟ قال فبهت وسكت... ووضع الحيل على تضليل الناس من جهات تشبه الشعوذة والسحر وادعاء النبوة... فأقام في الحبس سنين كثيرة، ينقل من حبس إلى حبس حتى حبس بأخرة في دار السلطان فاستغوى جماعة من غلمان السلطان وموَّه عليهم واستمالهم بضروب من حيله حتى صاروا يحمونه ويدفعون عنه ويرفهونه! ثم راسل جماعة من الكتاب وغيرهم ببغداد وغيرها فاستجابوا له، وتراقى به الأمر حتى ذكر انه ادعى الربوبية... وانتشر خبره وتكلم الناس في قتله، فأمر أمير المؤمنين بتسليمه إلى حامد بن العباس، وأمر أن يكشفه بحضرة القضاة، ويجمع بينه وبين أصحابه، فجرى في ذلك خطوب طوال ثم استيقن السلطان أمره ووقف على ما ذكر له عنه، فأمر بقتله وإحراقه بالنار. فأحضر مجلس الشرطة بالجانب الغربي يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلاثمائة، فضرب بالسياط نحوا من ألف سوط، وقطعت يداه ورجلاه، وضربت عنقه، وحرقت جثته بالنار، ونصب رأسه للناس على سور السجن الجديد، وعلقت يداه ورجلاه إلى جانب رأسه.... قال أبو بكر بن حمشاذ: حضر عندنا بالدينور رجل ومعه مخلاة فما كان يفارقها بالليل ولا بالنهار، ففتشوا المخلاة فوجدوا فيها كتاباً للحلاج عنوانه: من الرحمن الرحيم إلى فلان بن فلان، فوجه إلى بغداد قال: فأحضر وعرض عليه فقال: هذا خطي وأنا كتبته، فقالوا: كنت تدعي النبوة فصرت تدعي الربوبية؟! فقال: ما أدعي الربوبية ولكن هذا عين الجمع عندنا هل الكاتب إلا الله وأنا واليد فيه آلة؟! فقيل: هل معك أحد؟ فقال: نعم ابن عطاء، وأبو محمد الحريري، وأبو بكر الشبلي. وأبو محمد الحريري يستتر،
والشبلي يستتر، فإن كان فابن عطاء. فأحضر الحريري فسئل فقال: هذا كافر يقتل ومن
يقول هذا؟ وسئل الشبلي فقال: من يقول هذا يمنع. ثم سئل بن عطاء عن مقالة الحلاج
فقال بمقالته فكان سبب قتله..... لما أرادوا قتل الحسين بن منصور أحضر لذلك الفقهاء
والعلماء وأخرجوه وقدموه بحضرة السلطان فسألوه.... سمعت فارساً البغدادي يقول: لما
حبس الحلاج قيد من كعبه إلى ركبته بثلاثة عشر قيداً وكان يصلى مع ذلك في كل يوم
وليله ألف ركعة!.... قال لنا أبو عمر بن حيويه: لما أخرج حسين الحلاج ليقتل مضيت في
جملة الناس ولم أزل أزاحم حتى رأيته فقال لأصحابه: لا يهولنكم هذا، فإني عائد إليكم
بعد ثلاثين يوماً ثم قتل... والوزير إذ ذاك حامد بن العباس فانتهى إليه أن الحلاج
قد موَّهَ على جماعة من الحشم والحُجَّاب في دار السلطان، وعلى غلمان نصر القشوري
الحاجب وأسبابه، بأنه يحيي الموتى وأن الجن يخدمونه ويحضرون ما يختاره ويشتهيه،
وأظهر أنه قد أحيا عدة من الطير! وأظهر أبو علي الأوارجي لعلي بن عيسى أن محمد بن
علي القنائي وكان أحد الكتاب يعبد الحلاج ويدعو الناس إلى طاعته، فوجه علي بن عيسى
إلى محمد بن علي القنائي من كبس منزله وقبض عليه وقرره علي بن عيسى فأقر أنه من
أصحاب الحلاج، وحمل من داره إلى علي بن عيسى دفاتر ورقاعاً بخط الحلاج فالتمس حامد
بن العباس من المقتدر بالله أن يسلم إليه الحلاج ومن وجد من دعاته.... فقبض حامد
عليهم وناظرهم فاعترفوا أنهم من أصحاب الحلاج ودعاته وذكروا لحامد أنهم قد صح عندهم
أنه إله وأنه يحيى الموتى وكاشفوا الحلاج بذلك فجحده وكذبهم وقال: أعوذ بالله أن
أدعى الربوبية أو النبوة وإنما أنا رجل أعبد الله وأكثر الصوم والصلاة وفعل الخير
ولا أعرف غير ذلك).
تاريخ بغداد: ٨/١٣٣: (فكتب(القاضي أبو عمر) بإحلال دمه وكتب بعده من حضر المجلس،
ولما تبين الحلاج الصورة قال: ظهري حمى ودمي حرام وما يحل لكم ان تتأولوا على بما
يبيحه، واعتقادي الإسلام، ومذهبي السنة وتفضيل أبي بكر وعمر
وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبي عبيدة بن الجراح، ولي كتب في السنة موجودة في الوراقين فالله الله في دمي، ولم يزل يردد هذا القول والقوم يكتبون خطوطهم إلى أن استكملوا ما احتاجوا إليه، ونهضوا عن المجلس. ورد الحلاج إلى موضعه الذي كان فيه، ودفع حامد ذلك المحضر إلى والدي وتقدم إليه أن يكتب إلى المقتدر بالله بخبر المجلس وما جرى فيه وينفذ الجواب عنها، فكتب الرقعتين وأنفذ الفتوى درج الرقعة إلى المقتدر بالله، وأبطأ الجواب يومين فغلط ذلك على حامد ولحقه ندم على ما كتب به، وتخوف أن يكون قد وقع غير موقعه، ولم يجد بداً من نصرة ما عمله فكتب بخط والدي رقعة إلى المقتدر بالله في اليوم الثالث يقتضي فيها ما تضمنته الأولى ويقول: إن ما جرى في المجلس قد شاع وانتشر، ومتى لم يتبعه قتل الحلاج افتتن الناس به ولم يختلف عليه اثنان ويستأذن في ذلك، وأنفذ الرقعة إلى مفلح، وسأله إيصالها وتنجيز الجواب عنها وإنفاذه إليه، فعاد الجواب من المقتدر بالله من غد ذلك اليوم من جهة مفلح بأن القضاة إذا كانوا قد أفتوا بقتله وأباحوا دمه، فلتحضر محمد بن عبد الصمد صاحب الشرطة، وليتقدم إليه بتسلمه وضربه ألف سوط، فإن تلف تحت الضرب وإلا ضرب عنقه، فَسُرَّ حامد بهذا الجواب وزال ما كان عليه من الاضطراب، وأحضر محمد بن عبد الصمد وأقرأه إياه، وتقدم إليه بتسلم الحلاج فامتنع من ذلك وذكر أنه يتخوف أن ينتزع فأعلمه حامد أنه يبعث معه غلمانه حتى يصيروا به إلى مجلس الشرطة في الجانب الغربي، ووقع الاتفاق على أن يحضر بعد عشاء الآخرة ومعه جماعة من أصحابه، وقوم على بغال مؤكفة يجرون مجرى الساسة، ليجعل على واحد منها ويدخل في غمار القوم، وأوصاه بأن يضربه ألف سوط فإن تلف حز رأسه واحتفظ به وأحرق جثته، وقال له حامد: إن قال لك أجرى لك الفرات ذهباً وفضة فلا تقبل منه! ولا ترفع الضرب عنه فلما كان بعد عشاء الآخرة
وافى محمد بن عبد الصمد إلى حامد ومعه رجاله والبغال المؤكفة، فتقدم إلى غلمانه
بالركوب معه حتى يصل إلى مجلس الشرطة، وتقدم إلى الغلام الموكل به بإخراجه من
الموضع الذي هو فيه وتسليمه إلى أصحاب محمد بن عبد الصمد، فحكى الغلام أنه لما فتح
الباب عنه وأمره بالخروج وهو وقت لم يكن يفتح عنه في مثله، قال له: من عند الوزير؟
فقال محمد بن عبد الصمد، فقال: ذهبنا والله). انتهى.
سير أعلام النبلاء: ١٤/٣١٣، كما في تاريخ بغداد، بتفاوت في بعض فقراته، وفيه:
قال الفقيه أبو علي بن البناء: كان الحلاج قد ادعى أنه إله، وأنه يقول بحلول
اللاهوت في الناسوت، فأحضره الوزير علي بن عيسى فلم يجده إذ سأله يحسن القرآن
والفقه ولا الحديث فقال: تعلمك الفرض والطهور أجدى عليك من رسائل لا تدري ما تقول
فيها... قال السلمي: أكثر المشايخ ردوا الحلاج ونفوه، وأبوا أن يكون له قدم في
التصوف، وقبله ابن عطاء وابن خفيف والنصر آباذي. قلت: قد مر أن ابن خفيف عرض عليه
شيء من كلام الحلاج، فتبرأ منه..... وكان قد استغوى نصراً القشوري من طريق الصلاح
والدين، لا بما كان يدعو إليه، فخوف نصر السيدة أم المقتدر من قتله وقال: لا آمن أن
يلحق ابنك عقوبة هذا الصالح. فمنعت المقتدر من قتله فلم يقبل وأمر حامداً بقتله فحم
المقتدر يومه ذلك، فازداد نصر وأم المقتدر افتتاناً وتشكك المقتدر فأنفذ إلى حامد
يمنعه من قتله، فأخر ذلك أياماً إلى أن عوفي المقتدر. فألح عليه حامد وقال: يا أمير
المؤمنين! هذا إن بقي قلب الشريعة، وارتد خلق على يده وأدى ذلك إلى زوال سلطانك،
فدعني أقتله وإن أصابك شيء فاقتلني! فأذن له في قتله فقتله من يومه فلما قتل قال
أصحابه: ما قتل وإنما قتل برذون كان لفلان الكاتب نفق يومئذ! وهو يعود إلينا بعد
مدة، فصارت هذه الجهالة مقالة طائفة. قال: وكان أكثر مخاريق الحلاج أنه يظهرها
كالمعجزات يستغوي بها ضعفة الناس.... فمن بارد مخاريقه: أنه أحضر جراباً وقال له:
إذا حزبك أمر أخرجت
لك من هذا الجراب ألف تركي بسلاحهم ونفقتهم. فسقط من عينه واطرحه فجاء إليه بعد مدة
وقال: أنا أرد يد الملك أحمد بن بويه المقطوعة صحيحة فأدخلني إليه فصاح عليه وقال:
أريد أن أقطع يدك فإن رددتها حملتك إليه! فاضطرب من ذلك.... وقد جيء بكتب وجدت في
داره من دعاته في الأطراف يقولون فيها: وقد بذرنا لك في كل أرض ما يزكو فيها، وأجاب
قوم إلى أنك الباب يعني للإمام وآخرون يعنون أنك صاحب الزمان يعنون الإمام الذي
تنتظره الإمامية، وقوم إلى أنك صاحب الناموس الأكبر يعنون النبي وقوم يعنون أنك هو
هو يعني الله (عزَّ وجلَّ)!
قال: فسئل الحلاج عن تفسير هذه الكتب، فأخذ يدفعه ويقول: هذه الكتب لا أعرفها، هذه
مدسوسة علي، ولا أعلم ما فيها...
ذكر محمد بن إسحاق النديم الحسين الحلاج وحط عليه ثم سرد أسماء كتبه: كتاب طاسين
الأول، كتاب الأحرف المحدثة والأزلية، كتاب ظل ممدود، كتاب حمل النور والحياة
والأرواح، كتاب الصهور، كتاب تفسير: قل هو الله أحد، كتاب الأبد والمأبود، كتاب خلق
الانسان والبيان، كتاب كيد الشيطان، كتاب سر العالم والمبعوث، كتاب العدل والتوحيد،
كتاب السياسة، كتاب علم الفناء والبقاء، كتاب شخص الظلمات، كتاب نور النور، كتاب
الهياكل والعالم، كتاب المثل الأعلى كتاب النقطة وبدو الخلق كتاب القيامات. كتاب
الكبر والعظمة، كتاب خزائن الخيرات، كتاب موائد العارفين، كتاب خلق خلائق القرآن،
كتاب الصدق والإخلاص، كتاب التوحيد، كتاب النجم إذا هوى، كتاب الذاريات ذروا، كتاب
هو هو، كتاب كيف كان وكيف يكون، كتاب الوجود الأول، كتاب لا كيف، كتاب الكبريت
الأحمر، كتاب الوجود الثاني، كتاب الكيفية والحقيقة، وأشياء غير ذلك). انتهى. راجع
أيضاً سير الذهبي: ١٧/٢٥٤، وميزان الإعتدال: ١/٥٤٨،
وفي تاريخ ابن الأثير: ٨/١٢٦: (ذكر قتل الحسين الحلاج: في هذه السنة قتل
الحسين بن منصور الحلاج الصوفي وأحرق، وكان ابتداء حاله أنه كان يظهر الزهد والتصوف
ويظهر الكرامات ويخرج للناس فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، ويمد
يده إلى الهواء فيعيدها مملوءة دراهم عليها مكتوب قل هو الله أحد ويسميها دراهم
القدرة! ويخبر الناس بما أكلوه وما صنعوا في بيوتهم ويتكلم بما في ضمائرهم! فافتتن
به خلق كثير واعتقدوا فيه الحلول.... وأما سبب قتله فإنه نقل عنه عند عوده إلى
بغداد إلى الوزير حامد بن العباس أنه أحيا جماعة وأنه يحيي الموتى وأن الجن يخدمونه
وأنهم يحضرون عنده ما يشتهي وأنهم قدموه على جماعة من حواشي الخليفة وأن نصراً
الحاجب قد مال إليه، وغيره فالتمس حامد الوزير من المقتدر بالله أن يسلم إليه
الحلاج وأصحابه فدفع عنه نصر الحاجب فألح الوزير فأمر المقتدر بتسليمه إليه فأخذه
وأخذ معه إنساناً يعرف بالشمري وغيره قيل أنهم يعتقدون أنه إله! فقررهم فاعترفوا
أنهم قد صح عندهم أنه إله وأنه يحيي الموتى! وقابلوا الحلاج على ذلك فأنكره وقال
أعوذ بالله أن أدعي الربوبية أو النبوة وإنما أنا رجل أعبد الله (عزَّ وجلَّ)).
صلة تاريخ الطبري للقرطبي/٦٠: (وكان الحلاج هذا رجلاً غوياً خبيثاً ينتقل في
البلدان ويموه على الجهال ويرى قوماً أنه يدعو إلى الرضا من آل محمد ويظهر أنه سني
لمن كان من أهل السنة، وشيعي لمن كان مذهبه التشيع، ومعتزلي لمن كان مذهبه
الاعتزال! وكان مع ذلك خفيف الحركات شعوذياً قد حاول الطب وجرب الكيميا، فلم يزل
يستعمل المخاريق حتى استهوى بها من لا تحصيل عنده! ثم ادعى الربوبية وقال بالحلول!
وعظم افتراؤه على الله (عزَّ وجلَّ) ورسله! ووجدت له كتب فيها حماقات وكلام مقلوب
وكفر عظيم وكان في بعض كتبه إني المغرق لقوم نوح والمهلك لعاد وثمود! وكان يقول
لأصحابه: أنت نوح وأنت موسى وأنت محمد قد أعدت أرواحهم إلى أجسادكم! ويزعم بعض
الجهلة المتبعين له بأنه كان يغيب عنهم ثم ينزل عليهم من الهواء أغفل ما كانوا وحرك
لقوم يده فنثر منها دراهم،
وكان في القوم أبو سهل بن نوبخت النوبختي فقال له دع هذا وأعطني درهماً واحداً عليه
اسمك واسم أبيك، وأنا أو من بك وخلق كثير معي! فقال لا كيف وهذا ثم يصنع؟ فقال له
من أحضر ما ليس بحاضر صنع غير مصنوع!
قال محمد بن يحيى الصولي: أنا رأيت هذا الرجل مرات وخاطبته فرأيته جاهلاً يتعاقل
وعيياً يفصح وفاجراً يظهر التنسك ويلبس الصوف! فأول من ظفر به علي بن أحمد الراسبي
لما اطلع منه على هذه الحال فقيده وأدخله بغداد على جمل قد شهره وكتب بقصته وما ثبت
عنده في أمره، فأحضره علي بن عيسى أيام وزارته في سنة ٣٠١، وأحضر الفقهاء ونوظر
فأسقط في لفظه ولم يحسن من القرآن شيئاً، ولامن الفقه ولا من الحديث ولا من الشعر
ولا من اللغة ولا من أخبار الناس! فسخفه وصفعه وأمر به فصلب حياً في الجانب الشرقي،
ثم في الجانب الغربي ليراه الناس.
ثم حبس في دار الخليفة فجعل يتقرب إليهم بالسنة فظنوا ما يقول حقاً! ثم انطلق وقد
كان ابن الفرات كبسه في وزارته الأولى وعنى بطلبه موسى بن خلف فأفلت هو وغلام له،
ثم ظفر به في هذه السنة، فسلم إلى الوزير حامد. وكان عنده يخرجه إلى من حضره فيصفع
وينتف لحيته وأحضر يوماً صاحب له يعرف بالسمري فقال له حامد الوزير: أما زعمت بأن
صاحبكم هذا كان ينزل عليكم من الهواء أغفل ما كنتم؟ قال: بلى. فقال له: فلم لا يذهب
حيث شاء وقد تركته في داري وحده غير مقيد؟! ثم أحضر حامد الوزير القاضي والفقهاء
واستفتاهم فيه فحصلت عليه شهادات بما سمع منه أوجبت قتله... وذلك في آخر سنة ٣٠٩).
آراء بعض علماء السنة في الحلاج
مغني المحتاج للشربيني: ٤/١٣٤: (وقد سئل ابن سريج عن الحسين الحلاج لما قال: أنا
الحق فتوقف فيه وقال: هذا رجل خفي علي أمره وما أقول فيه شيئاً.
وأفتى بكفره بذلك القاضي أبو عمرو الجنيد وفقهاء عصره، وأمر المقتدر بضربه
ألف سوط.... والناس مع ذلك مختلفون في أمره، فمنهم من يبالغ في تعظيمه، ومنهم من
يكفره لأنه قتل بسيف الشرع، وجرى ابن المقري تبعاً لغيره على كفر من شك في كفر
طائفة ابن عربي الذين ظاهر كلامهم عند غيرهم الإتحاد وهو بحسب ما فهموه من ظاهر
كلامهم. ولكن كلام هؤلاء جار على اصطلاحهم إذ اللفظ المصطلح عليه حقيقة في معناه
الاصطلاحي مجاز في غيره، والمعتقد منهم لمعناه معتقد لمعنى صحيح، وأما من اعتقد
ظاهره من جهلة الصوفية فإنه يُعرَّف، فإن استمر على ذلك بعد تعريفه صار كافراً).
قال ابن العربي في تفسيره: ٢/٢٣٣: (فأما المؤمن بالإيمان الحقيقي الموحد التام
الاستعداد، المحب الغالب المحبة، فيصيبه كهيئة الزكمة، أي السَّكْرَة التي قال فيها
أبو زيد قدس الله روحه: سبحاني ما أعظم شأني! والحسين بن منصور (رحمه الله): أنا
الحق ثم يرتفع عنه سريعاً لمزيد العناية الإلهية وقوة الاستعداد الفطرية وشدة
المحبة الحقيقية، فيتنبه لذلك ويتعذب به غاية التعذب ويشتاق إلى الإنطماس في عين
الجمع غاية الشوق، فيقول: هذا عذاب أليم، ويطلب الفناء الصرف كما قال الحلاج:
بيني وبينك (أني) ينازعني فارفع بفضلك أني من البين!!
وأبدى الآلوسي في تفسيره: ٥/١٥٩، إعجابه بالحلاج وزعم أن معرفة الله اختلطت بكل
أجزاء بدنه حتى أن دمه كتب بكل قطرة منه كلمة (الله)! قال: وَاتَّخَذَ اللهُ
إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً: حيث تخللت المعرفة جميع أجزائه من حيث ما هو مركب، فلم يبق
جوهر فرد إلا وقد حلت فيه معرفة ربه (عزَّ وجلَّ)، فهو عارف به بكل جزء منه، ومن
هنا قيل: إن دم الحلاج لما وقع على الأرض أنكتب بكل قطرة منه الله).
ثم أفتى الآلوسي في: ١٦/٢١٤، بأن الحلاج معذور في ادعاء الألوهية! قال: اذْهَبْ إلى
فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى: جاوز الحد في المعصية حتى ادعى الربوبية، وذلك أثر سكر
القهر الذي هو وصف النفس الأمارة! ويقابله سكر اللطف وهو وصف الروح ومنه
ينشأ الشطح ودعوى الأنانية قالوا: وصاحبه معذور، وإلا لم يكن فرق بين الحلاج مثلاً
وفرعون). انتهى. وهذا غاية التحريف والكيل بمكيالين، في أمر واحد هو ادعاء
الألوهية، والعياذ بالله!
أما ابن تيمية فوجد حلاً لتصحيح ادعاءات أتباع الحلاج وغيرهم، من عقيدته بأن الله
تعالى يعطي فسقة الجن القدرة على المعجزات! قال في دقائق التفسير: ٢/١٤٢:
(كما جرى مثل هذا لي كنت في مصر في قلعتها، وجرى مثل هذا إلى كثير من الترك من
ناحية المشرق وقال له ذلك الشخص: أنا ابن تيمية، فلم يشك ذلك الأمير أني أنا هو!
وأخبر بذلك ملك ماردين وأرسل بذلك ملك ماردين إلى مصر رسولاً وكنت في الحبس
فاستعظموا ذلك، وأنا لم أخرج من الحبس، ولكن كان هذا جنياً يحبنا فيصنع بالترك
التتر مثل ما كنت أصنع بهم لما جاؤوا إلى دمشق، كنت أدعوهم إلى الإسلام فإذا نطق
أحدهم بالشهادتين أطعمتهم ما تيسر فعمل معهم مثل ما كنت أعمل! وأراد بذلك إكرامي
ليظن ذاك أني أنا الذي فعلت ذلك!
قال لي طائفة من الناس: فلم لا يجوز أن يكون ملكاً؟ قلت: لا، إن الملك لا يكذب،
وهذا قد قال أنا ابن تيمية وهو يعلم أنه كاذب في ذلك.
وكثير من الناس رأى من قال إني أن الخضر وإنما كان جنياً، ثم صار من الناس من يكذب
بهذه الحكايات إنكاراً لموت الخضر، والذين قد عرفوا صدقها يقطعون بحياة الخضر، وكل
من الطائفتين مخطئ فإن الذين رأوا من قال إني أنا الخضر هم كثيرون صادقون والحكايات
متواترة، لكن أخطؤوا في ظنهم أنه الخضر، وإنما كان جنياً! ولهذا يجري مثل هذا
لليهود والنصارى فكثيراً ما يأتيهم في كنائسهم من يقول إنه الخضر، وكذلك اليهود
يأتيهم في كنائسهم من يقول إنه الخضر، وفي ذلك من الحكايات الصادقة ما يضيق عنه هذا
الموضع يبين صدق من رأى شخصاً وظن أنه الخضر وأنه غلط في ظنه أنه الخضر وإنما كان
جنياً.
وقد يقول أنا المسيح أو موسى أو محمد أو أبو بكر أو عمر أو الشيخ فلان، فكل هذا قد
وقع والنبي (صلى الله عليه وآله) قال: من رآني في المنام فقد رآني حقاً فإن الشيطان
لا يتمثل في صورتي. قال ابن عباس: في صورته التي كان عليه في حياته، وهذه رؤيا في
المنام، وأما في اليقظة فمن ظن أن أحداً من الموتى يجيء بنفسه للناس عياناً قبل يوم
القيامة، فمن جهله أتي.
ومن هنا ضلت النصارى حيث اعتقدوا أن المسيح بعد أن صلب كما يظنون أنه أتى إلى
الحواريين وكلمهم ووصاهم، وهذا مذكور في أناجيلهم، وكلها تشهد بذلك وذاك الذي جاء
كان شيطاناً قال أنا المسيح ولم يكن هو المسيح نفسه.
ويجوز أن يشتبه مثل هذا على الحواريين كما اشتبه على كثير من شيوخ المسلمين ولكن ما
أخبرهم المسيح قبل أن يرفع بتبليغه فهو الحق الذي يجب عليهم تبليغه، ولم يرفع حتى
بلغ رسالات ربه، فلا حاجة إلى مجيئه بعد أن رفع إلى السماء.
وأصحاب الحلاج لما قتل كان يأتيهم من يقول أن الحلاج فيرونه في صورته عياناً وكذلك
شيخ بمصر يقال له الدسوقي بعد أن مات كان يأتي أصحابه من جهته رسائل وكتب مكتوبة،
وأراني صادق من أصحابه الكتاب الذي أرسله فرأيته بخط الجن وقد رأيت خط الجن غير
مرة!! وفيه كلام من كلام الجن، وذاك المعتقد يعتقد أن الشيخ حي وكان يقول انتقل ثم
مات، وكذلك شيخ آخر كان بالمشرق وكان له خوارق من الجن، وقيل كان بعد هذا يأتي خواص
أصحابه في صورته فيعتقدون أنه هو، وهكذا الذين كانوا يعتقدون بقاء علي أو بقاء محمد
بن الحنفية قد كان يأتي إلى بعض أصحابهم جني في صورته، وكذا منتظر الرافضة قد يراه
أحدهم أحياناً ويكون المرئي جنياً! فهذا باب واسع واقع كثيراً). انتهى.
أقول: هذه العقيدة تنسب إلى الله الظلم والعبث، تعالى الله عما يصفون، لأنها تزعم
أنه أعطى فسقة الجن القدرة على المعجزة، ولو صح ذلك لما أمكن تصديق
الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، لاحتمال أن يكونوا جناً كذابين!
ومن ناحية أخرى على صاحب هذه العقيدة أن يشك في كل إنسان يراه سواء كان نبياً أو
صالحاً أو طالحاً، فربما كان جنياً، ويسري هذا الشك إلى ابن تيمية في نفسه!
* * *
ابن أبي العزاقر الشلمغاني
قال المفيد في الفصول العشرة/١٦: (محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني، المتوفى
سنة٣٢٣، كان متقدماً في أصحابنا ومستقيم الطريقة، فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين
بن روح (رحمه الله) على ترك المذهب والدخول في المذاهب الردية، فظهرت منه مقالات
منكرة، وخرج في لعنه التوقيع من الناحية، له كتاب الغيبة). انتهى.
كان الشلمغاني في شبابه عالماً مستقيماً موثوقاً عند الشيعة، وعند السفير الحسين بن
روح (رحمه الله)، وله مؤلفات سليمة من أحاديث الأئمة (عليهم السلام). لكنه لما تقدم
به العمر أغواه الشيطان فكان كمن قال الله تعالى عنه:
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا
فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وبدأ الشلمغاني بادعاء
أنه سفير الإمام المهدي (عليه السلام) وأنه شريك ابن روح (قدّس سره)، وأخذ
الشلمغاني يخدع الناس بأنه مثل ابن روح سفير للإمام المهدي (عليه السلام)، ثم تدرج
في الحلول حتى ادعى أنه حل فيه الله تعالى وهو نفس الطريق الذي سار فيه الحلاج الذي
كان معاصراً له!
وقد استطاع الشلمغاني أن يؤثر على بعض شخصيات الشيعة في بغداد كآل بسطام فنشر فيهم
بدعة الحلول شبيهاً بمذهب المخمسة الكرخيين. وقد تقدمت رواية الشيخ الطوسي في قوله
لبني بسطام: (إن روح رسول الله (صلى الله عليه وآله) انتقلت إلى محمد بن عثمان،
وروح أمير المؤمنين (عليه السلام) انتقلت إلى الحسين بن روح، وروح مولاتنا فاطمة
(عليها السلام) انتقلت إلى بنت محمد بن عثمان.... فاستنكر الحسين بن روح هذه
المقالة، وقال: فهذا كفر بالله تعالى وإلحاد قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب
هؤلاء القوم، ليجعله طريقاً إلى أن يقول لهم: بأن الله تعالى اتحد به وحل فيه كما
يقول النصارى في المسيح (عليه السلام)! ويعدو إلى قول الحلاج لعنه الله... فلم يبق
أحد إلا وتقدم إليه الشيخ أبو القاسم وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه
وممن يتولاه ورضي بقوله أو كلمه فضلاً عن موالاته. ثم ظهر التوقيع من صاحب الزمان
(عليه السلام) بلعن أبي جعفر محمد بن علي والبراءة منه وممن تابعه وشايعه ورضي
بقوله وأقام على توليه بعد المعرفة بهذا التوقيع... ورقي ذلك إلى الراضي لأنه كان
ذلك في دار ابن مقلة(أي في مجلس رئيس الوزراء) فأمر بالقبض عليه وقتله، فقتل
واستراحت الشيعة منه).
وفي غيبة الطوسي/٣٠٨: (عن الحسن بن جعفر بن اسماعيل بن صالح الصيمري قال: لما أنفذ
الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) التوقيع في لعن ابن أبي العزاقر،
أنفذه من محبسه في دار المقتدر إلى شيخنا أبي علي بن همام (رحمه الله) في ذي الحجة
سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة، وأملاه أبو علي (رحمه الله) علي وعرفني أن أبا القاسم
راجع في ترك إظهاره، فإنه في يد القوم وفي حبسهم، فأمر بإظهاره وأن لا يخشى ويأمن،
فتخلص فخرج من الحبس بعد ذلك بمدة يسيرة والحمد لله).
* * *
وأصل
مذهب المخمسة مأخوذ من مذهب الحلول المجوسي، قالوا: (إن سلمان الفارسي والمقداد
وعماراً وأبا ذر وعمر بن أمية الضمري، هم الموكلون بمصالح العالم، تعالى الله عن
ذلك علواً كبيراً). (خلاصة الأقوال للعلامة/٣٦٤).
ثم نقلوها إلى النبي وعلي وفاطمة والحسنين صلوات الله عليهم! ولعل أول من أشاع ذلك
في بغداد أحمد بن هلال الكرخي، الملعون على لسان الإمام المهدي (عليه السلام)،
فسُمِّيَ أتباعه الكرخية والكرخيين. قال الطوسي في الغيبة/٤١٤: (وكان الكرخيون
مخمسة لا يشك في ذلك أحد من الشيعة، وقد كان أبو دلف يقول ذلك
ويعترف به ويقول: نقلني سيدنا الشيخ الصالح قدس الله روحه ونور ضريحه عن مذهب أبي
جعفر الكرخي إلى المذهب الصحيح، يعني أبا بكر البغدادي. وجنون أبي دلف وحكايات فساد
مذهبه أكثر من أن تحصى، فلا نطول بذكرها الكتاب ها هنا). انتهى.
وقصده بالمذهب الصحيح جعل الخمسة أصحاب الكساء (عليهم السلام) آلهة والعياذ بالله،
بدل سلمان وأبي ذر وعمار والمقداد والضمري!
وقد ترجم الحموي في معجم البلدان: ٤/٤٤٧، لكرخيٍّ آخر على نفس المذهب، لكنه من كرخة
الأهواز لا كرخة بغداد، قال: (أبو جعفر الكرخي المعروف بالجرو، وهذا الرجل مشهور
بالجلالة فيهم قديماً وكان مقيماً بالبصرة قال: وشاهدته أنا وهو شيخ كبير وقد اختلت
حاله فصار يلي الأعمال الصغار من قبل عمال البصرة، وكان أبو القاسم بن أبي عبد الله
البريدي لما ملك البصرة صادره على مال أقرف به وسمر يديه في حائط وهو قائم على
كرسي، فلما سمرت يداه بالمسامير في الحائط نُحِّيَ الكرسي من تحته وسلت أظافيره
وضرب لحمه بالقضيب الفارسي ولم يمت ولا زمن قال: ورأيته أنا بعد ذلك بسنين صحيحاً
لا عيب لهم إلا ما كانوا يرمون به من الغلو، فإن القاسم وولديه استفاض عنهم أنهم
كانوا مخمسة يعتقدون أن علياً وفاطمة والحسن والحسين ومحمداً (صلى الله عليه وآله)،
خمسة أشباح أنوار قديمة لم تزل ولا تزال، إلى غير ذلك من أقوال هذه النحلة وهي
مقالة مشهورة).
وترجم علماؤنا لعدد من المغالين الذين سلكوا طريق الشلمغاني والكرخيين، منهم علي بن
أحمد الكوفي الذي توفي سنة٣٥٢: (كان إمامياً مستقيم الطريقة وصنف كتباً كثيرة
سديدة، ثم خلط وأظهر مذهب المخمسة، وصنف كتابا في الغلو والتخليط وقال ابن
الغضائري: كذاب غال صاحب بدعة ومقالة). (خلاصة الأقوال للعلامة/٣٦٤).
أصل مذهب المُخَمِّسة من بشار الشعيري
ومذهب المخمسة تطوير لمذهب(العلياوية) الذي ظهر في زمن الإمام الصادق (عليه السلام)
فقد روى الطوسي (رحمه الله) في رجاله: ٢/٧٠١: (عن صفوان، عن مرازم، قال قال لي أبو
عبد الله (عليه السلام): تعرف مبشر، بشر بتوهم الاسم قال: الشعيري، فقلت: بشار؟ قال
بشار! قلت: نعم جار لي، قال: إن اليهود قالوا ووحدوا الله، وإن النصارى قالوا
ووحدوا الله، وأن بشاراً قال قولاً عظيماً! إذا قدمت الكوفة فأته وقل له: يقول لك
جعفر: يا كافر يا فاسق يا مشرك أنا بريء منك!! قال مرازم: فلما قدمت الكوفة فوضعت
متاعي وجئت إليه فدعوت الجارية، فقلت قولي لأبي إسماعيل هذا مرازم، فخرج إليَّ فقلت
له: يقول لك جعفر بن محمد: يا كافر يا فاسق يا مشرك أنا بريء منك! فقال لي: وقد
ذكرني سيدي! قال قلت: نعم ذكرك بهذا الذي قلت لك! فقال: جزاك الله خيراً وفعل بك،
وأقبل يدعو لي!! ومقالة بشار هي مقالة العلياوية يقولون إن علياً (عليه السلام) هرب
وظهر بالعلوية الهاشمية، وأظهر أنه عبده ورسوله بالمحمدية، فوافق أصحاب أبي الخطاب
في أربعة أشخاص علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وأن معنى الأشخاص الثلاثة
فاطمة والحسن والحسين تلبيس، والحقيقة شخص علي، لأنه أول هذه الأشخاص في الأمة.
وأنكروا شخص محمد (صلى الله عليه وآله) وزعموا أن محمداً عبد علي! وأقاموا محمداً
(صلى الله عليه وآله) مقام ما أقامت المخمسة سلمان وجعلوه رسولاً لمحمد (صلى الله
عليه وآله) فوافقوهم في الإباحات والتعطيل والتناسخ)!
وفي رجال الطوسي: ٢/٧٧٥: (عن عثمان بن عيسى الكلابي، أنه سمع محمد بن بشير يقول:
الظاهر من الإنسان آدم والباطن أزلي... لما مات أوصى إلى ابنه سميع بن محمد فهو
الإمام ومن أوصى إليه سميع فهو إمام مفترض الطاعة على الأمة إلى وقت خروج موسى بن
جعفر (عليه السلام)!... وزعموا أن الفرض عليهم من الله تعالى إقامة الصلوات الخمس
وصوم شهر رمضان، وأنكروا الزكاة والحج وسائر الفرائض، وقالوا بإباحة المحارم
والفروج والغلمان واعتلوا في ذلك بقول الله تعالى: أَوْ
يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ
يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ. وقالوا بالتناسخ.... وزعمت هذه
الفرقة والمخمسة والعلياوية وأصحاب أبي الخطاب أن كل من انتسب إلى أنه من آل محمد
فهو مبطل في نسبه مفتر على الله كاذب، وأنهم الذي قال الله تعالى فيهم إنهم يهود
ونصارى في قوله: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ
أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ
أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ... إذ كان محمد عندهم وعلي هو رب لا يلد ولا
يولد ولا يستولد! تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً.
وكان سبب قتل محمد بن بشير لعنه الله، لأنه كان معه شعبذة ومخاريق.... وكان عنده
صورة قد عملها وأقامها شخصاً كأنه صورة أبي الحسن (الإمام الكاظم (عليه السلام)) في
ثياب حرير وقد طلاها بالأدوية وعالجها بحيل عملها فيها حتى صارت شبيهاً بصورة إنسان
وكان يطويها فإذا أراد الشعبذة نفخ فيها فأقامها! وكان يقول لأصحابه ان أبا الحسن
(عليه السلام) عندي فإن أحببتم أن تروه وتعلموا أني نبي فهلموا أعرضه عليكم، فكان
يدخلهم البيت والصورة مطوية معه. فيقول لهم: هل ترون في البيت مقيماً أو ترون فيه
غيري وغيركم؟ فيقولون: لا، ليس في البيت أحد، فيقول: أخرجوا فيخرجون من البيت فيصير
هو وراء الستر ويسبل الستر بينه وبينهم ثم يقدم تلك الصورة، ثم يرفع الستر بينه
وبينهم، فينظرون إلى صورة قائمة وشخص كأنه شخص أبي الحسن لا ينكرون منه شيئاً ويقف
هو منه بالقرب فيريهم من طريق الشعبذة أنه يكلمه ويناجيه ويدنو منه كأنه يسارُّه،
ثم يغمزهم أن يتنحوا فيتنحون، ويسبل الستر بينه وبينهم فلا يرون شيئاً. وكانت معه
أشياء عجيبة من صنوف الشعبذة ما لم يروا مثلها فهلكوا بها فكانت هذه حاله مدة حتى
رفع خبره إلى بعض الخلفاء أحسبه هارون أو غيره ممن كان بعده من الخلفاء وأنه زنديق،
فأخذه وأراد ضرب عنقه فقال: يا أمير المؤمنين استبقني فإني أتخذ لك أشياء يرغب
الملوك فيها فأطلقه. فكان أول ما اتخذ له الدوالي، فإنه عمد إلى الدوالي فسواها
وعلقها وجعل الزيبق بين تلك الألواح،
فكانت
الدوالي تمتلئ من الماء وتميل الألواح وينقلب الزيبق من تلك الألواح فيتبع الدوالي
لهذا، فكانت تعمل من غير مستعمل لها وتصب الماء في البستان، فأعجبه ذلك مع أشياء
عملها يضاهي الله بها في خلقه الجنة. فقوده وجعل له مرتبة ثم إنه يوما من الأيام
انكسر بعض تلك الألواح فخرج منها الزيبق، فتعطلت فاستراب أمره وظهر عليه التعطيل
والإباحات. وقد كان أبو عبد الله وأبو الحسن (عليهما السلام) يدعوان الله عليه
ويسألانه أن يذيقه حر الحديد فأذاقه الله حر الحديد). انتهى.
أقول: لا يتسع الكتاب لتفصيل هذه المذاهب والبدع وأهلها وانخداع العوام بها، والذي
يهون أمرهم أنهم انتهوا جميعاً والحمد لله، ولم يبق منهم إلا قلة يؤلهون علياً
(عليه السلام)، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا. وقد دونت سيرهم عامة كتب الرجال عند
الشيعة والسنة.
حسد الشلمغاني للحسين بن روح (قدّس سره)
لعل ادعاء الشلمغاني بدأ بالانحراف يوم كان الحسين بن روح (قدّس سره) مستتراً من
السلطة قبل أن يعتقلوه ويسجنوه، ففي تلك الفترة جعل الشلمغاني وكيله فكان الشيعة
يراجعونه ويرسل اليه في استتاره رسائلهم وطلباتهم وأسئلتهم! ولا بد أن يكون عزله عن
وكالته، وجعل مكانه العالم الموثوق علي بن همام (قدّس سره).
روى الطوسي في الغيبة/٣٠٢، عن أبي غالب الزراري (رحمه الله) قال: قدمت من الكوفة
وأنا شاب إحدى قدماتي ومعي رجل من إخواننا قد ذهب على أبي عبد الله اسمه، وذلك في
أيام الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رحمه الله) واستتاره ونصبه أبا جعفر محمد بن
علي المعروف بالشلمغاني، وكان مستقيماً لم يظهر منه ما ظهر من الكفر والإلحاد، وكان
الناس يقصدونه ويلقونه لأنه كان صاحب الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح سفيراً بينهم
وبينه في حوائجهم ومهماتهم. فقال لي صاحبي: هل لك أن تلقى أبا جعفر وتحدث به عهداً
فإنه المنصوب اليوم لهذه الطائفة، فإني أريد أن أسأله شيئا من الدعاء يكتب به إلى
الناحية، قال: فقلت: له نعم، فدخلنا إليه
فرأينا عنده جماعة من أصحابنا فسلمنا عليه وجلسنا، فأقبل على صاحبي فقال: من هذا
الفتى معك، فقال له: رجل من آل زرارة بن أعين، فأقبل علي فقال: من أي زرارة أنت؟
فقلت: يا سيدي أنا من ولد بكير بن أعين أخي زرارة، فقال: أهل بيت جليل عظيم القدر
في هذا الأمر، فأقبل عليه صاحبي فقال له: يا سيدنا أريد المكاتبة في شيء من الدعاء
فقال: نعم. قال: فلما سمعت هذا اعتقدت أن أسأل أنا أيضاً مثل ذلك وكنت اعتقدت في
نفسي ما لم أبده لأحد من خلق الله حال والدة أبي العباس ابني وكانت كثيرة الخلاف
والغضب علي وكانت مني بمنزلة، فقلت في نفسي أسأل الدعاء لي في أمر قد أهمني ولا
اسميه، فقلت أطال الله بقاء سيدنا وأنا أسأل حاجة، قال: وما هي؟ قلت: الدعاء لي
بالفرج من أمر قد أهمني، قال: فأخذ درجاً بين يديه كان أثبت فيه حاجة الرجل فكتب:
والزراري يسأل الدعاء له في أمر قد أهمه! قال: ثم طواه فقمنا وانصرفنا. فلما كان
بعد أيام قال لي صاحبي: ألا نعود إلى أبي جعفر فنسأله عن حوائجنا التي كنا سألناه،
فمضيت معه ودخلنا عليه فحين جلسنا عنده أخرج الدرج، وفيه مسائل كثيرة قد أجيب في
تضاعيفها، فأقبل على صاحبي فقرأ عليه جواب ما سأل، ثم أقبل علي وهو يقرأ فقال: وأما
الزراري وحال الزوج والزوجة فأصلح الله ذات بينهما، قال فورد عليَّ أمر عظيم! وقمنا
فانصرفت، فقال لي: قد ورد عليك هذا الأمر فقلت: أعجب منه! قال: مثل أي شيء؟ فقلت:
لأنه سر لم يعلمه إلا الله تعالى وغيري فقد أخبرني به، فقال: أتشك في أمر الناحية؟
أخبرني الآن ما هو فأخبرته فعجب منه. ثم قضى أن عدنا إلى الكوفة فدخلت داري وكانت
أم أبي العباس مغاضبة لي في منزل أهلها فجاءت إلي فاسترضتني واعتذرت ووافقتني ولم
تخالفني حتى فرق الموت بيننا)!!
وفي غيبة الطوسي/٣٠٧: (عن الحسن بن جعفر بن اسماعيل بن صالح الصيمري قال: لما أنفذ
الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) التوقيع في لعن ابن
أبي
العزاقر أنفذه من محبسه في دار المقتدر إلى شيخنا أبي علي بن همام (رحمه الله) في
ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة، وأملاه أبو علي (رحمه الله) عليَّ وعرفني أن
أبا القاسم (رضي الله عنه) راجع في ترك إظهاره، فإنه في يد القوم وفي حبسهم فأمر
بإظهاره وأن لا يخشى ويأمن، فتخلص فخرج من الحبس بعد ذلك بمدة يسيرة والحمد لله).
وفي غيبة الطوسي/٣٠٧، عن أبي علي بن همام قال: أنفذ محمد بن علي الشلمغاني العزاقري
إلى الشيخ الحسين بن روح (رضي الله عنه) يسأله أن يباهله وقال: أنا صاحب الرجل وقد
أمرت بإظهار العلم وقد أظهرته باطناً وظاهراً فباهلني! فأنفذ إليه الشيخ (رضي الله
عنه) في جواب ذلك: أينا تقدم صاحبه فهو المخصوم، فتقدم العزاقري فقتل وصلب، وأخذ
معه ابن أبي عون، وذلك في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة). ومثله الخرائج: ٣/١١٢٢.
أقول: معنى ذلك أنه كان بين صدور البراءة منه ولعنه، وبين قتله أحد عشرة سنة، وأنه
تدرج في هذه السنين من ادعاء المشاركة في السفارة لابن روح (رحمه الله) وحلول أرواح
الأئمة في ابن روح ثم فيه، حتى وصل إلى ادعاء الألوهية والعياذ بالله! وستعرف أن
ابن عون الذي قتل معه كان يعتقد بألوهيته كاملاً! ولا نعرف هل اتبعه أحد من آل
بسطام الذين بدأ فيهم دعوته.
والغريب أنه حتى مع ادعائه الألوهيته وإعلان علماء الشيعة وعامتهم البراءة منه
ولعنوه، كان حتى أواخر أيامه مصراً على أنه هو سفير الإمام المهدي صلوات الله عليه،
وأنه أولى من الحسين بن روح (قدّس سره) فقد رووا أنه طلب منه المباهلة في أواخر
أيامه! قال الطوسي في الغيبة الطوسي/٣٩١: (وذكر أبو محمد هارون بن موسى قال: قال لي
أبو علي بن الجنيد قال لي أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني: ما دخلنا مع أبي القاسم
الحسين بن روح (رضي الله عنه) في هذا الأمر إلا ونحن نعلم فيما دخلنا فيه لقد كنا
نتهارش على هذا الأمر كما تتهارش الكلاب على الجيف. قال أبو محمد: فلم تلتفت الشيعة
إلى هذا القول وأقامت على لعنه والبراءة منه). انتهى.
أقول:
هذا من الشلمغاني من باب (عليَّ وعلى أعدائي يارب)! فقد انفضح أمره وأنه طالب دنيا
فزعم أن الحسين بن روح (قدّس سره) مثله طالب دنيا. لكن أين الثريا من الثرى! ويبدو
أن ذلك كان في السنة التي قتل فيها الشلمغاني سنة ٣٢٣.
ويفهم من اعترافات الشلمغاني المتكررة بأن الحسين بن روح سفير الإمام المهدي (عليه
السلام) وأنه على صلة به، أن مشكلته معه ليس تكذيب سفارته التي لمس صدقها مكرراً،
بل تكذيب ابن روح له في دعواه السفارة!
وحتى عندما بدأ انحرافه كان يجاهر بالاعتراف بسفارة الحسين بن روح (قدّس سره) فقد
فقد زعم لآل بسطام بأن روح أمير المؤمنين (عليه السلام) قد حلت فيه، كما اعترف بذلك
أيضاً في كتابه الغيبة الذي لم يصل الينا! قال الشيخ الطوسي (رحمه الله) في
الغيبة/٣٩١: (وذكر محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني في أول كتاب الغيبة الذي
صنفه: وأما ما بيني وبين الرجل المذكور زاد الله في توفيقه، فلا مدخل لي في ذلك إلا
لمن أدخلته فيه، لأن الجناية علي فإني وليها. وقال في فصل آخر: ومن عظمت منته عليه
تضاعفت الحجة عليه ولزمه الصدق فيما ساءه وسره، وليس ينبغي فيما بيني وبين الله إلا
الصدق عن أمره مع عظم جنايته، وهذا الرجل منصوب لأمر من الأمور لايسع العصابة
العدول عنه فيه، وحكم الإسلام مع ذلك جار عليه كجريه على غيره من المؤمنين). انتهى.
ومعناه أنه يعترف بأن الحسين بن روح منصوب بالسفارة من الإمام صلوات الله عليه،
ولكنه يعتبره ظالماً له لأنه لم يعترف بسفارته هو!
موقف الأئمة (عليهم السلام) من كتب المنحرفين: خذوا ما رووا وذروا مارأوا
غيبة الطوسي/٣٨٩: (وقال أبو الحسين بن تمام: حدثني عبد الله الكوفي خادم الشيخ
الحسين بن روح (رضي الله عنه)، قال: سئل الشيخ يعني أبا القاسم (رضي الله عنه) عن
كتب ابن أبي العزاقر بعدما ذم وخرجت فيه اللعنة فقيل له: فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا
منها ملاء؟ فقال: أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات
الله
عليهما وقد سئل عن كتب بني فضال، فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟ فقال
صلوات الله عليه: خذوا بما رووا وذروا ما رأوا).
رجال النجاشي/٣٧٨: (محمد بن علي الشلمغاني أبو جعفر المعروف بابن أبي العزاقر، كان
متقدما في أصحابنا، فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح على ترك المذهب والدخول
في المذاهب الردية، حتى خرجت فيه توقيعات، فأخذه السلطان وقتله وصلبه. وله كتب،
منها: كتاب التكليف، ورسالة إلى ابن همام، وكتاب ماهية العصمة، كتاب الزاهر بالحجج
العقلية، كتاب المباهلة، كتاب الأوصياء، كتاب المعارف، كتاب الإيضاح، كتاب فضل
النطق على الصمت، كتاب فضل العمرتين، كتاب الأنوار، كتاب التسليم، كتاب البرهان
والتوحيد، كتاب البداء والمشيئة، كتاب نظم القرآن، كتاب الإمامة الكبير، كتاب
الإمامة الصغير، قال أبو الفرج محمد بن علي الكاتب القنائي: قال لنا أبو المفضل
محمد بن عبد الله بن المطلب: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني في استتاره
بمعلثايا بكتبه).
وفي غيبة الطوسي/٣٩٣، عن محمد بن أحمد بن داود القمي قال: وجدت بخط أحمد بن إبراهيم
النوبختي وإملاء أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) على ظهر كتاب فيه جوابات
ومسائل أنفذت من قم يسأل عنها هل هي جوابات الفقيه (عليه السلام) أو جوابات محمد بن
علي الشلمغاني؟ لأنه حكي عنه أنه قال: هذه المسائل أنا أجبت عنها! فكتب إليهم على
ظهر كتابهم: بسم الله الرحمن الرحيم قد وقفنا على هذه الرقعة وما تضمنته فجميعه
جوابنا، ولا مدخل للمخذول الضال المضل المعروف بالعزاقري لعنه الله في حرف منه وقد
كانت أشياء خرجت إليكم على يدي أحمد بن بلال وغيره من نظرائه، وكان من ارتدادهم عن
الإسلام مثل ما كان من هذا عليهم لعنة الله وغضبه. فاستثبت قديماً في ذلك. فخرج
الجواب: ألا من استثبت فإنه لا ضرر في خروج ما خرج على أيديهم وإن ذلك صحيح.
وروي
قديماً عن بعض العلماء (عليهم السلام) والصلاة والرحمة أنه سئل عن مثل هذا بعينه في
بعض من غضب الله عليه وقال (عليه السلام): العلم علمنا ولا شيء عليكم من كفر من كفر
فما صح لكم مما خرج على يده برواية غيره له من الثقات رحمهم الله فاحمدوا الله
واقبلوه، وما شككتم فيه أو لم يخرج إليكم في ذلك إلا على يده فردوه إلينا لنصححه أو
نبطله، والله تقدست اسماؤه وجل ثناؤه ولي توفيقكم وحسبنا في أمورنا كلها ونعم
الوكيل). وفي: ٣٩٣: (قال ابن نوح: أول من حدثنا بهذا التوقيع أبو الحسين محمد بن
علي بن تمام، وذكر أنه كتبه من ظهر الدرج الذي عند أبي الحسن بن داود، فلما قدم أبو
الحسن بن داود وقرأته عليه ذكر أن هذا الدرج بعينه كتب به أهل قم إلى الشيخ أبي
القاسم وفيه مسائل فأجابهم على ظهره بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي، وحصل الدرج عند
أبي الحسن بن داود).
وفي غيبة الطوسي/٣٨٩: (عن أبي الحسين محمد بن الفضل بن تمام (رحمه الله) قال: سمعت
أبا جعفر بن محمد بن أحمد بن الزكوزكي (رحمه الله) وقد ذكرنا كتاب التكليف وكان
عندنا أنه لايكون إلا مع غال! وذلك أنه أول ما كتبنا الحديث فسمعناه يقول: وأيش كان
لابن أبي العزاقر في كتاب التكليف إنما كان يصلح الباب ويدخله إلى الشيخ أبي القاسم
الحسين بن روح (رضي الله عنه) فيعرضه عليه ويحككه فإذا صح الباب خرج فنقله وأمرنا
بنسخه، يعني أن الذي أمرهم به الحسين بن روح (رضي الله عنه). قال أبو جعفر: فكتبته
في الأدراج بخطي ببغداد. قال ابن تمام: فقلت له: تفضل يا سيدي فادفعه إلي حتى أكتبه
من خطك فقال لي: قد خرج عن يدي. فقال ابن تمام: فخرجت وأخذت من غيره فكتبت بعدما
سمعت هذه الحكاية). انتهى.
الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ٤/٤٠٦: (كتاب التكليف لأبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني
المعروف بابن أبى العزاقر المقتول. ألفه في حال استقامته فحمله الحسد لمقام الحسين
بن روح النوبختي على ترك المذهب... ويروى عنه هذا الكتاب أبو
المفضل الشيباني المتوفى٣٨٧، ويرويه عنه أيضاً والد الصدوق إلا رواية شهادة الرجل
لأخيه بغير علم). وفي: الذريعة: ٢١/١٨٧: (المعارف لأبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني
المعروف بابن أبي العزاقر). انتهى. هذا، ويرى بعضهم أن كتاب التكليف للشلمغاني هو
نفسه كتاب فقه الرضا لوالد الصدوق (رحمه الله).
الشلمغاني في مصادر السنيين
في تاريخ ابن الأثير: ٨/٢٩٠: (ذكر قَتْل الشلمغاني وحكاية مذهبه. وفي هذه السنة قتل
أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر، وشلمغان التي ينسب إليها
قرية بنواحي واسط. وسبب ذلك أنه قد أحدث مذهباً غالياً في التشييع والتناسخ وحلول
الإلهية فيه، إلى غير ذلك مما يحكيه، وأظهر ذلك من فعله أبو القاسم الحسين بن روح
الذي تسميه الإمامية الباب، متداولَ وزارة حامد بن العباس. ثم اتصل أبو جعفر
الشلمغاني بالمحسن بن أبي الحسن بن الفرات في وزارة أبيه الثالثة، ثم إنه طُلب في
وزارة الخاقاني فاستتر وهرب إلى الموصل فبقي سنين عند ناصر الدولة الحسن بن عبد
الله بن حمدان في حياة أبيه عبد الله بن حمدان، ثم انحدر إلى بغداد واستتر وظهر
عنده ببغداد أنه يدعي لنفسه الربوبية، وقيل إنه اتبعه على ذلك الحسين بن القاسم بن
عبد الله بن سليمان بن وهب، الذي وزر للمقتدر بالله، وأبو جعفر وأبو علي ابنا بسطام
وإبراهيم بن محمد بن أبي عون وابن شبيب الزيات وأحمد بن محمد بن عبدوس، كانوا
يعتقدون ذلك فيه! وظهر ذلك عنهم وطُلبوا أيام وزارة ابن مقلة للمقتدر بالله فلم
يوجدوا.
فلما كان في شوال سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة ظهر الشلمغاني فقبض عليه الوزير ابن
مقلة وسجنه وكبس داره فوجد فيها رقاعاً وكتباً ممن يدعي عليه أنه على مذهبه
يخاطبونه بما لايخاطب به البشر بعضهم بعضاً، وفيها خط الحسين بن القاسم فعرضت
الخطوط فعرفها الناس وعرضت على الشلمغاني فأقر أنها خطوطهم وأنكر
مذهبه وأظهر الإسلام، وتبرأ مما يقال فيه! وأخذ ابن أبي عون وابن عبدوس معه وأحضرا معه عند الخليفة وأُمرا بصفعه فامتنعا! فلما أُكرها مدَّ ابن عبدوس يده وصفعه، وأما ابن أبي عون فإنه مد يده إلى لحيته ورأسه فارتعدت يده فقبل لحية الشلمغاني ورأسه ثم قال: إلهي وسيدي ورازقي! فقال له الراضي: قد زعمت أنك لا تدعي الإلهية فما هذا؟ فقال: وما علي من قول ابن أبي عون، والله يعلم إنني لا قلت له إنني إله قط! فقال ابن عبدوس: إنه لم يدع الإلهية وإنما ادعى أنه الباب إلى الإمام المنتظر مكان ابن روح! وكنت أظن أنه يقول ذلك تقية! ثم أحضروا عدة مرات ومعهم الفقهاء والقضاة والكتاب والقواد، وفي آخر الأيام أفتى الفقهاء بإباحة دمه فصلب ابن الشلمغاني وابن أبي عون في ذي القعدة وأحرقا بالنار. وكان من مذهبه أنه إله الآلهة يحق الحق وأنه الأول القديم الظاهر الباطن الرازق التام المومأ إليه بكل معنى. وكان يقول إن الله سبحانه وتعالى يحل في كل شيء على قدر ما يحتمل، وأنه خلق الضد ليدل على المضدود، فمن ذلك أنه حل في آدم لما خلقه في إبليسه أيضاً وكلاهما ضد لصحابه لمضادته إياه في معناه، وأن الدليل على الحق أفضل من الحق، وأن الضد أقرب إلى الشيء من شبهه، وأن الله (عزَّ وجلَّ) إذا حل في جسد ناسوتي ظهر من القدرة والمعجزة ما يدل على أنه هو، وأنه لما غاب آدم ظهر اللاهوت في خمسة ناسوتية، كلما غاب منهم واحد ظهر مكانه آخر، وفي خمسة أبالسة أضداد لتلك الخمسة، ثم اجتمعت اللاهوتية في إدريس وإبليسه وتفرقت بعدهما كما تفرقت بعد آدم واجتمعت في نوح (عليه السلام) وإبليسه وتفرقت عند غيبتهما، واجتمعت في هود وإبليسه وتفرقت بعدهما، واجتمعت في صالح وإبليسه عاقر الناقة وتفرقت بعدهما، واجتمعت في إبراهيم وإبليسه نمروذ وتفرقت لما غابا واجتمعت في هارون وإبليسه فرعون وتفرقت بعدهما، واجتمعت في سليمان وإبليسه وتفرقت بعدهما، واجتمعت في عيسى وإبليسه فلما غابا تفرقت في تلامذة
عيسى وأبالستهم، ثم اجتمعت في علي بن أبي طالب وإبليسه، ثم إن الله يظهر في كل شيء وكل معنى وإنه في كل أحد بالخاطر الذي يخطر بقبله فيتصور له ما يغيب عنه حتى كأنه يشاهده، وأن الله اسم لمعنى وأن من احتاج الناس إليه فهو إله، ولهذا المعنى يستوجب كل أحد أن يسمى إلهاً، وأن كل أحد من أشياعه يقول إنه رب لمن هو في دون درجته، وأن الرجل منهم يقول أنا رب لفلان وفلان رب لفلان وفلان رب ربي حتى يقع الإنتهاء إلى ابن أبي العزاقر فيقول: أنا رب الأرباب لا ربوبية بعده. ولا ينسبون الحسن والحسين (رضي الله عنهما) إلى علي كرم الله وجهه لأن من اجتمعت له الربوبية لايكون له ولد ولا والد! وكانوا يسمون موسى ومحمداً الخائنين لأنهم يدعون أن هارون أرسل موسى وعلياً أرسل محمداً فخاناهما!! ويزعمون أن علياً أمهل محمداً عدة سنين أصحاب الكهف فإذا انقضت هذه العدة وهي ثلاثمائة وخمسون سنة انتقلت الشريعة! ويقولون إن الملائكة كل من ملك نفسه وعرف الحق وأن الجنة معرفتهم وانتحال مذهبهم والنار الجهل بهم والعدول عن مذهبهم. ويعتقدون ترك الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات ولا يتناكحون بعقد ويبيحون الفروج ويقولون إن محمداً بعث إلى كبراء قريش وجبابرة العرب ونفوسهم أبية فأمرهم بالسجود، وأن الحكمة الآن أن يمتحن الناس بإباحة فروج نسائهم وأنه يجوز أن يجامع الإنسان من شاء من ذوي رحمه وحرم صديقه وابنه بعد أن يكون على مذهبه! وأنه لا بد للفاضل منهم أن ينكح المفضول ليولج النور فيه ومن امتنع من ذلك قلب في الدور الذي يأتي بعد هذا العالم امرأة، إذ كان مذهبهم التناسخ! وكانوا يعتقدون إهلاك الطالبيين والعباسيين تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً. وما أشبه هذه المقالة بمقالة النصرية ولعلها هي هي فإن النصيرية يعتقدون في ابن الفرات ويجعلونه رأساً في مذهبهم. وكان الحسين بن القاسم بالرقة فأرسل الراضي بالله إليه فقتل آخر ذي القعدة وحمل رأسه إلى بغداد).
ونحوه وفيات الأعيان: ٢/١٥٦، قال: وفي هذه السنة قتل أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر، وسبب ذلك أنه أحدث مذهباً غالياً في التشيع والتناسخ وحلول الإلهية فيه إلى غير ذلك مما يحكيه، وأظهر ذلك من فعله أبو القاسم الحسين بن روح الذي تسميه الإمامية الباب، فطُلب ابن الشلمغاني فاستتر وهرب إلى الموصل وأقام سنين ثم انحدر إلى بغداد...). انتهى. وذكر أن الذي حاكمه هو الخليفة الراضي نفسه! ونحوه مآثر الإنافة: ١/٢٨٩، والوافي للصفدي: ٨/٢٢٦، و: ٤ /٨١، وفيه: وجرت أمور وأفتى العلماء بإباحة دمه فأحرق، وكان ابن أبي عون أحد أتباعه وهو الفاضل الذي له التصانيف المليحة مثل الشهاب والأجوبة المسكتة، وهو من أعيان الكتاب. ونحوه العبر لذهبي: ٢/١٩٧، وتاريخ الإسلام: ٢٤/١١٥، وسير أعلام النبلاء: ١٤/٥٦٧، وفيه: وقد كان أبو علي الحسين(بن أبي عون) ويقال: الجمال وزر للمقتدر في سنة تسع عشرة وثلاث مئة ولقبوه عميد الدولة وعزل بعد سبعة أشهر وسجن وعقد له مجلس في كائنة الشلمغاني ونوظر، فظهرت رقاعه يخاطب الشلمغاني فيها بالإلهية. وعاش ثمانياً وسبعين سنة. وشذرات الذهب: ١/٢٩٣، وفيه: وشاع أنه يدعي الآلهية وأنه يحيي الموتى، وكثر أتباعه فأحضره ابن مقلة عند الراضي بالله فسمع كلامه. ونهاية الإرب/٥١٨٩، وفيه: وكان مذهب الشلمغاني أنه إله الآلهة بحق الحق، وأنه الأول القديم الظاهر الباطن، الرازق التام، المومأ إليه بكل معنى. وكان يقول: إن الله سبحانه وتعالى يحل في كل شيء على قدر ما يحتمل، وإنه خلق الضد ليدل على المضدود فمن ذلك أنه حل في آدم (عليه السلام) لما خلقه، وفي إبليس لما خلقه وكلاهما ضد لصاحبه.. الخ. وهذه المقالة شبيهة بالمقالة النصيرية فإنهم يعتقدون في ابن الفرات، ويجعلونه رأساً في مذهبهم).
* * *
الشلمغانيون في عصرنا
كان الحلاج أذكى منهم جميعاً، فقد أتقن العمل لهدفه وعاش التصوف أو عايش المتصوفة،
وقدم أدبيات جديدة في العشق والفناء والتجلي والحلول!
وقد ترك ولده الصغير العزيز أمانة عند صديق له في بغداد، وسافر إلى الهند وتحمل
فيها الفقر والغربة حتى تعلم الشعوذة والسحر.
كما كان الشلمغاني أعلم منهم جميعاً، فقد درس وباحث حتى وصل إلى مرحلة علمية
متقدمة، وألف في زمن استقامته كتباً اعتمدها علماؤنا حتى بعد انحرافه وكفره عملاً
بقاعدة (خذوا ما رَوَوْا وذَرُوا ما رَأوْا).
أما الشلمغانيون في عصرنا، المدعون السفارة عن الإمام (عليه السلام) وأنهم على
علاقة به يأخذون منه الأوامر والتوجيهات لهم ولأتباعهم! فلا عندهم ذكاء الحلاج
وجاذبيته، ولا علم الشلمغاني وماضيه في الإستقامة! نعم هم يشتركون مع الشلمغاني
والحلاج وأمثالهم من مدعي السفارة في أمور:
الأول: التأرجح بين قلت ولم أقل وفعلت ولم أفعل! وهو صفة المناور الذي يريد أن
يحتفظ بموقع وسطي، فلا يقع في عقوبة الإقرار، ولا يترك البدعة والإصرار!
الثاني: التخفي والسِّرِّية، لأنهم يخافون من الناس الذين يعرفون أنهم كذابون أن
يناظروهم أو يؤذوهم، ويخافون من غير المعادين أن يطلبوا منهم دليلاً لا يملكونه!
وقد اتخذوا في العراق وبعض البلاد الأخرى شكل تنظيم حزبي سري، يُصدر رئيسه لأتباعه
أوامر وبرامج، ويتدخل في أمورهم الشخصية حتى في ملابسهم، بل يتدخل في حياتهم
العائلية ويصدر أوامر بطلاق الأزواج وبالزواج! ويُبَلِّغهم كل ذلك على أنه أوامر من
الإمام المهدي (عليه السلام) أو من سفيره ووكيله الذي هو حضرته!
الثالث: إذا قرأت لأحدهم أو رأيته كيف ينظر إلى نفسه، لرأيت أنه يحمل في رأسه ألف
طن من الغرور، لأنه يريد أن يتقمص شخصية رجل يلتقي بالإمام (عليه السلام) الذي هو
ولي الله في أرضه وحجته على عباده، ويكون صاحبه الخاص وسفيره إلى العالم، والأمر
الناهي باسمه! وهذا يستلزم منه أن يعظِّم نفسه، وقد يغرق في تعظيمها حتى ينفضح! وفي
نفس الوقت تراه ينظر إلى عامة المسلمين والمؤمنين
على أنهم همجٌ رعاع لا يفهمون ولا يعقلون، لأنهم لا يقبلون دعوته ولا يطيعونه! ولو
أطاعوه لصاروا أذكياء فاهمين، وربما جعلهم عباقرة!
الرابع: خوفهم من لغة الوضوح السهلة الممتنعة التي هي البلاغة، وحرصهم على لغة
رمزية متعمدة الصنعة، ليوهموا الناس أنهم أهل علم وبلاغة، ومعانٍ عميقة تحتاج إلى
تفهيم وشرح للعوام! وليهربوا من مسؤولية الكلام الصحيح الصريح!
الخامس: أنهم جميعاً يستعملون لغة العرفان والتصوف في علاقة المريد بالمراد والسالك
بالشيخ، ولقلقة اللسان بمفاهيم المقامات الربانية، والسير إلى الله تعالى، والعشق
الإلهي، حتى يصلوا إلى التجلي!
وفي هذا التجلي الكاذب تكمن عندهم بذور الحلول، وميكروب ادعاء الألوهية!
* * *
طلبت
حضور أحدهم لأناقشه في دعواه السفارة للإمام روحي فداه، فلم يحضر! لكنه بعد مغادرتي
البلد، أرسل لي رسالة يشكو فيها أني سمعت فيه كلام الناس، وطلب مني أن لا أنشر
اسمه! قال في رسالته ما نصه:
(فكلّ ما نُقِلَ لك عنّا هو افتراءٌ علينا..... فما بالك ونحن نستعيذُ بالله من
الجَهَلة، والذين لا بدَّ لمسْتَ لَمَماً من بعضهم منْ ضحالة أسئلتهم لك وبسيطِ
اهتماماتهم التي تسأل عنْ أغلفةِ مولاها سيّدِ العالم حجّةِ الدهر ومنجاة العالمين
"ص"، تستفهم لا عن معناه وحقيقته وآثاره وأهدافه وآماله وآلامه وشؤونه وقضاياه، بل
الأسئلة التي لا تُدْرِك مِنْ معنى إمامها إلا القشورَ والزبَدَ والنّقشةَ والصورة،
مِنْ سردابٍ وجُبّةٍ وخاتَمٍ وخالٍ وشذراتٍ مِن روايات الوصْف (الصحيحِ بعضُها)
والتي ظاهرُها لا يفيد أهلَ الباطن وباطنُها لا يُفيد أهلَ الظاهر، وباطنُها
وظاهرُها معاً لا يُغني أهلَ الجهادِ والعمل والتحقيق والتمكين. أما حالُ السائلين
بها ويا للحسرة فمخالفٌ لحالِ مولاها المسئولِ عنه (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)
بعيدٌ عن روحه، ملتمسٌ غيرَ الذي يَسُرّه، غيرُ لاهجٍ لهجَه ولا
بناهجٍ نهجه ولا مُعتلجٍ ومُعالجٍ لقضاياه.
فهل تعتقدُ يا مولانا الشيخ بأنّ تلك الحشودَ قد اقتربتْ مِن مولاها الأعظم، بتلكم
الأسئلةِ الهشّة والتعريف الهيكلي، أو أنّها نالت زلفاها بالسخرية منّا والتجييش
علينا؟! فإنّا لله وهو المُستعان.. فوحقِّ مولاك لقد كانوا هم هكذا قبل أنْ تجيء،
وهكذا يكونون بعد أنْ رحلتَ.. هكذا هم بالأمس واليوم وغداً.... بعيدون جداً عنْ
إمامهم بعيدون بالمعرفة والأخلاق والإخلاص والعمل، بعيدون بروح الدين والتمزّق
والتناكر.... فلم يستفيدوا مِن وجودك بين ظهرانيهم شيئاً منْ ورَعِك وزكاتك وتقواك
وتحقيقِك، ونخشى أنْ تكون أنت مَنْ استفدتَ منهم مِنْ مرير ما يُفترى به علينا،
تأخذُه أخذَ الحقيقة، وتُمضيه إمضاءَ الرواية الموثوقة).
وأجبته عن هذه الفقرة بما نصه:
تعليقي على هذا الكلام: أني أستغفر الله مما تفضلت به عليَّ من مدح، فأنا لست أهلاً
لأن أكون داعياً إلى مولاي ولا شادياً بعظيم مدائحه التي خصه الله بها، ومفاخره
التي تَوَّجَهُ الله بها صلوات ربي عليه.. وإنما أنا عبد مسكين ينسبني الناس إلى
شيعته ومواليه وموالي آبائه الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم، ويسألونني عما قرأته
عنهم وكل أملي أن يشملني مولاي برضاه، ويرحم تهمة الناس لي بأني قريب منه.
وأما كلامك عن المؤمنين الذين يحتشدون حول من يَذْكر مولاهم، ويَسْتَحْفَونه السؤال
لعله يحكي لهم عنه.. فهو خطأ ذريع في تقييمك لهؤلاء الأبرار، الذين قد يكون منهم
البَدَل المصطفى، وولي الله الذي لا ترد له دعوة، الذي لو أراد الله أن يختار من
يضع عنده سره، ويودع في قلبه مشيئته، لاختاره دونك ودوني!
إن هذه النظرة الخاطئة في التقييم لعوام المؤمنين بابٌ يؤتى منه الإنسان فينفث في
أذنه الشيطان، ويتخيل أنه خير من العامي الذي يسأل عن لباس مولاه وشكله، وعن
بسمته
وغضبه، ويرى أنه أقرب من العامي إلى فهم معنى مولاه (وحقيقته وآثاره وأهدافه وآماله
وآلامه وشؤونه وقضاياه) كما عبرت وللأسف..
اللهم إني أعوذ بك من أزدريَ مؤمناً وقد أخفيتَ وليَّك في عبادك، وأعوذ بك أن أدعي
أني خير من عامي ذي اسمال، أو أمي يصنف في الجهال.. فإنما هي قلوب عبادك المستور
عالمها عنا، تعمر ما شئت منها بما شئت من مواهبك اللدنية وعطاياك السنية، وتُفقر
قلب العبد الخاسر إن شئت بمجازاته وحرمانه، وقد قال وليك وحجتك الإمام الصادق (عليه
السلام) ما معناه: (ترى الرجل خطيباً مصقعاً لا يخطئ بلام ولا واو، وإن قلبه لأظلم
من الليل المظلم، وترى الرجل لايكاد يبين عما في نفسه، وإن قلبه ليزهر كالمصباح).
يشهد الله أني أتبرك بمجالس العوام الذين يأتون ليستمعوا إلى عزاء أبي عبد الله
الحسين (عليه السلام)، أو فضائل أحد من أهل بيت النبوة الطاهرين (عليهم السلام)،
لأني آمل أن تكون محلَّ فيض عطاء رب العالمين، وعناية ولي المؤمنين، بسبب عجوز
أثقلتها السنون وحملت نفسها إلى مجلسهم ووكفت دمعتها لذكراهم، أو بسبب طفل يتيم جاء
شوقاً ليسمع ذكر مواليه، فقصده الإمام روحي فداه، أو أرسل اليه من يمسح على رأسه،
كرامة له أو لأمه وأبيه).
وكتب في جوابه عن فقرة أخرى: (وقلتم هداني الله وإياكم: (هذا كلّه ونحنُ لمْ ندّعِ
الزندقةَ ولا الإلحاد، ولا المُجونَ ولا الفساد، بل ادّعينا ما أُمِرنا أنْ ندّعيه،
أنّا تشرّفنا باللّقاء بمنْ هو خيْرٌ لنا مِنْ كلّ هذه العباد... الخ).
واسمحوا لي بتعليق على قولكم: (أنّا تشرّفنا باللّقاء بمنْ هو خيْرٌ لنا مِنْ كلّ
هذه العباد)، فهل المسألة الكبرى في اللقاء أنه تعويضٌ لكم عن هؤلاء العباد؟! وهل
هذه الزاوية الشخصية أعظم ما في اللقاء عندكم؟! أين نعيكم على العوام أنهم لا
يفهمون المعنى في حجة الله على خلقه (وحقيقته وآثاره وأهدافه وآماله وآلامه وشؤونه
وقضاياه)؟! أعتقد لو أن عامياً موقناً، مستوفر العقل صافي القلب، تشرف بلقائه (عليه
السلام) لكان شغله الشاغل مولاه، وأنوار معناه ومبناه، ولأذهله عن نفسه، وأن يكون
لقاؤه به أو لا يكون عوضاً عن ذم الذامين وأذى المؤذين وظلم الأقربين! فأنى لمن
زَهَرَ مصباح اليقين في قلبه وفنيت ذاته في ربه وتعلقت بمولاه، أن يشغله من مولاه
ما يتعلق بذاته، وأنه حصل على ما هو خير له من هذه العباد؟!
ثم إن كلامكم هذا لب المطلب، فأنتم تدَّعون تشرفاً بلقاء ولي الله وحجته صلوات الله
عليه، وتدعون أنه روحي له الفداء أمركم بإعلان هذ الإدعاء.
وهذه أسئلة أرجو أن تجيبوني عليها:
١ - جاء كلامكم بضمير الجمع: (بل ادّعينا ما أُمِرنا أنْ ندّعيه، أنّا تشرّفنا
باللّقاء) فهل تشرفتم باللقاء جميعاً، أو تشرف صاحبكم، وأنتم تشرفتم بواسطته؟
٢ - هل أمركم المولى روحي فداه بمجرد إعلان اللقاء وإخبار الناس به وأن تتحملوا
تكذيبهم وأذاهم، أم أمركم بدعوة الناس اليه؟ فإني لم اسمع إلى الآن من أحد فاز بشرف
اللقاء أنه ادعى أنه أمره بإعلان ذلك، فضلاً عن الدعوة اليه!
٣ - هل صحيح ما نقل عنكم أو عن بعضكم أنه يدعي أنه أعطي قدراً من ولاية المولى
(عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، فصار أولى بالناس من الأب والأم والزوج وحاكم
الشرع؟
٤ - هل أمركم المولى بأن تكونوا حزباً سرياً، أو تؤسسوا جمعيات ومؤسسات! وتعملوا
لكسب الناس إلى حزبكم ومؤسساتكم ودعوتكم؟!
وكتبت لأحدهم في جواب فقرة أخرى:
إن ما ينقل عنك أمرٌ عظيم، وأي ادعاء لبشر منا أكبر من قوله إنه على صلةٍ بحجة الله
في أرضه وأمينه على سره، وأنه يتلقى التوجيهٍ منه، صلوات الله عليه؟!
فوالله إني أتشرف أن أكون خادماً طول عمري لمن أقام دليلاً على ذلك!
وسؤالي الأول: أن هذه الدعوى العظيمة وهي التشرف بلقاء الإمام المهدي صلوات الله
عليه، والحظوة بالتوجيه المباشر منه والنيابة عنه دعوى خطيرة لا تصلح
بدون
دليل ولا يصلح الدليل عليها إلا أن يكون لائقاً بمستواها السامي، وضوحاً تشرق منه
الآفاق، ويقيناً تخضع له الأعناق.. فأين هو الدليل؟
والسؤال الثاني: أن من كان في هذا المقام الشامخ المدعى، لا يحتاج إلى حزب
وتشكيلات، لأنه متصل بمن عنده الاسم الأعظم، والقلوب بيده كالخاتم! كما لا يحتاج
إلى جمعيات ومؤسسات ومنافسات وانتحابات.. لأن من له صلة بمولى الكل يكون بمثابة
الأب لجميع المؤمنين، ففيضه يصل إلى الأقربين والأبعدين. فهل معنى التحزب والتنافس
إلا الاحتياج لما يحتاج إليه العوام، والفقر مما يغني عن الحطام؟!
فكيف نجمع بين ادعائكم لهذا المقام الرباني الأبوي السامي وبين السلوك الحزبي مع
الأتباع كرئيس كشافة مع أشبال صغار، أو كقائد ميليشيا مع منتمين أغرار! والسلوك
التنافسي مع المخالفين كالذي يسود في بلادنا بين الفئات والتحزبات شبيهاً بسلوك
المخابرات الغربية، أو الفضوليات الشرقية!
ما زلت أرجو جواباً لهذا الارتياب، بأن تقيموا لي الدليل فأصدقكم، أو تعجزوا عنه
فأكون معذوراً إن قلت إنهم يدعون دعاوي عظيمة، بلا دليل!
وغني عن القول أن الدليل هنا لا يصح أن يكون إلا معجزة صريحة واضحة، تتناسب مع
خطورة الدعوى، وعظمة المدعي إن صدق!
* * *
دخل عليَّ معمم في الثلاثينات من عمره فرحبت به، قال: أنا أحمل رسالتين، واحدة لك والثانية للسيد القائد الخامنئي. سألته ممن؟ قال من صاحب الزمان (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) سألته بتعجب: هل أنت متأكد؟ قال نعم، قلت: هل تعرف معنى ما تقول وأن معناه أنك التقيت بولي الله وخليفته في أرضه صلوات الله عليه، وأعطاك رسالتين وأمرك أن توصلهما إلى شخصين؟ قال: نعم. قلت له: اسمع، أنا لست حاضراً أن أستلم منك هذه الرسالة حتى تأتيني بدليل. قال: وما الدليل الذي تريد؟ قلت: ما دمت
متصلاً بالإمام (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) فهو لا تُرَد له دعوة، فقل له إن
فلاناً رفض أن يستلم الرسالة حتى تدعو له الله تعالى أن يعيد لون شعر لحيته كما كان
قبل الشيب.
وشرحت له أن الذي يدعي اللقاء بالإمام (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) وأنه كلفه
بتبليغ أي شيء لعامة الناس أو لشخص، فهو يدعي السفارة الخاصة، ولا يجوز تصديقه إلا
بمعجزة!
وشرحت له أن اليماني الذي تدعي أنك هو، إنما هو وزير الإمام المهدي (عجَّل الله
تعالى فرجه الشريف) الذي يحكم اليمن، ويظهر في رجب، فهذه اليمن أمامك فاذهب
واحكمها!
أمام هذا الشرح ومطالبته بدليل، سكت الرجل فانشغلت بالكتابة، وبعد مدة قال: هل تقبل
بالدليل أن ترى الليلة مناماً؟ قلت له: ولا عشرين مناماً! إن ديننا ومذهبنا مبني
على أدلة قطعية، فكيف تريدني أن أبني ديني على منامات؟! فقام وانصرف!
* * *
وأكثر
منه بؤساً شخص يدعي أنه (وصي ورسول الإمام المهدي) يعني يخبرنا بزعمه أنه سيعيش إلى
ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) وسيكون هو وصيه وحاكم العالم
بعده! وقد كان هذا البصري ادعى أنه اليماني وتشارك في الدعوى مع صاحبنا المتقدم
فاختلفا، فتنازل له البصري عن ادعاء اليماني! واستعاض عنها بدعوى أنه رسول الإمام
(عليه السلام) وسفيره ووصيه! وكتب مناشير دعا فيها علماء جميع الأديان إلى المباهلة
(فإن لم يستجيبوا لدعوتي فليعلموا أنهم ومن يتبعهم في ضلال مبين، وسيبيدهم الله
بالعذاب والمثلات)! وختم بيانه بختم هو نجمة سداسية!
والعجيب أن لهما ولأمثالهما أنصاراً من رجال ونساء، فيهم الجهلة وفيهم المشيطنين،
ولهم فعاليات ما زالت قائمة في العراق!
* * *
وأكثر بؤساً من الجميع شخص كان طالباً عادياً في قم، وسمع برواية الحسني في أنصار الإمام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) التي يطبقها بعضهم على قائد إيران، وتخيل من بعض رواياتها أنه يوجد حسني موعود في العراق، فبدأ بادعاء أنه سيد هاشمي وأنه هو الحسني الموعود، مع أنه من عشيرة لم يدع أحد منها أنهم من بني هاشم!
ثم
ادعى أنه يلتقي بالإمام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) ويأخذ منه
التوجيهات! وبعد سقوط صدام شكل(الحسني) جماعةً وأنصاراً ودعا الناس إلى تقليده لأنه
أعلم العلماء، وزعم أنه صدر اليه الأمر من الإمام المهدي (عليه السلام) أن يكون
مرجعاً! وأنه يدعو كبار المراجع والفقهاء إلى مناظرته، لأن العلم ليس بالتعلم، بل
هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء وقد قذفه في قلبه حتى امتلأ وفاض!
وله قصص وأنصار، من الجهلة والمشيطنين من الرجال والنساء، ومن قصصه أنهم طلبوا منه
دليلاً أن يجمعهم بالإمام المهدي (عليه السلام) فقبل وواعدهم ليلاً في الصحراء وذهب
معه عشرات الأشخاص، وانتظروا حتى حان الوقت فلم يروا شيئاً! فقالوا له: ها قد صارت
الساعة الثانية ليلاً وأنت وعدتنا الساعة الواحدة! فقال: ألم تروه؟ قالوا: لا! قال:
هذا من ذنوبكم، أما أنا فقد رأيته وكلمته!
ومن قصصه التي نقلها كثيرون ولم أتوثق من سندها، أنه أعلن زواج الإمام المهدي (عليه
السلام) من شقيقته، ونصب خياماً وذبح ذبائح، ودعا الناس إلى وليمة العرس!
وله مؤلفات! لعل أكبرها كتابه(الدجال) وهو يدل على سطحية بالغة، فأحاديث الدجال
عنده كلها صحيحة بما فيها الضد والنقيض! فهو يقبل دجال تميم الداري المسجون من عهد
سليمان (عليه السلام) في جزيرة تشبه قبرص وسيبقى محبوساً حتى يخرج، ويقبل دجال عمر
الذي هو عبد الله بن صائد الذي ولد في زمن عمر وسيبقى حياً حتى يخرج! ويقبل أن
الدجال هم بنو أمية وأعداء أهل البيت (عليهم السلام)، ويقبل أن الدجال هو أمريكا
وإسرائيل، وهو يركز في كتابه على أن الناس والفقهاء والمراجع هم أنصار الدجال،
لأنهم لم يطيعوه ويقاتلوا الأمريكان، فهم جميعاً أتباع الدجال الأمريكي وأعداء
الإمام المهدي (عليه السلام) وأعداء سفيره ووكيله الحسني!
في الختام، فإن المشكلة في العمق ليست في هؤلاء المدعين، بقدر ما هي في قدرتنا على
رفع مستوى الوعي والمعرفة في الجماهير المؤمنة بالإمام المهدي (عجَّل الله تعالى
فرجه الشريف)،
فلو انتشر فيهم الوعي الصحيح لما أمثال هؤلاء المدعين من يصغي إليهم!
* * *
تم
كتاب المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)
والحمد لله رب العالمين